التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) نذكر منها :

أ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قدره الذي قدّر عليه» (١).

ب ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «خيره وشرّه معه حيث كان ، لا يستطيع فراقه ، حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل» (٢).

ج ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يعني الولاية» (٣).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ المؤمن يعطى يوم القيامة كتابا منشورا مكتوبا فيه ، كتاب الله العزيز الحكيم ، أدخلوا فلانا الجنّة» (٤).

وقال عليه‌السلام في قوله : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) : «يذكّر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه ، حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ، فلذلك قالوا : (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها)(٥)» (٦).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥) [سورة الإسراء : ١٥]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام ـ في حديث يوصف فيه من شرائع الدين ـ : «إنّ الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، ولا يكلّفها فوق طاقتها ، وأفعال

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٤ ، ح ٣٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٣٥٤ ، ح ٥٠ ، ينابيع المودة : ص ٤٥٥.

(٤) كتاب الزهد : ص ٩٢ ، ح ٢٤٧.

(٥) الكهف : ٤٩.

(٦) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٤ ، ح ٣٣.

١٨١

العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين ، والله خالق كلّ شيء ، ولا نقول بالجبر ولا بالتّفويض ، ولا يأخذ الله عزوجل البريء بالسّقيم ، ولا يعذّب الله عزوجل الأبناء بذنوب الآباء فإنّه قال في محكم كتابه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقال عزوجل : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(١).

ولله عزوجل أن يعفو وأن يتفضّل ، وليس له تعالى أن يظلم ، ولا يفرض الله تعالى على عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ، ولا يتّخذ على خلقه حجّة إلا معصوما» (٢).

أما قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، فقد اتفق علماء الفرقة الناجية على أن معنى (رَسُولاً) دليلا ...

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً (١٨) وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (١٩) كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (٢٠) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (٢١) لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) (٢٢) [سورة الإسراء : ٢٢ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ـ وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ في قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) أي كثّرنا جبابرتها ، ثمّ

__________________

(١) النجم : ٣٩.

(٢) التوحيد : ص ٤٠٦ ، ح ١٥ ، الخصال : ص ٦٠٣ ، ح ٩.

١٨٢

قال : قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) ـ يعني أموال الدنيا ـ (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) ـ في الدنيا ـ (ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ) ـ في الآخرة ـ (يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً) يعني : يلقى في النار ، ثم ذكر من عمل للآخرة فقال : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) ثمّ قال قوله تعالى : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ) يعني : من أراد الدنيا وأراد الآخرة ، ومعنى نمدّ : أي نعطي (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) : أي ممنوعا.

ثم قال : قوله تعالى : (لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً) أي في النار ، وهو مخاطبة للنبيّ والمعنى للناس ، قال : وهو قول الصادق عليه‌السلام : «إن الله بعث نبيّه بإيّاك أعني واسمعي يا جارة» (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) (٢٤) [سورة الإسراء : ٢٤ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال شيخ لأمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، فما القضاء والقدر ، اللذان ساقانا ، وما هبطنا واديا ولا علونا تلّة إلّا بهما.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الأمر من الله والحكم ـ ثمّ تلا هذه الآية ـ : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أمر ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٧.

(٢) التوحيد : ص ٣٨٢.

١٨٣

وقال أبو ولّاد الحنّاط : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ما هذا الإحسان؟

فقال : «الإحسان : أن تحسن صحبتهما ، ولا تكلفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه ، وإن كانا مستغنيين ، أليس الله عزوجل يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(١)؟».

قال : ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وأمّا قول الله عزوجل : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما)(٢) ـ قال ـ إن أضجراك فلا تقل لهما أفّ ، ولا تنهرهما إن ضرباك ـ قال ـ (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) ـ قال ـ إن ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم ـ قال ـ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ـ قال ـ لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقّة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ، ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تتقدّم قدّامهما» (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً) (٢٥) [سورة الإسراء : ٢٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الأوّاب : التوّاب المتعبّد الراجع عن ذنبه» (٤).

__________________

(١) آل عمران : ٩٢.

(٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو علم الله شيئا أدنى من أفّ لنهى عنه ، وهو أدنى العقوق ، ومن العقوق ، أن ينظر الرجل إلى أبويه فيحدّ إليهما النظر». (كتاب الزهد : ص ٣٨ ، ح ١٠٣).

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، ح ١.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٦٣٢.

١٨٤

وقال عبد الله بن عطاء المكّي : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «انطلق بنا إلى حائط لنا» فدعا بحمار وبغل ، فقال : «أيّهما أحبّ إليك؟» فقلت : الحمار ، فقال : «إنّي أحبّ أن تؤثرني بالحمار» فقلت : البغل أحبّ إليّ ، فركب الحمار وركبت البغل. فلمّا مضينا اختال الحمار في مشيته حتى هزّ منكبي أبي جعفر عليه‌السلام فلزم قربوس (١) السرج ، فقلت : جعلت فداك ، كأني أراك تشتكي بطنك ، قال : «وفطنت إلى هذا منّي؟ إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له حمار يقال له : عفير ، إذا ركبه اختال في مشيته سرورا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يهزّ منكبيه فيلزم قربوس السّرج ، فيقول : اللهمّ ليس منّي ولكن ذا من عفير ، وإنّ حماري من سروري اختال في مشيه فلزمت قربوس السرج ، وقلت : اللهمّ هذا ليس منّي ولكنّ هذا من حماري».

قال : فقال : «يا بن عطاء ، ترى زاغت الشمس؟»

فقلت : جعلت فداك ، وما علمي بذلك وأنا معك؟

فقال : «لا ، لم تفعل وأوشكت» قال : فسرنا ، قال : فقال : «قد فعلت». قلت : هذا المكان الأحمر؟ قال : «ليس يصلّى ها هنا ، هذه أودية وليس يصلّى». قال : فمضينا إلى أرض بيضاء ، قال : «هذه سبخة ، وليس يصلّى بالسّباخ» قال : فمضينا إلى أرض حصباء ، قال : «ها هنا» فنزل ونزلت.

فقال : «يا بن عطاء ، أتيت العراق فرأيت القوم يصلّون بين تلك السّواري في مسجد الكوفة؟» قال : قلت : نعم ، فقال : «أولئك شيعة أبي عليّ ، هذه صلاة الأوّابين ، إنّ الله يقول : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً)(٢).

__________________

(١) القربوس : حنو السرج ، وللسرج قربوسان : مقدّم السرج ، ومؤخّره. «لسان العرب ـ قربس ـ ج ٦ ، ص ١٧٢».

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٥ ، ح ٤١.

١٨٥

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من صلّى أربع ركعات ، فقرأ في كلّ ركعة خمسين مرّة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) كانت صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وهي صلاة الأوّابين» (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (٢٧) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً) (٢٨) [سورة الإسراء : ٢٨ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال الرضا عليه‌السلام : «قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) خصوصيّة خصّهم الله العزيز الجبّار بها ، واصطفاهم على الأمّة ـ قال ـ فلمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ادعوا لي فاطمة ، فدعيت له ، فقال : يا فاطمة.

قالت : لبّيك يا رسول الله.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه فدك وهي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وهي لي خاصّة دون المسلمين ، وقد جعلتها لك لما أمرني الله تعالى به ، فخذيها لك ولولدك» (٢).

وقال عبد الرحمن بن الحجّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) ، قال : «من أنفق شيئا في غير طاعة الله فهو مبذّر ، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد» (٣).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في قوله (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) ،

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٦ ، ح ٤٤ ، من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٣٥٦ ، ح ١٥٦٠.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، ح ١.

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٨ ، ح ٥٣.

١٨٦

قال : «بذل الرجل ماله ، ويقعد ليس له مال».

قال : فيكون تبذير في حلال؟ قال : «نعم» (١).

وقال عامر بن جذاعة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «اتّق الله ولا تسرف ولا تقتّر ، وكن بين ذلك قواما ، إنّ التبذير من الإسراف ، وقال الله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) إنّ الله لا يعذب على القصد» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تبذّروا ولاية عليّ عليه‌السلام» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) يعني قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنزلت في فاطمة عليها‌السلام فجعل لها فدك ، والمسكين من ولد فاطمة عليها‌السلام ، وابن السبيل من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وولد فاطمة عليها‌السلام.

قال : وقوله : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) أي لا تنفق المال في غير طاعة الله (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) والمخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنيّ الناس ، ثم عطف بالمخاطبة على الوالدين ، فقال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ) يعني : عن الوالدين إذا كان لك عيال ، أو كنت عليلا أو فقيرا ، فقل لهما قولا ميسورا : أي حسنا ، إذا لم تقدر على برّهم وخدمتهم ، فارج لهم من الله الرّحمة (٤).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٢٩) [سورة الإسراء : ٢٩]؟!

الجواب / قال عجلان : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فجاء سائل فقام إلى

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٨ ، ح ٥٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٨ ، ح ٥٥.

(٣) المحاسن : ص ٢٥٧ ، ح ٢٩٨.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٨.

١٨٧

مكتل (١) فيه تمر ، فملأ يده فناوله ، ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، ثمّ جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، ثم جاء آخر [فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ، ثمّ جاء آخر] فقال : «الله رازقنا وإيّاك». ثمّ قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئا إلّا أعطاه ، فأرسلت إليه امرأة ابنا لها ، فقالت : انطلق إليه فاسأله ، فإن قال لك : ليس عندنا شيء ، فقل : أعطني قميصك ـ قال ـ فأخذ قميصه فرمى به إليه ، فأدّبه الله تبارك وتعالى على القصد فقال : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)(٢).

وقال عليه‌السلام : «المحسور : العريان» (٣) وقال عليه‌السلام : «الإحسار : الفاقة» (٤) وروي أنه عليه‌السلام قال : «الإحسار : الإقتار» (٥).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) (٣٠) [سورة الإسراء : ٣٠]؟!

الجواب / قال السيد الطباطبائي : ظاهر السياق أن الآية في مقام التعليل لما تقدم في الآية السابقة من النهي عن الإفراط والتفريط في إنفاق المال وبذله.

والمعنى : أن هذا دأب ربك وسنته الجارية يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر

__________________

(١) المكتل : شبه الزنبيل ، يسع خمسة عشر صاعا. «الصحاح ـ كتل ـ ج ٥ ، ص ١٨٠٩».

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٥ ، ح ٧.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٥ ، ح ٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٨.

(٥) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٩ ، ح ٦١.

١٨٨

لمن يشاء فلا يبسطه كل البسط ولا يمسك عنه كل الإمساك رعاية لمصلحة العباد إنه كان بعباده خبيرا بصيرا وينبغي لك أن تتخلق بخلق الله وتتخذ طريق الاعتدال وتتجنب الإفراط والتفريط.

وقيل : إنها تعليل على معنى إن ربك يبسط ويقبض ، وذلك من الشؤون الإلهية المختصة به تعالى ، وليس لك أن تتصف به والذي عليك أن تقتصد من غير أن تعدل عنه إلى إفراط أو تفريط ، وقيل في معنى التعليل غير ذلك ، وهي وجوه بعيدة (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً (٣١) وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٣٢) [سورة الإسراء : ٣٢ ـ ٣١]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو إبراهيم عليه‌السلام لإسحاق بن عمّار : «لا يملق حاجّ أبدا» ، قال إسحاق : وما الإملاق؟ قال عليه‌السلام : «الإفلاس» ثمّ قال : «قول الله : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) يعني مخافة الفقر والجوع ، فإنّ العرب كانوا يقتلون أولادهم لذلك ، فقال الله عزوجل : (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً)(٣).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله (وَلا تَقْرَبُوا

__________________

(١) تفسير الميزان : ج ١٣ ، ص ٨٤.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٨٩ ، ح ٦٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩.

١٨٩

الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) : «معصية ومقتا ، فإنّ الله يمقته ويبغضه ، وقوله : (وَساءَ سَبِيلاً) وهو أشدّ الناس عذابا ، والزنا من أكبر الكبائر» (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٣٣) [سورة الإسراء : ٣٣]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في معنى هذه الآية نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا اجتمع العدّة على قتل رجل واحد ، حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا ، وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد ، إنّ الله عزوجل يقول : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) وإذا قتل الثلاثة واحدا ، خيّر الوالي أيّ الثلاثة شاءوا أن يقتل ، ويضمن الآخران ثلثي الدية لورثة المقتول» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ : «هو الحسين بن عليّ عليه‌السلام قتل مظلوما ونحن أولياؤه ، والقائم منّا إذا قام طلب بثأر الحسين ، فيقتل حتّى يقال : قد أسرف في القتل ـ وقال ـ المقتول : الحسين عليه‌السلام ووليّه : القائم ، والإسراف في القتل : أن يقتل غير قاتله (إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩.

(٢) التهذيب : ج ١٠ ، ص ٢١٨ ، ح ٨٥٨.

(٣) ينابيع المودة : ص ٤٢٥.

١٩٠

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً (٣٤) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٣٥) [سورة الإسراء : ٣٥ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يعني : بالمعروف ، ولا يسرف ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا بلغ أشدّه : الاحتلام ، ثلاث عشرة سنة» (١) ـ قال : وقوله : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ) يعني إذا عاهدت إنسانا ، فأوف له. قال : وقوله : (إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) يعني : يوم القيامة. قال : وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي : بالسواء (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ «القسطاس المستقيم فهو الميزان الذي له لسان» (٣).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣٦) [سورة الإسراء : ٣٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال ، أو يخرج ممّا قال» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٩٢ ، ح ٧٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٩.

١٩١

وقال الصادق عليه‌السلام في معنى طينة خبال : «صديد يخرج من فروج المومسات» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «وفرض على السمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى الله عزوجل عنه ، والإصغاء إلى ما أسخط الله عزوجل ، فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(٢) ، ثم استثنى الله عزوجل موضع النسيان ، فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٣) ، وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٤) ، وقال عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٥) ، وقال : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ)(٦) ، وقال : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٧) فهذا ما فرض الله على السّمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له وهو عمله ، وهو من الإيمان.

وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم الله عليه ، وأن يعرض عمّا نهى الله عنه مما لا يحلّ له ، وهو عمله ، وهو من الإيمان ، فقال تبارك وتعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(٨) فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم ، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ، ويحفظ فرجه أن ينظر

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٦٦ ، ح ٥.

(٢) النساء : ١٤٠.

(٣) الأنعام : ٦٨.

(٤) الزمر : ١٧ ـ ١٨.

(٥) المؤمنون : ١ ـ ٤.

(٦) القصص : ٥٥.

(٧) الفرقان : ٧٢.

(٨) النور : ٣٠.

١٩٢

إليه ، وقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ)(١) من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها ، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها ـ وقال ـ كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلا هذه الآية ، فإنّها من النظر.

ثمّ نظم ما فرض على القلب واللسان والسمع والبصر في آية أخرى ، فقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ)(٢) يعني بالجلود الفروج والأفخاذ ، وقال : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) فهذا ما فرض الله على العينين من غضّ البصر عمّ حرّم الله عزوجل ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان» (٣). والحديث طويل.

وقال الحسن (٤) بن علي عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ أبا بكر مني بمنزلة السّمع ، وإنّ عمر منّي بمنزلة البصر ، وإن عثمان منّي بمنزلة الفؤاد ـ قال ـ فلمّا كان من الغد دخلت عليه وعنده أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان فقلت له : يا أبت ، سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا ، فما هو؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، ثمّ أشار بيده إليهم ، فقال : هم السمع والبصر والفؤاد ، وسيسألون عن ولاية وصيّي هذا ، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. ثمّ قال : إن الله عزوجل يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعزّة ربي إن جميع أمّتي لموقوفون يوم القيامة ، ومسؤولون عن ولايته ، وذلك قول الله عزوجل : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(٥)» (٦).

__________________

(١) النور : ٣١.

(٢) فصلت : ٢٢.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ح ١.

(٤) في «ط» : الحسين.

(٥) الصافات : ٢٤.

(٦) معاني الأخبار : ص ٣٨٧ ، ح ٢٣.

١٩٣

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً (٣٧) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨) ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (٤٠) [سورة الإسراء : ٤٠ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) : أي بصرا وفرحا (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ) أي لم تبلغها كلّها : (وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) أي لا تقدر أن تبلغ قلل الجبال (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فرض الله على الرجلين أن لا يمشى بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عزوجل فقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً) ، وقال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(٢)» (٣).

وقال عليّ بن إبراهيم : قوله : (ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) يعني القرآن وما فيه من الأنباء ، ثمّ قال : (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً) فالمخاطبة للنبيّ والمعنى للناس.

قال : وقوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) وهو ردّ على قريش فيما قالوا : إن الملائكة هنّ بنات الله (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠.

(٢) لقمان : ١٩.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨ ، ح ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠.

١٩٤

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣) [سورة الإسراء : ٤٣ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا) : «يعني ولقد ذكرنا عليّا عليه‌السلام في القرآن وهو الذكر فما زادهم إلّا نفورا» (١).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) قال : إذا سمعوا القرآن ، ينفرون عنه ويكذّبونه ، ثمّ احتجّ عزوجل على الكفّار الذين يعبدون الأوثان ، فقال : (قُلْ) لهم يا محمّد (لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) قال : لو كانت الأصنام آلهة كما يزعمون لصعدوا إلى العرش ، ثمّ قال الله لذلك : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً)(٢).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (٤٤) [سورة الإسراء : ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو الصبّاح : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)؟

قال عليه‌السلام : «كلّ شيء يسبّح بحمده ـ وقال ـ إنّا لنرى أنّ تنقّض (٣)

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٧٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠.

(٣) تنقض البيت : تشقق وسمع له صوت. «أقرب الموارد ـ نقض ـ ص ٢ ، ح ١٣٣٧».

١٩٥

الجدار هو تسبيحه» (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦) [سورة الإسراء : ٤٦ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) يعني يحجب الله عنك الشياطين (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي غشاوة (أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) يعني صمما.

قال : قوله : (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تهجّد بالقرآن تستمع له قريش لحسن صوته (٢) ، وكان إذا قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فرّوا عنه (٣).

قال زيد بن علي : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فذكر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقال : «تدري ما نزل في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟» فقلت : لا ، فقال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، وكان يصلّي بفناء الكعبة فرفع صوته ، وكان عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وجماعة منهم يسمعون قراءته ـ قال وكان يكثر قراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فيرفع بها صوته ـ قال ـ فيقولون : إنّ محمّدا ليردّد اسم ربّه تردادا ، إنّه ليحبّه ، فيأمرون من يقوم فيستمع إليه ، ويقولون : إذا جاز (بِسْمِ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٧٩.

(٢) في «ط» : قراءته.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠.

١٩٦

اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فأعلمنا حتى نقوم فنستمع قراءته ، فأنزل الله في ذلك (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ) ـ بسم الله الرحمن الرّحيم ـ (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً)(١).

وقال أبو حمزة الثّمالي : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «يا ثماليّ ، إن الشيطان ليأتي قرين الإمام فيسأله ، هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم ، اكتسع (٢) فذهب ، وإن قال : لا ، ركب على كتفيه ، وكان إمام القوم حتى ينصرفوا».

قال : قلت : جعلت فداك ، وما معنى قوله : ذكر ربّه؟ قال : «الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)(٣).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨) وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩) قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً) (٥١) [سورة الإسراء : ٥١ ـ ٤٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) يعني إذ هم في السرّ يقولون : هو ساحر ، وهو قوله : (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً).

ثمّ حكى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الدّهريّة ، فقال : (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٩٥ ، ح ٨٥.

(٢) اكتسع الفحل : خطر فضرب فخذيه بذنبه. «القاموس المحيط ـ كسع ـ ج ٣ ، ص ٨١».

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٩٦ ، ح ٨٨.

١٩٧

وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً). ثمّ قال لهم : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ) والنغض : تحريك الرأس (وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً)(١).

وقال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الخلق الذي يكبر في صدوركم : الموت» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «جاء أبيّ بن خلف ، فأخذ عظما باليا من حائط ، ففته ، ثمّ قال : يا محمّد ، إذا كنّا عظاما ورفاتا أئنّا لمبعوثون؟! فأنزل الله (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)(٣)» (٤).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً) (٥٢) [سورة الإسراء : ٥٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) معناه : عسى أن يكون بعثكم قريبا أيها المشركون ، يوم يدعوكم من قبوركم إلى الموقف على ألسنة الملائكة ، وذلك عند النفخة الثانية ، فيقولون : أيتها العظام النخرة ، والجلود البالية! عودي كما كنت. فتستجيبون مضطرين بحمده أي : حامدين لله على نعمه ، وأنتم موحدون. وهذا كما يقول القائل جاء فلان بغضبه أي : جاء غضبان. وقيل : معنى تستجيبون بحمده : إنكم تستجيبون معترفين بأن الحمد لله على نعمه ، لا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢١.

(٣) يس : ٧٨ ـ ٧٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٩٦ ، ح ٨٩.

١٩٨

تنكرونه ، لأن المعارف هناك ضرورية.

قال سعيد بن جبير : يخرجون من قبورهم ، يقولون : سبحانك وبحمدك ، ولا ينفعهم في ذلك اليوم ، لأنهم حمدوا حين لا ينفعهم الحمد (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) أي : وتظنون أنكم لم تلبثوا في الدنيا إلّا قليلا ، لسرعة انقلاب الدنيا إلى الآخرة. قال الحسن ، وقتادة : استقصروا مدة لبثهم في الدنيا ، لما يعلمون من طول لبثهم في الآخرة. ومن المفسرين من يذهب إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين ، لأنهم الذين يستجيبون لله بحمده ، ويحمدونه على إحسانه إليهم ، ويستقلون مدة لبثهم في البرزخ ، لكونهم في قبورهم منعمين غير معذبين ، وأيام السرور والرخاء قصار (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (٥٧) [سورة الإسراء : ٥٧ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم أمر سبحانه عباده باتباع الأحسن من الأقوال والأفعال ، فقال : (وَقُلْ) يا محمد (لِعِبادِي) وهذا إضافة تخصيص وتشريف ، أراد به المؤمنين. وقيل : هو عام في جميع

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٥٩ ـ ٢٦٠.

١٩٩

المكلفين (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : يختاروا من المقالات والمذاهب ، المقالة التي هي أحسن المقالات ، والمذاهب. وقيل : مرهم يقولوا الكلمة التي هي أحسن الكلمات ، وهي كلمة الشهادتين ، وكل ما ندب الله إليه من الأقوال. وقيل : معناه يأمروا بما أمر الله به ، وينهوا عما نهى الله عنه. وقيل : معناه قل لهم يقل بعضهم لبعض أحسن ما يقال ، مثل : رحمك الله ، ويغفر الله لك.

وقيل : معناه قل لعبادي إذا سمعوا قولك الحق ، وقول المشركين ، يقولوا ما هو أولى ، ويتبعوا ما هو أحسن ، عن أبي مسلم ، وقال نظيره : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ).

(إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) أي : يفسد بينهم ، ويغري بعضهم ببعض ، ويلقي بينهم العداوة (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ) في جميع الأوقات (لِلْإِنْسانِ) أي : لآدم وذريته (عَدُوًّا مُبِيناً) مظهرا للعداوة. ثم خاطب سبحانه الفريقين ، فقال : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) معناه : إنه أعلم بأحوالكم ، فيدبر أموركم على ما يعلمه من المصلحة لكم (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) ، قيل : أراد أنه سبحانه مالك للرحمة والعذاب ، فيكون الرجاء إليه ، والخوف منه ... وقيل : معناه إن يشأ يرحمكم بالتوبة ، أو إن يشأ يعذبكم بالإصرار على المعصية ... وقيل : معناه إن يشأ يرحمكم بإخراجكم من مكة ، وتخليصكم من إيذاء المشركين ، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم. وقيل : إن يشأ يرحمكم بفضله ، وإن يشأ يعذبكم بعدله ، وهو الأظهر.

ثم عاد إلى خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي : وما أرسلناك موكلا عليهم. حفيظا لأعمالهم ، يدخل الإيمان في قلوبهم ، شاؤوا أم أبوا. ومعناه : إنك لا تؤاخذ بأعمالهم ، فإنا أرسلناك داعيا لهم إلى الإيمان ، فإن أجابوك وإلا فلا شيء عليك ، فإن عتاب ذلك يحل بهم ،

٢٠٠