زبدة الأصول - ج ٥

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-38-1
الصفحات: ٥٦٣

استحساني من مؤيدات ذلك.

واما الفرع الثاني : فيتخير في إتلاف أيهما شاء ، ويضمن الشخص الثالث الذي هو السبب لتوجه الضرر إلى احد الشخصين بضمان المثل أو القيمة لصاحبه ولا يخفى وجهه.

واما الفرع الثالث : فالمشهور انه يلزم اختيار اقل الضررين ، وان ضمان ذلك على مالك الآخر.

واستدل له : بان نسبة جميع الناس إلى الله سبحانه نسبة واحدة ، فالكل بمنزلة عبد واحد فالضرر المتوجه إلى احد شخصين كأحد الضررين المتوجه إلى شخص واحد ، فيلزم اختيار اقل الضررين ، ثم انه حيث تكون الخسارة المتوجهة إلى من أورد الضرر عليه ، لمصلحة الآخر ، فهو يكون ضامنا لها.

ولكن مجرد كون الخسارة لمصلحته ، لا يوجب استقرار تمام الخسارة عليه فالصحيح : انه حيث يكون الضرر المتوجه ، متوجها اليهما ونسبته اليهما على حد سواء ، فمقتضى قاعدة العدل والإنصاف المصطادة من النصوص ، وعليها بناء العقلاء ، هو تقسيط الخسارة عليهما بنسبة المالين.

ويؤيده قول السَّكُونِيِّ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ (ع) : فِي رَجُلٍ اسْتَوْدَعَ رَجُلا دِينَارَيْنِ فَاسْتَوْدَعَهُ آخَرُ دِينَاراً فَضَاعَ دِينَارٌ مِنْهَا قَالَ يُعْطَى صَاحِبُ الدِّينَارَيْنِ دِينَاراً وَيُقْسَمُ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ (١).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٣٧ / تهذيب الأحكام ج ٦ ص ٢٠٨ ، وج ٧ ص ١٨١ / وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٤٥٢ ح ٢٤٠٢٥.

٢٨١

لو دار الأمر بين ضرر نفسه وضرر غيره

واما المسألة الثالثة : وهي ما لو دار الأمر بين ضرر نفسه وضرر غيره ففروعها أربعة :

الأول : ما إذا كان الضرر متوجها إليه ابتداءً ، وامكن توجيهه إلى الغير.

الثاني : ما إذا كان الضرر متوجها إلى غيره ، وأمكن تحمله.

الثالث : ما إذا كان متوجها ولم يكن متوجها إلى أحدهما بالخصوص ، فهما في عرض واحد.

الرابع : ما إذا تردد الضرر بين الشخصين ، نفسه ، وغيره ، من جهة الحكم الشرعي ، كما لو فرضنا ان المالك يتضرر بعدم حفر البئر في داره ، وان جاره يتضرر بحفرها.

إذا كان الضرر متوجها إلى نفسه

اما الفرع الأول : وهو ما لو كان الضرر متوجها إليه ابتداءً ، كما لو اكرهه الجائر على دفع مبلغ معين ، أو كان السيل متوجها إلى داره ، فلا ينبغي التوقف في عدم جواز توجيهه إلى الغير ، بأخذ المبلغ من الغير واعطائه إياه في المثال الأول ، وصرف السيل إلى دار غيره في الثاني : إذ الجواز حكم ضرري منفي في الشريعة.

٢٨٢

لا يقال ان ترك الإضرار بالغير أيضاً ضرري ، فلزومه منفي بالشريعة.

فانه يقال ـ أولا ـ ان عدم جواز الإضرار غير مشمول للحديث لما تقدم من عدم كون الحديث حاكما على العدميات.

وثانيا : ان ترك الإضرار ليس ضرريا ، فان المفروض توجه الضرر إليه بأسبابه وإنما يراد دفعه عن نفسه بإيجاد المانع.

لو كان الضرر متوجها إلى الغير

واما الفرع الثاني : وهو ما لو كان الضرر متوجها إلى الغير ابتداءً ، ومثلوا له بما إذا اكرهه الجائر على نهب مال الغير ، وإلا فيحمل أموال نفسه إليه ، ففيه وجوه ، واقوال :

الأول : ما اختاره الشيخ الأعظم (١) ، وهو ارتفاع حرمة الإضرار بالغير مطلقا ، ولو كان الضرر المتوعد به على ترك المكره عليه ، اقل بمراتب من الضرر المكره عليه.

الثاني : عدم ارتفاع حرمته كذلك ، أي ولو كان الضرر المتوعد به اكثر من الضرر المكره عليه.

الثالث : التفصيل بين ما إذا كان الضرر الذي توعد به اعظم ، أو مساويا ،

__________________

(١) فرائد الأصول ص ٥٣٩.

٢٨٣

فترتفع الحرمة ، وبين ما إذا كان اقل فلا ترتفع.

الرابع : ما اختاره الأستاذ الأعظم (١) ، وهو التفصيل بين ما إذا كان الضرر المتوعد به امرا مباحا في نفسه ، كما إذا اكره الجائر على نهب مال الغير وجلبه إليه ، وإلا فيحمل اموال نفسه إليه ، فلا ترتفع الحرمة ، وبين ما إذا كان ذلك الضرر امرا محرما ، كما إذا اكرهه على ان يلجئ شخصا آخر إلى فعل محرم كالزنا ، وإلا اجبره على ارتكابه بنفسه ، فتقع المزاحمة ، ويرجع إلى قواعد باب التزاحم.

وقد استدل للاول بوجوه :

الوجه الاول : ان عموم حديث رفع الاكراه (٢) شامل لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ، ما لم يبلغ الدم.

وفيه : ان الحديث لوروده مورد الامتنان على الامة ، والحكم بارتفاع الحرمة ، مناف للامتنان بالاضافة إلى ذلك الغير ، وان كان موافقا للامتنان بالاضافة إلى المكره ، فلا يكون مشمولا للحديث.

الوجه الثاني : ان عموم نفي الحرج (٣) يدل عليه ، فان الزام الغير بتحمل الضرر ، وترك ما اكره عليه حرج.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ج ١ ص ٦٨٠ ـ ٦٨١.

(٢) وهو : «رفع عن أمتي تسعة أشياء ، الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه .. الحديث» تحف العقول ص ٥٠.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية ٧٨ سورة الحج.

٢٨٤

وفيه : ان الحرج المنفي في الشريعة ، هي المشقة التي لا تتحمل عادة ، وبديهي ان الوقوع في الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا ، فلا يصح التمسك لجواز الاضرار مطلقا بدليل نفي الحرج.

أضف إليه ، انه أيضاً وارد في مقام الامتنان على الامة ، فيجري فيه ما في سابقه.

الوجه الثالث : ان الضرر متوجه إلى الغير بحسب ارادة المكره بالكسر ، والمكره بالفتح ، وان كان مباشرا إلا انه ضعيف لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير ، نعم لو تحمل الضرر ولم يضر بالغير ، فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا ، والمستفاد من ادلة تشريع نفي الاكراه إنما هو لدفع الضرر فلا يجب تحمل الضرر لدفعه عن الغير.

وفيه : ان هذا وان كان تاما في بعض الفروض كما ستعرف ، إلا انه لا يتم في مورد وساطة ارادة المكره بالفتح ، فان الاكراه لا يوجب سلب اختيار المكره بالفتح وصيرورته كالآلة بل هو بعد على كونه مختارا فيه ، وعليه فهو يضر بالغير اختيارا دفعا للضرر عن نفسه.

واستدل للثاني : باطلاق ادلة حرمة الاضرار بالغير الآتية ، بعد عدم شمول ادلة نفي ، الاكراه ، والحرج ، والضرر للمقام كما تقدم.

وفيه : ان هذا الوجه وان كان تاما في نفسه ، إلا انه ربما يزاحم حرمة الاضرار ، محرم آخر ، وهو ما إذا كان الضرر المتوعد به امرا محرما ، وحينئذٍ فلا بد من الرجوع إلى مرجحات باب التزاحم.

فالاظهر هو القول الرابع في مفروض المثال.

٢٨٥

واستدل للثالث : بان نسبة جميع الناس إلى الله سبحانه نسبة واحدة ، فالكل بمنزلة عبد واحد ، فالضرر المتوجه إلى احد الشخصين كاحد الضررين المتوجه إلى شخص واحد فلا بد من ملاحظة اقل الضررين وعند التساوى يحكم بالتخيير.

وفيه : انه إذا كان الضرر المتوعد به امرا مباحا في نفسه كيف يحكم بالتخيير بين ذلك وبين الأمر المحرم وهو الاضرار بالغير ، مع انه وجه اعتباري استحسانى لا يعتمد عليه.

والحق في المقام ان يقال انه إذا كان الضرر بحسب طبعه متوجها إلى الغير كما إذا توجه السيل إلى دار الجار لا اشكال في عدم وجوب تحمل الضرر لدفعه عنه ، فان الضرر في الفرض ليس من فعله كي يشمله دليل حرمة الاضرار.

ولكن مسألة الاكراه ليست من هذا الباب ، فان الاكراه إنما يوجب تخيير المكره بين الاضرار بالغير ، وبين تحمل الضرر على فرض العدم ، فلا يكون من توجه الضرر إلى الغير ابتداء ، واما في مسألة الاكراه فقد ظهر مما حققناه قوة الوجه الرابع.

حكم ما لو توجه الضرر من غير ناحية الحكم

واما الفرع الثالث : وهو ما إذا كان الضرر متوجها إلى احد شخصين ، وكان ذلك مع قطع النظر عن الحكم الشرعي ، كما إذا حصلت دابة في دار لا يخرج إلا بهدم ولم يكن حصولها من أحدهما ولا بتفريط منه ، أو ادخلت دابة رأسها في قدر وافتقر اخراجها إلى كسر القدر ولم يكن من أحدهما تفريط.

٢٨٦

فهو خارج عما نحن فيه ولا يشمله حديث لا ضرر ولا ضرار ، لأنه إنما ينفي الحكم الناشئ منه الضرر ان الموضوع الضرري ، ولا يشمل ما إذا كان الضرر متوجها مع قطع النظر عن الحكم.

فما في الجواهر (١) في الفرع الأول من انه يهدم الدار ويخرج الدابة ويضمن صاحب الدابة الهدم ، لان صاحب الدابة مكلف باخذها من دار الغير وتخليص ملكه منها فكل ضرر حصل على صاحب الدار بالنسبة إلى ذلك وجب جبره على صاحب الدابة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار انتهى.

ضعيف لما مر : ولان قاعدة لا ضرر نافية للحكم لا مثبتة فلا يثبت بها الضمان ، وليس مفادها نفي الضرر غير المتدارك كما مر.

وكيف كان فالمشهور بين الاصحاب انه يهدم الدار ويخرج الدابة في الفرع الأول ، ويكسر القدر في الثاني ويضمن صاحب الدابة الهدم والكسر.

وعللوه : بأنه لمصلحته.

وأورد عليهم الشهيد الثاني في محكي (٢) المسالك ، بان المصلحة قد تكون مشتركة بينهما بل هو الاغلب وقد تكون مختصة بصاحب الدار أو القدر ، وايضا قد تكون الدابة ماكولة اللحم فلا يفوت عليه بذبحها ما يقابل الهدم والكسر.

__________________

(١) جواهر الكلام ج ٣٧ ص ٢٠٩.

(٢) مسالك الأفهام ج ١٢ ص ٢٤٢.

٢٨٧

واحتمل الشهيد في الدروس (١) على ما حكى في الفرع الثاني ذبح الدابة مع كون كسر القدر اكثر ضررا من قيمة الدابة أو ارشها ترجيحا لاخف الضررين.

وفي رسائل الشيخ الأعظم (٢) انه يحمل إطلاق كلامهم على الغالب من ان ما يدخل من الضرر على مالك الدابة إذا حكم عليه بتلف الدابة واخذ قيمتها اكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه واخذ قيمته ـ وبعبارة أخرى ـ تلف احدى العينين وتبدلها بالقيمة اهون من تلف الاخرى انتهى.

وحق القول في المقام بعد ما عرفت من انه لا مورد لاحتمال قاعدة لا ضرر في المقام حتى يراعى الترجيح بقلة الضرر ، انه حيث يجب على صاحب الدابة الانفاق عليها بالماكول والمشروب ، والمسكن ، ولو امتنع يجبره الحاكم على الانفاق أو البيع ، أو الذبح ان كان ماكول اللحم ، فيجب عليه اخراج الدابة من الدار ، وراسها من القدر ، ان لم يمكن ذلك بدون الاخراج أو لم يأذن صاحب الدار في ذلك ، بل ابقاء الدابة في الدار تصرف في مال الغير لا يجوز ، فإذا توقف الاخراج على هدم الدار أو كسر القدر ، وجب ذلك ، وحيث ان التصرف في مال الغير بلا عوض لاوجه له ، فمقتضى الجمع بين الحقين ، الهدم أو الكسر ، والضمان.

واظن ان مراد المشهور من التعليل لذلك بأنه لمصلحته هو ذلك ، أي انه

__________________

(١) الدروس ج ٣ ص ١١٠.

(٢) فرائد الأصول ج ٢ ص ٤٧١ ـ ٤٧٢.

٢٨٨

لا يتمكن من العمل بوظيفته الشرعية إلا بذلك ، وعليه فلا مورد للاعتراض عليهم بما في المسالك من انه قد يكون المصلحة لصاحب القدر أو الدار فقط ، وقد يكون المصلحة مشتركة بينهما.

ولصاحب الجواهر في الفرع الثاني كلام لا بأس به مع الاغماض عما ذكرناه ، قال (١) ولعل إطلاق الاصحاب ان المصلحة لصاحب القدر مبنى على اقتضاء بقاء القدر هلاكها فالضرر عليه حينئذ بالبقاء دون القدر الذي يأخذ قدره بعد الموت تاما ، ومن هذه الجهة خصوا صاحب الدابة بالضمان انتهى.

لو كان الضرر متوجها إلى احد شخصين

نفسه أو غيره من ناحية الحكم

واما الفرع الرابع : وهو ما لو كان الضرر متوجها إلى نفسه ، أو غيره من ناحية الحكم الشرعي كما إذا كان تصرف المالك في ماله فيما تضرر جاره به ، لدفع ضرر يتوجه إليه بحيث يكون ترك التصرف موجبا لتضرره بفوت الحاجة.

فالمشهور بين الاصحاب هو جواز التصرف وان كان ضرر الجار اللازم منه اكثر ، بل الظاهر انه لا خلاف فيه.

__________________

(١) جواهر الكلام ج ٣٧ ص ٢١٢.

٢٨٩

وفي رسالة الشيخ (١) والظاهر عدم الضمان أيضاً عندهم كما صرح به جماعة منهم الشهيد (٢).

فالكلام في موردين الاول : في الحكم التكليفي. الثاني : في الضمان.

اما المورد الأول : فقد استدل للجواز بوجوه :

الأول : ان اباحة التصرف توجب تضرر الجار فتشملها قاعدة لا ضرر ، وحرمته موجبة لتضرره فهي أيضاً في نفسها مشمولة للقاعدة ، فيقع التعارض بينهما فلا يمكن شمولها لهما معا ، وشمولها لاحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح فلا تشمل شيئا منهما ، فيرجع إلى قاعدة السلطنة المقتضية للجواز.

وأورد عليه المحقق النائيني (٣) بان منشأ تضرر المالك هو حرمة التصرف الثابتة من شمول حديث لا ضرر لاباحة التصرف وسلطنة المالك على ماله ، ومعلوم ان الضرر الناشئ من شمول الحديث المتأخر عنه رتبة لا يكون مشمولا له ، وإلا فيلزم تقدم ما هو متاخر ، وعليه فحديث لا ضرر في المثال يشمل خصوص جواز التصرف الناشئ منه تضرر الجار.

ويتوجه عليه اولا ان حرمة التصرف الموجب لتضرر الجار ان لم تكن ثابتة مع قطع النظر عن قاعدة لا ضرر ، لا تثبت بها لانها قاعدة نافية للحكم لا مثبتة.

__________________

(١) رسائل فقهية ص ١٢٨.

(٢) إذ قال في اللمعة الدمشقية ص ص ٠٤ : «فلا ضمان إذا لم يزد عن قدر الحاجة ..»

(٣) منية الطالب ج ٣ ص ٤ ص ٩.

٢٩٠

وثانيا : انها لو ثبتت بها لا مانع من شمول القاعدة لها في نفسها ، لان القاعدة من قبيل القضية الحقيقية وتنحل إلى قضايا عديدة بحسب ما للتضرر من الأفراد ، وعليه فإذا شملت القاعدة لجواز التصرف وثبت بها حرمة التصرف وكانت الحرمة موجبة لتضرر الجار يتولد منه مصداق آخر للقاعدة فيشملها القاعدة ولا يلزم تقدم ما هو متاخر ، فان المتأخر غير ما هو متقدم وهو واضح.

اللهم إلا ان يقال ان حديث لا ضرر بحسب المتفاهم العرفي لا ينفي الحكم الذي اثبته الحديث ، وعليه فالعمدة هو الإيراد الأول.

ولكن يرد على هذا الوجه ، انه حيث تكون القاعدة في مقام الامتنان على الامة ولا منة على العباد في الحكم بتحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير ولو كان ضرره اعظم من ضرر نفسه فالحديث لا يشمل سلطنة المالك على التصرف في ماله ولا يقتضي حجره عنه.

أضف إليه انه لو سلم تعارض الضررين وسقوط القاعدة بالنسبة اليهما يكون مقتضى قاعدة نفي الحرج هو عدم حجر المالك عن التصرف في ماله.

ومن هذين الايرادين يظهر وجهان آخران لجواز التصرف.

الرابع : الإجماع ، ولكنه لمعلومية مدرك المجمعين لا يعتمد عليه.

الخامس : ما ذكره بعض المحققين تبعا لسيد الرياض ، بان عموم التسلط يعارض عموم نفي الضرر والترجيح للاول للأصل والاجماع.

ويرده ان قاعدة لا ضرر حاكمة على قاعدة السلطنة كما مر مفصلا.

ويمكن ان يستدل للجواز مضافا إلى الوجهين المتقدمين

٢٩١

الثالث : ما أفاده الشيخ في الرسالة (١) ، من ان تجويز الاضرار بالغير مع الاكراه وعدم لزوم تحمل الضرر ، يشهد بعدم لزوم تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير.

وبما ذكرناه ظهر ان ما ذكره بعض المتأخرين (٢) من وجوب ملاحظة مراتب ضرر المالك والجار وتقديم الجار على المالك فيما كان ضرره اعظم واكثر من ضرر المالك ، غير تام.

نعم إذا كان ضرر الجار من قبيل هلاك النفس المحترمة التي يجب على المالك أيضاً حفظها ، لا اشكال في تقديم ضرر الجار لكنه خارج عن محل الكلام.

كما انه ظهر ان ما أفاده المحقق السبزواري (٣) إيرادا على الاصحاب من انه يعارض قاعدة السلطنة قاعدة نفي الضرر فيشكل الجواز ، غير صحيح.

ولكن التحقيق الذي يقتضيه النظر الدقيق ان جميع هذه الكلمات منحرفة عن طريق السداد ، والصواب ، فان تصرف المالك في ملكه ان كان موجبا لتضرر الجار وكان ذلك علة له والمراد بالضرر هو ، النقص في المال ، أو

__________________

(١) رسائل فقهية ص ١٣٠ ـ ١٣١

(٢) في اشارة إلى صاحب مفتاح الكرامة كما عبَّر عن ذلك الشيخ الأنصاري في رسائل فقهية ص ١٢٩ بقوله : «يظهر من بعض من عاصرناه وجوب ملاحظة ضرر المالك وضرر الغير» / مفتاح الكرامة ج ٧ ص ٢٢.

(٣) كفاية الأحكام ص ٢٤١.

٢٩٢

العرض ، أو النفس لا محالة يكون ذلك التصرف حراما محضا ولا يكون متصفا بحكمين ، الحرمة ، والاباحة ، ولا سبيل إلى دعوى ان قاعدة السلطنة تدل على الجواز فانها لا تدل على جواز التصرف في ملك الغير ، وهل التمسك بها في المقام إلا كالتمسك بها لاثبات جواز ان يذبح بمديته غنم الغير بدعوى انه مسلط على مديته يتصرف فيها ما شاء ، وذلك كما في حفر بئر قريبا من بئر الجار في الارض المعمورة ، بناءً على ان من ملك ارضا ملك قرارها إلى تخوم الارض ، وفراغها إلى عنان السماء ، كما عن جماعة ، أو ان نفس الحفر حيازة لما في تخوم الارض من المياه كما عن المحقق القمي ، فان ذلك ان اوجب قلة ماء بئر الجار ، لا يجوز قطعا.

واما ان لم يكن ما يتوجه إلى الجار ضررا ، بل كان عدم النفع كما في المثال بناءً على انكار المبنيين كما حققناه في محله ، واخترنا ان الحفر ليس حيازة للمياه الموجودة في عروق الارض ، وبينا ان من ملك ارضا وان كان يملك مقدار من الفراغ الذي يتوقف عليه تصرفاته في ارضه ، ولمقدار آخر منه بتبعية الارض بمنزلة الحريم ، ومقدارا من قرارها كذلك ولا يملك ما تجاوز عن ذينك الحدين ، فلا يكون حراما بل هو مباح محض ، وعلى التقديرين ليس إلا حكم واحد وحيث ان المختار كما مر ان قاعدة لا ضرر ، لا تشمل عدم الحكم ، ولا تكون مثبتة للحكم ، فليس في الامثلة المذكورة في كتب القوم لتعارض الضررين ، مورد يتم فيه ما افادوه ، ويتعارض قاعدة لا ضرر الجارية ، في احد الطرفين مع الجارية في الطرف الآخر.

وعليك تطبيق الضابط الذي ذكرناه على الامثلة المذكورة في الكلمات ،

٢٩٣

مثلا في حفر بئر قريب من بئر الجار الموجب لعدم جذب بئر الجار ما في عروق الارض من المياه ، يكون ذلك جائزا غير محرم كما هو المشهور بين الاصحاب ، وفي حفر بئر كنيف أو بالوعة بقرب بئر ماء الجار ، ان لم يوجب ذلك تغير ماء البئر ولكن كان الجار يستقذر ماء بئره لقربه من الكنيف أو البالوعة ، أو اوجب تغيير الماء ولكن كان من قبيل المعد لا العلة التامة بان تمكن الجار من أحكام جدار الماء بنحو لا يتغير ماء بئره ، جاز الحفر ولم يكن حراما ، واما إذا كان بنحو العلة التامة أي الجزء الاخير منها لم يجز ، ولم يكن ذلك مباحا ، وهكذا سائر الامثلة ، وعلى الجملة ليس المقام من باب التعارض بين فردين من القاعدة في شيء ، بل بما ذكرناه يظهر انه لا يتعارض قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر في مورد فانه إذا اوجب التصرف تضرر الغير لم يجز ولم يكن مورداً لقاعدة السلطنة ، وعليه فلا مورد للبحث فيما يقتضيه قواعد باب التعارض ، وقد خرجنا بما ذكرناه عما يقتضيه الادب بالنسبة إلى علماء الاسلام والله تعالى مقيل العثرات.

وبما ذكرناه يظهر الحال في :

المورد الثاني ، أي الضمان ، فانه إذا اوجب تصرف المالك في ماله اتلاف مال الغير ، واستند الاتلاف إليه ، كان ضامنا قطعا ولا مورد لاعمال قاعدة لا ضرر ، لان الضمان حكم مبنى على الضرر فهو خارج عن مورد الحديث ، ولا يشمله حديث لا ضرر كما مر ، وإلا كما في حفر البئر قريبا من بئره اعمق منها الموجب لجذب المياه الموجودة في عروق الارض ، فلا ضمان ، لما حقق في محله من انحصار سبب ضمان الغرامة بالاتلاف ، واليد ، والاستيفاء.

٢٩٤

حكم الإضرار بالغير

خاتمة : في حكم الاضرار ، بالغير ، وبالنفس ، فالكلام يقع في مسألتين ، الأولى في الاضرار بالغير ، الثانية ، في الاضرار بالنفس.

اما الأولى : فلا ينبغي التوقف في حرمة الاضرار بالغير ، ويشهد به مضافا إلى عدم الخلاف فيه ، جملة من الآيات القرآنية ، وكثير من النصوص ، اما الآيات فهي في موارد خاصة.

منها : قوله تعالى : (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لهُ بِوَلَدِهِ) (١)

وقد نهى الله تعالى في هذه الآية الشريفة ، ان يضر الوالدة بالولد ، بترك الارضاع تعنتا ، أو غيظا على ابيه ، ونهى أيضاً عن ان يضر الاب بولده ، بان ينزعه من أمه ويمنعها من ارضاعه ، وقد مر ان المضارة بمعنى الاضرار عن عمد.

وقد قيل (٢) في معنى الآية وجه آخر ، وهو ان المنهي عنه اضرار الاب بالوالدة بترك جماعها ، خوفا من الحمل ، واضرار الوالدة ، بالامتناع من الجماع ، خوفا من الحمل أيضاً ، وفي كنز العرفان ، الجزء الثاني ص ٢٣٣ ، بعد نقل هذا الاحتمال ، وروي عن الباقر والصادق (ع).

ومنها : قوله تعالى (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) (٣) نهى الله تعالى

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٣٣.

(٢) كنز العرفان في فقه القرآن ج ٢ ص ٢٣٣.

(٣) الآية ٦ سورة الطلاق.

٢٩٥

عن الاضرار والتضييق على المطلقات.

ومنها : قوله عزوجل (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لتَعْتَدُوا) (١) نهى الله تعالى عن الرجوع لا للرغبة ، بل للاضرار.

منها : قوله تعالى" (وَلَا يُضَارّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ) (٢) نهى الله عزوجل عن الاضرار بالكتاب والشهود إذا ادوا حق الشهادة والكتابة ، أو نهى عن اضرار الكاتب والشاهد غيرهما على الاختلاف في كون الفعل مبنيا للفاعل ، أو للمفعول ، واما النصوص فكثيرة.

منها : ما رواه الصدوق (٣) باسناده عن الحسن بن زياد عن الامام الصادق قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعَهَا وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَاجَةٌ ثُمَّ يُطَلِّقَهَا فَهَذَا الضِّرَارُ الَّذِي نَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ إِلّا أَنْ يُطَلِّقَ ثُمَّ يُرَاجِعَ وَهُوَ يَنْوِي الإِمْسَاكَ) قوله وهذا الضرار الذي نهى الله عنه ، بيان للكبرى الكلية ويدل على حرمة الاضرار مطلقا.

منها : ما عن عقاب الاعمال للصدوق (٤) باسناده عن النبي (ص) ، في حديث وَمَنْ أَضَرَّ بِامْرَأَةٍ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا لَمْ يَرْضَ اللهُ لَهُ بِعُقُوبَةٍ دُونَ النَّارِ لِأَنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يَغْضَبُ لِلْيَتِيمِ ـ إلى ان قال ـ وَمَنْ ضَارَّ

__________________

(١) الآية ٢٣١ سورة البقرة.

(٢) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٠١ / وسائل الشيعة ج ٢٢ ص ١٧١ ح ٢٨٣٠٩ ..

(٤) وسائل الشيعة ج ٢٢ ص ٢٨٢ ح ٢٨٥٩٧.

٢٩٦

مُسْلِماً فَلَيْسَ مِنَّا وَلَسْنَا مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

منها : ما عن الكافي باسناده عن الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع فِي حَدِيثٍ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُضَارَّ بِالصَّبِيِّ أَوْ تُضَارَّ أُمُّهُ فِي رَضَاعِهِ (١).

ومنها : خبر طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ إِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٍ) (٢) وسيأتي الكلام في فقه الحديث فيه.

ومنها : ما في الكافي (٣) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ص) ع عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَرَأْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ ع أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَتَبَ كِتَاباً بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ أَنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ بِمَا يُعَقِّبُ بَعْضُهَا بَعْضاً بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَرْبٌ إِلّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَإِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرَ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٍ وَحُرْمَةَ الْجَارِ عَلَى الْجَارِ كَحُرْمَةِ أُمِّهِ وَأَبِيهِ لَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلّا عَلَى عَدْلٍ وَسَواءٍ).

والمراد بالجار من اعطى الامان لا المجاور للبيت كما يظهر من صدر الخبر ، ثم ان قوله غير مضار اما حال من المجير على صيغة الفاعل ، أي يجب ان يكون

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٤١. و ١٠٣ / وسائل الشيعة ج ٢١ ص ٤٥٤ ح ٢٧٥٦٥.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٢. / تهذيب الاحكام ج ٧ ص ٤٢ / وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٨ ح ٣٢٢٨٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٣١ ، / تهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٤٢. / وسائل الشيعة ج ١٥ ص ٦٨ ح وج ١٢ ص ١٢٦ ح ١٥٨٣٨ ٢٠٠٠١.

٢٩٧

المجير غير مضار ولا آثم في حق المجاور ، أو حال عن المجار ، ويحتمل بناء المفعول أيضاً.

ومنها : ما رواه الكليني (ره) باسناده عن مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ كَتَبْتُ إلى أَبِي مُحَمَّدٍ ع رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ رَحى عَلَى نَهَرِ قَرْيَةٍ وَالْقَرْيَةُ لِرَجُلٍ فَأَرَادَ صَاحِبُ الْقَرْيَةِ أَنْ يَسُوقَ إلى قَرْيَتِهِ الْمَاءَ فِي غَيْرِ هَذَا النَّهَرِ وَيُعَطِّلَ هَذِهِ الرَّحَى أَلَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَوَقَّعَ ع يَتَّقي اللهَ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ (وَلَا يَضُرُّ) أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ (١).

وغير ذلك من النصوص الواردة في الابواب المختلفة ـ منها ـ ما ورد (٢) في باب حريم العين والقناة والنهر في كتاب احياء الموات ـ ومنها ـ غير ذلك.

أضف إلى ذلك كله ان الاضرار بالغير ظلم في حقه ـ فيدل على حرمته ـ الأدلة الاربعة الدالة على حرمة الظلم (٣).

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٩٣ ، وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٣١ ح ٣٢٢٨٦.

(٢) وهو ما روي عن (رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ مَا بَيْنَ بِئْرِ الْمَعْطِنِ إلى بِئْرِ الْمَعْطِنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً وَمَا بَيْنَ بِئْرِ النَّاضِحِ إلى بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعاً وَمَا بَيْنَ الْعَيْنِ إلى الْعَيْنِ يَعْنِي الْقَنَاةَ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ ..) وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٦ ح ٣٢٢٧٣. الكافي ج ٥ ص ٢٩٦.

(٣) الأدلة الأربعة : الكتاب والسنة والعقل والاجماع. فالاجماع واضح ، والعقل يستقل بقبح الظلم ، ومن الكتاب قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) الآية ١١٣ سورة هود ، ومن السنة (إِيَّاكُمْ وَصُحْبَةَ الْعَاصِينَ وَمَعُونَةَ الظَّالِمِينَ) وسائل الشيعة ج ١٧ ص ١٧٧ ح ٢٢٢٨٩. الكافي ج ٨ ص ١٦.

٢٩٨

مع انه ايذاء له فيدل على حرمته ما دل على حرمة الايذاء (١) ، ويمكن ان يستدل لعدم جوازه بحديث (لا ضرر ولا ضرار) (٢) ، فان الحكم باباحته حكم ضرري فيكون منفيا في الشريعة ، فإذا لا ريب في حرمة الاضرار بالغير.

حكم الإضرار بالنفس

واما المسألة الثانية : ففي رسالة الشيخ الأعظم (٣) ، قد استفيد من الأدلة العقلية ، والنقلية ، تحريم الإضرار بالنفس.

أقول : لا كلام عندنا في حرمة الإضرار بالنفس ، إذا أدى ذلك إلى الوقوع في التهلكة ، أو تحقق ما علم مبغوضيته في الشريعة كقطع الأعضاء ونحوه أو كان يصدق عليه التبذير ، والإسراف إذا كان الضرر ماليا.

إنما الكلام في الإضرار بالنفس في غير هذه الموارد.

وقد استدل لحرمته بوجوه.

الاول : ان العقل مستقل بذلك.

__________________

(١) يستدل على حرمة الايذاء بالعقل وبأدلة الضرر وبالروايات وستأتي الاشارة إلى ذلك.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ و ٢٩٢ و ٢٩٣ و ٢٩٤ / وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٣٢ ح ٢٣٠٧٣ و ٢٣٠٧٤ وج ٢٥ ص ٤٢٨ ح ٣٢٢٨١ وص ٤٢٩ ح ٣٢٢٨٢ وج ٢٦ ص ١٤ ح ٣٢٣٨٢ ..

(٣) رسائل فقهية ص ١١٦.

٢٩٩

وفيه ان العقل لا يأبى من تحمل الضرر إذا ترتب عليه غرض عقلائي كما في سفر التجارة أو الزيارة وما شاكل.

الثاني : ادلة نفي الضرر ، اما بدعوى ارادة النهي من النفي ، أو بدعوى ، ان جوازه ضرري منفي في الشريعة.

وفيه : ان تلك الأدلة إنما تنفي الأحكام الضررية ، ولا يكون المراد من النفي النهي كما تقدم تفصيل ذلك.

وجواز الاضرار بالنفس غير مشمول لها : لما تقدم من عدم شمول حديث لا ضرر ، للاحكام غير اللزومية المتعلقة بالشخص نفسه.

مع ان رفع جواز الإضرار بالنفس إذا ترتب عليه غرض عقلائي مخالف للامتنان فلا يشمله الحديث.

أضف إلى ذلك ان الضرر الذي يترتب عليه غرض عقلائي لا يعد ضررا عرفا.

الثالث : خبر مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ (١) قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع أَخْبِرْنِي جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ لِمَ حَرَّمَ اللهُ الْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ قَالَ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَى عِبَادِهِ وَأَحَلَّ لَهُمْ مَا سِواهُ مِنْ رَغْبَةٍ مِنْهُ فِيمَا) حَرَّمَ عَلَيْهِمْ (وَلا زُهْدٍ فِيمَا) أَحَلَّ لَهُمْ (وَلَكِنَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ) فَعَلِمَ (مَا تَقُومُ بِهِ أَبْدَانُهُمْ ومَا يُصْلِحُهُمْ فَأَحَلَّهُ لَهُمْ وَأَبَاحَهُ تَفَضُّلاً مِنْهُ عَلَيْهِمْ بِهِ لِمَصْلَحَتِهِمْ

__________________

(١) المحاسن ج ٢ ص ٣٤٤ / الكافي ج ٦ ص ٢٤٢ / وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٩٩ ح ٣٠٠٨٣.

٣٠٠