يجدها كلها فتنا لا يثيرها حاظ بعقله غير مصاب في دينه ، وأنّى يوجد نص صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها لله سبحانه؟ وسيمر بك سرد بعض مخازيه مع نقضها إن شاء الله تعالى.
وكل ما في الرجل أنه كان له لسان طلق ، وقلم سيّال ، وحافظة جيدة ، قلب ـ بنفسه بدون أستاذ رشيد ـ صفحات كتب كثيرة جدا من كتب النّحل التي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق ، فاغترّ بما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس ، حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية فوفاه في القبيلين بما لم يفه به أحد من العالمين مما هو وصمة عار وأمارة مروق في نظر الناظرين فانفضّ من حوله أناس كانوا تعجلوا في اطرائه بادئ بدء قبل تجريبه وتخلوا عنه واحدا إثر واحد على تعاقب فتنه المدونة في كتب التاريخ ولم يبق (١) معه إلا أهل مذهبه في الحشو من جهلة المقلدة ، ومن ظن أن علماء عصره صاروا كلهم إلبا واحدا ضده حسدا من عند أنفسهم فليتهم عقله وإدراكه قبل اتهام الآخرين ، بعد أن درس مبلغ بشاعة شواذه في الاعتقاد والعمل وهو لم يزل يستتاب استتابة إثر استتابة ، وينقل من سجن إلى سجن إلى أن أفضى إلى ما عمل وهو مسجون فقبر هو وأهواؤه في البابين بموته وبردود العلماء عليه وما هي ببعيدة عن متناول رواد الحقائق.
مسايرة ابن القيم لابن تيمية في فتنته
وكان ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيم يسايره في شواذه كلها حيا وميتا ، ويقلده فيها تقليدا أعمى في الحق والباطل ، وإن كان يتظاهر بمظهر الاستدلال لكن لم يكن استدلاله المصطنع سوى ترديد منه لتشغيب قدوته دائبا على إذاعة شواذ شيخه ، متوخيا في غالب مؤلفاته تلطيف لهجة أستاذه في تلك الشواذ ، لتنطلي وتنفق على الضعفاء ، وعمله كله التلبيس والمخادعة والنضال عن تلك الأهواء المخزية حتى أفنى عمره بالدندنة حول مفردات الشيخ الحراني. تراه يثرثر في كل واد ، ويخطب بكل ناد بكلام لا محصل له عند أهل التحصيل ، ولم يكن له حظ من المعقول ، وإن كان كثير السرد لآراء أهل النظر. ويظهر مبلغ تهافته واضطرابه لمن طالع (شفاء العليل) له بتبصر ، ونونيته وعزوه من الدلائل على أنه لم يكن ممن له علم بالرجال ولا ينقد الحديث حيث
__________________
(١) وثناء بعض المتأخرين عليه لم يكن إلا عن جهل بمضلات الفتن في كلامه ووجوه الزيغ في مؤلفاته ومنهم من ظن أنه دام على توبته بعد ما استتيب فدام على الثناء ولا حجة في مثل تلك الأثنية ، وأقواله الماثلة أمامنا في كتبه لا يؤيدها إلا غاو غوى ، نسأل الله السلامة.