التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

ذلك. وها هنا حذف أي : فألقوا ما معهم (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) الضمير في إليه راجع إلى موسى. وقيل : إلى فرعون أي : يرى الحبال من سحرهم أنها تسير وتعدو مثل سير الحيات ، وإنما قال (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) لأنها لم تكن تسعى حقيقة ، وإنما تحركت لأنهم جعلوا داخلها الزئبق ، فلما حميت الشمس طلب الزئبق الصعود ، فحركت الشمس ذلك ، فظن أنها تسعى (١).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (٦٧) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) (٦٨) [سورة طه : ٦٨ ـ ٦٧]؟!

الجواب / قال إسماعيل بن الفضل الهاشمي : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن موسى بن عمران عليه‌السلام ، لمّا رأى حبالهم وعصيّهم ، كيف أوجس في نفسه خيفة ، ولم يوجسها إبراهيم عليه‌السلام حين وضع في المنجنيق وقذف به على النار؟

فقال عليه‌السلام : «إن إبراهيم عليه‌السلام حين وضع في المنجنيق ، كان مستندا إلى ما في صلبه من أنوار حجج الله عزوجل ، ولم يكن موسى عليه‌السلام كذلك ، فلذلك أوجس في نفسه خيفة ، ولم يوجسها إبراهيم عليه‌السلام» (٢).

وقال معمر بن راشد ، سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «أتى يهودي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام بين يديه يحدّ النظر إليه. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا يهوديّ ، ما حاجتك؟

قال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبيّ الذي كلّمه الله ، وأنزل عليه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥ ـ ٣٦.

(٢) الأمالي : ص ٥٢١ ، ح ٢.

٣٦١

التوراة والعصا ، وفلق له البحر ، وأظلّه بالغمام؟

فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ، ولكني أقول : إن آدم عليه‌السلام لما أصاب الخطيئة ، كانت توبته أن قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرتها لي ، فغفرها له ، وإن نوحا عليه‌السلام لما ركب السفينة ، وخاف الغرق ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني من الغرق ، فأنجاه الله منه ، وإن إبراهيم عليه‌السلام لما ألقي في النار ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها ، فجعلها الله عليه بردا وسلاما ، وإن موسى عليه‌السلام لما ألقى عصاه ، وأوجس في نفسه خيفة ، قال : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ، فقال الله جلّ جلاله : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى).

يا يهودي ، إن موسى عليه‌السلام لو أدركني ، ثم لم يؤمن بي وبنبوّتي ، ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة يا يهودي ، ومن ذريتي المهدي ، إذا خرج نزل عيسى بن مريم لنصرته ، فقدّمه وصلى خلفه» (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (٦٩) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ

__________________

(١) الأمالي : ص ١٨١ ، ح ٤.

٣٦٢

السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) (٧٦) [سورة طه : ٧٦ ـ ٦٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) يعني العصاء (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) أي : تبتلع ما صنعوا فيه من الحبال والعصي ، لأن الحبال والعصي أجسام ليست من صنعهم ، قالوا : ولما ألقى عصاه صارت حية ، وطافت حول الصفوف حتى رآها الناس كلهم ، ثم قصدت الحبال والعصي فابتلعتها كلها على كثرتها ، ثم أخذها موسى فعادت عصا كما كانت (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) أي : إن الذي صنعوه ، أو إن صنيعهم كيد ساحر ، أي : مكره وحيلته (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أي : لا يظفر الساحر ببغيته إذ لا حقيقة للسحر (حَيْثُ أَتى) أي : حيث كان من الأرض. وقيل : لا يفوز الساحر حيث أتى بسحره لأن الحق يبطله.

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) ها هنا محذوف وهو فألقى عصاه ، وتلقف ما صنعوا ، فألقي السحرة سجدا ، أي : سجدوا و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) أضافوه سبحانه إليهما لدعائهما إليه ، وكونهما رسولين له (قالَ) فرعون للسحرة. (آمَنْتُمْ لَهُ) أي : لموسى ، والمعنى : قد صدقتم له (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أي : من غير إذني ، لأنه بلغ من جهله أنه لا يعتقد دين إلا بإذنه. والفرق بين الإذن والأمر. أن في الأمر دلالة على إرادة الآمر الفعل المأمور به ، وليس في الإذن ذلك. وقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) إذن ، وقوله (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) أمر.

(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) معناه : إنه لأستاذكم وأنتم تلامذته ، وقد يعجز التلميذ عما يفعله الأستاذ. وقيل : إنه لرئيسكم ومتقدمكم ، وأنتم

٣٦٣

أشياعه وأتباعه ما عجزتم عن معارضته ، ولكنكم تركتم معارضته احتشاما له واحتراما. وإنما قال ذلك ليوهم العوام أن ما أتوا به إنما هو لتواطؤ من جهتهم ، ليصرفوا وجوه الناس إليهم (فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي : أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي : على جذوع النخل (وَلَتَعْلَمُنَ) أيها السحرة (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) لكم (وَأَبْقى) وأدوم أنا على إيمانكم أم رب موسى على ترككم الإيمان به.

(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) أي : لن نفضلك ، ولن نختارك على ما أتانا من الأدلة الدالة على صدق موسى ، وصحة نبوته ، والمعجزات التي تعجز عنها قوى البشر. (وَالَّذِي فَطَرَنا) أي : وعلى الذي فطرنا ، أي : خلقنا.

وقيل : معناه لن نؤثرك والله الذي فطرنا على ما جاءنا من البينات ، وما ظهر لنا من الحق (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) أي : فاصنع ما أنت صانعه على إتمام وإحكام. وقيل : معناه فاحكم ما أنت حاكم ، وليس هذا بأمر منهم ، ولكن معناه : أي شيء صنعت ، فإنا لا نرجع عنه الإيمان (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) أي : إنما تصنع بسلطانك ، أو تحكم في هذه الدنيا دون الآخرة ، فلا سلطان لك فيها ، ولا حكم. وقيل : معناه إنما تقضي وتذهب هذه الحياة الدنيا دون الحياة الآخرة (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا) من الشرك والمعاصي (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) إنما قالوا ذلك لأن الملوك كانوا يجبرونهم على تعليم السحر ، كيلا يخرج السحر من أيديهم. قيل : إن السحرة قالوا لفرعون : أرنا موسى إذا نام ، فأراهم إياه ، فإذا هو نائم ، وعصاه تحرسه. فقالوا : ليس هذا بسحر ، إن الساحر إذا نام بطل سحره. فأبى عليهم إلا أن يعملوا فذلك إكراههم ...

(وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي : والله خير لنا منك ، وثوابه أبقى لنا من ثوابك.

٣٦٤

وقيل : معناه والله خير ثوابا للمؤمنين ، وأبقى عقابا للعاصين منك. وهذا جواب لقوله (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) وها هنا انتهى الإخبار عن السحرة. ثم قال الله سبحانه (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً) وقيل : إنه من قول السحرة. قال ابن عباس : في رواية الضحاك المجرم الكافر. وفي رواية عطاء يعني الذي أجرم ، وفعل مثل ما فعل فرعون (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح من العذاب (وَلا يَحْيى) حياة فيها راحة ، بل هو معاقب بأنواع العقاب.

(وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً) مصدقا بالله ، وبأنبيائه (قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ) أي : أدى الفرائض ... (فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى) يعني درجات الجنة ، وبعضها أعلى من بعض. والعلى : جمع العليا ، وهي تأنيث الأعلى (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي : إقامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) معناه : إن الثواب الذي تقدم ذكره ، جزاء من تطهر بالإيمان والطاعة عن دنس الكفر والمعصية. وقيل : تزكى طلب الزكاء بإرادة الطاعة ، والعمل بها (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (٨٠) [سورة طه : ٨٠ ـ ٧٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩ ـ ٤١.

٣٦٥

حال بني إسرائيل ، فقال : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى) بعد ما رأى فرعون من الآيات ، فلم يؤمن هو ، ولا قومه (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) أي : سر بهم ليلا من أرض مصر (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) أي : اجعل لهم طريقا في البر يابسا بضربك العصا ، لينفلق البحر ، فعدى الضرب إلى الطريق لما دخله هذا المعنى ، فكأنه قد ضرب الطريق كما يضرب الدينار (لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) أي : لا تخاف أن يدركك فرعون من خلفك ، ولا تخشى من البحر غرقا. ومن قرأ لا تخف بالجزم فمعناه : لا تخف أن يدركك فرعون وأنت لا تخشى شيئا من أمر البحر مثل قوله : (يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ...

(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) معناه : ألحق جنوده بهم ، وبعث بجنوده خلفهم وفي أثرهم. وفي الكلام حذف أنهم فعلوا ذلك ، فدخل موسى وقومه البحر ، ثم اتبعهم فرعون بجنوده (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) أي : جاءهم من البحر ما جاءهم ، ولحقهم منه ما لحقهم ، وفيه تعظيم للأمر ، ومعناه : غشيهم الذي عرفتموه وسمعتم به ، ومثله قول أبي النجم : «أنا أبو النجم وشعري شعري» أي : شعري الذي سمعت به ، وعلمته. أي : هلك فرعون ونجا موسى هذا كان عاقبة أمرهم فليعتبر المعتبرون بهم : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) أي : صرفهم عن الهدى والحق ، وما هداهم إلى الخير والرشد وطريق النجاة. وإنما قال (وَما هَدى) بعد قوله (أَضَلَ) ليتبين أنه استمر على ذلك ، وما زال يضلهم ، ولا يهديهم ... وإنما قال سبحانه تكذيبا لقول فرعون لقومه : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ).

ثم خاطب سبحانه بني إسرائيل ، وعدد نعمه عليهم ، فقال : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون بمرأى منكم (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) وهو أن الله تعالى وعد موسى بعد أن أغرق فرعون ليأتي جانب الطور الأيمن ، فيؤتيه التوراة ، فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاجون

٣٦٦

إليه (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) يعني في التيه (١).

وقال الإمام العسكري عليه‌السلام (الْمَنَ) الترنجبين ، كان يسقط على شجرهم فيتناولونه (وَالسَّلْوى) السّماني طير ، أطيب طير لحما ، يسترسل لهم فيصطادونه (٢).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) (٨١) [سورة طه : ٨١]؟!

الجواب / قال بعض أصحابنا : كنت في مجلس أبي جعفر عليه‌السلام ، إذ دخل عليه عمرو بن عبيد ، فقال له : جعلت فداك ، قول الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) ما ذلك الغضب.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هو العقاب يا عمرو ، إنه من زعم أن الله قد زال من شيء إلى شيء ، فقد وصفه بصفة مخلوق ، وإن الله عزوجل لا يستفزّه شيء فيغيّره» (٣).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢) [سورة طه : ٨٢]؟!

الجواب / قال سدير : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام وهو داخل وأنا خارج ، وأخذ بيدي ، ثم استقبل البيت ، فقال : «يا سدير ، إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار ، فيطوفوا بها ، ثم يأتونا فيعلمونا ولايتهم لنا ، وهو قول الله تعالى :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤.

(٢) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٢٥٧ ، ح ١٢٦. وقد مر تفسير الرواية في هامش آية (٥٧) من سورة البقرة.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٨٦ ، ح ٥ والتوحيد : ص ١٦٨ ، ح ١ ، ومعاني الأخبار : ص ١٨ ، ح ١.

٣٦٧

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ـ ثم أومأ بيده إلى صدره ـ إلى ولايتنا».

ثم قال : «يا سدير ، فأريك الصادّين عن دين الله ، ثم نظر إلى أبي حنيفة وسفيان الثوري في ذلك الزمان ، وهم حلق في المسجد ، فقال : هؤلاء الصادّون عن دين الله بلا هدى من الله ، ولا كتاب منير ، إن هؤلاء الأخابيث لو جلسوا في بيوتهم ، فجال الناس ، فلم يجدوا أحدا يخبرهم عن الله تبارك وتعالى ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتى يأتونا ، فنخبرهم عن الله تبارك وتعالى ، وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

قال : «من تاب من ظلم ، وآمن من كفر ، وعمل صالحا ، ثم اهتدى إلى ولايتنا» وأومأ بيده إلى صدره (٢).

وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عليه‌السلام قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم وهو راكب ، وخرج علي عليه‌السلام وهو يمشي ، فقال له : يا أبا الحسن ، إما أن تركب ، وإما أن تنصرف ـ وذكر الحديث إلى أن قال فيه ـ والله يا عليّ ، ما خلقت إلا لتعبد ربك ، ولتعرف بك معالم الدين ، ويصلح بك دارس السبيل ، ولقد ضلّ من ضلّ عنك ، ولن يهتدي إلى الله عزوجل من لم يهتد إليك وإلى ولايتك ، وهو قول ربي عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) يعني إلى ولايتك» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام للحارث بن يحيى : «ألا ترى كيف اشترط ، ولم

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٢٣ ، ح ٣.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٩٨ ، ح ٦.

(٣) الأمالي : ص ٣٩٩ ، ح ١٣ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٣٧٦ ، ح ٥٢١ (نحوه) ، ينابيع المودة : ص ١١٠.

٣٦٨

تنفعه التوبة ولا الإيمان والعمل الصالح حتى اهتدى. والله ، لو جهد أن يعمل بعمل ، ما قبل منه حتى يهتدي».

قال : قلت : إلى من ، جعلني الله فداك؟ قال : «إلينا» (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) (٨٤) [سورة طه : ٨٤ ـ ٨٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) قال ابن إسحاق : كانت المواعدة أن يوافي الميعاد هو وقومه. وقيل : مع جماعته من وجوه قومه ، وهو متصل بقوله (واعَدْناكُمْ) جانب الطور الأيمن فتعجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه ، وخلفهم ليلحقوا به ، فقيل له : ما أعجلك عن قومك يا موسى أي : بأي سبب خلفت قومك ، وسبقتهم ، وجئت وحدك. (قالَ) موسى في الجواب (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أي : هؤلاء من ورائي يدركونني عن قريب. وقيل : معناه هم على ديني ومنهاجي ...

وروي : هم ينتظرون من بعدي ما الذي آتيهم به ، وليس يريد أنهم يتبعونه.

(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) أي : سبقتهم إليك حرصا على تعجيل رضاك أي : لأزداد رضا إلى رضاك (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : المشتاق لا يشتهي طعاما ، ولا يلتذّ شرابا ، ولا يستطيب رقادا ، ولا يأنس حميما ، ولا يأوي دارا ، ولا يسكن عمرانا ، ولا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦١.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٥.

٣٦٩

يلبس ثيابا ، ولا يقرّ قرارا ، ويعبد الله ليلا ونهارا ، راجيا بأن يصل إلى ما يشتاق إليه ، ويناجيه بلسان الشوق ، معبّرا عمّا في سريرته ، كما أخبر الله تعالى عن موسى عليه‌السلام في ميعاد ربّه : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى)(١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨) [سورة طه : ٩٨ ـ ٨٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ

__________________

(١) مصباح الشريعة : ص ١٩٦.

٣٧٠

بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) قال : اختبرناهم وأضلهم السامري ، قال : بالعجل الذي عبدوه ، وكان سبب ذلك أن موسى لما وعده الله أن ينزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك ، وذهب إلى الميقات ، وخلّف هارون في قومه ، فلما جاءت الثلاثون يوما ولم يرجع موسى عليه‌السلام إليهم غضبوا وأرادوا أن يقتلوا هارون ، وقالوا : إن موسى كذبنا وهرب منا. فجاءهم إبليس في صورة رجل ، فقال لهم : إن موسى قد هرب منكم ولا يرجع إليكم أبدا ، فأجمعوا لي حليكم حتى أتخذ لكم إلها تعبدونه.

وكان السامريّ على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون وأصحابه ، فنظر إلى جبرئيل وكان على حيوان في صورة رمكة (١) ، فكانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض تحرك ذلك الموضع ، فنظر إليه السامريّ وكان من خيار أصحاب موسى عليه‌السلام ، فأخذ التراب من تحت حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرّك فصرّه في صرة كانت عنده يفتخر به على بني إسرائيل فلما جاءهم إبليس واتخذوا العجل ، قال للسامريّ : هات التراب الذي معك. فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل ، فلما وقع التراب في جوفه تحرّك ، وخار ، ونبت عليه الوبر والشعر ، فسجد له بنو إسرائيل ، وكان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل ، فقال لهم هارون كما حكى الله : (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) ، فهموا بهارون فهرب من بينهم ، وبقوا في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة ، فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة وما يحتاجون إليه من أحكام السير والقصص ، ثم أوحى الله إلى موسى : (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ

__________________

(١) الرمكة : الفرس. «لسان العرب ـ رمنك ـ ج ١ ، ص ٤٣٤».

٣٧١

السَّامِرِيُ) وعبدوا العجل وله خوار. فقال موسى عليه‌السلام : يا ربّ ، العجل من السامري ، فالخوار ممّن؟ فقال : «مني ـ يا موسى ـ إني لما رأيتهم قد ولّوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة».

(فَرَجَعَ مُوسى) كما حكى الله عزوجل (إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) ، ثمّ رمى بالألواح وأخذ بلحية أخيه هارون ورأسه يجره إليه (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) فقال هارون كما حكى الله : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(١).

وقال علي بن سالم ، قال أبي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن هارون لم قال لموسى عليه‌السلام : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ، ولم يقل يا بن أبي؟

فقال : «إنّ العداوة بين الإخوة أكثر ما تكون إذا كانوا بني علات (٢) ، ومتى كانوا بني أم قلت العداوة إلا أن ينزغ الشيطان بينهم فيطيعوه ، فقال هارون لأخيه : يا أخي الذي ولدته أمي ، ولم تلدني غير أمه ، لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ، ولم يقل يا بن أبي لأن بني الأب إذا كانت أمهاتهم شتّى لم تستبعد العداوة بينهم إلا من عصمه الله منهم ، وإنما تستبعد العداوة بين بني أم واحدة».

قال : قلت : فلم أخذ برأس أخيه يجرّه إليه وبلحيته ، ولم يكن له في اتخاذهم العجل وعبادتهم له ذنب.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦١.

(٢) أولاد العلات : الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد. «النهاية : ج ٣ ، ص ٢٩١».

٣٧٢

فقال : «إنما فعل ذلك به لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ، ولم يلحق بموسى ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب ، ألا ترى أنه قال له موسى : (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي)؟! قال هارون : لو فعلت ذلك لتفرّقوا ، وإني خشيت أن تقول : فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي» (١).

نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم : قال له بنو إسرائيل : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) قال : ما خالفناك (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) يعني من حليهم (فَقَذَفْناها) قال : يعني التراب الذي جاء به السامريّ طرحناه في جوفه ثم أخرج السامريّ العجل وله خوار. فقال له موسى : (فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ)؟ قال السامري : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل في البحر (فَنَبَذْتُها) أي أمسكتها (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي زيّنت.

فأخرج موسى العجل وأحرقه بالنار وألقاه في البحر ، ثم قال موسى عليه‌السلام للسامريّ : (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) ، أي ما دمت حيّا وعقبك ، هذه العلامة فيكم قائمة أن تقولوا : لا مساس ، حتى تعرفوا أنكم سامريّة لا يقربكم الناس. فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفون ب (لا مساس).

ثمّ همّ موسى عليه‌السلام بقتل السامريّ فأوحى الله إليه : «لا تقتله ـ يا موسى ـ فإنّه سخيّ». فقال له موسى عليه‌السلام (انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٦٨ ، ح ١.

٣٧٣

وقال : وإن من عبد العجل أنكر عند موسى عليه‌السلام : أنه لم يسجد له ، فأمر موسى عليه‌السلام أن يبرد العجل بالمبارد ، وألقى برادته في الماء ، ثمّ أمر بني إسرائيل أن يشرب كلّ واحد منهم من ذلك الماء ، فالذين كانوا سجدوا يظهر له من البرادة شيء فعند ذلك اسبات من خالف ممّن ثبت على إيمانه (١).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) (١٠١) [سورة طه : ١٠٠ ـ ٩٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) أي : مثل ما قصصنا عليك يا محمد من نبأ موسى وقومه ، نقص عليك من أخبار ما قد مضى وتقدم من الأمم والأمور (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) يعني القرآن ، لأن فيه ذكر كل ما يحتاج إليه من أمور الدين.

ثم أوعد سبحانه على الإعراض عنه ، وترك الإيمان به فقال : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) أي : حملا ثقيلا من الإثم يشق عليه حمله ، لما فيه من العقوبة ، كما يشق حمل الثقيل (خالِدِينَ فِيهِ) أي : في عذاب ذلك الوزر وجزائه ، وهو الخلود في النار (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) تقديره ساء الحمل حملا ، والحمل بمعنى المحمول أي : بئس الوزر هذا الوزر لهم يوم القيامة. قال الكلبي : بئس ما حملوا على أنفسهم من المآثم كفرهم بالقرآن (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٥٥.

٣٧٤

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (١٠٤) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً) (١٠٨) [سورة طه : ١٠٨ ـ ١٠٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) فقال : تكون أعينهم مزرقة لا يقدرون أن يطرفوها ، وقوله تعالى : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ) قال : يوم القيامة يسرّ بعضهم إلى بعض أنهم لم يلبثوا إلا عشرا ، قال الله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) قال : أعلمهم وأصلحهم ، يقولون : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً).

ثم خاطب الله نبيّه (عليه وآله السّلام) ، فقال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والقاع : الذي لا تراب فيه ، والصفصف : الذي لا نبات له» (١).

(لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) قال : الأمت : الارتفاع ، والعوج : الحزون (٢) والذكوات (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «مناديا من عند الله» (٤). وقال أبو عبد

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٧.

(٢) الحزن من الأرض : ما غلظ. «الصحاح : ج ٥ ، ص ٢٠٩٨».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٤.

٣٧٥

الله عليه‌السلام : الداعي أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد وهم حفاة عراة ، فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا وتشتد أنفاسهم ، فيمكثون في ذلك خمسين عاما ، وهو قول الله (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً).

قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبيّ الأميّ؟ فيقول الناس : قد أسمعت ، فسمّ باسمه : فينادي أين نبيّ الرّحمة ، أين محمد بن عبد الله الأمّي؟ فيتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام الناس كلّهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة إلى صنعاء ، فيقف عليه فينادي بصاحبكم فيتقدّم أمام الناس فيقف معه ، ثم يؤذن للناس فيمرّون ، فبين وارد الحوض يومئذ وبين مصروف عنه ، فإذا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يصرف عنه من محبينا يبكي ، ويقول : يا ربّ ، شيعة عليّ ، قال : فيبعث الله إليه ملكا فيقول له : ما يبكيك يا محمد؟ فيقول : أبكي لأناس من شيعة علي ، أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار ومنعوا ورود حوضي.

فيقول الملك : إن الله يقول قد وهبتهم لك ـ يا محمد ـ وصفحت لهم عن ذنوبهم بحبهم لك ولعترتك ، وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولون به ، وجعلناهم في زمرتك فأوردهم حوضك».

قال : أبو جعفر عليه‌السلام : «فكم باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمد ، إذا رأوا ذلك ، ولا يبقى أحد يومئذ يتولانا ويحبنا ويتبرّأ من عدونا ويبغضهم إلا كانوا في حزبنا ومعنا ويردون حوضنا» (٢).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣١٦ ، ح ١٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٤ وأمالي الطوسي : ج ١ ، ص ٦٤ ، وأمالي المفيد : ص ٢٩٠ ، ح ٨.

٣٧٦

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (١١٢) [سورة طه : ١١٢ ـ ١٠٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سمعت أبي يقول ورجل يسأله عن قول الله عزوجل : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) ، قال : لا ينال شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة إلا من آذن له الرحمن بطاعة آل محمد ، ورضي له قولا وعملا ، فحيي على مودّتهم ومات عليها ، فرضي الله قوله وعمله فيهم ، ثمّ قال : «وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما لآل محمد.» كذا نزلت ، ثم قال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) قال : مؤمن بمحبّة آل محمّد ومبغض لعدوّهم» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً).

يقول : «لا ينقص من عمله شيء ، وأما ظلما يقول : لن يذهب به» (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) قال : ما بين أيديهم : ما مضى من أخبار الأنبياء ، وما خلفهم ، من أخبار القائم عليه‌السلام (٣).

وقال صفوان بن يحيى ، سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣١٨ ، ح ١٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٥.

٣٧٧

الحسن الرضا عليه‌السلام ، فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرة : إنا روّينا أن الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيين : فقسّم الكلام لموسى ، ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرؤية؟

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «فمن المبلّغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)(١) و (لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢) أليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟» قال : بلى.

قال عليه‌السلام : «كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) و (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، ثم يقول : أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر ، أما يستحيون؟! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا ، أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر».

قال أبو قرّة. فإنه يقول : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(٣)؟

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى ، حيث قال : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(٤) يقول : ما كذب فؤاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما رأته عيناه ، ثم أخبر بما رأى ، فقال : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(٥) ، فآيات الله غير الله ، وقد قال الله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة».

فقال أبو قرّة : فتكذّب بالروايات؟

__________________

(١) الأنعام : ١٠٣.

(٢) الشورى : ١١.

(٣) النجم : ١٣.

(٤) النجم : ١١.

(٥) النجم : ١٨.

٣٧٨

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها ، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شيء» (١).

وقال علي بن إبراهيم : وقوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) أي ذلّت (٢).

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (١١٤) [سورة طه : ١١٤ ـ ١١٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : يعني ما يحدث من أمر القائم عليه‌السلام والسفياني (٣).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل نزول تمام الآية والمعنى ، فأنزل الله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) أي يفرغ من قراءته (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(٤).

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (١١٥) [سورة طه : ١١٥]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٧٤ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٥.

٣٧٩

«عهدنا إليه في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام من بعده فترك ولم يكن له عزم أنهم هكذا ، وإنما سمّي أولو العزم أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأوصياء من بعده والمهديّ وسيرته واجتمع عزمهم على أن ذلك كذلك ، والإقرار به» (١).

وقال الباقر عليهم‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه‌السلام أن لا يقرب الشجرة ، فلما بلغ الوقت الذي كان في علم الله تبارك وتعالى أن يأكل منها ، نسي فأكل منها ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٢).

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى (١٢٠) فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (١٢١) [سورة طه : ١٢١ ـ ١١٦]؟!

الجواب / قال علي بن جعفر : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «لمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تيما وعديّا وبني أميّة يركبون منبره ، أفظعه ، فأنزل الله تعالى قرآنا يتأسى به : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) ثم أوحى إليه : يا محمد ، إني أمرت فلم أطع ، فلا تجزع أنت إذا أمرت فلم تطع

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٤ ، ح ٢٢ ، وتفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٦ ، وعلل الشرائع : ص ١٢٢ ، ح ١.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٢١٣ ، ح ٢.

٣٨٠