التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

(فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ). فقال : «أتدري ما آلاء الله؟» قلت : لا. قال : «هي أعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا» (١).

* س ٤٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٧٤) [الأعراف:٧٣ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : وقوله سبحانه : (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها) السهل خلاف الجبل ، وهو ما ليس فيه مشقة للناس أي تبنون في سهولها الدور والقصور ، وإنما اتخذوها في السهول ليصيفوا فيها (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) قال ابن عباس : كانوا يبنون القصور بكل موضع وينحتون من الجبال بيوتا ليكون مساكنهم في الشتاء أحسن وأدفأ. وكانت ثمود بوادي القرى بين المدينة والشام وكانت عاد باليمن وكانت أعمار ثمود من ألف سنة إلى ثلاثمائة (٢).

وأما صالح عليه‌السلام : فهو صالح بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ١٠١ ، ح ٣.

(٢) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص ٦٧٩.

(٣) وقال الثعلبي في العرائس : ص ٥٨ ، صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن حادر بن ثمود.

٣٦١

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرائيل عليه‌السلام كيف كان مهلك قوم صالح؟ فقال : يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة ، لا يجيبونه إلى خير وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم ، قال : يا قوم إني قد بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة وقد بلغت عشرين ومائة سنة ، وأنا أعرض عليكم أمرين إن شئتم فاسألوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما تسألوني ، وإن شئتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد شنأتكم ـ أي أبغضتكم ـ وشنأتموني؟ فقالوا قد أنصفت ، فاتّعدوا ليوم يخرجون فيه ، فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا ، فلما فرغوا دعوه فقالوا يا صالح سل ، فدعا صالح كبير أصنامهم ، فقال ما اسم هذا؟ فأخبروه باسمه فناداه باسمه فلم يجب فقالوا ادع غيره فدعا كلها بأسمائهم ، فلم يجبه واحد منهم ، فقال : يا قوم قد ترون دعوت أصنامكم فلم يجبني واحد منهم ، فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة ، فأقبلوا على أصنامهم فقالوا لها ما بالكن لا تجبن صالحا ، فلم تجب ، فقالوا : يا صالح تنح عنا ودعنا وأصنامنا. قال فرموا بتلك البسط التي بسطوها وبتلك الآنية وتمرغوا في التراب وقالوا لها لئن لم تجبن صالحا اليوم لنفضحن ، ثم دعوه فقالوا يا صالح تعال فسلها ، فعاد فسألها فلم تجبه ، فقال : يا قوم قد ذهب النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة ، فانتدب له سبعون رجلا من كبرائهم فقالوا يا صالح نحن نسألك ، فقال أكل هؤلاء يرضون بكم؟ قالوا : نعم ، فإن أجابك هؤلاء أجبناك ، قالوا : يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وتابعك جميع قريتنا. فقال لهم صالح سلوني ما شئتم ، فقالوا : انطلق بنا إلى هذا الجبل فانطلق معهم ، فقالوا : سل ربك أن يخرج لنا الساعة من هذا الجبل ناقة حمراء شديدة الحمرة وبراء عشراء ـ يعني حاملا ـ بين جنبيها ميل ، فقال :

٣٦٢

سألتموني شيئا يعظم عليّ ويهون على ربي ، فسأل الله ذلك ، فانصدع ـ أي انشق ـ الجبل صدعا كادت تطير منه العقول لما سمعوا صوته واضطراب الجبل كما تضطرب المرأة عند المخاض ، ثم لم يفجأهم إلا ورأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترّت ثم خرج سائر جسدها ، فاستوت على الأرض قائمة فلما رأوا ذلك ، قالوا يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ، فاسأله أن يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك ، فرمت به فدب حولها ، فقال يا قوم أبقي شيء؟ قالوا : لا فانطلق بنا إلى قومنا نخبرهم ما رأيناه ويؤمنوا بك ، فرجعوا فلم يبلغ السبعون الرجل إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا وقالوا سحر ، وثبت الستة وقالوا الحق ما رأيناه ، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها ... (١).

* س ٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ)(٧٦) [الأعراف:٧٥ ـ ٧٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ صالحا عليه‌السلام غاب عن قومه زمانا ، وكان يوم غاب عنهم كهلا مبدّح البطن (٢) ، حسن الجسم ، وافر اللحية ، ورجع خميص البطن خفيف العارضين مجتمعا ، ربعة من الرجال ، فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته ، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة لا ترجع أبدا ، وأخرى شاكّة فيه ، وأخرى على يقين ، فبدأ عليه‌السلام حيث رجع بطبقة الشكّاك فقال لهم : أنا صالح. فكذّبوه وشتموه وزجروه ، وقالوا : نبرأ إلى الله منك ، إنّ صالحا كان في غير صورتك». قال : «فأتى

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ح ٥٤.

(٢) أي واسع البطن.

٣٦٣

الجحّاد فلم يسمعوا منه القول ، ونفروا منه أشدّ النفور.

ثمّ انطلق إلى الطبقة الثالثة ، وهم أهل اليقين ، فقال لهم : أنا صالح ، فقالوا : أخبرنا خبرا لا نشك فيه أنّك صالح ، فإنّا لا نمتري أنّ الله تبارك وتعالى الخالق ينقل ويحوّل في أي صورة شاء ، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء ، وإنّما يصحّ عندنا إذا أتانا الخبر من السّماء.

فقال لهم صالح عليه‌السلام : أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة. فقالوا : صدقت ، وهي التي نتدارس ، فما علامتها؟ فقال : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم. فقالوا : آمنا بالله وبما جئتنا به ، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى : (أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) فقال أهل اليقين : (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) وهم الشّكاك والجحّاد : (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

قال زيد الشحام ، قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم؟ قال : «الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم ، يدل على الله عزوجل ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيّام ـ على الفترة ـ لا يعرفون إماما ، غير أنّهم على ما في أيديهم من دين الله عزوجل ، كلمتهم واحدة ، فلمّا ظهر صالح عليه‌السلام اجتمعوا عليه ، وإنّما مثل القائم عليه‌السلام مثل صالح عليه‌السلام» (١).

* س ٤٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)(٧٩) [الأعراف:٧٧ ـ ٧٩]؟!

الجواب / أقول : كان سبب عقرهم الناقة أن امرأة يقال لها ملكاء كانت

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٣٦ ، ح ٦.

٣٦٤

قد ملكت ثمودا فلما أقبلت الناس على صالح وصارت الرياسة إليه حسدته ، فقالت لامرأة يقال لها قطام وكانت معشوقة قدار بن سالف ولامرأة أخرى يقال لها قبال كانت معشوقة مصدع وكان قدار ومصدع يجتمعان معهما كل ليلة ويشربون الخمر فقالت لهما ملكاء : إن أتاكما الليلة قدار ومصدع فلا تطيعاهما وقولا لهما إن الملكة حزينة لأجل الناقة ولأجل صالح فنحن لا نطيعكما حتى تعقرا الناقة ، فلما أتياهما قالتا لهما هذه المقالة فقالا نحن نكون من وراء عقرها ، فانطلق قدار ومصدع وأصحابهما السبعة فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء وقد كمن لها قدار في أصل صخرة في طريقها وكمن لها مصدع في أصل أخرى ، فمرّت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس فأسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف فكشف عرقوبها فخرجت ورغت رغاة واحدة ثم طعنها في لبتها فنحرها ، وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه ، فلما رأى الفصيل ما فعل بأمه ولى هاربا ثم صعد جبلا ، ثم رغا رغاء تقطع منه قلوب القوم ، وأقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه ، إنما عقرها فلان ولا ذنب لنا ، فقال صالح : انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب فخرجوا يطلبونه في الجبل فلم يجدوه (١).

وكانوا عقروا الناقة ليلة الأربعاء ، فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ، فإن العذاب نازل بكم ، فصاح بهم جبرائيل عليه‌السلام تلك الصيحة ، وكانوا قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعين في طرفة عين ، وكان ذلك في يوم الأربعاء.

__________________

(١) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص ٦٨١ ـ ٦٨٢.

٣٦٥

* س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)(٨٤) [الأعراف:٨٠ ـ ٨٤]؟!

الجواب / في البداية يجب أن نعرف من هو لوط عليه‌السلام؟! ، هو لوط بن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم الخليل عليه‌السلام (١). وقيل إنه كان ابن خالة إبراهيم عليه‌السلام ، وكانت سارة زوجة إبراهيم عليه‌السلام أخت لوط.

أما الفاحشة التي ذكرت في الآيات هي إتيان الرجال في أدبارهم ، وروي ذلك عن أحدهما عليه‌السلام حيث قال : «إن إبليس أتاهم في صورة حسنة فيها تأنيث ، عليه ثياب حسنة ، فجاء إلى شباب منهم ، فأمرهم أن يفعلوا له ، فلو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ، ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلمّا وقعوا به التذّوه ، ثمّ ذهب عنهم وتركهم ، فأحال بعضهم على بعض» (٢).

ونذكر قصة لوط عليه‌السلام وقومه عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام!!!

قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «كان قوم لوط أفضل قوم خلقهم الله عزوجل فطلبهم إبليس لعنه الله الطلب الشديد ، وكان من فضلهم وخيرهم أنهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النساء خلفهم ، فحسدهم إبليس على عبادتهم ، وكانوا إذا رجعوا خرب إبليس ما يعملون ، فقال بعضهم لبعض

__________________

(١) العرائس : الثعلبي ، ص ٩٠.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٤٤ ، ح ٤.

٣٦٦

تعالوا نرصد هذا الذي يخرب متاعنا ، فرصدوه فإذا هو غلام كأحسن ما يكون من الغلمان ، فقالوا أنت الذي تخرب متاعنا؟ فقال نعم مرة بعد مرة ، واجتمع رأيهم على أن يقتلوه فبيتوه عند رجل ، فلمّا كان الليل صاح. فقال : ما لك؟ فقال : كان أبي ينومني على بطنه. فقال : نعم فنم على بطني ، فلم يزل بذلك الرجل حتى علّمه أن يعمل بنفسه ، فأولا علّمه إبليس والثانية علمه هو ، يعني لغيره. ثم انسلّ (١) ففر منهم فأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه شيء لا يعرفونه ، فوضعوا أيديهم فيه حتى اكتفى الرجال بعضهم ببعض ، ثم جعلوا يرصدون مار الطريق فيفعلون به حتى ترك مدينتهم الناس ، ثم تركوا نساءهم ، فأقبلوا على الغلمان ، فلما رأى إبليس لعنه الله أنه قد أحكم أمره في الرجال دار إلى النساء ، فصيّر نفسه امرأة ، ثم قال إن رجالكم يفعلون بعضهم ببعض قلن نعم قد رأينا ذلك ، وعلى ذلك يعظهم لوط. وما زال يوصيهن حتى استكفت النساء بالنساء فلما كملت عليهم الحجة ، بعث الله عزوجل جبرائيل وميكائيل وإسرافيل في زي غلمان عليهم أقبية ، فمروا بلوط وهو يحرث فقال أين تريدون؟ فما رأيت أجمل منكم قط ، قالوا أرسلنا سيدنا إلى رب هذه المدينة ، قال : ولم يبلغ سيدكم ما يفعل أهل هذه القرية؟ يا بني إنهم والله يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتى يخرج الدم! فقالوا له أمرنا سيدنا أن نمر في وسطها ، قال : فلي إليكم حاجة؟ قالوا : وما هي؟ قال : تصيرون هاهنا إلى اختلاط الظلام؟ فجلسوا ، فبعث ابنته فقال : هاتي لهم خبزا وماء وعباءة يتغطون بها من البرد. فلما أن ذهبت إلى البيت أقبل المطر وامتلأ الوادي ، فقال لوط : الساعة تذهب بالصبيان الوادي ، قال : قوموا حتى نمضي ، فجعل لوط ، يمشي في أصل الحائط وجعل الملائكة يمشون وسط

__________________

(١) انسلّ : انطلق في استخفاء.

٣٦٧

الطريق ، فقال : يا بني هاهنا قالوا أمرنا سيدنا أن نمر وسطها. وكان لوط عليه‌السلام يستغل الظلام ومر إبليس لعنه الله فأخذ من حجر امرأته صبيا ، فطرحه في البئر ، فتصايح أهل المدينة على باب لوط عليه‌السلام ، فلما نظروا إلى الغلمان في منزل لوط عليه‌السلام قالوا يا لوط قد دخلت في عملنا؟ قال : هؤلاء ضيفي فلا تفضحون ، قالوا هم ثلاثة خذ واحدا وأعطنا اثنين ، قال وأدخلهم الحجرة وقال لوط عليه‌السلام لو أن لي أهل بيت يمنعونني منكم ، وقد تدافعوا بالباب فكسروا باب لوط وطرحوا لوطا فقال جبرائيل عليه‌السلام إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، فأخذ كفا من بطحاء الرمل فضرب بها وجوههم وقال شاهت الوجوه (١) ، فعمي أهل المدينة كلهم ، فقال لوط : يا رسل ربي بماذا أمركم فيهم؟ قالوا : أمرنا أن نأخذهم بالسحر ، قال : تأخذونهم الساعة؟ ، قالوا : يا لوط إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب؟ فخذ أنت بناتك وامض.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : رحم الله لوطا لو يدري من معه في الحجرة لعلم أنه منصور حين يقول لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، أي ركن أشد من جبرائيل معه في الحجرة. وقال الله عزوجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي من ظالمي أمتك إن عملوا عمل قوم لوط (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : إنه لما انتصف الليل سار لوط ببناته وتولت امرأته مدبرة فانقطعت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أن لوطا قد سار ببناته ، قال جبرائيل عليه‌السلام وإني نوديت من تلقاء العرش لما طلع الفجر يا جبرائيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط ، فأقلعها من تحت سبع أرضين ثم عرج بها إلى السماء فأوقفها حتى يأتيك أمر الجبار في قلبها

__________________

(١) أي قبحت وهو دعاء عليهم.

(٢) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : للصدوق ، ص ٣١٢.

٣٦٨

ودع منها آية من منزل لوط عبرة للسيارة فهبطت على أهل القرية فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقيها وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى عليه غربيها فاقتلعتها من تحت سبع أرضين إلا منزل آل لوط ، ثم عرجت بها في خوافي جناحي حتى أوقفتها حيث يسمع أهل السماء صياح ديوكها ونباح كلابها ، فلما طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش يا جبرائيل إقلب القرية على القوم فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها وأمطر الله عليهم حجارة من سجيل ، وكان موضع قريتهم بنواحي الشام ، وقلبت بلادهم ، فوقعت فيها بين بحر الشام إلى مصر فصارت تلولا في البحر (١).

* س ٤٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨) قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا

__________________

(١) علل الشرائع : ج ٢ ، ص ٢٧١ ، باب ٣٤٠ ، ح ٥.

٣٦٩

وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ)(٩٣) [الأعراف:٨٥ ـ ٩٣]؟!

الجواب / قال أمين الإسلام الطبرسي في قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ) أي أهل مدين أو هو اسم القبيلة. قيل إن مدين ابن إبراهيم الخليل ، فنسب القبيلة إليه. قال عطاء : هو شعيب بن توبة بن مدين بن إبراهيم ، وكان خطيب الأنبياء لحسن مراجعة قومه وهم أصحاب الأيكة. وقال قتادة : أرسل شعيب مرتين إلى أهل مدين مرة ، وإلى أصحاب الأيكة مرة (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) أي أدوا حقوق الناس على التمام في المعاملات.

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي لا تنقصوهم حقوقهم.

(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أي لا تعملوا في الأرض بالمعاصي واستحلال المحرمات ، بعد أن أصلحها الله بالأمر والنهي وبعثة الأنبياء.

(وَلا تَقْعُدُوا) فإنهم كانوا يقعدون على طرق من قصد شعيبا للإيمان به ، فيخوفونه بالقتل ، أو إنهم كانوا يقطعون الطريق فنهاهم عنه.

(وَتَبْغُونَها عِوَجاً) بأن تقولوا هو باطل. (فَكَثَّرَكُمْ) أي كثر عددكم.

قال ابن عباس : وذلك أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط ، فولدت ، حتى كثر أولادها (١).

__________________

(١) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص ٦٦٨ ـ ٦٦٩.

٣٧٠

ـ وجاء رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام ، فقال : أنت عليّ بن الحسين؟ قال : «نعم» ، قال : أبوك الذي قتل المؤمنين؟ فبكى عليّ بن الحسين ، ثمّ مسح عينيه ، فقال : «ويلك ، كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين؟» قال : قوله : «إخواننا قد بغوا علينا ، فقاتلناهم على بغيهم». فقال : «ويلك أما تقرأ القرآن؟» ، قال : بلى. قال : «فقد قال الله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً ، وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً)(١) فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟» قال له الرجل : بل في عشيرتهم. قال : «فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم ، وليسوا إخوانهم في دينهم». قال : فرّجت عنّي فرّج الله عنك (٢).

ـ وقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : أول من عمل المكيال والميزان شعيب النبي عليه‌السلام عمله بيده ، فكانوا يكيلون ويوفون ، ثم إنهم بعد أن طففوا في المكيال والميزان وبخسوا في الميزان (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) فعذبوا بها (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ)(٣).

وقال الطبرسي في قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة. وقيل : أرسل الله عليهم حرا شديدا فأخذ الله بأنفاسهم ، فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء وأنضجهم الحر ، فبعث سحابة فيها ريح طيبة ، فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة فنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البرية فلما اجتمعوا تحت السحابة ، ألهبها الله عليهم نارا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد وصاروا رمادا ، وهو عذاب يوم الظلة.

وقيل : بعث الله عليهم صيحة واحدة فماتوا بها ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقيل : إنه كان لشعيب قومان ، قوم أهلكوا بالرجفة وقوم هم

__________________

(١) هود : ٦١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠ ، ح ٥٣.

(٣) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٤٢ ، ح ١٥٣.

٣٧١

أصحاب الظلة (١).

وقال وهب : بعث الله شعيبا إلى أهل مدين ، ولم يكونوا قبيلة شعيب التي كان منها ولكنهم كانوا أمة من الأمم بعث إليهم شعيب ، وكان عليهم ملك جبار ولا يطيقه أحد من ملوك عصره ، وكانوا ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم مع كفرهم بالله وتكذيبهم لنبيه ، وكانوا يستوفون إذا اكتالوا لأنفسهم أو وزنوا لها ، وكانوا في سعة من العيش ، فأمرهم الملك باحتكار الطعام ونقص المكاييل والموازين ، ووعظهم شعيب ، فأرسل إليه الملك ، ما تقول في ما صنعنا ، أراض أنت أم ساخط؟ فقال شعيب : أوحى الله تعالى إليّ : أن الملك إذا صنع مثل ما صنعت ، يقال له ملك فاجر فكذبه الملك وأخرجه وقومه من المدينة.

قال الله تعالى حكاية عنهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) فزادهم شعيب في الوعظ فقالوا : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) فأذوه بالنفي من بلادهم ، فسلط الله عليهم الحر والغيم ، حتى أنضجهم ، فلبثوا فيه تسعة أيام وصار ماؤهم حميما لا يستطيعون شربه ، فانطلقوا إلى غيضة (٢) لهم ، وهو قوله تعالى : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) فرفع الله لهم سحابة سوداء ، فاجتمعوا في ظلها ، فأرسل الله عليهم نارا منها فأحرقتهم فلم ينج أحد منهم ، وذلك قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) فلما أصاب قومه ما أصابهم ، لحق شعيب والذين آمنوا معه بمكة ، فلم يزالوا بها حتى ماتوا (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : المجلد الثاني ، ص ٦٩٣.

(٢) الغيضة : مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر.

(٣) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، ح ١٥٩.

٣٧٢

والرواية الصحيحة : إن شعيبا عليه‌السلام صار منها إلى مدين ، فأقام بها ، وبها لقيه موسى بن عمران (صلوات الله عليهم) (١). وقال علي عليه‌السلام : إن شعيب النبي عليه‌السلام دعا قومه إلى الله حتى كبر سنه ودق عظمه ، ثم غاب عنهم ما شاء الله ، ثم عاد إليهم شابا ، فدعاهم إلى الله عزوجل. فقالوا : ما صدقناك شيخا فكيف نصدقك شابا (٢).

* س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)(٩٤) [الأعراف:٩٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم ذكر سبحانه بعدما اقتص من قصص الأنبياء ، وتكذيب أممهم إياهم ، وما نزل بهم من العذاب ، سنة في أمثالهم ، تسلية لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) من القرى التي أهلكناها بالعذاب. وقيل : في سائر القرى ، (مِنْ نَبِيٍ) وهو من يؤدي عنا بلا واسطة البشر ، فلم يؤمنوا به بعد قيام الحجة عليهم (إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها) يعني : أهل تلك القرية (بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) أي : لينتبهوا ويعلموا أنه مقدمة العذاب ، ويتضرعوا ويتوبوا عن شركهم ، ومخالفتهم ، ويعني بالبأساء : ما نالهم من الشدة في أنفسهم ، والضراء : ما نالهم في أموالهم. وقيل : إن البأساء : الجوع ، والضراء : الأمراض الشديدة ، وقيل : إن البأساء : الجوع ، والضراء : الفقر (٣).

__________________

(١) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ، ح ١٥٩.

(٢) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٤٥ ، ح ١٥٦.

(٣) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٣١٠.

٣٧٣

* س ٤٩ : ما معنى : (حتى عفوا) في قوله تعالى :

(ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٩٥) [الأعراف:٩٥]؟!

الجواب / قال الحسين بن علي عليهما‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حفّوا الشّوارب وأعفوا اللّحى ولا تتشبّهوا بالمجوس».

قال ابن بابويه : قال الكسائي : قوله «تعفى» يعني توفّر وتكثّر ، قال الله عزوجل : (حَتَّى عَفَوْا) يعني كثروا (١).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ)(٩٨) [الأعراف:٩٦ ـ ٩٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم بين سبحانه أن كل من أهلكه من الأمم المتقدم ذكرهم ، إنما أتوا في ذلك من قبل نفوسهم ، فقال (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) التي أهلكناها بسبب جحودهم وعنادهم ، (آمَنُوا) ، وصدقوا رسلنا (وَاتَّقَوْا) الشرك والمعاصي (لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ) أي : خيرات نامية (مِنَ السَّماءِ) بإنزال المطر (وَ) من (الْأَرْضِ) بإخراج النبات والثمار ، كما وعد نوح بذلك أمته فقال : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) الآيات. وقيل : بركات السماء : إجابة الدعاء ، وبركات الأرض ، تيسير الحوائج (وَلكِنْ كَذَّبُوا) الرسل (فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المعاصي والمخالفة ، وتكذيب

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٩١ ، ح ١.

٣٧٤

الرسل ، فحبسنا السماء عنهم ، وأخذناهم بالضيق عقوبة لهم على فعلهم. (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) المكذبون لك يا محمّد (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا) أي : عذابنا (بَياتاً) : ليلا (١). (وَهُمْ نائِمُونَ) في فرشهم ومنازلهم ، كما أتى المكذبين قبلهم.

(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى) أي : عذابنا نهارا عند ارتفاع الشمس (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) أي : وهم في غير ما ينفعهم ، أو يعود عليهم بنفع ، فإن من اشتغل بدنياه ، وأعرض عن آخرته ، فهو كاللاعب. والمعني بأهل القرى كل أهل قرية يقيم على معاصي الله في كل وقت وزمان ، وإن نزلت بسبب أهل القرى الظالم أهلها ، المشركين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما خص سبحانه هذين الوقتين ، لأنه أراد أنه لا يجوز لهم أن يأمنوا ليلا ، ونهارا ... (٢).

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ)(٩٩) [الأعراف:٩٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ في قوله تعالى : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) : المكر من الله : العذاب» (٣).

وقال صفوان الجمّال : صليت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فأطرق ، ثمّ قال : «اللهم لا تؤمنّي مكرك» ثم جهر فقال : «فلا يأمن مكر الله إلّا القوم الخاسرون» (٤).

__________________

(١) وهو المروي عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٣ ، ح ٥٨.

٣٧٥

* س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ)(١٠١) [الأعراف:١٠٠ ـ ١٠١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ) يعني أو لم نبيّن (مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ).

ثمّ قال : (تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ) يا محمّد (مِنْ أَنْبائِها) يعني من أخبارها (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ) يعني في الذرّ الأوّل. قال : لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذّر الأوّل ، وهو ردّ على من أنكر الميثاق في الذرّ الأوّل (١). (نفس المضمون قاله أبو جعفر عليه‌السلام) (٢).

* س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(١٠٢) [الأعراف:١٠٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ) أي : ما عهدنا عليهم في الذرّ لم يفوا به في الدنيا (وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ)(٣).

وقال الكاظم عليه‌السلام : «نزلت في الشّاكّ» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٨ ، ح ٣.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٦.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ١.

٣٧٦

* س ٥٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣) وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ)(١١٠) [الأعراف:١٣٠ ـ ١١٠]؟!

الجواب / قال عليه‌السلام ـ الحديث مرفوع ـ عن عاصم البصري (١) : «إنّ فرعون بنى سبع مدائن يتحصّن بها من موسى ـ وجعل فيما بينها آجاما وغياضا ، وجعل فيها الأسد ليتحصّن بها من موسى ـ قال : ـ فلمّا بعث الله موسى عليه‌السلام إلى فرعون فدخل المدينة ، فلمّا رآه الأسد تبصبصت (٢) وولّت مدبرة ، ثمّ لم يأت مدينة إلّا انفتح له بابها ، حتى انتهى إلى قصر فرعون الذي هو فيه ـ قال : ـ فقعد على بابه ، وعليه مدرعة من صوف ، ومعه عصاه ، فلمّا خرج الاذن ، قال له موسى عليه‌السلام : استأذن لي على فرعون. فلم يلتفت إليه ـ قال : ـ فقال له موسى : إنّي رسول ربّ العالمين ـ قال : ـ فلم يلتفت إليه.

قال : فمكث بذلك ما شاء الله يسأله أن يستأذن له ـ قال : ـ فلمّا أكثر عليه ، قال له : أما وجد ربّ العالمين من يرسله غيرك؟ قال : فغضب موسى ،

__________________

(١) في المصدر : عاصم المصري ، والظاهر أنّ الصحيح ما أثبتناه ، وهو عاصم بن سليمان البصري المعروف بالكوزي ، عدّه الشيخ الطوسي والنجاشي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، انظر رجال النجاشي : ص ٣٠١ ، رجال الطوسي : ص ٢٦٣ ، معجم رجال الحديث : ٩ / ١٨٤).

(٢) بصبص : حرك ذنبه.

٣٧٧

وضرب الباب بعصاه ، فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلّا انفتح ، حتى نظر إليه فرعون وهو في مجلسه ، فقال : «أدخلوه».

قال : «فدخل عليه وهو في قبّة له مرتفعة ، كثيرة الارتفاع ، ثمانون ذراعا ، قال : فقال : إنّي رسول ربّ العالمين إليك.

قال : فقال : فأت بآية ، إن كنت من الصادقين ـ قال : ـ فألقى عصاه ، وكان لها شعبتان ـ قال : ـ فإذا هي حيّة ، قد وقع إحدى الشعبتين على الأرض ، والشعبة الأخرى في أعلى القبّة ـ قال : ـ فنظر فرعون إلى جوفها وهو يلتهب نيرانا ـ قال : ـ وأهوت إليه فأحدث ، وصاح : يا موسى : خذها» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لما بعث موسى عليه‌السلام إلى فرعون أتى بابه فاستأذن عليه فضرب بعصاه الباب ، فاصطكت الأبواب ففتحت ثم دخل على فرعون فأخبره أنه رسول ربّ العالمين ، وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل فقال : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٢) يعني كفرت نعمتي ، فتجاوبا الكلام ، إلى أن قال موسى : (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ)(٣) فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب ، ودخل فرعون من الرعب ما لم يملك ، فقال فرعون أنشدك الله والرضاع إلا كففتها عني ثم (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ)(٤) فلما أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه وهم بتصديقه ، فقام إليه هامان فقال : بينما أنت إله تعبد إذ صرت تابعا لعبد ثم قال فرعون للملأ الذين حوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٣ ، ح ٦١.

(٢) الشعراء : ١٨ ـ ١٩.

(٣) الشعراء : ٣٠ ـ ٣٣.

(٤) الشعراء : ٣٠ ـ ٣٣.

٣٧٨

يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ)(١)» (٢).

* س ٥٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ)(١١١) [الأعراف:١١١]؟!

الجواب / روى العيّاشي عن يوسف بن ظبيان قال : قال عليه‌السلام : إن موسى وهارون حين دخلا على فرعون ولم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح ـ أي ولد زنا ـ كانوا ولد نكاح كلّهم وإن كان فيهم ولد سفاح لأمر بقتلهما (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) وأمره بالتأني والنظر ، ثم وضع يده على صدره ، قال : وكذلك نحن لا يقصدنا بشر إلا كل خبيث الولادة» (٣).

* س ٥٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢) وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ

__________________

(١) الشعراء : ٣٤ ـ ٣٥.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣١٦.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٤ ، ح ٦٢ نقلا عن قصص الأنبياء والمرسلين : الجزائري ، ص ٢٣٦.

٣٧٩

أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ)(١٢٦) [الأعراف:١١٢ ـ ١٢٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «... وكان فرعون وهامان قد تعلما السحر وإنما غلبا الناس بالسحر وادّعى فرعون الربوبية بالسحر. فلما أصبح بعث في المدائن حاشرين وجمعوا ألف ساحر واختار من الألف ثمانين ، فقال السحرة لفرعون : قد علمت أنه ليس في الدنيا أسحر منا فإن غلبنا موسى فما عندك؟ ، قال : أشارككم في ملكي ، قالوا : فإن غلبنا موسى وأبطل سحرنا ، علمنا أن ما جاء به ليس بسحر ، آمنا به وصدقناه. فقال فرعون : فإن غلبكم موسى صدقته أنا أيضا معكم ، وكان موعدهم يوم عيد لهم.

فلما ارتفع النهار وجمع فرعون الخلق والسحرة ، وكانت له قبة طولها في السماء سبعون ذراعا وقد كانت لبست بالفولاذ المصقول وكان إذا وقعت عليها الشمس لم يقدر أحد أن ينظر إليها من لمع الحديد ووهج الشمس. فقالت السحرة لفرعون : إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ولن يبلغ سحرنا السماء ، وضمنت السحر من في الأرض فقالوا لموسى : إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ)(١) فأقبلت تضطرب مثل الحيّات فقالوا (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ)(٢) فأوجس في نفسه خيفة موسى فنودي : لا تخف إنك أنت الأعلى وألق ما في يمينك فألقى موسى العصا فذابت في الأرض مثل الرصاص ، ثم طلع رأسها وفتحت فاها ووضعت شدقها ـ أي شفتها ـ العليا على رأس قبة فرعون ثم دارت والتقمت عصا السحرة وحبالهم وانهزم الناس حتى رأوا عظمها فقتل في

__________________

(١) الشعراء : ٤٣ ـ ٤٤.

(٢) الشعراء : ٤٣ ـ ٤٤.

٣٨٠