التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

أتذكر رجلا خمّارا كان يدّعي الربوبية قد مات منذ أكثر من ثلاثمائة سنة؟».

قال : فثبت تمليخا حتى أدخله الخبّاز على الملك ، فقال : ما شأن هذا الفتى؟ فقال : الخبّاز : هذا رجل أصاب كنزا. فقال له الملك : لا تخف ـ يا فتى ـ فإنّ نبيّنا عيسى ابن مريم عليه‌السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلا خمسها ، فأعطني خمسها وامض سالما. فقال تمليخا : انظر ـ أيها الملك ـ في أمري ، ما أصبت كنزا ، أنا من أهل هذه المدينة. قال : له الملك : أنت من أهلها؟ قال : نعم. قال : فهل تعرف منها أحدا؟ قال : نعم ، قال : فسمّ ، فسمى تمليخا نحوا من ألف رجل لا يعرف منهم رجل واحد. قال : ما اسمك؟ قال : اسمي تمليخا. قال : ما هذه الأسماء؟ قال : أسماء أهل زماننا.

قال : فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال : نعم ، اركب أيها الملك معي ـ قال ـ : فركب الناس معه ، فأتى بهم إلى أرفع باب دار في المدينة ، فقال تمليخا : هذه الدار داري ، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال : ما شأنكم؟ قال : له الملك : أتينا بالعجب ، هذا الغلام يزعم أن هذه الدار داره. فقال له الشيخ : من أنت؟ قال : أنا تمليخا بن قسطنطين. قال : فانكبّ الشيخ على رجليه يقبّلها ويقول : هو جدّي وربّ الكعبة. فقال : أيها الملك ، هؤلاء الستّة الذين خرجوا هرّابا من دقيوس الملك».

قال : «فنزل الملك عن فرسه ، وحمله على عاتقه ، وجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه ، فقال : يا تمليخا ، ما فعل أصحابك؟ فأخبرهم أنهم في الكهف ، فكان يومئذ بالمدينة ملكان : ملك مسلم ، وملك نصرانيّ ، فركبا وأصحابهما ، فلمّا صاروا قريبا من الكهف قال لهم تمليخا : يا قوم ، إني أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيول فيظنّون أن دقيوس الملك قد جاء في طلبهم ، ولكن أمهلوني حتى أتقدّم فأخبرهم ـ قال ـ فوقف الناس

٢٦١

وأقبل تمليخا حتى دخل الكهف ، فلما نظروا إليه اعتقوه وقالوا : الحمد لله الذي نجّاك من دقيوس.

فقال تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوس ، كم لبثتم؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم. قال تمليخا : بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وذهب قرن بعد قرن ، بعث الله عزوجل نبيا يقال له : المسيح عيسى بن مريم ورفعه الله عزوجل إليه ، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه قالوا : يا تمليخا ، أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا : فما تريدون؟ قالوا : تدعو الله وندعوه معك أن يقبض أرواحنا ، ويجعل عشاءنا معه في الجنة ـ قال ـ فرفعوا أيديهم وقالوا : إلهنا ، بحق ما آتيتنا من الدّين فمر بقبض أرواحنا ، فأمر الله عزوجل بقبض أرواحهم ، وطمس الله عزوجل على باب الكهف عن الناس ، فأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيام لا يجدان للكهف بابا فقال الملك المسلم : ماتوا على ديننا ، أبني على باب الكهف مسجدا. وقال النصراني ، لا ، بل ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف ديرا. فاقتتلا ، فغلب المسلم النصراني ، وبنى على باب الكهف مسجدا».

ثم قال علي عليه‌السلام «سألتك بالله ـ يا يهودي ـ أيوافق ما في توراتكم»؟ فقال اليهوديّ : والله ما زدت حرفا ولا نقصت حرفا ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأنك ـ يا أمير المؤمنين وصيّ رسول الله حقّا» (١).

__________________

(١) إرشاد القلوب : ص ٣٥٨.

٢٦٢

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً) (٢٤) [سورة الكهف : ٢٤ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(١).

قال : فقال : «إنّ الله عزوجل لمّا قال لآدم عليه‌السلام : أدخل الجنة ، قال له : يا آدم لا تقرب هذه الشجرة ـ قال ـ وأراه إيّاها. فقال آدم عليه‌السلام لربّه : كيف أقربها وقد نهيتني عنها أنا وزوجي ـ قال ـ فقال لهما : لا تقرباها ، يعني : لا تأكلا منها. فقال آدم عليه‌السلام وزوجته : نعم يا ربّنا ، لا نقربها ولا نأكل منها ، ولم يستثنيا في قولهما : نعم ، فوكلهما الله في ذلك إلى أنفسهما وإلى ذكرهما».

قال : «وقد قال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكتاب : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن لا أفعله ، فتسبق مشيئة الله في أن لا أفعله ، فلا أقدر على أن أفعله ـ قال ـ ولذلك قال الله عزوجل : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) أي استثن مشيئة الله في فعلك» (٢).

وقال حمزة بن حمران ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ).

قال : «ذلك في اليمين ، إذا قلت : والله لا أفعل كذا وكذا ، فإذا ذكرت أنّك لم تستثن فقل : إن شاء الله» (٣).

__________________

(١) طه : ١١٥.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٤٧ ، ح ٢.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٤٨ ، ح ٣.

٢٦٣

وقال عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الاستثناء في اليمين متى ما ذكر ، وإن كان بعد أربعين صباحا ، ثمّ تلا هذه الآية : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ)(١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) (٢٥) [سورة الكهف : ٢٥]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) وهو حكاية عنهم ولفظه خبر ، والدليل على أنه حكاية عنهم قوله : (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢)» (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦) وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٧) [سورة الكهف : ٢٧ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : فالمراد بقوله (قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا) بعد بيان مدة لبثهم ، إبطال قول أهل الكتاب واختلافهم في مدة لبثهم ، فتقديره قل يا محمد : الله أعلم بمدة لبثهم. وقد أخبر بها فخذوا بما أخبر الله تعالى ، ودعوا قول أهل الكتاب فهو أعلم بذلك منهم (لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). والغيب : أن يكون الشيء بحيث لا يقع عليه الإدراك ، أي : لا يغيب عن الله سبحانه شيء ، لأنه لا يكون بحيث لا يدركه ، فيعلم ما

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٤٨ ، ح ٦.

(٢) الكهف : ٢٦.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣١.

٢٦٤

غاب في السماوات والأرض ، عن إدراك العباد (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) هذا لفظ التعجب ، ومعناه : ما أبصره وأسمعه أي : ما أبصر الله تعالى لكل مبصر ، وما أسمعه لكل مسموع ، فلا يخفى عليه من ذلك. وإنما أخرجه مخرج التعجب ، على وجه التعظيم.

وروي أن يهوديا سأل علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن مدة لبثهم ، فأخبر بما في القرآن ، فقال : إنا نجد في كتابنا ثلاثمائة. فقال عليه‌السلام : ذلك سني الشمس ، وهذا سني القمر. وقوله : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ) أي : ليس لأهل السماوات والأرض من دون الله من ناصر يتولى نصرتهم (وَلا يُشْرِكُ) الله (فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فلا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم الله تعالى به. وقيل معناه : إنه لا يشرك الله في حكمه بما يخبر به من الغيب أحدا. وعلى القراءة الأخرى معناه : ولا تشرك أنت أيها الإنسان في حكمه أحدا. ثم قال سبحانه لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) أي : واقرأ عليهم ما أوحى الله إليك من أخبار أصحاب الكهف وغيرهم ، فإن الحق فيه. وقيل : معناه اتبع القرآن واعمل به (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) أي : لا مغير لما أخبر الله به فيه ، وما أمر به ، وعلى هذا فيكون التقدير : لا مبدل لحكم كلماته (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) معناه : إن لم تتبع القرآن ، فلن تجد من دون الله ملجأ ... وقيل : حرزا ... وقيل : موئلا ... وقيل : معدلا ومحيصا ... والأقوال متقاربة في المعنى ، يقال : لحد إلى كذا ، أو التحد : إذا مال إليه (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

٢٦٥

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (٢٨) [سورة الكهف : ٢٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليهما‌السلام في قوله : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ) ، قال : «إنّما عنى بها الصلاة» (١).

وقال علي بن إبراهيم : فهذه الآية : نزلت في سلمان الفارسي ، كان عليه كساء فيه يكون طعامه وهو دثاره ورداؤه ، وكان كساء من صوف ، فدخل عيينة بن حصن (٢) على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلمان عنده ، فتأذّى عيينة بريح كساء سلمان ، وقد كان عرق فيه وكان يومئذ شديد الحرّ ، فعرق في الكساء ، فقال : يا رسول الله ، إذا نحن دخلنا عليك فأخرج هذا وحزبه من عندك ، فإذا نحن خرجنا فأدخل من شئت ، فأنزل الله : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) وهو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري (٣).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٦ ، ح ٢٥.

(٢) عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، يكنى أبا مالك ، أسلم بعد الفتح ، وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراف الجفاة ، انظر أسد الغابة ج ٤ ، ص ١٦٦.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٤.

٢٦٦

أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (٣١) [سورة الكهف : ٣١ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) : «وعيد» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه ، فأمّا الظلم الذي لا يغفره الله ، الشرك ، وأمّا الظلم الذي يغفره الله تعالى فظلم الرجل نفسه ، وأما الظلم الذي لا يدعه فالذنب بين العباد» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية هكذا : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) يعني ولاية علي عليه‌السلام (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) إل محمد حقّهم (ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ). ـ قال ـ المهل : الذي يبقى في أصل الزيت المغلي (يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً).

ثمّ ذكر ما أعد الله للمؤمنين ، فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) إلى قوله : (وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً)(٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ

_________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٤٨ ، ح ١. وتفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٦ ، ح ٢٧.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٥.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٥.

٢٦٧

وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (٣٣) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) (٤٣) [سورة الكهف : ٤٣ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) قال : نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثير الثمار ، كما حكى الله عزوجل ، وفيهما نخل وزرع وماء ، وكان له جار فقير ، فافتخر الغنيّ على ذلك الفقير ، وقال له : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) ثم دخل بستانه وقال : (ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً).

فقال له الفقير : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) ثم قال الفقير للغني : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً).

٢٦٨

ثم قال الفقير : (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي محترقا (أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً). فوقع فيها ما قال الفقير في تلك الليلة (فَأَصْبَحَ) الغنيّ ، (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ : يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً) فهذه عقوبة البغي (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : عجبت لمن فزع من أربع ، كيف لا يفزع إلى أربع؟ عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عزوجل : (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(٢)؟ فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)(٣). وعجبت لمن اغتمّ ، كيف لا يفزع إلى قوله عزوجل (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٤) فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(٥). وعجبت لمن مكر به ، كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ)(٦)؟ فإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا)(٧). وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها ، كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : (ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)؟ وفإني سمعت الله عزوجل يقول بعقبها : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) ، وعسى موجبة» (٨).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٥.

(٢) آل عمران : ١٧٣.

(٣) آل عمران : ١٧٤.

(٤) الأنبياء : ٨٧.

(٥) الأنبياء : ٨٨.

(٦) غافر : ٤٤.

(٧) غافر : ٤٥.

(٨) الخصال : ص ٢١٨ ، ح ٤٣.

٢٦٩

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (٤٤) [سورة الكهف : ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هي ولاية علي عليه‌السلام هي خير ثوابا وخير عقبا» (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (٤٥) [سورة الكهف : ٤٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله) : ثم أمر سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أن يضرب المثل للدنيا ، تزهيدا فيها ، وترغيبا في الآخرة ، فقال : (وَاضْرِبْ) يا محمد (لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أي : نبت بذلك الماء نبات التف بعضه ببعض ، يروق حسنا وغضاضة ... (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) أي : كسيرا مفتتا (تَذْرُوهُ الرِّياحُ) فتنقله من موضع إلى موضع ، فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) أي : قادرا لا يجوز عليه المنع. قال الحسن : أي كان الله مقتدرا على كل شيء قبل كونه. قال الزجاج : وتأويله إن ما شاهدتم من قدرته ، ليس بحادث ، وأنه كذلك كان لم يزل ، هذا مذهب سيبويه.

وقيل : إنه إخبار عن الماضي ، ودلالة على المستقبل ، وهذا المثل إنما هو للمتكبرين الذين اعتوروا بأموالهم ، واستنكفوا عن مجالسة فقراء المؤمنين ، أخبرهم الله سبحانه أن ما كان من الدنيا لا يرد الله سبحانه به ، فهو كالنتت

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٩٦ ، ح ٦.

٢٧٠

الحسن على المطر ، لا مادة له ، فهو يروق ما خالطه ذلك الماء ، فإذا انقطع عنه ، عاد هشيما لا ينتفع به (١).

* س ١٤ : ما هو معنى «الباقيات الصالحات» في قوله تعالى :

(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (٤٦) [سورة الكهف : ٤٦]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها.

١ ـ قال إدريس القميّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الباقيات الصالحات ، فقال : «هي الصلاة ، فحافظوا عليها ـ قال ـ لا تصلّ الظهر أبدا حتى تزول الشمس» (٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خذوا جننكم. فقالوا : يا رسول الله ، عدوّ حضر؟ قال : لا ولكن خذوا جننكم من النار. فقالوا : بم تأخذ جننا يا رسول الله من النار؟ قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإنهنّ يأتين يوم القيامة ولهن مقدمات ومؤخرات ومنجيات ومعقّبات ، وهنّ الباقيات الصالحات».

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)(٣) قال : ذكر الله عند ما أحل أو حرّم ، وشبه هذا ومؤخرات» (٤).

وقال محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي : دخلت أنا وعمي الحصين بن عبد الرحمن على أبي عبد الله عليه‌السلام. فسلّم عليه فرد عليه‌السلام وأدناه ، فقال : «ابن من هذا معك»؟ قال : ابن أخي إسماعيل. قال : «رحم الله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٥١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٧ ، ح ٣١.

(٣) العنكبوت : ٤٥.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٧ ، ح ٣٢.

٢٧١

إسماعيل وتجاوز عن سيء عمله ، كيف مخلّفوه»؟ قال : نحن جميعا بخير ما أبقى الله لنا مودّتكم قال : «يا حصين ، لا تستصغرنّ مودتنا ، فإنها من الباقيات الصالحات».

فقال : يا بن رسول الله ، ما أستصغرها ، ولكن أحمد الله عليها ، لقولهم (صلوات الله عليهم أجمعين) : «من حمد الله فليقل : الحمد لله على أولي النعم».

قيل وما أولي النعم؟ قال : «ولايتنا أهل البيت» (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (٤٩) [سورة الكهف : ٤٩ ـ ٤٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لحمّاد : «ما يقول الناس في هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)(٢)؟». قال حماد قلت : يقولون : إنها في القيامة.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس كما يقولون ، إنما ذلك في الرّجعة ، يحشر الله في القيامة من كلّ أمة فوجا ويدع الباقين؟! إنما آية القيامة قوله : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٩٧ ، ح ٨.

(٢) النمل : ٨٣.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٤.

٢٧٢

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لخالد بن نجيع : «إذا كان يوم القيامة دفع إلى الإنسان كتابه ، ثم قيل له : إقرأ».

قال خالد قلت : فيعرف ما فيه؟ فقال : «إنه يذكره ، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعله إلا ذكره ، كأنه فعله تلك الساعة ، فلذلك قالوا : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)(١).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) إلى قوله : (مَوْعِداً) فهو محكم (٢).

٤ ـ قال في قوله تعالى : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ) إلى قوله تعالى : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) قال : يجدون كل ما عملوا مكتوبا (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (٥٠) [سورة الكهف : ٥٠]؟!

الجواب / قال جميل بن درّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إبليس ، أكان من الملائكة؟ وهل كان يلي من أمر السماء شيئا؟

قال : «إنه لم يكن من الملائكة ، ولم يكن يلي من أمر السماء شيئا ، كان من الجنّ ، وكان مع الملائكة ، وكانت الملائكة تراه أنه منها ، وكان الله يعلم

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، ح ٣٤.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٦.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ ، ص ٣٧.

٢٧٣

أنه ليس منها ، فلمّا أمر بالسجود كان منه الذي كان» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أمر الله إبليس بالسجود لآدم مشافهة. فقال : وعزّتك لئن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدها خلق من خلقك» (٢).

وفي رواية أخرى ، عن هشام ، عنه عليه‌السلام : «ولما خلق الله آدم عليه‌السلام قبل أن ينفخ فيه الروح كان إبليس يمر به فيضربه برجله فيدبّ ، فيقول إبليس : لأمر ما خلقت» (٣).

وقد تقدّمت الروايات في سورة البقرة بما فيه مزيد على ما ها هنا (٤).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) (٥١) [سورة الكهف : ٥١]؟!

الجواب / قال محمد بن مروان ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطّاب»؟ فقال : «يا محمد ، قد ـ والله ـ قال ذلك ، وكان عليّ أشدّ من ضرب العنق».

ثم أقبل عليّ فقال : «هل تدري ما أنزل الله يا محمد»؟ قلت : أنت أعلم ، جعلت فداك ، قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في دار الأرقم ، فقال : اللهم أعزّ الإسلام ، بأبي جهل بن هشام أو بعمر بن الخطّاب ، فأنزل الله : (ما

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، ح ٣٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، ح ٣٧.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٨ ، ح ٣٨.

(٤) تقدّمت الروايات في تفسير الآية (٣٤) من سورة البقرة.

٢٧٤

أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) يعنيهما» (١).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : أي ناصرا (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً) (٥٣) [سورة الكهف : ٥٣ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً) : أي سترا.

قال : قوله : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) أي علموا ، فهذا ظن يقين (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أي أيقنوا أنهم داخلوها» (٤).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (٥٤) [سورة الكهف : ٥٤]؟!

الجواب / قال علي بن الحسين عليه‌السلام أنّ أباه الحسين بن علي عليه‌السلام ذكر أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أخبره : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، ح ٣٤٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٧.

(٤) التوحيد : ص ٢٦٧ ، ح ٥.

٢٧٥

الله عليه‌السلام ، فقال : «ألا تصلّون؟ فقلت : يا رسول الله ، إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ـ أي يكثر اللطف بنا ـ فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئا ، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذيه ويقول : (وَكانَ الْإِنْسانُ) يعني : علي بن أبي طالب (أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي متكلّما بالحقّ والصدق» (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) (٥٥) [سورة الكهف : ٥٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : معناه : ما منعهم من الإيمان بعد مجيء الدلالة ، ومن آمن يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم (إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي : إلا طلب أن تأتيهم العادة في الأولين ، من عذاب الاستئصال ، حيث أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ، حين امتنعوا من قبول الهدى والإيمان (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلاً) أو طلب أن يأتيهم العذاب عيانا مقابلة ، من حيث يرونه ، وتأويله أنهم بامتناعهم عن الإيمان ، بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمنوا كرها ، لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم ، وهذا كما يقول القائل لغيره : ما منعك أن تقبل قولي إلا أن تضرب ، على أن المشركين قد طلبوا مثل ذلك ، فقالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء ، أو ائتنا بعذاب أليم.

ومن قرأ (قُبُلاً) : فهو في معنى الأول ، ويجوز أن يكون أيضا جمع قبيل : وهو الجماعة ، أي : يأتيهم العذاب ضروبا من كل جهة (٢).

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٤٥ ، مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ، ص ١١٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

٢٧٦

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً (٥٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (٥٧) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (٥٨) وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (٦٠) فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦١) فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً (٦٢) قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣) قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً (٦٤) فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (٦٥) قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (٦٦) قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٦٧) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (٦٨) قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (٦٩) قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (٧٠) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (٧١) قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٢) قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (٧٣) فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (٧٤) قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (٧٥) قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا

٢٧٧

حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (٧٩) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً (٨٠) فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (٨١) وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) (٨٢) [سورة الكهف : ٨٢ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ).أي يدفعوه (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) إلى قوله : (بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) فهو محكم.

قال : وقوله تعالى : (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) أي ملجأ : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً) أي يوم القيامة يدخلون النار ، فلمّا أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قريشا خبر أصحاب الكهف ، قالوا : أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتّبعه ، وما قصّته؟ فأنزل الله عزوجل : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(١).

وقال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «إنّ الخضر كان نبيّا مرسلا ، بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه ، فدعاهم إلى توحيده ، والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه ،

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٧ ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام «الحقب ثمانون سنة» ـ نفس المصدر : ج ٢ ، ص ٤٠.

٢٧٨

وكانت آيته أنّه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء ، وإنما سمّي خضرا لذلك ، وكان اسمه ياليا بن ملكان بن عابر بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه‌السلام ، وإنّ موسى لمّا كلّمه الله تكليما ، وأنزل عليه التوراة وكتب له في الألواح من كلّ شيء موعظة وتفصيلا لكلّ شيء ، وجعل آيته في يده وفي عصاه ، وفي الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدم ، وفلق البحر ، وأغرق الله عزوجل فرعون وجنوده ، وعملت البشرية فيه حتى قال في نفسه : ما أرى أن الله عزوجل خلق خلقا أعلم منّي. فأوحى الله عزوجل إلى جبرئيل عليه‌السلام : يا جبرئيل ، أدرك عبدي موسى قبل أن يهلك ، وقل له : إن عند ملتقى البحرين رجلا عابدا فاتبعه وتعلم منه ، فهبط جبرئيل عليه‌السلام على موسى عليه‌السلام بما أمره به ربّه عزوجل ، فعلم موسى عليه‌السلام ، أن ذلك لما حدّثته به نفسه.

فمضى هو وفتاه يوشع بن نون عليه‌السلام حتى انتهيا إلى ملتقى البحرين ، فوجدا هناك الخضر عليه‌السلام يعبد الله عزوجل ، كما قال الله عزوجل في كتابه (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) قال له الخضر عليه‌السلام : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) لأنّي وكلت بعلم لا تطيقه ، ووكلت أنت بعلم لا أطيقه. قال موسى : بل أستطيع معك صبرا. فقال الخضر : إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)؟ قال له موسى : (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فلمّا استثنى المشيئة قبله. قال : (فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً) فقال موسى عليه‌السلام : لك ذلك عليّ. فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر عليه‌السلام ، فقال له موسى عليه‌السلام : (أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) قال : (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)؟! قال

٢٧٩

موسى عليه‌السلام : (لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ) أي بما تركت من أمرك (وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً).

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ) الخضر عليه‌السلام ، فغضب موسى عليه‌السلام وأخذ بتلابيبه وقال له : (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً)؟! قال له الخضر : إن العقول لا تحكم على أمر الله تعالى ذكره ، بل أمر الله يحكم عليها ، فسلّم لما ترى مني واصبر عليه ، فقد كنت علمت أنك لن تستطيع معي صبرا. قال موسى عليه‌السلام : (إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً).

(فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ) وهي الناصرة ، وإليها تنسب النصارى (اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) فوضع الخضر عليه‌السلام يده عليه فأقامه فقال له موسى عليه‌السلام : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) قال له الخضر عليه‌السلام : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) فقال : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ) صالحة (غَصْباً) فأردت بما فعلت أن تبقى لهم ، ولا يغصبهم الملك عليها ، فنسب إلابانة (١) في هذا الفعل إلى نفسه لعلّة ذكر التعييب ، لأنه أراد أن يعيبها عند الملك حتى إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ، وأراد الله عزوجل صلاحهم بما أمره به من ذلك.

ثمّ قال : (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ) فطبع كافرا ، وعلم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه وافتتنا به وضلّا بإضلاله إيّاهما ، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله ، وأراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة ، فاشترك في الإبانة

__________________

(١) الظاهر أن المراد الإرادة.

٢٨٠