تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-73-8
الصفحات: ٧٤٨

وهذا بيان الخبر على ما أفيض عليّ من بركات أئمة الأنام عليهم الصلاة والسّلام.

ولا علينا أن نقصّ عليك بعض ما قد وصل إلينا في بيانه من علمائنا الأعلام رفع الله أقدارهم في دار السّلام.

قال مولانا التقيّ الورع المجلسي على ما حكاه ولده المجلسي الثاني في شرحه على الكافي :

«إنّ الاسم الأول كان اسما جامعا للدلالة على الذات والصفات ، ولمّا كان معرفة الذات محجوبة عن غيره تعالى جزّء ذلك الاسم على أربعة أجزاء ، وجعل الاسم الدالّ على الذات محجوبا عن الخلق ، وهو الاسم الأعظم ، والأسماء التي أظهرها الله للخلق على ثلاثة أقسام :

منها ما يدلّ على التقديس مثل : العليّ العظيم العزيز الجبار المتكبر.

ومنها ما يدلّ على علمه تعالى.

ومنها ما يدلّ على قدرته تعالى.

وانقسام كل منها إلى أربعة أقسام بأن يكون التنزيه إمّا مطلقا أو للذات أو الصفات أو الأفعال.

ويكون ما يدل على العلم : إما لمطلق العلم ، أو للعلم بالجزئيات كالسميع والبصير أو الظاهر والباطن.

وما يدلّ على القدرة : إما للرحمة الظاهرة أو الباطنة أو الغضب ظاهرا أو باطنا أو ما يقرب من هذا التقسيم.

والأسماء المفردة على ما ورد في القرآن والأخبار يقرب من ثلاثمائة وستين اسما ذكرها الكفعمي في مصباحه ، فعليك بجمعها والتدبر في ربط كل منها بركن من

١٨١

تلك الأركان» (١). انتهى كلامه زيد مقامه.

ونسج على منواله مولانا ولده العلامة المجلسي قدس‌سره في «البحار» لكنه نبّه على ذكر الأسماء الثلاثة في الخبر ، قال :

«وهو (الله تبارك وتعالى) على نسخة «الكافي و (سبحانه) بدل (تعالى) على نسخة «التوحيد» ، فالله موضوع للذات المستجمع للصفات الذاتية الكمالية و (تبارك) إشارة إلى أنه معدن الفيوض ، ومنبع الخيرات التي لا تتناهى ، وإليه (٢) يرجع جميع الصفات من الخالقية ، والرازقية ، والمنعمية ، وغيرها ، كما أن الأول (٣) جامع للصفات الذاتية الجمالية.

وأما الثالث وهو (تعالى) أو (سبحانه) فإشارة إلى الصفات الجلالية المنزهة له من جميع النقايص ، ولكل من الثلاثة أربعة أركان.

أما الله فدعائمه الأربع وهي وجوب الوجود المعبر عنه بالصمدية والقيومية والعلم والقدرة والحياة.

وأما البركة (٤) فلها الإيجاد والتربية في الدارين والهداية في الدنيا والمجازات في الآخرة.

وأما التنزيه (٥) فللذات عن مشابهة الممكنات ومن إدراك الأوهام والعقول ولصفاته عن النقايص ، ولأفعاله عن الظلم والعجز.

إلى أن قال : وظاهر أنّ لكل منها شعبا كثيرة ، فجعل عليه‌السلام شعب كل منها

__________________

(١) مرآة العقول : ج ٢ / ٢٩.

(٢) في البحار : وهو رئيس جميع الصفات الفعلية.

(٣) في البحار : كما أن الأول رئيس الصفات الوجودية من العلم والقدرة وغيرهما.

(٤) في البحار : وأما (تبارك) فله أركان أربعة : هي الإيجاد ...

(٥) في البحار : وأمّا (سبحان) فله أربعة أركان لأنه إما تنزيه الذات عن مشابهة الممكنات أو تنزيهه عن إدراك الحواس والأوهام ...

١٨٢

ثلاثين ، وذكر بعض أسماء الله الحسنى على وجه التمثيل وأجمل الباقي (١) ، إلى آخر ما ذكره قدس روحه.

وللصدر الأجل الشيرازي كلام مبسوط في شرح الخبر حاصله أنّ الاسم هو الوجود المطلق وأمّا كونه على أربعة أجزاء فتلك الأجزاء ليست أجزاء خارجية ولا مقدارية ولا حدّية بل إنما هي معاني واعتبارات ومفاهيم اسمائية وصفاتية ، فالأربعة هي : الحياة والعلم والإرادة والقدرة ، فإنها أمهات الأسماء الإلهية ، وما سواها كلها مندرجة تحت هذه الأربعة ، ثلاثة منها مضافة إلى الخلق ، لأن العلم والإرادة والقدرة من صفات الإضافة فهي طالبة لمعلوم ، ومراد ، ومقدور ، وواحد منها ليس كذلك وهو الاسم المكنون المخزون.

وبوجه آخر : للصادر الأول أربع حيثيات : الوجوب ، والوجود ، والهيئة الإمكانية ، والتشخص.

فالأول هو الاسم المكنون ، والثلاثة هي الأسماء البارزة لحاجة الخلق ، وكما أنّ الاسم الجامع وإمام الأئمة هو اسم الله المتضمن لجميع الأسماء ، فكذلك خليفة الله في الأرض والسماء ، مختصر جامع لمدلولات الأسماء وكلمة جامعة لمعانيها ، والعالم كلّه تفصيل ذاته ، بصورها القائمة بالنفس الرحماني ، والفيض الانبساطي بحسب منازله ومراتبه ، وذلك قوله : فالظاهر هو الله تبارك وتعالى ، إذ الاسم عين المسمى بوجه ، والظاهر عين المظهر بوجه.

وأما الأركان الأربعة فلكل من الأسماء الأربعة مراتب أربعة هي كالأركان

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤ / ١٦٦ ـ ١٧٢.

وفي مرآة العقول : ج ٢ / ٢٨ بعد ما شرح الحديث قال : هداني إلى ذلك ما أورده ذريعتي إلى الدرجات العلى ووسيلتي إلى مسالك الهدى بعد أئمة الورى عليهم‌السلام ، أعني والدي العلامة قدس الله روحه في شرح هذا الخبر.

١٨٣

لها ، فمراتب العلم تعقل للعقل ، وتفكر للنفس الناطقة ، وتخيل للنفس الحيوانية ، وشهوة للطبيعة الحسية ، ومراتب الإرادة عشق وهوى ، وشوق وشهوة ، ومراتب القدرة : الإبداع والاختراع وهو التصوير ، والفعل ، وهو الإعداد والتحريك.

والأول من الكل للعقل الى آخر ما مرّ من الترتيب.

ثم استقرب وجها آخر وهو أنّ هذه الأسماء الثلاثة لمّا كانت اسما لكلمة واحدة ، وكلها في مرتبة واحدة ، لا تقدّم لواحد منها على الآخر فالمسخّر المربوب لكل واحد هو بعينه المسخّر المربوب للآخر ، فالأركان الأربعة المسخرة لهذه الأسماء الثلاثة يجب أن يكون أعيانها بإزاء العين لهذه الكلمة ، وأوصافها الاسمية بإزاء هذه الأسماء الثلاثة.

فكل من الأسماء الثلاثة مشتمل على الأركان الأربعة وبالعكس.

إلى أن قال : ولهذه المناسبة انقسمت الأفلاك بما فيها باثني عشر قسما هي البروج المشهورة على وجه التربيع التثليثي لظهور كل من الطبائع الأربعة العنصرية التي هي بإزاء العقل والنفس والطبيعة والمادة في ثلاثة مواضع من الفلك الأقصى ، ولذا صار كل ثلاثة من البروج متعلقا بعنصر من العناصر ، وإذا أجرى في كل من هذه الأسماء ومربوباتها حكم الأسماء الثلاثة الأصلية التي هي الأئمة الكبرى بعد إمام الأئمة ، صارت ستة وثلاثين عدد الأسماء المذكورة في هذا الحديث من الرحمن إلى الوارث.

وإذا ضوعف كل منها عشرة باعتبار الأسماء التي للمقولات العشر : الجوهر ، والكم والكيف ، والأين ، والمتى ، والوضع والفعل ، والانفعال ، والملك ، والجدة ، إذ بإزاء كل منها حقيقة ربانية واسم إلهي ، ارتقى عدد الأسماء ومربوباتها إلى ثلاثمائة وستين عدد الدرجات الفلكية ، فيكون تحت كل اسم من الأسماء الاثنى عشر ثلاثين اسما من الأسماء العقلية التي هي دون الأسماء القضائية والقدرية ، وكذلك

١٨٤

انقسم كل برج فلكي وركن سماوي إلى ثلاثين اسما وفعلا منسوبا إليها إلى آخر ما ذكره قدس‌سره (١).

وذكر الشيخ أحمد الأحسائى في «شرح الزيارة» في شرح قوله : «وله المثل الأعلى» :

أنّ المراد بهذه الاسم المذكور في الخبر هو جميع ما سوى الله ، والأسماء الثلاثة التي ظهرت عالم الجبروت ، وهي العقول ، وعالم الملكوت ، أي النفوس ، وعالم الملك ، أي الأجسام ، والجزء المحجوب هو فعل الله المسمى بالمشية والارادة ، والإبداع ، قال قدس‌سره وقد ذكرت لشرحه رسالة من أراد الوقوف على ذلك طلبها.

قلت : ونحن لم نقف عليها إلى الآن ، ووقفت بعد ذلك على كلام للقاضي سعيد (٢) القمي تلميذ المحدث الفيض (٣) في «أربعينه» قال :

«إنّ الاسم هذا عبارة عن العقل الأول الكلي الذي هو عبارة عن جملة الموجودات على الإجمال العقلي ، وتسميته اسما لكونه مظهر اسم الله الأعظم الجامع لجميع الأسماء ، إذ كما كان اسم الله جامعا لجميع الأسماء ، كذلك العقل الأول جامع لجميع الموجودات التي هي مظاهر أسماء الله.

وأيضا الألوهية إنما تحقق بوجود المألوهية ، ولو لا مألوهية العقل لم يتحقق الألوهية كما أشير في الحديث : ما العقل؟ قال : «ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان» (٤).

__________________

(١) شرح أصول الكافي : باب حدوث الأسماء ، ص ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، ح ١.

(٢) هو القاضي سعيد محمد بن محمد مفيد القمي المتوفى (١١٠٧) ه.

(٣) هو محمد بن مرتضى المعروف بمحسن الملقب بالفيض الكاشاني توفي سنة (١٠٩١) ه.

(٤) بحار الأنوار : ج ١ / ١١٦ ، ح ٨.

١٨٥

أي العقل ما صار به الرحمن معبودا ، لأنّ العقل أول من قرع باب الأحدية ، وأسلم للحضرة السبحانية ، والحروف عبارة عن جهات العقل لأن الحرف طرف الشيء والأطراف هي الجهات ، وهي للعقل أربعة :

أحدها : كونه عقلا كليا صادرا عن المبدأ الأول بلا واسطة.

ثانيها : كونه متوجها إلى الله سبحانه مستفيضا منه الكمالات.

ثالثها : نظره إلى نفسه وأنه نفس النظام الكلي العقلي لجميع الأشياء قابل للظهور.

رابعها : كونه طالبا للظهور والبروز شائيا لإظهار الجواهر الغيبية المختفية المكنونة في الكنوز ، حمدا لنعم الله ، وشكرا لآلائه ، فأظهر منها ثلاثة بأن أوجد من ثلاثة من تلك الجهات ثلاثة أشياء فصدر من الثانية العقل ومن الثالثة الهيولى ، ومن الرابعة النفس ، وليس هو من الجهة الأولى بمصدر لشيء من الأشياء ، لأنها جهة تألهه ، وتضرّعه ، وتوجهه إلى بارئه ، لا التفات له من هذه الجهة إلى ما دونه.

وهو الواحد المحجوب عن الأكوان ، المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي أظهرت تلك الثلاثة ذلك الواحد بأن صارت مظاهر لأحكامه ، حاكية لأفاعيله.

فالعقل مكنون في معقولاته الثلاثة وهي مظاهر له ، لأن العلّة كما تكون ظاهرة بالمعلول بمعنى أن المعلول إنما هو أثر العلة والحاكي لأفاعيلها كذلك مختفية فيه لأن المعلول شأن من شؤونه ، ولباس يتلبس به العلة.

وحيث إنّ العقل بجهاته مظاهر اسم الله الأعظم قال الصادق عليه‌السلام :

«الظاهر في الحقيقة في هذه الأسماء ، بل في كل ذرة في الأرض والسماء ، هو الله سبحانه ، ليس لها في أنفسها ظهور ، بل هي على سلبها البسيط ما شمت

١٨٦

رائحة الظهور ، (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ)» (١).

سخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء الثلاثة أربعة أركان : أمّا أركان النفس الكليّة فهي الأملاك الأربعة المقرّبون حملة عرش الله العظيم.

أولهم وأعلاهم إسرافيل ، صاحب الصور ، وباعث من في القبور ، وشأنه نفخ الروح في القوالب المتجسّدة ، وإفاضة الصور والكمالات على الموادّ المستعدة.

ثم ميكائيل الموكّل على التغذية والتنمية ، وإيصال الرزق والتقديرات والتحريكات.

ثم جبرائيل صاحب الوحي المطاع في السموات والمتحمل للكلمات ، والواسطة في إفاضة المعارف الحقيقية والأنوار الربانية.

ثم عزرائيل ، القابض للأرواح ، الفاعل للانقلابات والاستحالات.

وأما أركان المادة الكلية فهي القابلة لفيضان النفوس والأرواح والصور والقابلة للنمو الاغتذاء ، والحركات ، والمستعدة لقبول الكمالات الحقيقية والمعارف الإلهية ، والقابلة للانقلابات والاستحالات والتبدلات ، فهذه أربعة.

وأما أركان الطبيعة الكلية فهي الصورة الكمالية المنفوخة في الأجساد القابلة من الصور والنفوس والأرواح ، والصور الكمالية الحالة في المادّة المغتذية من القوى المباشرة للطلب والدفع والتأدي والإيصال ، وصورة الكمالات العلمية الفائضة على النفوس الشريفة ، والصورة الحادثة من الانقلابات والاستحالات والانتقالات والترقيات من موطن إلى موطن ، فهذه أيضا أربعة.

ثم ساق الكلام في ذكر الأسماء الثلاثين لكل ركن منها من دون حصر فيها

__________________

(١) النجم : ٢٣.

١٨٧

ولا استقصاء لها.

أقول : وأنت ترى أنّه كأكثر ما حكيناه عن غيره أيضا كلها تكلّفات وتصنّعات في معنى الخبر. ولعل المعنى الأول الذي ذكرناه هو الأظهر.

تنبيه نبيه

ربما علّل الافتتاح بالاسم في البسملة بكونه مقحما كما مرّ خروجا للكلام من صورة اليمين إلى التيمّن ، أو لإجراء الكلام موافقا للعرف وعادات الناس الذين كانوا من عبدة الأصنام ، حيث إنّهم كانوا يقولون باسم اللّات والعزى ، أو لاستصغاء القلوب عن العلايق ، واستخلاص الأسرار من غواشي العوائق ، قبل التلفظ باسم الخالق ، كي يحصل التوسّل به بعد التخلي عن الأغيار والتحلي بالأسرار ، وصفاء الأنوار ، أو لغرض التوصل إلى التبرّك والاستعانة بذكر اسمه تعالى ، حيث إنّه يحصل بالتلبس بالآلة نحو كتبت بالقلم ، ومن البيّن أنه بالاسم لا بالذات ، ولو قال بالله لأوهم التلبس بالذات ، أو لئلا يخص التبرك باسم دون اسم.

فالاستعانة بذكر اسمه يشمل جميع أسمائه ، لأن إضافة اسم الجنس إلى المعرفة تفيد العموم ، يحصل الاستعانة بجميع أسمائه التي منها لفظة (الله) لا بلفظة (الله) فقط.

أو لأنّ الابتداء باسم الله تعالى أشدّ وفاقا لحديث الابتداء وهو النبوي :

«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر» (١).

إلى غير ذلك مما لا يخلو بعضها من تأمل.

لكن الذي ينبغي أن يقال في المقام : أنّك قد سمعت أنّ الله سبحانه خلق

__________________

(١) مفاتيح الغيب : ج ١ / ١٩٦.

١٨٨

لنفسه أسماء أظهرها لعباده كي يدعوه بها ، فقال عز من قائل : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (١).

وورد في الأخبار المستفيضة عن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين : «نحن أسماء الله الحسنى» (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام (٣) : «إنه جعل محمدا وآل محمد الأبواب التي يؤتى منها».

وذلك قوله : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : «نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا» (٥).

فهم الأسماء الفعلية الأولية الإبداعية الذين جعلهم الله أبوابا لعباده ، ووسائل إلى مرضاته.

وقد قال الله سبحانه : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (٦).

وقال : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) (٧).

وقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) (٨).

__________________

(١) الأعراف : ١٨٠.

(٢) بحار الأنوار : ج ٢٥ / ٥ ، ح ٧ ، وفيه : نحن الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا.

(٣) بحار الأنوار : ج ٨ / ٣٣٦ ، ح ٥.

(٤) البقرة : ١٨٩.

(٥) الكافي : ج ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٦) البقرة : ١٨٩.

(٧) المائدة : ٣٥.

(٨) آل عمران : ١٠٣.

١٨٩

وفي كثير من الأدعية : «اللهم إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم» أو «باسمك الذي» أو «بأسمائك الحسنى وأمثالك العليا».

وبالجملة قد علّمنا الله سبحانه في مفتتح كتابه الجامع التدويني الذي جعله مصدّقا لما بين يديه من الكتاب ، ومهيمنا عليه كيفية التوسل إليه والتقرّب لديه بالاستعانة بأبوابه وحجابه وشفعائه ، وهم أسماؤه الحسنى ، وأمثاله العليا ، فبهم تاب الله على من تاب ، وتوجه على من أناب ، بعد الدخول من الباب ، والوصول إلى الحجاب.

قال الله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) (١).

والمراد بها أسماؤهم الشريفة كما في الأخبار الكثيرة.

وفي الجامعة الكبيرة : «من أراد الله بدء بكم ومن وحّده قبل عنكم ومن قصده توجه إليكم» (٢).

فافتتح كتابه باسمهم بل بهم ، وعلّمنا الاستعانة بهم ، فهم المستعانون بهم لكن بإذن ربّهم ، فإنّهم (عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣).

وعلى هذا فإضافة الاسم إلى الله لامية لا بيانية ، فإنهم الاسم الله ، لا الاسم الذي هو الله.

ثم إنّ ألف الاسم وإن كان للوصل يسقط في الدرج لكنه يثبت في الرسم والكتابة كقوله : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (٤) ، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (٥) ، وإنما أسقطوه في

__________________

(١) البقرة : ٣٧.

(٢) بحار الأنوار : ج ١٠٢ / ١٣١ ، ح ٤.

(٣) الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧.

(٤) الواقعة : ٩٦. الحاقة : ٥٢.

(٥) العلق : ١.

١٩٠

البسملة لكثرة الاستعمال.

ومن الخليل (١) : التعليل بأن الهمزة إنّما أدخلت في بسم الله بسبب تعذر الابتداء بالساكن ، وهو السين ، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف ، فسقطت في الخط ، ولم تسقط من قوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) لأن الباء لا تنوب منه فيه دون البسملة.

وهو كما ترى ، قيل : وطولّت الباء عوضا عنه.

وقيل : لأنها مبدء كتاب الله فابتداؤه بصورة التفخيم تعظيما له ، واطرد ذلك في بقية السور.

ثم الحذف مختص عند الفراء (٢) بالله ، وبالباء ، فلا تحذف في غيره كاسم ربك ، ولا في غير الباء من حروف الجر نحو ليس اسم كاسم الله.

وعن الأخفش (٣) أنه لا يختص باسم الله بل يجري في غيره كبسم الرحمن وبسم الخالق.

لكن الجمهور على خلافه وكذا نقصوا الألف من اسم الله والرحمن مطلقا سواء كان في البسملة أو لا لكثرتهما في الكلام.

إشارة لأهل البشارة

اعلم أن الألف أوّل الحروف ظهورا ووجودا ، وله حكم السريان والانبساط

__________________

(١) هو الخليل بن أحمد الأزدي البصري العروضي ، توفي سنة (١٧٥) ه أو قبلها أو بعدها. ـ العبر : ج ١ / ٢٦٨.

(٢) هو يحيى بن زياد الأسلمي الكوفي النحوي ، توفي سنة (٣٠٧) ه. العبر : ج ١ / ٣٥٤.

(٣) هو سعيد بن مسعدة البلخي البصري المعروف بالأخفش الأوسط ، توفي سنة (٢١٥) ه. الأعلام : ج ٣ / ١٥٤.

١٩١

في ساير الحروف ، بل قيل مجموع هذه الحروف في سرّ العقل كان ألفا واحدا ، وأما في سرّ الروح فهو شكل ضلعين من أضلاع المثلّث متساوي الأضلاع ، ضلع قائم ، وآخر مبسوط ، والقائم ضلع الألف ، والمبسوط ضلع الباء ، فهما ألفان : ألف قائم والف مبسوط.

على أن الأول حامل الأسرار الوحدة ، والثاني كافل لمراتب الكثرة ، والأول هو المحبوب المحجوب ، والثاني هو الباب والحجاب ، ولذا قالوا : إن الألف يشار به إلى الذات الأحدية.

وذلك لما أفيض عليه من خلع الكرامة ما استحق بها للقيام في عالم الحروف مقامه لأولية المطلقة السارية في جميع الأطوار والأدوار كما في ترتيب أبجد ، وأيقغ ، وابتث ، وأهطم ، وغيرها من الدوائر السبع ، أو العشر ، أو السبعين ، ولتجرده من القيود وإضافات النقاط والحركات.

ولقيوميته المطلقة التي اختص بها من بين الحروف لقيامه بنفسه وقيام غيره به ، ولانفصاله عن الحروف. فلا يتصل بشيء منها ابتداء أصلا.

ولافتقار جميع الحروف إليه افتقارا أوليا كالباء والحاء والواو ، أو ثانويا كالجيم والسين والميم لتمامية الياء به.

وهو أول الحروف وآخرها لانتهائها إليه من حيث البيّنة وظاهرها ، كما لا يخفى وباطنها كما سمعت ، فهو من جملة الآيات التدوينية في عالم الحروف ، وهو الظاهر بنفسه المحتجب بخلقه.

كما قال مولانا أمير المؤمنين عليهم‌السلام : «خلقة الله الخلق حجاب بينه وبينهم» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٤ / ٢٢٨ ، ح ٢ عن التوحيد والعيون. وفيه عن الامام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام.

١٩٢

وقال مولانا الصادق عليه‌السلام : «إنه هو المشيّئ ونحن الشيء ، وهو الخالق ونحن المخلوق ، وهو الرب ونحن المربوب ، وهو المعنى ونحن أسماؤه ، وهو المحتجب ونحن حجبه» (١).

فكان كما قلت شعرا :

ففي أزل الآزال قبل الخليقة

تجلى له فيه بسرّ الهوية

فلمّا تجلّى نوره بأشعّة

ربوبية كانت بنفس المشية

بدا ظاهرا للكل بعد احتجابه

بكل ففي الأشياء أسرار وحدة

فافهم الإشارة بسر العبارة تغفلها القلوب اللاهية وتعيها أذن واعية.

وربما يقال : إنّ من جملة أسرار افتتاح الكتاب التدويني بالباء واختتامه بالسين أنه كفى بهذا النور اللامع والضياء الساطع والكتاب الجامع ، إذ المؤلف من الحرفين كلمة (بس) يقال : بسك ، أي حسبك ، كما في «القاموس» وغيره ، فكأنه يشير فيما أضمر : حسبك من الكونين ما أعطيناك بين الحرفين لتقرّ به العين.

وإليه أشار الحكيم الغزنوي فيما أنشده بالفارسية :

أول وآخر قرآن زچه با آمد وسين

يعنى أندر ره دين رهبر تو قرآن بس

ويقال : إن الباء في بسم كشف البقاء لأهل الفناء ، والسين كشف سناء القدس لأهل الأنس ، والميم كشف الملكوت لأهل النعوت.

وإن الباء برّه للعموم ، والسين سرّه للخصوص ، والميم ملك الولاية.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أن الباء بهاؤه ، والسين سناؤه ، والميم مجده» (٢).

وقيل : إن البهاء بمعنى الضياء الذي هو الأصل ، والسناء هو النور والشعاع الذي هو الفرع.

__________________

(١) لم أظفر على مصدر له.

(٢) الكافي : ج ١ / ١١٤ ، والتوحيد : ص ٢٣٠ ، وفيهما عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام.

١٩٣

وذلك لقضية التقديم والترتيب الوجودي الجاري على حكمة الاختراع والابتداع ويؤيده قوله : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (١).

فإن البرق هو حامل النور الذي حملته الكرة الأثيرية بواسطة الشمس ، فالبرق تابع للشمس في الوجود والاقتضاء والتحقق والتذوت.

لكنك قد سمعت سابقا أن الباء إشارة إلى الباب الأقدم والحجاب الأعظم ، وهو سر الولاية ومقام الحجابة والسقاية ومظهر السر والوقاية ، ومجلي العناية والكفاية.

وهو مقام مولانا ومولى العالمين أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والسين إشارة إلى السيادة الكبرى ، والرياسة العظمى ، والغاية القصوى والنذير العريان من النذر الأولى وهو سيدنا وسيد العالمين خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله أجمعين.

ومنه يظهر أنّ تقديم الباء على السين ليس تقديم شرف وعلو رتبة ، بل تقديم بابية وحجابية.

ولذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها» (٢).

وقال الله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) (٣).

وكذلك تقديم السين على الله تقديم للفعل على الفاعل ، وللجعل على الجاعل ، وللقمر على الضياء ، وللبهاء على السنا ، بل للضياء على الشمس.

__________________

(١) يونس : ٥.

(٢) الجامع الصغير للسيوطي : ج ١ / ١٠٨ ، حرف الهمزة.

(٣) البقرة : ١٨٩.

١٩٤

(وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).

(لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢).

فافهم الكلام وعلى من يفهمه السّلام.

وروى الثعلبي (٣) في «العرايس» عن الإمام الهمام كهف الأنام علي بن موسى ، عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عليه الصلاة والسّلام ، أنه قال في (بِسْمِ اللهِ) : «الباء بقاؤه ، والسين أسماؤه ، والميم ملكه ، قال : فإيمان المؤمن ذكره ببقائه ، وخدمة المريد ذكره بأسمائه ، واستغناء العارف عن المملكة بالمالك».

قلت : ولعل الخبر إشارة إلى أقسام الوجود الثلاثة.

فبقائه إشارة إلى الوجود الحق الذي هو المجهول المطلق ، وهو الأحدية المحضة ، والوحدة الصرفة ، والهوية الغيبية ، والذات الأزلية.

وأسماؤه إشارة إلى مقام الواحدية ، وتجلي الربوبية وظهور الجلال في مرآة الجمال ، وتجلي الجمال في قدس الجلال ، وهو الوجود المطلق ، ومظهر الحق والمشية الكلية والمحبة الحقيقية وحجاب الغيب وسرّ للاريب.

وأما الملك فهو الوجودات المقيّدة ، والمفاعيل المطلقة من المجردات ، والملكوتيات ، والناسوتيات ، وبالجملة من الدّرة إلى الذرة ، ومن العقل الكلي إلى الجهل الكلي.

وفي خبر مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب اليهودي على ما رواه في

__________________

(١) الروم : ٢٧.

(٢) التوبة : ١٢٨.

(٣) هو أبو إسحاق احمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري ، المتوفى : (٤٢٧) ه.

١٩٥

«التوحيد» و «المعاني» قال عليه‌السلام : «ما من حرف إلا وهو اسم من أسماء الله عزوجل» (١).

ثم فسر الألف بالله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، والباء ببقائه بعد فناء خلقه ، والسين بالسميع البصير ، والميم بمالك الملك.

وفي خبر آخر مروي عنه في الكتابين وفي «العيون» و «الأمالي» قال : «إن أول ما خلق الله عزوجل ليعرف به خلقه الكتابة حروف المعجم» (٢).

إلى أن قال : «الألف آلاء الله والباء بهجة الله والسين سناء الله والميم ملك الله يوم لا مالك غيره».

فيقول عزوجل : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (٣).

ثم ينطق أرواح أنبياءه ورسله وحججه فيقولون : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤) فيقول جل جلاله : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥).

ثم إن لبعضهم في الافتتاح بالباء إشارات أخر مثل ما يقال : إنه ورد أن كل ما في الكتب المنزلة فهو مندرج في القرآن ، وكل ما في القرآن ففي الفاتحة ، وكل ما في الفاتحة ففي البسملة ، وكل ما في البسملة ففي الباء (٦) المفيدة للإلصاق الدالة

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٢ / ٣٢٠ ، ح ٤ عن التوحيد والمعاني.

(٢) البحار : ج ٢ / ٣١٨ ، عن المعاني ، والعيون ، والأمالي ، والتوحيد.

(٣) سورة غافر : ١٦.

(٤) سورة غافر : ١٧.

(٥) سورة المؤمن : ١٧.

(٦) قال القاضي سعيد في «شرح التوحيد» ص ١٣٢ : صدر عن مولانا علي بن أبي طالب عليه‌السلام : أن حقائق القرآن مندرجة في الفاتحة ، وجميع معارف الفاتحة في البسملة ، وعلوم البسملة

١٩٦

على أن المقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب إنما هو القرب والوصال ودوام الاتصال.

بل المقصود من جميع ذلك هو الوصل والإيصال ، وهو باطن النبوة وسر الولاية.

وعن ابن العربي فيما سماه ب «الفتوحات» : إن في الحروف مراتب خمس : الخاصة وهي الفواتح المقطعات ، وخاصة الخاصة وهي حروف أوائل السور ، والخلاصة وهي أواخر السور ، وصفاء الخلاصة وهي حروف البسملة ، وعين صفاء الخلاصة وهي الباء ، ولها رتبه التقدم على ساير الحروف ، ولذا وقعت أول البسملة في كل سورة ، بل في سورة برائة أيضا ، وإن لم تفتتح بالبسملة.

بل ذكر أنه قال له واحد من أحبار بني إسرائيل : ليس لكم حظ من التوحيد ، فإنه قد افتتحت كتابكم بحرف الباء الدالة على الاثنينية فأجابه : بأن التوراة أيضا كذلك لافتتاحها بقوله : بشيم اردناي (١).

مع أنه لا يتحقق حقيقة التوحيد إلا بهذا الحرف النائب عن الألف التي يمتنع الافتتاح بها ، وكأنه أشار إلى التعين الأول والثاني ، كما قيل ، بل إلى مقام الفعل والمفعول المطلق.

__________________

في بائها ، ثم قال عليه‌السلام : وأنا النقطة تحت الباء.

وفي ذيل الكتاب : قال ابن أبي جمهور في المجلي ص ٤٠٩ : القائل هو علي عليه‌السلام دون غيره ، نقله عنه أكابر الصحابة كسلمان وأبي ذر وكميل ...

ولصدر المتألهين الشيرازي بيان مفيد في شرح هذا الكلام في الأسفار : ج ٧ / ٣٢ ـ ٣٤.

(١) الفتوحات المكّية ج ١ ص ٨٣ مع تفاوت يسير.

١٩٧
١٩٨

الفصل الثالث

في المباحث المتعلقة بلفظة الله

اعلم أنّه كما عجزت العقول عن إدراك كنه جماله ، وانحسرت البصائر والأبصار دون النظر إلى سبحات وجهه وعزّ جلاله ، لاحتجابه بأنوار العظمة والكبرياء وأشعة سرادق البهاء والسناء.

كذلك تحيّروا أيضا في لفظة (الله) كأنّه انعكس إليه من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين ، ولذا تحيّر فيه أفكار الناظرين ، فاختلفوا فيه أنه سرياني ، أو عبراني ، اسم ، أو صفة ، مشتقّ ، ومم اشتقاقه ، أو غير مشتق ، علم أو غير علم.

وحاصل الأقوال فيه أربعة :

أحدها : أنه ليس بعربي ، بل هو معرب ، أصله (لاها) بالسريانية ، وقيل بالعبرانية ، فعرب بحذف الألف الأخيرة ، وإدخال الألف واللام عليه ، وردّ بأن فيه إثبات العجمة بغير دليل.

مضافا إلى ما ستسمع من الشواهد الدالة على اشتقاقه من الأخبار وغيرها.

ثانيها : انه اسم عربي علم غير مشتق ، بل مرتجل.

قيل : وعليه الأكثر وهو المحكي عن الخليل ـ وأتباعه من أكثر الأصوليين والفقهاء ، واختاره الرازي ، ونسبه إلى سيبويه (١) أيضا.

__________________

(١) سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان البصري ، توفي سنة (١٨٠) ه ـ العبر : ج ١ / ٢٧٨.

١٩٩

واحتجوا بأنه لو كان مشتقا لكان معناه كليا لا يمنع نفس مفهومه من وقوع الشركة فيه ، فلا يفيد كلمة التوحيد التوحيد المحض ، ولا الكافر يدخل بها في الإسلام ، كما لا يدخل فيه بقولنا : لا إله إلا المعبود أو الملك أو العالم ونحوها بالاتفاق.

وبقوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (١).

وليس المراد الصفة ، وإلا لزم خلاف الواقع للاشتراك في أسماء الصفات وعدم الحظر في الإطلاق ، فالمراد اسم العلم ، وليس إلا الله.

وبأنّه يوصف بسائر الأسماء ولا توصف به ، ولذا قدّم على الجميع مع الاجتماع فتقول : الله الرحمن الرحيم العليم الحكيم ، كما تقول : زيد العالم الشجاع السخي ولا يجوز العكس فيهما ، ولذا جعلوا في قوله : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، (اللهِ) (٢) على قراءة الجر عطف بيان للعزيز لا نعتا.

وبأنه سبحانه يوصف بصفات مخصوصة ، فلا بدّ له من اسم خاصّ يجري عليه تلك الصفات ، لأن الموصوف إمّا أخص أو مساو للصفة ، ولا يصلح له من الأسماء التي يطلق عليه سواه.

وبأنّ كل شيء يتوجه الأذهان إليه ، ويحتاج إلى التعبير عنه قد وضع له اسم توقيفي أو اصطلاحي فكيف يهمل خالق الأشياء ومبدعها ولم يوضع له اسم يجرى عليه ما يعزى إليه.

والجواب عن الأول : أنه يجوز أن يكون أصله الوصفية ، إلّا أنّه نقل إلى العلمية ، وغلب عليه سبحانه كما قيل : إنه لم يطلق على غيره سبحانه ، لا في

__________________

(١) مريم : ٦٥.

(٢) سبأ : ٦.

٢٠٠