التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

تناولت شيئا من الحرام قاصّها به من الحلال الذي فرض لها ، وعند الله سواهما فضل كثير ، وهو قوله عزوجل : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ)(١).

وقال الحسين بن مسلم : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّهم يقولون : إنّ النّوم بعد الفجر مكروه لأنّ الأرزاق تقسّم في ذلك الوقت؟

فقال : «إنّ الأرزاق موظوفة (٢) مقسومة ، ولله فضل يقسّمه ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس ، وذلك قوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) ـ ثمّ قال ـ : وذكر الله بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرزق من الضرب (٣) في الأرض» (٤).

٤ ـ قال الباقر والصادق عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ)(٥) من عباده ، وفي قوله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) إنهما نزلتا في علي عليه‌السلام» (٦).

* س ٣٢ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام : بقوله تعالى :

(وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً)(٣٣) [النساء:٣٣]؟!٠

الجواب / ١ ـ قال زرارة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (وَلِكُلٍ

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٨٠ ، ح ٢.

(٢) الوظيفة : ما يقدّر له في كلّ يوم من رزق أو طعام أو علف أو شراب وجمعها الوظائف ـ (لسان العرب : ج ٩ ، ص ٣٥٨).

(٣) ضرب في الأرض : خرج فيها تاجرا أو غازيا ، وقيل : سار في ابتغاء الرزق.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، ح ١١٩.

(٥) المائدة : ٥٤.

(٦) المناقب : ج ٣ ، ص ٩٩ ابن شهر آشوب.

٤١

جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) ، قال : «إنّما عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث ، ولم يعن أولياء النعمة ، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرّحم التي تجرّه إليها» (١).

٢ ـ قال الإمام الرضا عليه‌السلام ـ عن هذه الآية ـ : «إنّما عنى بذلك الأئمّة عليهم‌السلام بهم عقد الله عزوجل أيمانكم» (٢).

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً)(٣٤) [النساء:٣٤] عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام؟!

الجواب / ١ ـ قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله. قال له : ما فضل الرجال على النساء؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفضل السماء على الأرض ، وكفضل الماء على الأرض ، فالماء يحيي الأرض [وبالرجال تحيا النساء] ولو لا الرجال ما خلق الله النساء ، يقول الله عزوجل : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ).

قال اليهوديّ : لأي شيء كان هكذا؟

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ، ص ٢٦٨ ، ح ٩٧٨.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٦٨ ، ح ١.

٤٢

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله عزوجل آدم من طين ، ومن فضلته وبقيّته خلقت حوّاء ، وأوّل من أطاع النساء آدم : فأنزله الله عزوجل من الجنّة ، وقد بين فضل الرجال على النساء في الدنيا ، ألا ترى إلى النساء كيف يحضن ولا يمكنهنّ العبادة من القذارة ، والرجال لا يصيبهم شيء من الطمث؟!

قال اليهودي : صدقت يا محمّد» (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (قانِتاتٌ) : «مطيعات» (٢).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ) يعني : تحفظ نفسها إذا غاب زوجها عنها (٣).

٤ ـ قال عليّ بن إبراهيم : وذلك إن نشزت المرأة عن فراش زوجها ، قال زوجها : اتّقي الله وارجعي إلى فراشك ، فهذه الموعظة ، فإن أطاعته فسبيل ذلك ، وإلّا سبّها ، وهو الهجر ، فإن رجعت إلى فراشها فذلك ، وإلّا ضربها ضربا غير مبرّح ، فإن أطاعته وضاجعته ، يقول الله : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) يقول : لا تكلّفوهنّ الحبّ فإنّما جعل الموعظة والسبّ والضرب لهنّ في المضجع (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً)(٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : في معنى الهجر : «يعول ظهره إليها» ، وفي معنى الضرب : «أنّه الضّرب بالسّواك» (٥).

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ١٦١ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٣٧.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٣٧.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٣٧.

(٥) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٦٩.

٤٣

* س ٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً)(٣٥) [النساء:٣٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا نشزت المرأة على الرجل فهي الخلعة ، فليأخذ منها ما قدر عليه ، وإذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشّقاق» (١).

٢ ـ قال سماعة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) ، أرأيت إن استأذن الحكمان. فقالا للرجل والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة : نعم. وأشهدا بذلك شهودا عليهما ، أيجوز تفريقهما؟ قال : «نعم ، ولكن لا يكون إلّا على طهر من المرأة من غير جماع من الزوج». قيل له : أرأيت إن قال أحد الحكمين : قد فرّقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرّق بينهما. فقال : «لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعا على التفريق ، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما» (٢).

* س ٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً)(٣٦) [النساء:٣٦]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، ح ١٢٢.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ١٤٦ ، ح ٤.

٤٤

إِحْساناً) : «الوالدان رسول الله وعليّ عليهما‌السلام» (١).

وقال ابن عباس ، في قول الله : (وَالْجارِ الْجُنُبِ) : «الذي ليس بينك وبينه قرابة (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) ـ قال ـ الصاحب في السّفر» (٢).

وقال علي بن إبراهيم في قول الله : (وَابْنِ السَّبِيلِ) : يعني أبناء الطريق الذين يستعينون بك في طريقهم (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعني الأهل والخادم ... (٣).

* س ٣٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً)(٣٧) [النساء:٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقالوا في معنى البخل ههنا قولان :

١ ـ أنه منع الواجب ، لأنه اسم ذم لا يطلق إلا على مرتكب كبيرة.

٢ ـ هو منع ما لا ينفع منعه ، ولا يضر بذله ، ومثله الشح ، وضده الجود.

والأول أليق بالآية ، لأنه تعالى نفى محبته عمن كان بهذه الصفة ، وذلك لا يليق إلا بمنع الواجب. قال الرماني : معناه منع الإحسان لمشقة الطباع ، ونقيضه الجود وهو بذل الإحسان لانتفاء مشقة الطباع ، وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، وابن زيد ، إن الآية نزلت في اليهود ، إذ بخلوا بإظهار ما علموه وكتموه وإنما ذكروا بالكفر لكتمانهم نعمة الله عليهم. والأمر بالبخل

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ١٠٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤١ ، ح ٣٠.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٣٨.

٤٥

يتناوله الوعيد ، كما أن من فعل اليسار والثروة اعتذارا في البخل ، وقوله : (وَأَعْتَدْنا) وهو معناه أعددناه ، وجعلناه ثابتا لهم و (لِلْكافِرِينَ) يعني الجاحدين ما أنعم الله عليهم (عَذاباً مُهِيناً) أي يهينهم ويذلهم (١).

* س ٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً)(٣٨) [النساء:٣٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ذم الله بهذه الآية من ينفق ماله رئاء الناس دون أن ينفقه لوجهه وطلب رضاه ، ولا يؤمن بالله أي لا يصدق به ، «ولا باليوم الآخر» الذي فيه الثواب والعقاب. ثم قال : (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) معناه من قبل من الشيطان ، وأطاعه فيما يدعوه إليه فبئس القرين قرينه. والقرين أصله الاقتران ، ومنه قرن الثور لاقتران بعض ببعض ، والقرن أهل العصر من الناس ، وقرنة الشيء حرفه ، والقرن المقاوم في الحرب ، (وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)(٢) أي مطيقين ، والقرين الصاحب المألوف. قال عدي بن زيد :

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه

فإن القرين بالمقارن يقتدى

ويمكن الإنسان الانفكاك من مقارنة الشيطان بالمخالفة له ، فلا يعتد بالمقارنة.

وقال أبو علي : لا يمكن ذلك ، لأنه يقرن به الشيطان في النار فلا يمكنه

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ١٩٦.

(٢) الزخرف : ١٣.

٤٦

الانفكاك منه ، وقوله : (فَساءَ قَرِيناً) نصب على التفسير ، كقوله : (ساءَ مَثَلاً) وتقديره : ساء مثلا مثل الذين ، وتقول : نعم رجلا ، وتقديره نعم الرجل رجلا (١).

* س ٣٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً)(٣٩) [النساء:٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى قوله (وَما ذا عَلَيْهِمْ) الآية الاحتجاج على المتخلفين عن الإيمان بالله واليوم الآخر بما عليهم فيه ولهم ، وذلك أنه يجب على الإنسان أن يحاسب نفسه فيما عليه وله ، فإذا ظهر له ما عليه في فعل المعصية من استحقاق العقاب اجتنبها ، وما له في تركها من استحقاق الثواب عمل في ذلك من الاختيار له ، أو الانصراف عنه. وفي ذلك دلالة على بطلان قول المجبرة في أن الكافر لا يقدر على الإيمان ، لأن الآية نزلت على أنه لا عذر للكافر في ترك الإيمان ، ولو كانوا غير قادرين لكان فيه أوضح العذر لهم ، ولما جاز أن يقال : «وما ذا عليهم لو آمنوا بالله» لأنهم لا يقدرون عليه ، كما لا يجوز أن يقال لأهل النار : ماذا عليهم لو خرجوا منها إلى الجنة ، من حيث لا يقدرون عليه ، ولا يجدون السبيل إليه ، ولذلك لا يجوز أن يقال للعاجز : ماذا عليه لو كان صحيحا ، ولا للفقير : ماذا عليه لو كان غنيا ...

ففي الآية تقريع على ترك الإيمان بالله واليوم الآخر ، وتوبيخ على الإنفاق مما رزقهم الله في غير أبواب البر وسبيل الخير على وجه الإخلاص ، دون الرياء.

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ١٩٧.

٤٧

وقوله : (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) معناه ههنا أن الله بهم عليم ، يجازيهم بما يسرون من قليل أو كثير ، فلا ينفعهم ما ينفقونه على جهة الرياء (١).

* س ٣٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً)(٤٠) [النساء:٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : في الآية دلالة على أن منع الثواب ظلم لأنه لو لم يكن ظلما لما كان لهذا الكلام معنى على هذا الترتيب. وفيه أيضا دلالة على أنه قادر على الظلم ، لأنها صفة تعظيم وتنزيه عن فعل ما يقدر عليه من الظلم ، ولو لم يكن قادر عليه لما كان فيه مدحة ، غير أنه وإن كان قادرا عليه فإنه لا يفعله لعلمه بقبحه ، وبأنه غني عنه ، ولأنه لو فعل لكان ظالما ، لأن الاشتقاق يوجب ذلك وذلك منزه عنه تعالى (٢).

* س ٤٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٤١) [النساء:٤١]؟!

الجواب : / ١ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «الأوصياء هم أصحاب الصراط وقوفا عليه ، لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم [وعرفوه ، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه ، لأنهم عرفاء الله عزوجل عرّفهم عليهم] عند أخذه المواثيق عليهم ، ووصفهم في كتابه ، فقال عزوجل : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)(٣) وهم

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ١٩٨.

(٢) التبيان : ج ٣ ، ص ٢٠٠ ـ ٢٠١.

(٣) الأعراف : ٤٦.

٤٨

الشهداء على أوليائهم ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهيد عليهم ، أخذ لهم مواثيق العباد بالطاعة ، وأخذ للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الميثاق بالطاعة ، فجرت نبّوته عليهم ، وذلك قول الله عزوجل : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً)(١).

وقال الإمام أبو جعفر عليه‌السلام : «يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم القيامة من كلّ أمّة بشهيد ، بوصيّ نبيّها وأوتي بك ـ يا عليّ ـ شهيدا على أمّتي يوم القيامة» (٢).

* س ٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٤٢) [النساء:٤٢]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : يتمنّى الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الذي اجتمعوا فيه على غصبه ، وأن لم يكتموا ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه (٣).

* س ٤٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً)(٤٣) [النساء:٤٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ، ولا متناعسا ، ولا متثاقلا ، فإنّها من خلال ـ أي خصال ـ النّفاق ، فإن الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى ، يعني من النوم» (٤).

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٢ ، ح ١٣١.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٣٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٢ ، ح ١٣٤.

٤٩

٢ ـ قال داود بن النعمان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمّم.

قال : «إنّ عمّارا أصابته جنابة ، فتمعّك (١) كما تتمعّك الدابّة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يهزأ (٢) به : يا عمّار ، تمعّكت كما تتمعّك الدابّة! فقلنا له : كيف التيمّم؟ فوضع يديه على الأرض ثمّ رفعهما ، فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلا» (٣).

٣ ـ قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : الحائض والجنب يدخلان المسجد أم لا؟ فقال : «لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ، إنّ الله يقول : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ويأخذان من المسجد الشيء ولا يضعان فيه شيئا» (٤).

٤ ـ قال قيس بن رمّانة لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتوضأ ثمّ أدعوا الجارية فتمسك بيدي ، فأقوم وأصلّي ، أعليّ وضوء؟

فقال : «لا».

قال : «فإنّهم يزعمون أنه اللّمس؟

قال : «لا والله ، ما اللّمس ، إلّا الوقاع» يعني الجماع.

ثمّ قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام بعدما كبر ، يتوضّأ ، ثمّ يدعو الجارية

__________________

(١) تمعّك : أي جعل يتمرّغ في التراب ويتقلّب كما يتقلّب الحمار.

(٢) قال الشيخ البهائي في (الأربعين) ٦٦ : أنّ الاستهزاء هنا ليس على معناه الحقيقي ، أعني السخرية ، بل المراد به نوع من المزاح والمطايبة ، ولأبعد في صدور ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى عمّار ونظرائه ، ويكون ذلك عن كمال اللطف بهم والمؤانسة معهم ، فإنّ الإنسان لا يمازح غالبا إلّا من يحبّه ، ولا قصور في المزاح بغير الباطل.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٧ ، ح ٥٩٨.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٣ ، ح ١٣٨.

٥٠

فتأخذ بيده ، فيقوم فيصلّي» (١).

٥ ـ قال أبو أيّوب ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «التيمّم بالصّعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير من ماء ، أليس الله يقول : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)!.

قال : قلت : فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت؟ قال : فقال : «قد مضت صلاته».

قال : قلت له : فيصلّي بالتيمّم صلاة أخرى؟ ، قال : «إذا رأى الماء وكان يقدر عليه انتقض التيمّم» (٢).

٦ ـ قال الحسين بن أبي طلحة : سألت العبد الصالح عليه‌السلام في قوله : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) ما حدّ ذلك ، فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء ، إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف أو بألف وكم بلغ؟ ، قال : «ذلك على قدر جدته» (٣).

* س ٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ)(٤٤) [النساء:٤٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) يعني ضلّوا في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) يعني أخرجوا الناس من ولاية أمير المؤمنين ، وهو الصراط المستقيم (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٣ ، ح ١٤٢.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٤ ، ح ١٤٣.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٤ ، ح ١٤٦.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٣٩.

٥١

* س ٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٤٦) [النساء:٤٥ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال الإمام العسكريّ عليه‌السلام : «قال موسى بن جعفر عليهما‌السلام: كانت هذه اللفظة (راعِنا) أي أرع أحوالنا ، واسمع منّا كما نسمع منك ، وكان في لغة اليهود معناه : السمع لا سمعت. فلمّا سمع اليهود المسلمين يخاطبون بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقولون : (راعِنا) ، ويخاطبون بها ، قالوا : كنّا نشتم محمّدا إلى الآن سرّا ، فتعالوا الآن نشتمه جهرا ، وكانوا يخاطبون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : (راعِنا) يريدون شتمه ، ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاريّ ، فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، أراكم تريدون سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهرا توهمونا أنّكم تجرون في مخاطبته مجرانا ، والله لا أسمعها من أحد منكم إلّا ضربت عنقه ، ولو لا أنّي أكره أن أقدم عليكم قبل التقدّم والاستئذان له ولأخيه ووصيّه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام القيّم بأمور الأمّة نائبا عنه فيها ، لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا. فأنزل الله : يا محمد (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ٤٦] ، وأنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا)(١) فإنّها لفظة يتوصّل بها أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشتمكم (وَقُولُوا انْظُرْنا)(٢) أي

__________________

(١) البقرة : ١٠٤.

(٢) نفس المصدر السابق.

٥٢

سمعنا وأطعنا ، قولوا بهذه اللفظة ، لا بلفظة راعنا ، فإنّه ليس فيها ما في قولكم : راعنا ، ولا يمكنهم أن يتوصّلوا إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا (وَاسْمَعُوا)(١) ما قال لكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا وأطيعوه (وَلِلْكافِرِينَ)(٢) يعني اليهود الشاتمين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣) وجيع في الدنيا إن عادوا لشتمهم ، وفي الآخرة بالخلود في النار» (٤).

* س ٤٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً)(٤٧) [النساء:٤٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب الله أهل الكتاب بالتخويف والتحذير فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) : أي أعطوا علم الكتاب ، (آمِنُوا) : أي صدقوا (بِما نَزَّلْنا) يعني : بما نزلناه على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرآن ، وغيره من أحكام الدين ، (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) من التوراة والإنجيل ، اللذين تضمنا صفة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصحة ما جاء به ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) : واختلف في معناه على أقوال أحدها : إن معناه من قبل أن نمحو آثار وجوهكم حتى تصير كالاقفية ، ونجعل عيونها في أقفيتها ، فتمشي القهقرى. وثانيها : إن المعنى : أن نطمسها عن الهدى ، فنردها على أدبارها في ضلالتها ، ذما لها بأنها لا تفلح أبدا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام. وثالثها : إن معناه : نجعل في وجوههم الشعر ، كوجوه القرود ، ورابعها : إن المراد : حتى نمحو آثارهم من وجوههم : أي نواحيهم التي هم بها ، وهي

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٤٧٨ ، ح ٣٠٥.

٥٣

الحجاز الذي هو مسكنهم ، ونردها على أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا وهو الشام ، وحمله على إجلاء بني النضير إلى أريحا ، وأذرعات ، من الشام ، وهذا أضعف الوجوه ، لانه ترك للظاهر. فإن قيل على القول الاول كيف أوعد سبحانه ، ولم يفعل؟ فجوابه على وجوه : أحدها : إن هذا الوعيد كان متوجها إليهم لو لم يؤمن واحد منهم ، فلما آمن جماعة منهم ، كعبد الله بن سلام ، وثعلبة بن شعبة ، وأسعد بن ربيعة ، وأسعد بن عبيدة ، ومخريق ، وغيرهم ، وأسلم كعب في أيام عمر ، رفع العذاب عن الباقين ، ويفعل بهم ذلك في الآخرة ، على أنه سبحانه قال : (أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا) والمعنى أنه يفعل أحدهما ، وقد لعنهم الله بذلك. وثانيها : إن الوعيد يقع بهم في الآخرة ، لانه لم يذكر أنه يفعل بهم ذلك في الدنيا ، تعجيلا للعقوبة. وثالثها : إن هذا الوعيد باق منتظر لهم ، ولا بد من أن يطمس الله وجوه اليهود ، قبل قيام الساعة ، بأن يمسخها. (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) : أي نخزيهم ونعذبهم عاجلا. وقيل : معناه نمسخهم قردة : (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) : يعني الذين اعتدوا في السبت ، وإنما قال سبحانه : (نَلْعَنَهُمْ) بلفظ الغيبة ، وقد تقدم خطابهم لأحد أمرين : إما للتصرف في الكلام كقوله (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) فخاطب ، ثم قال (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) فكنى عنهم ، وإما لأن الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه ، لانهم في حكم المذكورين. (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) فيه قولان : أحدهما : إن كل أمر من أمور الله سبحانه ، من وعد ، أو وعيد ، أو خبر ، فإنه يكون على ما أخبر به ، والآخر : إن معناه أن الذي يأمر به بقول كن كائن لا محالة ، وفي قوله سبحانه (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) دلالة على أن لفظة (قَبْلِ) تستعمل في الشىء ، أنه قبل غيره ، ولم يوجد ذلك لغيره ، ولا خلاف في أن استعماله يصح ، ولذلك يقال «كان الله سبحانه قبل خلقه» (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٩٩ ـ ١٠٠.

٥٤

* س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً)(٤٨) [النساء:٤٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو العبّاس : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟ قال : «من ابتدع رأيا ـ وقيل وليا ـ فأحبّ عليه أو أبغض» (١).

٢ ـ قال قتيبة الأعشى : سألت الصادق عليه‌السلام عن قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). قال : «دخل في الاستثناء كلّ شيء».

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : «دخل الكبائر في الاستثناء» (٢).

٣ ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «المؤمن على أيّ حال مات ، وفي أي يوم مات وساعة قبض ، فهو صدّيق شهيد ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لو أنّ المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذنوب.

ثمّ قال : من قال : لا إله إلّا الله بإخلاص ، فهو بريء من الشّرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة ثمّ تلا هذه الآية : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) من محبّيك وشيعتك ، يا عليّ».

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فقلت : يا رسول الله هذا لشيعتي؟» قال : إي وربّي ، إنّه لشيعتك ، وإنّهم ليخرجون [يوم القيامة] من قبورهم يقولون : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ بن أبي طالب حجّة الله ، فيؤتون بحلل خضر

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، ح ١٥٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، ح ١٥١ و ١٥٢.

٥٥

من الجنّة ، وأكاليل من الجنّة ، وتيجان من الجنّة ، [ونجائب من الجنّة] فيلبس كلّ واحد منهم حلّة خضراء ، ويوضع على رأسه تاج الملك وإكليل الكرامة ، ثمّ يركبون النجائب فتطير بهم إلى الجنّة (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(١)(٢).

* س ٤٧ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام في قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً)(٥٠) [النساء:٤٩ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هم الذين سمّوا أنفسهم بالصّدّيق ، والفاروق ، وذي النورين.

وقوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) قال : القشرة التي تكون على النّواة [ثم كنى عنهم] ، فقال : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) وهم ـ الذين غصبوا آل محمد حقهم ـ هؤلاء الثلاثة (٣).

* س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً)(٥٣) [النساء:٥١ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال بريد العجليّ : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزّ

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٤ ، ص ٢٩٥ ، ح ٨٩٢.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٤٠.

٥٦

وجلّ : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) فكان جوابه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) يقولون لأئمة الضّلالة والدعاة إلى النار : هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) يعني الإمامة والخلافة (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) نحن الناس الذين تمنى الله ، والنّقير : النقطة في وسط النواة ...» (٢).

* س ٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)(٥٤) [النساء:٥٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو الصّبّاح : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ). فقال : «يا أبا الصّباح ، نحن [والله الناس] المحسدون» (٣).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) : «جعل منهم الرسل والأنبياء والأئمّة ، فكيف يقرّون في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

قال قلت : (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)؟ قال : «الملك العظيم أن جعل فيهم أئمّة ، من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي جعفر الأحول مؤمن الطاق في قوله

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٩ ، ح ١.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٦٠ ، ح ٤.

(٤) شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ١٤٦ ، ح ٢٠٠.

٥٧

تعالى : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ) قال عليه‌السلام : «النبوّة» ، قال : (وَالْحِكْمَةَ) ، قال عليه‌السلام : «الفهم والقضاء» ... (١).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً)(٥٦) [النساء:٥٥ ـ ٥٦]؟!

الجواب / قال داود بن فرقد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وعنده إسماعيل ابنه ، يقول : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) الآية.

قال : فقال عليه‌السلام : الملك العظيم : افتراض الطاعة ، قال : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ).

قال : فقلت : أستغفر الله ، فقال لي إسماعيل : لم يا داود؟ قلت : لأنّي كثيرا قرأتها (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ).

قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّما هو ـ أي إنّ الصحيح والذي قرأته لك ـ ، فمن هؤلاء ولد إبراهيم من آمن بهذا ، ومنهم من صدّ عنه» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ) : يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام وهم سلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمّار (رضي الله عنهم) (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) [وهم غاصبوا آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّهم ومن تبعهم]. قال : فيهم نزلت (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) ثمّ ذكر عزوجل ما قد أعدّه لهؤلاء الذين قد تقدّم ذكرهم وغصبهم ، قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً)(٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٤٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٨ ، ح ١٦٢.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٤٠.

٥٨

٢ ـ سأل ابن أبي العوجاء الإمام الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) ما ذنب الغير؟

قال عليه‌السلام : «ويحك ، هي هي ، وهي غيرها».

قال : فمثّل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا ، قال : «نعم ، أرأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها ثمّ ردّها في ملبنها فهي هي ، وهي غيرها» (١).

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً)(٥٧) [النساء:٥٧] وما المقصود بالأزواج المطهرة؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ـ في هذه الآية ـ ثمّ ذكر المؤمنين المقرّين بولاية آل محمّد عليهم‌السلام (٢).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «الأزواج المطهّرة : اللاتي لا يحضن ولا يحدثن» (٣).

* س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً)(٥٨) [النساء:٥٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ) ـ إلى قوله ـ (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) : «إنّما عنى أن يؤدّي الإمام الأوّل منّا إلى الإمام الذي يكون بعده ، الكتب والسلاح».

__________________

(١) الاحتجاج : ج ٢ ، ص ٣٥٤.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٤١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٥٠ ، ح ١٩٥.

٥٩

وقوله : (إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) ، قال : «إذا ظهرتم حكمتم بالعدل الذي في أيديكم» (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) : «فينا نزلت ، والله المستعان» (٢).

* س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٥٩) [النساء:٥٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال بريد بن معاوية : تلا أبو جعفر عليه‌السلام : ـ قال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة ـ (٣) (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فإن خفتم في الأمر فارجعوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم ـ قال ـ كيف يأمر بطاعتهم ، ويرخّص في منازعتهم ، إنّما قال ذلك المأمورين الذين قيل لهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٤).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) : «هي في عليّ وفي الأئمّة عليهم‌السلام جعلهم الله مواضع الأنبياء ، غير أنّهم لا يحلّون شيئا ولا يحرّمونه» (٥).

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٩ ، ح ١٦٦.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، ح ١٥٣.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٤ ، ح ٢١٢.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٥٢ ، ح ١٧٣.

٦٠