التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) : «أي أراد أن يخرجهم من الأرض ، وقد علم فرعون وقومه أن ما أنزل تلك الآيات إلا الله ، وأمّا قوله : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) يقول : جميعا» (١).

وفي رواية علي بن إبراهيم : (فَأَرادَ) يعني فرعون (أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) أي يخرجهم من مصر (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي : من كلّ ناحية. قال : قوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) : أي على مهل (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) ثمّ قال : يا محمّد ، (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) يعني من أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) قال : الوجه (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وهم قوم من أهل الكتاب آمنوا بالله (٢).

وقال إسحاق بن عمّار ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال : يسجد ما بين طرف شعره ، فإن لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن ، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر ، فإن لم يقدر فعلى ذقنه». قلت : على ذقنه؟ قال : «نعم ، أما تقرأ كتاب الله عزوجل : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)(٣).

* س ٥٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (١١٠) [سورة الإسراء : ١١٠]؟!

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣.

٢٤١

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المخافتة : ما دون سمعك ، والجهر : أن ترفع صوتك شديدا» (١).

وقال جابر سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تفسير هذه الآية في قول الله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً).

قال : «لا تجهر بولاية عليّ عليه‌السلام فهو الصلاة ، ولا بما أكرمته به حتى آمرك به ، وذلك قوله : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) ، وأمّا قوله : (وَلا تُخافِتْ بِها) فإنّه يقول : ولا تكتم ذلك عليّا عليه‌السلام ، يقول : أعلمه بما أكرمته به ، فأمّا قوله : (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ، يقول : تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر عليّ عليه‌السلام ، بولايته. فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خمّ ، فهو قوله يومئذ : اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (٢).

* س ٥٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (١١١) [سورة الإسراء : ١١١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : لم يذلّ فيحتاج إلى وليّ ينصره (٣).

قال الباقر عليه‌السلام : «قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فقد رجلا ، فقال : ما أبطأ بك عنّا؟ فقال : السّقم والعيال. فقال : ألا أعلمك بكلمات تدعو بهنّ ، ويذهب الله عنك السّقم وينفي عنك الفقر؟ تقول : لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم ، توكّلت على الحيّ الذي لا يموت ، والحمد لله الذي لم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له وليّ من الذلّ وكبّره تكبيرا» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٩ ، ح ١٧٨.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٩ ، ح ١٨٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، ح ١٨١.

٢٤٢

تفسير

سورة الكهف

رقم السورة ـ ١٨ ـ

٢٤٣
٢٤٤

سورة الكهف

* س ١ : ما هو فضل سورة الكهف؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عبد يقرأ آخر الكهف إلا ييقّظ في الساعة التي يريد» (١).

٢ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة يوم الجمعة ، غفر الله له من الجمعة إلى الجمعة ، وزيادة ثلاثة أيّام ، وأعطي نورا يبلغ إلى السّماء ، ومن كتبها وجعلها في إناء زجاج ضيّق الرأس وجعله في منزله أمن من الفقر والدّين هو وأهله ، وأمن من أذى الناس» (٢).

وأضاف الإمام الصادق عليه‌السلام قائلا : «.. ولا يحتاج إلى أحد أبدا ، وإن كتبت وجعلت في مخازن الحبوب من القمح والشعير والأرزّ والحمّص وغير ذلك ، دفع الله عنه بإذن الله تعالى كلّ مؤذ ممّا يطرق الحبوب» (٣).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الكهف كلّ ليلة جمعة ، لم يمت إلّا شهيدا ، ويبعثه الله من الشهداء ، ووقف يوم القيامة مع الشهداء» (٤).

٤ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما من عبد يقرأ : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ)(٥) إلى آخر السورة إلّا كان له نورا من مضجعه إلى بيت الله

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٢ ، ح ٢١.

(٢) خواص القرآن : ص ٤ ، مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٦٩٠.

(٣) خواص القرآن : ص ٤.

(٤) ثواب الأعمال : ص ١٠٧.

(٥) الكهف : ١١٠.

٢٤٥

الحرام ، فإنّ من كان له نور في بيت الله الحرام كان له نور إلى بيت المقدس» (١).

وفي رواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «... حشو ذلك النور ملائكة يستغفرون له حتّى يصبح» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً)(٥) [سورة الكهف : ٥ ـ ١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً) قال : هذا مقدّم ومؤخّر ، ولأنّ معناه : الذي أنزل على عبده الكتاب قيّما ، ولم يجعل له عوجا ، فقد قدّم حرف على حرف ، (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) يعني : يخوّفهم ويحذّرهم عذاب الله عزوجل.

ـ وقال الباقر والصادق عليه‌السلام : «البأس الشديد : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو لدن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقاتل معه عدوّه» (٣).

(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) يعني في الجنّة ـ وقال الحسن بن صالح : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ٢٩٧ ، ح ١٣٥٨.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٢ ، ص ٨١.

٢٤٦

«لا تقرأ (يُبَشِّرَ) إنما البشر بشر الأديم» (١). قال فصليت بعد ذلك خلف الحسن فقرأ (يُبَشِّرَ)(٢).

(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) قال : ما قالت قريش حين زعموا أنّ الملائكة بنات الله ، وما قالت اليهود والنصارى في قولهم : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، فردّ الله تعالى عليهم ، فقال : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً)(٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٦) [سورة الكهف : ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله : (فَلَعَلَّكَ) يا محمّد (باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). ثم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) يقول : «قاتل نفسك على آثارهم وأمّا (أَسَفاً) يقول : حزنا» (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨) [سورة الكهف : ٨ ـ ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ

__________________

(١) بشرت الأديم أبشره بشرا : إذا أخذت بشرته.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢١ ، ح ٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١.

٢٤٧

زِينَةً لَها) ، يعني الشجر والنبات وكلّ ما خلقه الله في الأرض ، (لِنَبْلُوَهُمْ) أي لنختبرهم (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) يعني خرابا (١).

وقال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (صَعِيداً جُرُزاً).

قال عليه‌السلام : «أي لا نبات فيها» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (١٣) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤) هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١.

٢٤٨

الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (٢٠) وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢) [سورة الكهف : ٢٢ ـ ٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هم قوم فرّوا ، وكتب ملك ذلك الزمان أسماءهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في صحف من رصاص ، فهو قوله : (أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ)(٢).

وقال سليمان بن جعفر الهمداني : قال لي جعفر بن محمد عليه‌السلام : «يا سليمان ، من الفتى؟ قال : فقلت : له جعلت فداك ، الفتى عندنا الشاب ، قال لي : «أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كهولا فسمّاهم الله فتية بإيمانهم. يا

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٢٨.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢١ ، ح ٤.

٢٤٩

سليمان ، من آمن بالله واتّقى فهو الفتى» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان سبب نزول سورة الكهف ، أن قريشا بعثوا ثلاثة نفر إلى نجران : النّضر بن الحارث بن كلدة ، وعقبة بن أبي معيط ، والعاص بن وائل السّهميّ ، ليتعلموا من اليهود والنصارى مسائل يسألونها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرجوا إلى نجران ، إلى علماء اليهود فسألوهم ، فقالوا : سلوه عن ثلاث مسائل ، فإن أجابكم فيها على ما عندنا فهو صادق ثمّ سلوه عن مسألة واحدة فإن ادّعى علمها فهو كاذب.

قالوا : وما هذه المسائل؟ قالوا : سلوه عن فتية كانوا في الزمن الأوّل ، فخرجوا وغابوا وناموا ، كم بقوا في نومهم حتى انتبهوا ، وكم كان عددهم ، وأيّ شيء كان معهم من غيرهم ، وما كان قصّتهم؟ وسلوه عن موسى حين أمره الله أن يتّبع العالم ويتعلّم منه ، من هو ، وكيف تبعه وما كان قصته معه؟ وسلوه عن طائف طاف من مغرب الشمس ومطلعها حتى بلغ سدّ يأجوج ومأجوج ، من هو ، وكيف كان قصته؟ ثمّ أملوا عليهم أخبار هذه الثلاث مسائل وقالوا : لهم إن أجابكم بما قد أملينا عليكم فهو صادق وإن أخبركم بخلاف ذلك فلا تصدّقوه.

قالوا : فما المسألة الرابعة؟ قالوا : سلوه متى تقوم الساعة؟ فإن ادّعى علمها فهو كاذب ، فإن قيام الساعة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى.

فرجعوا إلى مكة واجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب ، إنّ ابن أخيك يزعم أن خبر السماء يأتيه ، ونحن نسأله عن مسائل ، فإن أجابنا عنها علمنا أنه صادق ، وإن لم يجبنا علمنا أنه كاذب ، فقال أبو طالب : سلوه عمّا بدا لكم فسألوه عن الثلاث مسائل فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : غدا أخبركم ـ ولم

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢١ ، ح ١١.

٢٥٠

يستثن (١) ـ فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتى اغتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به ، وفرحت قريش واستهزءوا وآذوا ، وحزن أبو طالب.

فلمّا كان بعد أربعين يوما نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام بسورة الكهف. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل لقد أبطأت؟ فقال : إنا لا نقدر أن ننزل إلا بإذن الله. فأنزل الله تبارك وتعالى : (أَمْ حَسِبْتَ) يا محمد (أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) ثم قصّ قصتهم فقال : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً).

قال : فقال الصادق عليه‌السلام : «إنّ أصحاب الكهف والرقيم كانوا في زمن ملك جبار عات وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام ، فمن لم يجبه قتله ، وكان هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل ، ووكّل الملك بباب المدينة وكلاء ، ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام ، وخرج هؤلاء بعلّة الصيد ، وذلك أنهم مروا براع في طريقهم فدعوه إلى أمرهم فلم يجبهم ، وكان مع الراعي كلب فأجابهم الكلب وخرج معهم ـ قال الصادق عليه‌السلام : لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاث : حمار بلعم بن باعوراء ، وذئب يوسف ، وكلب أصحاب الكهف (٢) ـ فخرج أصحاب الكهف من المدينة بعلّة الصيد هربا من دين ذلك الملك ، فلمّا أمسوا دخلوا ذلك الكهف والكلب معهم ، فألقى الله عليهم النعاس كما قال الله تبارك وتعالى : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) فناموا حتى أهلك الله ذلك الملك وأهل مملكته ، وذهب ذلك الزمان وجاء زمان آخر وقوم آخرون.

__________________

(١) إن لم يقل : إن شاء الله.

(٢) كذا ، وفي الحديث عن الرضا عليه‌السلام : لا يدخل الجنة من البهائم إلا ثلاثة : حمار بلغم ، وكلب أصحاب الكهف ، والذئب ، وكان سبب الذئب أنه بعث ملك ظالم شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذّبهم ، وكان للشرطي ابن يحبّه ، فجاء ذئب فأكل ابنه ، فحزن الشرطي عليه ، فأدخل الله ذلك الذئب الجنّة لمّا أحزن الشرطي ، تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤٨.

٢٥١

ثم انتبهوا فقال : بعضهم لبعض : كم نمنا ها هنا؟ فنظروا إلى الشمس قد ارتفعت ، فقالوا : نمنا يوما أو بعض يوم. ثمّ قالوا لواحد منهم : خذ هذا الورق وادخل المدينة متنكّرا ألّا يعرفوك فاشتر لنا طعاما ، فإنّهم إن علموا بنا وعرفونا قتلونا أو ردّونا في دينهم ، فجاء ذلك الرجل فرأى مدينة بخلاف التي عهدها ، ورأى قوما بخلاف أولئك ، لم يعرفهم ولم يعرفوا لغته ولم يعرف لغتهم ، فقالوا له : من أنت ، ومن أين جئت؟ فأخبرهم ، فخرج ملك تلك المدينة مع أصحابه والرجل معهم حتّى وقفوا على باب الكهف ، وأقبلوا يتطلّعون فيه فقال بعضهم : هؤلاء ثلاثة ورابعهم كلبهم ، وقال بعضهم : خمسة وسادسهم كلبهم ، وقال بعضهم : سبعة وثامنهم كلبهم ، فإنه لما دخل عليهم وجدهم خائفين أن يكونوا أصحاب دقيانوس شعروا بهم ، فأخبرهم صاحبهم أنهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل ، وأنّهم آية للناس ، فبكوا وسألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى مضاجعهم نائمين كما كانوا ، ثم قال الملك : ينبغي أن نبني ها هنا مسجدا نزوره ، فإنّ هؤلاء قوم مؤمنون.

ولهم في كلّ سنة تقلّبان : ينامون ستة أشهر على جنوبهم اليمنى وستّة أشهر على جنوبهم اليسرى والكلب معهم قد بسط ذراعيه بفناء الكهف ، وذلك قوله : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِ) أي خبرهم (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ : «يعني جورا على الله إن قلنا إنّ له شريكا» (١).

(هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ).

ـ قال علي بن إبراهيم : يعني بحجّة بيّنة أن معه شريكا (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤.

٢٥٢

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) إلى قوله تبارك وتعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) : أي بالفناء.

قال علي بن إبراهيم : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) يقول : ترى أعينهم مفتوحة (وَهُمْ رُقُودٌ) أي نيام (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ) في كلّ عام مرتين لئلا تأكلهم الأرض (١).

(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ ذلك لم يعن به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما عني به المؤمنون بعضهم لبعض ، لكنّه حالهم التي هم عليها» (٢).

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) أي أنبهناهم (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) إلى قوله (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً).

قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) يقول : أيّها أطيب طعاما (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ)(٣).

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) وهم الذين ذهبوا إلى باب الكهف (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) إلى قوله تعالى : (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فقال الله لنبيّه : قل لهم (رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)(٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٤ ، ح ١٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤.

(٤) قال علي بن إبراهيم : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) يعني أطلعنا على الفتية (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) في البعث (وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) يعني لا شك فيها بأنها كائنة ، وقوله : (رَجْماً بِالْغَيْبِ) يعني : ظنّا بالغيب ما يستفتوهم ، وقوله : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) يقول : حسبك ما قصصنا عليك من أمرهم ، (وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) يقول : لا تسأل عن أصحاب الكهف أحدا من أهل الكتاب. (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤).

٢٥٣

ثمّ انقطع خبرهم ، فقال : (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أخبره أنه إنما احتبس الوحي عنه أربعين صباحا لأنه قال لقريش : غدا أخبركم بجواب مسائلكم ولم يستثن ، فقال الله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)(١).

ثمّ عطف على الخبر الأوّل الذي حكى عنهم أنّهم يقولون : ثلاثة رابعهم كلبهم فقال : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً)(٢) وهو حكاية عنهم ولفظه خبر ، والدليل على أنه حكاية عنهم قوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣)» (٤).

قال ابن عباس (رضي الله عنه) : لما ولي عمر بن الخطاب الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود ، فقالوا : يا عمر ، أنت وليّ الأمر من بعد محمد؟ قال : نعم ، قالوا : إنا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها دخلنا في الإسلام ، وعلمنا أن دين الإسلام حقّ ، وأنّ محمدا كان نبيا ، وإن لم تخبرنا بها علمنا أن دين الإسلام باطل وأن محمدا ـ لم يكن نبيّا.

فقال عمر : سلونا عما بدا لكم ، فسألوه عن مسائل ـ مذكورة في الحديث حذفناها للاختصار ـ قال : فنكس عمر رأسه في الأرض ، ثم رفع رأسه إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، ما أرى جوابهم إلا عندك ، فإن كان لها جواب فأجب.

فقال لهم عليّ عليه‌السلام : «سلوا عمّا بدا لكم ، ولي عليكم شريطة».

__________________

(١) الكهف : ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) الكهف : ٢٥.

(٣) الكهف : ٢٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١.

٢٥٤

قالوا فما شريطتك؟

قال عليه‌السلام : «إذا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا». قالوا : نعم.

قال : «سلوني عن خصلة خصلة». فأجابهم عمّا سألوه ، وهو مذكور في الحديث.

قال : وكانت الأحبار ثلاثة فوثب اثنان فقالا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله. قال : ووقف الحبر الآخر ، فقال : يا علي لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ، ولكن بقيت خصلة : أخبرني عن قوم كانوا في أول الزمان فماتوا ثلاث مائة سنة وتسع سنين ثم أحياهم الله ، ما كانت قصّتهم؟ فابتدأ عليّ عليه‌السلام فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ)(١) ولمّا أراد أن يقرأ سورة الكهف قال اليهوديّ : ما أكثر ما سمعنا قرآنكم! إن كنت فاعلا فأخبرنا عن قصة هؤلاء وبأسمائهم وعددهم ، واسم كلبهم ، واسم كهفهم ، واسم ملكهم ، واسم مدينتهم.

قال علي عليه‌السلام : «لا حول ولا قوّة إلا بالله ، يا أخا اليهود ، حدّثني حبيبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان في أرض الروم مدينة يقال لها : أفسوس ، وكان لها ملك صالح ، فمات ملكهم وتشتّت أمرهم واختلفت كلمتهم ، فسمع بهم ملك من ملوك فارس يقال له : دقيانوس ، فأقبل في مائة ألف رجل حتى دخل مدينة أفسوس فاتّخذها دار مملكته ، واتخذ فيها قصرا طوله فرسخ في عرض فرسخ ، واتخذ في ذلك القصر مجلسا طوله ألف ذراع في عرض ذلك من الزجاج الممرّد ، واتخذ في المجلس أربعة آلاف أسطوانة من ذهب ، واتخذ ألف قنديل من ذهب له سلاسل من لجين (٢) ، تسرج بأطيب الأدهان ، واتّخذ

__________________

(١) الكهف : ١.

(٢) اللّجين : الفضّة. «لسان العرب ـ لجن ـ ص ١٣ ، ح ٣٧٩».

٢٥٥

في شرق المجلس ثمانين كوّة (١) ، وفي غربيّه ثمانين كوّة ، وكانت الشمس إذا طلعت تدور في المجلس كيف ما دارت ، واتخذ له سريرا من ذهب طوله ثمانون ذراعا في أربعين ذراعا ، له قوائم من فضّة مرصّعة بالجواهر ، وعلاه بالنّمارق ، واتخذ عن يمين السرير ثمانين كرسيّا من الذهب مرصعة بالزّبرجد الأخضر ، فأجلس عليها بطارقته (٢) ، واتخذ عن يسار السّرير ثمانين كرسيّا من الفضّة مرصّعة بالياقوت الأحمر ، فأجلس عليها هراقلته ، ثم علا السرير فوضع التاج على رأسه».

قال : فوثب اليهوديّ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ممّ كان تاجه؟ فقال عليه‌السلام : «لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ، كان تاجه من الذهب المشبّك ، له سبعة أركان على كل ركن لؤلؤة بيضاء تضيء كضوء المصباح في الليلة الظلماء ، واتّخذ خمسين غلاما من أولاد الهراقلة ، فقرّطهم بقراط الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويلات من الفرند (٣) الأخضر ، وتوجهم ودملجهم (٤) وخلخلهم ، وأعطاهم أعمدة من الذهب ، وأوقفهم على رأسه ، واتخذ ستة أغلمة من أولاد العلماء ، فاتخذهم وزراء : فأقام ثلاثة عن يمينه ، وثلاثة عن يساره».

قال اليهودي : ما كان أسماء الثلاثة الذين عن يمينه ، والثلاثة الذين عن يساره؟ فقال عليّ عليه‌السلام : «أما الثلاثة الذين كانوا عن يمينه فكانت أسماؤهم

__________________

(١) الكوّة : الخرق في الحائط والثقب في البيت ونحوه. «لسان العرب ـ كوى ـ ص ١٥ ، ح ٢٣٦».

(٢) البطريق : القائد. «لسان العرب ـ بطرق ـ ص ١٠ ، ح ٢١».

(٣) الفرند : ثوب من حرير. «تاج العروس ج ٢ ، ص ٤٥١».

(٤) دملج الشيء : إذا سواه وأحسن صنعته ، والدملوج : المعضد من الحلي. «لسان العرب ـ دملج ـ ج ٢ ، ص ٢٧٦».

٢٥٦

تمليخا ، ومكسلمينا ، ومجلسينا ، وأما الثلاثة الذين كانوا عن يساره فكانت أسماؤهم : مرنوس ، وديرنوس ، وشاذرنوس ، وكان يستشيرهم في جميع أموره».

قال : «وكان يجلس في كلّ يوم في صحن داره ، البطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ـ قال ـ ويدخل ثلاثة أغلمة في يد أحدهم جام (١) من ذهب مملوء من المسك المسحوق ، وفي يد الآخر جام من فضّة مملوء من ماء الورد ، وفي يد الآخر طائر أبيض له منقار أحمر ، فإذا نظر إلى ذلك الطائر صفر به ، فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه ، ثمّ يصفر به الثانية فيطير الطائر حتى يقع في جام المسك فيتمرّغ فيه ، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه ، ثم يصفر الثالثة فيطير الطائر على رأس الملك ، فلمّا نظر الملك إلى ذلك عتا وتجبّر وادّعى الربوبية من دون الله عزوجل».

قال : «فدعا إلى ذلك وجوه قومه ، فكل من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه ، وكلّ من لم يتابعه قتله ، فاستجاب له أناس ، فاتّخذ لهم عيدا في كل سنة مرة ، فبينما هو ذات يوم في عيدهم ، والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره ، وإذا ببطريق من بطارقته قد أقبل وأخبره أن عساكر الفرس قد غشيته ، فاغتمّ لذلك غمّا شديدا حتى سقط التاج عن ناصيته ، فنظر إليه أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا عن يمينه ، يقال له : تمليخا ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلها كما يزعم ما كان يغتمّ ، ولا كان يفرح ، ولا كان يبول ولا كان يتغوط ، ولا كان ينام ولا يستيقظ ، وليس هذا من فعل الإله».

قال : «وكان الفتية الستّة كل يوم عند أحدهم يأكلون ويشربون ، وكانوا

__________________

(١) الجام : إناء من فضة. «لسان العرب ـ جوم ـ ج ١٢ ، ص ١١٢».

٢٥٧

في ذلك اليوم عند تمليخا فاتخذ لهم من أطيب الطعام وأعذب الشراب فطعموا وشربوا ، ثم قال : يا إخوتاه ، قد وقع في نفسي شيء قد منعني الطعام والشراب والمنام قالوا : وما ذلك يا تمليخا ، فقال تمليخا : لقد أطلت فكري في هذه السماء فقلت : من رفع سقفها محفوظة بلا علاقة من فوقها ولا دعامة من تحتها ، ومن أجرى فيها شمسا وقمرا نيّرين مضيئين ، ومن زيّنها بالنجوم؟ ثم أطلت فكري في هذه الأرض ، فقلت : من سطحها على صميم الماء الزاخر ، ومن حبسها بالجبال أن تميد على كل شيء؟ وأطلت فكري في نفسي ، فقلت : من أخرجني جنينا من بطن أمي ، ومن غذاني ، ومن ربّاني في بطنها؟ إن لهذا صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك ، وما هذا إلا ملك الملوك وجبّار السماوات».

قال : «فانكبّ الفتية على رجليه فقبّلوها ، ويقولون : قد هدانا الله من الضلالة بك إلى الهدى فأشر علينا ـ قال ـ فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له ثلاثة آلاف درهم ، وصرّها في كمّه ، وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلما ساروا ثلاثة أميال ، قال تمليخا : يا إخوتاه جاء ملك الآخرة وذهب ملك الدنيا وزال أمرها ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل الله يجعل لكم من أمركم فرجا مخرجا ، فنزلوا عن خيولهم فمشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم فجعلت أرجلهم تقطر دما».

قال : «فاستقبلهم راع ، فقالوا ، أيها الراعي ، هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي عندي ما تحبّون ، ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك ، وما أظنكم إلّا هرّابا من دقيوس الملك؟ قالوا : أيها الراعي ، لا يحلّ لنا الكذب ، فينجينا منك الصدق؟ قال : نعم ، فأخبروه بقصّتهم ، فانكب على أقدامهم يقبّلها ، وقال : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكن أمهلوني حتى أردّ الأغنام إلى أربابها وألحق بكم ، فوقفوا له فردّ الأغنام وأقبل

٢٥٨

يسعى فتبعه كلبه».

فقال اليهودي : يا عليّ ، ما كان لون الكلب ، وما اسمه؟ قال علي عليه‌السلام : «يا أخا اليهود ، أمّا لون الكلب فكان أبلق بسواد ، وأما اسمه فكان قمطير. فلما نظر الفتية إلى الكلب ، قال بعضهم لبعض : إنا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه فألحوا عليه بالحجارة ، فلما نظر الكلب إليهم قد ألحّوا عليه بالطرد أقعى على ذنبه وتمطّى ونطق بلسان طلق ، وهو ينادي : يا قوم ، لم تردوني وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، ذروني أحرسكم من عدوّكم ، ـ قال ـ فجعلوا يبتدرونه ، فحملوه على أعناقهم ـ قال ـ فلم يزل الراعي يسير بهم حتى علا بهم جبلا فانحط بهم على كهف يقال له : الوصيد ، فإذا بإزاء الكهف عين ، وأشجار مثمرة ، فأكلوا من الثمرة وشربوا من الماء ، وجنّهم الليل فأووا إلى الكهف ، فأوحى الله جلّ جلاله إلى ملك الموت : أن يقبض أرواحهم ، ووكّل الله عزوجل بكل رجل منهم ملكين يقلبانه ذات اليمين إلى ذات الشمال ، وذات الشمال إلى ذات اليمين ، وأوحى الله إلى خازن الشمس فكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين ، وتقرضهم ذات الشمال.

فلما رجع دقيوس من عيده سأل عن الفتية ، فأخبر أنهم ذهبوا هربا ، فركب في ثمانين ألف حصان ، فلم يزل يقفو أثرهم حتى علا الجبل ، وانحطّ إلى الكهف ، فلمّا نظر إليهم إذا هم نيام فقال الملك : لو أردت أن أعاقبهم بشيء لما عاقبتهم بأكثر مما عاقبوا به أنفسهم ، ولكن ائتوني بالبنّائين ، وسدّ باب الكهف بالكلس والحجارة ، ثم قال لأصحابه : قولوا لهم يقولون لإلههم الذي في السماء لينجيهم مما بهم إن كانوا صادقين ، وأن يخرجهم من هذا الموضع».

ثم قال علي عليه‌السلام : «يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمائة وتسع سنين ، فلمّا

٢٥٩

أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح ـ قال ـ فنفخ فقاموا من رقدتهم ، فلما بزغت الشمس قال بعضهم لبعض : قد غفلنا في هذه الليلة عن عبادة إله السماوات فقاموا فإذا العين قد غارت والأشجار قد جفّت ، فقال بعضهم لبعض : إن في أمرنا لعجبا ، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة ، ومثل تلك الأشجار قد جفّت في ليلة واحدة!».

قال : «ومسّهم الجوع فقالوا : ابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة ، فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطّف ولا يشعرن بكم أحدا : قال تمليخا : لا يذهب في حوائجكم غيري ، ولكن ادفع إليّ ـ أيها الراعي ـ ثيابك ، قال : فدفع الراعي إليه ثيابه ومضى إلى المدينة ، فجعل يرى موضع لا يعرفها وطرقا ينكرها ، حتى أتى باب المدينة ، فإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه بالصّفرة : لا إله إلا الله ، عيسى رسول الله وروحه ـ قال عليه‌السلام ـ فجعل ينظر إلى العلم ويمسح عينيه ويقول : كأنّي نائم ، ثم دخل المدينة حتى أتى السوق فإذا رجل خبّاز ، فقال : أيها الخباز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال : أفسوس. قال : وما اسم ملككم؟ قال : عبد الرحمن ، قال : يا هذا حرّكني كأني نائم فقال الخباز : أتهزأ بي ، تكلمني وأنت نائم؟! فقال تمليخا للخبّاز : فادفع إلي بهذا الورق طعاما. قال : فتعجّب الخباز من نقش الدرهم ومن كبره».

قال : فوثب اليهودي وقال : يا عليّ وما كان وزن كل درهم؟ قال علي عليه‌السلام : «يا أخا اليهود ، كان وزن كل درهم منها عشرة دراهم وثلثي درهم».

قال : «فقال له الخبّاز : يا هذا ، إنك أصبت كنزا؟ فقال تمليخا : ما هذا إلا ثمن تمرة بعتها منذ ثلاثة أيام وخرجت من هذه المدينة وتركت ، الناس يعبدون دقيوس الملك ، فغضب الخبّاز وقال : ألا تعطيني بعضها وتنجو ،

٢٦٠