تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-73-8
الصفحات: ٧٤٨

وقد وقعت تسميتها بأم الكتاب في قوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (١) والضمير للكتاب المبين ، وهو أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، كما ورد عن الكاظم عليه‌السلام في جواب النصراني حيث سئل عن تفسيره في الباطن (٢).

ومن اللطايف مطابقتهما في العدد فلاحظ (٣).

وفي «المعاني» عن الإمام الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) :

«هو أمير المؤمنين ومعرفته ، والدليل على أنه أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله عزوجل : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام في أم الكتاب في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٤).

وهنا مسلك آخر وهو أن هذه السورة لاشتمالها على الحقائق الكلية المتأصلة التي لا تزول ولا تزال أبدا ، فهي بمنزلة اللوح المحفوظ الذي لا يتطرق إليه المحو أصلا ، إذ التغيرات الجزئية لا يظهر أثرها في الكلي ، ولذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أفر من قضاء الله إلى قدره» (٥).

قال الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٦).

والوعيد ، لتضمنها تعليم حمده ، والاستغاثة به ، والمقاصد الكلية منحصرة في

__________________

(١) الزخرف : ٤.

(٢) الكافي : ج ١ / ٤٧٩ ، ح ٤ ، كتاب الحجة ، الباب ١٧٨.

(٣) عدد كل من (الكتاب المبين) و (أمير المؤمنين علي) يساوي (٥٨٧) ولكن بشرط أن لا يحسب (أ) في المؤمنين كما لا يلفظ بها في التلفظ.

(٤) بحار الأنوار : ج ٢٤ / ١٢ ، ح ٤ ، كتاب الإمامة ، الباب (٢٤) ، عن معاني الأخبار للصدوق : ٣٢ ، ح ٣.

(٥) توحيد الصدوق : ٣٦٩ ، ح ٨ ، والبحار ج ٥ / ٩٧ ، ح ٢٤ وص ١١٤ ، ح ٤١ عن التوحيد.

(٦) سورة الرعد : ٣٩.

٢١

الثلاثة ، فإنه لما كان التحقق بالسعادة العظمى التي هي المعرفة العيانية للواهب الحق جل ذكره شهودا عينيا في هذه الدار وفي دار القرار متفاوتا حسب تفاوت مراتب أصناف المقربين ودرجات الأبرار ، والاتصاف بالأخلاق الربانية المعبر عنه بالتخلي والتحلي موقوفا على تمييز مقام العبودية من الربوبية ، ثم التوجه نحو من بيده الخير كله بالكلية ، وكان الكتاب الكريم كافلا للمتمسك به أن ينال من هذه السعادة الحظ الأوفى والشرب الأصفى لزم أن ينحصر مقاصده في الثلاثة المذكورة ، فالثناء عليه بما هو أهله يتضمن معرفة الرب جل جلاله بصفات الجلال والإكرام ، مع الاعتراف بأن العبد وما هو متقلب فيه قطرة من بحر جوده ويدخل فيه الإيمان بالله تعالى وصفاته وأفعاله ، والتعبد بأوامره ونواهيه يتضمن معرفة أنه عبد مربوب مكلف لا بد له من اللجوء إلى مولاه حسب ما استدعاه بعده أو أدناه ، ولا يخفى تأخره عن الأول ، إذ لو لا الاعتراف السابق لم يلزم طلب كيفية التوجه.

وذلك لأن التعبد في الحقيقة راجع إلى طلب الكمال من مفيضه على الوجه الذي يؤدي إلى المطلوب ويدخل في الايمان بالنبوات والولايات والملائكة والكتب والعبادات القلبية والقالبية.

والإتيان بالوعد والوعيد يتضمن التنبيه على السعادة المذكورة ، وعلى ما يقابلها من الشقاوة ، واختلاف درجاتهما وهما الكمال المطلوب بالتعبد ، والنقصان المهروب عنه بالتجرد ، ولو لا ذلك لم يتميز الطلب عن التوجه العبثي فبالثلاثة تمت الكفالة ، ومن رضي بها كافلا فطوبى له.

ولبعض أرباب الطريقة مسلك آخر وهو أنّ هذه السورة مشتملة على مراتب الربوبية ، ومراتب العبودية والأمور الدنيوية والأخروية.

مراتب الربوبية عشرة : أولها : مرتبة الاسم بأن الله تعالى له اسم ، والثاني : الذات ، والثالث : الصفات ، فهذه المراتب الثلاثة حاصلة في بسم الله الرحمن

٢٢

الرحيم ، والرابع : الثناء ، والخامس : الشكر ، وهما حاصلان في الحمد ، والسادس : الألوهية بمعنى الخالقية ، وهي الحاصلة في الله تعالى ، والسابع : الملكية بالمالكية ، وهي حاصلة في مالك ، والثامن : الربوبية بالوحدانية في الخالقية ، وهي الحاصلة في رب العالمين ، والتاسع : المعبودية بالألوهية والوحدانية ، وهي حاصله في إياك نعبد ، والعاشر : الهداية بالحق والإنعام من الأزل إلى الأبد ، وهي حاصله من اهدنا الصراط المستقيم.

وكذلك مراتب العبودية عشرة ، أولها : معرفة الله تعالى بهذه المراتب ، والثاني : الإقرار بالربوبية لله تعالى ، والثالث : معرفة النفس وخلوها عن مراتب الربوبية بعبودية نفسه ، والرابع : العلم باحتياجه إلى الله واستغنائه عنه ، الخامس : عبادة الله تعالى على ما هو أهله بأمره ، والسادس : الاستعانة بالله في العبودية للتوفيق والقدرة والتعليم والإخلاص ، والسابع : الدعاء بالخضوع والخشوع والمحبة ، فإنه خلق لهذا كما قال الله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (١) ، والثامن : الطلب بوجدان صفاته ونعمه ، وهو المقصد الأعلى والمنية القصوى ، والتاسع : الاهتداء عنه ليهتدي به إليه ، وينعم عليه بإرشاد طريق الهداية ، والعاشر : الاستدعاء منه بأن يحسن إليه ويديم نعمته عليه ولا يغضب عليه فيرده إلى الضلالة والغواية.

وهذه المراتب كلها حاصلة في إياك نعبد إلى آخر السورة ، ومن هنا قال عليه‌السلام : يقول الله تعالي :

«قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، يقول الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا

__________________

(١) الفرقان : ٧٧.

٢٣

قال العبد : الرحمن الرحيم ، يقول الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال العبد : مالك يوم الدين ، يقول الله تعالى : مجدني عبدني ، وإذا قال العبد : إياك نعبد وإياك نستعين ، يقول الله تعالى : هذه الآية بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل» (١).

ومراتب الأمور الدنيوية أربعة ، الملك ، والملك ، والتصرف فيهما بالمالكية والملكية ، ومراتب الأمور الأخروية أربعة : العبادة لله تعالى ، والاسترشاد به والاستعانة به في جميع ذلك وحسن الخاتمة بدوام النعمة وعدم الضلالة والنقمة ، وفاتحة الكتاب مشتملة على جميع هذه المراتب كلها.

لكنك ترى أن هذه كلها جعليات لا تخلو من تكلفات ، نعم هذه السورة الشريفة مشتملة على أصول العقائد التي لا يتطرق إليها النسخ أصلا كما لا يخفى ، ولذا سميت أم الكتاب ، أي أصله الذي لا يتغير أصلا ، بل هو أحد الوجوه أيضا في قوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (٢).

ومنها : «السبع المثاني» بل ظاهر «المجمع» إطلاق كل من الكلمتين عليها (٣).

وإنما سميت بها لأنها سبع آيات اتفاقا منا ومن أهل الخلاف ، وإن ذهب بعض هؤلاء إلى عد (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية دون البسملة.

__________________

(١) المسند لابن حنبل ج ٢ / ٤٦٠ ، وكنز العمال ٧ / ٢٨٨ ، ح ١٨٩٢٠ ، وصحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة رقم ٣٩٥ ، وللحديث بقية في أوله وفي آخره. ورواه الطبرسي في مجمع البيان عن صحيح مسلم ، ورواه الصدوق في العيون ج ١ / ٢٣٤ ، ح ٥٩ ، وفي الأمالي : ١٤٧ ، ح ١ ، ورواه في البحار عنهما ج ٩٢ / ٢٢٦ ، ح ٣ مع اختلاف.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) قال في «مجمع البيان» : من أسمائها : «السبع» سميت بذلك لأنها سبع آيات لا خلاف في جملتها. و «المثاني» سميت بذلك لأنها تثني بقرائتها في كل صلاة فرض ونقل. وقيل : لأنها نزلت مرتين.

٢٤

نعم ، لبعضهم أقوال أخر شاذة جدا : كالقول بكونها ستا بإسقاط البسملة (١) ، وثماني بعد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وحدها آية (٢) وتسع آيات بعد كل من منه ومن (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية (٣) وسميت مثاني لأنها تثنى في ركعتي الصلاة كما روى الصدوق في العيون عن مولانا الصادق عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

«بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب ، وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الله تبارك وتعالى قال : يا

__________________

(١) والقائل به الحسين بن علي بن الوليد الجعفي الحافظ المقري الكوفي ، قرأ القرآن على حمزة الزيات وأتقنه ، وأخذ الحروف عن أبي عمرو بن العلاء ، ولد سنة (١١٩) ه وتوفى سنة (٢٠٣) ه ـ سير أعلام النبلاء ج ٩ / ٣٩٧ ، رقم ١٢٩.

(٢) القائل به هو عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري المعتزلي ، كان من تلامذة الحسن البصري ولكن يكذب عليه ، وهو مطرود الفريقين ، أنظر : تنقيح ج ٢ / ٣٣٥ ، رقم ٨٧٤٩ ، قال ما ملخصه : هو معاند للحق من رؤوس الضلال.

وانظر أيضا : ميزان الاعتدال ج ٣ / ٢٧٣ ، رقم ٦٤٠٤ في ترجمة عمرو بن عبيد : قال : قال أبن معين : لا يكتب حديثه ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وقال الدار قطني وغيره : ضعيف.

وترجمة الخطيب البغدادي في بغداد ج ١٢ / ١٨٦ وقال : مات عمرو سنة (١٤٣) ه.

(٣) قال أبو عبد الله القرطبي محمد بن أحمد الأنصاري المتوفي (٦٧١) ه في تفسيره ج ١ / ١١٤ : أجمعت الأمة على أن فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روي عن حسين الجعفي أنها ست وهذا شاذ ، وإلا ما روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) آية ، وهي على عدة ثماني آيات وهذا شاذ ، وقوله تعالى : (لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (الحجر : ٨٧) وقوله تعالى في الحديث القدسي :

(قسمت الصلاة ...) يرد هذين القولين.

وقال المفسر الجليل السيد الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني قدس‌سره في تفسيره ج ١ / ٢٥ : عدد آيها بإجماع أهل الفن سبعة إجماعا مركبا لاختلافهم في البسملة أنها من السورة أم هي من القرآن أو ليست منها ، ومن أخرجها منها اعتبر الآية الأخيرة آيتين : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية ، و (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) آية أخرى.

٢٥

محمد ، ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم (١) ، فأفرد الامتنان علي بفاتحة الكتاب ، وجعلها بإزاء القرآن العظيم» (٢).

وفي تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام :

«إنما سميت المثاني لأنها تثني في الركعتين (٣) وفيه : عن أحدهما قال : لأن فاتحة الكتاب يثنى فيها القول» (٤).

وقيل : إنه مثنى من حيث النزول ، فإنها نزلت بمكة مرة وبمدينة أخرى.

وقيل : مثنى باعتبار أن نصفها ثناء العبد للرب ، ونصفها عطاء الرب للعبد ، كما قال : قسمت الصلاة أو فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي نصفين (٥) إلى آخر ما مر.

وقيل : إن المثاني من الثناء فإن العبد يثني فيها ربه أو الرب يثنى بها.

وقيل : لأن آياتها سبع بعدد أبواب النيران التي هي مطابقة للقوى الخمس الحاسة بإضافة النفس والبدن ، إذا ينفتح بكل منها باب إلى الجحيم ، وباب إلى

__________________

(١) سورة حجر : ٨٧.

(٢) عيون الأخبار : ج ١ / ٣٠١ ، ح ٦٠ ، والأمالي : ١٠٦ ، وعنهما البحار ج ٩٢ / ٢٢٧ ، ح ٥.

(٣) تفسير العياشي : ج ١ / ١٩ ، ح ٣ ، وعنه البحار : ج ١٨ / ٣٣٥ وج ٩٢ / ٢٣٥ ، ح ٢٣.

(٤) تفسير العياشي ج ٢ / ٢٤٩ ، ح ٣٤ ، وعنه البحار : ج ٩٢ / ٢٣٥ ، ح ٢٤.

(٥) قال الرازي المتوفي (٦٠٦) ه في مفاتيح الغيب ج ١٩ / ٢٠٧ في ذيل «سبعا من المثاني» في سورة الحجر : للناس فيه أقوال : الأول قول أكثر المفسرين وهو أنه فاتحة الكتاب وهي سبع آيات وتسميتها بالمثاني لوجوه : الأول : أنها تثنى في كل صلاة ، والثاني : لأنها يثنى بعدها ما يقرء معها ، الثالث : لأنها قسمت قسمين لما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال :

«قال الله سبحانه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي» الحديث مشهور.

والرابع : لأنها قسمان : ثناء ودعاء ، وأيضا النّصف الأول منها حق الربوبية وهو الثناء ، والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء ، والخامس لأن كلماتها مثناة ، مثل الرحمن الرحيم ، إياك نعبد وإياك نستعين ، اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم.

٢٦

الجنة ، والجنة باب ثامن ليس بإزائها باب إلى النار ، وهو الباب المفتح من العقل ، ولذا صارت أبواب الجنان ثمانية (١) إذ ليس للعقل خروج من طاعة الله ، فإن العقل على ما عرفه الإمام عليه‌السلام هو ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان (٢) وأما النكراء

__________________

(١) قال الحكيم الإلهي صدر المتألهين الشيرازي المتوفي (١٠٥٠) ه في الحكمة المتعالية ج ٩ / ٣٣٠ الفصل (٢٦) في أبواب الجنة والنار : اعلم أنه وقع الاختلاف في تعيين هذه الأبواب ، فقيل : هي المدارك السبعة للإنسان وهي الحواس الخمس والحاستان الباطنتان أعني الخيال والوهم ، أحدهما مدرك الصور وثانيهما مدرك المعاني الجزئية وهذه الأبواب كما أنها أبواب دخول النيران كذلك هي أبواب دخول الجنان إذا استعملها الإنسان في الطاعات ، وبالجملة استعملها فيما خلقت لأجلها وللجنة باب ثامن مختص بها هو باب القلب.

وقيل : هي الأعضاء السبعة التي وقع التكليف بها.

وقيل : هي الأخلاق السيئة مثل الحسد ، والبخل ، والتكبر وغيرها للنار ، ومقابلاتها من الأخلاق الحسنة للجنة ، والقول الأول أولى وأوفق ...

قال الجنابذي المتوفى (١٣٢٧) ه في «بيان السعادة ج ٢ / ٤٠٢ بعد نقل الأقوال : لكن الحق والتحقيق أن الجحيم وأبوابها حقيقة موجودة في خارج هذا العالم في الملكوت السفلي ، وما ذكروا مناسبات لعدد طبقاتها وأبوابها لا أنه هي بعينها وفي الخبر : «إن للنار سبعة أبواب ، باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون ، وباب يدخل منه المشركون والكفار ، ومن لم يؤمن بالله طرفة عين ، وباب يدخل منه بنو أمية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه وهو باب لظى وهو باب سعير .... إلخ

(٢) معاني الأخبار : ٢٣٩ ح ١ ، وفي المحاسن : ١٩٥ ح ١٥ وعنهما البحار ج ١ / ١٦ ، ح ٨ ورواه الكليني في الكافي ج ١ / ١١ ، ح ٣ ، ومتن الحديث هكذا : عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما العقل؟ قال : ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ، قال : قلت : والذي كان في معاوية؟ قال : تلك النكراء وتلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل.

وقال المجلسي في بيان الحديث : النكراء : الدهاء والفطنة ، وجودة الرأي وإذا استعمل في مشتهيات جنود الجهل يقال له : الشيطنة ، ولذا فسره عليه‌السلام بها ، وهذه إما قوة أخرى غير العقل أو القوة العقلية ، وإذا استعملت في هذه الأمور الباطلة وكملت في ذلك تسمى بالشيطنة ولا تسمى بالعقل في عرف الشر ٦.

٢٧

التي هي الشيطنة فهي من جنود الجهل ومن قوى الشيطان.

وروي أن جبرئيل على نبينا وآله وعليه‌السلام قال للنبي : كنت أخشى العذاب على أمتك ، فلما نزلت الفاتحة أمنت ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لم يا جبرئيل؟ قال : لأن الله تعالى قال : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) (١) وآيات الفاتحة سبع ، من قرءها صارت كل آية طبقا على باب من أبواب جهنم ، فيمر أمتك عليها سالمين (٢).

بل ربما يقال : لهذا أثبت فيها جميع حروف التهجي إلا السبع التي هي أوائل ألفاظ دالة على نوع مما يعذب به ، وهي جهنم ، والثبور ، والخزي ، والشهيق ، والزفير ، والظلمة ، والفراق (٣).

__________________

(١) سورة الحجر : ٤٤.

(٢) لم أظفر على مصدر له.

(٣) إشارة إلى ما حكى الفخر الرازي المتوفي (٦٠٦) ه في «مفاتيح الغيب» ج ١ / ١٧٨ قال : قالوا : هذه السورة لم يحصل فيها سبعة من الحروف وهي : الثاء والجيم والخاء والزاي والشين والظاء والفاء.

والسبب فيه أن هذه السبعة مشعرة بالعذاب ، فالثاء تدل على الثبور ، قال تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) الفرقان : ١٤ ، والجيم أول «جهنم» ، (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) الحجر : ٣٧. والزاي والشين أول حروف الزفير والشهيق ، قال تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) هود : ١٠٦ ، والظاء تدل على لظى (كَلَّا إِنَّها لَظى) المعارج : ١٥ ، والفاء تدل على الفراق ، قال تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) «الروم ١٤».

فإن قالوا : لا حرف من الحروف إلا وهو مذكور في شيء يوجب نوعا من العذاب فما يبقى لما ذكرتم فائدة ، فنقول : أنه تعالى قال في صفة جهنم : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) وأسقط سبعة من الحروف في هذه السورة وهي أوائل ألفاظ دالة على العذاب تنبيها على من قرأ هذه السورة وآمن بها وعرف حقائقها صار آمنا من المدركات السبع في جهنم ، والله أعلم.

وقال الآلوسي المتوفى (١٢٧٠) ه في (روح المعاني) ج ١ / ٣٦ : لا يقال : إذا كانت الفاتحة جامعة لمعاني الكتاب فلم سقط منها سبعة أحرف : الثاء ، والجيم ، والخاء ، والزاي ،

٢٨

__________________

والشين ، والظاء ، والفاء.

لأنا نقول : لعل ذلك للإشارة إلى أن الكمال المعنوي لا يلزمه الكمال الصوري ، ولا ينقصه نقصانه ، وكانت سبعة موافقة لعدد الآي المشتمل على كثير من الأسرار وكانت من الحروف الظلمانية التي لم توجد في المتشابه من أوائل السور ويجمعها بعد أسقاط المكرر (صراط علي حق نمسكه) وهي النورانية المشتملة عليها بأسرها الفاتحة للإشارة إلى غلبة الجمال على الجلال المشعر بها تكرر ما يدل على الرحمة في الفاتحة ، وإنما لم يسقط السبعة الباقية من هذا النوع فتخلص النورانية ليعلم أن الأمر مشوب ، (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) (الأعراف : ٩٩) وفي قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) (الحجر : ٤٩) إشارة وأي إشارة إلى ذلك لمن تأمل حال الجملتين.

على أن في كون النورانية وهي أربعة عشر حرفا مذكورة بتمامها والظلمانية مذكورة منها سبعة وإذا طوبقت الآحاد بالآحاد يحصل نوراني معه ظلماني ونوراني خالص إشارة إلى قسمي المؤمنين فمؤمن لم تشب نور إيمانه ظلمة معاصيه ، ومؤمن قد شابه ذلك ، وفيه رمز إلى أنه لا منافاة بين الإيمان والمعصية ، فلا تطفئ ظلمتها نوره ، وأما حديث «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» فمحمول على الكمال.

وإذا لوحظ الساقط وهو الظلماني المحض المشير إلى الظالم المحض الساقط عن درجة الاعتبار والمذكور وهو النوراني المحض المشير إلى المؤمن المحض ، والنوراني المشوب المشير إلى المؤمن المشوب يظهر سر التثليث في (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) «فاطر : ٣٢».

وإنما كان الساقط هذه السبعة بخصوصها من تلك الأربعة عشر ولم يعكس ، لسر علمه من علمه وجهله من جهله ، نعم في كون الساقط معجما فقط إشارة إلى أن الغين في العين والرين في البين فلهذا وقع الحجاب وحصل الارتياب.

وللعلامة فخر الدين الرازي في هذا المقام كلام ليس له في التحقيق أدنى إلمام ، حيث جعل سبب إسقاط هذه الحروف أنها مشعرة بالعذاب. ولا يخفى ما في كلامه وجوابه لا يغنيه ولا ينفعه إذ لقائل أن يقول : فلتسقط الذال ، والواو ، والنون ، والحاء ، والعين ، إذ هي من الذل والويل والنار والحميم ، والعذاب وتكون الفائدة في إسقاطها كالفائدة في إسقاط تلك من غير فرق أصلا ، وأما نسبته لأمير المؤمنين كرم الله وجهه حين سأل قيصر الروم معاوية عن

٢٩

ويمكن أن يقال إن المثاني هي القرآن كما قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) (١) لتكرر قراءته أو قصصه ومواعظه أو وجوه.

إعجازه وبلاغته ، أو لكونه كتابا تدوينيا مطابقا للكتاب التكويني ، أو لاشتماله على الثناء على الله بما هو أهله ومستحقه ، فإن غيره لا يطيق الثناء.

عليه ، كما قال أكمل المخلوقات وأفضلهم : «سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (٢)

، فالسبع سبع آيات منها وهي السورة أو سبع سور ، وهي الطول سابعها الأنفال ، أو مع التوبة ، فإنهما في حكم سورة واحدة ولذا لم يفصل بينهما بالبسملة.

ثم إنه قد روي في «التوحيد» و «تفسير العياشي» و «القمي» و «فرات» و «البصائر» عن الأئمة الصادقين عليهم‌السلام بأسانيد عديدة أنهم قالوا : «نحن والله السبع المثاني ونحن المثاني التي أعطاها الله نبينا» (٣).

والمراد بالسبع في هذه الأخبار إما السورة بناء على شيء من الوجوه المتقدمة ، ويكون المراد بتلك الأخبار أن الله إنما امتن بهذه السورة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مقابلة القرآن العظيم لاشتمالها على وصف الأئمة عليهم‌السلام ومدح طريقتهم وذم

__________________

ذلك فسأل عليا عليه‌السلام فأجاب فلا أصل له. وعلى تقدير التسليم فما مرام الأمير عليه‌السلام بالاكتفاء على هذا المقدار إلا التنبيه للسائل والمسؤول على ما لا يخفى عليك من الأسرار فافهم ذلك الله تعالى هداك. انتهى.

(١) سورة الزمر : ٢٣.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٦ / ٢٥٣ ، ح ٣٥ ، وج ٧١ / ٢٣ ، وج ٨٥ / ١٧٠ ، ح ٧ ، وج ٩٣ / ١٥٩ ، ح ٣٣.

(٣) رواه عن المصادر المذكورة البحار : ج ٢٤ / ١١٤ ، ح ١ و/ ١١٦ ، ح ٣ و/ ٩٦ ح ٢٢ وفي ج ٢٥ / ٥ ، ح ٧.

٣٠

أعدائهم (١) ، وإما سبعة من الأئمة عليهم‌السلام لأن أكثر انتشار العلوم منهم ولذا خصهم به ، وإما كلهم فإن أسمائهم سبعة بعد إسقاط المكرر (٢) ، وعلى هذه الوجوه فالمثاني من الثناء لأنهم الذين أثنى الله تعالى عليهم في كتابه التدويني بل التكويني ، أو هم الذين يثنون عليه تعالى حق ثنائه ويعلمون يثنون عليه تعالى حق ثنائه ويعلّمون غيرهم تسبيحه وتهليله ، حتى الأنبياء والملائكة وجميع من دونهم من أهل العالم ، كما يستفاد من أخبار مستفيضة بل متواترة (٣) أو من التثنية لأنهم ذو جهتين : جهة عالية لاهوتية وجهة سافلة ناسوتية ، أو لثنيهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مع القرآن ، كما أشار إليه الصدوق (٤) أو يكون المراد كما هو الأظهر بل أولى من جميع ما مر المعصومون جميعا ، لكون السبع باعتبار تثنية أربعة عشر ، وهذا العدد الشريف هو عدد قوى يد الله الباسطة ، وتجليات أنوار وجهه النيرة الساطعة ، ولذا طابقهما العدد الذي هو الأربعة عشر.

ثم إن اشتهيت أن تسمع نمطا آخر من الكلام فاعلم أن الله تعالى خلق المشية بنفسها ، من غير سبق مادة ، ولا هيولى ، ولا صورة ولا كم ، ولا كيف ، ولا جهة ، ثم خلق الأشياء بالمشية.

والمشية مشيتان : إمكانية وكونية ، فبالمشية الإمكانية خلق إمكانات الأشياء بلا مد ولا نهاية ولا تناه ، وإن شئت فقل بحدود ونهايات غير متناهية ، فلكل شيء إمكان كل شيء ومن هنا قيل كل شيء فيه معنى كل شيء ، فتفطن ، واصرف الذهن

__________________

(١) البحار : ج ٢٤ / ١١٥ ، في ذيل الحديث الأول المنقول عن تفسير علي بن إبراهيم.

(٢) البحار : ج ٢٤ / ١١٥ ، في ذيل الحديث ، باب أنهم عليهم‌السلام السبع المثاني.

(٣) راجع : البحار : ج ٢٥ / ١ ، ح ٢ ، عن الاختصاص ، وص ٣ ، ح ص ٣ ، عن فضائل الشيخ الصدوق : ٧ ـ ٨ ، وص ١٧ ، ح ٣١ ، عن كمال الدين.

(٤) البحار : ج ٢٤ / ١١٦ ، عن توحيد الصدوق : ١٥٠ ، ح ٦.

٣١

إلى كثرة لا تتناهى عددا.

وبالمشيّة الكونية خلق الأكوان ، وهي عالم الحدود والنهايات والتناهي ، ولكل من المشيتين سبعة مراتب هي أسباب الفعل ومقتضياته ومتمماته ، بحيث لا يوجد شيء من الموجودات الإمكانية والكونية إلا بها كما في الكافي في خير حريز (١) وابن مسكان (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال :

«لا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بهذه الخصال السبع : بمشيئة ، وإرادة وقدر ، وقضاء ، وإذن ، وكتاب ، وأجل ، فمن زعم أنه يقدر على نقض (٤)

__________________

(١) حريز بن عبد الله أبو محمد السجستاني الأزدي الكوفي أكثر التجارة إلى سجستان فعرف بها ، وثقه الشيخ ، وعده في رجاله من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وله كتب في العبادات منها كتاب في الصلاة الذي كان يعتمد عليه الأصحاب ويعملون به. وفي رواية حماد المشهورة قال للصادق عليه‌السلام : أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، والصادق عليه‌السلام أقرّه على العمل بكتابه ، قتل في سجستان مع أصحابه بأيدي الشراة ، كما نقل تفصيل القتل وعلته في البحار ج ٤٧ / ٣٩٤.

قال العلامة النوري نور الله مرقده في «المستدرك» : حريز من أعاظم الرواة وعيونها ، ثقة ثبت لا مغمز فيه ، وحديث الحجب واضح التأويل ظاهر الحكمة متين المراد قد أكثر الأجلاء من الرواية عنه. هذه موجزة من ترجمته وطالب التفصيل فلينظر معجم رجال الحديث ج ٤ / ١٩٤ ، رقم : ٢٦٣٧.

(٢) هو عبد الله بن مسكان (بضم الميم وسكون السين المهملة) الكوفي ، عده الشيخ في رجال من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وعده المفيد من فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام ، والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم ، وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنفات المشهورة ، وعده الكشي ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم وتصديقهم لما يقولون ، وأقروا لهم بالفقه. ـ تنقيح المقال ج ٢ / ٢١٦.

(٣) في البحار عن المحاسن : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٤) في البحار عن المحاسن : على نقص (بالصاد المهملة).

٣٢

واحدة فقد كفر» (١).

وفيه عن ذكريا (٢) بن عمران عن الكاظم عليه‌السلام قال :

«لا يكون شيء في السموات ولا في الأرض إلا بسبع : بقضاء وقدر ، وإرادة ، ومشية وكتاب ، وأجل ، وإذن ، فمن زعم (٣) غير هذا فقد كذب على الله أو ردّ على الله» (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار ، والمراد بالمشية المذكورة فيها معناها الخاص ، وإن كان الكل يجمعها اسم المشية كما يأتي الكلام فيها وفي تفصيل مراتبها في موضع أليق إن شاء الله ، وحيث إنك قد سمعت أن فاتحة الكتاب هي المشية الكلية للكتاب التدويني كما أن المشية الكلية هي فاتحة الكتاب للكتاب التمكينى والتكويني وأن المشية إمكانية وكونية ، ففاتحة الكتاب هي السبع المثاني والنور الشعشعاني والبشر الأول والثاني ورتبة البيان والمعاني فافهم لحن المقال ولا تكثر السؤال فإن العلم نقطة كثرها الجهال.

ومنها : «الشفاء» و «الشافية» لأنها شفاء من كل داء.

فعن العياشي (٥) في تفسيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، باب «في أنه لا يكون شيء في السماء ولا في الأرض إلا سبعة» ح ١. والبحار ج ٥ / ١٢١ ، ح ٦٥ ، عن المحاسن ص ٢٤٤.

(٢) هو زكريا بن عمران القمي ، روى عن الكاظم عليه‌السلام وعن هارون بن الجهم وروى عنه محمد بن خالد ، والحسين بن سعيد.

(٣) في البحار : فمن قال غير هذا فقد كذب على الله ...

(٤) الكافي : ج ٣ ، باب «في أنه لا يكون شيء» ح ٢. والبحار : ج ٥ / ٨٨ ، ح ٧ ، عن الخصال ص ٣٥٠ ، ح ٣٦.

(٥) هو الشيخ الأجل أبو النضر (بالضاد المعجمة) محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي ، ثقة ، صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها ، جليل القدر ، له كتب كثيرة

٣٣

«إنها شفاء (١) من كل داء إلا السام ، والسام الموت» (٢).

وقضية العموم شموله للأمراض الروحانية والجسمانية ، إذ كما أن للأبدان أمراضا يرجع في رفعها وعلاجها إلى أطباء الأبدان ، كذلك للقلوب أمراض وآلام يجب الرجوع في علاجها إلى أطباء النفوس والقلوب المطلعين على خفايا العيوب والذنوب ، بل الاهتمام بدفع هذا الداء أكثر ، فإن بقاءه أضر.

وهذه السورة كما أنها تدفع الأمراض الجسمانية بالرقية والتعويذ مع الاعتقاد الصحيح والتوسل الصريح ، فكذلك تدفع الأمراض الروحانية والأسقام القلبية بالتحقق بحقائقها والتخلق بمراتبها ، إذ به يتحقق العبد في مقام العبودية ويتخلق بالأخلاق القدسية ، ويحصل له الانقطاع إلى الله بالكلية ، فيتمكن من محلة الأمن والأمان والاطمئنان ، ويندحر عنه جنود الجهل وأعوان الشيطان بزواجر خطاب ، (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٣).

ومنها : «الأساس» ، لأنّها أصل القرآن وأساسه على ما مر فيما مر ، ولما في «مجمع البيان» عن ابن عباس : «إن لكل شيء أساسا وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم» (٤). ولأنها أساس إذ لا صلاة الّا بها (٥).

__________________

تزيد على مائتي مصنف منها كتاب التفسير المعروف ، وكان يروي عن الضعفاء ، وفي أول النديم في الفهرست : إنه من بني تميم من فقهاء الشيعة الإمامية وكان أوحد دهره وزمانه في غزارة العلم ـ سفينة البحار في لفط (عيش).

(١) في المصدر : هي شفاء.

(٢) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣ ، ح ٩.

(٣) سورة الحجر : ٤٢.

(٤) مجمع البيان : ج ١ ، ص ١٧ ، ط صيدا.

(٥) في تفسير القرطبي ١ / ١١٣ :

شكا رجل الى الشعبي وجع الخاصرة ، فقال : عليك بأساس القرآن فاتحة الكتاب ، سمعت

٣٤

ومنها : «الكافية» ، إذ هي تكفى عمّا سويها ، ولا يكفى عنها ما سويها في خصوص الصلوة ، أو مطلقا على بعض الوجوه المتقدمة ، ويؤيّده النبوىّ المروي في «المجمع» عن عبادة بن الصامت (١) ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : «امّ القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها» (٢).

ومنها : «الصلوة» لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قال الله تعالي : قسمت الصلوة بيني وبين عبد نصفينّ» الى آخر ما مرّ في تسميتها بأمّ الكتاب (٣) والمراد بها «الفاتحة» كما يظهر من تمام الخبر ، وان احتمل أيضا ارادة «الصلوة» باعتبار اشتمالها على «الفاتحة» ولان منزلتها في القرآن منزلة الصلوة في العبادات لجامعيتها واشتمالها على ما يشتمل عليه غيرهما.

ومنها : «الكنز» لما روى في العلوي «انّها نزلت من كنز تحت العرش» (٤).

ومنها غير ذلك من الأسماء الكثيرة التي قيل بإطلاقها عليها ولم نر لها كبعض ما مرّ أثرا في أخبارنا ، وان أمكن التقريب فيها ببعض الوجوه كالوافية

__________________

ابن عباس يقول : لكلّ شيء أساس ؛ وأساس الدنيا مكة ، لأنّها منها دحيت ، وأساس السموات عريبا وهي السماء السابعة ، وأساس الأرض عجيبا وهي الأرض السابعة السفلى ، وأساس الجنان جنّة عدن وهي سرّة الجنان عليها اسّست الجنة ، وأساس النار جهنم وهي الدركة السابعة السفلى عليها أسست الدركات ، وأساس الخلق آدم ، وأساس الأنبياء نوح ، وأساس بنى إسرائيل يعقوب ، وأساس الكتب القرآن ، وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم ، فاذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالفاتحة تشفى.

(١) عبادة بن الصامت ابو الوليد الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة ولي قضاء القدس ومات بالرملة أو ببيت المقدس سنة اربع وثلاثين (العبر ١ / ٣٥).

(٢) مجمع البيان ١ / ١٧.

(٣) في ص ٢١ من كتب الفريقين.

(٤) لم أظفر على مصدر له ـ وفي البحار ج ٨٥ ص ٢١ عن تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله تعالى منّ عليّ بفاتحة الكتاب من كنز الجنّة .... الخبر.

٣٥

والشكر والدعاء والتعليم والقرآن العظيم ، فانّه مقام الإجمال كما انّ الفرقان مقام التفضيل والنور والرقية وسورة المناجاة وسورة التفويض وسورة السؤال وسورة الحمد وسورة الحمد الاولي وسورة الحمد القصرى بالراء والواو وسورة التمحيص والتخليص وسورة التقسيم لقوله تعالى : «قسمت» إلى آخر ، وسورة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمعت وسورة تعليم المسألة وسورة أمير المؤمنين لطلب الهداية الي الصراط المستقيم المفسّر بولايته عليه‌السلام.

[عدد آياتها]

سبع آيات ، وهي مكية أمّا كونها سبع آيات فكأنه لا خلاف فيه بين من خالفنا فضلا عما بيننا ، ولذا نسب إلى الشذوذ ما يحكى عن الجعفي (١) منهم من عدم عدّ شيء من التسمية ، و (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية مستقلة نظرا إلى أنها ستة ، وأشذ منه ما يحكى عن عمرو بن عبيد (٢) من كونهما آيتين ذهابا إلى أنها ثمانية ، وأشذ منهما ما عن ثالث من كون (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) آية ثامنة فالتاسعة ما بعدها إلى غير ذلك من الأقوال الشاذة التي لا ينبغي التعرض لها فضلا عما لها وما عليها.

نعم ، قد طال التشاجر بينهم في أنها آية أو بعض آية فيها أو في غيرها من السور ، وستسمع تمام الكلام عند التعرض لتفسير البسملة.

وأما كونها مكية فقد حكاها في «المجمع» عن ابن عباس وقتادة (٣) وحكي

__________________

(١) الجعفي : الحسين بن علي بن الوليد المتوفى (٢٠٣) ه ، تقدمت ترجمته.

(٢) هو عمرو بن عبيد بن باب البصري المعتزلي المتوفي (١٤٣) ه ، تقدمت ترجمته.

(٣) هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز أبو الخطاب الدوسي البصري الضرير الأكمه ، كان من

٣٦

عن مجاهد (١) كونها مدنية ، وعن بعضهم أنها نزلت مرتين : مرة بمكة ومرة بالمدينة (٢).

روى الفخر الرازي (٣) في تفسيره عن الثعلبي (٤) بإسناده عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال :

«نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش» (٥).

__________________

المفسرين الحفاظ والرؤساء في العربية ومفردات اللغة وأيام العرب والنسب ، ولد سنة (٦١) ه ومات بواسط في الطاعون سنة (١١٨) ه ـ تذكرة الحفاظ : ج ١ / ١١٥.

(١) هو مجاهد بن جبر ، أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم كان من المفسرين أخذ التفسير عن ابن عباس ، قرأه عليه ثلاث مرات يقف عند كل آية يسأله : فيم نزلت وكيف كانت؟ ولد سنة (٢١) ه وتوفي سنة (١٠٤) أو قبلها ـ الأعلام : ج ٦ / ١٦١.

(٢) قال السيوطي في الإتقان ص ١٢ : سورة الفاتحة ، الأكثرون على أنها مكية ، بل ورد أنّها أوّل ما نزل ، واستدل لذلك بقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) في سورة الحجر وقد فسرها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفاتحة كما في الصحيح ، وسورة الحجر مكية بالاتفاق وقد امتن على رسوله فيها بها فدل على تقدم نزول الفاتحة عليها ، وبأنه لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة ولم يحفظ أنه كان في الإسلام صلوة بغير الفاتحة ، ذكره ابن عطية وغيره وقد روى الواحدي والثعلبي من طريق العلاء بن المسيب عن الفضل بن عمرو عن علي بن أبي طالب قال :

«نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش».

واشتهر من مجاهد القول بأنها مدنية ، وقال الحسين بن فضل : هذه هفوة من مجاهد لأن العلماء على خلاف قوله.

(٣) هو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين المعروف بفخر الدين الرازي كان من المهرة في عهده في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل ، أصله من طبرستان ، وولد في الري سنة (٥٤٤) ه وتوفي في هراة سنة (٦٠٦) ه وله مصنفات منها : «مفاتيح الغيب» في التفسير ـ الأعلام : ج ٧ / ٢٠٣.

(٤) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري ، مفسر من كتبه «الكشف والبيان» يعرف بتفسير الثعلبي ، توفي «٤٢٧» ه وفيات : ج ١ / ٢٢.

(٥) مفاتيح الغيب : ج ١ / ١٧٧.

٣٧

وعنه بإسناده عن عمرو (١) بن شرحبيل أنه قال :

«أول ما نزل من القرآن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسر إلى خديجة رضي الله عنها ، فقال : لقد خشيت أن يكون خالطني شيء ، فقالت : ما ذاك؟ قال : إني إذا خلوت سمعت النداء : اقرأ ، ثم ذهب إلى ورقة (٢) بن نوفل واسأله من تلك الواقعة ، فقال له ورقة : إذا أتاك فاثبت له ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)» (٣).

وقد يستدل له أيضا بالاتفاق على كون سورة الحجر مكية مع أن من آياتها قوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) (٤) الآية ... الدالة على أنه تعالى آتاه فيما تقدم السبع المثاني المفسر بالفاتحة بالأخبار المستفيضة (٥) وغيرها ، وبأنه يبعد أن يقال : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بمكة بضع وعشر سنين وصلى هو وأصحابه من دون فاتحة الكتاب مع أنه ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه لا صلاة إلا بها (٦).

__________________

(١) هو عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة الهمداني الكوفي تابعي جليل ، شهد صفين مع أمير المؤمنين عليه‌السلام ، توفي في أيام عبيد الله بن زياد ، وصلى عليه شريح القاضي.

(٢) هو ورقة بن نوفل بن أسد القرشي ، حكيم اعتزل الأوثان قبل الإسلام ، توفي سنة (١٢).

(٣) مفاتيح الغيب : ج ١ / ١٧٧.

(٤) الحجر : ٨٧.

(٥) في تفسير الصافي : العياشي عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال :

«هي سورة الحمد ، وهي سبع آيات منها (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، إنما سميت بالمثاني لأنها يثنى في الركعتين».

وعن أحدهما عليهما‌السلام أنه سئل عنها فقال :

«فاتحة الكتاب يثنى فيها القول».

وكذا في «المجالس» عن السجاد عليه‌السلام ، وفي «المجمع» عن علي عليه‌السلام وهكذا عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وفي «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث :

«زاد الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السبع الطول ، وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني ... إلخ».

(٦) تقدم عن المستدرك : ج ٤ / ١٥٨ ، ح ٥ ، عن عوالي اللئالي ج ١ / ١٩٦ ، ح ٢.

٣٨

وأما كلماتها فتسع وعشرون كلمة مع البسملة ، وربما يقال بخلاف ذلك على زيادة أو نقيصة لاختلاف الاعتبارات في عدّ الكلمات ، فإنهم لم يعدّوا مثل الواو والفاء والباء وساير الحروف المفردة بل الألف واللام كلمة مستقلة ، مع أنها كلمات من الحروف ، والخطب سهل فيه ، وكذا في اختلافهم في اعتبار الحروف وأن المعدود منها هل هو الحروف الملفوظة أو المكتوبة أو كل منهما ، وإن لم أجد في ذلك كلاما محرّرا لهم ولا لعلماء الحروف والأعداد.

نعم ، ذكر الشهيد الثاني (١) في «الروضة» في شرح قول الشهيد (٢) رحمة الله عليه : «فإن لم يحسن يعني المصلي شيئا من الفاتحة قرء من غيرها بقدرها» قال : أي بقدر الحمد حروفا فإن حروفها مائة وخمسة وخمسين حرفا بالبسملة إلا لمن قرء (مالك) فإنها يزيد حرفا) (٣).

واعترضه جمال المحققين (٤) بأنه إما أن يعتبر الحروف الملفوظة أو المكتوبة

__________________

(١) الشهيد الثاني : زين الدين بن نور الدين علي بن أحمد بن محمد العاملي الشامي الجبعي ، أمره في الثقة والجلالة والعلم والزهد والعبادة والورع وكثرة التحقيق أشهر من أن يذكر ، ومحاسنه وأوصافه الحميدة أكثر من أن تحصر ، ولد ثالث عشر شوال سنة (٩١١) ه وختم القرآن وعمرة تسع سنين ، واستشهد في رجب سنة (٩٦٦) ه.

قال المؤلف في منظومته «نخبة المقال» في تاريخ ولادته وعمره وشهادته :

وشيخ والد بهاء الدين

القدوة التحرير زين الدين

ميلاده «شهيد الثاني» وقد

عمر خمسين وخمسا فشهد

(٢) الشهيد إذا أطلق أو قيد بالأول فهو الشيخ لأجل الأفقه أبو عبد الله محمد بن مكي بن محمد بن العاملي رئيس المذهب والملة ، كان بعد المحقق على الإطلاق أفقه فقهاء الآفاق ، ولد سنة (٧٣٤) واستشهد بالسيف والصلب والرجم والإحراق بدمشق سنة (٧٨٦) ه رضوان الله عليه.

(٣) شرح اللمعة الدمشقية : كتاب الصلاة ، الفصل الثالث في كيفيتها.

(٤) جمال المحققين : محمد جمال الدين بن آقا الحسين بن جمال الدين محمد الخوانساري

٣٩

فعلى الأول غاية مبلغ الحروف مائة وتسعة وثلاثون حرفا. وذلك على تقدير الوقف على الرحيم ، والعالمين ، ونستعين ، وعدّ المد حرفا ، والمشدد حرفين ، وإلا فينقص منه أيضا ، وعلى الثانية أصل الحروف مائة واثنان وأربعون ، وإذا أضيف التشديدات الأربعة عشر فيصير مائة وستة وخمسون ، ولو اعتبر المد أيضا حرفا كما هو الظاهر فيزيد حرفا آخر ، وعلى التقادير لا يستقيم ما ذكره الشهيد ، اللهم إلا أن يقال : إنه اعتبر المكتوبة وأضاف إلى الحروف الأصول التشديدات التي لم يكتب معها الحروف المدغمة دون البواقي ، فإنه بعد اعتبار المدغم والمدغم فيه على حرفين لا وجه لاعتبار التشديد معهما حرفا ، إذ لا يزيد المدغم والمدغم فيه على حرفين لو لم ينقصا منه ، والتشديدات المذكورة خمسة فيصير المجموع مائة وسبعة وأربعين ، ولو أعتبر المدّ أيضا حرفا كما هو الظاهر فيزيد حرفا آخر ، وعلى التقادير لا يستقيم ما ذكره الشهيد ، اللهم إلا أن يقال : إنه اعتبر المكتوبة وأضاف إلى الحروف الأصول التشديدات التي لم يكتب معها الحروف المدغمة دون البواقي ، فإنه بعد اعتبار المدغم والمدغم فيه على حرفين لا وجه لاعتبار التشديد معهما حرفا ، إذ لا يزيد المدغم والمدغم فيه على حرفين لو لم ينقصا منه ، والتشديدات المذكورة خمسة فيصير المجموع مائة وسبعة وأربعين ، واعتبر المد أيضا ، وكذا اعتبرت همزة الاسم ، فإنه لا تترك في الكتابة إلا في خصوص البسملة لكثرة

__________________

الإصفهاني ، عالم مشارك في الأخبار ، والفقه والأصول ، والكلام والحكمة ، كان مجازا من المجلسي الأول ، وله تصانيف كثيرة منها : حاشيته على اللمعة ، توفي في ٢٦ من شهر رمضان سنة (١١٢١) ه كما جاء في «نجوم السماء» ص ١٩١ مادة تاريخ لوفاته من فاتح الشاعر بالفارسية :

سال فوتش را بفاتح هاتفي از غيب گفت

كرد إيزد با حسين بن علي حشر جمال (١١٢١) ه

وجاء تاريخ وفاته في «الروضات» سنة (١١٢٥).

٤٠