التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

وجلّ : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى).

قال : «السر : ما كتمته في نفسك ، وأخفى : ما خطر ببالك ثم أنسيته» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (٩) [سورة طه : ٩ ـ ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر تعالى بأنه «الله» الذي تحقق له العبادة «لا إله» يحق له العبادة (إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) وإنما ذكر الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الأحاسن ، لأن الأسماء مؤنثة يقع عليها (هذه) ما يقع على الجماعة (هذه) كأنه اسم واحد للجميع قال الشاعر :

وسوف يعتبنيه إن ظفرت به

رب كريم وبيض ذات أطهار (٢)

وفي التنزيل (حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ)(٣) (مَآرِبُ أُخْرى)(٤) فقد جاز صفة جمع المؤنث بصفة الواحد.

وقوله (وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسلية له مما ناله من أذى قومه. والتثبيت له بالصبر على أمر ربه ، كما صبر أخوه موسى عليه‌السلام حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة ... (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٣ ، ح ١.

(٢) تفسير الطبري : ص ١٦ ، ح ٩٣.

(٣) النمل : ٦٠.

(٤) طه : ٢٨.

(٥) التبيان : ج ٧ ، ص ١٦٢.

٣٤١

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) (١٨) [سورة طه : ١٨ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) يقول : «آتيكم بقبس من النار تصطلون من البرد». وقوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) كان قد أخطأ الطريق ، يقول : أو أجد على النار طريقا وقوله : (أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) يقول : أخبط بها الشجر لغنمي (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) فمن الفرق (١) لم يستطع الكلام ، فجمع كلامه فقال : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) يقول : حوائج أخرى (٢).

وعن سعد بن عبد الله القمي ، عن القائم الحجّة عليه‌السلام ـ في حديث طويل يتضمّن مسائل كثيرة ـ قال : قلت : فأخبرني ، يا بن رسول الله ، عن أمر الله تعالى لنبيّه موسى عليه‌السلام : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة.

فقال عليه‌السلام : «من قال ذلك فقد افترى على موسى عليه‌السلام ، واستجهله في نبوّته ، لأنه ما خلا الأمر فيها من خصلتين : إمّا أن تكون صلاة موسى فيها

__________________

(١) الفرق : الخوف. «الصحاح ـ فرق ـ ج ٤ ، ص ١٥٤١».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٠.

٣٤٢

جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة ، جاز له لبسها في تلك البقعة إذ لم تكن مقدّسة ، وإن كانت مقدّسة مطهّرة ، فليست بأقدس وأطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيها ، فقد أوجب على موسى عليه‌السلام أنه لم يعرف الحلال من الحرام ، وما علم ما تجوز فيه الصلاة ، وما لم تجز ، وهذا كفر».

قلت : فأخبرني ـ يا مولاي ـ عن التأويل فيها؟

قال : «إنّ موسى عليه‌السلام ناجى ربه بالوادي المقدس ، فقال : يا ربّ ، إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك ـ وكان شديد الحب لأهله ـ فقال الله تبارك وتعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى ، فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك ، كنت من الأخرى في وقت ، فابدأ بالتي فاتتك ، فإن الله عزوجل يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي). وإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك ، فاتتك التي بعدها ، فابدأ بالتي أنت في وقتها فصلّها ، ثم أقم الأخرى» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) : قال عليه‌السلام : «من نفسي ، هكذا نزلت».

قيل : كيف يخفيها من نفسه؟ قال : «جعلها من غير وقت» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «كانت عصا موسى لآدم ، فصارت إلى شعيب ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٤٦٠.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٩٣ ، ح ٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٠.

٣٤٣

ثم صارت إلى موسى بن عمران ، وإنها لعندنا ، وإنّ عهدي بها آنفا ، وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها ، وإنها لتنطق إذا استنطقت ، أعدّت لقائمنا عليه‌السلام ، يصنع بها ما كان يصنع بها موسى عليه‌السلام ، وإنها لتروّع وتلقف ما يأفكون ، وتصنع ما تؤمر به ، إنها حيث أقبلت تلقف ما يأفكون ، يفتح لها شعبتان : إحداهما في الأرض ، والأخرى في السّقف ، وبينهما أربعون ذراعا ، تلقف ما يأفكون بلسانها» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لما كانت الليلة التي أسري بي إلى السماء ، وقف جبرائيل في مقامه ، وغبت عن تحيّة كل ملك وكلامه ، وصرت بمقام انقطع عنّي فيه الأصوات ، وتساوى عندي الأحياء والأموات ، اضطرب قلبي وتضاعف كربي ، فسمعت مناديا ينادي بلغة علي ابن أبي طالب : قف ـ يا محمّد ـ فإنّ ربك يصلّي. قلت : كيف يصلّي ، وهو غنيّ عن الصلاة لأحد؟ وكيف بلغ عليّ هذا المقام؟

فقال الله تعالى : اقرأ يا محمد : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(٢) وصلاتي رحمة لك ولأمّتك ، فأما سماعك صوت عليّ ، فإن أخاك موسى بن عمران لما جاء جبل الطّور وعاين ما عاين من عظم الأمور ، أذهله ما رآه عمّا يلقى إليه ، فشغلته عن الهيبة بذكر الله أحب الأشياء إليه وهي العصا ، إذ قلت له : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ـ ولمّا كان عليّ أحب الناس إليك ، ناديناك بلغته وكلامه ، ليسكن ما بقلبك من الرعب ، ولتفهم ما يلقى إليك ـ قال : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) بها ألف معجزة» ليس هذا موضع ذكرها ..

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٨٠ ، ح ١. وبصائر الدرجات : ص ٢٠٣ ، ح ٣٦. وكمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٧٣ ، ح ٢٧.

(٢) الأحزاب : ٤٣.

٣٤٤

وقال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قوله (أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) يقول : أخبط بها الشجر لغنمي (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) فمن الفرق لم يستطع الكلام ، فجمع كلامه ، فقال : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) يقول : حوائج أخرى» (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) (٢١) [سورة طه : ٢١ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله تعالى : (قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) حكاية ما أمر الله تعالى موسى بأن يلقي العصا من يده وأن موسى ألقاها ، فلما ألقاها صارت في الحال حية تسعى ، خرق الله العادة فيها وجعلها معجزة ظاهرة باهرة. أخبر الله تعالى أن العصا حين صارت حية تسعى خاف موسى منها فقال الله له (خُذْها) يا موسى فإنا (سَنُعِيدُها) إلى ما كانت أول شيء في يدك عصى. ومعنى (خُذْها) تناولها بيدك. و «الخوف» انزعاج النفس بتوقع الضرر ، خافه خوفا ، فهو خائف وذاك مخوف. وضد الخوف الأمن ، ومثل الخوف الفزع والذعر ، والإعادة رد الشيء ثانية إلى ما كان عليه أول مرة. ومثل الإعادة التكرير والترديد. والمعنى سنعيدها خلقتها الأولى ، وقد يقال : إلى سيرتها : والسيرة مرور الشيء في جهة ، من سار يسير سيرة حسنة أو قبيحة. وكان مستمر على حال العصا فأعيدت إلى تلك الحال. ونظير السيرة الطريقة (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٠.

(٢) التبيان : ج ٧ ، ص ١٦٨.

٣٤٥

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى) (٢٢) [سورة طه : ٢٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) قيل في معناه قولان :

١ ـ إلى جنبك ، قال الراجز : أضمه للصدر والجناح (١).

٢ ـ إلى عضدك وأصل الجنوح الميل ، ومنه جناح الطير ، لأنه يميل به في طيرانه حيث شاء. والجنب فيه جنوح الأضلاع. وأصل العضد من جهته تميل اليد حيث شاء صاحبها ، وقال أبو عبيدة : الجناحان العضدان.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال الله تبارك وتعالى لموسى عليه‌السلام : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(٢) : «من غير برص» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «كان موسى شديد السّمرة ، فأخرج يده من جيبه ، فأضاءت له الدنيا» (٤).

وقال الشيخ الطوسي : وقوله : (آيَةً أُخْرى) قيل في نصبها قولان : على الحال. والآخر على المفعولية ، أي نعطيك آية أخرى ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، فالآية الأولى قلب العصا حية والأخرى اليد البيضاء من غير سوء. وقيل أنه أمره أن يدخل يده في فمها فيقبض عليها ، فأدخل يده في فمها فصارت يده بين الشعبتين اللتين كانتا في العصا ، وصارت الحية في يده عصا كما كانت (٥).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٦٨.

(٢) النمل : ١٢.

(٣) معاني الأخبار : ص ١٧٢ ، ح ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٠.

(٥) التبيان : ج ٧ ، ص ١٦٨.

٣٤٦

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٣٦) [سورة طه : ٣٦ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) معناه قلب العصا حية لنريك من آياتنا وحججنا الكبرى منها ، ولو قال الكبر على الجمع كان وصفا لجميع الآيات. وكان جائزا.

ثم قال تعالى له (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) أي امض إليه وادعه إلى الله ، وخوفه من عقابه ، فإنه طغى ، أي تجاوز قدره في عصيان الله ، وتجاوز به قدر معاصي الناس ، يقال : طغى يطغى طغيانا ، فهو طاغ ، ونظيره البغي على الناس ، وهم الطغاة والبغاة.

فقال عند ذلك موسى يا (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) أي وسع صدري ، ومنه شرح المعنى أي بسط القول فيه.

وقوله (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) قال : وهذا أيضا إخبار عما سأل الله تعالى موسى ، فإنه سأل أن ييسر له أمره ، أي يسهله عليه ويدفع المشقة عنه ويضع المحنة ، يقال : يسره تيسيرا ، فهو ميسر ونقيضه التعسير ، ومنه اليسر واليسير. والحل نفي العقد بالفرق ، حله يحله حلا ، فهو حال والشيء محلول. وضد الحل العقد ، ونظيره الفصل والقطع. والعقدة جملة مجتمعة يصعب حلها متفلكة ، عقد يعقد عقدا وعقدة ، فهو عاقد والشيء معقود.

ويقال : إنه كان في لسان موسى عليه‌السلام رثة وهي التي لا يفصح معها

٣٤٧

بالحروف شبه التمتمة وغيرها. وقيل : إن لسبب العقدة في لسانه أنه طرح جمرة في فيه لما أراد فرعون قتله ، لأنه أخذ لحيته وهو طفل فنتفها ، فقالت له آسية : لا تفعل ، فإنه صبي لا يعقل ، وعلامته أنه أخذ جمرة من طست فجعلها في فيه ...

وقوله (يَفْقَهُوا قَوْلِي) أي يفقهوه إذا حللت العقدة من لساني أفصحت بما أريد.

وسأله أيضا أن يجعل له وزيرا يؤازره على المضي إلى فرعون ويعاضده عليه. والوزير حامل الثقل عن الرئيس ، مشتق من الوزير الذي هو الثقل ، واشتقاقه أيضا من الوزر ، وهو الذي يلجأ إليه من الجبال والمواضع المنيعة. وقوله (هارُونَ أَخِي) ...

فقيل : إن الله جل أكثر ما كان بلسانه إلا بقية منه بدلالة قوله (وَلا يَكادُ يُبِينُ)(١) ...

وقيل : إن الله استجاب دعاءه ، فحل العقدة من لسانه. وهو الصحيح ، لقوله تعالى : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) ويكون قول فرعون (وَلا يَكادُ يُبِينُ) أنه لا يأتي ببيان يفهم كذبا عليه ليغوي بذلك الناس ويصرف به وجوههم عنه.

وقوله : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) ، قال : قرأ ابن عامر وحده (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) بقطع الهمزة (وَأَشْرِكْهُ) بضم الألف. الباقون بوصل الهمزة الأولى ، وفتح الثانية. فوجه قراءة ابن عامر : أنه جعله جزاء الباقون جعلوه : دعاء. وضم ألف (أَشْرِكْهُ) في قراءة ابن عامر ضعيف ، لأنه ليس إليه إشراكه في النبوة بل ذلك إلى الله تعالى.

والوجه فتح الهمزة على الدعاء إلا أن يحمل على أنه أراد إشراكه في

__________________

(١) الزخرف : ٥٢.

٣٤٨

أمره في غير النبوة وذلك بعيد ، لأنه جاء بعده ما يعلم به مراد موسى ، لأنه قال : (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي)(١) فقال الله تعالى : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)(٢).

قوله (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) فالشد جمع يستمسك به المجموع يقال : شده يشده شدا ، فهو شاد وذاك مشدود ، ومثله الربط والعقد. والأزر الظهر يقال : آزرني فلان على أمري أي كان لي ظهرا ، ومنه المئزر ، لأنه يشد على الظهر ، والإزار لأنه يشد على الظهر ، والتأزير لأنه تقوية من جهة الظهر. ويجوز أن يكون أزر لغة في وزر ، مثل أرخت وورخت ، وأكدت ووكدت. وقوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فالإشراك الجمع بين الشيئين في معنى على أنه لهما ، يجعل جاعل. وقد أشرك الله بين موسى وهارون في النبوة. وقوى الله به أزره ، كما دعاه.

وقوله : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) فالتسبيح التنزيه لله عما لا يجوز عليه من وصفه بما لا يليق به ، فكل شيء عظم به الله بنفي ما لا يجوز عليه ، فهو تسبيح ، مثل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. وقوله (وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) معناه نذكرك بحمدك والثناء عليك بما أوليتنا من نعمك ، ومننت به علينا من تحميل رسالتك (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) أي عالما بأحوالنا وأمورنا. فقال الله إجابة له (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) أي أعطيت مناك فيما سألته. والسؤال المنى فيما يسأله الإنسان ، مشتق من السؤال ، ويجوز بالهمز وترك الهمز (٣).

__________________

(١) القصص : ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) القصص : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) التبيان : ج ٧ ، ص ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٢.

٣٤٩

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠) [سورة طه : ٤٠ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : لما أخبر الله تعالى موسى بأنه قد أتاه ما طلبه وأعطاه سؤله ، عدد ما تقدم ذلك من نعمه عليه ومننه لديه. فقال (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) والمن نعمة يقطع صاحبها بها عن غيره باختصاصها به. يقال : من عليه يمن منا إذا أنعم عليه نعمة يقطعه إياها ، وأصله القطع ، ومنه قوله (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)(١) أي غير مقطوع. وحبل متين : أي منقطع. والمرة الكرة الواحدة من المر ، وذلك أن نعمة الله (عزوجل) عليه مستمرة ، فذكره الإجابة مرة وقبلها مرة أخرى. وقوله (إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى) أي كانت هذه النعمة عليك حين أوحينا إلى أمك ما يوحى. قال قوم : أراد أنه ألهمها ذلك. وقال الجبائي : رأيت في المنام أن أقذفيه في التابوت ، ثم اقذفيه في اليم ، والقذف هو الطرح ، واليم البحر قال الراجز :

كنازح أليم سقاه اليم ، وقيل : المراد به ههنا النيل. وقوله (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) جزاء وخبر أخرج مخرج الأمر ومثله (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) والتقدير فاطرحيه في اليم فليلقه اليم بالساحل.

وقوله (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) يعني فرعون. وكان عدو الله بكفره

__________________

(١) حم السجدة (فصلت) : ٨ ، الانشقاق : ٢٥.

٣٥٠

ووحدانيته وادعائه الربوبية ، وكان عدو موسى ، لتصوره أن ملكه ينقرض على يده. وقوله : (أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) معناه إني جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون ، فسلمت من شره ، وأحبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك.

وقوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) قال قتادة : معناه لتغذى على محبتي وإرادتي ، وتقديره وأنا أراك ، يجري أمرك على ما أريد بك من الرفاهة في غذائك ، كما يقول القائل لغيره : أنت مني بمرءى ومستمع أي أنا مراع لأحوالك.

وقوله (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) قيل إن موسى امتنع أن يقبل ثدي مرضعة إلا ثدي أمه لما دلتهم عليهم أخته فلذلك قال (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ).

وقوله (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن قتله النفس كان خطأ. وقال جماعة من المعتزلة أنه كان صغيرة. وقال أصحابنا : إنه كان ترك مندوب إليه ، لأن الله تعالى قد كان حكم بقتله لكن ندبه إلى تأخير قتله إلى مدة غير ذلك ، وإنما نجاه من الفكر في قتله ، كيف لم يؤخره إلى الوقت الذي ندبه إليه.

وقال قوم : أراد نجيناك من القتل لأنهم طلبوه ليقتلوه بالقبطي (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [سورة طه : ٤٢ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي اختبرناك اختبارا ،

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

٣٥١

قوله تعالى : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) يعني عند شعيب ، وقوله تعالى : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) أي اخترتك ، وقوله : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي لا تضعفا (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٤٤) [سورة طه : ٤٤ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال محمد بن أبي عمير : قلت لموسى بن جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل لموسى وهارون عليهما‌السلام : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى).

فقال : «أمّا قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي كنياه ، وقولا له : يا أبا مصعب ، وكان اسم فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب. وأما قوله تعالى : (يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) فإنّما قال ، ليكون أحرص لموسى على الذّهاب ، وقد علم الله عزوجل أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى إلا عند رؤية البأس ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢) فلم يقبل الله إيمانه ، وقال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٣)» (٤).

وقال سفيان بن سعيد الثوري : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما‌السلام ـ وكان والله صادقا كما سمي ـ يقول : «يا سفيان ، عليك بالتقيّة ، فإنها سنة إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، وإن الله عزوجل قال لموسى

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٠.

(٢) يونس : ٩٠.

(٣) يونس : ٩١.

(٤) علل الشرائع : ص ٦٧ ، ح ١.

٣٥٢

وهارون عليهما‌السلام : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) يقول الله عزوجل : كنّياه ، وقولا له : يا أبا مصعب».

إلى أن قال : قال : سفيان : فقلت له : يا بن رسول الله ، هل يجوز أن يطمع الله عزوجل عباده في كون ما لا يكون؟ قال : «لا».

فقلت : فكيف قال الله عزوجل لموسى وهارون عليهما‌السلام : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) وقد علم أن فرعون لا يتذكر ولا يخشى.

فقال : «إنّ فرعون قد تذكّر وخشي ، ولكن عند رؤية البأس ، حيث لم ينفعه الإيمان ، ألا تسمع الله عزوجل يقول : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(١) ، فلم يقبل الله عزوجل إيمانه ، وقال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)(٢) ، يقول : نلقيك على نجوة (٣) من الأرض ، لتكون لمن بعدك علامة وعبرة» (٤).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨) قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)(٤٩) [سورة طه : ٤٩ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : لما أمر الله موسى

__________________

(١) يونس : ٩٠.

(٢) يونس : ٩١ و ٩٢.

(٣) النّجوة : المرتفع من الأرض. «المعجم الوسيط : ج ٢ ، ص ٩٠٥».

(٤) معاني الأخبار : ص ٣٨٥ ، ح ٢٠.

٣٥٣

وهارون عليهما‌السلام أن يمضيا إلى فرعون ويدعواه إلى الله (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) ومعناه أن يتقدم فينا بعذاب ، ويعجل علينا. (أَوْ أَنْ يَطْغى) أو يعتوا علينا ويتجبر ، فقال الله تعالى لهما (لا تَخافا) ولا تخشيا (إِنَّنِي مَعَكُما) أي عالم بأحوالكما ، لا يخفى علي شيء من ذلك. وإني ناصر لكما ، وحافظ لكما (أَسْمَعُ) ما يقول لكما (وَأَرى) ما يفعل بكما. وقال ابن جريج (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ) ما يحاوركما به (وَأَرى) ما تجيئان به. فالسامع هو المدرك للصوت. والرائي المدرك للمرئيات. ثم أمرهما بأن يأتياه ، ويقولا له (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) بعثنا الله إليك وإلى قومك لندعوكم إلى توحيد الله وإخلاص عبادته ، ويأمرك أن ترسل (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي تخليهم وتفرج عنهم ، وتطلقهم من اعتقالك (وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ) أي بمعجزة ظاهرة ، ودلالة واضحة من عند ربك (وَالسَّلامُ) يعني السلامة والرحمة (عَلى مَنِ اتَّبَعَ) طريق الحق و (الْهُدى) ، و (عَلى) بمعنى اللام وتقديره السلامة لمن اتبع. والمعنى أن من اتبع طريق الهدى سلم من عذاب الله.

وقوله (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا) معناه قولا : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ) بآيات الله وأعرض عن اتباعها. وفي الكلام محذوف ، وتقديره فأتياه فقولا له ذلك. قال : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) وقيل : أنه قال : فمن ربكما؟ على تغليب الخطاب ، والمعنى فمن ربك وربه يا موسى (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠) [سورة طه : ٥٠]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزّ

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٧٧.

٣٥٤

وجلّ : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) قال : «ليس [شيء] من خلق الله إلا وهو يعرف من شكله الذّكر من الأنثى».

قلت : ما معنى (ثُمَّ هَدى)؟ قال : هداه للنكاح ، والسّفاح من شكله» (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) (٥٣) [سورة طه : ٥٣ ـ ٥١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : حكى الله تعالى ما قال فرعون لموسى : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) وهي الأمم الماضية ، وكان هذا السؤال منه معاياة لموسى ، فأجابه موسى بأن قال (عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) لأنه لا يخفى عليه شيء من المعلومات. وقوله (فِي كِتابٍ) أي أثبت ذلك في الكتاب المحفوظ لتعرفه الملائكة. و (الْأُولى) تأنيث (الأول) وهو الكائن على صفة قبل غيره. فإذا لم يكن قبله شيء ، فهو قبل كل شيء ، وأراد ذاك على ما في معلوم الله من أمرها ، وقيل إنه أراد من يؤدبهم ويجازيهم. وقيل : إن معنى (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) أي لا يذهب عليه شيء ، والعرب تقول الكل ما ذهب على الإنسان مما ليس بحيوان : ضله ، كقولهم : ضل منزله إذا أخطأه يضله بغير ألف ، فإذا ضل منه حيوان فيقولون : أضل ـ بألف بعيرة أو ناقته أو شاته بالألف. والأصل في الأول ضل عنه. وقرأ الحسن يضل بضم الياء وكسر الضاد.

وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) موضع (الَّذِي) دفع بدل عن

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٦٧ ، ح ٤٩.

٣٥٥

قوله (رَبِّي وَلا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي جعله لكم مستقرا تستقرون عليه (وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) معناه أنه جعل لكم في الأرض سبلا تسلكوا فيها في حوائجكم من موضع إلى موضع ، وانهج لكم الطرق (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى) كل ذلك من صفات قوله (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى الَّذِي جَعَلَ) جميع ما ذكر صفاته ... (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) (٥٤) [سورة طه : ٥٤]؟!

الجواب / قال عمار بن مروان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) قال : «نحن ـ والله ـ أولوا النهي».

فقلت : جعلت فداك ، وما معنى أولي النهى؟ قال : «ما أخبر الله به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا يكون من بعده ، من ادعاء أبي فلان الخلافة والقيام بها ، والآخر من بعده ، والثالث من بعدهما ، وبني أميّة ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان ذلك كما أخبر الله به نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكم أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام ، وكما انتهى إلينا من عليّ عليه‌السلام ، فيما يكون من بعده من الملك ، في بني أميّة وغيرهم ، فهذه الآية التي ذكرها الله تعالى في الكتاب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى) الذي انتهى إلينا علم ذلك كله ، فصبرنا لأمر الله ، فنحن قوّام الله على خلقه ، وخزّانه على دينه ، نخزنه ونستره ، ونكتم به من عدوّنا ، كما كتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أذن الله له في الهجرة ، وجاهد المشركين ، فنحن على منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى يأذن الله لنا في إظهار دينه بالسيف ، وندعو الناس إليه ، فنضربهم عليه عودا ، كما ضربهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدءا» (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٧٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦١ ، وتأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣١٤ ، ح ٧ ، ومختصر بصائر الدرجات : ص ٦٦.

٣٥٦

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (٥٥) [سورة طه : ٥٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «دخل عبد الله بن قيس الماصر على أبي جعفر عليه‌السلام ـ الحديث ، وفيه ـ إنّ الله تعالى خلق خلّاقين (١) ، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمرهم فأخذوا من التربة التي قال الله في كتابه : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) ، فعجنوا النطفة بتلك التّربة التي يخلق منها ، بعد أن أسكنها الرّحم أربعين ليلة ، فإذا تمّت لها أربعة أشهر ، قالوا : يا ربّ ، نخلق ما ذا؟ فيأمرهم بما يريد ، من ذكر أو أنثى ، أبيض أو أسود ، فإذا خرجت الروح من البدن ، خرجت هذه النطفة بعينها منه ، كائنا ما كان ، صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، فلذلك يغسّل الميت غسل الجنابة» (٢).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) (٦٠) [سورة طه : ٦٠ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها) تقديره أريناه آياتنا التي أعطيناها موسى وأظهرناها عليه (كُلَّها) لما يقتضيه حال موسى عليه‌السلام معه ، ولم يرد جميع آيات الله التي يقدر عليها ، ولا كل آية خلقها الله ، لأن المعلوم أنه لم يرد به جميعها.

__________________

(١) خلاقين : أي ملائكة خلاقين ، والخلق بمعنى التقدير. «مرآة العقول : ص ١٣ ، ح ٣٤٥».

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ١٦١ ، ح ١.

٣٥٧

وقوله (فَكَذَّبَ وَأَبى) معناه نسب الخبر الذي أتاه إلى الكذب (وَأَبى) امتنع مما دعي إليه من توحيد الله وإخلاص عبادته والطاعة لما أمر به. وقال فرعون لموسى (أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى) والسحر حيلة يخفى سببها ويظن بها المعجزة ، ولذلك يكفر المصدق بالسحر ، لأنه لا يمكنه العلم بصحة النبوة مع تصديقه بأن الساحر يأتي بسحره بتغيير الثابت. ثم قال فرعون لموسى (فَلَنَأْتِيَنَّكَ) يا موسى (بِسِحْرٍ) مثل سحرك (فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً) أي عدنا مكانا نجتمع فيه ووقتا نأتي فيه (مَكاناً سُوىً) أي مكانا عدلا بيننا وبينك ... وقيل : معناه مستويا يتبين الناس ما بيننا فيه ...

وقيل : معناه يستوي حالنا في الرضا به ... وقيل : (سُوىً) النصف والوسط ...

فقال له موسى (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وهو يوم عيد كان لهم ... وقيل : «يوم الزينة» يوم شرف كانوا يتزينون بها. وقوله : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) ، يحتمل أن يكون في موضع رفع ، وتقديره موعدكم حشر الناس. ويحتمل أن يكون في موضع جر وتقديره يوم يحشر الناس.

وقوله (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ) أي أعرض عن موسى على هذا الوعد (فَجَمَعَ كَيْدَهُ) من السحر و (أَتى) يوم الموعد. (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٨٠ ـ ١٨١.

٣٥٨

يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)(٦٦) [سورة طه : ٦٦ ـ ٦١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (قالَ لَهُمْ مُوسى) أي : قال للسحرة لأنهم أحضروا ما عملوا من السحر ، ليقابلوه بمعجزة موسى ، فوعظهم فقال : (وَيْلَكُمْ) وهي كلمة وعيد وتهديد ، معناه : ألزمكم الله الويل والعذاب ، ويجوز أن يكون على النداء نحو : يا ويلتا ، فيكون الدعاء بالويل عليهم. وقيل : إن ويلكم كلمتان تقديرهما (وَيْلَكُمْ) ، فيكون مبتدأ وخبرا ، أو يكون ويلكم بمنزلة أتعجب لكم.

(لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : لا تشركوا مع الله أحدا ... وقيل : لا تكذبوا على الله بأن تنسبوا معجزاتي إلى السحر وسحركم إلى أنه حق ، وبأن تنسبوا فرعون إلى أنه إله معبود (فَيُسْحِتَكُمْ) أي يستأصلكم (بِعَذابٍ) ، وقيل : يهلككم. وأصل السحت ، استقصاء الخلق ، يقال : سحت شعره إذا استأصله. وسحته الله وأسحته ، إذا استأصله وأهلكه [وقال علي بن إبراهيم : أي يصيبكم (١)].

(وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) أي : خسر من كذب على الله ، ونسب إليه باطلا ... انقطع رجاء من كذب على الله عن ثوابه وجنته.

(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : تشاور القوم وتفاوضوا في حديث موسى وهارون وفرعون ، وجعل كل واحد منهم ينازع لكلام صاحبه. وقيل : تشاورت السحرة فيما هيئوه من الحبال والعصي ، وفيمن يبتدئ بالإلقاء

__________________

(١) تفسير القمي : ص ٢٦٨ (ط حجرية) ..

٣٥٩

(وَأَسَرُّوا النَّجْوى) يعني أن السحرة أخفوا كلامهم ، وتناجوا فيما بينهم سرا من فرعون ، فقالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه ... وقيل : إن موسى لما قال لهم : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) قال بعضهم لبعض ، ما هذا بقول ساحر ، وأسر بعضهم إلى بعض يتناجون ... وقيل : أسروا النجوى بأن قالوا : إن كان هذا ساحرا فسنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمره ... وقيل : تناجوا مع فرعون وأسروا عن موسى وهارون قولهم (إِنْ هذانِ) لساحران ... إن هذان يعني موسى وهارون (لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما) قاله فرعون وجنوده للسحرة ، ويريدون بالأرض أرض مصر.

(وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) هي تأنيث الأمثل ، وهو الأفضل ، وهو الأشبه بالحق ، يقال : فلان أمثل قومه أي : أشرفهم وأفضلهم. والمعنى يريدان أن يصرفا وجوه الناس إليهما ، عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. وقيل : إن طريقتهم المثلى بنو إسرائيل كانوا أكثر القوم عددا وأموالا أي : يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهم ، عن أكثر المفسرين. وقيل : يذهبا بطريقتكم التي أنتم عليها في السيرة والدين ... (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) أي : لا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به (ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا) أي : مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم ، وأشد لهيبتكم ... وقيل : ثم ائتوا موضع الجمع ، ويسمى المصلى الصف ... والمعنى : ثم ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم.

(وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) أي : وقد سعد اليوم من غلب وعلا. قال بعضهم : إن هذا من قول فرعون للسحرة. وقال آخرون : بل هو قول بعض السحرة لبعض (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى) هذا قول السحرة خيروه بين أن يلقوا أولا ما معهم ، أو يلقي موسى عصاه ، ثم يلقون ما معهم. (قالَ) موسى (بَلْ أَلْقُوا) أنتم ما معكم أمرهم بالإلقاء أولا ، ليكون معجزة أظهر إذا ألقوا ما معهم ، ثم يلقي هو عصاه فتبتلع

٣٦٠