التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

تفسير

سورة الانعام

سورة رقم ـ ٦ ـ

٢٤١
٢٤٢

سورة الأنعام

* س ١ : ما هو فضل قراءة سورة الأنعام؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها :

١ ـ قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «نزلت سورة الأنعام جملة واحدة ، وشيّعها سبعون ألف ملك ، لهم زجل بالتسبيح والتّهليل والتكبير ، فمن قرأها سبّحوا له إلى يوم القيامة» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ سورة الأنعام نزلت جملة ، شيّعها سبعون ألف ملك حتّى أنزلت على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعظّموها وبجّلوها ، فإنّ اسم الله عزوجل فيها ، في سبعين موضعا ، ولو يعلم الناس ما في قراءتها ما تركوها» (٢).

٣ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «من كتبها بمسك وزعفران ، وشربها ستّة أيّام متوالية ، يرزق خيرا كثيرا ، ولم تصبه سوداء ، وعوفي من الأوجاع والألم بإذن الله تعالى» (٣).

وغير ذلك من الروايات التي تحث الناس على قراءتها ...

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٣.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٥٥ ، ح ١٢.

(٣) خواص القرآن : (مخطوط).

٢٤٣

* س ٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(١) [الأنعام:١]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : «وكان في هذه الآية ردّ على ثلاثة أصناف منهم ، لما قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فكان ردا على الدهرية الذين قالوا : إنّ الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ثمّ قال : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فكان ردا على الثنوية الذين قالوا : إنّ النور والظلمة هما المدبران.

ثمّ قال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فكان ردا على مشركي العرب الذين قالوا : إن أوثاننا آلهة» (١).

وقال أبو إبراهيم عليه‌السلام : «يعدلون بين الظلمات والنور ، وبين الجور والعدل» (٢).

* س ٣ : ما هو الأجل المسمى والأجل المقضي ، في قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)(٢) [الأنعام:٢]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير الأجل المقضي والأجل المسمى ، نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الأجل المقضيّ : هو المحتوم الذي قضاه الله وحتّمه ، والمسمّى : هو الذي فيه ابتداء ، يقدّم ما يشاء ، ويؤخّر ما يشاء ،

__________________

(١) تفسير «نور الثقلين» : ج ١ ، ص ٧٠١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٤ ، ح ٤.

٢٤٤

والمحتوم ليس فيه تقديم ولا تأخير» (١).

٢ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المسمّى ما سمّي لملك الموت في تلك الليلة ، وهو الذي قال الله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(٢) وهو الذي سمّي لملك الموت في ليلة القدر ، والآخر له في المشيئة ، إن شاء قدّمه ، وإن شاء أخّره» (٣).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الأجل الأوّل هو ما نبذه إلى الملائكة والرّسل والأنبياء ، والأجل المسمّى عنده هو الذي ستره الله عن الخلائق» (٤).

* س ٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ)(٣) [الأنعام:٣]؟!

الجواب / ـ قال أبو جعفر محمد بن النعمان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) قال : «كذلك هو في كلّ مكان».

قلت : بذاته؟

قال : «ويحك ، إنّ الأماكن أقدار ، فإذا قلت : في مكان بذاته ، لزمك أن تقول : في أقدار ، وغير ذلك ، ولكن هو بائن من خلقه محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا وملكا ، وليس علمه بما في الأرض بأقلّ ممّا في السّماء ، ولا يبعد منه شيء ، والأشياء له سواء ، علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة» (٥).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

(٢) الأعراف : ٣٤ ، النحل : ٦١.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٤ ، ح ٦.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ٩.

(٥) التوحيد : الصدوق ، ص ١٣٢ ، ح ١٥.

٢٤٥

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) ، السّر ما أسرّ في نفسه ، والجهر ما أظهره ، والكتمان ما عرض بقلبه ثمّ نسيه (١).

* س ٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٥) [الأنعام:٤ ـ ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي في الآية الأولى الإخبار من الله تعالى أنه لا يأتي هؤلاء الكفار ـ المذكورين في أول الآية ـ من آيات ربهم ، وهي المعجزات التي يظهرها على رسوله وآيات القرآن التي كان؟ لها على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لا يقبلونها ، ولا يستدلون بها على ما دلهم الله عليه من توحيده وصدق رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أما في الآية الثانية أخبار منه تعالى أن الكفار قد كذبوا بالحق الذي أتاهم به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما جاءهم بالقرآن ، وسائر أمور الدين ، وأنه سوف يأتيهم خبر العذاب الذي ينزله بهم عقوبة على كفرهم ، وهذا العذاب هو الذي كانوا به يستهزءون ، بأخبار رسول الله إياهم به وبنزوله بهم. فبين أن ذلك سيحل بهم وسيقفون على صحته. ودل ذلك على أنهم كانوا يستهزءون ، وإن كان لم يذكره ههنا وذكره في موضع آخر. ومثل ذلك قول القائل للجاني عليه : سيعلم عملك. وإنما يريد ستجازى على عملك.

وقال الزجاج : معنى (أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي تأويله. والمعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم (٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

(٢) التبيان : الشيخ الطوسي ، ج ٤ ، ص ٧٩.

٢٤٦

* س ٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٦) [الأنعام:٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : قوله «ألم يرووا» خطاب للغائب وتقديره ألم ير هؤلاء الكفار : ألم يعلموا كم أهلكنا من قبلهم من قرن. ثم قال مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم» فخاطب خطاب المواجه ، فكأنه أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم خاطبه معهم ، كما قال : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ)(١) فذكر لفظ الغائب بعد خطاب المواجه. ومعنى «من قرن» من أمة ... وقال الزجاج : عندي القرن هو أهل كل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم ، قلت السنون أو كثرت ، فيسمى ذلك قرنا ، بدلالة قوله عليه‌السلام : «خيركم قرني» يعني أصحابي «ثم الذين يلونهم» يعني التابعين «ثم الذين يلونهم» يعني تابعي التابعين. قال : وجائز أن يكون القرن جملة الأمة ، وهؤلاء قرن فيها. واشتقاق القرن من الاقتران ، وكل طبقة مقترنين في وقت قرن ، والذين يأتوا بعدهم ذووا اقتران : قرن آخر.

وقوله (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) معناه جعلناهم ملوكا وأغنياء تقول مكنتك ، ومكنت لك واحد.

وقوله : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) معناه أرسلنا عليهم مطرا كثيرا من السماء يقول القائل أصابتنا هذه السماء ، وما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم ، يعنون المطر. وقوله (مِدْراراً) يعني غزيرا دائما كثيرا ... بين الله تعالى أن هؤلاء الذين أتاهم الله هذه المنافع وأجرى من تحتهم الأنهار ، ووسع عليهم ،

__________________

(١) يونس : ٢٢.

٢٤٧

ومكنهم في الأرض ، لما كفروا بنعم الله وارتكبوا معاصيه أهلكهم الله بذنوبهم ، وأنه أنشأ قوما آخرين بعدهم. يقال : أنشأ فلان يفعل كذا أي ابتدأ فيه.

وموضع (كَمْ) نصب ب (أَهْلَكْنا) ، لأن لفظ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، فلذلك لا يجوز أن يكون منصوبا ب (يَرَوْا). فإن قيل : كيف قال : (أَلَمْ يَرَوْا) والقوم كانوا غير مقرين بما أخبروا به من شأن الأمم قبلهم؟ قيل : كان الكثير منهم مقرا بذلك فإنه دعي بهذه الآية إلى النظر والتدبر ليعرف بذلك ما عرفه غيره (١).

* س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)(٧) [الأنعام:٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لو نزل على نبيه كتابا يعني صحيفة مكتوبة في قرطاس حتى يلمسوه بأيديهم ويدركوه بحواسهم ، لأنهم سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتيهم بكتاب يقرؤونه من الله إلى فلان بن فلان أن آمن بمحمد ، وأنه لو أجابهم إلى ذلك لما آمنوا ، ونسبوه إلى السحر العظيم عنادهم وقساوة قلوبهم وعزمهم على أن لا يؤمنون على كل حال. وعرفه أن التماسهم هذه الآيات ضرب من العنت ومتى فعلوا ذلك اصطلمهم واستأصلهم ، وليس تقتضي المصلحة ذلك ، لما علم في بقائهم من مصلحة للمؤمنين ، وعلمه بمن يخرج من أصلابهم من المؤمنين وأن فيهم من يؤمن فيما بعد ، فلا يجوز اخترام من هذه صفته ...

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ٨٠.

٢٤٨

وقوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) معناه ليس هذا إلا سحر مبين. واحتج أبو علي بهذه الآية على أنه متى كان في معلوم الله تعالى أنه لو أتاهم الآيات التي طلبوها لأمنوا عندها وجب أن يفعلها بهم ، قال : ولو لا ذلك كذلك لم يحتج على العباد في منعه إياهم الآيات التي طلبوها أي إنما منعتهم إياها لأنهم كانوا لا يؤمنون ، ولو أتاهم إياها لكانوا يقولون إنها سحر مبين. وبهذا تبين بطلان قول من قال اللطف ليس بواجب ، وأنه يجوز أن يمنعهم الله ما طلبوا وإن كانوا يؤمنون لو أتاهم ذلك ويكفرون لو منعهم إياه (١).

* س ٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠) [الأنعام:٨ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثم قال تعالى حكاية عن قريش : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) يعني على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) فأخبر عزوجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا ، فاستعفى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الآيات رأفة منه ورحمة على أمّته ، وأعطاه الله الشّفاعة.

ثم قال الله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) ـ [قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لبسوا عليهم ، لبس الله عليهم ، فإنّ الله يقول (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ)(٢)] ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٨٢.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ١٠.

٢٤٩

بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي نزل بهم العذاب ... (١).

* س ٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(١١) [الأنعام:١١]؟!

الجواب / قال أبو ربيع الشاميّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) فقال : «عنى بذلك أي انظروا في القرآن فاعلموا كيف كان عاقبة الّذين من قبلكم ، وما أخبركم عنه» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم القميّ : (قُلْ) لهم ، يا محمّد (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا) أي انظروا في القرآن ، وأخبار الأنبياء (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٣).

* س ١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢) [الأنعام:١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ قال : (قُلْ) لهم (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ثمّ ردّ عليهم فقال : (قُلْ) لهم (لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يعني أوجب الرّحمة على نفسه (٤).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٤٩ ، ح ٣٤٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

٢٥٠

* س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١٤) [الأنعام:١٣ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يعني ما خلق باللّيل والنّهار هو كلّه لله.

ثمّ احتجّ عزوجل عليهم ، فقال : (قُلْ) لهم (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مخترعها. وقوله تعالى : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) .. فإنه محكم (١).

* س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(١٦) [الأنعام:١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ـ في الآية الأولى ـ أمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية أن يقول لهؤلاء الكفار : إنه يخاف ـ إن عصاه ـ عذابه وعقوبته في يوم عظيم وهو يوم القيامة. ومعنى العظيم ـ هاهنا ـ أنه شديد على العباد ، وعظيم في قلوبهم.

وفي الآية دلالة على أن من زعم أن من علم الله أنه لا يعصي فلا يجوز أن يتوعده بالعذاب. وعلى من زعم أنه لا يجوز أن يقال فيما قد علم الله أنه لا يكون أنه لو كان لوجب فيه كيت وكيت ، لأنه كان المعلوم لله تعالى أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعصي معصية يستحق بها العقاب يوم القيامة ، ومع هذا فقد توعده به (٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٤.

(٢) التبيان : ج ٤ ، ص ٩٠.

٢٥١

ولكي يتضح أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستطيع شيئا بغير الإستناد إلى لطف الله ورحمته ، فكل شيء بيد الله وبأمره ، وحتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه يترقب بعين الرجاء رحمة الله الواسعة ، ومنه يطلب النجاة والفوز و (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ).

هذه الآيات تبين منتهى درجات التوحيد ، وترد على الذين كانوا يروون للأنبياء سلطانا مستقلا عن إرادة الله ، كما فعل المسيحيون عند ما جعلوا من المسيح عليه‌السلام المخلّص والمنقذ ، فتقول لهم : إنّ الأنبياء أنفسهم يحتاجون إلى رحمة الله مثلكم (١).

* س ١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(١٨) [الأنعام:١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى الآية الأولى أنه لا يملك النفع والضرر إلا الله تعالى أو من يملكه الله ذلك. فبين تعالى أنه مالك السوء من جهته (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) ولا يملك كشفه سواه مما يعبده المشركون ولا أحد سوى الله ، وأنه إن ناله بخير فهو على ذلك قادر. وقوله يمسك بضر أو بخير ، معناه يمسك ضره أو خيره. فجعل المس لله على وجه المجاز ، وهو في الحقيقة الخير والضر ، وهو مجاز في الخير والضر أيضا ، لأنهما عرضان لا تصح عليهما المماسة. وأراد تعالى بذلك الترغيب في عبادته ، وحده ، وترك عبادة سواه ، لأنه المالك للضر والنفع دون غيره ، وأنه القادر عليهما. والقاهر هو القادر على أن يقهر غيره. فعلى هذا يصح وصفه فيما لم يزل بأنه قاهر. وفي الناس من قال : لا يسمى قاهرا إلا بعد أن يقهر غيره ، فعلى هذا

__________________

(١) الأمثل : ج ٧ ، ص ٢١٨.

٢٥٢

لا يوصف تعالى فيما لم يزل بذلك. ومثل قوله (فَوْقَ عِبادِهِ) قوله : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) والمراد أنه أقوى منهم ، وأنه مقتدر عليهم ، لأن الارتفاع في المكان لا يجوز عليه تعالى ، لأنه من صفات الأجسام. فإذا المراد بذلك أنه مستعل عليهم ، مقتدر عليهم. وكل شيء قهر شيئا فهو مستعل عليه ، ولما كان العابد تحت تسخيره وتذليله وأمره ونهيه ، وصف بأنه فوقهم. وقوله (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) معناه أنه مع قدرته عليهم لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ، ولا يفعل ما فيه مفسدة ، أو وجه قبح لكونه عالما بقبح الأشياء وبأنه غني عنها (١).

* س ١٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(١٩) [الأنعام:١٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال محمّد بن عيسى بن عبيد : قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : «ما تقول إذا قيل لك : أخبرني عن الله عزوجل ، أشيء هو أم لا شيء؟».

قال : قلت : قد أثبت الله عزوجل نفسه شيئا ، حيث يقول (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) وأقول : إنّه شيء لا كالأشياء ، إذ في نفي الشّيئيّة عنه نفيه وإبطاله. قال لي : «صدقت ، وأصبت».

ثمّ قال الرضا عليه‌السلام : «للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي ، وتشبيه ، وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النّفي لا يجوز ، ومذهب التّشبيه لا يجوز ، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يشبهه شيء ، والسّبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه» (٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ٩٢.

(٢) التوحيد : ص ١٠٧ ، ح ٨.

٢٥٣

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) : «وذلك أنّ مشركي أهل مكّة قالوا : يا محمد ، ما وجد الله رسولا يرسله غيرك؟! ما نرى أحدا يصدّقك بالذي تقول. وذلك في أول ما دعاهم ، وهو يومئذ بمكّة قالوا : ولقد سألنا عنك اليهود والنّصارى ، فزعموا أنه ليس لك ذكر عندهم ، فأتنا بمن يشهد أنّك رسول الله. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ)(١).

٣ ـ قال أبو خالد الكابلي : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) حقيقة أي شيء عني بقوله (وَمَنْ بَلَغَ)؟.

قال : فقال : «من بلغ أن يكون إماما من ذرّيّة الأوصياء ، فهو ينذر بالقرآن كما أنذر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في هذه الآية ـ : «بكلّ لسان» (٣).

٤ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) يقول الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن شهدوا فلا تشهد معهم (قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)(٤).

* س ١٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٢٠) [الأنعام:٢٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية في اليهود والنّصارى ، يقول الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) [يعني التوراة والإنجيل] (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّ الله جلّ وعزّ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٦ ، ح ١٣.

(٣) علل الشرائع : ص ١٢٥ ، ح ٣.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٥.

٢٥٤

قد أنزل عليهم في التّوراة والإنجيل والزّبور صفّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفة أصحابه ومبعثه ومهاجره ، وهو قوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)(١) فهذه صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفة أصحابه في التّوراة والإنجيل ، فلمّا بعثه الله عزوجل عرفه أهل الكتاب كما قال الله جلّ جلاله» (٢).

* س ١٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٢١) [الأنعام:٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : أخبر الله تعالى أن من افترى على الله الكذب فوصفه بخلاف صفاته ، وأخبر عنه بخلاف ما أخبر به عن نفسه ، وعن أفعاله أنه لا أحد أظلم لنفسه منه إذ كان بهذا الفعل قد أهلك نفسه وأوقعها في العذاب الدائم في النار. ثم أخبر أن الظالم لا يفلح أي لا يفوز برحمة الله وثوابه ورضوانه ، ولا بالنجاة من النار ، لأن الظلم ـ هاهنا هو الكفر بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذلك لا يغفر بلا خلاف (٣).

* س ١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٢٣) [الأنعام:٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / أتى عليّا عليه‌السلام رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّي شككت في كتاب الله المنزل.

__________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢.

(٣) التبيان : ج ٤ ، ص ٩٦.

٢٥٥

فقال له عليّ عليه‌السلام : «ثكلتك أمّك ، وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟».

فقال له الرّجل : لأنّي وجدت الكتاب يكذّب بعضه بعضا ، وينقض بعضه بعضا.

فقال : «هات الذي شككت فيه؟».

فقال : لأنّ الله يقول : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً)(١) ويقول حيث استنطقوا ، قال الله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ويقول : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً)(٢) ويقول : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)(٣) ويقول : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ)(٤) ويقول : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٥) فمرة يتكلّمون ، ومرّة لا يتكلّمون ، ومرّة ينطق الجلود والأيدي والأرجل ، ومرّة لا يتكلّمون ، ومرّة ينطق الجلود والأيدي والأرجل ، ومرّة لا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن وقال صوابا ، فأنّى ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال له عليّ عليه‌السلام : «إنّ ذلك ليس في موطن واحد ، وهي في مواطن في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة ، فجمع الله الخلائق في ذلك اليوم في موطن يتعارفون فيه ، فيكلّم بعضهم بعضا ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين بدت منهم الطّاعة من الرّسل والأتباع ، وتعاونوا على البرّ والتّقوى في دار الدنيا ، ويلعن أهل المعاصي بعضهم بعضا من الذين بدت

__________________

(١) النبأ : ٣٨.

(٢) العنكبوت : ٢٥.

(٣) ص : ٦٤.

(٤) ق : ٢٨.

(٥) يس : ٦٥.

٢٥٦

منهم المعاصي وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، والمستكبرون منهم والمستضعفون يلعن بعضهم بعضا ويكفّر بعضهم بعضا. ثمّ يجمعون في موطن يفرّ بعضهم من بعض ، وذلك قوله (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)(١) إذا تعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)(٢).

ثمّ يجمعون في موطن يبكون فيه ، فلو أنّ تلك الأصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلائق عن معائشهم ، وصدّعت الجبال ، إلّا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون حتّى يبكون الدم.

ثمّ يجتمعون في موطن يستنطقون فيه ، فيقولون (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) ولا يقرّون بما عملوا ، فيختم على أفواههم وتستنطق الأيدي والأرجل والجلود ، فتنطق ، فتشهد بكلّ معصية بدت منهم ، ثمّ يرفع عن ألسنتهم الختم ، فيقولون لجلودهم وأيديهم وأرجلهم : (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا)؟ فتقول : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)(٣).

ثمّ يجمعوا في موطن يستنطق فيه جميع الخلائق ، فلا يتكلّم أحد إلّا من أذن له الرحمن وقال صوابا. ويجتمعون في موطن يختصمون فيه ، ويدان لبعض الخلائق من بعض ، وهو القول ، وذلك كلّه قبل الحساب ، فإذا أخذ بالحساب ، شغل كلّ امرىء بما لديه ، نسأل الله بركة ذلك اليوم» (٤).

ـ وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) : «يعنون بولاية علي عليه‌السلام» (٥).

__________________

(١) عبس : ٣٤ ـ ٣٦.

(٢) عبس : ٣٧.

(٣) فصلت : ٢١.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ١٦.

(٥) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.

٢٥٧

ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله يعفو يوم القيامة عفوا لا يخطر على بال أحد ، حتّى يقول أهل الشّرك (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(١).

ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ المراد : لم تكن معذرتهم إلا أن قالوا (٢).

* س ١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٤) [الأنعام:٢٤]؟!

الجواب / قال صاحب (الأمثل) : ولكي يعتبر الناس بمصير هؤلاء الأفراد تقول الآية : (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ).

وتنهار المساند التي اختاروا الاستناد إليها وجعلوها شريكة لله ، وخابوا في مسعاهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).

لا بد هنا من ملاحظة النقاط التالية :

١ ـ لا شك أن المقصود بعبارة «انظر» هو النظر بعين العقل ، لا بالعين الباصرة إذ لا يمكن أن ترى مشاهد يوم القيامة رأي العين في هذه الدنيا.

٢ ـ وقوله سبحانه (كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إمّا أن يعني أنهم خدعوا أنفسهم في الدنيا وخرجوا عن طريق الحق ، وإمّا أن يراد منه يوم القيامة حيث يقسمون على أنهم لم يكونوا مشركين ، والحقيقة أنهم بهذا يكذبون على أنفسهم ، فقد كانوا مشركين فعلا (٣).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٧ ، ح ١٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٤٠.

(٣) الأمثل : ج ٧ ، ص ٢٢٨.

٢٥٨

* س ١٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(٢٥) [الأنعام:٢٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ ذكر قريشا فقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ) يعني غطاء (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي صمما (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي يخاصمونك (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أكاذيب الأوّلين (١).

* س ٢٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(٢٦) [الأنعام:٢٦]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) قال : بنو هاشم ، كانوا ينصرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويمنعون قريشا عنه ، وينأون عنه ، أي يباعدون عنه ، ويساعدونه ولا يؤمنون (٢)(٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٦.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٦.

(٣) أقول : ليس جميع بني هاشم بل بعضهم وإلّا أبو طالب وحمزة وجعفر وعلي عليهم‌السلام جميعهم كانوا مؤمنين.

٢٥٩

* س ٢١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧) بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(٢٨) [الأنعام:٢٧ ـ ٢٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) نزلت في بني أمية.

ثمّ قال : (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) قال : من عداوة أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ)(١) ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) إنّهم ملعونون في الأصل» (٢).

٢ ـ عنه عليه‌السلام ، قال : «إن الله قال لماء : كن عذبا فراتا أخلق منك جنّتي وأهل طاتي ، وقال لماء : كن ملحا أجاجا أخلق منك ناري وأهل معصيتي ، فأجرى الماءين على الطّين ، ثمّ قبض قبضة بهذه وهي يمين ، فخلقهم خلقا كالذّرّ ، ثمّ أشهدهم على أنفسهم : ألست بربّكم وعليكم طاعتي؟ قالوا : بلى. فقال للنار : كوني نارا. فإذا نار تأجّج ، وقال لهم : قعوا فيها. فمنهم من أسرع ، ومنهم من أبطأ في السّعي ، ومنهم من لم يبرح مجلسه ، فلمّا وجدوا حرّها رجعوا ، فلم يدخلها منهم أحد.

ثمّ قبض قبضة بهذه ، فخلقهم خلقا مثل الذّرّ ، مثل أولئك ، ثمّ أشهدهم على أنفسهم مثل ما أشهد الآخرين ، ثمّ قال لهم : قعوا في هذه النار. فمنهم من أبطأ ، ومنهم من أسرع ، ومنهم من مر بطرفة عين ، فوقعوا فيها كلّهم ،

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، ح ١٩.

٢٦٠