تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

آية الله السيّد حسين البروجردي

تفسير الصراط المستقيم - ج ٣

المؤلف:

آية الله السيّد حسين البروجردي


المحقق: الشيخ غلامرضا بن علي أكبر مولانا البروجردي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-73-8
الصفحات: ٧٤٨

الْقُرْآنَ) (١) ، (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (٢) ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) (٣).

وقد طعن غير واحد منهم على من استعمله مجردا من اللام.

قال ابن هشام : وأما قول الزمخشري : وإذا قلت : الله رحمن أتصرفه أم لا. وقول ابن الحاجب : إنّه اختلف في رحمن أي في صرفه فخارج عن كلام العرب من وجهين : لأنه لم يستعمل صفة ولا مجردا من أل في الضرورة.

ثم إنّ منشأ الاختلاف في صرفه وعدمه هو الاختلاف في أنّ شرط تأثير الألف والنون هل هو عدم قبول الوصف للحوق التاء إمّا لأنه لا مؤنث له أصلا كلحيان الكبير اللحية ، أو لأن مؤنثه فعلى فهو على الأول ممتنع صرفه لانتفاء رحمانة ، وعلى الثاني منصرف لانتفاء رحمي.

وقد تكلم نجم الأئمة وغيره في ترجيح أحد المذهبين على الآخر بما لا يعود إلى طائل ، فلاحظ.

ختام وتكملة في انتظام الأسماء الثلاثة في البسملة

اعلم أنّ الله سبحانه من حيث ذاته المطلقة لا اسم له ولا رسم ، ولا نعت ولا وصف ، وهو مقام الأحدية المطلقة والهوية الغيبية ، وأما في مقام الواحدية فله صفات ذاتية وفعلية ، والفعلية عدلية وفضلية ، ولما كان مقام البسملة هو الوسيلة الكلية والعناية الإلهية والإقبال الكلي والرجوع إلى الفقر الأصلي وكان حقيقة العبد

__________________

(١) الرحمن : ١ ـ ٢.

(٢) الإسراء : ١١٠.

(٣) الفرقان : ٦٠.

٢٨١

هي نفس الفقر الكلي المحيط به من جميع جهاته ، لا جرم ينبغي له الاستعانة والالتجاء إلى الله سبحانه بجميع أسماءه وصفاته وهي وإن كانت غير متناهية ليس لأحد الوقوف على شيء منها إلا بإلهامه وتعليمه (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) (١).

إلا أن هذه الأسماء الثلاثة جامعة لجميعها ، ولذا بدأ سبحانه في تعليمه لنا بالبسملة التي هي كنز من كنوز الغيبية ، بل مفتاح كليّ للخزائن الإلهية بالاسم الدالّ على الذات المستجمع لجميع الصفات الكمالية من الجمالية والجلالية.

ولذا لا يعرف منه شيء إلا تحير العقول فيه حسب ما يشهد به اشتقاقه الذي مر الكلام فيه ، ثم بالصفات الفعلية التي مرجعها بكثرتها إلى القسمين ولذا افتتحت بها السور القرآنية التي هي الحبل الممدود بين السماء والأرض.

بل عن الصادق عليه‌السلام :

«ما نزل كتاب من السماء إلا أوله بسم الله الرحمن الرحيم» (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام :

«أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبالي أن لا تستعيذ ، وإذا قرأتها سترتك فيما بين السماء والأرض» (٣).

بل يظهر من الأخبار أنّ التسمية باسمه سبحانه لا يتأتّى للعبد إلا بعد الانسلاخ عن العلايق البشرية والانصباغ بالأنوار الإلهية ، وعبور النفس عن

__________________

(١) البقرة : ٣٢.

(٢) بحار الأنوار : ج ٨٥ / ٢٠ ، ح ١٠ ، عن تفسير العياشي : ج ١ / ١٩ ح ٥ ، وفيه : «ما أنزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله ...».

(٣) الكافي : ج ٣ / ٣١٣ ، ح ٣ ، وعنه البحار : ج ٨٥ / ٦.

٢٨٢

مقاماتها الكلية وانغماسها في البحار الغيبية.

ففي «العلل» عن الصادق عليه‌السلام في حديث علّة الصلاة :

«ثم إنّ الله عزوجل قال : يا محمد! استقبل الحجر الأسود وهو بحيالي وكبّرني بعدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا لأن الحجب سبعة ، وافتتح القراءة عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنّة ، والحجب مطابقة ثلثا بعدد النور الذي أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا ، فلذلك كان الافتتاح ثلاث مرات ، فلأجل ذلك كان التكبير سبعا والافتتاح ثلاثا ، فلما فرغ من التكبير والافتتاح قال الله عزوجل : الآن وصلت إليّ فسمّ باسمي ، فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فمن أجل ذلك جعلت في أول السورة» (١) الخبر.

ثم إنّ الانتظام الأسماء الثلاثة فيها وجوها أخر لا بأس بالإشارة إليها :

منها : أن أصول العقائد الإسلامية ومنتهى المقاصد الدينية هي التوحيد والنبوة والإمامة المشار إلى جملتها بالأسماء الثلاثة ، فإن الأصل الأول وإن كان هو التوحيد إلا أن الإقرار به لا يتم ولا يقبل ولا ينفع إلا بالإقرار بالنبوة كما أن الإقرار بالنبوة لا يتم إلا بالإقرار بالولاية ، فهو الكاشف الأخير عن الأول كما يستفاد ذلك من الأخبار الكثيرة التي تعرّضنا لها في غير المقام ، بل كل من التاليين لا يتم ولا يتحقق إلا بسابقه كما في دعاء الحجة عجل الله فرجه الإشارة إليه :

«اللهم عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك ، أللهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك ، أللهم عرّفني حجتك ، فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني» (٢).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٨ / ٣٥٨ ، ح ٦٦ ، باب إثبات المعراج.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٢ / ١٤٧ ، ح ٧.

٢٨٣

وأما الحكم بطهارة المنكرين للولاية الحقّة وإسلامهم ، وإجراء أحكامه عليهم من جواز التناكح وحل الذبائح والتوارث وغيرها ، فإنما هي أحكام ظاهرية جعلت وشرعت للترفيق على الشيعة الإمامية حيث كانوا مختلطين بهم ، مقهورين تحت أيديهم معدودين في زمرتهم ، بل لم يقم لهم سوق لغلبة أهل الفجور والفسوق ، ولذا يسّر الله لهم بإجراء أحكام الإسلام في ظاهر الشريعة مع ثبوت الكفر الباطني لهم ، بل لعلّهم أشدّ الناس عداوة للذين آمنوا ، فإنهم يهود هذه الأمة لمتابعتهم عجلها وسامريها وهما صنما قريش وجبتاها ، وطاغوتاها وإفكاها ، ولذا عبر عن الولاية بالإيمان وعن عدمها بالكفر في قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) (١).

بل عن الثلاثة بالثلاثة في قوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) (٢).

فإكمال الدين وإتمام النعمة إنما هو بالولاية ، ولذا ارتدّ الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أربعة ، فرجعوا على أعقابهم القهقرى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) (٣).

هذا مضافا إلى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولي هما الواسطتان في تلّقي الفيوض الإلهية من التشريعية والتكوينية ، كما مرّ غير مرّة ، فالمستعين بالله والمتوجه إليه لا بدّ له من حفظ المراتب للوصول إلى ماله من المطالب والمآرب ، ولذا علّمنا الاستعانة بالله الذي أنشأ المشية الكلية والحقيقية المحمدية الّذي هو الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية الإيمانية.

__________________

(١) المائدة : ٥.

(٢) الحجرات : ٧.

(٣) آل عمران : ١٤٤.

٢٨٤

ومنها : أن للعبد حالات ثلاثة :

الأولى : حاجته إلى الوجود ، وهو لم يكن شيئا مذكورا ، بل لم يكن شيئا أصلا (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) (١).

الثانية : حاجته بعد الوجود إلى أسباب البقا.

الثالثة : حاجته في القيامة إلى العفو والمغفرة إذ (لَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (٢).

وفي الأسماء الثلاثة إشارة إلى هذه المقاصد ، فالمستعين المتوسّل بها سائل لها طالب إيّاها ، فالله هو : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٣) ، (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٤).

والرحمن هو الذي وسعت رحمته كلّ شيء ولم يخرج عن تربيته شيء (وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ) (٥).

والرحيم هو المتعطف على المؤمنين (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٦) ، (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٧).

ومنها ما قيل من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان مبعوثا إلى الناس كافّة ، وكان أهل العالم في زمانه على أصناف ثلاثة : عبدة الأصنام ، واليهود ، والنصاري.

فالفرقة الأولى كانوا يعرفون من أسمائه سبحانه اسم الجلالة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ

__________________

(١) مريم : ٦٧.

(٢) النور : ٢١.

(٣) الحشر : ٢٤.

(٤) الرعد : ١٦.

(٥) طه : ٩٠.

(٦) الحجر : ٤٩.

(٧) الأحزاب : ٤٣.

٢٨٥

مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (١).

ولذا كانوا يقولون (هؤُلاءِ) ـ أي هذه الأصنام ـ (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (٢).

والثانية : كانوا يعرفون الرحمن الذي قيل (٣) : إنّه في لغتهم رخمن بالخاء المعجمة ، وقد تقدّم أنه قد تكرّر ذكره في التوراة ، بل عن ابن سلام أنه قال : يا رسول الله إنك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة ، فنزلت (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) (٤).

والثالثة : كانوا مشعوفين بذكر الرحيم الذي قيل : إنه في لغة الإنجيل رهما أو رهيما ، وكان جاريا على ألسنتهم ، فلمّا أمر الله سبحانه نبيّه بدعوة تلك الفرق الثلاثة إلى الصراط المستقيم افتتح كتابه بل كل سورة منه بما يعرفونه من الأسماء وهو الله الرحمن الرحيم ، ليستأنسوا به ولا يتنفرّوا إذ (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٥).

ومنها أنّ الأسماء الثلاثة للأصناف الثلاثة الذين هم أهل الحقيقة والطريقة ، والشريعة ، فأصحاب الحقيقة هم المنسوبون إلى الله سبحانه بالوصول إلى مقام الولاية ونيل الهداية ، (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) (٦) ، (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) (٧).

وأصحاب الطريقة هم السائرون إلى حريم القدس ، وحرم الأنس ، بأقدام

__________________

(١) لقمان : ٢٥.

(٢) يونس : ١٨.

(٣) قالة ثعلب والمبرد ، والزجاج.

(٤) الإسراء : ١١٠.

(٥) الروم : ٣٢.

(٦) الكهف : ٤٤.

(٧) البقرة : ٢٥٧.

٢٨٦

المودّة والمحبّة ، ولذا يدعونه باسم الّرحمن (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (١).

وأرباب الشريعة هم أهل الإيمان الذين توسّلوا باسم الرحيم في سلوك الصراط المستقيم (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٢).

ومنها : أنها إشارة إلى المعبود الحق والصنفين من عبيدة اللذين هما المراد والمريد ، كما أشار مولانا الصادق عليه‌السلام على ما رواه عنه في «العرايس» قال :

«إنهما واقعان على المريدين والمرادين ، فإسم الرحمن للمرادين لاستغراقهم في أنوار الحقائق ، والرحيم للمريدين لبقائهم مع أنفسهم واشتغالهم بالظاهر».

تتمة مهمة في فضائل البسملة المروية عن الأئمة عليهم‌السلام

قد ظهر مما مر أن البسملة مشتملة على أصول الحقائق التي هي الأساس للعقائد الحقة الإسلامية والمناهج المستقيمة الإيمانية التي هي بجملتها من أشعة أنوار التوحيد والنبوة والولاية حسبما أشير إليها بالأسماء الثلاثة.

بل قد سمعت أنه قد ورد من طرق الفريقين أنّ فيها جميع ما في القرآن مع أن فيه تفصيل كل شيء (٣).

وفي «تفسير القمي» عن عبد الكريم بن عبد الرحيم أن كتاب أصحاب اليمين بسم الله الرحمن الرحيم.

وقد مر الخبر عن مولانا الرضا عليه‌السلام أنه قال : «بسم الله الرحمن الرحيم أقرب

__________________

(١) مريم : ٩٦.

(٢) الأحزاب : ٤٣.

(٣) في شرح العيون وعنه مصابيح الأنوار : ج ١ / ٤٣٥ ، وعنها جامع الأخبار والآثار : ج ٢ / ٤٨ ، ح ٢.

٢٨٧

إلى الاسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها» (١).

وإن الصادق عليه‌السلام قال : «ما نزل كتاب من السماء إلا وأوله (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ») (٢).

وأنها من السبع المثاني وهي أفضلهن (٣).

وذلك أنها هي الكلمة الجامعة المتشعشعة لتجليات أنوار الجمال ، ولذا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خبر المعراج بذكرها بعد رفع الحجب عند هبوب نفحات روح الوصال ، على ما رواه في «العلل» في خبر طويل مرت إليه الإشارة وإلى قوله تعالى : «الآن وصلت إلى فسمّ باسمي» (٤).

وفي «المجمع» و «جامع الأخبار» وغيرهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا قال المعلّم للصبي قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال الصبي : بسم الله الرحمن الرحيم ، كتب الله برائة للصبي وبرائة لأبويه وبرائة للمعلّم» (٥).

وعن ابن مسعود عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنها تسعة عشر حرفا ليجعل الله كل حرف منها جنة من واحد منهم» (٦).

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «ما لهم قاتلهم الله ، عمدوا إلى أعظم آية في

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ / ٢١ ، ح ١٣ والعيون : ج ٢ / ٥ ، ح ٤١ ، وفيه : «من سواد العين إلى بياضها.

(٢) العياشي : ج ١ / ١٩ ، ح ٥ ، وفيه : «ما انزل الله من السماء كتابا إلا وفاتحته بسم الله الرحمن الرحيم» نور الثقلين ج ١ / ٦.

(٣) تهذيب الأحكام ، وعنه تفسير نور الثقلين : ج ١ / ٨ ، ح ٢٤.

(٤) بحار الأنوار : ج ١٨ / ٣٥٨ / ح ٦٦ ، باب إثبات المعراج.

(٥) مجمع البيان : ج ١ / ١٨ ، وجامع الأخبار : ص ٤٩ وعنه البحار : ج ٩٣ / ٢٥٧.

(٦) المجمع : ج ١ / ١٩ وجامع الأخبار : ص ٤٩ وعنه البحار : ج ٩٢ / ٢٥٨.

٢٨٨

كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها ، وهي بسم الله الرحمن الرحيم» (١).

وفيه رد على العامّة على ما مر.

وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : «سرقوا أكرم آية من كتاب الله بسم الله الرحمن الرحيم» (٢).

وفي «تفسير القمي» عن الصادق عليه‌السلام : «إنّها أحق ما يجهر به ، وهي الآية التي قال الله عزوجل (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٣)» (٤).

بل في «الخصال» عنه عليه‌السلام : «إنّ الإجهار بها في الصلوات واجب» (٥).

والمراد تأكد.

وفي «جامع الأخبار» عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كتب الله له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ، ومحى عنه أربعة آلاف سيئة ، ورفع له أربعة آلاف درجة» (٦).

وفيه عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قال بسم الله الرحمن الرحيم بنى الله في الجنة سبعين ألف قصر من ياقوتة حمراء ، في كل قصر سبعون ألف بيت من لؤلؤة بيضاء ، في كل بيت سبعون ألف سرير من زبرجد خضراء ، فوق كلّ سرير سبعون ألف فراش من سندس وإستبرق ، وعليه زوجة من حور العين ، ولها سبعون الف ذؤابة مكلّلة بالدر

__________________

(١) تفسير العياشي : ج ١ / ٢١ ، ح ١٦ ، وعنه البحار : ج ٨٥ / ٢١.

(٢) العياشي : ج ١ / ١٩ وعنه البحار : ج ٨٥ / ٢٠ ، ح ١٠.

(٣) الإسراء : ٤٦.

(٤) تفسير القمي : ص ٢٥ ، وعنه البحار : ج ٨٥ / ص ٨٢ ، ح ٢٥.

(٥) الخصال : ص ٦٠٤ ، ح ٩ ، وعنه البحار : ج ٨٥ / ٧٥ ، ح ٥. وفيه : الإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلوة واجب.

(٦) جامع الأخبار : ص ٤٩ ، وعنه البحار : ج ٩٢ / ٢٥٨ ، ح ٥٢.

٢٨٩

واليواقيت مكتوب على خدّها الأيمن : محمد رسول الله ، وعلى خدّها الأيسر : عليّ ولي الله ، على جبينها : الحسن ، وعلي ذقنها : الحسين وعلى شفتيها : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ).

قلت : يا رسول الله! لمن هذه الكرامة؟

قال : لمن يقول بالحرمة والتعظيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)» (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قال العبد عند منامه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، يقول الله : يا ملائكتي اكتبوا له الحسنات إلى الصباح» (٢).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذ مرّ المؤمن على الصراط فيقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) طفئت لهيب النيران ، وتقول : جز يا يا مؤمن فإنّ نورك أطفأ لهبي» (٣).

ثم أنه قد ورد الأمر بالتسمية عند كثير من العبادات وغيرها كالوضوء والغسل والأكل والشرب ودخول المسجد والبيت والخروج منهما والتذكية والاصطياد بل دخول الخلوة وخروجها ، وكل فعل من الأفعال.

حتى ورد عن مولانا الصادق عليه‌السلام قال : «إذا توضّأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس لباسا ينبغي له أن يسمّي عليه فإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك» (٤).

وعنه عليه‌السلام : «إنّ رجلا توضأ وصلّى ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعد وضوئك وصلاتك ، ففعل وتوضأ وصلّى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعد وضوئك وصلاتك ، ففعل وتوضأ وصلّى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعد وضوئك وصلاتك ، فأتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فشكا إليه ذلك ، فقال له : هل سميّت حيث توضأت؟ قال : لا ، قال : سمّ على

__________________

(١) الجامع : ص ٤٩ ، وعنه البحار : ج ٩٢ ، ص ٢٥٨ ، ح ٥٢ ، والمستدرك : ج ٥ / ٣٨٧ ، ح ٢٠.

(٢) جامع الأخبار : ص ٥٠ ، وعنه البحار ج ٩٢ / ٢٥٨ ، وفيه : «اكتبوا نفسه إلى الصباح».

(٣) الجامع : ص ٥٠ ، وعنه البحار : ج ٩٢ / ٢٥٨.

(٤) المحاسن للبرقي : ص ٤٣٣ ، وعنه البحار : ج ٦٦ / ٣٧٣.

٢٩٠

وضوئك ، فسمّى وتوضأ وصلى ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يأمره أن يعيد».

وفي «المحاسن» عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا أكلت الطعام ، فقل بسم الله في أوله وآخره ، فإن العبد إذا سمّى في طعامه قبل أن يأكل لم يأكل معه الشيطان ، وإذا سمّى بعد ما يأكل وأكل الشيطان معه تقيأ ما كان أكل» (١).

وعنه عليه‌السلام : «إن الرجل إذا دنى من المرأة وجلس مجلسه حضره الشيطان ، فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان عنه ، وإن فعل ولم يسمّ أدخل الشيطان ذكره فكان العمل منهما جميعا ، والنطفة واحدة» (٢).

وفي معناه أخبار كثيرة.

وفيه عنه عليه‌السلام أنه قال له قائل : إني صاحب صيد سبع وأبيت بالليل في الخرابات والمكان الموحش ، فقال : «إذا دخلت فقل بسم الله ، وادخل برجلك اليمنى ، وإذا خرجت فاخرج برجلك اليسرى قل : بسم الله فإنك لا ترى مكروها إن شاء الله» (٣).

وفي «جامع الأخبار» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه سئل هل يأكل الشيطان مع الإنسان؟ فقال : «نعم ، كل مائدة لم يذكر بسم الله الرحمن الرحيم عليها يأكل الشيطان معهم ويرفع الله البركة عنها» (٤).

وفي «الكافي» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ركب الرجل الدابة ، فسمّى ، ردفه ملك يحفظه حتى ينزل ، وإن ركب ولم يسمّ ردفه شيطان فيقول له : تغنّ ، فإن قال

__________________

(١) المحاسن : ص ٤٣٢ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٦٦ / ٣٧٢.

(٢) التهذيب : ج ٧ / ٤٠٧ ، وعنه البحار : ج ٦٣ / ٢٠٢.

(٣) المحاسن : ص ٣٧٠ ، وعنه البحار : ج ٧٦ / ٢٤٨ ، ح ٣٩.

(٤) جامع الأخبار : ص ٥٠ وعنه البحار : ج ٩٢ / ٢٥٨ ، ح ٥٢.

٢٩١

له : لا أحسن ، قال له : تمن ، فلا يزال يتمنى حتى ينزل» (١).

وفيه عن الصادق عليه‌السلام :

«إن على ذروة كل جسر شيطانا ، فإذا انتهيت إليه ، فقل : بسم الله ، يرحل عنك» (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار الآمرة بها عموما وخصوصا عند كل فعل مما سمعت ، وغيرها من حقير أو خطير ، يسيرا وكثيرا.

بل عن مولانا الصادق عليه‌السلام : «لا تدع بسم الله وإن كان بعده بيت من الشعر» (٣).

وذلك لما عرفت من أن ما يدل على شيء من غير الألفاظ يسمى أثرا واسما للشيء ، بل لعل الأثر أدل على الشيء من اللفظ الموضوع له ، لأن دلالته أتم وأظهر ، بل هي أشبه بالطبيعة العقلية ، ودلالة اللفظ وضعية ، وقد سمعت أن الاسم ما يدل على المسمى.

ثم إن الأثر هو الفعل ، والفعل إمّا مضاف إلى الله تعالى صادر منه ، أو إلى العبد صادر منه.

والصادر من الله هو خلق الأسباب والآلات والأدوات والمشاعر والقوى والمبادئ ، وكل ما يحتاج إليه في بقائها من الإضافات والإمدادات وغيرها.

والصادر من العبد هو صرف هذه الأسباب والآلات فإن صرفها فيما خلقت له فهو الطاعة ، أو في غيره فهو المعصية ، فالأسباب والآلات في الطاعات والمعاصي واحدة.

__________________

(١) فروع الكافي : ج ٦ / ٥٤٠ ، وعنه البحار : ج ٦٣ / ٢٠٤.

(٢) فروع الكافي : ج ٤ / ٢٨٧ ، وعنه البحار : ج ٦٣ / ٢٠٢.

(٣) الكافي : ج ٢ / ٦٧٢ ، ح ١ ، وعنه الوسائل : ج ٨ / ٤٩٤ ، ح ١.

٢٩٢

نعم من جهة صرفها في الطاعات التي هي مرضات الله ، يطلق التوفيق الذي هو موافقة إرادة العبد لصرف الأسباب فيما يحبه الله تعالى ويرضاه ، ومن جهة صرفها في المعاصي التي هي موجبات سخطه يطلق الخذلان الذي هو ترك العبد وما يشتهيه وتخليته وما يريده.

وقد قيل : لا تدع النفس وهواها ، فإنّ في هواها رداها ، وترك النفس وما تهوى شفاها ، وردع النفس عما تهوى هداها وشفاها.

وبالجملة فقول القائل : بسم الله عند كل فعل من الأفعال معناه الاستعانة فيه به سبحانه وبأسمائه الحسنى تيمّنا وتبركا بذكر اسمه الشريف على الوجه الذي مرت إليه الإشارة من حفظ الحدود مع قصد الاستعانة بما أنعم وأفاض عليه من الآلات والأدوات المصروفة في إتمام هذا الفعل لفائدة شكر تلك النعم وصرفها فيما خلقت لأجله على الوجه اللايق بحاله في الكون التشريعي موافقا لمحبّته كي يقع الفعل على جهة العبودية تحصيلا لمرضاته سبحانه ، فيظهر عليه أثر العبودية.

ولعله إليه الإشارة بقول مولانا الرضا عليه التحية والثناء في معنى البسملة «أسم نفسي بسمة الله تعالى» (١).

وكأنه مأخوذ من الوسم الذي يتميز به مواشي السلطان أو السيماء الذي يتميز به حواشيه.

وهو المشار إليه بقوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (٢).

وبقولي في القصيدة المهدوية شعرا :

ترى صبغة الرحمن صاغت وجوههم

وإنّ صباغ الحبّ صبغ التجمّل

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ١ / ١١ ، ح ٤١ عن العيون.

(٢) البقرة : ١٣٨.

٢٩٣

فالتسمية سمة الطاعة وصبغة العبودية وشكر النعمة وحد المائدة.

ولذا ورد في أخبار كثيرة عن مولانا الصادق عليه‌السلام : «إنّ حدّ المائدة أن تقول إذا وضعت بسم الله وإذا رفعت الحمد لله» (١).

وفي «العلل» عنه عليه‌السلام قال :

«لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم على نبينا وآله وعليه‌السلام جاءهم بالعجل فقال : كلوا ، فقالوا : لا نأكل حتى تخبرنا بثمنه ، فقال عليه‌السلام : «إذا أكلتم فقولوا : بسم الله ، وإذا فرغتم فقولوا : الحمد لله ، قال : فالتفت جبرئيل إلى أصحابه وكانوا أربعة وجبرئيل رئيسهم ، فقال : حقّ لله أن يتّخذ هذا خليلا» (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة فإذا توسم العبد بسمة طاعته وسمّى عند كل فعل من الأفعال ابتغاء مرضاته ، فقد جمع بين التسمية الفعلية والقولية ، وأظهر فيه العبودية المحضة التي لا يشاركه فيها الشيطان ، لأنه قد يئس من الاستيلاء بعباد الرحمن بقوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) (٣).

وأما إذا نسيها فقد شاركه فيه ، ثم إن استدركته العناية الربانية وتدارك التسمية فقد ورد في الأخبار : «إن الشيطان تقيأ ما أكله» كما في الخبر المتقدم المروي عن «المحاسن» (٤).

ولعل المراد أنه يرجع عن المشاركة في ذلك الفعل ، ويعود كله خالصا لله من أوله ، إذ الأمور الملكوتية المقيدة بالزمان يتساوى عندها جميع الأزمنة فيتأثر منها

__________________

(١) المحاسن : ص ٤٣١ ، وعنه البحار : ج ٦٦ / ٣٧ ، ح ٩ ، وفيه : «إذا وضع قيل : بسم الله ، وإذا رفع قيل : الحمد لله».

(٢) علل الشرائع : ص ٢٣ ـ ٢٤ ، وعنه البحار : ج ١٢ / ٥.

(٣) الحجر : ٤٢.

(٤) المحاسن : ص ٤٣٢ ، وعنه البحار : ج ٦٦ ، ص ٣٧٢.

٢٩٤

الحوادث وإن سبقت في الزمان.

ولذا ورد في العلوي على ما رواه في «المحاسن» : «من أكل طعاما فليذكر اسم الله عليه فإن نسي ثم ذكر الله بعده تقيأ الشيطان ما أكل ، واستقبل الرجل طعامه» (١).

لكن المحكي عن «الكافي» (٢) في هذا الخبر «واستقل».

قال في «البحار» : «وهو الصواب أي وجده قليلا لما قد أكل الشيطان منه فإن ما يتقيأه لا يدخل في طعامه ، أو هو على الحذف والإيصال ، أي استقل في أكل طعامه ، قال : والأول أظهر» (٣).

قلت : لكن الرواية الأولى هي أظهر ، وعلى الثانية فالثاني ينطبق على ما سمعت.

وعلى كل حال فللتّسمية فضل جميل ، وثواب جزيل ، ولها بل لكل اسم من الأسماء الثالثة المشتملة عليها عند أهل التصريف والتكسير فوائد عظيمة ومنافع جسيمة سيما مع المداومة عليها والتحقق بحقائقها والتخلق بأخلاقها إلى غير ذلك مما لا ينبغي التعرض لها.

بل روي أنه لمّا نزلت البسملة اقشعرّت منها الجبال (٤).

وأنها تسعة عشر حرفا بعدد زبانية النار ، من قرأها نجى منها (٥).

__________________

(١) المحاسن : ص ٤٣٤ وعنه البحار : ج ٦٦ / ٣٧٤ ، ح ٢٠.

(٢) الكافي : ج ٦ / ٢٩٣.

(٣) البحار : ٦٦ / ٣٧٤.

(٤) في الدر المنثور ج ١ / ٩ عن ابن مردويه ، والثعلبي ، عن جابر الأنصاري : «لما نزلت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح ، وهاج البحر ، أصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء.

(٥) في «مجمع البيان» : ج ١ / ١٩ : عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أراد أن ينجيه الله من

٢٩٥

وفي بعض الكتب عن مولانا الصادق عليه‌السلام :

«من كانت له حاجة كلية فليكتب في رقعة : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من عبده الذليل إلى ربه الجليل «رب إني (مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)» وليطرحها في نهر عظيم قائلا : أللهم بمحمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المرضيين ، اقض حاجتي يا أرحم الراحمين ، وليذكر حاجته ، فإنه تقضى إن شاء الله تعالى».

ولنختم المقام بذكر ما أورده الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام في فضل البسملة ، قال عليه‌السلام :

«قال الصادق عليه‌السلام : ولربما ترك في افتتاح أمر بعض شيعتنا بسم الله الرحمن الرحيم ، فيمتحنه الله بمكروه لينبّهه على شكر الله تعالى والثناء عليه ويمحو عنه وصمة تقصيره عند تركه قوله بسم الله ، لقد دخل عبد الله بن يحيى على أمير المؤمنين عليه‌السلام وبين يديه كرسي ، فأمره بالجلوس ، فجلس عليه فمال به حتى سقط على رأسه ، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم ، فأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بماء فغسل عنه ذلك الدم ، ثم قال : أدن مني! فدنا منه ، فوضع يده على موضحته ، وقد كان يجد من ألمها ما لا صبر له معه ، ومسح يده عليها وتفل فيها حتى اندمل ، وصار كأنه لم يصبه شيء قط ، ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا عبد الله! الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم لهم طاعتهم ، ويستحقوا عليها ثوابا». ثم ساق الخبر إلى أن قال : «فقال عبد الله بن يحيى : يا أمير المؤمنين! قد أفدتني وعلّمتني فإن رأيت أن تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس حتى لا أعود إلى مثله ، قال : تركك حين جلست أن تقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فجعل

__________________

الزبانية التسعة عشر فليقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فإنها تسعة عشر حرفا ....». كما تقدّم.

٢٩٦

الله ذلك بسهوك عما ندبت إليه تمحيصا بما أصابك ، أما علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدثني عن الله عزوجل أنه قال : كلّ امر ذي بال لم يذكر اسم الله فيه فهو أبتر؟

فقلت : بلى بأبي أنت وأمي لا أتركها بعدها ، قال : إذا تحظى بذلك وتسعد ، ثم قال عبد الله بن يحيى : يا أمير المؤمنين! ما تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)؟ قال : إن العبد إذا أراد أن يقرأ ويعمل عملا فيقول : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أي بهذا الاسم أعمل هذا العمل ، فكل عمل يعمله يبتدأ فيه ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإنه يبارك له فيه.

ثم ساق الخبر إلى أن قال : إنّ رجلا قام إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين! أخبرني عن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ما معناه؟ فقال :

إن قولك : «الله» أعظم الأسماء من أسماء الله تعالى ، هو الاسم الذي لا ينبغي أن يسمّى به غير الله تعالى ولم يتسم به مخلوق.

فقال الرجل : فما تفسير قوله «الله»؟

فقال : هو الذي يتألّه إليه عند الحوائج والشدائد كل مخلوق عند انقطاع الرجاء من جميع من دونه ويقطع الأسباب من كل من سواه ، وذلك أن كل مترأس في هذه الدنيا أو متعظم فيها وإن عظم غناؤه وطغيانه ، وكثرت حوائج من دونه إليه ، فإنهم سيحتاجون حوائج لا يقدر عليها هذا المتعظم ، وكذلك هذا المتعظم يحتاج حوائج لا يقدر عليها ، فينقطع إلى الله عند ضرورته وحاجته وفاقته حتى إذا كفي همه عاد إلى شركه ، ألم تسمع الله عزوجل يقول : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (١). فقال الله تعالى لعباده : «يا أيها الفقراء

__________________

(١) الأنعام : ٤١.

٢٩٧

إلى رحمتي إني قد ألزمتكم الحاجة إلى في كل حال ، وذلة العبودية في كل وقت ، فإليّ فافزعوا في كل أمر تأخذون فيه وترجون تمامه وبلوغ غايته ، فإني إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم ، وإن أردت منعكم لم يقدر غيري على إعطائكم ، فأنا أحقّ من سئل وأولى من تضرّع إليه ، فقولوا عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا تحقّ العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا ، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، خفف علينا الدين وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتمييزنا عن أعدائه.

ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حزنه أمر تعاطاه فقال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهو مخلص لله عزوجل يقبل بقلبه إليه ، لم ينفكّ من أحد الشيئين (١) : إما بلوغ حاجته الدنياوية ، وإما ما يعد له عنده ويدخّر لديه ، وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين».

وقال الحسن بن علي عليهما‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)».

قال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن الله عزوجل قال لي : يا محمد (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٢) فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم وأنّ فاتحة الكتاب أعظم وأشرف مما في العرش وإن الله تعالى خص بها محمدا وشرفه ، ولم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان على نبينا وآله وعليه‌السلام فإنه أعطاه منها بسم الله الرحمن

__________________

(١) في البحار : «عن احدى اثنتين».

(٢) الحجر : ٨٧.

٢٩٨

الرحيم ، ألا تراه إنه يحكي عن بلقيس حين قالت : (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١).

ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمد وآله الطيبين منقادا لأمرهم ، مؤمنا بظاهرهم وباطنهم أعطاه الله عزوجل بكل حرف منها حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخزائنها ، ومن استمع قاريا يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارىء ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرّض لكم ، فإنه غنيمة فلا يذهبن أوانه فتبقي في قلوبكم الحسرة» (٢).

أقول : وهذا الخبر وإن مرت الإشارة إلى جملة منها فيما تقدم إلا أنا ذكرناه بتمامه في المقام تنبيها على الفوائد التي لا تستفاد إلا بتمام الكلام.

__________________

(١) النمل : ٢٩.

(٢) تفسير الإمام : ص ٩ ـ ٢٤ ، وعنه بحار الأنوار : ج ٩٢ / ٢٤٠ ـ ٢٥٧ ، ح ٤٨.

٢٩٩
٣٠٠