التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

تفسير

سورة النّحل

رقم السورة ـ ١٦ ـ

١٠١
١٠٢

سورة النّحل

* س ١ : ما هو فضل سورة النّحل؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ سورة النحل في كلّ شهر ، كفي المغرم في الدنيا. وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص ، وكان مسكنه في جنّة عدن ، وهي وسط الجنان» (١).

٢ ـ ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة لم يحاسبه الله تعالى بما أنعم عليه ، وإن مات يومه أو ليلته وتلاها كان له من الأجر كالذي مات وأحسن الوصيّة ، ومن كتبها ودفنها في بستان احترق جميعه ، وإن تركت في منزل قوم هلكوا قبل السنة جميعهم» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ) (٢) [سورة النحل : ٢ ـ ١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أراد الله قيام القائم عليه‌السلام ، بعث جبرئيل عليه‌السلام في صورة طائر أبيض ، فيضع إحدى رجليه على الكعبة والأخرى على بيت المقدس ، ثمّ ينادي بأعلى صوته (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٥٣٥ مثله.

١٠٣

تَسْتَعْجِلُوهُ) ـ قال ـ فيحضر القائم فيصلّي عند مقام إبراهيم ركعتين ، ثم ينصرف وحواليه أصحابه ، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، إنّ فيهم لمن يسري من فراشه ليلا فيخرج ومعه الحجر ، فيلقيه فتعشب الأرض» (١).

وقال سعد الإسكاف : أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام يسأله عن الروح ، أليس هو جبرئيل؟

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «جبرئيل عليه‌السلام من الملائكة ، والروح غير جبرئيل» فكرّر ذلك على الرجل ، فقال له : لقد قلت عظيما من القول ، ما أحد يزعم أنّ الروح غير جبرئيل.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّك ضالّ تروي عن أهل الضلال ، يقول الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) والروح غير الملائكة» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : نزلت لمّا سألت قريش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينزّل عليهم العذاب ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) يعني بالقوّة التي جعلها الله فيهم (٣).

ثمّ قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) يقول : «بالكتاب والنبوّة» (٤).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ٢٥٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٥ ، ح ٦.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

(٤) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

١٠٤

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) [سورة النحل : ٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما تقدم ذكر بعث الملائكة للإنذار ، وبيان التوحيد وشرائع الإسلام ، أتبعه سبحانه بالاحتجاج على الخلق بالخلق ، وتعداد صنوف الأنعام ، فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ومعناه : أنه خلقهما ليستدل بهما على معرفته ، ويتوصل بالنظر فيهما إلى العلم بكمال قدرته وحكمته. وقيل : خلقهما لينتفع بهما في الدين والدنيا ، وليعمل بالحق.

(تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : تقدس عن أن يكون له شريك (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) (٦) [سورة النحل : ٦ ـ ٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) قال : خلقه من قطرة من ماء مهين ، فيكون خصيما متكلّما بليغا (٢).

ثمّ قال : وقال أبو الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ) والدفء : حواشي الإبل ، ويقال : بل هي الأدفاء من البيوت والثياب (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٣٩.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

(٣) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

١٠٥

ثمّ قال عليّ بن إبراهيم في قوله : (دِفْءٌ) : أي ما يستدفئون به ، مما يتخذ من صوفها ووبرها (١).

ثمّ قال : وقوله : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) قال : حين ترجع من المرعى (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) حين تخرج إلى المرعى (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٧) [سورة النحل : ٧]؟!

الجواب / قال عبد الله بن يحيى الكاهلي : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ـ وذكر الحجّ فقال ـ : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو أحد الجهادين ، وهو جهاد الضعفاء ، ونحن الضعفاء ، أما إنّه ليس شيء أفضل من الحجّ إلّا الصلاة ، وفي الحجّ ها هنا صلاة ، وليس في الصلاة قبلكم حجّ ، لا تدع الحجّ وأنت تقدر عليه ، أما ترى أنه يشعث فيه رأسك ، يقشف (٣) فيه جلدك ، وتمنع فيه من النظر إلى النساء.

وإنّا نحن لها هنا ، ونحن قريب ، ولنا مياه متّصلة ، ما نبلغ الحجّ حتى يشقّ علينا ، فكيف أنتم في بعد البلاد؟ وما من ملك ولا سوقة يصل إلى الحج إلّا بمشقّة ، من تغيير مطعم أو مشرب أو ريح أو شمس لا يستطيع ردّها ، وذلك قوله عزوجل : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٤).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

(٣) القشف : قذر الجلد ، قشف تقشف : لم يتعهّد الغسل والنظافة. «لسان العرب ـ قشف ـ ج ٩ ، ص ٢٨٢».

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٢٥٣ ، ح ٧.

١٠٦

وقال علي بن إبراهيم في معنى الآية ، قال : إلى مكّة والمدينة وجميع البلدان (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥)) [سورة النحل : ١٥ ـ ٨]؟!

الجواب / قال زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام : سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير. قال : فكرهها. قلت : أليس لحمها حلالا؟ قال : فقال : «أليس قد بيّن الله لكم : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(٢) وقال في الخيل والبغال والحمير : (لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) فجعل للأكل الأنعام التي قصّ الله في الكتاب ، وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير ، وليس لحومها بحرام ولكن الناس عافوها» (٣).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

(٢) النحل : ٥.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٥ ، ح ٦.

١٠٧

وقال علي بن إبراهيم : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) ولم يقل عزوجل لتركبوها وتأكلوها ، كما قال في الأنعام. (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : العجائب التي خلقها الله في البرّ والبحر (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ) يعني الطريق (١) وقوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) أي تزرعون وقوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) يعني بالمطر : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ثم قال : قوله تعالى : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي خلق فأخرج (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) قوله : (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) يعني ما يخرج من البحر من أنواع الجواهر (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) يعني السفن. قال : وقوله : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يعني الجبال (وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) يعني طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) يعني كي تهتدوا (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (١٦) [سورة النحل : ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) قال : هو الجدي ، لأنّه نجم لا يزول (٣) ، وعليه بناء القبلة ، وبه يهتدي أهل البرّ والبحر» (٤).

__________________

(١) في طبعة أخرى زيادة : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) يعني الطريق.

(٢) في «ط» : لا يدور.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، ح ١٢.

(٤) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٢.

١٠٨

وقال الطّبرسي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد قال : إنّ الله جعل النجوم أمانا لأهل السّماء ، وجعل أهل بيتي أمانا لأهل الأرض» (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (١٧) [سورة النحل : ١٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) معناه : أفمن يخلق هذه الأشياء في استحقاق العبادة والإلهية ، كالأصنام التي لا تخلق شيئا حتى يسوى بينها في العبادة ، وبين خالق جميع ذلك (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتذكرون أيها المشركون ، فتعتبرون وتعرفون أن ذلك من الخطأ الفاحش ، وجعل «من» فيما لا يعقل لما اتصل بذكر الخلق (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٨) [سورة النحل : ١٨]؟!

الجواب / قال عليّ بن محمد ، في حديث مرفوع : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام إذا قرأ هذه الآية : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) يقول : «سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلّا المعرفة بالتقصير عن معرفتها ، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنّه لا يدركه ، فشكر جلّ وعزّ معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره ، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا. كما علم علم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله إيمانا ، علما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٥٤٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٤٦.

١٠٩

منه أنّه قدّ (١) وسع العباد فلا يتجاوز ذلك ، فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته ، وكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟ تعالى الله قدرا عن ذلك علوّا كبيرا» (٢).

قد تقدّم في هذه الآية هذا الحديث وغيره في قوله تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) من سورة إبراهيم (٣).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (١٩) [سورة النحل : ١٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما قدم سبحانه الدعاء إلى عبادته بذكر نعمه ، وكما قدرته ، عقبه ببيان علمه بسريرة كل أحد ، وعلى نيته. ثم ذكر بطلان الإشراك في عبادته ، فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أخبر سبحانه أنه يعلم ما يسرونه ، وما يظهرونه ، فيجازيهم على أفعالهم ، إذ لا يخفى عليه الجلي والخفي من أحوالهم (٤).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ

__________________

(١) القدّ : قدر الشيء وتقطيعه. «لسان العرب ـ قدد ـ ج ٣ ، ص ٣٤٥».

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٩٤ ، ح ٥٩٢.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٣٤ ـ ٣٦) من سورة إبراهيم.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٣٧.

١١٠

الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) (٢٥) [سورة النحل : ٢٥ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال جابر سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الآية : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).

قال : «الذين يدعون من دون الله : الأوّل والثاني والثالث ، كذّبوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : والوا عليّا واتّبعوه. فعادوا عليّا عليه‌السلام ولم يوالوه ، ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم ، فذلك قول الله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ).

قال : «وأمّا قوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) فإنّه يعني لا يعبدون شيئا (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) فإنّه يعني وهم يعبدون ، وأمّا قوله : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ) يعني كفّارا غير مؤمنين ، وأمّا قوله : (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) فإنّه يعني أنّهم لا يؤمنون ، أنهم يشركون (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) فإنه كما قال الله. وأمّا قوله : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) فإنه يعني لا يؤمنون بالرجعة أنّها حقّ ، وأمّا قوله : (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) فإنّه يعني قلوبهم كافرة ، وأمّا قوله : (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) فإنّه يعني عن ولاية علي عليه‌السلام مستكبرون ، قال الله لمن فعل ذلك وعيدا منه : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) عن ولاية عليّ عليه‌السلام» (١).

وعن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، مثله سواء (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزّل جبرئيل هذه الآية هكذا : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، ح ١٤.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٧ ، ذيل الحديث ١٤.

١١١

ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) في عليّ (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعنون بني إسرائيل (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) في عليّ (قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : «سجع أهل الجاهليّة في جاهليّتهم ، فذلك قوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، وأمّا قوله : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) فإنّه يعني ليستكملوا (٢) الكفر يوم القيامة ، وأمّا قوله : (وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعني يتحمّلون كفر الذين يتولّونهم ، قال الله : (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٣).

وقال علي بن إبراهيم : قال الله عزوجل : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) قال : يحملون آثامهم ، يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وآثام كلّ من اقتدى بهم ، وهو قول الصادق عليه‌السلام : «والله ما أهريقت محجمة من دم ، ولا قرع عصا بعصا ، ولا غصب فرج حرام ، ولا أخذ مال من غير حلّه ، إلا ووزر ذلك في أعناقهما ، من غير أن ينقص من أوزار العاملين شيئا» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٧ ، ح ١٧ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٣٣١ ، ح ٤٥٦.

(٢) في طبعة أخرى : ليتكلّموا.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٧ ، ح ١٨.

(٤) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٣.

١١٢

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (٢٦) [سورة النحل : ٢٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام «بيت مكرهم ، أي ماتوا فألقاهم (١) الله في النار ، وهو مثل لأعداء آل محمّد (عليه وعليهم‌السلام(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) ، قال : «كان بيت غدر يجتمعون فيه» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ).

«كان بيت غدر يجتمعون فيه إذا أرادوا الشرّ» (٤).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى

__________________

(١) في «ط» : وأبقاهم.

قال المجلسي (رضوان الله عليه) : قوله : بيت مكرهم ، أي المراد بالبنيان بيت مكرهم الذي بنوه مجازا. قال في مجمع البيان : قيل : مثل ضربه الله لاستيصالهم ، والمعنى : فأتى الله مكرهم من أصله ، أي عاد ضرر المكر إليهم. «بحار الأنوار ٨ : ص ٣٦٥».

(٢) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٤.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٨ ، ح ١٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٨ ، ح ٢٣.

١١٣

الْمُتَكَبِّرِينَ) (٢٩) [سورة النحل : ٢٩ ـ ٢٧]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : قوله تعالى : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) قال : الذين أوتوا العلم : الأئمة عليهم‌السلام يقولون لأعدائهم : أين شركاؤكم ، ومن أطعتموهم في الدنيا؟ ثم قال فيهم أيضا : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) سلموا لما أصابهم من البلاء ، ثم يقولون : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) فردّ الله عليهم ، فقال : (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١) [سورة النحل : ٣١ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما قدم سبحانه ذكر أقوال الكافرين فيما أنزله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عقبه بذكر أقوال المؤمنين في ذلك ، فقال : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) الشرك والمعاصي ، وهم المؤمنون (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) أي : أنزل الله خيرا ، لأن القرآن كله هدى ، وشفاء ، وخير (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) ويجوز أن يكون هذا ابتداء كلام من الله تعالى ، معناه : للمحسنين في هذه الدنيا حسنة ، مكافأة لهم ، وهي الثناء

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٤.

١١٤

والمدح على ألسنة المؤمنين ، والهدى والتوفيق للإحسان (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) أي : وما يصل إليهم من الثواب في الآخرة خير مما يصل إليهم في الدنيا ، ويجوز أن يكون الجمع من كلام المتقين : [وأجيز كلا الوجهين] وقوله : (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) أي : والآخرة نعم دار المتقين الذين اتقوا عقاب الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه. وقيل : معناه ولنعم دار المتقين الدنيا ، لأنهم نالوا بالعمل فيها الثواب والجزاء ... وقيل : معناه : ولنعم دار المتقين (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) كما يقال نعم الدار دار ينزلها (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) سبق معناه (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) أي : يشتهون من النعم (كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) أي : كذلك يجازي الله الذين اتقوا معاصيه (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥) وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٣٧) [سورة النحل : ٣٧ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ ذكر المؤمنين فقال : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٥٢ ـ ١٥٣.

١١٥

الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) قوله : (طَيِّبِينَ) قال : هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم في الدنيا. ثمّ قال : قوله ؛ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [من العذاب والموت ، وخروج القائم عليه‌السلام (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، وقوله : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب في الرجعة.

ثم قال : قوله : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [فإنه محكم] ثمّ قال : قوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) يعني الأصنام (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي انظروا في أخبار من هلك من قبل (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كلّ راية ترفع قبل قيام القائم ، فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزوجل» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما بعث الله نبيّا قطّ إلّا بولايتنا والبراءة من أعدائنا ، وذلك قول الله عزوجل في كتابه : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) بتكذيبهم آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ثمّ قال ؛ (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٣).

وقال عليّ بن إبراهيم : وقوله : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) مخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) أي لا يثيب ، (مَنْ يُضِلُ) أي من يعذّب (٤).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٩٥ ، ح ٤٥٢.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٨ ، ح ٢٥.

(٤) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٥.

١١٦

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) (٣٩) [سورة النحل : ٣٩ ـ ٣٨]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله تبارك وتعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)؟

قال : فقال لي : «يا أبا بصير ، ما تقول في هذه الآية؟» قال : قلت : إنّ المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الله لا يبعث الموتى. قال : فقال : «تبّا لمن قال هذا ، هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللّات والعزّى؟».

قال : قلت : جعلت فداك ، فأوجدنيه؟ قال : فقال لي : «يا أبا بصير ، لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا ، قبائع (١) سيوفهم على عواتقهم ، فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا ، فيقولون : بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم ، وهم مع القائم. فيبلغ ذلك قوما من عدوّنا ، فيقولون : يا معشر الشيعة ، ما أكذبكم! هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب! لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة ـ قال ـ فحكى الله قولهم فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا

__________________

(١) قبائع : جمع قبيعة ، وهي ما على طرف مقبض السيف من فضّة أو ذهب. «الصحاح ـ قبع ـ ج ٣ ، ص ١٢٦٠».

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٥٠ ، ح ١٤.

١١٧

يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قال : حدّثني أبي عن بعض رجاله ، رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما تقول الناس فيها؟» قال : يقولون : نزلت في الكفّار.

فقال : «إنّ الكفّار كانوا لا يحلفون بالله ، وإنّما نزلت في قوم من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قيل لهم : ترجعون بعد الموت قبل القيامة فحلفوا أنهم لا يرجعون ، فردّ الله عليهم فقال : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) يعني في الرّجعة ، يردهم فيقتله ويشفي صدور المؤمنين منهم» (١).

نفس الحديث روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢) [سورة النحل : ٤٢ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال صفوان بن يحيى : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة ، من الله ومن الخلق؟

قال : فقال : «الإرادة من الخلق الضّمير ، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه ، لا غير ذلك ، لأنّه لا يروّي ولا يهمّ ، ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفيّة عنه ، وهي صفات الخلق ، فإرادة الله الفعل ، لا غير ذلك ، يقول له : كن ، فيكون ، بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همّة ، ولا تفكّر ، ولا كيف لذلك ، كما أنه لا كيف له» (٣).

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٥٩ ، ح ٢٦.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٨٥ ، ح ٣.

١١٨

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ) أي هاجروا وتركوا الكفّار في الله (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) أي : لنبوئنهم أي لنؤتينهم (فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)(١).

وقال الشيخ الطبرسيّ : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) : هذا وصف لهؤلاء المهاجرين أي : صبروا في طاعة الله على أذى المشركين ، وفوضوا أمورهم إلى الله تعالى ، ثقة به (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤)) [سورة النحل : ٤٤ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال جلّ ذكره (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). «الكتاب : الذكر ، وأهله : آل محمّد عليهم‌السلام ، أمر الله عزوجل بسؤالهم ولم يأمر بسؤال الجهّال ، وسمّى الله عزوجل القرآن ذكرا. فقال تبارك وتعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ)(٣)» (٤).

وقال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله تبارك وتعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من المعنون بذلك؟ قال : «نحن».

قال : قلت : فأنتم المسؤولون؟ قال : «نعم» قلت : ونحن السائلون؟ قال : «نعم» قلت : فعلينا أن نسألكم؟ قال : «نعم» قلت : وعليكم أن تجيبونا؟

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ١ ، ص ٣٨٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ١٥٨.

(٣) الزخرف : ٤٤.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٢٣٤ ، ح ٣.

١١٩

قال : «لا ، ذلك إلينا ، إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل ، ثمّ قال : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)(١)» (٢).

وروى هذا الحديث ، عليّ بن إبراهيم ، قال : حدّثني محمّد بن جعفر ، قال : حدّثنا عبد الله بن محمّد ، عن أبي داود سليمان بن سفيان ، عن ثعلبة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) من المعنون بذلك؟ فقال : «نحن والله». فقلت : وأنتم المسؤولون؟ قال : «نعم». وساق الحديث إلى آخره ، إلّا أنّ فيه : «وإن شئنا تركنا» الحديث (٣).

وقال الرّيّان بن الصّلت : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء العراق وخراسان ، وذكر الحديث إلى أن قال فيه الرضا عليه‌السلام : «نحن أهل الذكر الذين قال الله في كتابه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فنحن أهل الذكر ، فاسألونا إن كنتم لا تعلمون».

فقالت العلماء : إنّما عنى الله بذلك اليهود والنصارى. فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «سبحان الله ، وهل يجوز ذلك؟ إذن يدعونا إلى دينهم ، ويقولون : هو أفضل من دين الإسلام»!

فقال المأمون : فهل عندك في ذلك شرح بخلاف ما قالوا ـ يا أبا الحسن ـ؟ فقال عليه‌السلام : «نعم الذكر : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن أهله ، وذلك بيّن في كتاب الله تعالى حيث يقول في سورة الطلاق : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ)(٤) فالذكر : رسول الله ، ونحن أهله» (٥).

__________________

(١) سورة ص : ٣٩.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٦٢ ، ح ٢٥.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٦٨.

(٤) الطلاق : ١٠ ـ ١١.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٢٨ ، ح ١.

١٢٠