التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

يومئذ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد ، كان فيه زبيب وتمر جميعا ، وأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء.

حرّم الله الخمر قليلها وكثيرها ، وبيعها وشراءها ، والانتفاع بها. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شرب الخمر فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد في الرابعة فاقتلوه.

وقال : حقّ على الله أن يسقي من شرب الخمر ممّا يخرج من فروج المومسات ، والمومسات : الزواني ، يخرج من فروجهنّ صديد. والصديد : قيح ودم غليظ مختلط ، يؤذي أهل النار حرّه ونتنه.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، فإذا عاد فأربعين ليلة من يوم شربها ، فإن مات في تلك الأربعين ليلة من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال ، وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أكفئت فيه الأشربة مسجد الفضيخ من يومئذ ، لأنّه كان أكثر شيء أكفىء من الأشربة الفضيخ.

وأمّا الميسر فالنّرد والشّطرنج ، وكلّ قمار ميسر ، وأمّا الأنصاب ، فالأوثان التي كانوا المشركون يعبدونها ، وأما الأزلام فالأقداح التي كانت يستقسم بها مشركو العرب في [الأمور] في الجاهلية ، كلّ هذا بيعه وشراؤه ، والانتفاع بشيء من هذا حرام محرّم من الله ، وهو رجس من عمل الشيطان ، فقرن الله الخمر والميسر مع الأوثان» (١).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٨٠.

٢٢١

* س ٧٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٩٣) [المائدة:٩٢ ـ ٩٣]؟!

الجواب / يقول عليّ بن إبراهيم : لا تعصوا ولا تركنوا إلى الشّهوات من الخمر والميسر (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يقول : عصيتم (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) إذ قد بلّغ وبيّن فانتهوا.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّه سيكون قوم يبيتون وهم على شرب الخمر واللهو والغناء ، فبينما هم كذلك ، إذ مسخوا من ليلتهم ، وأصبحوا قردة وخنازير ، وهو قوله : (وَاحْذَرُوا) أن تعتدوا كما اعتدى أصحاب السّبت ، فقد كان أملى لهم حتّى أثروا ، وقالوا : إنّ السّبت لنا حلال ، وإنّما كان حراما على أوّلينا ، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت ، فأمّا نحن فليس علينا حرام ، وما زلنا بخير منذ استحللناه ، وقد كثرت أموالنا ، وصحّت أجسامنا ثمّ أخذهم الله ليلا ، وهم غافلون. فهو قوله : (وَاحْذَرُوا) أن يحلّ بكم مثل ما حلّ بمن تعدّى وعصى.

فلمّا نزل تحريم الخمر والميسر ، والتّشديد في أمرهما ، قال الناس من المهاجرين والأنصار : يا رسول الله ، قتل أصحابنا وهم يشربون الخمر ، وقد سمّاه الله رجسا ، وجعله من عمل الشّيطان ، وقد قلت ما قلت ، أفيضرّ أصحابنا ذلك شيئا بعدما ماتوا؟ فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية ، فهذا لمن مات أو قتل قبل تحريم الخمر ، والجناح هو الإثم على من شربها بعد التّحريم» (١).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٨١.

٢٢٢

* س ٧٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٤) [المائدة:٩٤]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت في هذه الآية الشريفة نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا قتل الرّجل المحرم حمامة ، ففيها شاة ، فإن قتل فرخا ، ففيه جمل ، فإن وطىء بيضة فكسرها ، فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق بمكّة ومنى ، وهو قول الله في كتابه : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ) البيض والفراخ (وَرِماحُكُمْ) الأمهات الكبار» (١).

٢ ـ قال حماد الحلبي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) قال : «حشر عليهم [الصيد] من كلّ وجه ، حتّى دنا منهم ليبلونّهم به» (٢).

٣ ـ الحديث مرفوع عن أحمد بن محمّد ، قال عليه‌السلام : «ما تناله الأيدي البيض والفراخ ، وما تناله الرّماح فهو ما لا تصل إليه الأيدي» (٣).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «حشر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الوحوش ، حتّى نالتها أيديهم ورماحهم في عمرة الحديبية ، ليبلوهم الله به» (٤).

٥ ـ قال علي بن إبراهيم : نزلت في غزوة الحديبية ، جمع الله عليهم الصّيد فدخل بين رحالهم ، ليبلونّهم الله ، أي يختبرنّهم ، وقوله تعالى : (لِيَعْلَمَ

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤٢ ، ح ١٩١.

(٢) التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٠٠ ، ح ١٠٢٢.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٩٧ ، ح ٤.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤٣ ، ح ١٩٣.

٢٢٣

اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) قبل ذلك ، ولكنّه عزوجل لا يعذّب أحدا إلّا بحجّة بعد إظهار الفعل (١).

* س ٧٨ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام لقوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٩٥) [المائدة:٩٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) : «في النّعامة بدنة ، وفي حمار وحشي بقرة ، وفي الظّبي شاة ، وفي البقرة بقرة» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) : «فالعدحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإمام من بعده يحكم به ، وهو ذو عدل ، فإذا علمت ما حكم الله به من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام فحسبك ، ولا تسأل عنه» (٣).

٣ ـ قال أبو عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث شاء ، إلّا فداء الصّيد ، فإنّ الله عزوجل يقول : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٤).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٨٢.

(٢) التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٤١ ، ح ١١٨١.

(٣) التهذيب : ج ٦ ، ص ٣١٤ ، ح ٨٦٧.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٨٤ ، ح ٢.

٢٢٤

٤ ـ قال محمّد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً). قال : «العدل الهدي ما بلغ يتصدق به ، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ ، لكلّ طعام مسكين يوما» (١).

وقال علي بن الحسين عليه‌السلام للزّهريّ : «صوم جزاء الصّيد واجب ، قال الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) ـ إلى قوله ـ (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) أو تدري كيف يكون عدل ذلك صياما ، يا زهريّ؟ فقلت : لا أدري. قال : «يقوم الصيد ـ قال ـ ثم تفضّ القيمة على البرّ ، ثم يكال ذلك البرّ أصواعا ، ثمّ يصوم لكلّ نصف صاع يوما» (٢).

٥ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أصاب المحرم الصّيد خطأ فعليه كفّارة ، فإن أصابه ثانية [خطأ فعليه الكفّارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه] متعمّدا [كان عليه الكفّارة ، فإن أصابه ثانية معتمدا] فهو ممّن ينتقم الله منه ، ولم يكن عليه الكفّارة» (٣).

* س ٧٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)(٩٦) [المائدة:٩٦]؟!

الجواب / قال عليه‌السلام لزيد الشحام ـ عندما سئل عن هذه الآية ـ : «هي الحيتان المالح ، وما تروّدت منه أيضا ، وإن لم يكن مالحا فهو متاع» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن يصيد المحرم السّمك ويأكل طريّه

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٤٢ ، ح ١١٨٤.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤٤ ، ح ٢٠١.

(٣) التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٧٢ ، ح ١٢٩٨.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٢١٠.

٢٢٥

ومالحه ، ويتزوّد ، قال الله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) فليخير ـ وقيل فليختر ـ الذين يأكلون».

وقال : «فصل بينهما : كلّ طير يكون في الأجام يبيض في البر ويفرخ في البرّ فهو من صيد البر ، وما كان من الطير يكون في البحر [ويفرخ في البحر] فهو من صيد البحر» (١).

وقال عليه‌السلام : «وما كان من صيد البرّ يكون في البرّ ويبيض في البحر [ويفرّخ في البحر] فهو من صيد البحر» (٢).

* س ٨٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٩٧) [المائدة:٩٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : في قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ) : «جعلها الله لدينهم ومعايشهم» (٣).

وفي رواية أخرى قال عليه‌السلام : «من أتى هذا البيت يريد شيئا للدنيا والآخرة أصابه» (٤).

وقال عليّ بن إبراهيم : في معنى (الشهر الحرام) : وهو ذو الحجّة ، وهو من أشهر الحرم.

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ، ص ٣٦٥ ، ح ١٢٧٠.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٩٢ ، ح ١.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٢١١.

(٤) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٨٢.

٢٢٦

وفي معنى (الْهَدْيَ) : وهو الذي يسوقه إذا أحرم.

وفي معنى (الْقَلائِدَ) : يقلّدها النّعل الذي قد صلّى فيها (١).

* س ٨١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ)(٩٩) [المائدة:٩٨ ـ ٩٩]؟!

الجواب / أقول : الآية الأولى تؤكد التشريعات التي تضمنتها الآيات السابقة وتحث الناس على اتباعها وتهدد المخالفين والعاصين فتقول : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). ولعل تقديم (شَدِيدُ الْعَذابِ) على (غَفُورٌ رَحِيمٌ) إشارة إلى أنّ عقاب الله الشديد يمكن إطفاؤه بماء التوبة والدخول في رحمة الله وغفرانه.

ومرة أخرى تؤكد الآية على أنّ الناس هم المسؤولون عن أعمالهم ، وأنّ النبيّ مسؤول عن تبليغ الرسالة لا غير و (ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) وفي الوقت نفسه : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) ـ أي تظهرون وتسرون ـ.

* س ٨٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١٠٠) [المائدة:١٠٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : معنى قوله : «لا يستوي» لا يتساوى. والاستواء على أربعة أقسام :

١ ـ استواء في المقدار.

٢ ـ واستواء في المكان.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٠.

٢٢٧

٣ ـ واستواء في الذهاب.

٤ ـ واستواء في الإنفاق.

والاستواء بمعنى الاستيلاء راجع إلى الاستواء في المكان ، لأنه تمكن واقتدار ....

.... ومعنى الآية : أنه لا يتساوى الحرام والحلال وأن أعجبك يا محمد كثرة ما تراه من الحرام والمراد به أمته. وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) معناه اجتنبوا ما حرمه عليكم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يعني يا أولي العقول (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) معناه لتفلحوا وتفوزوا بالثواب العظيم الدائم (١).

* س ٨٣ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ)(١٠٢) [المائدة:١٠١ ـ ١٠٢]؟!

الجواب / الأقوال في سبب نزول هاتين الآيتين مختلف في مصادر الحديث والتفسير نذكر منها ما ينسجم مع سبب نزول هاتين الآيتين :

١ ـ ما جاء في تفسير «مجمع البيان» عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : «خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «إنّ الله كتب عليكم الحج» فقام عكاشة بن محصن وقيل سراقة بن مالك فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال رسول الله : «ويحك ما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني كما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ٣٤.

٢٢٨

على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام لحنان بن سدير : «أنّ صفيّة بنت عبد المطّلب مات ابن لها فأقبلت ، فقال لها عمر ابن الخطّاب : غطي قرطك ، فإنّ قرابتك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تنفعك شيئا ، فقالت له : وهل رأيت لي قرطا ، يا بن اللخناء؟! ثم دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبرته بذلك ، وبكت ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال : ما بال أقوام يزعمون أنّ قرابتي لا تنفع؟! لو قد قمت المقام المحمود لشفعت في أحوجكم ، لا يسألني اليوم أحد من أبوه إلّا أخبرته ، فقام إليه رجل ، فقال : من أبي يا رسول الله؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى إليه ، أبوك فلان بن فلان. فقام إليه رجل آخر فقال : من أبي يا رسول الله؟ فقال : أبوك الذي تدعى إليه. ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما بال الذي يزعم أنّ قرابتي لا تنفع لا يسألني عن أبيه؟! فقام إليه عمر فقال : أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله ، اعف عنّي ، عفا الله عنك ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إلى قوله (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ)(٢).

أقول : ينبغي ألا يظن أحد بأن سبب نزول هاتين الآيتين يعني غلق أبواب السؤال وباب تفهم الأمور بوجوه الناس ، لأن القرآن في آياته يأمر الناس صراحة بالرجوع إلى أصحاب الخبرة في فهم الأمور : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) بل المقصود هو الأسئلة التافهة والتحجج ، والإلحاح المؤدي غالبا إلى تشويش أفكار الناس وقطع التسلسل الفكري للخطيب.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، وتفسير الدر المنثور.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٨٨.

٢٢٩

* س ٨٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(١٠٣) [المائدة:١٠٣]؟!

الجواب / قال ابن بابويه ... قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ).

«إنّ أهل الجاهليّة كانوا إذا ولدت الناقة ولدين في بطن واحد ، قالوا : وصلت ، فلا يستحلون ذبحها ولا أكلها ، وإذا ولدت عشرة جعلوها سائبة ، ولا يستحلون ظهرها ، ولا أكلها ، والحام : فحل الإبل ، لم يكونوا يستحلونه ، فأنزل الله عزوجل أنّه لم يكن يحرّم شيئا من ذلك».

ثمّ قال ابن بابويه : وقد روي أن البحيرة : الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن ، فإن كان الخامس ذكرا نحروه ، فأكله الرجال والنساء ، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها أي شقوها ، وكانت حراما على النساء والرجال لحمها ولبنها ، فإذا ماتت حلت للنّساء.

والسائبة : البعير يسيّب بنذر يكون على الرجل إن سلمه الله عزوجل من مرض أو بلغه منزله أن يفعل ذلك.

والوصيلة من الغنم : كانوا إذا ولدت الشّاة سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذبح فأكل منه الرّجال والنّساء ، وإن كان أنثى تركت في الغنم ، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها. فلم تذبح. وكان لحمها حراما على النّساء ، إلّا أن يموت منها شيء ، فيحلّ أكلها للرّجال والنّساء. والحام : الفحل إذا ركب ولد ولده ، قالوا : قد حمى ظهره ، قال : وقد يروى أنّ الحام هو من الإبل إذا أنتج عشرة أبطن ، قالوا : قد حمى ظهره ، فلا يركب ، ولا يمنع من كلأ ولا ماء (١).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٨ ، ح ١.

٢٣٠

* س ٨٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(١٠٤) [المائدة:١٠٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : أخبر الله تعالى عن الكفار الذين أخبر عنهم أنهم لا يعقلون ، والذين جعلوا البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، و (الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) من كفار قريش وغيرهم من العرب بأنه (إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) أي هلموا (إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن واتباع ما فيه ، والإقرار بصحته (وَإِلَى الرَّسُولِ) وتصديقه ، والاقتداء به وبأفعاله (قالُوا) في الجواب عن ذلك (حَسْبُنا) أي كفانا (ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) يعني مذاهب آبائنا. ثم أخبر تعالى منكرا عليهم فقال : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) أي إنهم يتبعون آباءهم في ما كانوا عليه من الشرك وعبادة الأوثان وإن كان آباؤهم لا يعلمون شيئا من الدين ولا يهتدون إليه. وقيل في معنى (لا يَهْتَدُونَ) قولان :

١ ـ الذم بأنهم ضلال.

٢ ـ أنهم لا يهتدون إلى طريق العلم بمنزلة العمي عن الطريق.

وفي الآية دلالة على فساد التقليد ، لأن الله تعالى أنكر عليهم تقليد الآباء فدل ذلك على أنه لا يجوز لأحد أن يعمل على شيء من أمر الدين إلّا بحجة.

وفيها دلالة على وجوب المعرفة وأنها ليست ضرورية ، لأن الله تعالى بين الحجاج عليهم في هذه الآية ليعرفوا صحة ما دعا الرسول إليه ، ولو كانوا يعرفون الأحق ضرورة لم يكونوا مقلدين لآبائهم وكان يجب أن يكون آباؤهم أيضا عارفين ضرورة ، ولو كانوا كذلك لما صح الإخبار عنهم بأنهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون. وإنما نفى عنهم الاهتداء والعلم معا لأن بينهما فرقا وذلك أن الاهتداء لا

٢٣١

يكون إلا عن بيان وحجة. والعلم مطلق وقد يكون الاهتداء ضرورة (١).

* س ٨٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٠٥) [المائدة:١٠٥] وفيمن نزلت؟!

الجواب / روي أنّ أبا ثعلبة الخشني سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية :

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك حتى إذا رأيت شحّا مطاعا ، وهوى متّبعا ، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ، ودع عنك أمر العامّة» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية في التقيّة» (٣).

* س ٨٧ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦) فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٧) ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(١٠٨)

الجواب / ١ ـ سبب نزولها :

__________________

(١) التبيان : ج ٤ ، ص ٤٠.

(٢) مصباح الشريعة : ص ١٨.

(٣) نهج البيان : ج ٢ ، ص ١٠٧ (مخطوط).

٢٣٢

(عن علي بن إبراهيم عن رجاله) ، رفعه ، قال : «خرج تميم الدّاري ، وابن بيدي ، وابن أبي مارية نصرانيين ، وكان مع تميم الداري خرج له ، فيه متاع وآنية منقوشة بالذّهب ، وقلادة أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع ، فاعتلّ تميم الداري علّة شديدة ، فلمّا حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بيدي وابن أبي مارية ، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته ، فقدما المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة ، وأوصلا سائر ذلك إلى ورثته ، فافتقد القوم الآنية والقلادة ، فقال أهل تميم لهما : هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرة؟ فقالا : لا ، ما مرض إلّا أيّاما قلائل. قالوا : فهل سرق منه شيء في سفره هذا؟ قالا : لا.

قالوا : فهل اتّجر تجارة خسر فيها؟ ، قالا : لا. قالوا فقد افتقدنا أفضل شيء كان معه ، آنية منقوشة بالذّهب ، مكلّلة بالجوهر ، وقلادة.

فقالا : ما دفع إلينا فقد أدّيناه إليكم. فقدّموهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأوجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما اليمين ، فحلفا ، فخلّى عنهما.

ثم ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما ، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، قد ظهر على ابن بيدي وابن أبي مارية ما ادّعيناه عليهما. فانتظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله عزوجل الحكم في ذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) ـ إلى قوله ـ (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) فأطلق الله عزوجل شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط ، إذا كان في سفر ولم يجد المسلمين ، ثمّ قال : (فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) ـ إلى قوله ـ (إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) فهذه الشهادة الأولى التي جعلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) أي أنّهما حلفا على كذب (فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما) يعني من أولياء المدّعي (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) أي يحلفان بالله أنّهما أحق بهذه

٢٣٣

الدعوى منهما ، وأنّهما قد كذبا فيما حلفا بالله (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولياء تميم الداري أن يحلفوا بالله على ما أمرهم به ، فحلفوا فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القلادة والآنية من ابن بيدي وابن أبي مارية وردّهما على أولياء تميم الداري (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ)(١).

٢ ـ تفسيرها :

قال محمد بن يحيى : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) ـ إلى قوله ـ (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ).

قال : «اللذان منكم : مسلمان ، واللذان من غيركم : من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنّ في المجوس سنّة أهل الكتاب في الجزية ، وذلك إذا مات الرّجل في أرض غربة ، فلم يجد مسلمين ، أشهد رجلين من أهل الكتاب ، يحبسان بعد الصلاة فيقسمان بالله عزوجل (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) ـ قال ـ وذلك إذا ارتاب وليّ الميّت في شهادتهما ، فإن عثر على أنّهما شهدا بالباطل ، فليس له أن ينقض شهادتهما ، حتّى يجيء بشاهدين ، فيقومان مقام الشاهدين الأوّلين ، فيقسمان بالله (لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأوّلين ، وجازت شهادة الآخرين ، يقول الله عزوجل : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ)(٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٥ ، ح ٧.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٤ ، ح ٦.

٢٣٤

* س ٨٨ : ما هو تأويل قوله تعالى :

(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ)(١٠٩) [المائدة:١٠٩]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إنّ لهذا تأويلا ، يقول : ماذا أجبتم في أوصيائكم الذين خلّفتم على أممكم؟ ـ قال ـ فيقولون : لا علم لنا بما فعلوا من بعدنا» (١).

* س ٨٩ : لماذا بعث الله عيسى عليه‌السلام بالطبّ ، كما بينه قوله تعالى :

(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)(١١٠) [المائدة:١١٠]؟!

الجواب / قبل الجواب على السؤال : نقول هذه الآية والآيات التالية لها حتى آخر سورة المائدة تختص بسيرة حياة السيد المسيح عليه‌السلام والنعم التي أسبغها الله عليه وعلى أمته ، يبينها الله هنا لتوعية المسلمين وإيقاظهم ...

أما الجواب على السؤال ، قال ابن السكّيت لأبي الحسن الرّضا عليه‌السلام : لماذا بعث الله عيسى عليه‌السلام بالطبّ؟!

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : ... وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى عليه‌السلام في وقت ظهرت فيه الزّمانات (٢) ، واحتاج الناس إلى الطبّ ، فأتاهم من عند

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٣٨ ، ح ٥٣٥.

(٢) الزمانات : الأمراض التي تدوم زمنا طويلا.

٢٣٥

الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيا لهم الموتى ، وأبرأ لهم الأكمه والأبرص ، بإذن الله عزوجل ، وأثبت به الحجّة عليهم ... (١).

* س ٩٠ : ماذا يعني «أوحيت» في قوله تعالى :

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ)(١١١) [المائدة:١١١] ، ولماذا سُمي الحواريون بالحواريين؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ليوسف الصنعنانيّ ، عن قوله تعالى : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) ، «ألهموا» (٢).

أما سبب التسمية :

قال الحسن بن علي بن فضّال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : لم سمّي الحواريّون الحواريّين؟

قال : «أمّا عند الناس فإنّهم سمّوا الحواريّين لأنّهم كانوا قصارين ، يخلّصون الثياب من الوسخ بالغسل ، وهو اسم مشتق من الخبز الحوّار ، وأمّا عندنا فسمّي الحواريّون الحواريّين لأنّهم كانوا مخلصيين في أنفسهم ، ومخلّصين لغيرهم من أوساخ الذنوب ، بالوعظ والتذكير».

قال : فقلت له : فلم سمّي النّصارى نصارى؟

قال : «لأنّهم كانوا من قرية اسمها ناصرة ، من بلاد الشام ، نزلتها مريم ونزلها عيسى عليه‌السلام بعد رجوعهما من مصر» (٣).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ١٢١ ، ح ٦.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٥٠ ، ح ٢٢١.

(٣) علل الشرائع : ص ٨٠ ، ح ١.

٢٣٦

* س ٩١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(١١٥) [المائدة:١١٢ ـ ١١٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «معنى الآية : هل تستطيع أن تدعو ربّك» (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي عيسى العلويّ : «المائدة التي نزلت على بني إسرائيل مدلاة بسلاسل من ذهب ، عليها تسعة أحوات ، وتسعة أرغفة» (٢).

٣ ـ قال الطبرسيّ : روي عن عمّار بن ياسر ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «نزلت المائدة خبزا ولحما ، وذلك لأنّهم سألوا عيسى عليه‌السلام طعاما لا ينفذ يأكلون منه ـ قال ـ فقيل لهم : إنّها مقيمة لكم ما لم تخونوا أو تخبّئوا أو ترفعوا ، فإن فعلتم ذلك عذبتم». قال : «فما مضى يومهم حتّى خبّأوا ورفعوا وخانوا» (٣).

٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ عيسى بن مريم قال لبني إسرائيل : صوموا ثلاثين يوما ، ثمّ اسألوا الله تعالى ما شئتم يعطيكموه. فصاموا ثلاثين

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٤٠٦.

(٢) قصص الأنبياء للراوندي : ص ١٨٥ ، ح ٢٢٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٤١٠.

٢٣٧

يوما ، فلمّا فرغوا قالوا : يا عيسى ، إنّا لو عملنا لأحد من الناس فقضينا عمله لأطعمنا طعاما ، وإنا صمنا كما أمرنا ، وجعنا ، فادع الله أن ينزّل علينا مائدة من السّماء ، فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها ، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس ، كما أكل منها أولهم (١).

* س ٩٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(١١٧) [المائدة:١١٦ ـ ١١٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال سليمان بن خالد : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، قول الله لعيسى : (أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) قال الله بهذا الكلام؟

فقال : «إن الله إذا أراد أمرا أن يكون قصّه قبل أن يكون ، كأن قد كان» (٢).

٢ ـ قال جابر الجعفي ، قال أبو جعفر عليه‌السلام في تفسير هذه الآية (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

«إنّ اسم الله الأكبر ثلاثة وسبعون حرفا ، فاحتجب الربّ تبارك وتعالى منها بحرف ، فمن ثمّ لا يعلم أحد ما في نفسه عزوجل ، أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا ، فتوارثها الأنبياء حتّى صارت إلى عيسى عليه‌السلام ، فذلك قول

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٤١٠.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٥١ ، ح ٢٢٩.

٢٣٨

عيسى عليه‌السلام : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الأكبر ، يقول : أنت علّمتنيها ، فأنت تعلمها (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) يقول : لأنّك احتجبت من خلقك بذلك الحرف ، فلا يعلم أحد في نفسك» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم : فيقول عيسى عليه‌السلام : (سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ) ـ إلى قوله ـ (وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) والدليل على أنّ عيسى عليه‌السلام لم يقل لهم ذلك قوله : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(٢)(٣).

* س ٩٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١١٨) [المائدة:١١٨]؟!

الجواب / قال أبو ذرّ : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة فقرأ بآية حتّى أصبح يركع بها ويسجد بها (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) الآية. فلمّا أصبح قلت : يا رسول الله ، ما زلت تقرأ هذه الآية حتّى أصبحت! قال : إني سألت ربّي الشّفاعة لأمّتي فأعطانيها ، وهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا» (٤).

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٥١ ، ح ٢٣٠.

(٢) المائدة : ١١٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٩٠.

(٤) الدر المنثور : ج ٣ ، ص ٢٤٠.

٢٣٩

* س ٩٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١١٩) [المائدة:١١٩]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «حقيقة الصّدق تقتضي تزكية الله تعالى لعبده ، كما ذكر عن صدق عيسى عليه‌السلام في القيامة ، بسبب ما أشار إليه من صدقه ، وهو براءة للصّادقين من رجال أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الله عزوجل : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) الآية» (١).

* س ٩٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٢٠) [المائدة:١٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : ... ثم قال تعالى : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ) يعني : إن ملك السماوات والأرض وما بينهما له بالقدرة على التصرف فيهما وفيما بينهما على وجه ليس لأحد منعه منه ولا معارضته فيه خاصة ، ثم بين أنه تعالى : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مما كان ويكون مما يصح أن يكون مقدورا له (٢).

__________________

(١) مصباح الشريعة : ص ٣٥.

(٢) التبيان : ج ٤ ، الطوسي ، ص ٧٤.

٢٤٠