التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)؟ قال : «أنفاسهم تسبيح» (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢١) [سورة الأنبياء : ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم عاد سبحانه إلى توبيخ المشركين قال : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) هذا استفهام معناه الجحد أي : لم يتخذوا آلهة من الأرض (هُمْ يُنْشِرُونَ) أي : يحيون الأموات.

يقال : أنشر الله الموتى فنشروا أي : أحياهم فحيوا ، وهو من النشر بعد الطي ، لأن المحيا كأنه كان مطويا بالقبض عن الإدراك ، فأنشر بالحياة. والمعنى في ذلك : أن هؤلاء إذا كانوا لا يقدرون على الإحياء الذي من قدر عليه قدر على أن ينعم بالنعم التي يستحق بها العبادة ، فكيف يستحقون العبادة.

قال الزجاج : ومن قرأ ينشرون بفتح الياء فمعناه : لا يموتون أبدا ويبقون أحياء أي : لا يكون ذلك.

وأقول : قد يجوز أن يكون ينشرون وينشرون بمعنى ، يقال : نشر الله الميت بمعنى أنشر (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٣) [سورة الأنبياء : ٢٣ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال هشام بن الحكم ، في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه‌السلام ، وكان من قول أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا يخلو ، قولك : إنهما اثنان ،

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٦٦ ، ح ٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧٩.

٤٠١

من أن يكونا قديمين قويّين ، أو يكونا ضعيفين ، أو يكون أحدهما قويّا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ، ثبت أنه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني. فإن قلت : إنهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متّفقين من كل جهة ، أو متفرّقين من كل جهة ، فلما رأينا الخلق منتظما ، والفلك جاريا ، والتدبير واحدا ، والليل والنهار والشمس والقمر ، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبّر واحد.

ثم يلزمك إن ادعيت اثنين ، فرجة ما بينهما ، حتى يكونا اثنين ، فصارت الفرجة ثالثا بينهما ، قديما معهما فيلزمك ثلاثة ، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة».

قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليل عليه؟

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وجود الأفاعيل دلّت على أن صانعا صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبنيّ ، علمت أنّ له بانيا ، وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟».

قال : فما هو؟ قال : شيء بخلاف الأشياء ، ارجع بقولي إلى إثبات معنى ، وأنه شيء بحقيقة الشيئيّة ، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحسّ ولا يجسّ ولا يدرك بالحواسّ الخمس ، لا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا تغيّره الأزمان» (١).

وقال هشام بن الحكم : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما الدليل عن أن الله واحد؟

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٦٣ ، ح ٥.

٤٠٢

قال : «اتصال التدبير ، وتمام الصنع ، كما قال الله عزوجل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١).

وقال يزيد بن الأصمّ : سأل رجل عمر بن الخطّاب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما تفسير (سبحان الله)؟

قال : إن في هذا الحائط رجلا إذا سئل أنبأ ، وإذا سكت ابتدأ. فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، ما تفسير (سبحان الله)؟ قال : «هو تعظيم الله عزوجل وتنزيهه عما قال فيه كلّ مشرك ، فإذا قالها العبد صلّى عليه كلّ ملك» (٢).

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «إنّ الله عزوجل خلق العرش أرباعا لم يخلق قبله إلّا ثلاثة أشياء : الهواء والقلم والنور ، ثم خلقه من أنوار مختلفة فمن ذلك النور نور أخضر اخضرّت منه الخضرة ، ونور اصفر اصفرّت منه الصّفرة ، ونور أحمر احمرّت منه الحمرة ، ونور أبيض منه ابيضّ البياض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم جعله سبعين ألف طبق ، غلظ كل طبق كأول العرش إلى أسفل السافلين ، ليس من ذلك طبق إلّا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة ، وألسنة غير مشتبهة ، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئا مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون ، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان ، يحمل كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عزوجل ، يسبّحون بالليل والنهار لا يفترون ، ولو حسّ شيء مما فوق ما قام لذلك طرفة عين ، بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٥٠ ، ح ٢.

(٢) معاني الأخبار : ص ٩ ، ح ٣.

٤٠٣

والقدس والرحمة والعلم ، وليس وراء هذا مقال» (١).

وقال حنان بن سدير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسي ـ وذكر الحديث إلى أن قال عليه‌السلام ـ : «فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالى : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، وهو وصف عرش الوحدانية ، لأنّ قوما أشركوا كما قلت لك ، قال تبارك وتعالى : (رَبِّ الْعَرْشِ) ، رب الوحدانية (عَمَّا يَصِفُونَ) وقوما وصفوه بيدين ، فقالوا : يد الله مغلولة. وقوما وصفوه بالرجلين ، فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء. وقوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّي وجدت برد أنامله على قلبي.

فلمثل هذه الصفات قال : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) يقول : رب المثل الأعلى عما به مثّلوه ، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ولا يتوهّم ، فذلك المثل الأعلى. ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم ، فوصفوا ربّهم بأدنى الأمثال ، وشبّهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(٢).

فليس له شبه ولا مثل ولا عدل ، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره ، وهي التي وصفها الله في الكتاب ، فقال : (فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)(٣) جهلا بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك ، وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظنّ أنه يحسن ، فلذلك قال : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٤) ، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم

__________________

(١) التوحيد : ص ٣٢٤ ، ح ١.

(٢) الإسراء : ٨٥.

(٣) الأعراف : ١٨٠.

(٤) يوسف : ١٠٦.

٤٠٤

فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان ، إن الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء فهم الذين أعطاهم الفضل وخصّهم بما لم يخصّ به غيرهم ، فأرسل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكان الدليل على الله بإذن الله عزوجل حتى مضى دليلا هاديا ، فقام من بعده وصيّه عليه‌السلام دليلا هاديا على ما كان هو دلّ عليه من أمر ربّه من ظاهر علمه ، ثمّ الأئمة الراشدون عليهم‌السلام» (١).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : ردّ على الثّنويّة ، ثم قطع عزوجل حجّة الخلق ، فقال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(٢).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٤) [سورة الأنبياء : ٢٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) ، قال : أي حجّتكم (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) أي خبر (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي خبرهم (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بذكر من معي : من معه وما هو كائن ، وبذكر من قبلي : ما قد كان» (٤).

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام في قوله عزوجل : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ، قال : «ذكر من معي : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذكر من قبلي : الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام» (٥).

__________________

(١) التوحيد : ٣٢٣ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٩.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧١.

(٥) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٢٧ ، ح ٩.

٤٠٥

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) (٢٥) [سورة الأنبياء : ٢٥]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْ رَسُولٍ) أي : رسولا. ومن : مزيدة (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) نحن ، أو يوحى إليه أي : يوحي الله إليه ب (أَنَّهُ لا إِلهَ) أي : لا معبود على الحقيقة (إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) أي : فوجهوا العبادة إلي دون غيري» (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (٢٨) [سورة الأنبياء : ٢٨ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هو ما قالت النصارى : إنّ المسيح ابن الله : وما قالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالوا في الأئمّة عليهم‌السلام ما قالوا ، فقال الله عزوجل إبطالا له : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) يعني هؤلاء الذين زعموا أنهم ولد الله ، وجواب هؤلاء الذين زعموا ذلك في سورة الزّمر ، في قوله : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ)(٢).

وقال الحسين بن خالد : قال الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي ـ ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل».

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٩ ، والآية من سورة الزمر : ٤.

٤٠٦

قال : الحسين بن خالد : فقلت للرضا عليه‌السلام : يا بن رسول الله ، فما معنى قول الله عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)؟ قال : «لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه» (١).

وقال محمد بن أبي عمير : سمعت موسى بن جعفر عليهما‌السلام يقول : «لا يخلّد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال وأهل الشرك ، ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً)(٢)».

قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟

فقال : «حدّثني أبي ، عن آبائه ، عن عليّ عليهم‌السلام قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل».

قال ابن أبي عمير : فقلت له : يا بن رسول الله ، فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر ، والله تعالى ذكره يقول : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى به؟

فقال : «يا أبا أحمد ، ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلّا ساءه ذلك ، وندم عليه ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالنّدم توبة. وقال عليه‌السلام : من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن. فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ، ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالما ، والله ـ تعالى ذكره ـ يقول : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ)(٣)».

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٣٦ ، ح ٣٥.

(٢) النساء : ٣١.

(٣) غافر : ١٨.

٤٠٧

فقلت له : يا بن رسول الله ، وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه؟

فقال : «يا أبا أحمد ، ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي ، وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائبا مستحقّا للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرا ، والمصرّ لا يغفر له لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار.

وأما قول الله عزوجل : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ، فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله دينه ، والدين : الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيّئات ، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة» (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٢٩) [سورة الأنبياء : ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمّي : قال عليه‌السلام : من زعم أنّه إمام وليس هو بإمام (٢).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) (٣٠) [سورة الأنبياء : ٣٠]؟!

الجواب / جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام من أهل الشام من علمائهم ،

__________________

(١) التوحيد : ص ٤٠٧ ، ح ٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦٩.

٤٠٨

فقال : يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت علي أن أجد أحدا يفسّرها ، وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس ، فقال كلّ صنف منهم شيئا غير الذي قال الصنف الآخر ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «ما ذاك؟».

قال : إني أسألك عن أول ما خلق الله من خلقه ، فإن بعض من سألته قال : القدر ، وقال بعضهم : القلم ؛ وقال بعضهم الروح.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما قالوا شيئا ، أخبرك أن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا أحد كان قبل عزّه. وذلك قوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١) وكان الخالق قبل المخلوق ، ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذن لم يكن له انقطاع أبدا ، ولم يزل الله إذن ومعه شيء ليس هو يتقدّمه ، ولكنه كان إذ لا شيء غيره ، وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه. وهو (الماء) الذي خلق الأشياء منه ، فجعل نسب كل شيء إلى الماء ، ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه.

وخلق الريح من الماء ، ثم سلّط الريح على الماء ، فشقّقت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء الله أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقيّة ليس فيها صدع ولا نقب ولا صعود ولا هبوط ، ولا شجرة ، ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ، ثم خلق الله النار من الماء ، فشقّقت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور ، فخلق من ذلك الدّخان سماء صافية نقيّة ليس فيها صدع ولا نقب ، وذلك قوله : (السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها)(٢). قال : ولا شمس ، ولا قمر ، ولا نجوم ، ولا سحاب ، ثم طواها فوضعها فوق الأرض ، ثم نسب

__________________

(١) الصافات : ١٨٠.

(٢) النازعات : ٢٨ ـ ٢٩.

٤٠٩

الخلقتين فرفع السماء قبل الأرض ، فذلك قوله عزّ ذكره : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(١) يقول : بسطها».

فقال له الشاميّ : يا أبا جعفر ، قول الله عزوجل : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما)؟

فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «فلعلّك تزعم أنهما كانتا رتقا متلازقتين متلاصقتين ففتقن إحداهما من الأخرى؟». فقال : نعم.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «استغفر ربك ، فإن قول الله عزوجل : (كانَتا رَتْقاً) يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحبّ ، فلمّا خلق الله تبارك وتعالى الخلق ، وبثّ فيها من كلّ دابّة ، فتق السماء بالمطر ، والأرض بنبات الحبّ».

فقال الشاميّ : أشهد أنك من ولد الأنبياء ، وأن علمك علمهم» (٢).

وقال الحسين بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) : «جاء يهوديّ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد ، أنت الذي تزعم أنك رسول الله ، وأنه أوحى إليك كما أوحى إلى موسى بن عمران؟ قال : نعم ، أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبيّين ، وإمام المتقين ، ورسول ربّ العالمين.

فقال : يا محمد ، إلى العرب أرسلت ، أم إلى العجم ، أم إلينا؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني رسول الله إلى الناس كافّة. وسأله اليهوديّ عن مسائل ، وأجابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، وفي كلّ جواب مسألة يقول اليهوديّ له : صدقت. فكان فيما سأله أن قال : أخبرني عن فضلك على النبيّين ، وفضل عشيرتك على الناس.

__________________

(١) النازعات : ٣٠.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٤ ، ح ٦٧.

٤١٠

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما فضلي على النبيّين فما من نبيّ إلا دعا على قومه ، وأنا اخترت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة ، وأمّا فضل عشيرتي وأهل بيتي وذريّتي كفضل الماء على كلّ شيء ، وبالماء يبقى كل شيء ويحيا ، كما قال ربّي تبارك وتعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) وبمحبّة أهل بيتي وعشيرتي وذريّتي يستكمل الدين ، قال : صدقت يا محمد» (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١) [سورة الأنبياء : ٣١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه كمال قدرته ، وشمول نعمته بأن قال : (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) أي : جبالا ثوابت تمنع الأرض من الحركة والاضطراب (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) أي : تتحرك وتميل وتضطرب بهم.

وقيل : لتستقر. (وَجَعَلْنا فِيها) أي : في الرواسي (فِجاجاً) أي : طرقا واسعة بينها ، لو لا ذلك لما أمكن أن يهتدوا إلى مقاصدهم في الأسفار ، ثم بين الفجاج فقال : (سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) بها إلى طريق بلادهم ومواطنهم ، وقيل : ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ

__________________

(١) الاختصاص : الشيخ المفيد ، ص ٣٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨٤.

٤١١

الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣٥) [سورة الأنبياء : ٣٥ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) يعني من الشياطين ، أي لا يسترقون السمع. قال : وأمّا قوله : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) فإنه لما أخبر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يصيب أهل بيته من بعده ، وادعاء من ادّعى الخلافة دونهم ، اغتمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله عزوجل : (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي نختبركم (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) فأعلم ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه لا بدّ أن تموت كلّ نفس.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام يوما ، وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك ، فقال : «كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب ، وكأنّ الحق فيها على غيرنا وجب ، وكأن الذين نشيّع من الأموات سفر (١) عما قليل إلينا راجعون. ننزلهم أجداثهم ، ونأكل تراثهم ، كأنّا مخلدون بعدهم ، قد نسينا كلّ واعظة ، ورمينا بكل جائحة (٢).

أيّها الناس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وتواضع من غير منقصة ، وجالس أهل الفقه والرحمة ، وخالط أهل الذلّ والمسكنة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية.

أيها الناس ، طوبى لمن ذلت نفسه ، وطاب كسبه ، وصلحت سريرته ، وحسنت خليقته ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من كلامه ، وعدل

__________________

(١) السفر : المسافر ، للواحد والجمع. «المعجم الوسيط ـ سفر ـ ج ١ ، ص ٤٣٣».

(٢) الجائحة : الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها. «النهاية ج ١ ، ص ٣١١».

٤١٢

عن الناس شرّه ، ووسعته السّنّة ، ولم يتعدّ إلى البدعة.

أيها الناس ، طوبى لمن لزم بيته ، وأكل كسرته ، وبكى على خطيئته ، وكان من نفسه في تعب ، والناس منه في راحة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زعم أن الله تبارك وتعالى يأمر بالسوء والفحشاء فقد كذب على الله ، ومن زعم أن الخير والشرّ بغير مشيئة الله فقد أخرج الله من سلطانه ، ومن زعم أن المعاصي بغير قوّة الله فقد كذب على الله ، ومن كذب على الله أدخله الله النار».

يعني بالخير والشرّ : الصحة والمرض ، وذلك قوله عزوجل : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)(٢).

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مرض ، فعاده إخوانه ، فقالوا كيف تجدك ، يا أمير المؤمنين؟ فقال : بشرّ. فقالوا : ما هذا كلام مثلك. فقال : إن الله تعالى يقول : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) فالخير : الصحّة والغنى ، والشرّ : المرض والفقر» (٣).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) (٣٦) [سورة الأنبياء : ٣٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : (وَإِذا رَآكَ) أي : إذا رآك يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا). وأنت تعيب آلهتهم ، وتدعوهم إلى التوحيد (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) أي : ما يتخذونك (إِلَّا هُزُواً) أي : سخرية يقول بعضهم لبعض : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧٠.

(٢) التوحيد : ص ٣٥٩ ، ح ٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧٤.

٤١٣

يعيب آلهتكم وذلك قوله إنها جماد لا ينفع ولا يضر (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي : بتوحيده. وقيل : بكتابه المنزل (هُمْ كافِرُونَ) أي : جاحدون.

عجب الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم حيث جحدوا الحي المنعم القادر العالم الخالق الرازق ، واتخذوا ما لا ينفع ولا يضر ، ثم إن من دعاهم إلى تركها اتخذوه هزؤا وهم أحق بالهزؤ عند من يدبر حالهم (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) (٣٧) [سورة الأنبياء : ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : لما أجرى الله عزوجل في آدم روحه من قدميه فبلغت ركبتيه ، أراد أن يقوم فلم يقدر ، فقال عزوجل : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ)(٢). وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) الدالة على وحدانيتي. وعلى صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يوعدكم به من العذاب (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) في حلول العذاب بكم ، فإنه سيدرككم عن قريب ، وقيل : يراد به النضر بن الحرث ... ويريد بقوله (سَأُرِيكُمْ آياتِي) القتل يوم بدر (٤).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) (٤٠) [سورة الأنبياء : ٤٠ ـ ٣٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَيَقُولُونَ) يعني :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧١.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٧٦.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨٨.

٤١٤

ويقول المشركون للمسلمين (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدوننا يريدون وعد القيامة (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : ويقولون إن كنتم صادقين في هذا الوعد ، فمتى يكون ذلك. ثم قال سبحانه : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) أي : لو علموا الوقت الذي لا يدفعون فيه عذاب النار عن وجوههم (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) يعني أن النار تحيط بهم من جميع جوانبهم (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وجواب لو محذوف ، وتقديره لعلموا صدق ما وعدوا به ، ولما استعجلوا ، ولا قالوا (مَتى هذَا الْوَعْدُ). ثم قال (بَلْ تَأْتِيهِمْ) الساعة (بَغْتَةً) أي : فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أي : فتحيرهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) أي : فلا يقدرون على دفعها. (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي : لا يؤخرون إلى وقت آخر ، ولا يمهلون لتوبة أو معذرة (١).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) (٤٣) [سورة الأنبياء : ٤٣ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : لما تقدم ذكر استهزاء الكفار بالنبي والمؤمنين سلى الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك بقوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) كما استهزأ هؤلاء (فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : حل بهم وبال استهزائهم وسخريتهم. وقوله : (مِنْهُمْ) يعني من الرسل (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي : يحفظكم من بأس الرحمن وعذابه. وقيل : من

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨٧ ـ ٨٨.

٤١٥

عوارض الآفات. وهو استفهام معناه النفي ، تقديره : لا حافظ لكم من الرحمن. (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) أي : بل هم عن كتاب ربهم معرضون ، لا يؤمنون به ، ولا يتفكرون فيه. وقيل : معناه أنهم لا يلتفتون إلى شيء من المواعظ والحجج.

ثم قال على وجه التوبيخ لهم والتقريع : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) ، تقديره : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا وعقوباتنا ، وتم الكلام. ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) فكيف ينصرونهم. وقيل : معناه إن الكفار لا يستطيعون نصر أنفسهم ، ولا يقدرون على دفع ما ينزل بهم عن نفوسهم (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) أي : ولا الكفار يجارون من عذابنا ...

وقيل : أي لا يجيرهم منا أحد ، لأن المجير صاحب الجار ، يقول العرب : صحبك الله أي : حفظك الله وأجارك. وقيل : يصحبون أي ينصرون ويحفظون ... وقيل : لا يصحبون من الله بخير ... (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) (٤٤) [سورة الأنبياء : ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : إنّه يسخّي نفسي في سرعة الموت أو القتل فينا ، قول الله عزوجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) وهو ذهاب العلماء» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ننقصها بذهاب علمائها وفقهائها وخيار أهلها» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٨٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠ ، ح ٦.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٩٠.

٤١٦

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) (٤٥) [سورة الأنبياء : ٤٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) أي : قل يا محمد إنما أنذركم من عذاب الله ، وأخوفكم بما أوحى الله إلي (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) شبههم بالصم الذين لا يسمعون النداء إذا نودوا ، لأنهم لم ينتفعوا بالسمع. والمعنى : أنهم يستثقلون القرآن وسماعه ، وذكر الحق ، فهم في ذلك بمنزلة الأصم الذي لا يسمع (إِذا ما يُنْذَرُونَ) أي : يخوفون (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) (٤٧) [سورة الأنبياء : ٤٧ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال علي بن الحسين عليه‌السلام ، في حديث يعظ فيه الناس ، قال فيه عليه‌السلام : «ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب ، فقال الله عزوجل : (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) ، فإن قلتم ـ أيها الناس ـ إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذلك ، وهو يقول : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)؟

اعلموا ـ عباد الله ـ أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، ولا تنشر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٤٦١.

٤١٧

لهم الدواوين ، وإنما يحشرون إلى جهنّم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام ، فاتقوا الله ، عباد الله» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) : «الأنبياء ، والأوصياء عليهم‌السلام» (٢).

وقال الطبرسيّ ، في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في حديث له مع زنديق ، في جواب مسائله ، قال عليه‌السلام : «وأمّا قوله عزوجل : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) فهو ميزان العدل ، تؤخذ به الخلائق يوم القيامة ، يدين الله تعالى بعضهم من بعض ، ويجزيهم بأعمالهم ، ويقتص للمظلوم من الظالم.

ومعنى قوله تعالى : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ)(٣) و (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ)(٤) فهو قلّة الحساب ، وكثرته ، والناس يومئذ على طبقات ومنازل : فمنهم من يحاسب حسابا يسيرا ، وينقلب إلى أهله مسرورا ، ومنهم الذين يدخلون الجنّة بغير حساب ، لأنهم لم يتلبّسوا من أمر الدنيا بشيء ، وإنّما الحساب هناك على من تلبّس بها ها هنا ، ومنهم من يحاسب على النقير (٥) ، والقطمير (٦) ، ويصير إلى عذاب السعير ، ومنهم أئمّة الكفر ، وقادة الضلال ، فأولئك لا يقيم لهم وزنا ، ولا يعبأ بهم لأنهم لم يعبأوا بأمره ونهيه يوم القيامة ، فهم في جهنّم

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٧٢ ، ح ٢٩ (قطعة منه).

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٧ ، ح ٣٦.

(٣) الأعراف : ٨.

(٤) الأعراف : ٩.

(٥) النّقير : نقرة في ظهر النواة. «لسان العرب ـ نقر ـ ج ٥ ، ص ٢٢٨».

(٦) القطمير : شقّ النواة ، أو القشرة الدقيقة التي على النواة. «لسان العرب : ج ٥ ، ص ١٠٨».

٤١٨

خالدون تلفح وجوههم بالنار ، وهم فيها كالحون» (١).

وقال علي بن إبراهيم : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ، المجازاة : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها) ، أي جازينا بها ، وهي ممدودة آتينا بها (٢).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٥٠) [سورة الأنبياء : ٥٠ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) أي : أعطيناهما التوراة يفرق بين الحق والباطل ...

وقيل : البرهان الذي فرق به بين حق موسى وباطل فرعون. وقيل : هو فلق البحر. (وَضِياءً) أي : وآتيناهما ضياء وهو من صفة التوراة أيضا مثل قوله (فِيها هُدىً وَنُورٌ) والمعنى أنهم استضاءوا بها حتى اهتدوا في دينهم.

(وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) يذكرونه ويعملون بما فيه ، ويتعظون بمواعظه.

ثم وصف المتقين فقال : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي : في حال الخلوة والغيبة عن الناس. وقيل : في سرائرهم من غير رياء (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أي : من القيامة وأهوالها (مُشْفِقُونَ) أي : خائفون (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) أراد به القرآن أنه ذكر ثابت نافع ، دائم نفعه إلى يوم القيامة. وقيل : سماه مباركا لوفور فوائده من المواعظ والزواجر والأمثال الداعية إلى

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢٤٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٧١.

٤١٩

مكارم الأخلاق والأفعال. لما وصل التوراة أتبعه ذكر القرآن الذي أتاه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) استفهام على معنى التوبيخ أي : فلماذا تنكرونه وتجحدونه مع كونه معجزا (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) [سورة الأنبياء : ٧١ ـ ٥١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال عليه‌السلام : ثمّ حكى الله عزوجل قول

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٩٢.

٤٢٠