التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

* س ٤٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠) قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٧١) [الأنعام:٧٠ ـ ٧١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ قال : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) يعني الملاهي (وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) أي تسلم (بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) يعني يوم القيامة لا يقبل منها فداء ولا صرف (أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا) أي أسلموا بأعمالهم (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ).

قال : وقال احتجاجا على عبدة الأوثان : (قُلْ) لهم (أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ).

وقوله : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) أي خدعتهم (فِي الْأَرْضِ) فهو (حَيْرانَ) وقوله : (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا) يعني ارجح إلينا ، وهو كناية عن إبليس فردّ الله عليهم ، فقال (قُلْ) لهم يا محمّد : (إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٤.

٢٨١

* س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٧٢) [الأنعام:٧٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : المعنى : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) : هذا موصول بما قبله أي : وقيل لنا أقيموا الصلاة (وَاتَّقُوهُ) أي : واتقوا رب العالمين أي : تجنبوا معاصيه فتتقوا عقابه (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي : تجمعون إليه يوم القيامة ، فيجازي كل عامل منكم بعمله ... (١).

أقول : هذه الآيات القصار تكشف عن البرنامج الذي يدعو إليه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتألف من أربعة مبادىء تبدأ بالتوحيد وتنتهي بالمعاد ، وبينهما مرحلتان متوسطتان هما إحكام الارتباط بالله والاتقاء من كل ذنب.

* س ٤٧ : ماذا يعني (الغيب والشهادة) في قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(٧٣) [الأنعام:٧٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الغيب : ما لم يكن ، والشّهادة : ما قد كان» (٢).

* س ٤٨ : هل كان آزر أبا لإبراهيم عليه‌السلام كما بينه قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٧٤) [الأنعام:٧٤]؟!

الجواب / لم يكن آزر أبا حقيقيا لنبي الله إبراهيم عليه‌السلام بل كان أبا له في التربية ، كما ستبيه الروايات الصادرة من أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٦.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

٢٨٢

روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنّ آزر كان أبا إبراهيم في التربية» وروي في حديث عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ» (١) ، قال في القاموس : تارح ـ كآدم ـ أبو إبراهيم الخليل عليه‌السلام (٢).

وقال الطبرسي في (جوامع الجامع) ولا خلاف بين النّسّابين أنّ اسم أبي إبراهيم تارخ. قال : قال أصحابنا : إنّ آزر كان جدّ إبراهيم عليه‌السلام لأمّه. وروي أيضا أنّه كان عمّه. وقالوا : إنّ آباء نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى آدم موحّدين. ورووا عنه عليه‌السلام قوله : «لم يزل ينقلنا الله تعالى من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام المطهّرات» (٣).

وقال الله عزوجل : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)(٤) ، وقال أيضا حكاية عن يعقوب عليه‌السلام وبنيه : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) ففي الآية أطلق على أنّ إسماعيل من آباء يعقوب ، وإنّما هو عمّه.

* س ٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(٧٥) [الأنعام:٧٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ : «كشط لإبراهيم السماوات السّبع حتى نظر إلى ما فوق العرش ، وكشط له الأرض حتّى رأى ما في الهواء ، وفعل بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك ، وإنّي لأرى صاحبكم والأئمّة من

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١ ، ص ٤٢ ، ح ٣١.

(٢) القاموس المحيط ـ ترح ـ ج ١ ، ص ٢٢٤.

(٣) جوامع الجامع : ص ١٢٩.

(٤) الشعراء : ٢١٩.

٢٨٣

بعده قد فعل بهم مثل ذلك» (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «أعطي بصره من القوّة ما نفذ السماوات فرأى ما فيها ورأى العرش وما فوقه ، ورأى ما في الأرض وما تحتها» (٢).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(٧٩) [الأنعام:٧٦ ـ ٧٩]، وقوله تعالى (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٨٣) [الأنعام:٨٣]؟!

الجواب / قال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى عليهم‌السلام فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك أنّ الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى».

قال : فسأله عن آيات من القرآن في الأنبياء عليهم‌السلام ، فكان فيما سأله أن قال له : فأخبرني عن قول الله عزوجل في إبراهيم عليه‌السلام : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي).

فقال الرّضا عليه‌السلام : «إنّ إبراهيم عليه‌السلام وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزّهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشّمس ، وذلك حين خرج من السّرب (٣) الذي أخفي فيه ، فلمّا جنّ عليه الليل فرأى الزهرة قال : هذا ربّي؟!

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ١٢٧ ، ح ٢.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ٣٦.

(٣) السّرب : حجر الوحشي ، أو حفير تحت الأرض لا منفذ له.

٢٨٤

على الإنكار والاستخبار ، فلمّا أفل الكوكب قال : لا أحبّ الآفلين لأنّ الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم ، فلمّا رأى القمر بازغا قال : هذا ربّي؟! على الإنكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لئن لم يهدني ربّي لأكوننّ من القوم الضّالين (١) ، فلمّا أصبح ورأى الشمس بازغة قال : هذا ربّي؟! هذا أكبر من الزّهرة والقمر ، على الإنكار والاستخبار ، لا على الإخبار والإقرار ، فلمّا أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزّهرة والقمر والشمس : (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

وإنّما أراد إبراهيم عليه‌السلام بما قال أن يبيّن لهم بطلان دينهم ، ويثبت عندهم أنّ العبادة لا تحقّ لما كان بصفة الزّهرة والقمر والشّمس ، وإنما تحقّ العبادة لخالقها ، وخالق السّماوات والأرض ، وكان ما احتجّ به على قومه مما ألهمه الله عزوجل وآتاه كما قال عزوجل : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ). فقال المأمون : لله درّك ، يا بن رسول الله (٢).

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٨٠) وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٨١) [الأنعام:٨٠ ـ ٨١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «.... وكان آزر كلّما نظر إلى

__________________

(١) قال أبو جعفر عليه‌السلام : ـ في هذا القول ـ «أي ناس للميثاق». (تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ٣٩).

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٩٧ ، ح ١.

٢٨٥

إبراهيم عليه‌السلام أحبّه حبّا شديدا ، وكان يدفع إليه الأصنام ليبيعها كما يبيع أخوته ، فكان يعلّق في أعناقها الخيوط ، ويجرّها على الأرض ويقول : من يشتري ما لا يضرّه ولا ينفعه؟! ويغرقها في الماء والحمأة ويقول لها : اشربي وكلي وتكلّمي ، فذكر إخوته ذلك لأبيه فنهاه ، فلم ينته ، فحبسه في منزله ولم يدعه يخرج. وحاجّه قومه ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) أي بيّن لي (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) ثمّ قال لهم : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي أنا أحقّ بالأمن حيث أعبد الله ، أو أنتم الذين تعبدون الأصنام!!» (١).

* س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(٨٢) [الأنعام:٨٢]؟!

الجواب / اختلفت الروايات عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في قوله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بشك» (٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو الشّرك» (٣).

٣ ـ عن يعقوب بن شعيب ، عنه عليه‌السلام ، قال : «الضّلال وما فوقه» (٤).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «آمنوا بما جاء به محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولاية ، ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان ، فهو اللّبس بظلم».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٤.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ١٤ ، ح ١.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٦ ، ح ٤٧.

٢٨٦

وقال : «أمّا الإيمان فليس يتبعّض كلّه ، ولكن يتبعّض قليلا قليلا بين الضّلال والكفر».

قال عبد الرحمن بن كثير الهاشمي : قلت : بين الضّلال والكفر منزلة؟ قال : «ما أكثر عرى الإيمان» (١).

٥ ـ قال أبو بصير ، سألته عن قول الله : «الآية» ، قال : «نعوذ بالله ـ يا أبا بصير ـ أن تكون ممّن لبس إيمانه بظلم». ثمّ قال : «أولئك الخوارج وأصحابهم» (٢).

ملاحظة : تفسير الآية رقم (٨٣) تقدم في سؤال (٥٠).

* س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٥) وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ (٨٦) وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٨٧) ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)(٩٠) [الأنعام:٨٤ ـ ٩٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا) لنجعلها في أهل بيته (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) لنجعلها

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٧ ، ح ٤٩.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٧ ، ح ٥٠.

٢٨٧

من أهل بيته ، فأمر العقب من ذرّيّة الأنبياء من كان قبل إبراهيم ولإبراهيم» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم عليه‌السلام من قبل النّساء» ثمّ تلا : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ) إلى آخر الآيتين ، وذكر عيسى عليه‌السلام» (٢).

٣ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «قال الله تبارك وتعالى في كتابه (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ) إلى قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) إلى قوله : (بِها بِكافِرِينَ) فإنّه من وكّل بالفضل من أهل بيته ، والإخوان والذرّيّة ، وهو قول الله إن يكفر به أمّتك ، يقول : فقد وكّلت أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون به أبدا ، ولا أضيّع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك بعدك ، علماء أمّتك ، وولاة أمري بعدك وأهل استنباط علم الدّين ، ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء» (٣).

٤ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : قول الله عزوجل : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا) يعني الأنبياء الذين تقدّم ذكرهم (لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ثمّ قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) يعني أصحابه وقريشا ومن أنكر بيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) يعني شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ قال تأديبا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) يا محمّد. ثمّ قال : (قُلْ) لقومك (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) يعني على النّبوّة والقرآن (أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)(٤).

٥ ـ قال الرضا عليه‌السلام : «أنّ رجلا أتى عبد الله بن الحسن ، وهو

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٧ ، ح ٥١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٧ ، ح ٥٢.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٩ ، ح ٥٧.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٩ ، ح ٥٦.

٢٨٨

بالسبالة (١) فسأله عن الحجّ ، فقال له : هذاك جعفر بن محمد قد نصب نفسه لهذا فاسأله ، فأقبل الرجل إلى جعفر عليه‌السلام فسأله ، فقال له : قد رأيتك واقفا على عبد الله بن الحسن ، فما قال لك؟

قال : سألته فأمرني أن آتيك ، وقال : هذاك جعفر بن محمد ، نصب نفسه لهذا.

فقال جعفر عليه‌السلام : نعم أنا من الذين قال الله في كتابه : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) سل عمّا شئت فسأله الرجل ، فأنبأه عن جميع ما سأله» (٢).

* س ٥٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(٩١) [الأنعام:٩١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله لا يوصف ، وكيف يوصف وقد قال في كتابه : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)؟ فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) : لم يبلغوا من عظمة الله أن يصفوه بصفاته (إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ)

__________________

(١) بنو سبالة : قبيلة ، والسّبال : موضع بين البصرة والمدينة «القاموس المحيط ـ سبل ـ ج ٣ ، ص ٤٠٤».

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٨ ، ح ٥٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٨٠ ، ح ١١.

٢٨٩

وهم قريش واليهود ، فردّ الله عليهم واحتجّ وقال : (قُلْ) لهم يا محمد (مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها) يعني تقرءون ببعضها (وَتُخْفُونَ كَثِيراً) يعني من أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) يعني فيما خاضوا فيه من التكذيب (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ) ـ إلى قوله ـ (قَراطِيسَ تُبْدُونَها) : «كانوا يكتمون ما شاءوا ويبدون ما شاءوا» (٢).

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام قال : «كانوا يكتبونه في القراطيس ، ثم يبدون ما شاءوا ويخفون ما شاءوا». وقال : «كلّ كتاب أنزل فهو عند أهل العلم» (٣).

* س ٥٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٩٢) [الأنعام:٩٢]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القميّ : ثمّ قال : (وَهذا كِتابٌ) يعني القرآن (أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني التوراة والإنجيل والزّبور (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) يعني مكّة ، وإنّما سميت أم القرى لأنّها أوّل بقعة خلقت (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالنبي والقرآن (وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٤).

وقال عليّ بن أسباط : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : لم سمّي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمّي؟

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٩ ، ح ٥٨.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٩ ، ح ٥٩.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٠.

٢٩٠

قال : «نسب إلى مكّة ، وذلك من قول الله : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) وأمّ القرى : مكّة ، فقيل أمّي لذلك» (١).

* س ٥٦ : ما هو سبب نزول وتفسير قوله تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(٩٤) [الأنعام:٩٣ ـ ٩٤]؟!

الجواب / ـ سبب النزول ـ :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، كان أخا لعثمان [بن عفان] من الرّضاعة ، قدم إلى المدينة وأسلم ، وكان له خطّ حسن ، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوحي ، فكان إذا قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (سَمِيعٌ بَصِيرٌ) يكتب : سميع عليم ، وإذا قال : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) يكتب : بصير ، ويفرّق بين التاء والياء. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : هو واحد. فارتدّ كافرا ورجع إلى مكّة ، وقال لقريش : والله ما يدري محمّد ما يقول ، أنا أقول مثل ما يقول ، فلا ينكر عليّ ذلك ، فأنا أنزل مثل ما أنزل الله. فأنزل الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) ـ إلى قوله ـ (مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ)(٢).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ٨٦.

(٢) قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام في هذه الآية : «من ادّعى الإمامة دون الإمام عليه‌السلام». (تفسير العياشيّ : ج ١ ، ص ٣٧٠ ، ح ٦١).

٢٩١

فلمّا فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة أمر بقتله ، فجاء به عثمان ، وقد أخذ بيده ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ، فقال : يا رسول الله ، اعف عنه ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ أعاد فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ أعاد ، فقال : هو لك ، فلمّا مرّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألم أقل : من رآه فليقتله؟ فقال رجل : كانت عيني إليك ـ يا رسول الله ـ أن تشير إليّ فأقتله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الأنبياء لا يقتلون بالإشارة. فكان من الطّلقاء» (١).

٢ ـ التفسير :

قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ حكى الله عزوجل ما يلقى أعداء آل محمّد عليه‌السلام عند الموت ، فقال : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) آل محمّد حقّهم (فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ) ـ إلى قوله ـ (عَذابَ الْهُونِ) قال : العطش (٢) (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) قال : ما أنزل الله في آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجحدون به ، ثمّ قال : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) ـ إلى قوله ـ (زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) والشّركاء : أئمّتهم (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أي المودّة (وَضَلَّ عَنْكُمْ) أي بطل (ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(٣).

* س ٥٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٩٥) [الأنعام:٩٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل لمّا أراد أن يخلق آدم عليه‌السلام بعث جبرائيل عليه‌السلام في أوّل ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة بلغت من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأخذ من كلّ سماء تربة ثمّ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٠.

(٢) هو المروي عن الصادق والباقر عليه‌السلام.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١١.

٢٩٢

قبض قبضة بلغت من السماء السابعة إلى السماء الدنيا ، وأخذ من كلّ سماء تربة ، ثمّ قبض قبضة أخرى ، من الأرض السابقة العليا إلى الأرض السابعة القصوى ، فأمر الله عزوجل كلمته فأمسك القبضة الأولى بيمينه ، والقبضة الأخرى بشماله ، ففلق الطين فلقتين فذرا من الأرض ذروا ومن السموات ذروا ، فقال للذي بيمينه : منك الرّسل والأنبياء والأوصياء والصدّيقون والمؤمنون والشهداء ومن أريد كرامته. فوجب لهم ما قال كما قال. وقال للذي بشماله : منك الجبّارون والمشركون والمنافقون والطواغيت ومن أريد هوانه وشقوته. فوجب لهم ما قال كما قال. ثمّ إن الطينتين خلطتا جميعا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) فالحبّ : طينة المؤمنين التي ألقى الله عليها محبّته ، والنّوى : طينة الكافرين الذين نأوا عن كلّ خير ، وإنّما سمّي النّوى من أجل أنّه نأى من الحقّ وتباعد منه.

وقال الله عزوجل : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) ، فالحيّ : المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر ، والميّت الذي يخرج من الحيّ : هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن ، فالحيّ : المؤمن ، والميّت : الكافر ، وذلك قول الله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(١) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر ، وكان حياته حين فرّق الله عزوجل بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله عزوجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور ، وذلك قول الله عزوجل : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٢)» (٣).

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) يس : ٧٠.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤ ، ح ٧.

٢٩٣

* س ٥٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(٩٦) [الأنعام:٩٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «تزوّجوا باللّيل فإنّ الله جعله سكنا ، ولا تطلبوا الحوائج باللّيل فإنّه مظلم» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم القميّ : في قوله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) فقوله (فالِقُ الْإِصْباحِ) يعني يجيء بالنهار والضّوء بعد الظلمة» (٢).

* س ٥٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)(٩٨) [الأنعام:٩٧ ـ ٩٨]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، النّجوم : آل محمّد (عليهم الصلاة والسّلام). قال : وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) قال : آدم ، (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) قال : المستقرّ : الإيمان الذي يثبت في قلب الرجل إلى أن يموت ، والمستودع : هو المسلوب منه الإيمان (٣).

وقال أبو الحسن عليه‌السلام : «إنّ الله خلق النبيّين على النبوّة ، فلا يكونون إلّا أنبياء ، وخلق المؤمنين على الإيمان فلا يكونون إلّا مؤمنين ، وأعار قوما

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٧١ ، ح ٦٨.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١١.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١١.

٢٩٤

إيمانا فإن شاء تمّمه لهم ، وإن شاء سلبهم إيّاه ـ قال ـ وفيهم حبرت (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ).

وقال : «إنّ فلانا كان مستودعا إيمانه فلمّا كذب علينا سلبه [الله] إيمانه ذلك» (١).

* س ٦٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٠١) [الأنعام:٩٩ ـ ١٠١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) يعني بعضه على بعض (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) وهو العنقود (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) يعني البساتين.

قال : وقوله : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) أي بلوغه (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) قال : وكانوا يعبدون الجن (الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أي موّهوا وزخرفوا [وقيل وحرفوا] ، فقال الله عزوجل ردّا عليهم : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٦ ، ح ٤.

٢٩٥

وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «إن الله عزوجل ابتدع الأشياء كلّها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السّماوات والأرضين ولم يكن قبلهنّ سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ)(٢)؟» (٣).

* س ٦١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)(١٠٢) [الأنعام:١٠٢]؟!

الجواب / أقول : بعد ذكر خالقية الله لكل شيء ، وإبداعه السموات والأرض وإيجادها ، وكونه منزها عن الصفات والعوارض الجسمية وعن الحاجة إلى الزوجة والأبناء وإحاطته العلمية بكل شيء تقول الآية على سبيل الاستنتاج من كل ما سبق : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) فلا يستحق العبودية غيره.

ولكي ينقطع كل أمل بغير الله ، وتنقلع كل جذور الشرك والاعتماد على غير الله ، تختتم الآية بالقول : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).

أي أنّ مفتاح حل مشاكلكم بيده وحده ، وما من أحد غيره قادر على حلها إذ ما من أحد ـ غيره ـ إلّا وهو محتاج إلى إحسانه وكرمه ، فلا موجب إذن لأن تطرح مشاكلك على غيره ، وتطلب حلها من غيره. لاحظ أنّ العبارة تقول : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ولم تقل : لكل شيء وكيل ، واختلاف المعنى واضح لأن «على» تفيد التسلط ونفوذ الأمر ، أما «اللام» فتفيد التبعية ، أي أن

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٢.

(٢) هود : ٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢٠٠ ، ح ٢.

٢٩٦

التعبير الأول يدل على الولاية والرعاية ، والثاني يدل على التمثيل والوكالة.

* س ٦٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣) قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)(١٠٤) [الأنعام:١٠٣ ـ ١٠٤]؟!

الجواب / قال هاشم الجعفري : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).

فقال عليه‌السلام : «يا أبا هاشم ، أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السّند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك ، وأوهام القلوب لا تدركه ، فكيف أبصار العيون» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) : «إحاطة الوهم ، ألا ترى إلى قوله : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) ليس يعني بصر العيون (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ) ليس يعني من البصر بعينه ، (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها)(٢) ليس يعني عمى العيون ، إنّما عنى إحاطة الوهم ، كما يقال : فلان بصير بالشّعر ، وفلان بصير بالفقه ، وفلان بصير بالدّراهم ، وفلان بصير بالثّياب ، الله أعظم من أن يرى بالعين» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٧٧ ، ح ١٠.

(٢) قال علي بن إبراهيم القميّ : يعني عمى النّفس ، وذلك لاكتسابها المعاصي ، وهو ردّ على المجبرة الذين يزعمون أنه ليس لهم فعل ولا اكتساب. (تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٢).

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٧٦ ، ح ٩.

٢٩٧

* س ٦٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(١٠٥) [الأنعام:١٠٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ ـ في هذه الآية ـ : كانت قريش تقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الذي تخبرنا به من الأخبار نتعلّمه من علماء اليهود وتدرسه (١).

* س ٦٤ : هل إن قوله تعالى :

(اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(١٠٦) [الأنعام:١٠٦]؟! منسوخ أم لا؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : منسوخ بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(٢)» (٣).

* س ٦٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(١٠٧) [الأنعام:١٠٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) فهو الذي يحتجّ به المجبّرة : إنّا بمشيئة الله نفعل كلّ الأفعال ، وليس لنا فيها صنع ، فإنّما معنى ذلك أنّه لو شاء الله أن يجعل الناس كلّهم معصومين حتّى كان لا يعصيه أحد لفعل ذلك ، ولكن أمرهم ونهاهم وامتحنهم وأعطاهم ما أزال علّتهم ، وهي الحجّة عليهم من الله ، يعني الاستطاعة ، ليستحقوا الثّواب والعقاب ، وليصدّقوا ما قال الله من التفضّل والمغفرة والرّحمة والعفو والصّفح (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٢.

(٢) التوبة : ٥.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٢.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٢.

٢٩٨

أقول : «الحفيظ» هو من يراقب أمرا أو شخصا ليحفظه من أن يصاب بضرر ، أما «الوكيل» فهو من يسعى لإحراز النفع لموكله.

* س ٦٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٠٩) [الأنعام:١٠٨ ـ ١٠٩]؟!

الجواب / ـ سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الشّرك أخفى من دبيب النّمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء».

فقال عليه‌السلام : «كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله ، فكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون ، فنهى الله المؤمنين عن سبّ آلهتهم لكي لا يسبّ الكفّار إله المؤمنين ، فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله تعالى من حيث لا يعلمون ، فقال : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ)(١).

ـ وفي رواية قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعمر الطّيالسي ـ في هذه الآية عند ما سأله عنها ـ : «يا عمر ، هل رأيت أحدا يسبّ الله؟» قال : فقلت : جعلني الله فداك فكيف؟ قال : «من سبّ وليّ الله فقد سب الله» (٢).

ـ وقال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) يعني بعد اختبارهم ودخولهم فيه ، فنسبه الله إلى نفسه ، والدّليل على أنّ ذلك لفعلهم المتقدّم قوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٨٠.

٢٩٩

يَعْمَلُونَ) ثمّ حكى قولهم ، وهم قريش فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها) فقال الله عزوجل : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) يعني قريشا (١).

* س ٦٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(١١٠) [الأنعام:١١٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) : «ننكّس قلوبهم فيكون أسفل قلوبهم أعلاها ، ونعمي أبصارهم فلا يبصرون الهدى».

وقال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : إنّ أوّل ما تغلبون عليه من الجهاد : الجهاد بأيديكم ، ثمّ الجهاد بألسنتكم ، ثمّ الجهاد بقلوبكم ، فمن لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر منكرا نكس قلبه فجعل أسفله أعلاه ، فلا يقبل خيرا أبدا.

(كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يعني في الذّرّ والميثاق (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي يضلون ـ [وفي طبعة أخرى ـ يغلبون ـ] ـ» (٢).

* س ٦٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)(١١١) [الأنعام:١١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ عرّف الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما في ضمائرهم بأنّهم منافقون ، فقال : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢١٣.

٣٠٠