التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

* س ٤٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (٨٥) [سورة الإسراء : ٨٥]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها :

١ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، قال : «خلق ـ وقيل ملك (١) ـ أعظم من جبرئيل عليه‌السلام وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مع الأئمّة ، وهو من الملكوت» (٢).

٢ ـ وقال أبو بصير : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، قال : «خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل ، لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو مع الأئمّة عليهم‌السلام يسدّدهم ، وليس كلّما طلب وجد» (٣).

٣ ـ وقال أحدهما عليهما‌السلام ـ عند ما سأله أبو بصير ما الروح ـ : «التي في الدواب والناس».

قال أبو بصير : وما هي؟ قال : «هي من الملكوت ، من القدرة» (٤).

٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) : «تفسيرها في الباطن أنّه لم يؤت العلم إلّا أناس يسير فقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) منكم» (٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٦.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٥ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٥ ، ح ٤.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٧ ، ح ١٦٣.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٧ ، ح ١٦٥.

٢٢١

* س ٤٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٨٨) [سورة الإسراء : ٨٨ ـ ٨٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) يعني القرآن ، ومعناه : إني أقدر أن آخذ ما أعطيتك كما منعت غيرك ، ولكني دبرتك بالرحمة لك ، فأعطيتك ما تحتاج إليه ، ومنعتك ما لا تحتاج إلى النص عليه ، وإن توهم قوم أنه مما تحتاج إليه ، فتدبر أنت بتدبير ربك ، وارض بما اختاره لك (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) أي : ثم لو فعلنا ذلك ، لم تجد علينا وكيلا يستوفي ذلك منا ، وقيل : معناه ولو شئنا لمحونا هذا القرآن من صدرك ، وصدر أمتك ، حتى لا يوجد له أثر ، ثم لا تجد له حفيظا يحفظه عليك ويحفظ ذكره على قلبك ... قالوا : وفي هذا دلالة على أن السؤال وقع عن القرآن.

(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) معناه : لكن رحمة من الله ربك لك ، أعطاك ما أعطاك من العلوم ، ومنعك ما منعك منها ، وأثبت القرآن في قلبك ، وقلوب المؤمنين (إِنَّ فَضْلَهُ كانَ) فيما مضى. وفيما يستقبل (عَلَيْكَ كَبِيراً) عظيما إذ اختارك للنبوة ، وخصك بالقرآن ، فقابله بالشكر. وقال ابن عباس : يريد حيث جعلك سيد ولد آدم ، وختم بك النبيين ، وأعطاك المقام المحمود.

ثم احتج سبحان على المشركين بإعجاز القرآن ، فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) معناه : قل يا محمد لهؤلاء الكفار : لئن اجتمعت الإنس والجن ، متعاونين

٢٢٢

متعاضدين ، على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته وبلاغته ونظمه ، على الوجوه التي هو عليها ، من كونه في الطبقة العليا من البلاغة ، والدرجة القصوى من حسن النظم ، وجودة المعاني ، وتهذيب العبارة ، والخلو من التناقض ، واللفظ المسخوط. والمعنى : الدخول على حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت ، لعجزوا عن ذلك ، ولم يأتوا بمثله (١).

(وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) : أي معينا (٢).

* س ٤٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً) (٨٩) [سورة الإسراء : ٨٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) بولاية عليّ (إِلَّا كُفُوراً)(٣).

* س ٤٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥١ ، ح ٦٤.

٢٢٣

يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (٩٥) [سورة الإسراء : ٩٥ ـ ٩٠]؟!

الجواب / قال الإمام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام : «قلت لأبي عليّ بن محمد عليهما‌السلام : فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناظرهم إذا عانتوه ويحاجّهم؟

قال : بلى ، مرارا كثيرة : منها ما حكى الله من قولهم : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(١) (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(٢) (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله (كِتاباً نَقْرَؤُهُ).

ثمّ قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيّا كموسى لنزلت علينا الصاعقة في مسألتنا إيّاك ، لأنّ مسألتنا أشد من مسائل قوم موسى لموسى عليه‌السلام ، قال : وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري بن هشام ، وأبو جهل ابن هشام ، والعاص بن وائل السّهمي ، وعبد الله بن أبي أميّة المخزومي ، وجم ممّن يليهم كثير ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ، ويؤدّي إليهم عن الله أمره ونهيه. فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه ، والاحتجاج عليه ، وإبطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ، ويصغر قدره عندهم ، فلعلّه ينزع عمّا هو فيه من غيّه وباطله وتمرّده وطغيانه ، فإن انتهى وإلّا عاملناه بالسيف الباتر.

__________________

(١) الفرقان : ٧ ـ ٨.

(٢) الزخرف : ٣١.

٢٢٤

فقال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبد الله بن أبي أميّة المخزومي : أنا لذلك أما ترضاني له قرنا (١) حسيبا ، ومجادلا كفيّا؟ قال أبو جهل : بلى ، فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبد الله بن أبي أميّة المخزومي ، فقال : يا محمّد ، لقد ادّعيت دعوى عظيمة ، وقلت مقالا هائلا ، زعمت أنّك رسول الله ربّ العالمين ، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق [أجمعين] أن يكون مثلك رسولا له ، بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا إلا كثير مال ، عظيم حال ، له قصور ودور وبساتين وفساطيط وخيام وعبيد وخدم ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم أجمعين فهم عبيده ، ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل ولو أراد الله أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، ما أنت ـ يا محمّد ـ إلا مسحورا ولست بنبيّ.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل بقي من كلامك شيء؟ قال : بلى ، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولا لبعث أجلّ من فيما بيننا مالا ، وأحسن حالا ، فهلّا نزل هذا القرآن الذي تزعم أنّ الله أنزله عليك وبعثك به رسولا على رجل من القريتين عظيم؟ إمّا الوليد بن المغيرة بمكّة وإمّا عروة بن مسعود الثقفي بالطائف.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فهل بقي من كلامك شيء ، يا عبد الله؟ قال : بلى ، لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة هذه ، فإنّها ذات أحجار وعرة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإنّا إلى ذلك محتاجون ، أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فنأكل منها ونطعمها ، وتفجّر

__________________

(١) القرن للإنسان : مثله في الشجاعة والشدّة والعلم والقتال وغير ذلك. وفي «ط» : قويّا.

٢٢٥

الأنهار خلالها ـ خلال ذلك النخيل والأعناب ـ تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فإنك قلت لنا : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ)(١) فلعلّنا نقول ذلك. ثمّ قال : ولن نؤمن لك ، أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ، تأتي بهم وهم لنا مقابلون أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلّنا نطغى ، فإنك قلت لنا : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى)(٢) ثم قال : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) أي تصعد في السماء (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ، من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أميّة المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمّد بن عبد الله بن عبد المطلب فإنّه رسولي ، وصدّقوه في مقاله ، فإنه من عندي ، ثمّ لا أدري ـ يا محمّد ـ إذا فعلت هذا كلّه أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها ودخلناها ، لقلنا : إنّما سكّرت أبصارنا ، وسحرتنا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله ، أبقي شيء من كلامك؟ قال : يا محمّد ، أو ليس فيما أوردت عليك كفاية وبلاغ؟ ما بقي شيء ، فقل ما بدا لك ، وأفصح عن نفسك ، إن كانت لك حجّة ، أو ائتنا بما سألناك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم أنت السامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل الله عليه : يا محمد (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) إلى قوله : (رَجُلاً مَسْحُوراً) ، ثمّ قال الله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)(٣) ، ثمّ قال الله : يا محمّد (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)(٤) ، وأنزل عليه : يا محمّد (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ

__________________

(١) الطور : ٤٤.

(٢) العلق : ٦ ـ ٧.

(٣) الإسراء : ٤٨ ، الفرقان : ٩.

(٤) الفرقان : ١٠.

٢٢٦

بِهِ صَدْرُكَ)(١) الآية ، وأنزل عليه يا محمّد : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) إلى قوله : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(٢).

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله ، أمّا ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنّه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولا ، فإنّ الأمر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، وليس لك ولا لأحد الاعتراض عليه ، بلم وكيف ، ألم تر أن الله تعالى كيف أفقر بعضا وأغنى بعضا ، وأعزّ بعضا وأذلّ بعضا ، وأصحّ بعضا وأسقم بعضا ، وشرّف بعضا ووضع بعضا وكلّهم ممن يأكل الطعام؟ ثمّ ليس للفقراء أن يقولوا : لم أفقرتنا وأغنيتهم؟ ولا للوضعاء أن يقولوا : لم وضعتنا وشرّفتهم؟ ولا للزمنى (٣) والضعفاء أن يقولوا : لم أزمنتنا وأضعفتنا وصححتهم؟ ولا للأذلّاء أن يقولوا : لم أذللتنا وأعززتهم؟ ولا للقباح الصور أن يقولوا : لم أقبحتنا وجمّلتهم؟ بل إن أبوا وقالوا ذلك ، كانوا على ربهم رادّين ، وله في أحكامه منازعين ، وبه كافرين ، ولكان جوابه لهم : إني أنا الملك الرافع الخافض المغني المفقر المعزّ المذلّ المصحّ المسقم ، وأنتم العبيد ليس لكم إلّا التسليم لي والانقياد لحكمي ، فإن سلّمتم كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين.

ثمّ أنزل الله تعالى : يا محمّد : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)(٤) يعني آكل

__________________

(١) هود : ١٢.

(٢) الأنعام : ٨ ـ ٩.

(٣) الزّمنى : جمع زمن ، وهو المصاب بعاهة أو مرض مزمن.

(٤) الكهف : ١١٠ ، فصلت : ٦.

٢٢٧

الطعام (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١) يعني قل لهم : أنا في البشريّة مثلكم ولكنّ ربّي خصّني بالنبوّة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالغناء والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوّة.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّا قولك : إنّ هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ، فإنّ الله تعالى له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنّك وحسبانك واقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد وهو محمود.

يا عبد الله ، إنّما بعث الله نبيه ليعلّم الناس دينهم ، ويدعوهم إلى ربّهم ، ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل وأطراف النهار ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها ، وعبيد وخدم يسترونه عن الناس ، أليس كانت الرسالة تضيع والأمور تتباطأ؟ أو ما رأيت الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون ولا يشعرون؟

يا عبد الله ، إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرّفكم قوّته وقدرته ، وأنّه هو الناصر لرسوله ، لا تقدرون على قتله ولا منعه من رسالته ، فهذا أبين في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فأوسعكم قتلا وأسرا ، ثم يظفرني الله ببلادكم ، ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ، ودون من يوافقكم على دينكم.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّا قولك لي : ولو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنّما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا ، فالملك لا تشاهده حواسّكم ، لأنّه من جنس هذا الهواء لا عيان

__________________

(١) الكهف : ١١٠ ، فصلت : ٦.

٢٢٨

منه ، ولو شاهدتموه ـ بأن يزاد في قوى أبصاركم ـ لقلتم : ليس هذا ملكا ، بل هذا بشر ، لأنّه إنّما كان يظهر لكم بصورة البشر الذي ألفتموه لتفهموا عنه مقاله ، ولتعرفوا خطابه ومراده ، فكيف كنتم تعلمون صدق الملك وأن ما يقوله حقّ؟ بل إنّما بعث الله بشرا رسولا ، وظهر على يده المعجزات التي ليست في طبائع البشر الذين قد علمتم ضمائر قلوبهم ، فتعلمون بعجزكم عمّا جاء به أنّه معجزة ، وأن ذلك شهادة من الله تعالى بالصدق له ، ولو ظهر لكم ملك وظهر على يده ما يعجز عنه البشر ، لم يكن فيه فائدة لكم ، إنّ ذلك ليس في طبائع سائر أجناسه من الملائكة حتى يصير ذلك معجزا ، ألا ترون أنّ الطيور التي تطير ليس ذلك منها بمعجز ، لأنّ لها أجناسا يقع منها مثل طيرانها ، ولو أن إنسانا طار كطيرانها لكان ذلك معجزا ، فالله عزوجل سهّل عليكم الأمر ، وجعله بحيث تقوم عليكم الحجّة ، وأنتم تقترحون العمل الصعب الذي لا حجّة فيه.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمّا قولك : ما أنت إلّا رجلا مسحورا ، فكيف أكون كذلك وأنتم تعلمون أني في صحة التمييز والعقل فوقكم؟ فهل جرّبتم عليّ مذ نشأت إلى أن استكملت أربعين سنة جريرة أو كذبة أو خنا (١) أو خطأ من القول ، أو سفها من الرأي؟ أتظنون أنّ رجلا يعتصم طول هذه المدّة بحول نفسه وقوتها أو بحول الله وقوّته؟ وذلك ما قال الله تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً)(٢) إلى أن يثبتوا عليك عمى بحجّة أكثر من دعاويهم الباطلة التي تبيّن عليك تحصيل بطلانها.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمّا قولك : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ

__________________

(١) الخنا : الفحش في القول. «لسان العرب ـ خنا ـ ج ١٤ ، ص ٢٤٤».

(٢) الإسراء : ٤٨ ، الفرقان : ٩.

٢٢٩

مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١) الوليد بن المغيرة بمكّة ، أو عروة بن مسعود بالطائف ، فإنّ الله تعالى ليس يستعظم مال الدّنيا كما تستعظمه أنت ، ولا خطر له عنده كما له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمات ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممّن يخاف أحدا كما تخافه أنت لماله أو حاله ، ولا ممّن يطمع في أحد في ماله أو حاله فيخصّه بالنبوّة لذلك ، ولا ممّن يحبّ أحدا محبّة الهوى كما تحبّ ، فتقدّم من لا يستحق التقديم ، وإنّما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وخلاله ، إلّا الأفضل في طاعته والأجدّ في خدمته ، وكذلك لا يؤخّر في مراتب الدين وخلاله إلّا أشدّهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من فضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب (٢) ، فلا يقال له : إذا تفضّلت بالمال على عبد فلا بدّ أن تتفضّل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلا ، لأنّه تفضّل قبله بنعمه ، ألا ترى ـ يا عبد الله ـ كيف أغنى واحدا وقبّح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرّف واحدا أفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه ، ثم ليس لهذا الغنيّ أن يقول : هلّا أضيف إلى يساري جمال فلان ، ولا للجميل أن يقول : هلّا أضيف إلى جمالي مال فلان ، ولا للشريف أن يقول : هلّا أضيف إلى شرفي مال فلان ، ولا للوضيع أن يقول : هلّا أضيف إلى ضعتي شرف فلان ، ولكن الحكم لله يقسّم كيف يشاء ويفعل كما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : (وَقالُوا

__________________

(١) الزخرف : ٣١.

(٢) هذا الأمر ضربة لازب ، أي لازم شديد. «لسان العرب ـ لزب ـ ج ١ ، ص ٧٣٨». وفي «ط» : ضريبة لازب.

٢٣٠

لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يا محمّد (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا)(١) ، فأحوجنا بعضا إلى بعض وأحوجنا هذا إلى مال ذاك ، وأحوجنا ذاك إلى سلعة هذا أو إلى خدمته ، فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب : إمّا سلعة معه ليست معه ، وإمّا خدمة يصلح لها لا يتهيّأ لذلك الملك إلا أن يستعين به ، وإمّا باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، وهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثم ليس للملك أن يقول : هلا اجتمع إلى ملكي ومالي علمه ورأيه؟ ولا لذلك الفقير أن يقول : هلا اجتمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنيّ؟ ثمّ قال : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا)(٢) ثمّ قال : يا محمد ، قل لهم : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(٣) يجمع هؤلاء من أموال الدنيا.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأمّا قولك : لن نؤمن لك حتّى تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ، إلى آخر ما قلته ، فإنّك اقترحت على محمد رسول الله أشياء : منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوّته ، ورسول الله يترفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ، ويحتجّ عليهم بما لا حجّة فيه ، ومنها ما لو جاءك به لكان معه هلاكك ، وإنّما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان لا ليهلكوا بها ، فإنّما اقترحت هلاكك ، وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون ، ومنها المحال الذي لا يصحّ ولا يجوز كونه ، ورسول

__________________

(١) الزخرف : ٣٢.

(٢) الزخرف : ٣٢.

(٣) الزخرف : ٣٢.

٢٣١

ربّ العالمين يعرّفك ذلك ، ويقطع معاذيرك ، ويضيّق عليك سبيل مخالفتك ، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ، ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد لا تقبل حجّة ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه أو في جحيمه أو بسيوف أوليائه.

وأمّا قولك ، يا عبد الله : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا بمكّة ، فإنّها ذات حجارة وصخور وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها تجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون ، فإنّك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله تعالى ـ يا عبد الله ـ أرأيت لو فعلت هذا كنت من أجل هذا نبيّا؟ أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين ، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذلّلتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال : بلى ، قال : فهل لك في هذا نظراء؟ قال : بلى ، قال : أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا يصير هذا حجّة لمحمّد لو فعله ، على نبوّته ، فما هو إلا كقولك : لن نؤمن لك حتى تقوم وتمشي على الأرض ، أو حتى تأكل الطعام كما يأكل الناس.

وأمّا قولك يا عبد الله : أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها تطعمنا وتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، أو ليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها وتفجرون الأنهار خلالها تفجيرا؟ أفصرتم أنبياء بهذا؟ قال : لا ، قال : فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلّت على صدقه ، بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيه إيّاها على كذبه ، لأنّه حينئذ يحتج بما لا حجّة فيه ، ويخدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم. ورسول ربّ العالمين يجلّ ويرتفع عن هذا.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عبد الله ، وأمّا قولك : أو تسقط السماء كما

٢٣٢

زعمت علينا كسفا ، فإنّك قلت : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) فإنّ في سقوط السّماء عليكم موتكم وهلاككم ، فإنّما تريد بهذا من رسول الله أن يهلكك ، ورسول ربّ العالمين أرحم بك من ذلك ، ولا يهلكك ، لكنّه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيّه وحده على حسب الاقتراح من عباده ، لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح ، وبما لا يجوز من الفساد ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتى يستحيل وقوعه ، إذ لو كانت اقتراحاتهم واقعة لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ، ويقترح غيرك أن لا تسقط عليكم السماء بل أن ترفع الأرض إلى السماء وتقع السماء عليها ، فكان ذلك يتضادّ ويتنافى ويستحيل وقوعه ، والله تعالى لا يجري تدبيره على ما يلزم به المحال.

ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وهل رأيت ـ يا عبد الله ـ طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم؟ وإنما يفعل بهم ما يعلم صلاحهم فيه ، أحبّه العليل أن كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فإن انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمرّدتم عليه أسقمكم ، وبعد ، فمتى رأيت ـ يا عبد الله ـ مدّعي حقّ من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم ـ فيما مضى ـ بيّنة على دعواه على حسب اقتراح المدّعى عليه؟ إذن ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حقّ ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ولا بين صادق وكاذب فرق.

ثمّ قال : يا عبد الله ، وأمّا قولك : أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم ، فإنّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، إنّ ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجيء ويذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وإنّما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعلم ، ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد. يا عبد الله ، أو ليس لك ضياع وجنان بالطائف عقار بمكّة وقوّام عليها؟ قال : بلى ،

٢٣٣

قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال : بسفراء ، قال : أرأيت لو قال معاملوك وأكرتك وخدمك لسفرائك : لا نصدّقكم في هذه السّفارة إلا أن تأتونا بعبد الله بن أبي أميّة لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها ، كنت تسوّغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال : لا ، قال : فما الذي يجب على سفرائك؟ أليس إن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلّهم على صدقهم فيجب عليهم أن يصدّقوهم؟ قال : بلى ، قال : يا عبد الله ، أرأيت سفيرك لو أنّه لمّا سمع منهم هذا عاد إليك وقال قم معي فإنّهم قد اقترحوا عليّ مجيئك ، أليس يكون لك مخالفا ، وتقول له : إنّما أنت رسول ، لا مشير ولا آمر (١)؟ قال : بلى ، قال : كيف صرت تقترح على رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم ، وكيف أردت من رسول ربّ العالمين ما لا تسوّغ لأكرتك وقوّامك؟ هذه حجّة قاطعة لإبطال جميع ما ذكرته في كلّ ما اقترحته ، يا عبد الله.

وأمّا قولك ، يا عبد الله : أو يكون لك بيت من زخرف ـ وهو الذهب ـ أما بلغك أنّ لعظيم مصر بيوتا من زخرف؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيّا؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا يوجب ذلك لمحمّد ـ لو كان له ـ نبوّة ، ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.

وأمّا قولك يا عبد الله : أو ترقى في السماء ، ثمّ قلت : ولن نؤمن لرقيّك حتى تنزّل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبد الله ، الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا اعترفت على نفسك أنّك لا تؤمن إذا صعدت ، فكذلك حكم النزول ، ثمّ قلت : حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، ومن بعد ذلك ، لا أدري أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، فأنت ـ يا عبد الله ـ مقرّ بأنّك تعاند حجّة الله

__________________

(١) في «ط» رسول مبشر مأمور.

٢٣٤

عليك ، فلا دواء لك إلّا تأديبه [لك] على يد أوليائه من البشر أو ملائكته الزبانية ، وقد أنزل الله تعالى عليّ كلمة جامعة لبطلان كلّ ما اقترحته ، فقال تعالى (قُلْ) يا محمّد (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)؟

ا أبعد ربّي عن أن يفعل الأشياء على قدر ما يقترحه الجهال بما يجوز وبما لا يجوز! (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)(١) لا يلزمني إلّا إقامة حجّة الله التي أعطاني ، وليس لي أن آمر على ربّي وأنهى ولا أشير ، فأكون كالرسول الذي بعثه ملك إلى قوم من مخاليفه فرجع إليه يأمره أن يفعل بهم ما اقترحوه عليه.

فقال أبو جهل : يا محمد ها هنا واحدة : ألست زعمت أن قوم موسى احترقوا بالصاعقة لمّا سألوه أن يريهم الله جهرة؟ قال : بلى ، قال : ولو كنت نبيّا لاحترقنا نحن أيضا ، فقد سألنا أشدّ مما قال قوم موسى ، لأنهم قالوا : أرنا الله جهرة ، ونحن قلنا : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا نعاينهم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يا أبا جهل ، أو ما علمت قصّة إبراهيم الخليل عليه‌السلام لما رفع في الملكوت ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(٢) قوّى الله بصره لمّا رفعه دون السماء حتى نظر إلى الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين ، فرأى رجلا وامرأة على فاحشة ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين ، فدعا عليهما بالهلاك فهلكا ، ثم رأى آخرين ، فهمّ بالدعاء عليهما ، فأوحى الله إليه :

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (قال أبعث الله بشرا رسولا) قالوا : إن الجن كانوا في الارض قبلنا فبعث الله إليهم ملكا ، فلو أراد الله أن يبعث إلينا لبعث ملكا من الملائكة ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤].

(٢) الأنعام : ٧٥.

٢٣٥

يا إبراهيم ، اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي ، أنا الغفور الرحيم ، الحنان الحليم ، لا تضرّني ذنوب عبادي ، كما لا تنفعني طاعتهم ، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك ، فاكفف دعوتك عن عبادي وإمائي فإنّما أنت عبد نذير ، لا شريك لي في المملكة ، ولا مهيمن عليّ ، ولا على عبادي ، وعبادي معي بين خلال ثلاث : أمّا إن تابوا إليّ فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم ، وإما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنّه سيخرج من أصلابهم ذرّيات يؤمنون ، فأرفق بالآباء الكافرين ، وأتأنّى بالأمّهات الكافرات ، فأرفع عذابي عنهم ليخرج ذلك المؤمن من أصلابهم ، فإذا تزايلوا حلّ بهم عذابي ، وحاق بهم بلائي ، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنّ الذي أعددته لهم من عذابي أعظم ممّا تريده بهم ، فإن عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي. يا إبراهيم ، خلّ بيني وبين عبادي فإنّي أرحم بهم منك ، وخلّ بيني وبين عبادي فإنّي أنا الجبّار الحليم العلّام الحكيم ، أدبّرهم بعلمي وأنفّذ فيهم قضائي وقدري.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله تعالى ـ يا أبا جهل ـ إنما دفع عنك العذاب لعلمه بأنه سيخرج من صلبك ذريّة طيبة ، عكرمة (١) ابنك ، وسيلي من أمور المسلمين ما إن أطاع الله فيه ، كان عند الله جليلا ، وإلّا فالعذاب نازل عليك ، وكذلك سائر قريش السائلين ، لمّا سألوا من هذا ، إنّما أمهلوا لأن الله علم أن بعضهم سيؤمن بمحمد ، وينال به السعادة ، فهو تعالى لا يقتطعه عن تلك السعادة ويبخل بها عليه ، أو من يولد منه مؤمن فهو ينظر أباه لإيصال

__________________

(١) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام المخزومي القريشي ، من صناديد قريش في الجاهلية والإسلام. كان هو وأبوه من أشدّ الناس عداوة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأسلم عكرمة بعد فتح مكّة ، فشهد الوقائع ، وولي الأعمال ، وقتل في اليرموك أو يوم برج الصفر ، سنة ١٣ ه‍ الطبقات الكبرى : ج ٧ ، ص ٤٠٤ ، صفة الصفوة : ج ١ ، ص ٧٣٠ ، ح ١١١ ، سير أعلم النبلاء ج ١ ، ص ٣٢٣ ، ح ٦٦ ، الإصابة : ج ٢ ، ص ٤٩٦.

٢٣٦

ابنه إلى السعادة ، ولو لا ذلك لنزل العذاب بكافّتكم ، فانظر نحو السّماء ، فنظر فإذا أبوابها مفتّحة ، وإذا النيران نازلة منها مسامتة (١) لرءوس القوم تدنو منهم ، حتى وجدوا حرّها بين أكتافهم ، فارتعدت فرائص أبي جهل والجماعة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تروّعنّكم ، فإنّ الله لا يهلككم بها ، وإنما أظهرها عبرة ، ثم نظروا فإذا قد خرج من ظهور الجماعة أنوار قابلتها ورفعتها ودفعتها حتى أعادتها في السماء كما جاءت منها. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بعض هذه الأنوار أنوار من قد علم الله أنّه سيسعده بالإيمان بي منكم من بعد ، بعضها أنوار ذريّة طيبة ستخرج من بعضكم ممّن لا يؤمن وهم يؤمنون» (٢).

* س ٥٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٩٦) [سورة الإسراء : ٩٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال له (قُلْ) لهم كفى بالله ، أي حسبي الله شهيدا وعالما بيني وبينكم (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي عالما بكم وبي ، مدرك لنا ، ونصب «شهيدا» على التمييز ، وتقديره حسبي الله من الشهداء ، ويجوز أن يكون نصبا على الحال ، وتقديره كفى الله في حال شهادته. وإنما قال هذا جوابا لهم حين قالوا : من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فقال الله له (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٣).

__________________

(١) سامته مسامتة : قابله ووازاه. «تاج العروس ـ سمت ـ ج ١ ، ص ٥٥٥».

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٠٠ ، ح ٣١٤.

(٣) التبيان : ج ٦ ، ص ٥٢٢.

٢٣٧

* س ٥١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً) (٩٩) [سورة الإسراء : ٩٩ ـ ٩٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال أحدهما عليهما‌السلام : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (على جباههم) (١). قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : «صم» يعني يصمّونه في الآخرة في عذابها «بكم» يبكمون هناك بين أطباق نيرانها «عمى» يعمون هناك ، وذلك نظير قوله عزوجل : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى)(٢) وقوله : (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ٩٧](٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : قوله : «صم بكم عمى» الصمّ : الذي لا يسمع ، والبكم : الذي يولد من أمّه أعمى ، والعمي : الذي يكون بصيرا ثمّ يعمى (٤).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي : في مجمع البيان : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) أي : مستقرهم جهنم ، كلما سكن التهابها ، زدناهم اشتعالا ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٨ ، ح ١٦٨.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ١٣٠ ، ح ٦٥.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩.

٢٣٨

فيكون كذلك دائما ، ومتى قيل : كيف يبقى الحي حيا في تلك الحالة من الإحتراق دائما؟ قلنا : إن الله تعالى قادر على أن يمنع وصول النار إلى مقاتلهم. (ذلِكَ) أي : ذلك الذي تقدم ذكره من العقاب (جَزاؤُهُمْ) استحقوه (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا) أي : بتكذيبهم بأيات الله. (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً) مثل التراب مترضضين (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) مر معناه في هذه السورة (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) لأن القادر على الشيء ، قادر على أمثاله إذا كان له مثل ، أو أمثال في الجنس وإذا كان قادرا على خلق أمثالهم ، كان قادرا على إعادتهم ، إذا الإعادة أهون من الإنشاء في الشاهد. وقيل : أراد قادر على أن يخلقهم ثانيا ، وأراد بمثلهم إياهم ، وذلك أن مثل الشيء مساو له في حالته ، فجاز أن يعبر به عن الشيء نفسه. يقال : مثلك لا يفعل كذا ، بمعنى أنت لا تفعله ، ونحوه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وتم الكلام ههنا.

ثم قال سبحانه : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي : وجعل لإعادتهم وقتا لا شك فيه أنه كائن لا محالة. وقيل : معناه وضرب لهم مدة ليتفكروا ويعلموا فيهما أن من قدر على الإبتداء قدر على الإعادة. وقيل : وجعل لهم أجلا يعيشون إليه ، ويخترمون عنده لا شك فيه (فَأَبَى الظَّالِمُونَ) لنفوسهم ، الباخسون حقها بفعل المعاصي (إِلَّا كُفُوراً) أي : جحدوا بآيات الله ونعمه. وفي الآية دلالة على أن القادر على الشيء يجب أن يكون قادرا على جنس مثله ، إذا كان له مثل ، وعلى أنه يجب أن يكون قادرا على ضده ، لأن منزلته في المقدور منزلة مثله. وفيه دلالة أيضا على أنه يقدر على إعادته إذا كان مما يفنى ، وتصح عليه الإعادة.

* س ٥٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (١٠٠) [سورة الإسراء : ١٠٠]؟!

٢٣٩

الجواب / قال علي بن إبراهيم : لو كانت الأموال بيد الناس لما أعطوا الناس شيئا مخافة الفقر. (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي بخيلا (١).

* س ٥٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (١٠٢) [سورة الإسراء : ١٠٢ ـ ١٠١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) ، قال : «الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، والحجر ، والبحر ، والعصا ، ويده» (٢). وقال علي بن إبراهيم : قال يحكي قول موسى : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) أي هالكا يدعو بالثبور (٣). وقال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام ذكر قول الله عزوجل : (يا فِرْعَوْنُ) : «يا عاصي» (٤).

* س ٥٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (١٠٩) [سورة الإسراء : ١٠٩ ـ ١٠٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ـ في رواية أبي الجارود ـ قال أبو

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٨ ، ح ١٧٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١٨ ، ح ١٧١.

٢٤٠