لم تكشف عن الجعل والتعيين ، ومع الكشف فالعبرة به لا بها. ولعلّ من قسّم الوضع إلى تعييني وتعيّني اشتبه عليه الأمر ، وحسب أنّ منشأ العلقة هو هذا الكاشف مع وضوح أنّه المنكشف ، أو أراد التقسيم بلحاظ الكاشف عن الوضع لا بلحاظ نفس الوضع.
الاستعمالات المجازيّة
مفتاح الاستعمالات المجازيّة هي الأوضاع الحقيقيّة ، فالأوضاع الحقيقيّة كما تفتح باب الاستعمالات الحقيقيّة كذلك تفتح باب الاستعمالات المجازيّة. نعم ، هذه مع الواسطة وتلك بلا واسطة ، يعني أنّ الوضع بنفسه كاف في صحّة الاستعمالات الحقيقيّة.
وأمّا في صحّة الاستعمالات المجازيّة فتحتاج إلى ادّعاء آخر وتنزيل ثانوي يضمّ إلى التنزيل الأوّل الحاصل بين اللفظ والمعنى ، وهذا التنزيل الآخر تنزيل حاصل بين معنيين ـ أعني المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ـ لا بين اللفظ والمعنى كما هو شأن التنزيل الأوّل. فهناك ادّعى أنّ كلمة «أسد» عبارة عن ذاك الحيوان الخارجي بعينه ، وهنا ادّعى أنّ «الرجل الشجاع» عبارة عن ذاك الحيوان الخارجي المفترس ؛ وبما أنّ المتّحد مع المتّحد مع الشيء متّحد مع ذاك الشيء ، تكون النتيجة أنّ «الرجل الشجاع» وكلمة «أسد» متّحدان.
فالأوضاع الحقيقيّة والتنزيلات الأوّليّة هي أوضاع مجازيّة في المراتب النازلة ، وبالنسبة ذوات العلائق مع المعاني الحقيقيّة ، فتنحلّ الأوضاع الحقيقيّة إلى الأوضاع المجازيّة ، وفي بطن تلك الأوضاع هذه الأوضاع.
فصحّ لنا أن نقول : إنّ الاستعمالات المجازيّة تكون بالوضع ، مريدا عنه عين أوضاع الحقائق لا أوضاع أخر في عرضها. فإذا كان تنزيل اللفظ منزلة المعنى وادّعاء أنّه هو هو مصحّحا لاستعمال اللفظ فيه والإشارة باللفظ إليه ـ حسبما فصّلنا القول فيه عند ذكر حقيقة الوضع ـ كان تنزيل معنى آخر منزلة هذا المعنى الموضوع له لرابطة بينهما موجبا لاستعمال اللفظ في ذاك المعنى الآخر والإشارة باللفظ إليه كما يشار به إلى المعنى الموضوع له ؛ لأنّ المفروض عينيّتهما واتّحادهما ، فكان استعمال اللفظ فيه استعمالا له في عين الموضوع له لا في شيء غيره.