التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

بطاعتي وإيثار رضاي ، لا بالأماني. قيل : معنى (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) يعني يهدي من يشاء في الدنيا فيغفر له ، ويميت من يشاء على كفره ، فيعذبه.

وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معناه أنه يملك ذلك وحده لا شريك له يعارضه ، فقد وجب اليأس مما قدروا من كل جهة ، وأنه لا منجي لهم إلا بالعمل بطاعة الله واجتناب معاصيه. وقال أبو علي : ذلك بأنه يملك السموات ، والأرض وما بينهما على أنه لا ولد له ، لأن المالك لذلك لا شبه له ، ولأن المالك لا يملك ولده لخلقه له.

وقوله : (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) : معناه أنه يؤول إليه أمر العباد في أنه لا يملك ضرهم ، ولا نفعهم غيره ـ عزوجل ـ ، لأنه يبطل تمليكه لغيره ذلك اليوم كما ملكهم في دار الدنيا ، كما يقال : صار أمرنا إلى القاضي لا على معنى قرب المكان ، وإنما يراد بذلك أنه المتصرف فينا والأمر لنا دون غيره (١).

* س ٢١ : ما هو معنى : (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) في قوله تعالى :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٩) [المائدة:١٩]؟!

الجواب / قال أبو الرّبيع : حججنا مع أبي جعفر عليه‌السلام في السنة التي حجّ فيها هشام بن عبد الملك ، وكان معه نافع مولى عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلى أبي جعفر عليه‌السلام في ركن البيت ، وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع : يا أمير المؤمنين ، من هذا الذي قد تداك ـ أي ازدحموا ـ عليه الناس؟

فقال : هذا نبيّ أهل الكوفة ، هذا محمّد بن عليّ. فقال : أشهد لآتينّه

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٤٧٨.

١٦١

فلأسألنّه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبيّ ، أو ابن نبيّ ، أو وصيّ نبيّ. قال : فاذهب إليه وسله لعلّك تخجله.

فجاء نافع حتّى اتّكأ على الناس ، ثمّ أشرف على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال : يا محمّد بن عليّ ، إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزّبور والفرقان ، وقد عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن مسائل ، لا يجيب فيها إلّا نبيّ ، أو وصيّ نبيّ ، أو ابن نبيّ.

قال : فرفع أبو جعفر عليه‌السلام رأسه ، فقال : «سل عمّا بدا لك».

فقال : أخبرني كم بين عيسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سنة؟

فقال : «أخبرك بقولي ، أو بقولك؟» قال : أخبرني بالقولين جميعا ، قال : «أمّا في قولي فخمس مائة سنة ، وأمّا في قولك فست مائة سنة» (١).

* س ٢٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(٢٠) [المائدة:٢٠]؟!

الجواب / قال سليمان الدّيلمي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) ، فقال عليه‌السلام : «الأنبياء : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإبراهيم ، وإسماعيل وذرّيّته ، والملوك : الأئمّة عليهم‌السلام.

قال : فقلت : وأيّ الملك أعطيتم؟ فقال : «ملك الجنّة ، وملك الكرّة ـ أي الرجعة ـ» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : يعني في بني إسرائيل ، لم يجمع الله لهم النّبوة

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٢٠ ، ح ٩٣.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٨ ، الرجعة للاسترآبادي : ص ١٤ (مخطوط).

١٦٢

والملك في بيت واحد ، ثم جمع ذلك لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

* س ٢٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (٢١) قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢) قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٢٦) [المائدة:٢١ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم ، حذو النّعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، حتى لا تخطئون طريقهم ، ولا تخطئكم سنّة بني إسرائيل».

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال موسى لقومه : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(٢) فردوا عليه ، وكانوا ست مائة ألف : (قالُوا يا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : نعم الأرض الشام ، وبئس القوم أهلها ، وبئس البلاد مصر ، أما إنّها سجن من سخط الله عليه ، ولم يكن دخول بني إسرائيل مصر إلّا من سخطه ولمعصية منهم لله ، لأن الله قال : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) يعني : الشام ، فأبوا أن يدخلوها ، فتاهوا في الأرض أربعين سنة ، في مصر وفيافيها ، ثمّ دخلوها بعد أربعين سنة. ـ قال ـ وما كان خروجهم من مصر ، ودخولهم الشام إلّا من بعد توبتهم ورضا الله عنهم». وقال إنّي لأكره أن آكل من شيء طبخ في فخارها ، وما أحبّ أن أغسل رأسي من طينها ، مخافة أن يورثني تربها الذلّ ، ويذهب بغيرتي». (تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٠٥ ، ح ٧٥).

١٦٣

مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) أحدهما يوشع بن نون والآخر كالب بن يافنا» وقال : «هما ابنا عمّه ، فقالا : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ) إلى قوله (إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) ـ قال ـ فعصى أربعون ألفا ـ وسلّم هارون وابناه ويوشع بن نون وكالب بن يافنا ـ فسمّاهم الله : فاسقين ، فقال : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) فتاهوا أربعين سنة ، لأنّهم عصوا ، فكانوا حذو النّعل بالنّعل (١).

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قبض لم يكن على أمر الله إلّا عليّ والحسن والحسين وسلمان والمقداد وأبو ذرّ فمكثوا أربعين حتى قام عليّ عليه‌السلام فقاتل من خالفه» (٢).

__________________

(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كانوا إذا أمسوا نادى مناديهم : استتمّوا ـ أي أمسيتم ـ الرحيل. فيرتحلون بالحداء والزّجر ، حتّى إذا أسحروا أمر الله الأرض فدارت بهم ، فيصبحوا في منزلهم الذي ارتحلوا منه ، فيقولون : قد أخطأتم الطريق. فمكثوا بهذا أربعين سنة ، ونزل عليهم المنّ والسّلوى حتى هلكوا جميعا ، إلّا رجلين : يوشع بن نون ، وكالب بن يوحنا وأبناؤهم. وكانوا يتيهون في نحو من أربع فراسخ ، فإذا أرادوا أن يرتحلوا يثبت ثيابهم عليهم وخفافهم ـ قال ـ وكان معهم حجر إذا نزلوا ضربه موسى عليه‌السلام بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، لكلّ سبط عين ، فإذا ارتحلوا رجع الماء إلى الحجر ، ووضع الحجر على الدابة». وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لهم ، ثمّ بدا له فدخلها أبناء الأبناء» (الاختصاص : ص ٢٦٥).

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٠٣ ، ح ٦٨.

١٦٤

* س ٢٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠) فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٣١) [المائدة:٢٧ ـ ٣١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه‌السلام أن لا يقرب هذه الشجرة ، فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم الله أن يأكل منها ، نسي ، فأكل منها ، وهو قول الله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(١) فلمّا أكل آدم عليه‌السلام من الشجرة أهبط إلى الأرض ، فولد له هابيل وأخته توأم ، وولد له قابيل وأخته توأم.

ثمّ إن آدم عليه‌السلام أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا ـ [وكان سبب أمر آدم لهما هي الوصية كما جاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام لسليمان بن خالد عند ما سأله : جعلت فداك ، ففيم قتل قابيل هابيل؟ فقال : «في الوصية» ثمّ قال له : «يا سليمان ، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصيّة واسم الله الأعظم إلى هابيل ، وكان قابيل أكبر منه ، فبلغ ذلك قابيل فغضب ، فقال : أنا أولى بالكرامة والوصيّة. فأمرهما أن يقرّبا قربانا بوحي من الله إليه ، ففعلا ، فقبل الله قربان قابيل ، فحسده قابيل ، فقتله» ...] (٢) ـ وكان هابيل صاحب

__________________

(١) طه : ١١٥.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٢ ، ح ٨٣.

١٦٥

غنم ، وكان قابيل صاحب زرّع ، فقرّب هابيل كبشا من أفاضل غنمه ، وقرّب قابيل من زرعه ما لم ينقّ ، فتقّبّل قربان هابيل ، ولم يتقبّل قربان قابيل ، وهو قول الله عزوجل : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) إلى آخر الآية. وكان القربان تأكله النار ، فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتا ، وهو أوّل من بنى بيوت النار ، فقال : لأعبدنّ هذه النار حتّى تتقبّل منّي قرباني ، ثمّ إنّ إبليس (لعنه الله) أتاه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق ، فقال له : يا قابيل ، قد تقبّل قربان هابيل ، ولم يتقبّل قربانك ، وإنّك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، ويقولون : نحن أبناء الذي تقبّل قربانه. فاقتله كي لا يكون له عقب يفتخرون على عقبك. فقتله ... (١).

أما كيفية قتله لأخيه؟!

قال علي بن الحسين عليه‌السلام وهو يحدّث رجلا من قريش : «لمّا قرّب ابنا آدم القربان ، قرّب أحدهما أسمن كبش كان في ضأنه ، وقرّب الآخر ضغثا من سنبل ، فتقبّل من صاحب الكبش ، وهو هابيل ، ولم يتقبّل من الآخر ، فغضب قابيل ، فقال لهابيل : والله لأقتلنّك. فقال هابيل : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ)(٢) ـ إلى قوله ـ (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) فلم يدر كيف يقتله ، حتى جاء إبليس فعلّمه ، فقال : ضع رأسه بين حجرين ، ثمّ اشدخه.

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١١٣ ، ح ٩٢.

(٢) قال عمر بن حنظلة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ آية في القرآن تشكّكني؟ قال : «وما هي؟». قلت : قول الله : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) قال : «وأيّ شيء شككت فيها» قلت : من صلّى وصام وعبد الله قبل منه؟»

قال : «إنّما يتقبّل الله من المتقين العارفين» ثمّ قال : «أنت أزهد في الدنيا أم الضحّاك بن قيس؟»

قلت : لا بل الضحّاك بن قيس.

قال : «فذلك لا يتقبّل الله منه شيئا ممّا ذكرت». (المحاسن : ص ١٦٨ ، ح ١٢٩).

١٦٦

فلمّا قتله لم يدر ما يصنع به ، فجاء غرابان ، فأقبلا يتضاربان حتّى اقتتلا ، فقتل أحدهما صاحبه ، قال قابيل : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) فحفر له حفيرة ، ودفنه فيها ، فصارت سنّة يدفنون الموتى.

فرجع قابيل إلى أبيه ، فلم ير معه هابيل ، فقال له آدم عليه‌السلام : أين تركت ابني؟ قال له قابيل : أرسلتني عليه راعيا؟! فقال له آدم عليه‌السلام : انطلق معي إلى مكان القربان وأوجس قلب آدم عليه‌السلام بالذي فعل قابيل ، فلمّا بلغ مكان القربان استبان قتله ، فلعن آدم عليه‌السلام الأرض التي قبلت دم هابيل ، وأمر آدم عليه‌السلام أن يلعن قابيل ، ونودي قابيل من السّماء : لعنت كما قتلت أخاك. ولذلك لا تشرب الأرض الدم. فانصرف آدم عليه‌السلام يبكي على هابيل أربعين يوما وليلة ، فلمّا جزع عليه شكا ذلك إلى الله ، فأوحى الله إليه : أنّي واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل. فولدت حوّاء غلاما زكيّا مباركا ، فلمّا كان اليوم السابع أوحى الله إليه : يا آدم إنّ هذا الغلام هبة منّي لك ، فسمّه هبة الله ، فسمّاه آدم عليه‌السلام هبة الله» (١).

* س ٢٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(٣٢) [المائدة:٣٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال حمران [بن أعين] : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٥.

١٦٧

عزوجل : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) وإنّما قتل واحدا!

فقال : يوضع في موضع من جهنّم ، إليه منتهى شدّة عذاب أهلها ، لو قتل الناس جميعا كان إنّما يدخل ذلك المكان ، ولو كان قتل واحدا كان إنّما يدخل ذلك المكان».

قلت : فإن قتل آخر؟

قال : «يضاعف عليه» (١).

وفي رواية قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فمن أحياها؟

قال : «نجّاها من غرق أو حرق أو سبع أو عدوّ ـ ثمّ سكت ، ثم التفت إليّ فقال ـ تأويلها الأعظم : دعاها فاستجابت له» (٢).

أما تأويلها كما قال أبو عبد الله عليه‌السلام لسماعة : «من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنّما أحياها ، ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها» (٣).

وفي رواية أخرى قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «من استخرجها من الكفر إلى الإيمان» (٤).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «المسرفون هم الذين يستحلّون المحارم ، ويسفكون الدّماء» (٥).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٣٧٩ ، ح ٢.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٢ ، ح ٨٤.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٦٨ ، ح ١.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٣ ، ح ٨٨.

(٥) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٩٠.

١٦٨

* س ٢٦ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام في قوله تعالى :

(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣٤) [المائدة:٣٣ ـ ٣٤]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير الآيتين الشريفتين نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوم من بني ضبّة مرضى ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقيموا عندي ، فإن برئتم بعثتكم في سريّة ، فقالوا : أخرجنا من المدينة. فبعث بهم إلى إبل الصّدقة يشربون من أبوالها ، ويأكلون من ألبانها ، فلمّا برئوا واشتدّوا قتلوا ثلاثة ممّن كان في الإبل ، فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إليهم عليّا عليه‌السلام ، وإذا هم في واد ، قد تحيّروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه ، قريبا من أرض اليمن ، فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت هذه الآية عليه : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ـ إلى قوله ـ (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) فاختار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القطع ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف» (١).

٢ ـ قال جميل ابن درّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ) إلى آخر الآية ، أيّ شيء عليهم من هذه الحدود التي سمّى الله عزوجل؟

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٢٤٥ ، ح ١.

١٦٩

قال : «ذلك إلى الإمام إن شاء قطع ، وإن شاء نفى ، وإن شاء صلب ، وإن شاء قتل».

قلت : النّفي إلى أين؟

قال عليه‌السلام : «ينفى من مصر إلى مصر أخر ـ وقال ـ إنّ عليّا عليه‌السلام نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة» (١).

٣ ـ قال عبد الله المدائني : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، أخبرني عن قول الله عزوجل (الآية) : قال : فعقد بيده ، ثمّ قال : «يا عبد الله ، خذها أربعا بأربع ـ ثمّ قال ـ إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل ، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ، ولم يقتل ، ولم يأخذ من المال ، نفي في الأرض.

قال : قلت : وما حدّ نفيه؟

قال : «سنة ينفى من الأرض التي فعل فيها إلى غيرها ، ثمّ يكتب إلى ذلك المصر بأنّه منفيّ ، فلا تؤاكلوه ، ولا تشاربوه ، ولا تناكحوه ، حتّى يخرج إلى غيره ، فيكتب إليهم أيضا بمثل ذلك ، فلا يزال هذه حاله سنة ، فإذا فعل به ذلك سنة تاب وهو صاغر» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في رواية أخرى ـ : «... ثمّ استثنى عزوجل فقال : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) يعني يتوبون من قبل أن يأخذهم الإمام» (٣).

٤ ـ قال طلحة بن زيد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : [«كان أبي

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٣٣ ، ح ٥٢٨.

(٢) التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٣١ ، ح ٥٢٣.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٧.

١٧٠

يقول»] إنّ للحرب حكمين ، إذا كانت قائمة لم تضع أوزارها ولم يضجر أهلها ، فكلّ أسير أخذ في تلك الحال فإن الإمام فيه بالخيار ، إن شاء ضرب عنقه ، وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف بغير حسم ، وتركه يتشحّط في دمه حتى يموت ، وهو قول الله عزوجل : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) ـ إلى قوله ـ (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) إلى آخر الآية ، ألا ترى أنّ التخيير الذي خيّر [الله] الإمام على شيء واحد وهو الكلّ ، وليس [هو] على أشياء مختلفة».

فقلت لجعفر بن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قول الله عزوجل : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).

قال : «ذلك للطّلب ، أن تطلب الخيل حتى يهرب ، فإن أخذته الخيل حكم عليه ببعض الأحكام الّتي وصفت لك ، والحكم الآخر إذا وضعت الحرب أوزارها وأثخن أهلها ، فكلّ أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم فالإمام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم ، وإن شاء فأداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيدا» (١).

* س ٢٧ : من هو الوسيلة في قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٣٥) [المائدة:٣٥]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) : «أنا وسيلته» (٢).

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ ، ص ١٤٣ ، ح ٢٤٥.

(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٧٥.

١٧١

* س ٢٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(٣٧) [المائدة:٣٦ ـ ٣٧]؟!

الجواب / أقول : تعقيبا على الآية السابقة التي كلفت المؤمنين بالتقوى والجهاد وإعداد الوسيلة ، جاءت الآيتان الأخيرتان وهما تشيران إلى مصير الكافرين ، وتؤكدان أنهم مهما بذلوا ـ حتى لو كان ـ كل ما في الأرض أو ضعفه ـ في سبيل إنقاذ أنفسهم من عذاب يوم القيامة ، فلن يقبل منهم ذلك ـ أبدا ـ وأنهم سينالون العذاب الشديد ، فتقول الآية الكريمة في هذا المجال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

ويبين هذا الأسلوب القرآني أقصى درجات التأكيد فيما يخص العقوبات الإلهية ، التي لا يمكن ـ مطلقا ـ التخلص منها بأي ثروة أو قدرة مهما بلغت ، وحتى لو شملت جميع ما في الأرض أو ضعف ذلك ، وإن طريق الخلاص الوحيد يكمن ـ فقط ـ في اتباع التقوى والجهاد في سبيل الله والقيام بالأعمال الصالحة.

بعد ذلك تشير الآية التالية إلى استمرار عذاب الله ، وتوضح أن الكافرين مهما سعوا للخروج من نار جهنم فلن يقدروا على ذلك ، وإن عذابهم ثابت وباق لا يتغير ، كما تقول الآية : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(١).

__________________

(١) الأمثل : مجلد ٣ ، ص ٦٢٣.

١٧٢

* س ٢٩ : ما هو تأويل قوله تعالى (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) من سورة المائدة :

(يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) : «أعداء عليّ هم المخلّدون في النار أبد الآبدين ودهر الدّاهرين» (١).

* س ٣٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٩) [المائدة:٣٨ ـ ٣٩] ، ومتى تقطع يد السارق وفي كم تقطع؟!

الجواب / ـ كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا قطع يد السارق تترك له الإبهام والراحة ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، تركت عامّة يده؟

فقال لهم : «فإن تاب فبأي شيء يتوضّأ؟ لأن الله يقول : [وذكر قوله تعالى من سورة المائدة : ٣٨ ـ ٣٩]» (٢).

وقال الإمام الجواد عليه‌السلام [في مجلس المعتصم العباسي عند ما استفتى الفقهاء بتطهير سارق أقرّ على نفسه بالسّرقة بإقامة الحدّ عليه] : «... فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكفّ» ، قال المعتصم : وما الحجّة في ذلك؟

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٧ ، ح ١٠١.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٨ ، ح ١٠٣.

١٧٣

قال عليه‌السلام : «قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : السجود على سبعة أعضاء : الوجه ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع ، أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله تبارك وتعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ)(١) يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ، (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(٢) وما كان لله لم يقطع». قال ابن أبي دؤاد (لعنه الله تعالى) : فأعجب المعتصم ذلك ، فأمر بقطع يد السّارق من مفصل الأصابع دون الكفّ ...» (٣).

ـ أما متى تقطع يد السارق؟ قال أحدهما عليهما‌السلام : «لا يقطع السارق حتّى يقرّ بالسّرقة مرّتين ، فإن رجع ضمن السّرقة ، ولم يقطع إذا لم يكن له شهود» (٤).

وفي كم تقطع يد السارق؟

ـ قال محمد بن مسلم : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «في كم تقطع يد السّارق؟ فقال : «في ربع دينار».

قال : قلت له : في درهمين؟

فقال : «في ربع دينار ، بلغ الدينار ما بلغ».

قال فقلت له : أرأيت من سرق أقلّ من ربع دينار ، هل يقع عليه حين سرق اسم السارق أو هل هو عند الله سارق في تلك الحال؟

فقال عليه‌السلام : «كلّ من سرق من مسلم شيئا ، قد حواه وأحرزه ، فهو يقع

__________________

(١) الجن : ١٨.

(٢) الجن : ١٨.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٩ ، ح ١٠٩ ، بتصرف.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٩ ، ح ١٠٧.

١٧٤

عليه اسم السارق ، وهو عند الله السارق ، ولكن لا يقطع إلّا في ربع دينار أو أكثر ، ولو قطعت يد السارق فيما هو أقلّ من ربع دينار لألفيت عامّة الناس مقطّعين» (١).

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام : «لا يقطع إلّا من نقب بيتا ، أو كسر قفلا» (٢).

* س ٣١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤٠) [المائدة:٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : قيل فيمن يتوجه هذا الخطاب إليه قولان :

١ ـ أنه متوجه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به أمته كما قال «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء».

٢ ـ أنه متوجه إلى كل مكلف من الناس وتقديره : ألم تعلم يا إنسان ، واتصال هذا الخطاب بما قبله اتصال الحجاج والبيان عن صحة ما تقدم من الوعد والوعيد. وما ذكره من الأحكام ، والمعنى ألم تعلم يا إنسان (أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني له التصرف فيهما من غير دافع ولا منازع (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) إذا كان مستحقا للعقاب (وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) إذا عصاه ولم يتب ، لأنه إذا تاب ، فقد وعد بأنه لا يؤاخذ به بعد التوبة. وعند المخالفة يقبح مؤاخذته بعدها.

فعلى الوجهين معا لا يعلق ذلك بالمشيئة. وفي ذلك دلالة على أنه قادر على أن يعاقب على وجه الجزاء ، لأنه لو لم يكن قادرا عليه لما كان فيه وجه

__________________

(١) التهذيب : ج ١٠ ، ص ٣٨٤ ، الكافي : ج ٧ ، ص ٢٢١ ، ح ٦.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣١٩ ، ح ١٠٨.

١٧٥

مدح (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) معناه ههنا أن من ملك السموات والأرض وقدر على هذه الأجسام والأعراض التي يتصرف فيها ويديرها ، فهو لا يعجزه شيء لقدرته على كل جنس من أجناس المعاني. وقوله (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عام في كل ما يصح أن يكون مقدرا له تعالى. ولا يحتاج إلى أن يقيد بذكر ما تصح القدرة عليه لأمرين :

١ ـ ظهور الدلالة عليه ، فجاز ألا يذكر في اللفظ.

٢ ـ أن ذلك خارج فخرج المبالغة كما يقول القائل أتاني أهل الدنيا. ولعله لم يجئه إلا خمسة فاستكثرهم (١).

* س ٣٢ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٤١) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٤٢) [المائدة:٤١ ـ ٤٢]؟! وما معنى السحت؟

الجواب / قال الطّبرسي : سبب نزول الآية : قال الباقر عليه‌السلام : «إنّ امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم ، وهما محصنان ،

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٥٢١.

١٧٦

فكرهوا رجمهما ، فأرسلوا إلى يهود المدينة ، وكتبوا إليهم أن يسألوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، طمعا في أن يأتي لهم برخصة ، فانطلق قوم منهم : كعب بن الأشرف ، وكعب بن أسيد وشعبة بن عمر ومالك بن الصّيف ، وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم ، فقالوا : يا محمّد ، أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ، ما حدّهما؟

قال : وهل ترضون بقضائي في ذلك؟

فقالوا : نعم. فنزل جبرائيل عليه‌السلام بالرّجم فأخبرهم بذلك ، فأبوا أن يأخذوا به ، فقال جبرائيل : اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ، ووصفه له ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور ، يسكن فدكا ، يقال له : ابن صوريا؟

قالوا : نعم.

قال : فأيّ رجل هو فيكم؟

قالوا : أعلم يهوديّ بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى عليه‌السلام.

قال : «فأرسلوا إليه ففعلوا ، فأتاهم عبد الله بن صوريا ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّي أنشدك الله الذي لا إله إلّا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى وفلق لكم البحر ، وأنجاكم ، وأغرق آل فرعون ، وظلّل عليكم الغمام ، وأنزل عليكم المنّ والسلوى ، هل تجدون في كتابكم الرّجم على من أحصن؟

قال ابن صوريا : نعم ، والذي ذكّرتني به لو لا خشية أن يحرقني ربّ التوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت لك ، ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمّد؟

قال : إذا شهد أربعة رهط عدول أنّه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في

١٧٧

المكحلة وجب عليه الرّجم.

فقال ابن صوريا : هكذا أنزل الله التوراة على موسى.

فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فماذا كان أوّل ما ترخّصتم به أمر الله ورسوله؟

قال : كنّا إذا زنى الشّريف تركناه ، وإذا زنى الضّعيف أقمنا عليه الحدّ ، فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عمّ ملك لنا فلم نرجمه ، ثمّ زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه ، فقال له قومه : لا ، حتّى ترجم فلانا ـ يعنون ابن عمّه ـ فقالوا : تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم ، يكون على الشّريف والوضيع ، فوضعنا الجلد والتّحميم ، وهو أن يجلد أربعين جلدة ، ثمّ يسوّد وجههما ثمّ يحملان على حمارين ، فيجعل وجهاهما من قبل دبر الحمار ، ويطاف بهما ، فجعلوا هذا مكان الرّجم.

فقالت اليهود لابن صوريا : ما أسرع ما أخبرته به ، وما كنت لما أثنينا به عليك بأهل ، ولكنّك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك. فقال لهم : أنّه أنشدني بالتّوراة ، ولو لا ذلك لما أخبرته به.

فأمر بهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجما عند باب مسجده ، وقال : أنا أوّل من أحيا أمرك إذ أماتوه ، فأنزل الله سبحانه فيه (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(١).

فقام ابن صوريا فوضع يديه على ركبتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال : هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه. فأعرض النبي عن ذلك ، ثمّ سأله ابن صوريا عن نومه ، فقال : تنام عيناي ، ولا ينام قلبي. فقال : صدقت ، فأخبرني عن شبه الولد بأبيه ليس فيه من شبه أمّه شيء ، أو

__________________

(١) المائدة : ١٥.

١٧٨

بأمّه ليس فيه من شبه أبيه شيء؟ فقال : أيّهما علا وسبق ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له. قال : قد صدقت ، فأخبرني ما للرّجل من الولد ، وما للمرأة منه؟ ـ قال ـ فأغمي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلا ، ثمّ خلّي عنه محمّرا وجهه يفيض عرقا ، فقال : اللّحم والدّم والظّفر والشّعر للمرأة ، والعظم والعصب والعرق للرّجل ، فقال له : صدقت ، أمرك أمر نبيّ.

فأسلم ابن صوريا عند ذلك ، وقال : يا محمّد من يأتيك من الملائكة؟ قال : جبرائيل. قال : صفه لي. فوصفه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أشهد أنّ في التّوراة كما قلت ، وأشهد أنّك رسول الله حقّا.

فلمّا أسلم ابن صوريا ، وقعت فيه اليهود وشتموه ، فلمّا أرادوا أن ينهضوا تعلّقت بنو قريظة ببني النّضير ، فقالوا : يا محمّد إخواننا بنو النّضير ، أبونا واحد ، وديننا واحد ، ونبيّنا واحد ، إذا قتلوا منّا قتيلا لم يفتدونا ، وأعطونا ديته سبعين وسقا ـ ستون صاعا ـ من تمر ، كان القتيل امرأة قتلوا بها الرّجل منهم الرّجلين منّا ، وبالعبيد الحرّ منّا ، وجراحاتنا على النّصف من جراحاتهم ، فاقض بيننا وبينهم. فأنزل الله في الرّجم والقصاص الآيات» (١).

ـ أما السّحت ، فوردت فيه روايات كثيرة نذكر هذه الرواية لبيان عدد معين من مصاديقه :

قال عمار بن مروان : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الغلول. فقال : «كلّ شيء غلّ من الإمام فهو سحت ، وأكل مال اليتيم وشبهه سحت ، والسّحت أنواع كثيرة ، منها : أجور الفواجر ، وثمن الخمر ، والنّبيذ المسكر ، والرّبا بعد البيّنة ، فأمّا الرّشا في الحكم ، فإنّ ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٩٩.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ١٢٦ ، ح ١.

١٧٩

* س ٣٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)(٤٣) [المائدة:٤٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : المعنى كيف يحكمك هؤلاء اليهود يا محمد بينهم ، فيرضوا بك حكما ، وعندهم التوراة فيها حكم الله التي أنزلها على موسى التي يقرون بها أنها كتابي وجه التعجب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه تقريع لليهود الذين نزلت فيهم فكأنه قال الذي أنزلته على نبيي وإنه الحق وإن ما فيه حكم من حكمي لا يتناكرونه ويعلمونه ، وهم مع ذلك يتولون : أي يتركون الحكم به جرأة علي ، كيف تقرون أيها اليهود بحكم نبيي محمّد مع جحدكم نبوته ، وتكذيبكم إياه وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه واجب وأنه حق من عند الله. وقوله : (فِيها حُكْمُ اللهِ) قال أبو علي فيه دليل على أنه لم ينسخ لأنه لو نسخ لم يطلق عليه بعد النسخ أنه حكم الله كما لا يطلق أن حكم الله تحليل الخمر أو تحريم السبت. وقال الحسن (فِيها حُكْمُ اللهِ) بالرجم. وقال قتادة وعصيانا لي.

(فِيها حُكْمُ اللهِ) بالقود.

فإن قيل : كيف يقولون (فِيها حُكْمُ اللهِ) وعندكم أنها محرفة مغيرة؟ ...

قلنا : على ما قال الحسن وقتادة لا يتوجه ، لأنها وإن كانت مغيرة محرفة لا يمتنع أن يكون فيها هذان الحكمان غير مبدلين ، وهو رجم المحصن ووجود القود. ويحتمل أن يكون المراد بذلك فيها حكم الله عندهم ، لأنهم لا يقرون بأنها مغيرة بل يدعون أنها هي التي أنزلت على موسى عليه‌السلام بعينها. والحكم هو فصل الأمر على وجه الحكمة فيما يفصل به ، وقد يفصل بالبيان

١٨٠