التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

فقال : اخرجوا منها سالمين. فخرجوا لم يصبهم شيء. وقال الآخرون : يا ربّنا ، أقلنا نفعل كما فعلوا. قال : قد أقلتكم. فمنهم من أسرع في السّعي ، ومنهم من أبطأ ومنهم من لم يبرح مجلسه ، مثل ما صنعوا في المرّة الأولى. فذلك قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(١).

* س ٢٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩) وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣٠) [الأنعام:٢٩ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ حكى عزوجل قول الدّهريّة ، فقال : (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) فقال الله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) قال حكاية عن قول من أنكر قيام الساعة (٢).

* س ٢٣ : ما هو معنى «أوزارهم» في قوله تعالى :

(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٣١) [الأنعام:٣١] ، وما هو معنى هذه الآية؟!

الجواب / معنى (أَوْزارَهُمْ) ، قال علي بن إبراهيم : يعني أشامرهم (٣).

أما معنى هذه الآية قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه الآية : «يرى أهل النار منازلهم من الجنّة ، فيقولون : يا حسرتنا» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٨ ، ح ١٨.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٦.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) تهذيب الكمال : ج ٨ ، ص ٥١٣.

٢٦١

* س ٢٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٣٢) [الأنعام:٣٢]؟!

الجواب / قال الإمام الكاظم عليه‌السلام لهشام بن الحكم ـ في حديث ـ : «يا هشام ، ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة ، فقال : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١).

* س ٢٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(٣٤) [الأنعام:٣٣ ـ ٣٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ، فقال : بلى والله لقد كذّبوه أشدّ التكذيب ، ولكنّها مخفّفة : لا يكذبونك ، أي لا يأتون بباطل يكذّبون به حقّك» (٢).

وقال عليهم‌السلام : «لكنّهم يجحدون بغير حجّة لهم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يستطيعون إبطال قولك» (٤).

٢ ـ قال حفص بن غياث : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا حفص إنّ من

__________________

(١) تحف العقول : ص ٣٨٤ ، الكافي : ج ١ ، ص ١١ ، ح ١٢.

(٢) الكافي : ص ٢٠٠ ، ح ٢٤١.

(٣) الكافي : ص ٢٠٠ ، ح ٢٤١.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ٢١.

٢٦٢

صبر صبر قليلا ، وإنّ من جزع جزع قليلا ـ ثمّ قال ـ عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإنّ الله بعث محمّدا وأمره بالصّبر والرّفق ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(١) ، وقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)(٢) فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى قابلوه بالعظائم ، ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله عزوجل : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ)(٣).

ثمّ كذّبوه ورموه ، فحزن لذلك ، فأنزل الله تعالى : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ) ـ إلى قوله ـ (ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) فألزم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الصّبر.

فقعدوا وذكروا الله تبارك وتعالى بالسوء وكذّبوه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد صبرت على نفسي وأهلي وعرضي ، ولا صبر لي على ذكرهم إلهي. فأنزل الله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)(٤) فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أحواله.

ثمّ بشّر في الأئمّة من عترته ، ووصفوا بالصّبر ، فقال : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)(٥) فعند ذلك قال عليه‌السلام : الصّبر من الإيمان كالرّأس من البدن. فشكر الله ذلك له فأنزل الله عليه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٦) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : آية بشرى وانتقام. فأباح الله قتل المشركين حيث وجدوا ، فقتلهم الله على يدي رسول

__________________

(١) المزمل : ١٠.

(٢) فصّلت : ٣٤.

(٣) الحجر : ٩٧.

(٤) ق : ٣٨ ـ ٣٩.

(٥) السجدة : ٢٤.

(٦) الأعراف : ١٣٧.

٢٦٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحبّائه ، وعجّل الله له ثواب صبره ، مع ما ادّخر له في الآخرة من الأجر» (١).

٣ ـ قال صاحب تفسير الأمثل : وهذه سنة إلهية لا قدرة لأحد على تغييرها : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ). وعليه ، فلا تجزع ولا تبتئس إذا ما كذبك قومك وآذوك ، بل اصبر على معاندة الأعداء وتحمل أذاهم ، واعلم أنّ الإمدادات والألطاف الإلهية ستنزل بساحتك بموجب هذه السنة ، فتنتصر في النهاية عليهم جميعا ، وإنّ ما وصلك من أخبار الأنبياء السابقين عن مواجهتهم الشدائد والمصاعب وعن ثباتهم وصبرهم وانتصارهم في النهاية ، لهو شهادة بينة لك : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)(٢).

* س ٢٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٧) [الأنعام:٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في رواية أبي الجارود : قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ). «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّ إسلام الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهد به أن يسلم ، فغلب عليه الشّقاء ، فشقّ ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) إلى قوله : (نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) يقول : سربا».

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٦.

(٢) الأمثل : المجلد الرابع ، ص ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

٢٦٤

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ) : إن قدرت أن تحفر الأرض أو تصعد السّماء ، أي لا تقدر على ذلك. ثمّ قال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) أي جعلهم كلّهم مؤمنين.

ثمّ قال في قوله تعالى : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) مخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنى للناس ، ثمّ قال : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) يعني يعقلون ويصدّقون (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) أي يصدّقون بأنّ الموتى يبعثهم الله (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) أي هلّا أنزل عليه آية؟ (قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) قال : لا يعلمون أنّ الآية إذا جاءت ولم يؤمنوا بها لهلكوا.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) : «وسيريكم في آخر الزّمان آيات ، منها : دابّة الأرض ، والدّجّال ، ونزول عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وطلوع الشّمس من مغربها» (١).

* س ٢٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(٣٨) [الأنعام:٣٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ ، في قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) يعني خلق مثلكم. وقال : كلّ شيء مما خلق خلق مثلكم (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أي ما تركنا (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)(٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٨.

٢٦٥

وقال الرضا عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدّين ، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، فقال عزوجل : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)(١).

* س ٢٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٣٩) [الأنعام:٣٩]؟!

الجواب / ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ) : «صم عن الهدى ، وبكم لا يتكلّمون بخير (فِي الظُّلُماتِ) يعني ظلمات الكفر و (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو ردّ على قدريّة هذه الأمّة ، يحشرهم الله يوم القيامة مع الصابئين والنّصارى والمجوس فيقولون : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(٢) يقول الله : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٣) ـ قال ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا إنّ لكلّ أمّة مجوسا ، ومجوس هذه الأمّة الذين يقولون : لا قدر ، ويزعمون أنّ المشيئة والقدرة إليهم ولهم» (٤).

ـ وقال أبو حمزة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام [عن هذه الآية] فقال عليه‌السلام : «نزلت في الذين كذّبوا بأوصيائهم (صُمٌّ وَبُكْمٌ) كما قال الله (فِي الظُّلُماتِ) من كان من ولد إبليس فإنّه لا يصدّق بالأوصياء ، ولا يؤمن بهم أبدا ، وهم الذين أضلّهم الله ، ومن كان من ولد آدم آمن بالأوصياء فهم (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٤ ، ح ١.

(٢) الأنعام : ٢٣.

(٣) الأنعام : ٢٤.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٨.

٢٦٦

قال : وسمعته يقول : «كذّبوا بآياتنا كلّها ، في بطن القرآن ، أن كذّبوا بالأوصياء كلّهم» (١).

* س ٢٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٤٣) [الأنعام:٤٠ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي حمزة : ... ثمّ قال (قُلْ) لهم يا محمّد (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ثمّ ردّ عليهم فقال : (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) قال : تدعون الله إذا أصابكم ضر ، ثمّ إذا كشف عنكم ذلك (تَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) أي تشركون الأصنام.

وقوله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) يعني كي يتضرّعوا. ثمّ قال : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ) يعني فهلّا إذ جاءهم (بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) فلما لم يتضرّعوا فتح الله عليهم الدّنيا وأغناهم ، عقوبة لفعلهم الرّدي ، فلمّا (فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)(٢) أي آيسون ، وذلك قول الله تبارك وتعالى في مناجاته لموسى عليه‌السلام» (٣).

وربما سائل يسئل ما كان في مناجاة الله لموسى عليه‌السلام ، يكون الجواب

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٩.

(٢) الأنعام : ٤٤.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٩٩.

٢٦٧

ما قاله أبو عبد الله عليه‌السلام : قال : «كان في مناجاة الله لموسى عليه‌السلام : يا موسى ، إذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصّالحين. وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجّلت عقوبته. فما فتح الله على أحد هذه الدنيا إلّا بذنب ينسيه ذلك الذّنب ، فلا يتوب ، فيكون إقبال الدّنيا عليه عقوبة لذنوبه» (١).

* س ٣٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ)(٤٤) [الأنعام:٤٤]؟!

الجواب / قال أبو حمزة الثمالي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) ، قال عليه‌السلام : «أمّا قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) يعني فلمّا تركوا ولاية عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام وقد أمروا بها (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) يعني دولتهم في الدنيا ، وما بسط لهم فيها.

وأمّا قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني بذلك قيام القائم عليه‌السلام ، حتى كأنّهم لم يكن لهم سلطان قطّ ، فذلك قوله (بَغْتَةً) فنزلت بخبره هذه الآية على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وفي رواية أخرى قال عليه‌السلام في هذه الآية : «نزلت في ولد العبّاس» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية : «أخذ بنو أميّة بغتة ، ويؤخذ بنو العباس جهرة» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٠.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٠.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٠ ، ح ٢٣.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٠ ، ح ٢٤.

٢٦٨

* س ٣١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٥) [الأنعام:٤٥]؟!

الجواب / قال فضيل بن عياض : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من الورع من الناس؟

فقال عليه‌السلام : «الذي يتورّع عن محارم الله ، ويجتنب هؤلاء ، وإذا لم يتّق الشّبهات وقع في الحرام ، وهو لا يعرفه ، وإذا رأى المنكر فلم ينكره ، وهو يقوى عليه ، فقد أحبّ أن يعصى الله ، ومن أحبّ أن يعصى الله فقد بارز الله بالعداوة ، ومن أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى الله ، إنّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على إهلاك الظّلمة فقال : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١).

* س ٣٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)(٤٦) [الأنعام:٤٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ)(٢)(٣) ، قال : «يقول : إن أخذ الله منكم الهدى (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)(٤) يقوله ، يعرضون» (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٥٢ ، ح ١.

(٢) قال علي بن إبراهيم : قُلْ لقريش. (تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٠١).

(٣) قال علي بن إبراهيم : (من يردّ ذلك عليكم إلّا الله؟! نفس المصدر.

(٤) قال علي بن إبراهيم : أي يكذبون نفس المصدر.

(٥) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٠١.

٢٦٩

* س ٣٣ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)(٤٧) [الأنعام:٤٧]؟!

الجواب / «روي إنّها نزلت لمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة وأصاب أصحابه الجهد والعلل والمرض ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنزل الله عزوجل (قُلْ) لهم يا محمّد : (أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ)(١)(٢) أي لا يصيبهم إلّا الجهد والضرّ في الدّنيا ، فأمّا العذاب الأليم الذي فيه الهلاك فلا يصيب إلّا القوم الظّالمين» (٣).

* س ٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)(٤٩) [الأنعام:٤٨ ـ ٤٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : بين الله تعالى في هاتين الآيتين أنه لا يبعث الرسل أربابا يقدرون على كل شيء يسألون عنه من الآيات أو يخترعونه بل إنما يرسلهم لما في ذلك من المصلحة لهم ومنبهين على ما في عقولهم من توحيد الله ، وعدله وحكمته مبشرين بثواب الله لمن آمن به وعرفه ، ومخوفين لمن أنكره وجحده. ثم أخبر أن المرسل إليهم مختارون غير مجبرين ولا مضطرين ودل على أنه غير محدث لشيء من أفعالهم فيهم ، وأن الأفعال لهم ، هم يكتسبونها بما خلق الله فيهم من القدرة ، وأنه قد هداهم ، وبين لهم وبشرهم وأنذرهم فمن آمن أثابه ومن عصاه عاقبه. ولو كانوا

__________________

(١) بغتة : فجأة.

(٢) جهرة : الظاهر والعلانية.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠١.

٢٧٠

مجبورين على المعاصي مخلوقا فيهم الكفر ولم يجعل فيهم القدرة على الإيمان لما كان للآية معنى (١).

* س ٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٥١) [الأنعام:٥٠ ـ ٥١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ قال : (قُلْ) لهم يا محمّد (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) قال : لا أملك خزائن الله ، ولا أعلم الغيب ، وما أقول فإنّه من عند الله. ثمّ قال : (هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي من يعلم ومن لا يعلم (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) ثمّ قال : (وَأَنْذِرْ بِهِ) يعني بالقرآن (الَّذِينَ يَخافُونَ) أي يرجون (أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربّهم برغبتهم فيما عنده ، فإنّ القرآن شافع مشفّع» (٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ١٤١.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠١.

(٣) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٧١.

٢٧١

* س ٣٦ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥٢) [الأنعام:٥٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : كان سبب نزولها أنّه كان بالمدينة قوم فقراء مؤمنون يسمّون أهل الصّفّة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهم أن يكونوا في صفّة يأوون إليها ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعاهدهم بنفسه ، وربّما حمل إليهم ما يأكلون. وكانوا يختلفون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقرّبهم ويقعد معهم ، ويؤنسهم ، وكان إذا جاء الأغنياء والمترفون من أصحابه أنكروا عليه ذلك ، ويقولون له : اطردهم عنك.

فجاء يوما رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنده رجل من أصحاب الصّفّة ، قد لصق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله يحدّثه ، فقعد الأنصاري بالبعد منهما ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تقدّم ، فلم يفعل ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعلّك خفت أن يلزق فقره بك؟!».

فقال الأنصاري : اطرد هؤلاء عنك : فأنزل الله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ)(١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٢.

٢٧٢

* س ٣٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥٤) [الأنعام:٥٣ ـ ٥٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ قال : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي اختبرنا الأغنياء بالغنى ، لننظر كيف مؤاساتهم للفقراء ، وكيف يخرجون ما افترض الله عليهم في أموالهم ، واختبرنا الفقراء لننظر كيف صبرهم على الفقر ، وعمّا في أيدي الأغنياء (لِيَقُولُوا) أي الفقراء (أَهؤُلاءِ) الأغنياء قد (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).

ثم فرض الله على رسوله أن يسلّم على التوّابين الذين عملوا السّيئات ثمّ تابوا ، فقال : (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) يعني أوجب الرّحمة لمن تاب. والدليل على ذلك قوله : (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١).

وقال الإمام الصادق عليه‌السلام : نزلت في التّائبين (٢).

* س ٣٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٧٦.

٢٧٣

بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ)(٥٨) [الأنعام:٥٥ ـ ٥٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال عليّ بن إبراهيم القميّ : في قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) يعني مذهبهم وطريقتهم لتتبين إذا وصفناهم. ثمّ قال : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي بالبيّنة التي أنا عليها (ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) يعني الآيات التي سألوها (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) أي يفصل بين الحق والباطل. ثمّ قال : (قُلْ) لهم (لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) يعني إذا جاءت الآية هلكتم وانقضى ما بيني وبينكم (١).

٢ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : قال الله عزوجل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) قال : لو أنّي أمرت أن أعلمكم الذي أخفيتم في صدوركم من استعجالكم بموتي لتظلموا أهل بيتي من بعدي ، فكان مثلكم كما قال الله عزوجل : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ)(٢) ... إلى آخر الحديث (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٢.

(٢) البقرة : ١٧.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٨٠ ، ح ٥٧٤.

٢٧٤

* س ٣٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٥٩) [الأنعام:٥٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) يعني علم الغيب ... (١).

٢ ـ قال الحسين بن خالد : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) ـ إلى قوله ـ (فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، فقال : «الورقة : السّقط ، يسقط من بطن أمّه من قبل أن يهلّ الولد». قال : فقلت : وقوله (وَلا حَبَّةٍ)؟ قال : «يعني الولد في بطن أمّه إذا هلّ ويسقط من قبل الولادة» قال : قلت : قوله : (وَلا رَطْبٍ)؟ قال : «يعني المضغة إذا أسكنت في الرّحم قبل أن يتمّ خلقها ، قبل أن ينتقل».

قال : قلت : قوله : (وَلا يابِسٍ)؟ قال : «الولد التام».

قال : قلت : (فِي كِتابٍ مُبِينٍ)؟ قال : «في إمام مبين» (٢).

* س ٤٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)(٦١) [الأنعام:٦٠ ـ ٦١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ ، في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٢٩.

٢٧٥

يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) يعني النوم (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) يعني ما عملتم بالنهار ، وقوله (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) يعني ما عملتم من الخير والشرّ.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله : (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) : «هو الموت (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

ثمّ قال : وأمّا قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) يعني الملائكة الذين يحفظونكم ويحفظون أعمالكم (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) وهم الملائكة (وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) أي لا يقصّرون» (١).

* س ٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ)(٦٢) [الأنعام:٦٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : ثمّ بين ـ الله تعالى ـ أن هؤلاء الذين تتوفاهم رسلنا يردون بعد الوفاة إلى الله فيردهم إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه إلا الله ولا يملك نفعهم ولا ضرهم سواه فجعل ردهم إلى ذلك الموضع ردا إلى الله ، وبين أنه هو (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) لأنه خالقهم ومالكهم ، والقاهر عليهم القادر على نفعهم وضرهم ، ولا يجوز أن يوصف بهذه الصفة سواه ، فلذلك كان مولاهم الحق. وقال البلخي : (الْحَقِ) اسم من أسماء الله وهو خفض ، لأنه نعت لله ، ويجوز الرفع على معنى الله مولاهم الحق ، ويجوز أن ينصب على معنى يعني مولاهم ، والقراءة بالخفض.

وقوله : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) معناه ألا يعلمون أو ألا يقرون أن الحكم يوم القيامة هوله وحده؟ ولا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه ، كما قد يملك

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٣.

٢٧٦

الحكم في الدنيا غيره بتمليك الله إياه.

وقوله : (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) روي أنه تعالى يحاسب عباده على مقدار حلب شاة ، وذلك يدل على أنه لا يحتاج أن يكلفهم مشقة وآلة على ما يقوله المشبهة ، لأنه لو كان كذلك لا يحتاج أن يتطاول زمان محاسبته أو أنه يشغله محاسبته عن محاسبة غيره. وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قيل له كيف يحاسب الله الخلق وهم لا يرونه؟ ، قال عليه‌السلام : «كما يرزقهم ولا يرونه».

والمعنى في الآية أنه تعالى أحصى الحاسبين لما أحصى الملائكة وتوفوا من الأنفس لا يخفى عليه من ذلك خافية ولا يحتاج في عده إلى فكر ونظر (١).

* س ٤٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ)(٦٤) [الأنعام:٦٣ ـ ٦٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثمّ عاد سبحانه إلى حجاج الكفار ، فقال : (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء الكفار (مَنْ يُنَجِّيكُمْ) أي : يخلصكم ، ويسلمكم (مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي : من شدائدهما وأهوالهما.

قال الزجاج : العرب تقول لليوم الذي فيه شدة : يوم مظلم ، حتى إنهم يقولون : يوم ذو كواكب أي : قد اشتدت ظلمته حتى صار كالليل ، وأنشد :

بني أسد هل تعلمون بلاءنا

إذا كان يوم ذو كواكب أشهب

وقال آخر :

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ١٥٩.

٢٧٧

فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي

إذا كان يوم ذا كواكب أشنعا

وقال غيره : أراد ظلمة الليل ، وظلمة الغيم ، وظلمة التيه ، والحيرة في البر والبحر ، فجمع لفظه ، ليدل على معنى الجمع (تَدْعُونَهُ) أي : تدعون الله عند معاينة هذه الأهوال (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) أي : علانية وسرا.

وقيل : معناه تدعونه مخلصين متضرعين تضرعا بألسنتكم ، وخفية في أنفسكم ، وهذا أظهر (لَئِنْ أَنْجانا) أي : في أي شدة وقعتم ، قلتم لئن أنجيتنا (مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) لإنعامك علينا ، وهذا يدل على أن السنة في الدعاء التضرع والإخفاء.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : خير الدعاء الخفي ، وخير الرزق ما يكفي ومر بقوم رفعوا أصواتهم بالدعاء ، فقال : إنكم لا تدعون أصم ، ولا غائبا ، وإنما تدعون سميعا قريبا!! (قُلِ) يا محمد (اللهُ يُنَجِّيكُمْ) أي : ينعم عليكم بالنجاة ، والفرج ، ويخلصكم (مِنْها) أي : من هذه الظلمات (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي : ويخلصكم الله من كل غم (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) بالله تعالى بعد قيام الحجة عليكم ، ما لا يقدر على الإنجاء من كل كرب ، وإن خف (١).

* س ٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٦٧) [الأنعام:٦٥ ـ ٦٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : (مِنْ فَوْقِكُمْ) السّلاطين

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٧٦ ـ ٧٧.

٢٧٨

الظلمة ، و (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) العبيد السّوء ومن لا خير فيه.

(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) يعني يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه من العداوة والعصبيّة.

(وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) قال : سوء الجوار (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبو الجارود ـ في قوله : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ). «هو الدّخان والصّيحة (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) وهو الخسف (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) وهو اختلاف في الدّين ، وطعن بعضكم على بعض (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) وهو أن يقتل بعضكم بعضا ، فكلّ هذا في أهل القبلة ، يقول الله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) يعني القرآن ، كذّبت به قومك وهم قريش».

ثمّ قال : وقوله تعالى : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) يقول : لكلّ نبأ حقيقة (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ثمّ قال : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) يعني كي يفقهوا. وقوله تعالى : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ) يعني القرآن ، كذّبت به قريش (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) أي لكلّ خبر وقت (وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٢).

* س ٤٤ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) وَما عَلَى الَّذِينَ

__________________

(١) نهج البيان : ج ٢ ، ص ١١٢ (مخطوط).

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٠٤.

٢٧٩

يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(٦٩) [الأنعام:٦٨ ـ ٦٩]؟! وما هو تفسير الآیة الأولى؟!

الجواب / ١ ـ سبب النزول :

جاء في تفسير مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه عند ما نزلت الآية الأولى ونهى المسلمون عن مجالسة الكفار والذين كانوا يسخرون من آيات الله ، قال فريق من المسلمين إذا كان علينا أن نلتزم بهذا النهي في كل مكان فإنه يمتنع علينا الذهاب إلى المسجد الحرام والطواف به «وذلك لأن أولئك كانوا منتشرين في أطراف المسجد ولا يفتأون يتناولون الآيات القرآنية بالكلام الباطل فحيثما نتوقف في أرجاء المسجد ثمة احتمال أن يصل كلامهم إلى مسامعنا». عندئذ نزلت الآية الثانية تأمر المسلمين ، في مثل هذه الحالات ، أن ينصحوهم ويهدوهم ويرشدوهم قدر إمكانهم (١).

أقول : إنّ ورود سبب نزول هذه الآية لا يتعارض مع نزول السورة كلها مرة واحدة ، إذ من المحتمل أن تكون هناك حوادث مختلفة في حياة المسلمين ، فتنزل سورة واحدة تختص كل مجموعة من آياتها ببعض تلك الحوادث.

٢ ـ تفسير الآية الأولى :

قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) : «الكلام في الله ، والجدال في القرآن (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) ـ قال ـ منه القصّاص» (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٦٢ ، ح ٣١.

٢٨٠