التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٤

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

بقوله : (فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً)(١) وإنّما اشترك في الإبانة لأنه خشي ، والله لا يخشى لأنّه لا يفوته شيء ، ولا يمتنع عليه أحد أراده ، وإنما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما أمر فيه فلا يدرك ثواب الإمضاء فيه ، ووقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام ، فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليه‌السلام ، لأنه صار في الوقت مخبرا ، وكليم الله موسى عليه‌السلام مخبرا ، ولم يكن ذلك باستحقاق الخضر عليه‌السلام للرّتبة على موسى عليه‌السلام وهو أفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.

ثمّ قال : (وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً) ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ، ولكن كان لوحا من ذهب مكتوب فيه : عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن ، عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم ، عجب لمن يرى الدنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئنّ إليها ، وكان أبوهما صالحا ، وكان بينهما وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا ، فحفظهما الله بصلاحه ، ثم قال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما) فتبرّأ من الإبانة في آخر القصص ، ونسب الإرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد ويصير موسى عليه‌السلام به مخبرا ومصغيا إلى كلامه تابعا له ، فتجرّد من الإبانة والإرادة تجرّد العبد المخلص ، ثمّ صار متنصّلا مما أتاه من نسبة الإبانة في أول القصة ، ومن ادعائه الاشتراك في ثاني القصّة ، فقال : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الغلام الذي قتله العالم الذي كان مع موسى عليه‌السلام وهو قول الله عزوجل : (فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً) أبدلهما الله به بنتا ، ولدت سبعين نبيّا» (الكافي : ج ٦ ، ص ٦ ، ح ١١).

٢٨١

تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).

ثم قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «إنّ أمر الله تعالى ذكره لا يحمل على المقاييس ، ومن حمل أمر الله على المقاييس هلك وأهلك ، إنّ أول معصية ظهرت ، الإبانة من إبليس اللعين ، حين أمر الله تعالى ذكره ملائكته بالسجود لآدم فسجدوا ، وأبى إبليس اللعين أن يسجد ، فقال عزوجل : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(١) فكان أوّل كفره قوله : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ثمّ قياسه بقوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فطرده الله عزوجل عن جواره ولعنه وسماه رجيما ، وأقسم بعزّته لا يقيس أحد في دينه إلا قرنه مع عدوّه إبليس في أسفل درك من النار» (٢).

وقال أبو عبد الله عليهما‌السلام : «لمّا كان من أمر موسى عليه‌السلام الذي كان ، أعطي مكتلا (٣) فيه حوت مملّح ، وقيل له : هذا يدلك على صاحبك عند عين مجمع البحرين ، لا يصيب منها شيء ميتا إلا حيي ، يقال لها : الحياة ، فانطلقا حتى بلغا الصخرة ، فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين ، فاضطرب الحوت في يده حتى خدشه ، فانفلت منه ، ونسيه الفتى ، فلمّا جاوز الوقت الذي وقّت فيه أعيا موسى عليه‌السلام : (قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) قال : (أَرَأَيْتَ) إلى قوله تعالى : (عَلى آثارِهِما قَصَصاً) فلمّا أتاها وجد الحوت قد خرّ في البحر ، فاقتصّا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر ، إمّا متكئا وإما جالسا في كساء له ، فسلّم عليه موسى عليه‌السلام ، وعجب من السّلام ، وهو في أرض ليس فيها سلام ، فقال : من أنت؟ قال : أنا موسى. قال : أنت موسى بن عمران الذي كلّمه الله تكليما؟ قال : نعم. قال :

__________________

(١) الأعراف : ١٢.

(٢) علل الشرائع : ص ٥٩ ، ح ١.

(٣) المكتل : الزبيل الكبير.

٢٨٢

فما حاجتك؟ قال : (أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).

قال : إنّي وكلت بأمر لا تطيقه ، ووكلت بأمر لا أطيقه ، وقال له : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) فحدّثه عن آل محمد عليهم‌السلام ، وعمّا يصيبهم حتى اشتد بكاؤهما ، ثم حدّثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعن ولد فاطمة عليهم‌السلام ، وذكر له من فضلهم وما أعطوا ، حتى جعل ، يقول : يا ليتني من آل محمد ، وعن رجوع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قومه ، وما يلقى منهم ، ومن تكذيبهم إيّاه ، وتلا هذه الآية : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(١) فإنه أخذ عليهم الميثاق» (٢).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (٨٦) قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً (٨٨) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٨٩) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٩٠) كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً (٩١) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (٩٢) حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (٩٣) قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ

__________________

(١) الأنعام : ١١٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٢٩ ، ح ٤١.

٢٨٣

بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤) قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (٩٥) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (٩٦) فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً (٩٧) قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (٩٨) [سورة الكهف : ٩٨ ـ ٨٣]؟!

الجواب / قال أبو بصير سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً).

قال : «إنّ ذا القرنين بعثه الله إلى قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن ، فأماته الله خمسمائة عام ، ثم بعثه إليهم بعد ذلك فضربوه على قرنه الأيسر ، فأماته الله خمسمائة عام ، ثم بعثه إليهم ، بعد ذلك ، فملّكه مشارق الأرض ومغاربها ، من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب ، فهو قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) إلى قوله (عَذاباً نُكْراً) ـ قال ـ في النار ، فجعل ذو القرنين بينهم بابا من نحاس وحديد ، وزفت وقطران ، فحال بينهم وبين الخروج».

ثمّ قال : أبو عبد الله عليه‌السلام : «ليس منهم رجل يموت حتى يولد له من صلبه ألف ولد ذكر ـ ثمّ قال ـ هم أكثر خلق خلقوا بعد الملائكة» (١).

وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن ذي القرنين ، أنبيّا كان أم ملكا؟

فقال : «لا نبيّ ولا ملك ، بل إنما هو عبد أحب الله فأحبّه ، نصح لله فنصح له ، فبعثه الله إلى قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن ، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ، ثمّ بعثه الثانية ، فضرب على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٠.

٢٨٤

أن يغيب ، ثم بعثه الثالثة ، فمكّن الله له في الأرض ، وفيكم مثله ـ يعني نفسه ـ فبلغ مغرب الشمس فوجدها (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً).

قال : ذو القرنين : (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) إلى قوله (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي دليلا (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً) ـ قال ـ لم يعلموا صنعة الثياب وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «لم يعلموا صنعة البيوت» (١).

(ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً) أي دليلا (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) فقال ذو القرنين (ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) فأتوا به ، فوضعه ما بين الصّدفين ـ يعني بين الجبلين ـ حتى سوى بينهما ، ثمّ أمرهم أن يأتوا بالنار فأتوا بها ، فأشعلوا فيه ونفخوا تحت الحديد حتى صار الحديد مثل النار ، ثمّ صبّ عليه القطر ـ وهو الصّفر ـ حتى سدّه ، وهو قوله : (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) إلى قوله (نَقْباً) قال ذو القرنين : (هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) ـ قال ـ إذا كان قبل يوم القيامة في آخر الزمان انهدم ذلك السدّ ، وخرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا وأكلوا الناس ، وهو قوله : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)(٢)».

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٥٠ ، ح ٨٤.

(٢) الأنبياء : ج ٩٦.

٢٨٥

قال : «فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب ، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغصب ، فتنبعث في القرية ظلمات ورعد وبرق وصواعق ، تهلك من ناوأه وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب» قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وذلك قوله عزوجل : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) : أي دليلا ، فقيل له : إنّ لله في أرضه عينا يقال لها : عين الحياة ، لا يشرب منها ذو روح إلّا لم يمت حتى الصيحة ، فدعا ذو القرنين الخضر عليه‌السلام ، وكان أفضل أصحابه عنده ، ودعا بثلاث مائة وستّين رجلا ، ودفع إلى كلّ واحد منهم سمكة ، وقال لهم : اذهبوا إلى موضع كذا وكذا ، فإنّ هناك ثلاثمائة وستين عينا ، فليغسل كلّ واحد منكم سمكته في عين غير عين صاحبه ، فذهبوا يغسلون ، وقعد الخضر عليه‌السلام يغسل ، فانسابت السّمكة منه في العين ، وبقي الخضر عليه‌السلام متعجّبا مما رأى ، وقال في نفسه : ما أقول لذي القرنين؟ ثمّ نزع ثيابه يطلب السّمكة ، فشرب من مائها ، ولم يقدر على السمكة ، فرجعوا إلى ذي القرنين ، فأمر ذو القرنين بقبض السّمك من أصحابه ، فلمّا انتهوا إلى الخضر عليه‌السلام لم يجدوا معه شيئا ، فدعاه وقال له : ما حال السّمكة؟ فأخبره الخبر. فقال له : فصنعت ما ذا؟ فقال : اغتمست فيها ، فجعلت أغوص وأطلبها فلم أجدها قال : فشربت من مائها؟ قال : نعم ـ قال ـ فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها ، فقال للخضر عليه‌السلام : أنت صاحبها» (١).

وقال الأصبغ بن نباتة ، سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن ذي القرنين؟ قال : «كان عبدا صالحا واسمه عيّاش ، واختاره الله وابتعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المغرب ، وذلك بعد طوفان نوح عليه‌السلام ، فضربوه على قرن

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤١.

٢٨٦

رأسه الأيمن ، فمات منها ، ثم أحياه الله بعد مائة عام ، ثم بعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق ، فكذّبوه فضربوه ضربة على قرنه الأيسر فمات منها ، ثمّ أحياه الله بعد مائة عام ، وعوّضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين ، وجعل عزّ ملكه آية نبوّته في قرنيه.

ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا ، فكشط له عن الأرض كلّها ، جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب ، وآتاه الله من كلّ شيء علما يعرف به الحقّ والباطل ، وأيّده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ثمّ اهبط إلى الأرض ، وأوحى الله إليه : أن سر في ناحية غرب الأرض وشرقها ، وقد طويت لك البلاد ، وذلّلت لك العباد ، وأرهبتهم منك.

فسار ذو القرنين إلى ناحية المغرب ، فكان إذا مرّ بقرية زأر فيها كما يزأر الأسد المغضب ، فينبعث من قرنيه ظلمات ورعد وبرق ، وصواعق تهلك من ناوأه وخالفه ، فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب ـ قال ـ وذلك قول الله : (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) فسار (حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) إلى قوله (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ) ولم يؤمن بربّه (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) في الدنيا بعذاب الدنيا (ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ) في مرجعه (فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً) إلى قوله : (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً ثُمَّ أَتْبَعَ) ذو القرنين من الشمس (سَبَباً).

ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ ذا القرنين لمّا انتهى مع الشمس إلى العين الحمئة ، وجد الشمس تغرب فيها ، ومعها سبعون ألف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب ، يجرّونها من قعر البحر في قطر الأرض الأيمن كما تجري السّفينة على ظهر الماء ، فلمّا انتهى معها إلى مطلع الشمس سببا (وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ) إلى قوله (بِما لَدَيْهِ خُبْراً).

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ ذا القرنين ورد على قوم ، قد أحرقتهم

٢٨٧

الشمس ، وغيّرت أجسادهم وألوانهم حتى صيّرتهم كالظلمة ، ثم اتبع ذو القرنين سببا في ناحية الظلمة : (حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) خلف هذين الجبلين ، وهم يفسدون في الأرض ، إذا كان إبّان زروعنا وثمارنا خرجوا علينا من هذين السدّين فرعوا في ثمارنا وزروعنا ، حتى لا يبقوا منها شيئا (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً) نؤدّيه إليك في كلّ عام (عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) إلى قوله : (زُبَرَ الْحَدِيدِ).

قال : «فاحتفر له جبل حديد ، فقلعوا له أمثال اللّبن ، فطرح بعضه على بعض فيما بين الصّدفين ، وكان ذو القرنين هو أوّل من بنى ردما على الأرض ، ثمّ جمع عليه الحطب وألهب فيه النار ، ووضع عليه المنافيخ ، فنفخوا عليه ، فلمّا ذاب قال : آتوني بقطر ـ وهو المسّ الأحمر ، قال ـ فاحتفروا له جبلا من مسّ فطرحوه على الحديد ، فذاب معه واختلط به ـ قال ـ (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) يعني يأجوج ومأجوج (قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا). إلى ها هنا رواية علي بن الحسين ورواية محمد بن نصر.

وزاد جبرئيل بن أحمد ، في حديثه ، بأسانيد عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)(١) يعني يوم القيامة ، وكان ذو القرنين عبدا صالحا ، وكان من الله بمكان ، نصح لله فنصح له وأحبّ الله فأحبّه ، وكان قد سبّب له في البلاد ، ومكّن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليلا من الملائكة يقال له : رفائيل ، ينزل إليه فيحدّثه ويناجيه ، فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين : يا رفائيل ، كيف عبادة أهل السماء ، وأين هي من عبادة أهل الأرض؟ قال رفائيل : يا ذا القرنين ،

__________________

(١) الكهف : ٩٩.

٢٨٨

وما عبادة أهل الأرض؟ فقال : أمّا عبادة أهل السماء ، ما في السماوات موضع قدم إلّا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا ، أو راكع لا يسجد أبدا أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، وقال : يا رفائيل ، إني أحبّ أن أعيش حتى أبلغ من عبادة ربّي وحقّ طاعته بما هو أهله.

قال رفائيل : يا ذا القرنين ، إنّ لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة ، فيها عزيمة من الله أنه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت ، فإن ظفرت بها تعيش ما شئت. قال : وأين تلك العين ، وهل تعرفها؟ قال : لا ، غير أنا نتحدّث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان. فقال ذو القرنين : وأين تلك الظّلمة؟ قال رفائيل : ما أدري.

ثم صعد رفائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رفائيل ، ومما أخبره عن العين والظّلمة ، ولم يخبره بعلم ينتفع به منها فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلماءهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوّة ، فلمّا اجتمعوا عنده ، قال ذو القرنين : يا معشر الفقهاء ، وأهل الكتب وآثار النبوة ، هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو في كتب من كان قبلكم من الملوك أن لله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من الله عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت؟ قالوا : لا ، يا أيها الملك. قال : فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب أن لله في الأرض ظلمة لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا : لا ، يا أيها الملك. فحزن ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحبّ.

وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء ، أوصياء الأنبياء وكان ساكتا لا يتكلم حتى إذا أيس ذو القرنين منهم. قال له الغلام : أيها الملك ، إنك تسأل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم ، وعلم ما تريد عندي ، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا ، حتى نزل عن فراشه ، وقال له : أدن منّي. فدنا

٢٨٩

منه ، فقال : أخبرني. قال : نعم أيها الملك ، إني وجدت في كتاب آدم عليه‌السلام الذي كتب يوم سمّي له ما في الأرض من عين أو شجر ، فوجدت فيه أنّ لله عينا تدعى عين الحياة ، فيها من الله عزيمة أنّه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسأل الله الموت ، بظلمة لم يطأها إنس ولا جان. ففرح ذو القرنين وقال : ادن مني أيها الغلام ، تدري أين موضعها؟ قال : نعم ، وجدت في كتاب آدم عليه‌السلام أنها على قرن الشمس ، ـ يعني مطلعها ـ ففرح ذو القرنين وبعث إلى أهل مملكته ، فجمع أشرافهم وفقهاءهم وعلماءهم وأهل الحكم منهم ، واجتمع إليه ألف حكيم وعالم وفقيه ، فلمّا اجتمعوا إليه تهيّأ للمسير وتأهّب له بأعدّ العدّة وأقوى القوّة ، فسار بهم يريد مطلع الشمس ، يخوض البحار ويقطع الجبال والفيافي والأرضين والمفاوز ، فسار اثنتي عشرة سنة ، حتى انتهى إلى طرف الظّلمة ، فإذا هي ليست بظلمة ليل ولا دخان ، ولكنّها هواء يفور مدّ ما بين الأفقين ، فنزل بطرفها وعسكر عليها ، وجمع علماء أهل عسكره وفقهاءهم وأهل الفضل منهم ، وقال يا معشر الفقهاء ، والعلماء ، إني أريد أن أسلك هذه الظلمة. فخرّوا له سجّدا ، وقالوا : أيّها الملك ، إنك لتطلب أمرا ما طلبه ولا سلكه أحد ممن كان قبلك من النبيين والمرسلين ولا من الملوك. قال : إنه لا بدّ لي من طلبها.

قالوا : يا أيها الملك ، إنا لنعلم أنك إذا سلكتها ظفرت بحاجتك بغير منّة عليك لأمرنا ، ولكنّا نخاف أن يعلق بك منها أمر يكون فيه هلاك ملكك وزوال سلطانك ، وفساد من في الأرض؟ فقال : لا بدّ من أن أسلكها. فخرّوا سجدا لله ، وقالوا : إنّا نتبرّأ إليك مما يريد ذو القرنين.

فقال : ذو القرنين : يا معشر العلماء ، أخبروني بأبصر الدواب؟ قالوا : الخيل الإناث الأبكار أبصر الدواب ، فانتخب من عسكره ، فأصاب ستة آلاف فرس إناثا أبكارا ، وانتخب من أهل العلم والفضل والحكمة ستة آلاف رجل ،

٢٩٠

فدفع إلى كل رجل فرسا ، وعقد لأفسحر ـ وهو الخضر ـ على ألف فرس ، فجعلهم على مقدّمته ، وأمرهم أن يدخلوا الظلمة ، وسار ذو القرنين في أربعة آلاف ، وأمر أهل عسكره أن يلزموا معسكره اثنتي عشرة سنة فإن رجع هو إليهم إلى ذلك الوقت ، وإلا تفرقوا في البلاد ، ولحقوا ببلادهم ، أو حيث شاءوا ، فقال الخضر عليه‌السلام : أيّها الملك ، إنا نسلك في الظلمة ، لا يرى بعضنا بعضا كيف نصنع بالضّلال إذا أصابنا؟ فأعطاه ذو القرنين خرزة حمراء كأنّها مشعلة لها ضوء ، وقال : خذ هذه الخرزة فإذا أصابكم الضلال فارم بها إلى الأرض فإنّها تصيح ، فإذا صاحت رجع أهل الضّلال إلى صوتها. فأخذها الخضر عليه‌السلام ومضى في الظّلمة ، وكان الخضر عليه‌السلام : يرتحل ، وينزل ذو القرنين ، فبينما الخضر يسير ذات يوم ، إذ عرض له واد في الظّلمة ، فقال لأصحابه : قفوا في هذا الموضع ، لا يتحرّكن أحد منكم من موضعه. ونزل عن فرسه ، فتناول الخرزة ، فرمى بها في الوادي ، فأبطأت عنه بالإجابة حتى ساء ظنه أو خاف أن لا تجيبه ، ثمّ أجابته ، فخرج إلى صوتها فإذا هي على جانب العين التي يقفوها ، وإذا ماؤها أشد بياضا من اللبن ، وأصفى من الياقوت ، وأحلى من العسل ، فشرب منه ، ثم خلع ثيابه واغتسل منها ، ثم لبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه ، فأجابته فخرج إلى أصحابه ، وركب وأمرهم بالمسير فساروا.

ومرّ ذو القرنين بعده ، فأخطؤوا الوادي ، وسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، ثم خرجوا بضوء ليس بضوء نهار ولا شمس ولا قمر ،

__________________

(١) الخشخاش : كل شيء يابس إذا حكّ بعضه ببعض صوت. «المعجم الوسيط : ج ١ ، ص ٢٣٥».

(٢) قال المجلسي رحمه‌الله : فركة : أي لينة. بحيث يمكن فركها باليد ، البحار : ج ١٢ ، ص ٢٠٦.

٢٩١

ولكنه نور ، فخرجوا إلى أرض حمراء ورملة خشخاشة (١) فركة (٢) كأنّ حصاها اللؤلؤ ، فإذا هو بقصر مبني على طول فرسخ ، فجاء ذو القرنين إلى الباب فعسكر عليه ، ثم توجه بوجهه وحده إلى القصر ، فإذا طائر وإذا حديدة طويلة قد وضع طرفاها على جانبي القصر ، والطير الأسود معلق (٣) في تلك الحديدة بين السماء والأرض مزموم (٤) ، كأنّه الخطاف (٥) أو صورة الخطّاف أو شبيه بالخطّاف ، أو هو خطّاف ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين ، قال : من هذا؟ قال : أنا ذو القرنين ، فقال الطائر : يا ذا القرنين ، أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلى حدّ بابي هذا؟ ففرق ذو القرنين فرقا شديدا ، فقال : يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني. قال سل قال : هل كثر بنيان الآجر والجصّ في الأرض؟ قال : نعم ، قال فانتفض الطير ، وامتلأ حتى ملأ من الحديدة ثلثها ، ففرق ذو القرنين ، فقال : لا تخف ، وأخبرني. قال : سل. قال : هل كثرت المعازف؟ قال : نعم. قال : فانتفض الطير وامتلأ حتى امتلأ من الحديدة ثلثيها ، ففرق ذو القرنين ، فقال : لا تخف ، وأخبرني. قال : سل. قال : هل ارتكب الناس شهادة الزور في الأرض؟ قال : نعم. فانتفض انتفاضة وانتفخ ، فسدّ ما بين جداري القصر ، قال : فامتلأ ذو القرنين عند ذلك فرقا منه ، فقال له : لا تخف وأخبرني. قال : سل : قال : هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال : لا. فانضمّ ثلثه ، ثمّ قال : يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني. قال : سل. قال : هل ترك الناس الصلاة المفروضة؟ قال : لا. قال : فانضمّ الثلث الآخر ، ثمّ قال : يا ذا القرنين ، لا تخف وأخبرني. قال : سل. قال : هل ترك الناس الغسل من

__________________

(١) في «ط» : معلق بأنفه.

(٢) زمّ الشيء : شدّه «لسان العرب ـ زمم ـ ج ١٢ ، ص ٢٧٢».

(٣) الخطّاف : السنونو ، وهو ضرب من الطيور القواطع. «المعجم الوسيط ـ خلف ـ ج ١ ، ص ٢٤٥».

٢٩٢

الجنابة؟ قال : لا.

قال : فانضمّ حتى عاد إلى الحالة الأولى ، فإذا هو بدرجة مدرّجة إلى أعلى القصر ، فقال الطير : يا ذا القرنين ، اسلك هذه الدرجة ، فسلكها وهو خائف لا يدري ما يهجم عليه ، حتى استوى على ظهرها ، فإذا هو بسطح ممدود مدّ البصر ، وإذا رجل شابّ أبيض مضيء الوجه ، عليه ثياب بيض ، كأنّه رجل ، أو في صورة رجل ، أو شبيه بالرجل ، أو هو رجل ، وإذا هو رافع رأسه إلى السّماء ينظر إليها ، واضع يده على فيه ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين ، قال : من هذا؟ قال : أنا ذو القرنين. قال : يا ذا القرنين ، ما كفاك ما وراءك حتى وصلت إليّ؟ قال ذو القرنين : ما لي أراك واضعا يدك على فيك؟ قال : يا ذا القرنين ، أنا صاحب الصّور ، وإن الساعة قد اقتربت ، وأنا أنتظر أن أؤمر بالنّفخ فأنفخ ، ثم ضرب بيده ، فتناول حجرا فرمى به إلى ذي القرنين ، كأنّه حجر ، أو شبه حجر ، أو هو حجر ، فقال : يا ذا القرنين ، خذها ، فإن جاع جعت ، وإن شبع شبعت ، فارجع.

فرجع ذو القرنين بذلك الحجر ، حتى خرج به إلى أصحابه ، فأخبرهم بالطير وما سأله عنه ، وما قال له ، وما كان من أمره ، وأخبرهم بصاحب الصّور ، وما قال له ، وما أعطاه ، ثمّ قال لهم : إنه أعطاني هذا الحجر ، وقال لي إن جاع جعت ، وإن شبع شبعت. قال : أخبروني بأمر هذا الحجر ، فوضع الحجر في إحدى الكفتين ، ووضع حجرا مثله في الكفة الأخرى ، ثم رفع الميزان ، فإذا الحجر الذي جاء به أرجح بمثل الآخر ، فوضعوا آخر ، فمال به ، حتى وضعوا ألف حجر كلّها مثله ، ثم رفعوا الميزان فمال بها ولم يمل به الألف حجر ، فقالوا : يا أيها الملك ، لا علم لنا بهذا ، فقال : له الخضر عليه‌السلام : أيها الملك ، إنك تسأل هؤلاء عما لا علم لهم به ، وقد أتيت على هذا الحجر. فقال ذو القرنين : فأخبرنا به ، وبيّنه لنا ، فتناول

٢٩٣

الخضر عليه‌السلام الميزان ، فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفّة الميزان ، ثمّ وضع حجرا آخر في كفّة أخرى ، ثمّ وضع كفّا من تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ، ثم رفع الميزان فاعتدل ، وعجبوا وخرّوا سجّدا لله ، وقالوا : يا أيها الملك ، هذا أمر لم يبلغه علمنا ، وإنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر ، فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلّه مثله فمال بها ، وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا؟!

قال ذو القرنين : بيّن ـ يا خضر ـ لنا أمر هذا الحجر ، قال الخضر : أيّها الملك ، إنّ أمر الله نافذ في عباده ، وسلطانه قاهر وحكمه فاصل ، وإن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض ، وابتلى العالم بالعالم ، والجاهل بالجاهل ، والعالم بالجاهل ، والجاهل بالعالم ، وإنه ابتلاني بك ، وابتلاك بي.

فقال ذو القرنين : يرحمك الله يا خضر ، إنما تقول : ابتلاني بك حين جعلت أعلم منّي ، وجعلت تحت يدي ، أخبرني ـ يرحمك الله ـ عن أمر هذا الحجر.

فقال الخضر عليه‌السلام : أيها الملك ، إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور ، يقول : إنّ مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها ، ثم إذا وضع عليه التراب ، شبع وعاد حجرا مثله ، فيقول : كذلك مثلك ، أعطاك الله من الملك ما أعطاك ، فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أحد كان قبلك ، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جانّ ، يقول : كذلك ابن آدم ، لا يشبع حتى يحثى عليه التراب. قال : فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، وقال : صدقت يا خضر ، يضرب لي هذا المثل ، لا جرم أني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا.

ثمّ انصرف راجعا في الظّلمة ، فبينما هم يسيرون ، إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك خيلهم ، فقالوا أيّها الملك ، ما هذا؟ فقال : خذوا منه ، فمن أخذ

٢٩٤

منه ندم ، ومن تركه ندم ، فأخذ بعض ، وترك بعض ، فلمّا خرجوا من الظلمة إذا هم بالزّبرجد ، فندم الآخذ والتارك ، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل ، وكان بها منزله ، فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه».

قال : «وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا حدّث بهذا الحديث ، قال : رحم الله أخي ذا القرنين ، ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك ، وطلب ما طلب ، ولو ظفر بوادي الزّبرجد في مذهبه ، لما ترك فيه شيئا إلّا أخرجه للناس لأنّه كان راغبا ، ولكنّه ظفر به بعد ما رجع ، وقد زهد عن الدنيا بعد» (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩) وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) (١٠٠) [سورة الكهف : ١٠٠ ـ ٩٩]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) «يعني يوم القيامة» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : قوله : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) أي يختلطون (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً)(٣).

٢ ـ وقال الشيخ الطبرسي في قوله تعالى : (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) أي : أظهرنا جهنم وأبرزناها لهم حتى شاهدوها ، ورأوا ألوان عذابها قبل دخولها (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٤١ ، ح ٧٩.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٥١ ، ح ٨٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٥.

(٤) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٣٩١.

٢٩٥

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً) (١٠٢) [سورة الكهف : ١٠٢ ـ ١٠١]؟!

الجواب / قال أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهروي : سأل المأمون الرضا علي بن موسى عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً).

فقال عليه‌السلام : «إنّ غطاء العين لا يمنع من الذكر ، والذّكر لا يرى بالعيون ، ولكن الله عزوجل شبّه الكافرين بولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالعميان ، لأنّهم كانوا يستقلون قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه ، فلا يستطيعون له سمعا». فقال المأمون : فرّجت عني ، فرّج الله عنك (١).

وقال أبو بصير ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي)؟ قال : «يعني بالذكر ولاية علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو قوله : (ذِكْرِي) قلت : قوله (لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)؟ قال : «كانوا لا يستطيعون إذا ذكر عليّ عليه‌السلام عنده أن يسمعوا ذكره لشدة بغض له ، وعداوة منهم له ولأهل بيته».

قلت قوله : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً)؟

قال عليه‌السلام : «يعنيهما وأشياعهما الذين اتخذوهما من دون الله أولياء ، وكانوا يرون أنّهم بحبهم إياهما ، أنهما ينجيانهم من عذاب الله ، وكانوا بحبّهما كافرين».

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ج ١ ، ص ١٣٦ ، ح ٣٣.

٢٩٦

قلت : قوله (إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً)؟

قال : «أي منزلا ، فهي لهما ولأشياعهما عتيدة (١) عند الله».

قلت : قوله (نُزُلاً) قال : «مأوى ومنزلا» (٢).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٠٤) [سورة الكهف : ١٠٤ ـ ١٠٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هم النصارى ، والقسيسون ، والرّهبان ، وأهل الشبهات والأهواء من أهل القبلة ، والحرورية ، وأهل البدع» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : نزلت في اليهود ، وجرت في الخوارج (٤).

وقال إمام بن ربعي : قام ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : أخبرني عن قول الله : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).

قال : «أولئك أهل الكتاب ، كفروا بربّهم ، وابتدعوا في دينهم ، فحبطت أعمالهم ، وما أهل النهر ـ أي النهروان ـ منهم ببعيد» (٥).

وقال الطّبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد سأله سائل ، قال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (قُلْ هَلْ

__________________

(١) العتيد : الشيء الحاضر المهيأ. «الصحاح ـ عتد ـ ج ٢ ، ص ٥٠٥» وفي نسخة من «ط» معدة.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٦.

(٤) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٦.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، ح ٨٩.

٢٩٧

نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) الآية. قال : «كفرة أهل الكتاب ، اليهود والنصارى ، وقد كانوا على الحقّ ، فابتدعوا في أديانهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» (١).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١٠٨) [سورة الكهف : ١٠٨ ـ ١٠٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) : أي حسنة : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً) يعني بالآيات الأوصياء اتخذوها هزوا. ثم ذكر المؤمنين بهذه الآيات : فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) ، أي لا يحولون ، ولا يسألون التحويل عنها (٢).

وقال عليّ عليه‌السلام : «لكلّ شيء ذروة ، وذروة الجنة الفردوس ، وهي لمحمّد وآل محمّد (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي بصير ، في قوله : (خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) ، قال : «خالدين فيها لا يخرجون منها» و (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) ، قال : «لا يريدون بها بدلا».

__________________

(١) الاحتجاج : ج ١ ، ص ٢٦٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٦.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٩٨ ، ح ١١.

٢٩٨

قلت : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً).

قال : «نزلت في أبي ذرّ ، وسلمان الفارسي ، والمقداد ، وعمّار بن ياسر ، جعل الله لهم جنات الفردوس نزلا ، أي مأوى ومنزلا» (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (١١٠) [سورة الكهف : ١١٠ ـ ١٠٩]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً)؟

قال : «قد أخبرك أنّ كلام الله ليس له آخر ، ولا غاية ، ولا ينقطع أبدا».

قال : «ثمّ قال : قل يا محمد : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ، فهذا الشرك شرك رياء (٢).

وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام ، عن أبيه ، علي بن محمد عليهما‌السلام في حديث طويل ، في مناظرة جماعة من قريش ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثمّ أنزل الله تعالى : يا محمّد ، قل : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يعني آكل الطعام (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) يعني قل لهم : أنا في البشرية مثلكم ، ولكن خصّني

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٦.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٤٦.

٢٩٩

ربّي بالنبوة دونكم ، كما يخصّ بعض البشر بالغنى والصحة والجمال ، دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنّبوّة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يعمل شيئا من الثواب ، لا يطلب به وجه الله ، إنما يطلب تزكية الناس ، يشتهي أن يسمع به الناس ، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه». ثمّ قال : «ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام أبدا ، حتى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد أسرّ شرّا فذهبت الأيام أبدا ، حتى يظهر الله له شرّا» (٢).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٠٤.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، ح ٤.

٣٠٠