التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

* س ٤ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام لقوله تعالى :

(أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) [المائدة:٢]؟!

الجواب / قال الطّبرسيّ : المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ المراد بذلك أجنّة الأنعام الّتي تؤخذ من بطون أمّهاتها إذا أشعرت ، وقد ذكّيت الأمّهات ـ وهي ميتة ـ فذكاتها ذكاة أمّهاتها» (١).

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام : «أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن أكل لحم الفيل والدّبّ والقرد ، فقال : ليس هذا من بهيمة الأنعام التي تؤكل» (٢).

* س ٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) [المائدة:٢]؟!

الجواب / أقول : تبين الآية موردين تستثنيهما من حكم حلية لحوم المواشي ، واحد هذين الموردين هو اللحوم ـ المحرمة ـ ، حيث تقول الآية : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) والمورد الثاني هو أن يكون الإنسان في حالة إحرام للحج أو العمرة ، حيث يحرم عليه الصيد في هذه الحالة ، فتقول الآية (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).

وفي آخر الآية يأتي التأكيد على أن الله إذا أراد شيئا أو حكما أنجزه أو أصدره ، لأنه عالم بكل شيء ، وهو مالك الأشياء كلها ، وإذا رأى أن صدور حكم تكون فيه مصلحة عباده وتقتضي الحكمة صدوره ، أصدر هذا الحكم وشرعه ، حيث تقول الآية في هذا المجال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٣٤.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٩٠ ، ح ١٢.

١٤١

* س ٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢) [المائدة:٢]؟!

الجواب / قال الإمام أبو جعفر عليه‌السلام : نزلت هذه الآية في رجل من بني ربيعة يقال له : (الحطم) وقال الفرّاء : «كانت عادة العرب لا ترى الصفا والمروة من الشعائر ، ولا يطوفون بينهما ، فنهاهم الله عن ذلك ، وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم : الشعائر : الإحرام والطّواف والصلاة في مقام إبراهيم والسّعي بين الصّفا والمروة والمناسك كلّها من الشعائر ، ومن الشعائر إذا ساق الرجل بدنة في الحجّ ثمّ أشعرها ـ أي قطع سنامها ـ أو جلّلها أو قلّدها ليعلم الناس أنّها هدي ، فلا يتعرّض لها أحد ، وإنّما سمّيت الشعائر لتشعر الناس بها فيعرفونها.

وقوله : (لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) وهو ذو الحجّة ، وهو من أشهر الحرم ، وقوله : (وَلَا الْهَدْيَ) وهو الذي يسوقه إذا أحرم ، وقوله : (وَلَا الْقَلائِدَ) قال : يقلّدها لنعل التي قد صلّى فيها ، وقوله : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) قال : الذين يحجّون البيت (٢).

وقال : في قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) : فأحلّ لهم الصّيد بعد

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٠.

١٤٢

تحريمه إذا أحلّوا (١).

وفي قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا) : أي لا يحملنّكم عداوة قريش أن صدّوكم عن المسجد الحرام في غزوة الحديبية أن تعتدوا عليهم وتظلموهم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما نسخ من هذه السورة شيء ولا من هذه الآية ، لأنّه لا يجوز أن يبتدأ المشركون في الأشهر الحرم بالقتال إلّا إذا قاتلوا» (٣).

* س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣) [المائدة:٣]؟!

الجواب / قال الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله عزوجل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) الآية ، قال : (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) معروف (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) يعني ما ذبح للأصنام. وأمّا (الْمُنْخَنِقَةُ) فإنّ المجوس كانوا لا يأكلون الذبائح ويأكلون الميتة ، وكانوا يخنقون البقر والغنم ، فإذا اختنقت وماتت أكلوها.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦١.

(٣) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٣٩.

١٤٣

ـ [وفي رواية عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل (وَالْمَوْقُوذَةُ) : المريضة التي لا تجد ألم الذّبح ، ولا تضطرب ، ولا يخرج لها دم] (١) ـ (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) كانوا يشدّون عينها ويلقونها من السّطح ، فإذا ماتت أكلوها. (وَالنَّطِيحَةُ) كانوا يناطحون بالكباش ، فإذا مات أحدها أكلوه. (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) فكانوا يأكلون ما يقتله الذئب والأسد ، فحرّم الله عزوجل ذلك. ـ [وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام] لزرارة : «كلّ شيء من الحيوان غير الخنزير ، والنّطيحة ، والمتردية ، وما أكل السّبع ، وهو قول الله : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف ، أو قائمة تركض ، أو ذنب يمصع ـ أي يتحرك ـ فقد أدركت [ذكاته] فكله قال : وإن ذبحت فأجدت الذبح فوقعت في النار ، أو في الماء ، أو من فوق بيتك ، أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل»] (٢) ـ (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) كانوا يذبحون لبيوت النيران ، وقريش كانوا يعبدون الشجر والصخر فيذبحون لهما. (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) ، قال : كانوا يعمدون إلى جزور فيجزئونه عشرة أجزاء ، ثمّ يجتمعون عليه فيخرجون السّهام ويدفعونها إلى رجل ، والسهام عشرة : سبعة لها أنصباء ، وثلاثة لا أنصباء لها ، فالتي لها أنصباء : الفذّ ، والتوأم ، والمسبل ، والنافس ، والحلس ، والرّقيب ، والمعلّى. فالفذّ له سهم ، والتوأم له سهمان ، والمسبل له ثلاثة أسهم ، والنافس له أربعة أسهم ، والحلس له خمسة أسهم ، والرّقيب له ستّة أسهم ، والمعلّى له سبعة أسهم ، والتي لا أنصباء لها : السّفيح والمنيح والوغد ، وثمن الجزور على من لا يخرج له من الأنصباء شيء ، وهو القمار ، فحرّمه الله عزوجل» (٣).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٩٢ ، ح ١٩.

(٢) التهذيب : ج ٩ ، ص ٥٨ ، ح ٢٤١.

(٣) الخصال : ٤٥١ : ٥٧.

١٤٤

وقد يسأل سائل : لم حرّم الله الميتة والدّم ولحم الخنزير؟

فيكون الجواب ما قاله الإمام الصادق عليه‌السلام لأحد أصحابه : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده وأحلّ لهم ما سواه من رغبة منه تبارك وتعالى فيما حرّم عليهم ، ولا زهد فيما أحلّ لهم ، ولكنّه خلق الخلق وعلم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحلّه وأباحه تفضّلا منه عليهم لمصلحتهم ، وعلم ما يضرّهم فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ أباحه للمضطرّ وأحلّه لهم في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلّا به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك».

ثمّ قال : «أما الميتة فإنّه لا يدنو منها أحد ولا يأكلها إلّا [من] ضعف بدنه ، ونحل جسمه ، ووهنت قوّته ، وانقطع نسله ، ولا يموت آكل الميتة إلّا فجأة. وأمّا الدّم فإنه يورث الكلب (١) ، وقسوة القلب ، وقلّة الرأفة والرحمة ، لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه ، ولا يؤمن على حميمه ، ولا يؤمن على من صحبه. وأمّا لحم الخنزير فإنّ الله مسخ قوما في صورة شيء شبه الخنزير والقرد والدّبّ ، وما كان من الأمساخ ، ثمّ نهى عن أكل مثله لكي لا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته. وأمّا الخمر فإنّه حرّمها لفعلها وفسادها».

وقال : «إنّ مدمن الخمر كعابد وثن ، ويورثه أرتعاشا ، ويذهب بنوره ، ويهدم مروءته ، ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء ، وركوب الزّنا ، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك ، والخمر لم يرد شاربها إلّا إلى كلّ شر» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ

__________________

(١) الكلب : داء شبيه بالجنون ، يعرض لصاحبه أعراض رديئة ، ويمتنع عن شرب الماء حتى يموت عطشا.

(٢) وسائل الشيعة : ج ١٦ ، ص ٣٧٧.

١٤٥

كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) : «يوم يقوم القائم عليه‌السلام يئس بنو أمية فهم (الَّذِينَ كَفَرُوا) يئسوا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١). وقال علي بن إبراهيم : نزلت لمّا نزلت ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عرفات ، يوم الجمعة أتاه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال له : يا محمّد إنّ الله يقرئك السّلام ، ويقول لك : قل لأمّتك (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) بولاية عليّ بن أبي طالب (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ولست أنزل عليكم بعد هذا ، قد أنزلت عليكم الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ ، وهي الخامسة ، ولست أقبل هذه الأربعة إلّا بها» (٣).

٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) ، يقول : «غير معتمد لإثم» (٤).

وقال علي بن إبراهيم : فهو رخصة للمضطرّ أن يأكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والمخمصة : الجوع (٥).

* س ٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٤) [المائدة:٤]؟!

الجواب / قال أبو بكر الحضرميّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيد البزاة والصقور والفهود والكلاب؟

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٢ ، ح ١٩.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٢.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٣ ، ح ٢١.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٢.

(٥) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٢.

١٤٦

قال عليه‌السلام : «لا تأكلوا إلّا ما ذكّيتم ، إلّا الكلاب».

قلت : فأن قتله؟

قال : «كل فإنّ الله يقول : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ).

ثم قال (عليه الصلاة والسّلام) : «كلّ شيء من السّباع تمسك الصّيد على نفسها ، إلّا الكلاب المعلّمة ، فإنّها تمسك على صاحبها ـ قال ـ وإذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه ، فهو ذكاته» (١).

وقال عليه‌السلام لأبي بصير : ـ في هذه الآية ـ : «لا بأس بأكل ما أمسك الكلب ، ممّا لم يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكله» (٢).

* س ٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٥) [المائدة:٥]؟!

الجواب / ١ ـ سأل [الحسن بن المنذر] أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : الغنم يرسل فيها اليهوديّ والنصرانيّ فتعرض فيها العارضة ، فيذبح ، أنأكل ذبيحته؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تدخل ثمنها في مالك ، ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلّا مسلم».

فقال له الحسن : قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٢.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٥ ، ح ٣٣.

١٤٧

أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ)؟ فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان أبي (صلوات الله عليه) يقول : إنّما هي الحبوب وأشباهها» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) : «هن المسلمات» (٢).

٣ ـ سأل العبد الصالح عليه‌السلام عن قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) ما هنّ ، وما معنى إحصانهنّ؟

قال عليه‌السلام : «هنّ العفائف من نسائهم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ عن هذه الآية ـ : «هذه منسوخة بقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)(٤).

٤ ـ وقال صاحب تفسير الأمثل : بعد أن بينت هذه الآية حلية طعام أهل الكتاب تحدثت عن الزواج بالنساء المحصنات من المسلمات ومن أهل الكتاب ، فقالت بأن المسلمين يستطيعون الزواج بالنساء المحصنات من المسلمات ومن أهل الكتاب ، شرط أن يدفعوا لهن مهورهن ، حيث تقول الآية : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ)(٥).

وهذا الجزء من الآية الكريمة يقلل في الحقيقة الحدود التي كانت مفروضة على الزواج بين المسلمين وغيرهم ، ويتبين جواز زواج المسلم

__________________

(١) التهذيب : ج ٩ ، ص ٨٨ ، ح ٣٧٥ لكنه ورد بدل «الحسن بن المنذر «رجل» أما الاسم فإنه ورد في تفسير العيّاشي : ج ١ ، ص ٢٩٥ ، ح ٣٦.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٦ ، ح ٣٨.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٦ ، ح ٤٠.

(٤) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، ح ٨ ، والآية : الممتحنة : ١٠.

(٥) «أخدان» جمع «خدن» وهي تعني في الأصل الصديق ، وعادة ما تطلق على الصداقة السرية غير الشرعية مع الجنس الآخر.

١٤٨

بالمرأة الكتابية ضمن شروط خاصة (١) ...

٥ ـ قال زرارة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) ، قال : «ترك العمل الذي أقرّبه ، من ذلك أن يترك الصّلاة من غير سقم ولا شغل».

قال : قلت له : الكبائر أعظم الذنوب؟ ، قال : فقال : «نعم».

قلت : هي أعظم من ترك الصّلاة؟ ، قال : «إذا ترك الصّلاة تركا ليس من أمره كان داخلا في واحدة من السبعة» (٢).

وقال أبا جعفر الباقر عليه‌السلام : «تفسيرها ـ أي قوله : «ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين» ـ في بطن القرآن : ومن يكفر بولاية عليّ ، وعليّ هو الإيمان» (٣).

* س ١٠ : ما هو تفسير أهل البيت عليهم‌السلام قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٦) [المائدة:٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال ابن بكير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ما يعني بذلك ـ إذا قمتم إلى الصلاة؟ ـ قال : «إذا قمتم

__________________

(١) الأمثل : ج ٣ ، ص ٥٤١.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٩٦ ، ح ٤١.

(٣) بصائر الدرجات : ج ٩٧ ، ص ٥.

١٤٩

من النّوم».

قلت : ينقض النوم الوضوء؟ ، فقال : «نعم ، إذا كان يغلب على السّمع ، ولا يسمع الصّوت» (١).

٢ ـ قال زرارة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرّجلين؟ فضحك ، ثمّ قال : «يا زرارة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونزل به الكتاب من الله ، لأنّ الله عزوجل يقول ، (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل. ثمّ قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه ، فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين. ثمّ فصل بين الكلامين ، فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال : (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ، ثمّ وصل الرّجلين ، بالرأس ، كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح على بعضها ، ثمّ فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للناس فضيّعوه.

ثمّ قال : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فلمّا وضع الوضوء : إن لم تجدوا الماء ، أثبت بعض الغسل مسحا ، لأنّه قال : (وُجُوهَكُمْ). ثمّ وصل بها (وَأَيْدِيَكُمْ) ثمّ قال : (مِنْهُ) أي من ذلك التيمّم ، لأنه علم أنّ ذلك أجمع لم يجر على الوجه ، لأنّه يعلق من ذلك الصّعيد ببعض الكفّ ، ولا يعلق ببعضها ثمّ قال : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ) من الدّين (مِنْ حَرَجٍ) والحرج : الضّيق» (٢).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) : «هو

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٧ ، ح ٩.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٠ ، ح ٤.

١٥٠

الجماع ، ولكنّ الله ستير (١) يحبّ السّتر ، فلم يسمّ كما تسمّون» (٢).

٤ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «فرض الله الغسل على الوجه ، والذراعين ، والمسح على الرأس والقدمين ، فلمّا جاء حال السفر والمرض والضّرورة وضع الله الغسل ، وأثبت الغسل مسحا ، فقال : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) إلى قوله : (وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(٣).

* س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٧) [المائدة:٧]؟!

الجواب / قال أبو الجارود : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أنّ المراد بالميثاق ما بيّن لهم في حجّة الوداع من تحريم المحرّمات ، وكيفية الطهارة ، وفرض الولاية» (٤).

* س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٨) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ

__________________

(١) الستير : فعيل بمعنى فاعل ، أي من شأنه وإرادته حبّ السّتر والصّون. لسان العرب / ستر / ٤ : ٣٤٣».

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٥٥ ، ح ٥.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٠٢ ، ح ٦٤.

(٤) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٦٠.

١٥١

عَظِيمٌ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١٠) [المائدة:٨ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : الوفاء بالعهود ، بين سبحانه أن ما يلزم الوفاء به ، ما ذكر في الآية ، فقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ) أي : قائمين (لله) أي : ليكن من عادتكم القيام لله بالحق في أنفسكم ، بالعمل الصالح ، وفي غيركم بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ويعني بقوله (لله) افعلوا ذلك ابتغاء مرضاة الله (شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل. وقيل : معناه : كونوا دعاة لله ، مبينين عن دين الله بالعدل ، والحق أو الحج ، لأن الشاهد يبين ما شهد عليه. وقيل : معناه كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله تعالى بأن مثلهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة.

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) ، قال الزجاج : من حرك النون من (شَنَآنُ) أراد : بغض قوم. ومن سكن ، أراد بغيض قوم ذهب إلى أن الشنآن مصدر والشنآن بالسكون صفة ، (عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أي : لا يحملنكم بعضهم ، أي : بغضكم إياهم. وعلى القول الآخر فتقديره : لا يحملنكم بغيض قوم ، وعدو قوم على ألا تعملوا في حكمكم فيهم ، وسيرتكم بينهم ، فتجوروا عليهم (اعْدِلُوا) أي : اعملوا بالعدل أيها المؤمنون في أوليائكم وأعدائكم (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي : العدل أقرب إلى التقوى (وَاتَّقُوا اللهَ) أي : خافوا عقابه بفعل الطاعات ، واجتناب السيئات ، (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) أي : عالم (بِما تَعْمَلُونَ) أي : بأعمالكم يجازيكم عليها. (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : صدقوا بوحدانية الله تعالى ، وأقروا بنبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : الحسنات من الواجبات والمندوبات (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي : مغفرة لذنوبهم ، وتكفير لسيئاتهم ، والمراد به : التغطية والستر (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) يريد ثوابا عظيما. والفرق بين الثواب والأجر إن الثواب يكون جزاء على الطاعات ،

١٥٢

والأجر : قد يكون على سبيل المعاوضة بمعنى الأجرة ، والوعد : هو الخبر الذي يتضمن النفع من المخبر. والوعيد : هو الخبر الذي يتضمن الضرر من المخبر (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : جحدوا توحيد الله وصفاته وأنكروا نبوة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : بآيات الله ، بدلائله وبراهينه (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) معناه : إنهم يخلدون في النار ، لأن المصاحبة تقتضي الملازمة (١).

* س ١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١١) [المائدة:١١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : يعني أهل مكّة ، من قبل أن يفتحها ، فكفّ أيديهم بالصّلح يوم الحديبية (٢).

* س ١٤ : ١ ـ ما هو معنى (النقباء) في قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ)(١٢) [المائدة:١٢]؟!

٢ ـ ومتى يكون الله مع بني إسرائيل؟!

٣ ـ ولماذا تقدمت مسألتا الصلاة والزكاة على الإيمان بالرسل ، في حين أن الإيمان يجب أن يسبق العمل؟!

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٢٩١.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٣.

١٥٣

الجواب / ١ ـ وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام أن عدد الأئمة وخلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدد نقباء بني إسرائيل أو نقباء موسى عليه‌السلام والمراد اثنا عشر حيث قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً). والنقيب هو الأمير والسيد والشاهد ، ونقيب القوم : سيدهم وأميرهم (١).

٢ ـ أقول : تشير الآية إلى وعد الله لنبي إسرائيل حيث تقول : (وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ).

وإن هذا الوعد سيتحقق إذا التزم بنو إسرائيل بالشروط التالية :

أ ـ أن يلتزموا بإقامة الصلاة كما تقول الآية : (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ).

ب ـ وأن يدفعوا زكاة أموالهم : (وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ).

ج ـ أن يؤمنوا بالرسل الذين بعثهم الله ويحترموا وينصروا هؤلاء الرسل ، حيث تقول الآية : (وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ). أي منعتموهم وأعنتموهم.

د ـ وبالإضافة إلى الشروط الثلاثة المذكورة أعلاه ، أن لا يمتنع بنو إسرائيل عن القيام ببعض أعمال الإنفاق المستحب التي تعتبر نوعا من معاملات القرض الحسن مع الله سبحانه وتعالى حيث تقول الآية : (وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً).

ثم أردفت الآية الكريمة ببيان نتائج الوفاء بالشروط المذكورة بقوله تعالى : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ).

كما بينت الآية مصير الذين يكفرون ولا يلتزمون بما أمر الله حيث

__________________

(١) الغيبة : النعماني ، ص ١١٨ ، بحار الأنوار : ج ٣٦ ، ص ٢٣٣.

١٥٤

تقول : (فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).

٣ ـ يجيب بعض المفسرين على هذا السؤال بقولهم : إن المراد بعبارة «الرسل» الواردة في الآية هم الأنبياء الذين جاءوا بعد النبي موسى عليه‌السلام وليس موسى نفسه ، لذلك فإن الأمر الوارد هنا بخصوص الإيمان بالرسل يحمل على أنه أمر لما يستقبل من الزمان ، فلا يتعارض لذلك وروده بعد الأمر بالصلاة والزكاة ، كما يحتمل ـ أيضا ـ أن يكون المراد بعبارة «الرسل» هم «نقباء» بني إسرائيل حيث أخذ الله الميثاق من بني إسرائيل بأن يكونوا أولياء معهم ، ونقرأ في تفسير (مجمع البيان) أن بعضا من المفسرين القدماء ، احتملوا أن يكون نقباء بني إسرائيل رسلا من قبل الله ، ويؤيد هذا الاحتمال الرأي الأخير الذي ذهبنا إليه.

* س ١٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٣) [المائدة:١٣]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) يعني نقض عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) قال : من نحّى أمير المؤمنين عليه‌السلام عن موضعه ، والدّليل على ذلك أن الكلم أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(١) يعني به الإمامة (٢).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ

__________________

(١) الزخرف : ٢٨.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٣.

١٥٥

مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) الآية ـ منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ)(١)» (٢).

* س ١٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(١٤) [المائدة:١٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي الرّبيع الشاميّ : «لا تشتر من السّودان أحدا ، فإن كان لا بد من النوبة ـ جيل من السودان ـ ، فإنّهم من الذي قال الله عزوجل : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أما إنّهم سيذكرون ذلك الحظّ ، وسيخرج مع القائم عليه‌السلام هنا عصابة منهم ، ولا تنكحوا من الأكراد أحدا ، فإنّهم جنس من الجنّ كشف عنهم الغطاء» (٣).

وقال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : «إنّ عيسى بن مريم عبد مخلوق ، فجعلوه ربّا (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)(٤)».

* س ١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ)(١٥) [المائدة:١٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : يبيّن لكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخفيتموه ممّا

__________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٥٢ ، ح ٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ١٦٤.

١٥٦

في التوراة من أخبار ، ويدع كثيرا لا يبيّنه (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : يعني بالنور : النبيّ وأمير المؤمنين والأئمّة (عليهم الصلاة والسّلام) (٢).

* س ١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(١٦) [المائدة:١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله : «يهدي به الله» يعني يفعل اللطف المؤدي إلى سلوك طريق الحق يعني بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الكتاب «من اتبع رضوانه» يعني رضا الله والرضوان والرضا من الله ضد السخط. وهو إرادة الثواب لمستحقه وقال قوم : هو المدح على الطاعة والثناء. وقال الرماني : هو جنس من الفعل يقتضي وقوع الطاعة الخالصة مما يبطلها ، ويضاد الغضب. قال لأن الرضا بما كان يصح ، وإرادة ما كان لا يصح إذ قد يصح أن يرضى بما كان ، ولا يصح أن يريد ما كان. وهذا الذي ذكره ليس بصحيح ، لأن الرضا عبارة عن إرادة حدوث الشيء من الغير ، غير أنها لا تسمى بذلك إلّا إذا وقع مرادها ، ولم يتخللها كراهة ، فتسميتها بالرضا ، موقوفة على وقوع المراد إلا أن بعد وقوع المراد بفعل إرادة هي رضا لما كان فسقط ما قاله.

وقوله : «سبل السّلام» السبل جمع سبيل. وفي السّلام قولان :

أحدهما : هو الله ـ والمعنى دين الله. وقال : «هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السّلام المؤمن المهيمن».

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٤.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٦٤.

١٥٧

الثاني : إنه السلامة من كل مخافة ومضرة إلا ما لا يعتد به ، لأنه يؤول إلى نفع في العاقبة.

وقوله : «يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه» معناه من الكفر إلى الإيمان ، لأن الكفر يتحير فيه صاحبه كما يتحير في الظلام ، ويهتدي بالإيمان إلى النجاة كما يهتدي بالنور ، وقوله : (بِإِذْنِهِ) معناه بلطفه.

وقوله : (يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) معناه يرشدهم إلى طريق الحق. وهو دين الحق. وقال الحسن : هو الذي يأخذ بصاحبه حتى يؤديه إلى الجنة. ومعنى «صراط مستقيم» طريق مستقيم وهو دين الله القويم الذي لا اعوجاج فيه (١). أقول وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما روي عن الصادق عليه‌السلام.

* س ١٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(١٧) [المائدة:١٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : اللام في قوله : «لقد كفر» جواب للقسم وتقديره «أقسم لقد كفر الذين قالوا».

وإنما كفروا بقولهم : إنّ الله هو المسيح بن مريم على وجه التدين به ، لأنهم لو قالوه على وجه الحكاية منكرين لذلك لم يكفروا به. وإنما كان بذلك كافرين من وجهين :

١ ـ أنهم كفروا بالنعمة من حيث أضافوها إلى غير الله ممن ادعوا إلهيته.

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٤٧٥.

١٥٨

٢ ـ كفر صفة لأنهم وصفوا المسيح وهو محدث بصفات الله تعالى ، فقالوا :

هو إله واحد فكل جاهل بالله كافر ، لأنه لما ضيع حق نعمة الله ، كان بمنزلة من أضافها إلى غيره ومعنى (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) من يقدر أن يدفع من أمر الله شيئا ، من قولهم : ملكت على فلان أمره : إذا اقتدرت عليه حتى لا يمكنه إنفاذ شيء من أمره إلا بك. وتقديره من يملك من أمره شيئا. ووجه الاحتجاج بذلك أنه لو كان المسيح إلها ، لقدر على دفع أمر الله إذا أتى بإهلاكه وإهلاك غيره ، وليس بقادر عليه لاستحالة القدرة على مغالبة القديم (تعالى) إذا ذلك من صفات المحتاج الذليل.

وقوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أنها لم يقل وما بينهن مع ذكر السموات على الجمع ، لأنه أراد به النوعين أو الصنفين.

فإن قيل : كيف حكى عنهم أن الله هو المسيح بن مريم ، وعندهم هو ابن الله؟ ، قلنا : لأنهم زعموا أنه إله ، وهذا الاسم إنما هو للإله بمنزلة ذلك ، كما لو قال الدهري : إن الجسم قديم لم يزل ، وإن لم يذكره بهذا الذكر (١).

* س ٢٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١٨) [المائدة:١٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود قالوا للنبي حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته ، فقالوا : لا تخوفنا فإننا أبناء الله

__________________

(١) التبيان : ج ٣ ، ص ٤٧٦.

١٥٩

وأحباؤه ، وقال السدي : إن اليهود تزعم أن الله عزوجل أوحى إلى بني إسرائيل إن ولدك بكر من الولد ، وقال الحسن : إنما قالوا ذلك على معنى قرب الولد من الوالد.

وأما قول النصارى ، فقيل فيه : إنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول عيسى اذهب إلى أبي وأبيكم. وقال قوم : لما قالوا : المسيح ابن الله أجرى ذلك على جميعهم ، كما يقولون : هذيل شعراء أي منهم شعراء وكما قالوا في رهط مسيلمة قالوا : نحن أنبياء أي قال قائلهم. وكما قال جرير : ندسنا أبا مندوسة القين بالقنى ، فقال : ندسنا ، وإنما النادس رجل من قوم جرير.

وقوله : «وأحباؤه» جمع حبيب ، فقال الله لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قل لهؤلاء المفترين على ربهم : (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) فلأي شيء يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر على ما زعمتم ، فإن الأب يشفق على ولده. والحبيب على حبيبه ، لا يعذبه وهم يقرون بأنهم معذبون ، لأنهم لو لم يقولوا به ، كذبوا بكتبهم وأباحوا الناس ارتكاب فواحشهم. واليهود تقر أنهم يعذبون أربعين يوما. وهي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل. وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ) معناه قل لهم : ليس الأمر على ما زعمتم إنكم أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم إن أحسنتم جوزيتم على إحسانكم مثلهم ، وإن أسأتم ، جوزيتم على إساءتكم ، كما يجازى غيركم. وليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه.

وقوله : (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) فإنه وإن علق العذاب بالمشيئة ، فالمراد به المعصية ، لأنه تعالى لا يشاء العقوبة إلا لمن كان عاصيا ، فكان ذكرها أوجز وأبلغ ، لما في ذلك من رد الأمر إلى الله الذي يجازي به على وجه الحكمة.

وإنما هذا وعيد من الله لهؤلاء اليهود والنصارى المتكلمين على ما منازل أسلافهم في الجنان عندهم. فقال الله تعالى : لا تغتروا بذلك فإنهم نالوا ما نالوا

١٦٠