المعطل في الأصل من ينفي الصانع
وهذا الرجل يسمي خصومه معطلة لأنهم نفوا الصانع الذي يقول هو به ويصفه بتلك الصفات بزعمه ويجعلهم يعبدون إلها آخر ويكفرهم كالمشركين العابدين للأصنام ، فيا خيبة المسلمين إن كان يكفر بعضهم بعضا ، ولم لا يقول هذا الجاهل إن الكل يقرون بالله ووحدانيته ويغلط بعضهم في وصفه ولا يخرجهم ذلك الغلط عن الإسلام؟ وإن كان ولا بد من الإخراج فمن أولى به؟ ومن أولى بعبادة ما نحته ذهنه؟ من ركب أجزاء مقصودة معقولة أو من قال أعبد إلها واحدا أنا عاجز عن معرفته وعن كنه ذاته فهو كما وصف به نفسه ، وفوق ما يصف به عباده ، وعقلي يقصر عن سبحات وجهه وعلمي يضل في علمه ويتضاءل دون عظمته وملكوت سلطانه وقدرته وقهره لا شريك له سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] كل ما تصوره الذهن فالله بخلافه لو اجتمعت عقول العالمين كلها لم تبلغ معرفة حقيقة ذاته ولا كنه صفاته ، وإنما علموا منها ما دلهم على التوحيد وأمر السيد العبيد وأنعم عليهم بالرسول أرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وأنزل عليهم كتابا كلفهم فيه بتكاليف إن عملوا بها وصلوا إلى دار السلام. فلا ينبغي لهم الاشتغال بغيرها ـ فاشتغالهم بغيرها فضول ـ وإن فكروا فكروا في آلائه لا في ذاته ، فإن هناك تضل العقول ، وانظر إلى هذه الصفات التي يثبتها هذا المبتدع لم تجيء قط في الغالب مقصودة وإنما في ضمن كلام يقصد منه أمر آخر وجاءت لتقرير ذلك الأمر ، وقد فهمها الصحابة ولذلك لم يسألوا عنها النبي صلىاللهعليهوسلم لأنها كانت معقولة عندهم بوضع اللسان وقرائن الأحوال وسياق الكلام وسبب النزول ومضت الأعصار الثلاثة التي هي خيار القرون على ذلك حتى حدثت البدع والأهواء فيجيء مثل هذا المتخلف يجمع كلمات وقعت في أثناء آيات أو أخبار فهم الموفقون معناها بانضمامها مع الكلام المقصود فجعلها هذا المتخلف في أمثاله مقصودة وبالغ فيها فأورث الريب في قلوب المهتدين ، وانظر إلى أكثرها لا تجده مقصودا بالكلام بل المقصود غيره إما بسياق قبله أو بسياق بعده ، أو بأن يكون المحدث عنه معنى آخر والمحدث به ويكون ذلك مذكورا على جهة الوصف المقوي لمعنى ما سيق الكلام لأجله ، وما مثل المشتغلين بذلك وبالكلام إلا مثل سرية أتاها كتاب السلطان يأمرهم بما يعتمدونه في الغزاة التي ندبهم لها ويوصيهم بأمور مهمة لما بين أيديهم وينهاهم عن أمور وينبههم على مكان لعدوهم وعدوه حتى يحترزوا عن غوائلها فأخذوا يتأملون في ذلك الكتاب ويفكرون فيمن كتبه وفي حروفه ومتى كتب وأين كان السلطان حين كتبه وعلم عليه ، وهل كان