زبدة الأصول - ج ٥

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-38-1
الصفحات: ٥٦٣

مندفعة : بأن المقدور هو صورة العمل دون حقيقته.

الوجه الثاني : ما أفاده الشيخ الكبير (١) وهو الالتزام بالترتب. بتقريب : ان الواجب على المكلف ، اولا هو القصر مثلا ، وعلى تقدير تركه فالتمام مأمور به فلا تنافي بين الحكم بالصحة ، واستحقاق العقاب على ترك الواجب الأول.

وأورد عليه المحقق النائيني (ره) (٢) بوجوه :

الاول : ان الخطاب المترتب لا بدَّ وان يكون موضوعه عصيان الخطاب المترتب عليه ، وفي المقام إذا التفت إلى كونه عاصيا ينقلب الموضوع ، وإلا لا يعقل ان يكون الحكم محركا له.

وفيه : انه لم يرد دليل على لزوم كون الموضوع هو العصيان ، بل الترتب ممكن مع كون الموضوع للخطاب المترتب هو الترك ، كما مرَّ تفصيل ذلك في الجزء الثاني (٣) من هذا الكتاب ، والالتفات إلى الترك مع عدم انقلاب الموضوع ممكن.

الثاني : ان وجوب الصلاة لا يكون مختصا بوقت خاص ، بل هو ثابت

__________________

(١) كشف الغطاء ص ٢٧٥.

(٢) ذكر هذه الايرادات السيد الخوئي في مصباح الأصول ج ٢ ص ٥٠٧ / ودراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٤٨٦

(٣) من الطبعة الاولى والثالثة من هذه الطبعة ، راجع ص ٥٤ من الأمر الحادي عشر (الامتثال بإتيان المجمع على القول بالجواز)

١٨١

موسع بين المبدأ والمنتهى فعصيانه لا يمكن إلا بخروج الوقت وانقضائه ، ففي اثناء الوقت لا يعقل فعلية الحكم الثاني ، وقد ظهر مما اوردنا على الأول ، الإيراد على ذلك أيضاً.

الثالث : ان الالتزام بالترتب لو امكن لا دليل على وقوعه ، وفي المتزاحمين إنما يقتضي إطلاق الخطابين بالتقريب المتقدم الترتب ، وهذا بخلاف المقام.

وفيه : ان صحة المأتي به في المقام مفروغ عنها ، وقد دلت النصوص عليها (١). وإنما الكلام في إمكان ذلك مع البناء على استحقاق العقاب ، فالمهم تصوير الامكان ، وفي هذا المقام يكفي ما أفاده (ع).

وأورد عليه الأستاذ بأن ما ورد من ان الواجب على المكلف في كل يوم خمس صلوات يكفي في ابطال القول بالترتب في المقام (٢).

وفيه : ان مفاد تلك الأخبار عدم وجوب صلاة سادسة في عرض تلك الصلوات ، وهي كما لا تنافي التخيير بين القصر والاتمام في مواضع التخيير لا تنافي الترتب في المقام.

الوجه الثالث : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٣) وهو انكار استحقاق العقاب.

توضيحه : ان الجاهل بوجوب الصلاة قصرا ، أو اخفاتا في مورد ثبوته ، لو فرضنا انه صلى قصرا ، أو اخفاتا ، وحصل منه قصد القربة ، فلا يخلو الأمر من

__________________

(١) عدد من الروايات من وسائل الشيعة ج ٦ ص ٨٨ و ٣٦٤ و ٣٦٨ و ٤٠٤.

(٢) السيد الخوئي في مصباح الأصول ج ٢ ص ٥٠٨ / ودراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٤٨٦.

(٣) فوائد الأصول ج ٣ ص ٣٧٣ ، وذكره السيد الخوئي في مصباح الأصول ج ٢ ص ٥٠٨.

١٨٢

الحكم بصحة صلاته أو فسادها.

فعلى الأول : لا مناص من الالتزام بأن الحكم الواقعي هو التخيير بين القصر والتمام ، أو الجهر والاخفات ، وعليه فلا موجب للعقاب لو أتى باحد طرفي التخيير.

وعلى الثاني : لا مناص عن الالتزام بكون الصلاة ، تماما أو جهرا ، هو الواجب على التعيين في ظرف الجهل. ومعه كيف يمكن الالتزام باستحقاق العقاب على ترك القصر أو الاخفات؟

ودعوى : الإجماع عليه ، مجازفة لعدم تعرض اكثر الاصحاب له ، مع انها ليست مسألة شرعية ليصح الاستدلال بها.

وما أفاده (ره) وان كان لا يخلو عن إشكال ، إلا ان ما أفاده في ذيل كلامه من عدم الدليل على استحقاق العقاب متين جدا.

الأمر الثالث : قد عرفت ان مقتضى إطلاق أدلة الأصول خصوصا ما ورد في خصوص الشبهة الموضوعية وصريح بعض ما ورد في الاستصحاب كصحيح زرارة ، عدم اعتبار الفحص في الرجوع إليها.

إلا انه ذكر جماعة (١) ان ذلك يختص بالاحكام التي لا يكون العلم بها متوقفا على الفحص ، وإلا فيجب الفحص بدعوى ان جعل الحكم في مورد يتوقف العلم به على الفحص ، يدل بالدلالة الالتزامية وبالملازمة العرفية على

__________________

(١) أشار إلى ذلك السيد الخوئي في دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٤٨٨.

١٨٣

وجوب الفحص ، وإلا لزم اللغو في الشريعة ومثلوا لذلك :

المثال الاول : ما إذا شك في تحقق الاستطاعة إلى الحج من حيث المال أو من جهة أخرى.

المثال الثاني : ما إذا شك في زيادة الربح عن مئونة السنة.

المثال الثالث : ما إذا شك في المسافة ، فقالوا يجب الفحص مع كون المورد مجرى لاستصحاب عدم تحقق المسافة.

والحق : ان الكبرى الكلية مسلمة ، إلا ان الظاهر انه ليست الموارد المذكورة من صغرياتها لان حصول العلم في كل من تلك المسائل باحد الطرفين كثير كما لا يخفى.

وقد افاد المحقق النائيني (١) انه يعتبر في جريان الأصول في الشبهات الموضوعية ان لا تكون مقدمات العلم باجمعها تامة بحيث لا يحتاج حصول العلم إلا إلى مجرد النظر. وإلا كما لو فرضنا ان المكلف بالصوم على السطح ، ولا يتوقف علمه بطلوع الفجر إلا على مجرد النظر إلى الافق فلا يجوز الرجوع إلى البراءة أو استصحاب عدم طلوع الفجر بدون النظر ، لان مجرد النظر لا يعد فحصا عرفا ليحكم بعدم وجوبه.

وفيه : ان مدرك عدم وجوب الفحص لو كان هو الإجماع ، أو خبر دال عليه كان ما أفيد في غاية المتانة ، ولكن بما ان مدركه إطلاق الأدلة وخصوص بعض

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ٣٢٧. ج ٣ ص ٥٥٦ (ط ، ج). مصباح الأصول ج ٢ ص ٥١٢.

١٨٤

الروايات فلا يتم ذلك لعدم اخذ عنوان الفحص أو عدمه في لسان دليل كي يرجع في تعيين مفهومه إلى العرف.

ولو استدل له بعدم صدق عنوان الجاهل والشاك وغير العالم على ذلك المكلف ، كان اولى ، وان كان ذلك أيضاً محل تأمل ونظر.

الكلام حول ما أفاده الفاضل التوني

ثم انه ذكر الفاضل التوني (١) على ما نسب إليه الشيخ الأعظم (٢) انه يعتبر في جريان اصل البراءة شرطان آخران :

الشرط الاول : ان لا يكون إعمال الأصل موجبا لتضرر مسلم. وإلا فلا يجري ومثل له بما لو فتح انسان قفصا فطار العصفور ، أو حبس شاة فمات ولدها ، أو امسك رجلا فهربت دابته. فإن إعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك في هذه الموارد.

وأجاب عنه الشيخ (٣) وتبعه المحقق الخرساني (ره) (٤) بأنه وان لم تجر البراءة في موارد جريان قاعدة نفي الضرر إلا انه حقيقة لا يبقى لها مورد بداهة ان الدليل

__________________

(١) في مقدمة الوافية في الأصول ص ٢١. وفي صفحة ١٩٣.

(٢) فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٢٩.

(٣) فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٢٩.

(٤) كفاية الأصول ص ٣٧٩.

١٨٥

الاجتهادي يكون بيانا وموجبا للعلم بالتكليف ولو ظاهرا. فإن كان المراد من الاشتراط ذلك ، فلا بد من اشتراط ان لا يكون على خلافها دليل اجتهادى ، لا خصوص قاعدة الضرر.

أقول : الظاهر ان نظر الفاضل التوني ليس إلى ان قاعدة نفي الضرر جارية في تلك الموارد ، ولذلك لا تجري البراءة ، فإنه لا تكون مجرى قاعدة نفي الضرر لوقوع الضرر فيها لا محالة اما على المالك أو على المتلف ، إذ لو حكم بالضمان تضرر المتلف ولو حكم بعدمه تضرر المالك.

بل الظاهر ان نظره إلى ما ذكرناه في حديث الرفع من انه وارد مورد الامتنان ، وهو إنما يرفع الحكم الذي في رفعه منة على الامة ، فبالطبع لا يجري فيما إذا لزم من جريان البراءة تضرر مسلم أو من بحكمه ، إذ لا امتنان في مثل ذلك على الامة في رفع الحكم. وعليه فما أفاده متين لا يرد عليه ما ذكراه. واما البحث في انه في تلك الموارد هل يكون مقتضى قاعدة الاتلاف هو الضمان أم لا؟ فهو موكول إلى محل آخر ، وعلى أي تقدير لا تجري البراءة عن الضمان.

الشرط الثاني : ان لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى.

ومثل لذلك بأن يقال : في احد الإنائين المشتبهين الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه ، فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر ، أو عدم بلوغ الملاقى للنجاسة كرا ، أو عدم تقدم الكرية حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فإن أعمال الأصول يوجب الاجتناب عن الاناء الآخر أو الملاقى أو الماء.

أقول : ان ثبوت حكم شرعي من جهة أخرى يتصور على أقسام.

١٨٦

القسم الأول : ان لا يكون بينهما ترتب شرعا ولا عقلا إلا ان العلم الإجمالي اوجب ذلك بينهما ، كما في المثال الأول الذي ذكره الفاضل التوني ، فإنه لا ترتب بين طهارة أحدهما ونجاسة الآخر إلا من ناحية العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ففي مثل ذلك لا تجري البراءة ، لا لما أفاده ، فإن الأصل ليس حجة في مثبتاته ، بل لابتلائه بالمعارض. واما المثالان الآخران في كلامه فهما مثالان للاستصحاب ولا ربط لهما بالبراءة.

القسم الثاني : ان يكون الترتب عقليا كترتب وجوب المهم على عدم وجوب الاهم بناءً على القول بعدم إمكان الترتب.

فإن الموجب لرفع اليد عن إطلاق دليل المهم إنما هو فعلية التكليف بالاهم الموجب لعجز المكلف عن الإتيان بالمهم ، وفي مثل ذلك لو فرض الشك في تعيين التكليف بالاهم للشك في اهميته وجرى الأصل في تعينه ولازمه ترخيص الشارع في ترك الاهم ، كان المهم واجبا لاطلاق دليله. فهو المثبت لوجوبه لا البراءة وإنما هي ترفع المانع وهو عجز المكلف ، فلا مورد لاشتراط جريان البراءة بعدم اثباته للحكم الالزامي.

القسم الثالث : ان يكون الترتب شرعيا بأن يكون جواز شيء ماخوذا في موضوع وجوب شيء آخر. وهذا أيضاً يختلف فإنه ، تارة يكون الحكم الالزامي مترتبا على الاباحة الواقعية.

ومثل المحقق النائيني (ره) (١) لذلك بترتب وجوب الحج على عدم اشتغال

__________________

(١) فوائد الأصول ج ٤ ص ٣٠٤.

١٨٧

ذمة المكلف بمال الناس.

واخرى يكون الحكم الالزامي حكما واقعيا مترتبا على مطلق الاباحة واقعية كانت أم ظاهرية ، كما في ترتب وجوب الوضوء بالماء فإنه مترتب على اباحته سواء كانت واقعية أم ظاهرية.

وثالثة يكون الحكم الالزامي أعم من الواقعي والظاهري مترتبا على الاباحة أعم من الواقعية والظاهرية ، كما في ترتب وجوب الحج على الاستطاعة وإباحة المال الذي به صار المكلف مستطيعا.

فلو حكم باباحة المال لاصل من الأصول وجب الحج ظاهرا ، ولو انكشف الخلاف وعدم اباحته انكشف عدم كونه مستطيعا من الأول.

ففي الصورة الأولى لا يترتب على الأصل الجاري الحكم الالزامي : لعدم ثبوت ما يترتب عليه بالأصل ، وهذا ليس بالاشتراط.

وفي الصورة الثانية يترتب على الأصل ذلك الحكم الالزامي لتحقق موضوعه ، غاية الأمر يكون الالزام ظاهريا.

وفي الصورة الثالثة يترتب الحكم الالزامي.

وإلى ما ذكرناه في هذه الصور نظر المحقق الخراساني (ره) حيث قال : والاباحة أو رفع التكليف الثابت بالبراءة النقلية لو كان موضوعا لحكم شرعي أو ملازما له فلا محيص عن ترتبه عليه بعد احرازه فإن لم يكن مترتبا عليه بل على نفي التكليف واقعا فهي وان كانت جارية إلا ان ذلك الحكم لا يترتب

١٨٨

لعدم ثبوت ما يترتب عليه بها وهذا ليس بالاشتراط (١) انتهى.

ختام : نتعرض فيه لبيان قاعدة لا ضرر تبعا للشيخ الاعظم والمحقق الخراساني في الكفاية.

* * *

__________________

(١) كفاية الأصول ٣٧٩.

١٨٩

خاتمة

في

قاعدة لا ضرر

والبحث في مقامات :

١٩٠

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين وافضل الصلوات واكمل التحيات على اشرف الخلائق محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد فلما كانت ، قاعدة لا ضرر ، من اهم القواعد الفقهية ، لابتناء كثير من الأحكام الشرعية عليها ، ولهذا صنف فيها جمع من الفحول منهم الشيخ الأعظم ، رسالة مستقلة ، وقد حررت في سالف الزمان ، فيها رسالة ، بعد القاء ما يتعلق بها إلى فريق من ارباب العلم والفضل ، فاحببت الحاقها بالكتاب ، والله الموفق للصواب.

وتنقيح القول في هذه القاعدة بالبحث في مقامات :

١ ـ في مدركها.

٢ ـ في مفادها ومعنى العبارات التي في النصوص ، ـ وبعبارة أخرى ـ في فقه الحديث.

٣ ـ في دفع ما أورد عليها من الايرادات.

٤ ـ في التنبيهات المبينة لحدود هذه القاعدة ، والمشتملة على بعض ما يتفرع عليها مما عنونه الفقهاء ، مستدلين عليها بها.

٥ ـ في بيان حالها مع الأدلة الأخر المعارضة لها

٦ ـ في حكم الاضرار بالنفس.

١٩١

بيان مدرك القاعدة

اما المقام الأول : فقد ورد فيها روايات كثيرة ، ففي الرسائل (١) قد ادعى فخر الدين في الإيضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر والضرار ، ولكن في الرسالة المستقلة (٢) المعمولة في هذه القاعدة بعد نقل ذلك عن الفخر ، ذكر انه لم يعثر عليه ، وكيف كان فالروايات الواردة في القاعدة كثيرة.

منها : موثق ابن بكير الذي رواه المشايخ الثلاثة (٣) باسناد بعضها صحيح عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ : إِنَّ سَمُرَة بْنَ جُنْدَبٍ كَانَ لَهُ عَذْقٌ فِي حَائِطٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَنْزِلُ الأَنْصَارِيِّ بِبَابِ الْبُسْتَانِ فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ إلى نَخْلَتِهِ وَلا يَسْتَأْذِنُ فَكَلَّمَهُ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ إِذَا جَاءَ فَأَبَى سَمُرَةُ ، فَلَمَّا تَأَبَّى جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ إلى رَسُولِ اللهِ فَشَكَا إِلَيْهِ وَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ وَخَبَّرَهُ بِقَوْلِ الأَنْصَارِيِّ وَمَا شَكَا ، وَقَالَ : إِذَا أَرَدْتَ الدُّخُولَ فَاسْتَأْذِنْ فَأَبَى فَلَمَّا أَبَى ساوَمَهُ حَتَّى بَلَغَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ مَا شَاءَ اللهُ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَقَالَ لَكَ بِهَا عَذْقٌ يُمَدُّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لِلْأَنْصَارِيِّ اذْهَبْ

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٣٣.

(٢) رسائل فقهية ص ١١٢.

(٣) ورد في الكافي ج ٥ ص ٢٩٢. والتهذيب ج ٧ ص ١٤٦ والفقيه ج ٣ ص ٢٣٣.

١٩٢

فَاقْلَعْهَا وَارْمِ بِهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ (١).

ومنها : ما رواه ابن مسكان عن أبي جعفر (ع) المتضمن لقضية سمرة ، وهو نحو ما تقدم إلا انه قال ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله (ص) إِنَّكَ رَجُلٌ مُضَارٌّ وَلَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ عَلَى مُؤْمِنٍ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ (ص) فَقُلِعَتْ ثُمَّ رُمِيَ بِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ (ص) انْطَلِقْ فَاغْرِسْهَا حَيْثُ شِئْتَ (٢).

ومنها : ما رواه الصدوق باسناده عن الحسن الصيقل عن أبي عبيدة الحذاء قال أبو جعفر (ع) وقد نقل القضية نحو ما تقدم ، إلا انه قال (ص) بعد الامتناع مَا أَرَاكَ يا سَمُرَةُ إِلّا مُضَارّاً اذْهَبْ يا فُلَانُ فَاقْطَعْهَا وَاضْرِبْ بِهَا وَجْهَهُ (٣).

وهذا الخبر وان لم يشتمل على جملة ـ لا ضرر ولا ضرار ـ إلا انه متضمن لصغرى القاعدة ، واستنتج منها ، الأمر بقلع الشجرة.

ثم انه لا كلام في ان هذه الأخبار الثلاثة تحكى عن قصة واحدة ، والظاهر منها انه كان لسمرة حق العبور إلى نخلته من البستان ، وكان استيفاء حقه ، بلا اذن من الانصاري ، اضرارا به ، ولم يرض سمرة ، بالجمع بين الحقين.

ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة باسنادهم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ قَضَى رَسُولُ اللهِ (ص) بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٨ ح ٣٢٢٨١

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٤. وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٩ ح ٣٢٢٨٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ١٠٣. وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٧ ح ٣٢٢٧٩.

١٩٣

وَقَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَقَالَ إِذَا أُرِّفَتِ الأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ (١).

ومنها : ما رواه في الكافي باسناده عَنْ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ ع قَالَ قَضَى رَسُولُ اللهِ (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مَشَارِبِ النَّخْلِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ نَفْعُ الشَّيْءِ وَقَضَى (ص) بَيْنَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ مَاءٍ لِيُمْنَع بِهِ فَضْلُ كَلَإٍ وَقَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ (٢).

ومنها : خبر هارون بن حمزة الآتي ، في بيان معنى الضرار (٣).

ومنها : ما رواه الصدوق في الفقيه ، قال النبي (ص) لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ فَالْإِسْلَامُ يَزِيدُ الْمُسْلِمَ خَيْراً وَلَا يَزِيدُهُ شَرّاً (٤).

ومنها : خبر دعائم الإسلام عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن آبائه عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ (٥).

ومنها : خبر الدعائم عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جِدَارِ الرَّجُلِ (٦)

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٣٩٧ ح ٣٢٢١٠ وص ٣٩٩ ح ٣٢٢١٧.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٣.

(٣) تهذيب الأحكام ج ٧ ص ٧٩ و ٨٢ وفي نسخة وسائل الشيعة (فبلغ ثمنه دنانير) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٢٧٥. وكذا في الكافي ج ٥ ص ٢٩٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٣٣٤. وسائل الشيعة ج ٢٦ ص ١٤.

(٥) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٤٩٩. مستدرك الوسائل ج ١٧ ص ١١٨.

(٦) في نسخة دعائم الإسلام وردت (لرجل) في الجزء ٢ ص ٥٠٤ ، وفي نسخة مستدرك الوسائل وردت (لرجل) في ج ١٧ ص ١١٨. ووردت (الرجل) في ج ١٣ ص ٤٤٧.

١٩٤

وَهُوَ سُتْرَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ سَقَطَ فَامْتَنَعَ مِنْ بُنْيَانِهِ قَالَ لَيْسَ يُجْبَرُ عَلى ذَلِكَ إِلّا أَنْ يَكُونَ وَجَبَ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ الْأُخْرَى بِحَقٍّ أَوْ شَرْطٍ فِي أَصْلِ الْمِلْكِ وَلَكِنْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ فِي حَقِّكَ إِنْ شِئْتَ قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْجِدَارُ لَمْ يَسْقُطْ وَلَكِنَّهُ هَدَمَهُ إِضْرَاراً بِجَارِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إلى هَدْمِهِ قَالَ لَا يُتْرَكُ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ص) قَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا إِضْرَارَ فَإِنْ هَدَمَهُ كُلِّفَ أَنْ يَبْنِيَهُ (١).

ومنها : مرسل العلامة ، انه (ص) قال ، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (٢).

منها : ما رواه شيخ الطائفة عن النبي (ص) انه قال ضرر ولا ضرار. (٣)

ومنها : ما رواه سيد ابن زهرة في الاحتجاج على حكم الارش ، قال ويحتج على المخالف بقوله (ص) لا ضرر ولا ضرار (٤) هذه هي الروايات الواصلة الينا من طرق الشيعة ، وفي المقام روايات من طرق العامة أيضاً.

لاحظ ما رواه احمد بن حنبل من طريق ابن عباس ، ومن طريق عبادة بن صامت. عن النبي (ع) انه قال (ص) (لا ضرر ولا ضرار). (٥).

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ٢ ص ٥٠٤ ، ومستدرك الوسائل ج ١٣ ص ٤٤٧ وج ١٧ ص ١١٨.

(٢) تذكرة الفقهاء ج ٢ (طبعة قديمة) ص ٥٢٢.

(٣) الخلاف ج ٣ ص ٤٢.

(٤) غنية النزوع ص ٢٢٤.

(٥) مسند أحمد ج ٥ ص ٣٢٦ و ٣٢٧.

١٩٥

ورواه النووي في الاربعين (١) عن ابى سعيد سعد بن مالك الخزرجي ، وذكر ان ابن ماجة (٢)

والدار قطني (٣) ، رويا الحديث مسندا.

ورواه مالك في الموطأ (٤) عن عمر بن يحيى عن النبي (ص) مرسلا ثم قال : وله طرق يقوى بعضه بعضا (٥).

وما رواه ابن الاثير في النهاية (٦) انه (ص) قال ، لا ضرر ولا ضرار في الاسلام.

هذه جميع ما وصلنا من النصوص وهناك نصوص متضمنة للنهى عن الاضرار بالغير ، كجملة من الآيات ، نتعرض لها في آخر الرسالة ، وإنما المهم في المقام تنقيح القول في الجملة المذكورة في هذه النصوص.

وتمام الكلام في هذا المقام في جهات.

__________________

(١) قال النووي في المجموع ج ٨ ص ٢٥٨ وهو حديث حسن من رواية أبي سعيد الخدري ، وفي ج ١٣ ص ٢٢٨ و ٣٩٨.

(٢) سنن ابن ماجة ج ٢ ص ٧٨٤.

(٣) سنن الدارقطني ج ٣ ص ٦٤.

(٤) موطأ مالك ج ٢ ص ٧٤٥.

(٥) راجع المجالس السنية في شرح الاربعين النووية ص ٩٨ مجلس ٣٢.

(٦) النهاية في غريب الحديث ج ٣ ص ٨١.

١٩٦

سند الحديث

الجهة الاولى في سند الحديث : لا ينبغي التوقف في ان هذه الجملة صدرت عن النبي (ص) ، وذلك لوجوه :

الوجه الأول : صحة بعض طرق الحديث كالخبر الثاني (١) : فان رجال سنده كلهم عدول ، ثقات ، اماميون بالاتفاق عدى ابن بكير ، وهو من الذين اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم فهو بمنزلة الصحيح أو اعلى منه ، وبعض آخر منها وستقف عليه.

الوجه الثاني : اشتهار الحديث بين الفريقين حتى ادعى بعض أصحابنا تواتره.

الوجه الثالث : استناد الاصحاب إليه ونقله في كتبهم على وجه الاعتماد عليه.

متن الحديث

الجهة الثانية : في تشخيص متن الحديث :

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٥ ص ٤٢٨ ح ٣٢٢٨١.

١٩٧

المروي في اكثر النصوص قوله (ص) لا ضرر ولا ضرار بلا زيادة كلمتي ـ في الاسلام ـ و ـ على مؤمن ، وقد اضيف كلمة على مؤمن في الخبر الأول ، وحيث انه ضعيف لأنه رواه محمد بن خالد عن بعض أصحابنا عن ابن مسكان عن زرارة ، وهو مرسل ، فلا يعتمد عليه.

واما كلمة في الاسلام ، فقد اصر شيخ الشريعة الأصفهاني (١) ، على عدم وجودها في شيء من طرق الخاصة والعامة.

وفي مقابله ادعى بعض معاصريه ، استفاضة الحديث مع هذا القيد ، واسند إلى المحققين دعوى تواتر هذا الحديث مع هذه الزيادة.

والحق ان القولين افراط وتفريط : لوجودها في جملة من الأخبار ، منها مرسل الصدوق (٢) الذي هو حجة ، فان الارسال على نحوين ـ أحدهما ـ ما إذا كان التعبير بلفظ روى ونحوه ، ثانيهما : ما اذا كان بلفظ قال وما شاكل ـ وبعبارة أخرى ـ اسند المرسل الخبر جزما إلى من روى عنه الواسطة ـ والاول لا يكون حجة ـ والثاني حجة فان المرسل إذا كان ثقة ، فاسناده إلى من روى عنه الواسطة كاشف عن ثبوت الرواية عنده إذ لا يجوز الاسناد بغير ذلك ، والمقام من قبيل الثاني كما لا يخفى.

ودعوى ، ان التعبير بلفظ قال إنما يصح مع ثبوت صدور الرواية عند المرسل ولو من جهة القرائن ، وحيث يحتمل ان تكون تلك القرائن غير موجبة

__________________

(١) نخبة الأزهار ص ١٧٣. ورسالة لا ضرر ص ١٧ ـ ١٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٣٣٤.

١٩٨

للاطمينان عندنا فلا يعتمد عليه.

مندفعة : بأنه إذا فرضنا ان الخبر الذي يراه المرسل حجة نراه حجة ، ولا اختلاف بيننا وبينه في المبنى ، وحيث ان تشخيص موضوع ذلك ليس متوقفا على مقدمات بعيدة كي يحتمل ان يكون التشخيص غلطا ، فلا محالة نكتفي بثبوت الصدور عنده.

لا يقال : انه يحتمل ان يكون ما رواه الصدوق (١) اشارة إلى ما أفاده النبي (ص) في ذيل قضية سمرة ، والمروي هناك يكون مجردا عن هذه الكلمة.

فانه يجاب عنه :

اولا : بان مجرد الاحتمال ، لا يصلح دليلا ، لرفع اليد ، لما يكون الخبر متضمنا له ، فلعله صدر هذه الجملة عن النبي (ص) مرتين ، تارة مع الزيادة ، واخرى بدونها.

وثانيا : انه لو دار الأمر ، بين الزيادة ، والنقيصة ، يكون الترجيح لما تضمن الزيادة فان احتمال الغفلة في الزيادة ، ابعد من احتمال الغفلة في النقيصة.

وما أفاده المحقق النائيني (ره) (٢) من ان تقدم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة لا يكون تعبديا صرفا بل هو من باب بناء العقلاء ، وأبعدية الغفلة بالنسبة إلى الزيادة عن الغفلة بالنسبة إلى النقيصة ، وهذا إنما يتم في الزيادات البعيدة عن الأذهان دون المعاني المأنوسة كما في المقام ، فان نفي

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٣٣٤.

(٢) نسب هذا القول إليه السيد الخوئي في الهداية في الأصول ج ٣ ص ٥٢٩.

١٩٩

الضرر حيث انه من المجعولات الشرعية ، فيتوهم الراوي اقترانه بهذه الكلمة ، سيما مع ثبوتها في اغلب اقضيته (ص).

غير تام فان الراوي إذا كان ثقة معتمدا في النقل لا يضيف إلى ما يرويه شيئا من عنده فينحصر وجه الزيادة في الغفلة فيجري فيه الوجه المذكور.

ولا يتوهم ، ان وجود هذه الكلمة وعدمه سيان لعدم الفرق في معنى لا ضرر ولا ضرار بزيادتها ونقصها : إذ لو لم تكن في ذيل الحديث المبارك لكان المنفي أيضاً هو الحكم المجعول في الاسلام كما أفاده المحقق النائيني (ره).

لأنه إذا ثبت ان مفاد لا ضرر ، نفي الحكم الضرري كان ما أفاده تاما ، ولكن سيأتي ان جماعة ذهبوا إلى ان مفاده النهي عن الاضرار بالغير ، ووجود كلمة في الاسلام يصلح ردا عليهم كما سيمر عليك في محله.

فالمتحصّل ان الصادر عن النبي (ص) ـ لا ضرر ولا ضرار ـ تارة مجردا واخرى مع زيادة كلمة في الاسلام.

موقع صدور الحديث

الجهة الثالثة : في موقع صدور الحديث ، المتيقن وروده في ذيل قضية سمرة ، ويحتمل وروده مستقلا ، وظاهر الأخبار المتقدمة وروده في ثلاثة مواضع اخر :

احدها : ذيل قضائه (ص) في الشفعة.

ثانيها : ذيل قضائه في منع فضل الماء.

ثالثها : ذيل ، ما تضمن حكم جدار الرجل الذي هو سترة بينه ، وبين جاره

٢٠٠