التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

سورة الإسراء

* س ١ : ما هو فضل سورة الإسراء؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عبد قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة ، لم يمت حتى يدرك القائم عليه‌السلام ويكون من أصحابه» (١).

٢ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة ورقّ قلبه عند ذكر الوالدين ، كان له قنطار في الجنّة ، والقنطار ألف ومائتا أوقيّة ، والأوقيّة خير من الدنيا وما فيها ، ومن كتبها وجعلها في خرقة حوير خضراء وحرز عليها ورمى بالنبال ، أصاب ولم يخطئ ، وإن كتبها في إناء وشرب ماءها لم يتعذّر عليه كلام ، وأنطق لسانه بالصّواب ، وازداد فهما» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «... وإن كتبها لصغير تعذّر عليه الكلام ، يكتبها بزعفران ويسقى ماءها ، أنطق الله لسانه بإذنه وتكلم» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) [سورة الإسراء : ١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «جاء جبرئيل وميكائيل وإسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخذ واحد باللجام وواحد بالرّكاب ، وسوّى

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٧.

(٢) خواص القرآن : ص ٣.

(٣) خواص القرآن : ص ٤٣.

١٦١

الآخر عليه ثيابه ، فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل عليه‌السلام ، ثمّ قال لها : اسكني يا براق ، فما ركبك نبيّ قبله ، ولا يركبك بعده مثله ـ قال ـ فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ، ومعه جبرئيل عليه‌السلام يريه الآيات من السّماء والأرض.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فبينا أنا في مسيري ، إذ نادى مناد عن يميني : يا محمّد. فلم أجبه ، ولم ألتفت إليه ، ثمّ نادى مناد عن يساري : يا محمّد. فلم أجبه ، ولم ألتفت إليه ، ثمّ استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها ، وعليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتى أكلّمك. فلم ألتفت إليها ، ثمّ سرت فسمعت صوتا أفزعني ، فجاوزت ، فنزل بي جبرئيل ، فقال : صلّ. فنزلت وصلّيت. فقال لي : أتدري أين صلّيت؟ فقلت : لا. فقال : صلّيت بطيبة ، وإليها مهاجرتك. ثمّ ركبت فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال لي : انزل وصلّ. فنزلت وصلّيت. فقال لي : أتدري أين صلّيت؟ فقلت : لا. فقال : صلّيت بطور سيناء ، حيث كلّم الله موسى تكليما. ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ، ثمّ قال : انزل فصلّ. فنزلت وصلّيت. فقال لي : أتدري أين صلّيت؟ فقلت : لا. فقال : صلّيت في بيت لحم. وبيت لحم بناحية بيت المقدس ، حيث ولد عيسى بن مريم عليه‌السلام.

ثمّ ركبت فمضينا حتّى أتينا إلى بيت المقدس ، فربطت البراق بالحلقة التي كانت الأنبياء تربط بها ، فدخلت المسجد ، ومعي جبرئيل عليه‌السلام إلى جنبي ، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى عليهم‌السلام فيمن شاء الله من أنبياء الله ، قد جمعوا إليّ ، وأقيمت الصلاة ، ولا أشكّ إلّا وجبرئيل يستقدمنا ، فلمّا استووا أخذ جبرئيل بعضدي ، فقدّمني فأممتهم ولا فخر.

ثمّ أتاني الخازن بثلاثة أوان : إناء فيه لبن ، وإناء فيه ماء ، وإناء فيه خمر ، فسمعت قائلا يقول : إن أخذ الماء غرق وغرقت أمّته ، وإن أخذ الخمر

١٦٢

غوى وغوت أمّته ، وإن أخذ اللبن هدي وهديت أمّته. فأخذت اللّبن فشربت منه ، فقال جبرئيل : هديت وهديت أمّتك. ثمّ قال لي : ماذا رأيت في مسيرك؟ قلت : ناداني مناد عن يميني. فقال لي : أو أجبته؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه. فقال : ذلك داعي اليهود ، لو أجبته لتهوّدت أمّتك من بعدك. ثمّ قال : ماذا رأيت؟ قلت : ناداني مناد عن يساري. فقال : أو أجبته؟ فقلت : لا ، ولم ألتفت إليه. فقال : ذلك داعي النصارى ، لو أجبته لتنصّرت أمتك من بعدك. ثمّ قال : ماذا استقبلك؟ فقلت : لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها ، عليها من كلّ زينة الدنيا ، فقالت : يا محمّد ، انظرني حتى أكلّمك. فقال لي : أفكلّمتها؟ فقلت : لم أكلّمها ، ولم ألتفت إليها. فقال : تلك الدنيا ، ولو كلّمتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة. ثمّ سمعت صوتا أفزعني ، فقال لي جبرئيل : أتسمع ، يا محمّد؟ قلت : نعم. قال : هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنّم منذ سبعين سنة ، فهذا حين استقرّت.

قالوا : فما ضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قبض.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى السّماء الدنيا ، وعليها ملك يقال له : إسماعيل ، وهو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ)(١) وتحته سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك ، فقال : يا جبرئيل ، من هذا الذي معك؟ فقال : محمد رسول الله. قال : وقد بعث؟ قال : نعم. ففتح الباب ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالأخ [الناصح والنبيّ] الصالح. وتلقّتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا ، فما لقيني ملك إلّا ضاحكا مستبشرا حتّى لقيني ملك من الملائكة ، لم أر خلقا أعظم منه ، كريه

__________________

(١) الصافات : ١٠.

١٦٣

المنظر ، ظاهر الغضب ، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء ، إلّا أنّه لم يضحك ، ولم أر فيه من الاستبشار ما رأيت ممّن ضحك من الملائكة ، فقلت : من هذا ـ يا جبرئيل ـ فإنّي قد فزعت منه؟ فقال : يجوز أن تفزع منه ، وكلّنا نفزع منه ، إن هذا مالك خازن النار ، لم يضحك قطّ ، ولم يزل منذ ولّاه الله جهنّم يزداد كلّ يوم غضبا وغيظا على أعداء الله ، وأهل معصيته ، فينتقم الله به منهم ، ولو ضحك إلى أحد كان قبلك أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك. فسلّمت عليه ، فردّ عليّ السّلام وبشّرني بالجنّة ، فقلت لجبرئيل ، وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)(١) : ألا تأمره أن يريني النار؟ فقال له جبرئيل : يا مالك ، أر محمّدا النار. فكشف عنها غطاءها ، وفتح بابا منها ، فخرج منها لهب ساطع في السماء ، وفارت فارتفعت حتى ظننت ليتناولني مما رأيت ، فقلت : يا جبرئيل ، قل له فليردّ عليها غطاءها. فأمرها فقال لها : ارجعي. فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.

ثمّ مضيت فرأيت رجلا آدما (٢) جسيما ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا أبوك آدم. فإذا هو تعرض عليه ذرّيته ، فيقول : روح طيب وريح طيّبة ، من جسد طيّب ، ثم تلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة المطفّفين على رأس سبع عشرة آية : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ)(٣) إلى آخرها. قال : فسلّمت على أبي آدم وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وقال : مرحبا بالابن الصالح ، والنبيّ الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح.

__________________

(١) التكوير : ٢١.

(٢) الأدم من الناس : الأسمر. «لسان العرب ـ أدم ـ ص ١٢ ، ح ١١».

(٣) المطففين : ١٨ ـ ٢٠.

١٦٤

ثمّ مررت بملك من الملائكة وهو جالس على مجلس ، وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه ، وإذا بيده لوح من نور ، مكتوب فيه كتاب ينظر فيه ، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا ، مقبلا عليه كهيئة الحزين ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك الموت ، دائب في قبض الأرواح. فقلت : يا جبرئيل ، أدنني منه حتى أكلّمه. فأدناني منه ، فسلّمت عليه ، وقال له جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة الذي أرسله الله إلى العبّاد ، فرحّب بي وحيّاني بالسلام ، وقال : أبشر ـ يا محمّد ـ فإنّي أرى الخير كلّه في أمّتك. فقلت : الحمد لله المنّان ذي النّعم والإحسان على عباده ، ذلك من فضل ربّي ورحمته عليّ. فقال جبرئيل : هو أشدّ الملائكة عملا. فقلت : أكلّ من مات ، أو هو ميت فيما بعد هذا ، تقبض روحه؟ قال : نعم. قلت : تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال : نعم. وقال ملك الموت : ما الدنيا كلّها عندي فيما سخّرها الله لي ومكّنني منها ، إلّا كالدرهم في كفّ الرجل ، يقلّبه كيف يشاء ، وما من دار إلّا وأنا أتصفّحها في كلّ يوم خمس مرّات ، وأقول إذا بكى أهل الميت على ميّتهم : لا تبكوا عليه ، فإنّ لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم أحد. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالموت طامّة ، يا جبرئيل. فقال جبرئيل : إنّ ما بعد الموت أطمّ وأطمّ من الموت.

قال : ثمّ مضيت فإذا أنا بقوم بين أيديهم موائد من لحم طيّب ولحم خبيث ، يأكلون اللحم الخبيث ويدعون الطيّب ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال ، وهم من أمّتك يا محمد.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ رأيت ملكا من الملائكة ، جعل الله أمره عجبا ، نصف جسده من النار والنصف الآخر ثلج ، فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفئ لنار ، وهو ينادي بصوت رفيع : سبحان الذي كفّ حرّ هذه النّار فلا

١٦٥

تذيب الثلج ، وكفّ برد هذا الثلج فلا يطفئ حرّ هذه النار ، اللهمّ يا مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين. فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ فقال : هذا ملك وكله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين ، وهو أنصح ملائكة الله تعالى لأهل الأرض من عباده المؤمنين ، يدعو لهم بما تسمع منه منذ خلق ، وملكان يناديان في السماء ، أحدهما يقول : اللهم أعط كل منفق خلفا ، والآخر يقول : اللهم أعط كل ممسك تلفا.

ثمّ مضيت فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر (١) الإبل ، يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الهمّازون اللمّازون.

ثم مضيت ، فإذا أنا بأقوام ترضخ رؤوسهم بالصّخر ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء.

ثم مضيت ، فإذا أنا بأقوام تقذف النار في أفواههم ، وتخرج من أدبارهم ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٢).

ثمّ مضيت ، فإذا أنا بأقوام يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر من عظم بطنه ، فقلت : من هؤلاء ، يا جبرئيل؟ قال : هؤلاء (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٣) وإذا هم بسبيل آل فرعون ، يعرضون على النار غدوّا وعشيّا ، يقولون : ربّنا متى تقوم الساعة؟

قال : ثمّ مضيت ، فإذا أنا بنسوان معلّقات بأثدائهنّ ، فقلت : من هؤلاء ،

__________________

(١) المشافر : جمع مشفر ، والمشفر للبعير كالشّفة للإنسان. «لسان العرب ـ شفر ـ ج ٤ ، ص ٤١٩».

(٢) النساء : ١٠.

(٣) البقرة : ٢٧٥.

١٦٦

يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء الزواني ، يورثن أموال أزواجهن أولاد غيرهم. ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشتدّ غضب الله على امرأة أدخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم ، فاطّلع على عوراتهم وأكل خزائنهم.

قال : ثمّ مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل ، خلقهم الله كيف شاء ، ووضع وجوههم كيف شاء ، ليس شيء من أطباق أجسادهم (١) إلا ويسبّح الله ويحمده من كل ناحية ، بأصوات مختلفة ، أصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله ، فسألت جبرئيل عنهم ، فقال : كما ترى خلقوا ، إنّ الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلّمه قطّ ، ولا رفعوا رؤوسهم إلى ما فوقها ، ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من الله وخشوعا. فسلّمت عليهم ، فردّوا عليّ إيماء برؤوسهم ، لا ينظرون إليّ من الخشوع ، فقال لهم جبرئيل : هذا محمد نبيّ الرحمة أرسله الله إلى العباد رسولا ونبيّا ، وهو خاتم النبيّين وسيّدهم ، أفلا تكلّمونه؟ قال : فلمّا سمعوا ذلك من جبرئيل ، أقبلوا عليّ بالسلام وأكرموني وبشّروني بالخير لي ولأمّتي.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ صعدنا إلى السماء الثانية ، فإذا فيها رجلان متشابهان ، فقلت : من هذان ، يا جبرئيل؟ فقال لي : ابنا الخالة يحيى وعيسى. فسلّمت عليهما وسلّما عليّ ، فاستغفرت لهما واستغفرا لي ، وقالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبيّ الصالح ، وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الأولى ، وعليهم الخشوع ، قد وضع الله وجوههم كيف شاء ، ليس منهم ملك إلّا يسبّح الله ويحمده بأصوات مختلفة.

ثمّ صعدنا إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل فضل حسنه على سائر

__________________

(١) قال المجلسي (رضوان الله عليه) : قوله : أطباق أجسادهم ، أي أعضاؤهم مجازا ، أو أغشية أجسادهم من أجنحتهم وريشهم. قال الفيروز آبادي : الطبق محركة : غطاء كل شيء ، وعظم رقيق يفصل بين كلّ فقارين. بحار الأنوار ص ١٨ ، ح ٣٢٢.

١٦٧

الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا أخوك يوسف. فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، فقال : مرحبا بالنبيّ الصالح والأخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح. وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الأولى والثانية ، وقال لهم جبرئيل في أمري مثل ما قال للآخرين ، وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة ، وإذا فيها رجل ، فقلت : من هذا يا جبرئيل؟ قال : هذا إدريس ، رفعه الله مكانا عليّا ، فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي. ثمّ رأيت ملكا جالسا على سرير ، تحت يديه سبعون ألف ملك ، تحت كلّ ملك سبعون ألف ملك. فوقع في نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه هو ، فصاح به جبرئيل ، فقال : قم. فهو قائم إلى يوم القيامة.

ثم صعدنا إلى السّماء الخامسة ، فإذا فيها رجل كهل ، عظيم العين ، لم أر كهلا أعظم منه ، حوله ثلّة (١) من أمّته فأعجبتني كثرتهم ، فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا المحبّب في قومه هارون بن عمران. فسلّمت عليه وسلّم علي ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السّماء السادسة ، وإذا فيها رجل آدم ، طويل ، كأنّه من شبوة (٢) ، ولو أنّ عليه قميصين لنفذ شعره فيهما ، فسمعته يقول : تزعم بنو

__________________

(١) في «ط» : ثلاثة.

(٢) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كأنّه من شبوة ، أقول : شبوة : أبو قبيلة ، وموضع بالبادية ، وحصن باليمن ، وذكر الثعلبي في وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كأنه من رجال أزد شنوءة ، وقال الفيروز آبادي : أزد شنوءة ، وقد تشدّد الواو : قبيلة ، سميت لشنان بينهم ، انتهى. وعلى التقادير شبّهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحدى تلك الطوائف في الأدمة وطول القامة. البحار ص ١٨ ، ح ٣٣٢.

١٦٨

إسرائيل أنّي أكرم ولد آدم على الله ، وهذا رجل أكرم على الله منّي. فقلت : من هذا ، يا جبرئيل؟ فقال : هذا أخوك موسى بن عمران. فسلّمت عليه وسلّم عليّ ، واستغفرت له واستغفر لي ، وإذا فيها من ملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة ، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا : يا محمّد ، احتجم وأمر أمّتك بالحجامة. وإذا فيها رجل أشمط الرأس (١) واللّحية جالس على كرسيّ ، فقلت : يا جبرئيل ، من هذا الذي في السّماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال : هذا ـ يا محمد ـ أبوك إبراهيم ، وهذا محلّك ومحل من اتقى من أمّتك. ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) ، فسلّمت عليه وسلّم علي ، وقال : مرحبا بالنبيّ الصالح ، والابن الصالح ، والمبعوث في الزمن الصالح. وإذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات ، فبشّروني بالخير لي ولأمّتي.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلألأ ، يكاد تلألؤه يخطف بالأبصار ، وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ترعد ، فكلّما فرغت ورأيت هولا سألت جبرئيل ، فقال : أبشر يا محمد ، واشكر كرامة ربّك ، واشكر الله بما صنع إليك. قال : فثبّتني الله بقوّته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل وتعجّبي ، فقال جبرئيل : يا محمد ، تعظّم ما ترى؟ إنما هذا خلق من خلق ربك ، فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى ، وما لا ترى أعظم من هذا من خلق ربّك؟ إن بين الله وبين خلقه سبعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى الله

__________________

(١) الشّمط في الرأس : اختلاف بلونين من سواد وبياض. «لسان العرب ـ شمط ـ ج ٧ ص ٣٣٥».

(٢) آل عمران : ٦٨.

١٦٩

أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حجب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وحجاب من غمام ، وحجاب من الماء.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ورأيت من العجائب التي خلق الله وسخّره على ما أراده ، ديكا رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ورأسه عند العرش ، وملكا من ملائكة الله ، خلقه الله كما أراد ، رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعدا حتى انتهى قرنه إلى قرب العرش ، وهو يقول : سبحان ربّي حيثما كنت ، لا تدري أين ربّك من عظم شأنه ، وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب ، فإذا كان في السّحر ، نشر ذلك الديك جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح ، يقول : سبحان الله الملك القدّوس ، سبحان الله الكبير المتعال ، لا إله إلا الله الحي القيّوم. وإذا قال ذلك سبّحت ديوك الأرض كلّها ، وخفّقت بأجنحتها ، وأخذت في الصّراخ ، فإذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الأرض كلّها ، ولذلك الديك زغب أخضر وريش أبيض كأشد بياض ، ما رأيته قطّ ، وله زغب أخضر أيضا تحت ريشه الأبيض كأشدّ خضرة ، ما رأيتها قطّ.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثمّ مضيت مع جبرئيل عليه‌السلام ، فدخلت البيت المعمور ، فصلّيت فيه ركعتين ، ومعي أناس من أصحابي عليهم ثياب جدد ، وآخرون عليهم ثياب خلقان (١) ، فدخل أصحاب الجدد وحبس أصحاب الخلقان ، ثم خرجت ، فانقاد لي نهران : نهر يسمّى الكوثر ، ونهر يسمّى الرحمة ، فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ، ثمّ انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنّة فإذا على حافّتيها بيوتي وبيوت أزواجي ، وإذا ترابها كالمسك ، فإذا جارية تنغمس في أنهار الجنّة ، فقلت : لمن أنت ، يا جارية؟ قالت : لزيد بن حارثة. فبشّرته

__________________

(١) الخلقان : جمع خلق ، أي بال. «لسان العرب ـ خلق ـ ج ١٠ ، ص ٨٨».

١٧٠

بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها كالبخت (١) ، وإذا رمّانها مثل الدلاء (٢) العظام ، وإذا شجرة لو أرسل طائر في أصلها ما دارها تسعمائة سنة ، وليس في الجنّة منزل إلّا وفيه فنن (٣) منها ، فقلت : ما هذه ، يا جبرئيل؟ فقال : هذه شجرة طوبى ، قال الله : (طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(٤).

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلمّا دخلت الجنّة ، رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها ، قال : هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ، ولو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كلّ شيء فيه. وانتهيت إلى سدرة المنتهى ، فإذا الورقة منها تظلّ أمة من الأمم ، فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى)(٥) فناداني (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)(٦) ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا ربّ أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني ، فقال الله : قد أعطيتك فيما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا منجى منك إلا إليك.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : اللهم إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ، وذلّي أصبح مستجيرا بعزّك ، وفقري أصبح مستجيرا بغناك ، ووجهي الفاني البالي أصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقي الذي لا يفنى.

ثمّ سمعت الأذان ، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السماء قبل تلك الليلة ،

__________________

(١) البخت : الإبل الخراسانيّة. «لسان العرب ـ بخت ـ ج ٢ ، ص ٩».

(٢) الدلاء : جمع دلو.

(٣) الفنن : الغصن. «لسان العرب ـ فنن ـ ج ١٣ ، ص ٣٢٧».

(٤) الرعد : ٢٩.

(٥) النجم : ٩.

(٦) البقرة : ٢٨٥.

١٧١

فقال : الله أكبر ، الله أكبر. فقال الله : صدق عبدي ، أنا أكبر. فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله. فقال الله تعالى : صدق عبدي ، أنا الله لا إله غيري. فقال : أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمدا رسول الله. فقال الله : صدق عبدي ، إنّ محمدا عبدي ورسولي ، أنا بعثته وانتجبته. ثمّ قال : حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة. فقال الله : صدق عبدي ودعا إلى فريضتي ، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا ، كانت له كفّارة لما مضى من ذنوبه. فقال : حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح. فقال الله : هي الصلاح والنجاح والفلاح. ثمّ أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس ، قال : ثمّ غشيتني ضبابة فخررت ساجدا ، فناداني ربّي : أنّي قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضته عليك وعلى أمّتك ، فقم بها أنت في أمّتك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فانحدرت حتى مررت بإبراهيم فلم يسألني عن شيء ، حتى انتهيت إلى موسى ، فقال : ما صنعت ، يا محمد؟ فقلت : قال ربّي : فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك. فقال موسى : يا محمّد ، إنّ أمّتك آخر الأمم وأضعفها ، وإنّ ربّك لا يردّ عليك شيئا ، وإنّ أمّتك لا تستطيع أن تقوم بها ، فارجع إلى ربّك فسله التخفيف لأمّتك. فرجعت إلى ربّي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى ، فخررت ساجدا ، ثمّ قلت : فرضت علي وعلى أمّتي خمسين صلاة ، ولا أطيق ذلك ولا أمّتي ، فخفّف عني. فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع ، لا تطيق. فرجعت إلى ربّي فسألته ، فوضع عنّي عشرا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع ، وفي كلّ رجعة أرجع إليه أخرّ ساجدا ، حتى رجع إلى عشر صلوات. فرجعت إلى موسى فأخبرته ، فقال : لا تطيق. فرجعت إلى ربّي فوضع عنّي خمسا ، فرجعت إلى موسى فأخبرته ،

١٧٢

فقال : لا تطيق. فقلت : قد استحييت من ربّي ، ولكن أصبر عليها. فناداني مناد : كما صبرت عليها ، فهذه الخمس بخمسين ، كلّ صلاة بعشر ، من همّ من أمّتك بحسنة يعملها فعملها كتبت له عشرا ، وإن لم يعملها كتبت له واحدة ، ومن همّ من أمّتك بسيّئة فعملها كتبت عليه واحدة ، وإن لم يعملها لم أكتب عليه شيئا».

فقال الصادق عليه‌السلام : «جزى الله موسى عن هذه الأمة خيرا». فهذا تفسير قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) إلى آخر الآية (١).

ثمّ قال علي بن إبراهيم : وروى الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «بينا أنا راقد في الأبطح وعليّ عن يميني ، وجعفر عن يساري ، وحمزة بين يديّ ، إذا أنا بخفيق أجنحة الملائكة ، وقائل يقول : إلى أيّهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال : إلى هذا ـ وأشار إليّ ـ ثمّ قال : هو سيّد ولد آدم ، وهذا وصيّه ووزيره وختنه وخليفته في أمّته ، وهذا عمّه سيد الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، دعه فلتنم عيناه ، ولتسمع أذناه ، وليع قلبه ، واضربوا له مثلا : ملك بنى دارا واتّخذ مأدبة وبعث داعيا. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فالملك الله ، والدار الدنيا ، والمأدبة الجنّة ، والداعي أنا».

قال : «ثمّ أدركه جبرئيل بالبراق وأسرى به إلى بيت المقدس ، وعرض عليه محاريب الأنبياء وآيات الأنبياء ، فصلّى فيها وردّه من ليلته إلى مكّة ، فمرّ في رجوعه بعير لقريش ، وإذا لهم ماء في آنية ، فشرب منه وصبّ باقي الماء ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم ، وكانوا يطلبونه فلمّا أصبح ، قال لقريش : إنّ الله قد أسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس ، فعرض عليّ محاريب الأنبياء

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣.

١٧٣

وآيات الأنبياء ، وإنّي مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا ، وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه وأهرقت باقي ذلك الماء ، وقد كانوا أضلّوا بعيرا لهم.

فقال أبو جهل : قد أمكنتكم الفرصة من محمد ، سلوه كم الأساطين فيها والقناديل؟ فقالوا : يا محمد ، إنّ ها هنا من قد دخل بيت المقدس ، فصف لنا كم أساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلّق صورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتى تجيء العير ، ونسألهم عمّا قلت.

فقال لهم : وتصديق ذلك أن العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس ، يقدمها جمل أحمر. فلمّا أصبحوا أقبلوا ينظرون إلى العقبة ويقولون : هذه الشمس تطلع الساعة ، فبينا هم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل أحمر ، فسألوهم عما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : لقد كان هذا ، ضلّ جمل لنا في موضع كذا وكذا ، ووضعنا ماء وأصبحنا وقد أهرق الماء. فلم يزدهم ذلك إلا عتوّا» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لرجل سأله عن المساجد التي لها الفضل : فقال : «المسجد الحرام ، ومسجد الرسول».

قال الرجل قلت : والمسجد الأقصى ، جعلت فداك؟ فقال : «ذاك في السماء ، إليه أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

فقال الرجل فقلت : «إنّ الناس يقولون : إنّه بيت المقدس؟ فقال : «مسجد الكوفة أفضل منه» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٧٩ ، ح ١٣.

١٧٤

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً)(٢) [سورة الإسراء : ٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطّبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : وجعلنا التوراة حجة ودلالة ، وبيانا وإرشادا ، لبني إسرائيل يهتدون به (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) أي : أمرهم أن لا يتخذوا من دوني معتمدا يرجعون إليه في النوائب. وقيل : ربا يتوكلون عليه (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (٣) [سورة الإسراء : ٣]؟!

الجواب / قال أبو حمزة الثمالي قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فما عنى بقوله في نوح عليه‌السلام : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً)؟ قال عليه‌السلام : «كلمات بالغ فيهنّ».

قلت : وما هنّ؟ قال : «كان إذا أصبح قال : أصبحت أشهدك ما أصبحت بي من نعمة إو عافية في دين أو دنيا فإنّها منك ، وحدك لا شريك لك ، فلك الحمد على ذلك ، ولك الشكر كثيرا ، كان يقولها إذا أصبح ثلاثا ، وإذا أمسى ثلاثا» (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢١٨.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٨٨ ، ح ٣٨.

١٧٥

بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (٦) [سورة الإسراء : ٦ ـ ٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ).

قال : «قتل علي بن أبي طالب عليه‌السلام وطعن الحسن عليه‌السلام (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) ـ قال ـ قتل الحسين عليه‌السلام (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) فإذا جاء نصر دم الحسين عليه‌السلام (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه‌السلام ، فلا يدعون وترا (١) لآل محمّد إلّا قتله (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) خروج القائم عليه‌السلام (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) عليهم خروج الحسين عليه‌السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهّب ، لكلّ بيضة وجهان ، المؤدّون إلى الناس : أن هذا الحسين قد خرج. [حتّى] لا يشكّ المؤمنون فيه ، وأنه ليس بدجّال ولا شيطان ، والحجّة القائم بين أظهرهم ، فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه‌السلام جاء الحجّة الموت ، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي عليهما‌السلام ، ولا يلي الوصيّ إلّا الوصيّ» (٢).

وقال علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي ـ وذكر حديثه مع القائم عليه‌السلام ـ قال القائم عليه‌السلام : «ألا أنبّئك بالخبر : أنّه إذا فقد الصبيّ ، وتحرّك المغربيّ ، وسار العمانيّ ، وبويع السّفياني ، يأذن الله لي فأخرج بين الصفا والمروة في الثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء فأجيء إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنية على بنائه الأوّل ، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة ، وأحجّ

__________________

(١) من معاني الوتر : الجناية والظلم ، قال المجلسي : «قوله : لا يدعون وترا ، أي ذا وتر وجناية ، ففي الكلام تقدير مضاف». بحار الأنوار : ج ٥١ ، ص ٥٧.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٠٦ ، ح ٢٥٠.

١٧٦

بالناس حجّة الإسلام ، وأجيء إلى يثرب وأهدم الحجرة وأخرج من بها وهما طريّان ، فأمرّ بهما تجاه البقيع ، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما ، فتورق من تحتهما ، فيفتتن الناس بهما أشدّ من الفتنة الأولى ، فينادي مناد من السماء : يا سماء أبيدي ، ويا أرض خذي ، فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلّا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان».

قلت : يا سيّدي ، ما يكون بعد ذلك؟

قال عليه‌السلام : «الكرّة الكرّة ، الرّجعة الرّجعة» ثمّ تلا هذه الآية : «ثمّ رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) (٨) [سورة الإسراء : ٨ ـ ٧]؟!

الجواب / قال الحسن بن عليّ بن فضّال : قال الرضا عليه‌السلام : «من تذكّر مصابنا فبكى أو أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب».

قال : وقال الرضا عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) قال عليه‌السلام : «إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ربّ يغفر لها» (٢).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ص ٢٩٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٩٤ ، ح ٤٨ و ٤٩.

١٧٧

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) يعني القائم عليه‌السلام وأصحابه (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) يعني : ليسوّدوا وجوهكم (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه وأمير المؤمنين عليه‌السلام وأصحابه (وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) : أي يعلوا عليكم ويقتلوكم ، ثمّ عطف على آل محمّد (عليه وعليهم‌السلام) ، فقال : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) : أي ينصركم على عدوّكم. ثم خاطب بني أميّة فقال : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) يعني : عدتم بالسفياني عدنا بالقائم من آل محمد عليهم‌السلام (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً) أي حبسا يحصرون فيه (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (٩) وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٠) وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١١) [سورة الإسراء : ١١ ـ ٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، فلذلك لا يكون إلّا منصوصا».

فقيل له : يا بن رسول الله ، فما معنى المعصوم؟ فقال : «هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة ، فالإمام يهدي إلى القرآن ، والقرآن يهدي إلى الإمام ، وذلك قول الله عزوجل : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(٢).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ ، في قوله تعالى : (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٣٢ ، ح ١.

١٧٨

الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) يعني آل محمد عليهم‌السلام : ثمّ عطف على بني أميّة ، فقال : (وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

ثمّ قال قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) قال : يدعو على أعدائه بالشرّ كما يدعو لنفسه بالخير ، ويستعجل الله بالعذاب ، وهو قوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه ، وثب ليقوم قبل أن يتمّ خلقه فسقط ، فقال الله عزوجل : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) (١٢) [سورة الإسراء : ١٢]؟!

الجواب / سأل يزيد بن سلام ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : لم سمّي الفرقان فرقانا؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأنّه متفرّق الآيات والسّور ، أنزلت في غير الألواح [وغيره من الصحف والتوراة والإنجيل والزّبور نزلت كلها جملة في الألواح] والورق».

قال : فما بال الشّمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال : «لمّا خلقهما الله عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئا ، فأمر الله عزوجل جبرئيل عليه‌السلام

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٣ ، ح ٢٧.

١٧٩

أن يمحو [ضوء] القمر فمحاه ، فأثّر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أنّ القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم يمح ، لما عرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السّنين والحساب ، وذلك قول الله عزوجل : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ).

قال : صدقت يا محمّد ، فأخبرني ، لم سمّي الليل ليلا؟ قال : «لأنّه يلايل (١) الرّجال من النساء ، وجعله الله عزوجل ألفة ولباسا ، وذلك قول الله عزوجل : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً)(٢)». قال : صدقت (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) : «هو السّواد الذي في جوف القمر» (٤).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤) [سورة الإسراء : ١٤]؟!

الجواب / ١ ـ وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في قوله

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) قوله : «لأنّه يلايل الرجال» يظهر منه أن الملايلة كانت في الأصل بمعنى الملابسة أو نحوها ، وليس هذا المعنى فيما عندنا من كتب اللغة ، قال الفيروز آبادي : لايلته : استأجرته لليلة ، وعاملته ملايلة ، كمياومة. «بحار الأنوار : ج ٩ ، ص ٣٠٦».

(٢) النبأ : ١٠ ـ ١١.

(٣) علل الشرائع : ص ٤٧٠ ، ح ٣٣.

(٤) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٣ ، ح ٢٨.

١٨٠