التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

أنه الحق وقد يفصل بإلزام الحق والأخذ به كما يفصل الحكام بين الخصوم بما يقطع الخصومة وتثبت القضية. وقوله : (ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ) فالتولي هو الانصراف عن الشيء والتولي عن الحق ، الترك له. وهو خلاف التولي إليه ، لأن الإقبال عليه والتولي له فالله صدق النصرة والمعونة إليه ومنه تولي الله للمؤمنين.

وقوله : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) قال عبد الله بن كثير : إشارة إلى حكم الله في التوراة. وقال قوم هو إشارة إلى تحكيمك ، لأنهم ليسوا منه على ثقة ، وإنما طلبوا به الرخصة. وقوله : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) قيل في معناه قولان :

١ ـ وما هم بالمؤمنين بحكمك أنه من عند الله مع جحدهم نبوتك والعدول عما يعتقدونه حكما لله فيه لا على من يقرون بنبوته ، فبين أن حالهم ينافي حال المؤمن به.

٢ ـ قال أبو علي أن من طلب غير حكم الله من حيث لم يرض به فهو كافر بالله وهكذا هؤلاء اليهود (١).

* س ٣٤ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام لقوله تعالى :

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(٤٤) [المائدة:٤٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عمرو الزّبيريّ : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ ممّا استحقّت به الإمامة : التّطهير ، والطّهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٣١.

١٨١

توجب النار ، ثمّ العلم المنوّر بجميع ما تحتاج إليه الأمّة من حلالها وحرامها ، والعلم بكتابها ، خاصّه وعامّه ، والمحكم والمتشابه ، ودقائق علمه ، وغرائب تأويله ، وناسخه ومنسوخه».

قلت : وما الحجّة بأن الإمام لا يكون إلّا عالما بهذه الأشياء التي ذكرت؟

قال : «قول الله فيمن أذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) فهذه الأئمّة دون الأنبياء الذين يربّون الناس بعلمهم ، وأمّا الأحبار فهم العلماء دون الرّبانيّين ، ثمّ أخبر ، فقال : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) ولم يقل بما حملوا منه» (١).

٢ ـ عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حكم في درهمين بحكم جور ، ثمّ جبر عليه ، كان من أهل هذه الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(٢) ـ أي كفر ـ.

فقلت : يا بن رسول الله ، وكيف يجبر عليه؟ قال : «يكون له سوط وسجن فيحكم عليه ، فإن رضي بحكمه ، وإلّا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه» (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٢ ، ح ١١٨.

(٢) قال أبو العبّاس : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله فقد كفر». قلت : كفر بما أنزل الله ، أو بما نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال : «ويلك» ، إذا كفر بما أنزل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [أليس] قد كفر بما أنزل الله؟». (تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٤ ، ح ١٢٧).

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٣ ، ح ١٢٠.

١٨٢

* س ٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٤٥) [المائدة:٤٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يقتل المرأة متعمّدا ، فأراد أهل المرأة أن يقتلوه : «ذلك لهم ، إذا أدّوا إلى أهله نصف الدّية ، وإن قبلوا الدّية فلهم نصف دية الرجل ، وإن قتلت المرأة الرّجل قتلت به وليس لهم إلّا نفسها».

وقال : «جراحات الرجال والنساء سواء ، فسنّ المرأة بسنّ الرجل ، وموضحة (١) المرأة بموضحة الرجل ، وأصبع المرأة بإصبع الرجل ، حتى تبلغ الجراحة ثلث الدّية ، فإذا بلغت ثلث الدية أضعفت دية الرجل على دية المرأة» (٢).

٢ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، قال : «يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح أو غيره» (٣).

__________________

(١) الموضحة من الشّجاج : هي التي تبدي وضع العظم ، أي بياضه. «مجمع البحرين : وضح ، ج ٢ ، ص ٢٤٢».

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٢٩٨ ، ح ٢.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٣٥٨ ، ح ٢.

١٨٣

* س ٣٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٤٦) [المائدة:٤٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : قوله : (وَقَفَّيْنا) معناه أتبعنا ... وقوله (عَلى آثارِهِمْ) فالآثار جمع أثر وهو العسل الذي يظهر للحس ، وأثار القوم ما أبقوا من أعمالهم ، ومنه المأثرة ، وهي المكرمة التي يأثرها الخلف عن السلف ، لأنها عمل يظهر نصا المنفس ، والأثير الكريم على القوم لأنهم يؤثرونه بالبر ، ومنه الإيثار بالاختيار ، لأنه إظهار أحد العملين على الآخر واستأثر فلان بالشيء إذا اختاره لنفسه ، والهاء والميم في قوله : (آثارِهِمْ) قيل فيمن يرجع إليه قولان :

١ ـ إنهما يرجعان إلى النبيين الذين أسلموا.

٢ ـ يعودان على الذين فرض عليهم الحكم الذي مضى ذكره ، لأنه أقرب.

والأول أحسن في المعنى ، وهذا أجود في العربية.

وقوله : (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) نصب مصدقا على الحال. والمعنى أنه يصدق على ما مضى من التوراة الذي أنزلها الله على موسى ويؤمن بها. وإنما قال لما مضى قبله بين يديه لأنه إذا كان ما يأتي بعده خلفه ، فالذي مضى قبله قدامه وبين يديه.

وقوله (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) يعني عيسى أنزلنا عليه الإنجيل «فيه» يعني في الإنجيل «هدى» يعني بيان ، وحجة «ونور» عطف عليه و «مصدقا لما بين يديه من التوراة» نصب على الحال وليس ذلك بتكرير لأن الأول حال لعيسى عليه‌السلام

١٨٤

وأنه يدعوا إلى التصديق بالتوراة. والثاني ـ أن في الإنجيل ذكر التصديق بالتوراة وهما مختلفان و «هدى» في موضع نصب بالعطف على «مصدقا». و «موعظة» عطف على «هدى للمتقين». وإنما أضافه إلى المتقين ، لأنهم المنتفعون بها ... والمتقون هم الذين يتقون معاصي الله وترك واجباته خوفا من عقابه والوعظ والموعظة هو الزجر عما كرهه الله إلى ما يحبه الله والتنبيه عليه (١).

* س ٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤٧) [المائدة:٤٧]؟!

الجواب / بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى نزول الإنجيل ، أكدت الآية الأخيرة أن حكم الله يقضي أن يطبق أهل الإنجيل ما أنزله الله في هذا الكتاب من أحكام ، فتقول الآية : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ).

وبديهي أن القرآن لا يأمر بهذه الآية المسيحيين أن يواصلوا العمل بأحكام الإنجيل في عصر الإسلام ، ولو كان كذلك لناقض هذا الكلام الآيات القرآنية الأخرى بل لناقض أصل وجود القرآن الذي أعلن الدين الجديد ونسخ الدين القديم ، لذلك فالمراد من ذلك هو أن المسيحيين تلقوا الأوامر من الله بعد نزول الإنجيل بأن يعملوا بأحكام هذا الكتاب وأن يحكموها في جميع قضاياهم (٢).

وتؤكد هذه الآية ـ في النهاية ـ فسق الذين يمتنعون عن الحكم بما أنزل الله من أحكام وقوانين فتقول : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٤٠.

(٢) الأمثل : ج ٦ ، ص ٢٤.

(٣) سورة المائدة : ٤٧.

١٨٥

أقول : (لعل المراد من هذه الآية : (لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ) النصارى (بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) من صفة النبي العربي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) من النصارى العارفين بأحكام الإنجيل (بِما أَنْزَلَ اللهُ) في الإنجيل من صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ).

أي أولئك الذين لم يطيعوا ما أراد الله منهم بذكر صفة محمد العربي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرجوا من حدود العبودية والواجب).

* س ٣٨ : مما يلفت النظر إطلاق كلمة «الكافر» مرة و «الظالم» أخرى و «الفاسق» ثالثة ، في الآيات الثلاثة الأخيرة على الذين يمتنعون تطبيق أحكام الله ، ولعل هذا التنوع في إطلاق صفات مختلفة إنما هو لبيان شيء فما هو؟!

الجواب / أقول : إن هذا التنوع في إطلاق صفات مختلفة إنما هو لبيان أن لكل حكم جوانب ثلاثة :

أحدهما : ينتهي بالمشروع الذي هو الله.

والثاني : يمس المنفذين للحكم (الحاكم أو القاضي).

والثالث : يرتبط بالفرد أو الأفراد الذين يطبق عليهم الحكم.

أي أن كل صفة من الصفات الثلاث المذكورة قد تكون إشارة إلى واحد من الجوانب الثلاثة لأن الذي لا يحكم بما أنزل الله يكون قد تجاوز القانون الإلهي وتجاهله فيكون قد كفر بغفلته هذه ، ومن جانب آخر ارتكب الظلم والجور بابتعاده عن حكم الله ـ على إنسان بريء مظلوم ، وثالثا : يكون قد خرج عن حدود واجباته ومسؤوليته فيصبح بذلك من الفاسقين (لأن «الفسق» ، يعني الخروج عن حدود العبودية والواجب).

١٨٦

* س ٣٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(٤٨) [المائدة:٤٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يحلّف اليهوديّ ، ولا النّصراني ، ولا المجوسيّ بغير الله ، إنّ الله عزوجل يقول : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ)(١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) : لكلّ نبيّ شريعة وطريق (وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) أي يختبركم (٢).

* س ٤٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ)(٤٩) [المائدة:٤٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : إنما كرر الحكم بينهم ، لأمرين :

١ ـ أنهما حكمان أمر بهما جميعا لأنهم احتكموا إليه في زناء المحصن ثم احتكموا إليه في قتيل كان منهم وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢ ـ إن الأمر الأول مطلق والثاني دل على أنه منزل.

وقوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) نهي له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يتبع أهواءهم فيحكم بما

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٥١ ، ح ٤.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٧٠.

١٨٧

يهوونه.

وقوله : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) فيه قولان :

١ ـ قال ابن عباس : احذرهم أن يضلوك عن ذلك إلى ما يهوون من الأحكام إطماعا منهم في الاستجابة إلى الإسلام.

٢ ـ قال ابن زيد احذرهم أن يضلوك بالكذب عن التوراة بما ليس فيها فإني قد بينت لك حكمها.

قال الشعبي : الآية وإن خرجت مخرج الكلام على اليهود فإن المجوس داخلون فيها.

وقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) معناه فإن أعرضوا عن حكمك بما أنزل الله (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) قيل في معناه أربعة أقوال :

١ ـ أنه وإن ذكر لفظ الخصوص فإن المراد به العموم كما قد يذكر العموم ويراد به الخصوص.

٢ ـ أنه على تغليط العقاب أي يكفي أن يؤخذوا ببعض ذنوبهم في إهلاكهم والتدمير عليهم.

٣ ـ أن يعجل بعض العقاب بما كان من التمرد في الإجرام لأن ذلك من حكم الله في العباد.

٤ ـ إن المراد به إجلاء بني النضير بنقض العهد وقتل بني قريظة.

وقوله (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) معناه : تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اتباع هؤلاء القوم إلى إجابته والإقرار بنبوته بأن قليلا من الناس الذين يؤمنون ، وإن الأكثر هم الفاسقون ، فلا ينبغي أن يعظم ذلك عليك (١).

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٤٧.

١٨٨

* س ٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٥٠) [المائدة:٥٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «الحكم حكمان : حكم الله ، وحكم الجاهليّة ، وقد قال الله عزوجل : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، واشهدوا على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهليّة» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الحكم حكمان : حكم الله ، وحكم الجاهليّة ، فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهليّة» (٢).

* س ٤٢ : ما هو سبب نزول وتفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٥١) [المائدة:٥١]؟!

الجواب / نقل الكثير من المفسرين أن (عبادة بن صامت الخزرجي) قدم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد غزوة بدر وذكر له أن معه حلفاء من اليهود ذوي عدة وعدد ، وأكد للنبي أنه يريد البراءة من صداقتهم ومن عهده معهم ما داموا يهددون المسلمين بالحرب ، وقال بأنه يريد أن يكون حليفا لله ولنبيه دون سواهما ، أما عبد الله بن أبي فرفض التنصل من عهده مع اليهود ، واعتذر بأنه يخشى المشاكل وادعى أنه يحتاج إلى اليهود.

وأظهر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خشيته على عباده وعبد الله من صداقة اليهود مشيرا إلى أن خطر صداقة اليهود على عبد الله أكبر من خطرها على عبادة بن صامت ، فقال عبد الله بأنه ما دام الأمر كذلك فإنه سيتخلى عن صداقته وعهده مع

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٠٧ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٠٧ ، ح ٢.

١٨٩

اليهود ، فنزلت الآيات تحذر المسلمين من التحالف مع اليهود والنصارى (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من اتّقى منكم وأصلح فهو منّا أهل البيت».

قيل له : منكم يا بن رسول الله؟

قال : «نعم منّا ، أما سمعت قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ، وقول إبراهيم عليه‌السلام : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)(٢)» (٣).

* س ٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ)(٥٢) [المائدة:٥٢]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) وهو قول عبد الله بن أبيّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تنقض حكم بني النضير ، فإنّا نخاف الدوائر ، فقال الله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ)(٤).

وفي تأويلها قال داود الرّقي : سأل أبا عبد الله عليه‌السلام رجل وأنا حاضر عن قول الله : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ) ـ إلى قوله ـ (نادِمِينَ) ، فقال عليه‌السلام : «أذن في هلاك بني أميّة بعد إحراق زيد بسبعة أيام» (٥).

__________________

(١) الأمثل : ج ٤ ، ص ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) إبراهيم : ٣٦.

(٣) دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٦٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٧٠.

(٥) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٥ ، ح ١٣٣.

١٩٠

* س ٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ)(٥٣) [المائدة:٥٣]؟!

الجواب / أقول : تشير هذه الآية إلى مصير عمل المنافقين ، وتبين أنه حين يتحقق الفتح للمسلمين المؤمنين وتنكشف حقيقة عمل المنافقين ، يقول المؤمنون ـ بدهشة ـ : هل أن هؤلاء المنافقين هم أولئك الذين كانوا يتشدقون بتلك الدعاوى ويحلفون بالإيمان المغلظة ، بأنهم معنا فكيف وصل الأمر بهم إلى هذا الحد؟ حيث تقول الآية (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ...).

إن هؤلاء لنفاقهم هذا ذهبت أعمالهم أدراج الرياح ، لأنها لم تكن نابعة من نية خالصة صادقة ، ولهذا فقد أصبحوا من الخاسرين ـ سواء في هذه الدنيا أو الآخرة معا ـ حيث تؤكد الآية هذا الأمر بقولها : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).

والجملة الأخيرة تشبه ـ في الحقيقة ـ جوابا لسؤال مقدر ، وكأن شخصا يسأل : ماذا سيكون مصير هؤلاء؟ فيجاب بأن أعمالهم ستذهب أدراج الرياح ، وستطوقهم الخسارة من كل جانب ، أي أن هؤلاء ـ حتى لو كانت لهم أعمال صدرت عنهم بإخلاص ونية صادقة ـ لانحرافهم صوب النفاق والشرك بعد ذلك ، فهم لا يحصلون على أي نتيجة حسنة من تلك الأعمال الصالحة ....

١٩١

* س ٤٥ : من هم المذكورون في قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٥٤) [المائدة:٥٤]؟! وبمن نزلت؟!

الجواب / قال رجل : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، قال : «الموالي» (١).

وقال عليه‌السلام : «هم أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وأصحابه : حين قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين» (٢).

وروي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال يوم البصرة : «والله ، ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم» وتلا هذه الآية (٣).

وقال عليّ بن إبراهيم : هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين غصبوا آل محمّد (صلوات الله عليهم) حقّهم ، وارتدّوا عن دين الله (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) الآية. قال : نزلت في القائم وأصحابه ، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم» (٤).

* س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(٥٥) [المائدة:٥٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٧ ، ح ١٣٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٢١.

(٣) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٢٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٧٠.

١٩٢

وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) : «إنّما يعني أولى بكم ، أي أحقّ بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم (اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني عليّا وأولاده الأئمّة عليهم‌السلام إلى يوم القيامة. ثمّ وصفهم الله عزوجل فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام في صلاة الظهر ، وقد صلّى ركعتين ، وهو راكع ، وعليه حلّة قيمتها ألف دينار ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساه إيّاها ، وكان النّجاشيّ أهداها له ، فجاء سائل فقال : السّلام عليك يا وليّ الله ، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم ، تصدّق على مسكين. فطرح الحلّة (١) إليه وأومأ بيده إليه أن أحملها. فأنزل الله عزوجل فيه هذه الآية ، وصيّر نعمة أولاده بنعمته ، فكلّ من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة ـ وقيل الصفة ـ مثله ، فيتصدّقون وهم راكعون ، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام من الملائكة ، والذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة» (٢).

__________________

(١) وروي أنه أعطا السائل «خاتم» «الأمالي : ص ١٠٧ ، ح ٤) حتى أنه روي عن عمر بن الخطاب أنّه قال : والله لقد تصدّقت بأربعين خاتما ، وأنا راكع ، لينزل فيّ ما نزل في عليّ بن أبي طالب فما نزل ، (نفس المصدر).

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٢٢٨ ، ح ٣ وقد وردت نفس مضمون هذه الرواية في : فرائد السمطين : ج ١ ، ص ١٩٤ ، ح ١٥٣ ، الدر المنثور : ج ٣ ، ص ١٠٥ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ص ١٢٤ ، أحكام القرآن : ج ٤ ، ص ١٠٢ ، روضة الواعظين : ص ٩٢ ، أسباب النزول للواحدي : ص ١١٣ ، تفسير الرازي : ج ١٢ ، ص ٢٦ ، غاية المرام : ص ١٠٩ ، مسار الشيعة : ص ٥٨ ، مصباح المتهجّد : ص ٧٠٣ ، وغيرها من المصادر التي لا مجال لذكرها.

١٩٣

* س ٤٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ)(٥٦) [المائدة:٥٦]؟!

الجواب / عن ابن شهر آشوب عن الباقر عليه‌السلام : أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام (١).

وعنه ، قال : وفي (أسباب النزول) عن الواحديّ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني يحبّ الله ورسوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني عليّا (فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ) يعني شيعة الله ورسوله ، ووليّه (هُمُ الْغالِبُونَ) يعني هم الغالبون على جميع العباد ، فبدأ في هذه الآية بنفسه ، ثمّ بنبيّه ، ثمّ بوليّه ، وكذلك في الآية الثانية (٢).

* س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٥٧) [المائدة:٥٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : أكد سبحانه النهي عن موالاة الكفار فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً) أي : أظهروا الإيمان باللسان ، واستبطنوا الكفر ، فذلك معنى تلاعبهم بالدين. (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني : اليهود والنصارى. (وَالْكُفَّارَ) بالجر ، أي : ومن الكفار (أَوْلِياءَ) بطانة وأخلاء ، فيكون الهزء من الكتابي ومن المشرك والمنافق ، ويدل على استهزاء المشركين ، قوله سبحانه : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ويدل على استهزاء المنافقين

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٤.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٤.

١٩٤

قوله : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وكل من ذكرنا من المشركين ، والمنافقين ، ومن لم يسلم من اليهود والنصارى ، يقع عليه اسم كافر يدل على ذلك قوله (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ) فإذا وقع على المستهزئين اسم كافر حسن أن يكون قوله (وَالْكُفَّارَ) تبيينا للاسم الموصول ، وهو الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا ، كما كان قوله (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) تبيينا له ، ولو قال من الكفار فبين به ، لعم الجميع ، ولكن الكفار كان إطلاقه على المشركين أغلب ، وأهل الكتاب على من إذا عاهد دخل في ذمة المسلمين ، وقبلت منه الجزية ، وأقر على دينه ، أغلب ، فلذلك فصل بينهما.

وأما القراءة بالنصب ، فمعناه : لا تتخذوا المستهزئين من أهل الكتاب ، ولا تتخذوا الكفار أولياء (وَاتَّقُوا اللهَ) في موالاتهم بعد النهي عنها (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بوعده ووعيده أي : ليس من صفات المؤمنين موالاة من يطعن في الدين ، فمن كان مؤمنا غضب لإيمانه على من طعن فيه ، وكافأه بما يستحقه من المقت والعداوة (١).

* س ٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(٥٨) [المائدة:٥٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم أخبر سبحانه عن صفة الكفار الذين نهى الله المؤمنين عن موالاتهم ، فقال : (وَإِذا نادَيْتُمْ) أيها المؤمنون (إِلَى الصَّلاةِ) أي : دعوتم إليها (اتَّخَذُوها) أي اتخذوا الصلاة ، (هُزُواً وَلَعِباً) وقيل في معناه قولان :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٦٥.

١٩٥

١ ـ إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة ، تضاحكوا فيما بينهم ، وتغامزوا على طريق السخف والمجون (١) تجهيلا لأهلها ، وتنفيرا للناس عنها ، وعن الداعي إليها.

٢ ـ إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازىء بفعلها ، جهلا منهم بمنزلتها.

ـ قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ، وقيل فيه قولان :

١ ـ إنهم لا يعقلون ما لهم في إجابتهم لو أجابوا إليها من الثواب ، وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب.

٢ ـ إنهم بمنزلة من لا عقل له ، يمنعه من القبائح ، ويردعه عن الفواحش.

قال السدي : كان رجل من النصارى بالمدينة ، فسمع المؤذن ينادي : «أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله» فقال : حرق الكاذب. فدخلت خادمة له ليلة بنار وهو نائم وأهله. فسقطت بشرارة ، فاحترق هو وأهله ، واحترق البيت (٢).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ)(٥٩) [المائدة:٥٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثمّ أمر الله سبحانه رسوله بحجاجهم فقال (قُلْ) يا محمّد (يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا) أي : هل تنكرون منا. وقيل : هل تسخطون منا. وقيل : هل تكرهون منا. والمعاني متقاربة

__________________

(١) المجون : الصلابة والغلظة.

(٢) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٦٦.

١٩٦

(إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) فوجدناه ووصفناه بما يليق به من الصفات العلى ، ونزهناه عما لا يجوز عليه في ذاته وصفاته (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) من القرآن (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) على الأنبياء (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) ، قال الزجاج : معناه هل تكرهون إلا إيماننا وفسقكم أي : إنما كرهتم إيماننا ، وأنتم تعلمون أنا على الحق ، لأنكم فسقتم بأن أقمتم على دينكم لمحبتكم الرئاسة ، وكسبكم بها الأموال.

قال بعض أهل التحقيق : فعلى هذا يجب أن يكون موضع أن في قوله (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) نصبا بإضمار اللام على تأويل ولأن أكثركم فاسقون. وقيل : لما ذكر تعالى ما نقمه اليهود عليهم من الإيمان بجميع الرسل ، وليس هو مما ينقم ذكر في مقابلته فسقهم ، وهو مما ينقم ، ومثل هذا يحسن في الازدواج ، يقول القائل : هل تنقم مني إلا أني عفيف وأنك فاجر؟ وإلا أني غني وأنك فقير؟ فيحسن ذلك لإتمام المعنى بالمقابلة ، ومعنى (فاسِقُونَ) : خارجون عن أمر الله طلبا للرئاسة ، وحسدا على منزلة النبوة ، والمراد بالأكثر من لم يؤمن منهم ، لأن قليلا من أهل الكتاب آمن. وقيل في قوله : (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) قول آخر ذكره أبو علي الجرجاني صاحب النظم قال : يجعله منظوما بقوله (آمَنَّا بِاللهِ) على تأويل آمنا بالله ، وبأن أكثركم فاسقون. فيكون موضع أن جر بالباء ، وهذا وجه حسن (١).

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ)(٦٠) [المائدة:٦٠]؟!

الجواب / قال الإمام العسكريّ عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمر

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٦٧.

١٩٧

الله عباده أن [يسألوه طريق المنعم عليهم ، وهم النبيّون والصدّيقون والشهداء والصالحون ، و] يستعيذوا [به] من طريق المغضوب عليهم ، وهم اليهود الّذين قال الله تعالى فيهم : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ) ـ إلى قوله ـ (الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(١).

* س ٥٢ : ما المقصود بقوله تعالى :

(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ)(٦١) [المائدة:٦١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : نزلت في عبد الله بن أبيّ لمّا أظهر الإسلام (وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ) قال : وقد خرجوا به من الإيمان (٢).

* س ٥٣ : ما هو معنى (السّحت) في قوله تعالى :

(وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦٢) [المائدة:٦٢]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في معنى السحت نذكر منها :

١ ـ قال عمار بن مروان : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الغلول؟ فقال : «كلّ شيء غلّ من الإمام فهو سحت ، وأكل مال اليتيم وشبهه سحت ، والسّحت أنواع كثيرة ، منها : أجور الفواجر ، وثمن الخمر ، والنّبيذ المسكر ، والرّبا بعد البيّنة ، أمّا الرّشا في الحكم ، فإنّ ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٣).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ج ٥٠ ، ص ٢٣.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٧٠.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ١٢٦.

١٩٨

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «السّحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر ، ومهر البغيّ ، والرّشوة في الحكم ، وأجر الكاهن» (١).

٣ ـ سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قاض بين قريتين يأخذ من السّلطان على القضاء الرّزق؟ فقال : «ذلك السّحت» (٢).

٤ ـ قال أبو عبد الله العامري : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثمن الكلب الذي لا يصيد ، فقال : «سحت وأمّا الصّيود فلا بأس» (٣).

* س ٥٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٦٣) [المائدة:٦٣]؟!

الجواب / في بداية الأمر يجب أن نعرف بأن الأحبار هم علماء اليهود ، والربانيون هم علماء المسيح. وقال عمر بن رياح : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : بلغني أنّك تقول : من طلّق لغير السّنّة أنّك لا ترى طلاقه شيئا؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما أقوله ، بل الله عزوجل يقوله ، أما والله لو كنّا نفتيكم بالجور ، لكنّا شرّا منكم ، لأن الله عزوجل يقول : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ) الآية (٤).

أقول : وقد تقدم معنى السّحت في السؤال السابق.

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ١٢٦ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٠٩ ، ح ١.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ١٢٧ ، ح ٥.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٥٧ ، ح ١.

١٩٩

* س ٥٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)(٦٤) [المائدة:٦٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(١) : «لم يعنوا أنه هكذا ، ولكنهم قد قالوا : قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص (٢) ، فقال الله جلّ جلاله تكذيبا لقولهم : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ)(٣) أو لم تسمع الله عزوجل يقول : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)(٤)؟» (٥).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا

__________________

(١) معنى اليد : وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في معنى اليد منها قال هشام المشرقي : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : (بل يداه مبسوطتان) ، فقلت له : يدان هكذا؟ وأشرت بيدي إلى يديه ، فقال : «لا لو كان هكذا لكان مخلوقا» (التوحيد : ص ١٦٨ ، ح ٢).

وقال محمد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت : قوله عزوجل : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥]؟ فقال : «اليد في كلام العرب القوّة والنعمة. قال : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) [ص : ١٧] ، وقال : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أي بقوّة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧] وقال : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة : ٢٢] أي قوّاهم وقال : لفلان عندي يد بيضاء. أي نعمة». (معاني الأخبار : ١٥ / ٨).

(٢) أي لا يحدث غير ما قد قدّره في التقدير الأول.

(٣) أي يقدّم ويؤخّر أو يزيد وينقص ، وله البداء والمشيئة.

(٤) الرعد : ٣٩.

(٥) التوحيد : ص ١٦٧ ، ح ١.

٢٠٠