التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٢

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الهزيمة من وطء الناس بعضهم بعضا عشرة آلاف رجل وامرأة وصبي ودارت على قبة فرعون.

قال : فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما وشاب رأسهما وغشي عليهما من الفزع وفر موسى في الهزيمة مع الناس فناداه الله : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) فرجع موسى ولف على يديه عباءة ثم أدخل يده في فمها فإذا هي عصا كما كانت (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لما رأوا ذلك و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) فغضب فرعون (مِنْ) ذلك وقال (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) فقالوا له (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا)(١) فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن ، حتى أنزل الله عليهم الطوفان والجراد والضفادع والدم فأطلق فرعون عنهم ... (٢).

* س ٥٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧) قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(١٢٨) [الأعراف:١٢٧ ـ ١٢٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال الثقة علي بن إبراهيم القميّ : كان فرعون يعبد الأصنام ، ثمّ ادّعى بعد ذلك الربوبيّة ، فقال فرعون : (سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) أي غالبون (٣).

__________________

(١) الشعراء : ٥٢.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣١٦.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣١٦.

٣٨١

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وجدنا في كتاب عليّ عليه‌السلام : (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض ، ونحن المتّقون ، والأرض كلّها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فعمّرها فليؤدّ خراجها للإمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها [فإن تركها ، أو أخربها ، وأخذها رجل من المسلمين من بعده ، فعمّرها وأحياها ، فهو أحقّ بها ، من الذي تركها ، يؤدّي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها] حتّى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويحوزها ويمنعها ، ويخرجهم منها ، كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها ، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم» (١).

* س ٥٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩) وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠) فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١) وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ)(١٣٤) [الأعراف:١٢٩ ـ ١٣٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال الذين آمنوا لموسى عليه‌السلام : قد

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٣٦ ، ح ١.

٣٨٢

أوذينا قبل مجيئك بقتل أولادنا ، ومن بعد ما جئتنا ، لمّا حبسهم فرعون لإيمانهم بموسى ، ف (قالَ) موسى (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ومعنى ينظر أي يرى كيف يعملون ، فوضع النظر مكان الرؤية. قال : وقوله : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) يعني بالسنين الجدبة ، لمّا أنزل الله عليهم الطوفان والجراد والقمّل والضفادع والدّم.

قال : وأمّا قوله : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ) قال : الحسنة ها هنا : الصحّة والسّلامة والأمن والسّعة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) قال : السيئة ها هنا : الجوع والخوف والمرض (يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) أي يتشاءموا بموسى ومن معه.

قال : قوله تعالى : (وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ) ـ إلى قوله ـ (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) ، فقال : فإنّه لمّا سجد السحرة ومن آمن به من الناس ، قال هامان لفرعون : إنّ الناس قد آمنوا بموسى ، فانظر من دخل في دينه فاحبسه. فحبس كلّ من آمن به من بني إسرائيل ، فجاء إليه موسى فقال له : خلّ عن بني إسرائيل. فلم يفعل ، فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان فخرّب دورهم ومساكنهم ، حتى خرجوا إلى البريّة فضربوا الخيام ، فقال فرعون لموسى عليه‌السلام : ادع لنا ربّك حتى يكف عنا الطوفان حتى أخلّي عن بني إسرائيل وأصحابك. فدعا موسى عليه‌السلام ربّه فكفّ عنهم الطوفان ، وهمّ فرعون أن يخلّي عن بني إسرائيل ، فقال له هامان : إن خلّيت عن بني إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك ، فقبل منه ولم يخلّ عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد ، فجردت كلّ ما كان لهم من النّبت والشجر حتّى كادت تجرد شعرهم ولحاهم ، فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا ، وقال : يا موسى ، ادع لنا ربّك أن يكفّ عنّا الجراد ، حتى أخلّي

٣٨٣

عن بني إسرائيل وأصحابك. فدعا موسى عليه‌السلام ربّه فكفّ عنهم الجراد ، فلم يدعه هامان أن يخلّي عن بني إسرائيل.

فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمّل ، فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة ، فقال فرعون لموسى : إن دفعت عنّا القمّل كففت عن بني إسرائيل. فدعا ربّه حتى ذهب القمّل. وقال : أوّل ما خلق الله القمّل في ذلك الزمان ، فلم يخلّ عن بني إسرائيل.

فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ، ويقال : إنّها كانت تخرج من أدبارهم وآذانهم وأنافهم ، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاءوا إلى موسى عليه‌السلام فقالوا : ادع الله لنا أن يذهب عنّا الضفادع ، فإنّا نؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل. فدعا موسى عليه‌السلام ربّه فرفع الله عنهم ذلك. فلمّا أبوا أن يخلّوا عن بني إسرائيل حوّل الله تعالى ماء النيل دما ، فكان القبطي يراه دما والإسرائيلي يراه ماء ، فإذا شربه الإسرائيلي كان ماء ، وإذا شربه القبطي كان دما ، فكان القبطي يقول للإسرائيلي : خذ الماء في فمك وصبّه في فمي. فكان إذا صبّه في فم القبطي تحوّل دما ، فجزعوا من ذلك جزعا شديدا ، فقالوا لموسى عليه‌السلام : لئن رفع الله عنّا الدّم لنرسلنّ معك بني إسرائيل.

فلما رفع الله عنهم الدّم غدروا ولم يخلّوا عن بني إسرائيل ، فأرسل الله عليهم الرّجز ، وهو الثلج ـ الأحمر ـ ولم يروه قبل ذلك ، فماتوا منه ، وجزعوا جزعا شديدا ، وأصابهم ما لم يعهدوا قبل (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) فدعا ربّه فكشف عنهم الثّلج ، فخلّى عن بني إسرائيل.

فلمّا خلى عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه‌السلام ، وخرج من مصر ، واجتمع إليه من كان هرب من فرعون ، وبلغ فرعون ذلك ، فقال له هامان : قد نهيتك

٣٨٤

أن تخلّي عن بني إسرائيل ، فقد اجتمعوا إليه. فجزع فرعون وبعث إلى المدائن حاشرين وخرج في طلب موسى (١).

* س ٥٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ)(١٣٦) [الأعراف:١٣٥ ـ ١٣٦]؟!

الجواب / قال الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : إن موسى عليه‌السلام لما انتهى إلى البحر ، أوحى الله عزوجل إليه : قل لبني إسرائيل جددوا توحيدي وأقروا بقلوبكم ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد عبيدي وإمائي وأعيدوا على أنفسكم الولاية لعلي أخي محمد وآله الطيبين وقولوا : اللهم بجاههم جوزنا على متن هذا الماء ، يتحول لكم أرضا فقال لهم موسى ذلك فقالوا أتورد علينا ما نكره وهل فررنا من فرعون إلا من خوف الموت وأنت تقحم بنا هذا الماء بهذه الكلمات وما يدرينا ما يحدث من هذه علينا فقال لموسى كالب بن يوحنا وهو على دابة له وكان ذلك الخليج أربعة فراسخ : يا نبي الله أمرك الله بهذا أن نقوله وندخل الماء؟ فقال : نعم ، فوقف وجدد توحيد الله ونبوة محمد وولاية علي والطيبين من آلهما ، كما أمر به ثم قال : اللهم بجاههم جوزني على متن هذا الماء ، ثم اقتحم فرسه فركض على متن الماء حتى بلغ آخر الخليج ، ثم عاد راكضا ، فقال : يا بني إسرائيل أطيعوا موسى ، فما هذا الدعاء إلا مفتاح أبواب الجنان ومغاليق أبواب النيران ومستنزل الأرزاق وجالب على عبيد الله وإمائه رضاء المهيمن الخلاق فأبوا ، وقالوا : نحن لا نسير إلا على الأرض ، فأوحى الله إلى موسى : اضرب بعصاك البحر وقل اللهم بجاه محمد وآله

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٧٢٣.

٣٨٥

الطيبين لما فلقته. ففعل ، فانفلق وظهرت الأرض إلى آخر الخليج. فقال موسى عليه‌السلام : ادخلوا قالوا الأرض وحلة نخاف أن نرسب فيها فقال الله : يا موسى قل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين جففها. فقالها فأرسل الله عليها ريح الصبا فجففت وقال موسى : ادخلوا ، قالوا : يا نبي الله نحن اثنا عشر قبيلة بنو اثني عشر أبا وإن دخلنا رام كل فريق تقدم صاحبه فلا نأمن وقوع الشر بيننا فلو كان لكل فريق منا طريق على حدة لأمنا ما نخافه فأمر الله موسى أن يضرب البحر بعددهم اثنتي عشرة ضربة في اثني عشر موضعا ويقول : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين بيّن لنا الأرض فصار فيه تمام اثني عشر طريقا وجف قرار الأرض بريح الصبا ، فقال : ادخلوها قالوا : كل فريق منا يدخل سكة من هذه السكك لا يدري ما يحدث على الآخرين فقال الله عزوجل : فاضرب كل طود من الماء بين هذه السكك فضرب وقال : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما جعلت هذا الماء طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا منها. فحدثت طاقات واسعة يرى بعضهم بعضا. فلما دخلوا جاء فرعون وقومه فدخلوا ، فأمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقوا وأصحاب موسى ينظرون إليهم. ثم قال الله عزوجل لبني إسرائيل في عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان الله تعالى فعل هذا كله بأسلافكم لكرامة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ودعا موسى دعاء تقرب بهم أفما تعقلون أن عليكم الإيمان بمحمد وآله وقد شاهدتموه الآن (١).

* س ٦٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(١٣٧) [الأعراف:١٣٧]؟!

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٩٨.

٣٨٦

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قال عليه‌السلام : في قوله تعالى : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها) : يعني بني إسرائيل لما أهلك الله تعالى فرعون ، ورثوا الأرض وما كان لفرعون.

قال : وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا) يعني الرحمة بموسى عليه‌السلام تمّت لهم (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) يعني المصانع والعريش والقصور (١).

* س ٦١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(١٤٠) [الأعراف:١٣٨ ـ ١٤٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) فإنّه لما أغرق الله فرعون وأصحابه وعبر موسى عليه‌السلام وأصحابه البحر نظر أصحاب موسى إلى قوم يعكفون على أصنام لهم ، فقالوا لموسى : (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) ، فقال موسى : (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ إلى قوله ـ (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٩.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٩.

٣٨٧

* س ٦٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(١٤١) [الأعراف:١٤١]؟!

الجواب / قال الإمام العسكري عليه‌السلام : قال الله تعالى : واذكروا يا بني إسرائيل (وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ) وأنجينا أسلافكم (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) وكان من عذاب فرعون لبني إسرائيل أنه كان يكلفهم عمل البناء على الطين ويخاف أن يهربوا عن العمل فأمر بتقييدهم وكانوا ينقلون ذلك الطين على السلاليم إلى السطوح. فربما سقط الواحد منهم فمات أو زمن (١) ، ولا يعبأون بهم ، إلى أن أوحى الله إلى موسى : قل لا يبتدئون عملا إلّا بالصلاة على محمد وآله الطيبين ليخف عليهم فكانوا يفعلون ذلك فيخف عليهم ، وأمر كل من سقط فزمن ممن نسي الصلاة على محمد وآله الطيبين أن يقولها على نفسه إن أمكنه ـ أي الصلاة على محمد وآله ، أو يقال عليه إن لم يمكنه فإنه يقوم ولا تقلّبه يد ففعلوها فسلموا ، فقيل لفرعون إنه يولد في بني إسرائيل مولود يكون على يده زوال ملكك ، فأمر بذبح أبنائهم ، فكانت الواحدة منهن تعطي القوابل الرشوة لكيلا تنم عليها ويتم حملها ثم تلقي ولدها في صحراء أو غار جبل وتقول عليه عشرات مرات الصلاة على محمد وآله ، فيقيّض (٢) الله ملكا يربيه ويدر من إصبع له لبنا يمصه ومن إصبع طعاما يتغذاه إلى أن نشأ بنو إسرائيل وكان من سلم منهم ونشأ أكثر ممن قتل.

(وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) يبقونهن ويتخذونهن إماء ، فضجوا إلى موسى

__________________

(١) أي إصابة الزمانة يعني العاهة.

(٢) أي فيجيء الله بملك يربيه.

٣٨٨

وقالوا : يفترعون بناتنا (١) وأخواتنا ، فأمر الله تلك البنات كلما رأى بهن من ذلك ريب صلين على محمد وآله الطيبين ، فكان يرد عنهن أولئك الرجال إما بشغل أو مرض أو زمانة أو لطف من ألطافه فلم تفترش منهن امرأة بل دفع الله عزوجل عنهن بصلاتهن على محمّد وآله الطيبين ، ثم قال عزوجل : (وَفِي ذلِكُمْ) وفي ذلك الإنجاء الذي أنجاكم منهم ربكم (بَلاءٌ) نعمة (مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) قال الله عزوجل ، يا بني إسرائيل اذكروا إذا كان البلاء يصرف عن أسلافكم ويخفّ بالصلاة على محمد وآله الطيبين أفما تعلمون أنكم إذا شاهدتموه وآمنتم به كانت النعمة عليكم أفضل وفضل الله عليكم أجزل (٢).

* س ٦٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(١٤٢) [الأعراف:١٤٢]؟!

الجواب / قال الفضيل بن يسار : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، وقّت لنا وقتا فيهم؟ فقال : «إن الله خالف علمه علم الموقّتين ، أما سمعت الله يقول : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) إلى أربعين ليلة ، أما إن موسى لم يكن يعلم بتلك العشر ، ولا بنو إسرائيل ، فلمّا حدّثهم ، قالوا : كذب موسى ، وأخلفنا موسى ، فإن حدّثتم به فقولوا : صدق الله ورسوله ، تؤجروا مرّتين» (٣).

__________________

(١) افترع البكر : افتضّها أي أزال بكارتها.

(٢) تفسير الإمام : ص ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٦ ، ح ٧.

٣٨٩

* س ٦٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣) قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(١٤٤) [الأعراف:١٤٣ ـ ١٤٤]؟!

الجواب / جاء في (عيون الأخبار) في خبر ابن الجهم أنه سأل المأمون الرضا عليه‌السلام عن معنى قوله عزوجل : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) الآية ، كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران ولا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ ، فقال الرضا عليه‌السلام : إن كليم الله موسى بن عمران عليه‌السلام علم أن الله تعالى عزّ أن يرى بالأبصار ، لكنه لما كلمه الله عزوجل وقربه نجيّا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عزوجل كلمه وقربه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه ، فخرج بهم إلى طور سيناء ، فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور.

وسأل الله أن يكلمهم ويسمعهم كلامه فكلمه الله ، وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام. لأن الله عزوجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا لن نؤمن لك بأن الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة. فلما قالوا هذا القول العظيم ، بعث الله عزوجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم

٣٩٠

تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عزوجل إياك فأحياهم الله وبعثهم معه. فقالوا إنك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى عليه‌السلام : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار وإنما يعرف بآياته ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه : يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) وهو يهوي (فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ). يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنك لا ترى (١).

وقال عليّ بن إبراهيم القميّ : أي أوّل من صدّق أنّك لا ترى ، فقال الله تعالى : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) فناداه جبرائيل : يا موسى ، أنا أخوك جبرائيل (٢).

* س ٦٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ)(١٤٦) [الأعراف:١٤٥ ـ ١٤٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قال عليه‌السلام : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب ١٥ ، التوحيد : ص ١٢١ ، ح ٢٤.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٣٩.

٣٩١

الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) أي كلّ شيء أنّه مخلوق. وقال : وقوله : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي قوّة القلب (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي بأحسن ما فيها من الأحكام (١).

وقوله : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) يعني أصرف القرآن عن الذين يتكبّرون في الأرض بغير الحقّ (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) ، قال : إذا رأوا الإيمان والصدق والوفاء والعمل الصالح لا يتّخذوه سبيلا ، وإن يروا الشّرك والزّنا والمعاصي يأخذوا بها ويعملوا بها (٢).

* س ٦٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(١٥١) [الأعراف:١]؟!

الجواب / أقول سيرد ذلك في سورة طه أيضا ، ونذكره هنا أيضا :

قال علي بن إبراهيم القميّ : قال عليه‌السلام : ... أن موسى عليه‌السلام لما وعده

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤٠.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤٠.

٣٩٢

الله تعالى أن ينزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما ، أخبر بني إسرائيل بذلك ، وذهب إلى ميقات ربه وخلف هارون على قومه. فلما جاءت الثلاثون يوما ، ولم يرجع موسى إليهم ، عصوا وأرادوا أن يقتلوا هارون ، قالوا : إن موسى كذبنا وهرب منا.

فجاء إبليس في صورة رجل فقال لهم : إن موسى قد هرب منكم ولا يرجع أبدا فأجمعوا إليّ حليكم حتى أتخذ إلها تعبدونه. وكان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون وأصحابه ، فنظر إلى جبرائيل عليه‌السلام وكان على حيوان في صورة رمكة كانت له كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض يتحرك ذلك الموضع ، فنظر إليه السامري وكان من خيار أصحاب موسى ، فأخذ التراب من حافر رمكة جبرائيل وكان يتحرك ، فصره في صرة وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل. فلما جاءهم إبليس واتخذوا العجل ، قال السامري هات التراب الذي معك فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل ، فلما وقع التراب في جوفه تحرك وخار ونبت عليه الوبر والشعر ، فسجد له بنو إسرائيل ، وكان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل.

فقال لهم هارون : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى)(١) فهموا بهارون حتى هرب من بينهم وبقي في ذلك ، حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة. فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيه التوراة وما يحتاجون إليه من الأحكام والسير والقصص. ثم أوحى الله إلى موسى عليه‌السلام : إنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري وعبدوا العجل وله خوار فقال موسى عليه‌السلام : يا رب العجل من السامري ، فالخوار ممن ، قال : مني ، يا موسى إني لما رأيتهم قد

__________________

(١) طه : ٩٠ ـ ٩١.

٣٩٣

ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة. (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي)(١) ثم رمى الألواح وأخذ بلحية أخيه هارون ورأسه يجره إليه فقال له : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(٢) فقال له بنو إسرائيل : ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم ـ يعني من حليهم ـ فقذفناها قال : التراب الذي جاء به السامري طرحناه في جوفه ، ثم أخرج السامري العجل وله خوار. فقال له موسى : (قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها)(٣) يعني من تحت حافر رمكة جبرائيل عليه‌السلام في البحر فنبذتها أي أمسكتها (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)(٤) أي زينت.

فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار وألقاه في البحر ، ثم قال موسى للسامري (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ)(٥) يعني ما دمت حيا وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة ، حتى تعرفوا أنكم سامرية فلا يغتر بكم الناس ، فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفين لا مساس لهم. ثم همّ موسى بقتل السامري ، فأوحى الله إليه : لا تقتله يا موسى فإنه سخي ، فقال له موسى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(٦).

__________________

(١) طه : ٨٦.

(٢) طه : ٩٢ ـ ٩٤.

(٣) طه : ٩٥ ـ ٩٦.

(٤) طه : ٩٦.

(٥) طه : ٩٧.

(٦) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٦١ ـ ٦٣ ، والآية طه : ٩٧ ـ ٩٨.

٣٩٤

وقال عليّ بن إبراهيم القميّ : قال عليه‌السلام : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) يعني لمّا جاءهم موسى وأحرق العجل : (قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١).

* س ٦٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)(١٥٢) [الأعراف:١٥٢]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما أخلص عبد الإيمان بالله أربعين يوما ـ أو قال : ما أجمل عبد ذكر الله عزوجل أربعين يوما ـ إلّا زهّده الله عزوجل في الدنيا وبصّره داءها ودواءها ، وأثبت الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه ـ ثمّ تلا ـ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فلا ترى صاحب بدعة إلّا ذليلا ، ومفتريا على الله عزوجل ، وعلى رسوله ، وعلى أهل بيته (صلوات الله عليهم) إلّا ذليلا» (٢).

* س ٦٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(١٥٤) [الأعراف:١٥٣ ـ ١٥٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم عطف سبحانه على ذلك ـ الآية السابقة ـ بقوله (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) أي : الشرك والمعاصي : (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا) أي : واستأنفوا عمل الإيمان. وقيل : معناه تابوا وآمنوا بأن الله قابل للتوبة (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (مِنْ بَعْدِها) أي : من بعد التوبة. وقيل

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤١.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤ ، ح ٦.

٣٩٥

من بعد السيئات. (لَغَفُورٌ) لذنوبهم (رَحِيمٌ) بهم (وَلَمَّا سَكَتَ) أي : سكن (عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) وقيل في معناه : زالت فورة غضبه ، ولم يزل الغضب ، لأن توبتهم لم تخلص. وقيل : معناه زال غضبه ، لأنهم تابوا (أَخَذَ الْأَلْواحَ) التي كانت فيها التوراة (وَفِي نُسْخَتِها) أي : وفيما نسخ فيها وكتب ، وقيل : وفي نسختها التي كتبت ، ونسخت منها (هُدىً) أي : دلالة وبيان لما يحتاج إليه من أمور الدين (وَرَحْمَةٌ) أي نعمة ومنفعة (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) أي : يخشون ربهم. فلا يعصونه ، ويعملون بما فيها ، وفي الآية دلالة على أنه يجوز إلقاء التوراة للغضب الذي يظهر بإلقائها ، ثم أخذها للحكمة التي فيها من غير أن يكون إلقاؤها رغبة عنها (١).

* س ٦٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(١٥٦) [الأعراف:١٥٥ ـ ١٥٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : [قال عليه‌السلام] : إنّ موسى عليه‌السلام لمّا قال لبني إسرائيل : إنّ الله يكلّمني ويناجيني ، لم يصدّقوه ، فقال لهم : اختاروا منكم من يجيء معي حتى يسمع كلامه. فاختاروا سبعين رجلا من خيارهم ، وذهبوا مع موسى إلى الميقات ، فدنا موسى عليه‌السلام فناجى ربّه وكلّمه الله تبارك وتعالى ، فقال موسى عليه‌السلام لأصحابه : اسمعوا واشهدوا عند بني

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٣٩٦

إسرائيل بذلك ، فقالوا (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فسله أن يظهر لنا. فأنزل الله عليهم صاعقة فاحترقوا وهو قوله : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١) فهذه [الآية في سورة البقرة ، وهي مع هذه الآية في سورة الأعراف ، فنصف] الآية في سورة البقرة ، ونصفها في سورة الأعراف ها هنا.

فلما نظر موسى إلى أصحابه قد هلكوا حزن عليهم فقال : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) وذلك أن موسى عليه‌السلام ظن أنّ هؤلاء هلكوا بذنوب بني إسرائيل ، فقال (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) ـ إلى قوله ـ (وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) فقال الله تبارك وتعالى : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ) ـ إلى قوله ـ (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لمّا ناجى موسى عليه‌السلام ربّه أوحى إليه : أن يا موسى ، قد فتنت قومك. قال : وبماذا يا ربّ؟ ، قال : بالسّامريّ ، صاغ لهم من حليّهم عجلا.

قال : يا ربّ إن حليهم لتحتمل أن يصاغ منها غزال أو تمثال أو عجل ، فكيف فتنتهم؟ قال : صاغ لهم عجلا فخار. فقال : يا ربّ ، ومن آخاره؟ قال : أنا. قال عندها موسى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ)(٣).

__________________

(١) البقرة : ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤١.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ٨٥.

٣٩٧

* س ٧٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١٥٧) [الأعراف:١٥٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال عليّ بن أسباط : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : لم سمّي النّبيّ الأمّيّ؟

قال عليه‌السلام : «نسب إلى مكّة ، وذلك من قول الله : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)(١) وأمّ القرى مكّة ، فقيل أمّي لذلك» (٢).

٢ ـ قال أبو عبيدة الحذّاء : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الاستطاعة وقول الناس ، فقال وتلا هذه الآية (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)(٣) : «يا أبا عبيدة ، الناس مختلفون في إصابة القول ، وكلّهم هالك».

قال : قلت : قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)؟ قال : «هم شيعتنا ، ولرحمته خلقهم ، وهو قوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يقول : لطاعة الإمام والرحمة التي يقول : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(٤) يقول : علم الإمام ، ووسع علمه ـ الذي هو من علمه ـ كلّ شيء ، هم شيعتنا ، ثمّ قال : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)(٥) يعني ولاية غير الإمام وطاعته ، ثمّ قال : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) يعني ـ [اليهود والنصارى صفة محمد واسمه ـ] (٦)ـ

__________________

(١) الشورى : ٧.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ٨٦.

(٣) هود : ١١٨ ـ ١١٩.

(٤) الأعراف : ١٥٦.

(٥) الأعراف : ١٥٦.

(٦) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣١ ، ح ٨٧.

٣٩٨

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّ والقائم يأمرهم بالمعروف إذا قام وينهاهم عن المنكر ، والمنكر من أنكر فضل الإمام وجحده (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أخذ العلم من أهله (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) والخبائث : قول من خالف (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) وهي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الإمام (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) والأغلال : ما كانوا يقولون ممّا لم يكونوا أمروا به من ترك فضل الإمام ، فلمّا عرفوا فضل الإمام وضع عنهم إصرهم ، والإصر : الذنب وهي الأصار.

ثمّ نسبهم فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) يعني بالإمام (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يعني الذين اجتنبوا الجبّت والطاغوت أن يعبدوها ، والجبت والطاغوت : فلان وفلان وفلان ، والعبادة : طاعة الناس لهم. ثمّ قال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)(١) ثم جزاهم فقال : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)(٢) والإمام يبشرهم بقيام القائم ، وبظهوره ، وبقتل أعدائهم ، وبالنجاة في الآخرة ، والورود على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الصادقين على الحوض» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : يعني الثّقل الذي كان على بني إسرائيل ، وهو أنّه فرض الله عليهم الغسل والوضوء بالماء ، ولم يحلّ لهم التيمّم ، ولم يحلّ لهم الصلاة إلّا في البيع والكنائس والمحاريب ، وكان الرجل إذا أذنب جرح نفسه جرحا متينا ، فيعلم أنّه أذنب ، وإذا أصاب شيئا من بدنهم البول قطعوه ، ولم يحلّ لهم المغنم ، فرفع ذلك رسول الله عن أمّته.

__________________

(١) الزمر : ٥٥.

(٢) يونس : ٦٤.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ٨٣.

٣٩٩

ثمّ قال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) يعني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ، (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فأخذ الله ميثاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الأنبياء أن يخبروا أممهم وينصروه ، فقد نصروه بالقول ، وأمروا أممهم بذلك ، وسيرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويرجعون فينصرونه في الدنيا (١).

* س ٧١ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(١٥٨) [الأعراف:١٥٨]؟!

الجواب / قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا محمّد أنت الذي تزعم أنّك رسول الله ، وأنّك الذي يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران؟ فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثمّ قال : نعم ، أنا سيّد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم النبيّين ، وإمام المتّقين ، ورسول ربّ العالمين ، قالوا : إلى من إلى العرب أم إلى العجم ، أم إلينا؟ فأنزل الله عزوجل : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً)(٢).

* س ٧٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(١٥٩) [الأعراف:١٥٩]؟!

الجواب / قال أبو الصّهباء البكريّ : سمعت علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، دعا رأس الجالوت ، وأسقف النصارى ، فقال : «إنّي سائلكما عن أمر ، وأنا أعلم به منكما ، فلا تكتماني ، يا رأس الجالوت ، بالذي أنزل التوراة على

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٤٢.

(٢) الأمالي : الصدوق ، ص ١٥٧ ، ح ١.

٤٠٠