زبدة الأصول - ج ٥

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-38-1
الصفحات: ٥٦٣

وقد سقط عنه فامتنع من بنائه.

اما الموضع الثالث : فحيث ان الخبر المتضمن له هو خبر دعائم الإسلام ، وهو ضعيف للإرسال ، ولعدم ثبوت وثاقة صاحب الكتاب فلا وجه للتعرض له.

واما الموضعان الاولان ، فلقد اصر شيخ الشريعة (ره) (١) على عدم كون حديث الشفعة والناهي عن منع الفضل حال صدورهما من النبي (ص) مذيلين بحديث الضرر ، وان الجمع بينهما وبينه جمع من الراوي بين روايتين صادرتين عنه (ص) في وقتين مختلفين ، وتبعه في ذلك جماعة منهم المحقق النائيني (ره).

وقد ذكروا في مقابل ظهور السياق في كون الجمع ، من الجمع في المروي لا من الجمع في الرواية ، وجوها.

الأول : ما أفاده شيخ الشريعة (٢) وحاصله ، ان اقضية النبي (ص) مروية من طريق اهل السنة برواية عبادة بن صامت مجتمعة وهي بعينها مروية من طرقنا برواية عقبة متفرقة على حسب تفرق الأبواب ، وحديث الشفعة ، والنهي عن منع فضل الماء ، ليسا مذيلين بحديث الضرر في نقل عبادة بل هو مذكور مستقلا ، وفي نقل عقبة لم يذكر مستقلا بل في ذيلهما ، وبعد كون عبادة من اجلاء الشيعة ، مع ما علم من استقراء رواياته من ، اتقانه ، وضبطه وان المروي عن عقبة قطع ، وذكر كل قطعة منه في باب ، يقطع الإنسان ان حديث الضرر

__________________

(١) رسالة لا ضرر ص ٢٨ ـ ٣٤.

(٢) رسالة لا ضرر ص ٢٨ ـ ٣٤.

٢٠١

مستقل.

وبعبارة أخرى : انه من توافق النقلين حتى في العبارات يحدس الإنسان قطعيا ان الاقضية كما كانت مجتمعة في رواية عبادة ، وكان من قبيل الجمع في الرواية لا في المروي كما هو واضح ، كانت مجتمعة في خبر عقبة بن خالد ، لا سيما ان الراوي عن عقبة في جميع الأبواب المتضمنة لتلك الاقضية المتشتتة محمد ابن عبد الله بن هلال ، والراوي عنه محمد بن الحسين والراوي عنه محمد بن يحيى ، وهذا كله يوجب الاطمئنان بعدم وجود الذيل في حديث الشفعة والمنع من فضل الماء في خبر عقبة بل كان قضاء مستقلا خصوصا بعد ملاحظة ان إلغاء هذا الذيل من الحديثين لا يجر نفعا ، ولا يدفع ضررا عن عبادة.

الثاني : ما أفاده المحقق النائيني (ره) (١) وهو انه لو كان من تتمة قضية أخرى في رواية عقبة لزم خلو رواياته الواردة في الاقضية عن هذا القضاء الذي هو من اشهر قضاياه (ص).

الثالث : ما عن المحقق النائيني (ره) (٢) أيضاً ، وهو ان لا ضرار على ما ستعرف معناها لا يناسب ، حديث الشفعة ، ومنع فضل الماء.

الرابع : ان بيع الشريك ليس علة للضرر ، بل ولا مقتضيا ، وهكذا منع فضل الماء لا يوجب الضرر ، نعم لا ينتفع الممنوع ، وليس عدم النفع ضررا.

الخامس : ان تضرر الشريك ببيع شريكه حصته من غيره لا يكون ضرريا

__________________

(١) منية الطالب ج ٣ ص ٣٦٩. ونسبه في منتهى الدراية ج ٦ ص ٥٥٣.

(٢) منية الطالب ج ٣ ص ٣٦٩. ونسبه في منتهى الدراية ج ٦ ص ٥٥٣.

٢٠٢

إلا في بعض الموارد فبين مورد ثبوت الخيار ، وتضرر الشريك بالبيع ، عموم من وجه.

السادس : ان الضرر لو كان في بيع الشريك فإنما هو آت من قبل البيع نفسه فلو كان ذلك موردا للقاعدة لزم الحكم بالبطلان ، فان ثبوت الخيار جابر للضرر على تقدير وجوده.

السابع : ان النهي في المنع من فضل الماء إنما يكون تنزيهيا ، فلا يندرج تحت كبرى لا ضرر.

وكل قابلة للخدشة.

اما الأول : فمضافا إلى ان عبادة وان كان من اجلاء الشيعة إلا ان الرواة عنه عاميون لم يثبت وثاقتهم : ان عبادة لم يذكر جميع اقضية النبي (ص) كيف وهو لم ينقل قضائه في قضية سمرة ، وما ذكره من لا ضرر ولا ضرار مستقلا الظاهر انه قطع قضية سمرة ، ونقل ما في ذيلها ، فلعله لم يذيل حديث الشفعة والمنع من فضل الماء ، بهذه الجملة لبنائه على التقطيع ، واتكاء على ذكرها مستقلا.

واما الثاني : فلأنه لا محذور في الالتزام بان عقبة لم ينقل هذه القضية المشهورة كما لم ينقل قضية سمرة.

واما الثالث : فلأنه ستعرف ان ضرار بمعنى التعمد في الضرر ، وهذا يلائم مع قضائه (ص) في الموردين.

مع ان الاستشهاد بالكبرى الكلية لا يجب ان يكون جميع تلك الكبرى منطبقة على ما استشهد بها له ـ مثلا ـ نرى انه (ع) في خبر البزنطي

٢٠٣

وصفوان استشهد (ع) في رجل اكره على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق ، وصدقة ما يملك بقوله (ص) وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي مَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يُطِيقُوا وَمَا أَخْطَئُوا (١) ، مع ان المنطبق على المورد خصوص ما اكرهوا ، ونرى أيضاً ، صحة ان يجاب عمن سألنا عن من ترك صلاته وهو نائم : بأنه رفع القلم عن الصبى والمجنون والنائم فليكن المقام من هذا القبيل.

وأما سائر الوجوه : فلأنه يمكن ان يلتزم بان لا ضرر ولا ضرار في الخبرين من قبيل حكمة التشريع لا العلة والوجه في الالتزام بذلك مع ان الظاهر من القضية كونها علة لزوم المحاذير المذكورة.

ودعوى انه كيف يمكن ان يكون شيء واحد مجعولا ضابطا كليا في مورد وحكمة للتشريع في مورد آخر.

تندفع بأنه لا محذور في ذلك ـ ألا ترى ـ ان نفي الحرج جعل ضابطا كليا ويرفع كل حكم لزم منه الحرج ، ومع ذلك جعل حكمة لتشريع طهارة الحديد.

فان قيل انه يلزم ان تكون الحكمة غالبية والضرر في بيع الشريك ليس غالبيا بل هو اتفاقي ، اجبنا عنه ، بان ذلك أيضاً غير لازم.

ويمكن دفع الوجه الاخير ، بأنه لا محذور في الالتزام بكون النهي لزوميا كما التزم به شيخ الطائفة ، توضيحه ان المعروف في تفسير حديث المنع من فضل الماء ، انه يراد منه ما إذا كان حول البئر كلاء ، وليس عنده ماء غيره ، ولا يتمكن أصحاب المواشي من الرعي إلا إذا تمكنوا من سقى بهائمهم من تلك

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٣ ص ٢٢٦ ح ٢٩٤٣٦.

٢٠٤

البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي ، فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي.

وفي هذا المورد قال الشيخ في المبسوط (١) : كل موضع قلنا انه يملك البئر فانه احق بمائها بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقى زروعه فإذا فضل بعد ذلك شيء وجب عليه بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من السابلة وغيرهم وليس له منع الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره من رعى الكلاء الذي يقرب ذلك الماء ، وإنما يجب عليه ذلك لشرب المحتاج إليه وشرب ماشيته فاما لسقي زرعه فلا يجب عليه ذلك لكنه يستحب انتهى.

ولتمام الكلام في هذه المسألة محل آخر.

فالمتحصّل انه لا محذور في كون هذه الجملة من تتمة الروايتين ، فلا دافع لظهورهما في ذلك.

ولكن الذي يرد عليهما ، ان الراوى فيهما عن عقبة هو محمد بن عبد الله بن هلال وهو مهمل (٢) ، فعلى هذا المتيقن هو ورود هذه الجملة في ذيل قضية سمرة ، ويحتمل ورودها مستقلة أيضاً.

__________________

(١) المبسوط ج ٣ ص ٢٨١.

(٢) ورد في معجم رجال الحديث ج ١٦ ص ٢٥٠.

٢٠٥

مفاد الحديث ومعنى مفرداته

واما المقام الثاني ، فالكلام فيه في موردين :

المورد الأول : في مفردات الحديث اعني كلمتي ، الضرر ، والضرار.

المورد الثاني : في معنى الجملة ، من جهة دخول كلمة لا على الكلمتين.

اما الأول : فالضرر ، من الالفاظ التي لها معان ظاهرة عند اهل العرف ، ويعرفها كل من مارس اللغة العربية ولاحظ موارد استعمال هذا اللفظ ، وهو خلاف النفع ، ويوافقه اللغة ، ففي معجم مقاييس اللغة ، الضر ضد النفع ، ويقال : ضره يضره ضرا ، ونحوه عن الصحاح (١) ، والنهاية الاثيرية (٢) ، والقاموس (٣)

وإليه يرجع ما عن المصباح (٤) ضره يضره من باب قتل إذا فعل به مكروها وأضرّ به يتعدى بنفسه ثلاثيا والباء رباعيا والاسم الضرر ، وجعل الكراهة اعم من المعنى المذكور خلاف ظاهر كلامه.

كما انه يمكن ارجاع ما عن القاموس (٥) من قوله بعد تفسير الضرر بما مر ، الضرر سوء الحال ، إلى ذلك.

__________________

(١) الضر خلاف النفع ، الصحاح ج ٢ ص ٧١٩.

(٢) النهاية في غريب الحديث لابن الاثير ج ٣ ص ٨١.

(٣) القاموس المحيط ج ٢ ص ٧٥.

(٤) المصباح المنير ص ٣٦٠ مادة ضرر.

(٥) القاموس المحيط ج ٢ ص ٧٥.

٢٠٦

واما ما عن المصباح (١) ، من انه قد يطلق على نقص في الاعيان ، فهو على خلاف وضعه : كما ان ما في معجم مقاييس اللغة ، من اطلاقه على اجتماع الشيء ، وعلى القوة ، خلاف وضعه ذلك كما صرح به.

وكيف كان فبما ان للضرر معنى مبينا عند العرف ويتبادر إلى الذهن عند اطلاقه ، لاوجه للرجوع إلى اللغويين ، فانه مع قطع النظر عن عدم حجية قول اللغوى : انه لو سلم حجيته فإنما هي بملاك رجوع الجاهل إلى العالم ، والرجوع إلى اهل الخبرة ، فمع فرض كون المعنى معلوما ، لا مورد للرجوع كما لا يخفى.

والذي يظهر من تتبع موارد استعمال هذا اللفظ ، انه عبارة عن النقص في النفس ، أو العرض ، أو المال ، وما شاكل من مواهب الحياة ، بل لا يبعد دعوى صدقه ، في موارد اجتماع الاسباب ، وحصول المقتضى لبعض تلك المواهب إذا منع عنه مانع.

ثم ان ظاهر جماعة من اللغويين ، ان تقابل الضرر والنفع تقابل التضاد ، وصريح المحقق الخراساني في الكفاية (٢) ان تقابلهما تقابل العدم والملكة.

ولا يتم شيء منهما.

اما الأول : فلان الضرر كما عرفت هو النقص في المال أو النفس أو العرض ، وهو ليس امرا وجوديا حتى يكون ضد النفع.

واما الثاني : فلان النفع ليس عبارة عن التمامية كي يكون التقابل بينه

__________________

(١) المصباح المنير ص ٣٦٠ مادة ضرر.

(٢) كفاية الأصول ص ٣٨١.

٢٠٧

وبين النقص الذي هو عبارة عن عدم ما من شانه التمامية ، تقابل العدم والملكة ، بل هو عبارة عن الزيادة العائدة إلى من له علاقة بما فيه الفائدة العائدة إليه ، فبين النفع والضرر واسطة ، مثلا لو اتجر شخص ولم يربح ، ولم ينقص من ماله شيء ، لا يكون هناك نفع ، ولا ضرر.

واما الضرار ، فالظاهر انه مصدر باب المفاعلة من ضاره يضاره ، وقد ذكر في معناه أمور.

الاول : انه المجازاة على الضرر ، ففي المجمع (١) ، الضرار فعال من الضر ، أي لا يجازيه على اضراره.

الثاني : انه فعل الاثنين والضرر فعل الواحد ، واحتمل الشيخ (٢) رجوعه إلى المعنى الأول.

الثالث : انه بمعنى الضرر جيء به للتأكيد ، كما صرح به جمع من اللغويين لاحظ القاموس والمصباح.

الرابع : انه إلا ضرار بالغير من دون ان ينتفع به (٣) ، والضرر ما تضربه صاحبك وتنتفع انت به.

الخامس : انه بمعنى الضيق واطلقه عليه في الصحاح (٤) بعد إطلاق الضرر

__________________

(١) مجمع البحرين ج ٣ ص ٣٧٣.

(٢) فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٣٤.

(٣) نقله في فرائد الأصول ج ٢ ص ٥٣٤.

(٤) الصحاح ج ٢ ص ٧٢٠.

٢٠٨

على سوء الحال.

السادس : انه التصدي للاضرار ، ذكره المحقق الأصفهاني (١) ، وإليه يرجع ما أفاده المحقق النائيني (ره) (٢) من انه إلا ضرار العمدي ، والتعمد على الضرر والقصد إليه.

أقول : الظاهر ارادة المعنى الاخير منه ـ لا ـ لما أفاده المحقق الأصفهاني من ان ما اشتهر بين القوم من ان الأصل في باب المفاعلة انه فعل الاثنين وان الفرق بينه وبين باب التفاعل بعد اشتراكهما في انهما فعل الاثنين ، ان باب المفاعلة هو فعل الاثنين ، مع الاصالة من طرف والتبعية من طرف آخر ، وباب التفاعل هو فعل الاثنين مع الاصالة والصراحة من الطرفين مما لا اصل له ، كما يشهد به الاستعمالات الصحيحة القرآنية وغيرها ، فان فيها ما لا يصح ذلك فيه ، وفيها ما لا يراد منه ذلك منه ذلك كقوله تعالى يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون (٣) فان الغرض نسبة الخديعة منهم إلى الله تعالى ، وإلى المؤمنين لا منهما إليهم ، وقوله تعالى وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ (٤) ويراءون ، وناديناه ، ونافقوا ، وشاقوا ، ولا تؤاخذني ، إلى غير ذلك ، وان مفاد هيئة المفاعلة غير مفاد هيئة التفاعل ، وانه لا يتقوم بطرفين ، بل هيئة المفاعلة وضعت لافادة ان التعدية إلى الآخر ملحوظة في مقام افادة النسبة ،

__________________

(١) نهاية الدراية ج ٢ ص ٧٤٨.

(٢) منية الطالب ج ٣ ص ٣٧٩.

(٣) سورة البقرة ٩.

(٤) سورة النساء الآية ١٠٠.

٢٠٩

بخلاف هيئة المجرد ، فان تلك الحيثية ولو كانت داخلة في مفادها كما في الفعل المجرد الثلاثي ، كخدع غير ملحوظة ، فإذا فعل فعلا كان اثره خداع الغير ، صدق عليه انه خدعه لا انه خادعه ، إلا إذا تصدى لخديعته فالضرار هو التصدي للاضرار.

فان هذه الأمور ليست برهانية بل لا بد فيها من الرجوع إلى اهلها ، وقد صرح اهل الفن ، بان الأصل في باب المفاعلة ان يكون فعل الاثنين ، واستعمال تلك الهيئة في غير ذلك إنما يكون مع القرينة ، كما في الامثلة المشار إليها.

بل الوجه في ارادة المعنى الاخير في الحديث ، ان فعل الاثنين لا ينطبق على مورده للتصريح فيه بان سمرة مضار ، ولم يقع المضارة بين الانصاري ، وسمرة ، كما ان ارادة المجازاة لا تنطبق عليه ، مضافا إلى عدم تعاهدها من هذه الهيئة ، والتاكيد المحض خلاف الظاهر ، والضيق ليس معناه قطعا كما هو واضح.

فيتعين ما أفاده وهو الذي يظهر بالتتبع في موارد استعماله ، مع القرينة على عدم ارادة فعل الاثنين ، كقوله تعالى : (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لتَعْتَدُوا) (١) فان قوله لتعتدوا شاهد كون الضرار هو التعمد للاضرار بقصد الاعتداء وقوله تعالى (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لهُ بِوَلَدِهِ) (٢) فان المراد به النهي عن اضرار الأم بالولد بترك الارضاع غيظا على ابيه وعن اضرار الاب بولده بانتزاعه من أمه طلبا للاضرار وقوله تعالى (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢٣١.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٣.

٢١٠

بِإِذْنِ اللهِ) (١) وكونه بمعنى التعمد في الاضرار بالسحر مما لا يخفى.

وقوله تعالى : (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضارٍّ وَصِيَّةً مِنَ الله) (٢) فان المراد النهي عن الاضرار بالورثة ، بالاقرار بدين ليس عليه ، وقوله عزوجل (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدا ضِراراً) (٣) ، وقد اخبر الله تعالى ان المنافقين بنوا المسجد الذي بنوه ضرارا وقصدوا به المضارة ولذلك كان قبيحا ومعصية ، وفي التبيان (٤) ، الآية تدل على ان الفعل يقع بالارادة على وجه القبح دون الحسن ، أو الحسن دون القبح.

وقوله عزوجل : (وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) (٥) في التبيان (٦) معناه لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير في النفقة والسكنى والكسوة وحسن العشرة لتضيقوا في السكنى والنفقة وأمر بالسعة والمضارة المعاملة بما يطلب به ايقاع الضرر بصاحبه.

وقول الامام الصادق (ع) في خبر هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) فِي رَجُلٍ شَهِدَ بَعِيراً مَرِيضاً وَهُوَ يُبَاعُ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَجَاءَ وَاشْتَرَكَ فِيهِ رَجُلٌ آخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ بِالرَّأْسِ وَالْجِلْدِ فَقُضِيَ أَنَّ الْبَعِيرَ بَرَأَ

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٠٢.

(٢) سورة النساء الآية ١٢.

(٣) سورة التوبة الآية ١٠٧.

(٤) للشيخ الطوسي ج ٥ ص ٢٩٨.

(٥) سورة الطلاق الآية ٦.

(٦) التبيان ج ١٠ ص ٣٦.

٢١١

فَبَلَغَ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ لِصَاحِبِ الدِّرْهَمَيْنِ خُمُسُ مَا بَلَغَ فَإِنْ قَالَ أريد الرَّأْسَ وَالْجِلْدَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَذَا الضِّرَار (١) فان طلب الرأس والجلد في الفرض ليس إلا بقصد الاضرار بالشريك ، وقد اطلق (ع) على الضرار.

وقول النبي (ص) في الحديث مخاطبا لسمرة ، (انك رجل مضار) (٢) ، فان المراد به انك متعمد في الاضرار بالانصارى.

وبالجملة التتبع في موارد استعمال هذه المادة المتهيئة بهيئة باب المفاعلة مع القرينة على عدم ارادة فعل الاثنين ، والتامل في الخبر يوجبان الاطمينان بان المراد بكلمة ضرار في الحديث ما أفاده العلمان ، فيكون حاصل قوله (ص) (لا ضرر ، ولا ضرار) (٣) نفي اصل الضرر ولو مع عدم التصدي للاضرار ، ونفي التصدي للاضرار.

مفاد الجملة بلحاظ تصدرها بكلمة لا

واما الثاني : وهو مفاد الجملة بلحاظ كونها متصدرة بكلمة ـ لا ـ

__________________

(١) تهذيب الاحكام ج ٧ ص ٧٩ و ٨٢ وفي نسخة وسائل الشيعة (فبلغ ثمنه دنانير) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٢٧٥. وكذا في الكافي ج ٥ ص ٢٩٣.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٩٤.

(٣) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٣٢ ح ٢٣٠٧٣ و ٢٣٠٧٤ وج ٢٥ ص ٤٢٨ ح ٣٢٢٨١ وص ٤٢٩ ح ٣٢٢٨٢ وج ٢٦ ص ١٤ ح ٣٢٣٨٢. الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ و ٢٩٢ و ٢٩٣ و ٢٩٤.

٢١٢

ودخولها على الكلمتين ، فقد ذكروا فيه وجوها.

الوجه الأول : ما يظهر من اللغويين وشراح الحديث ، واختاره صاحب العناوين (١) ، وشيخ الشريعة الأصفهاني (ره) (٢) وهو إرادة النهي من النفي ومرجعه إلى تحريم الإضرار.

الوجه الثاني : ما نسبه الشيخ الأعظم إلى بعض الفحول (٣) ، وهو ان المنفي الضرر المجرد غير المتدارك ، ولازمه ثبوت التدارك في موارد الضرر.

الوجه الثالث : ما اختاره المحقق الخراساني (٤) ، وهو كونه من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، كما في قوله لا رهبانية في الاسلام ـ ولا ربا بين الوالد والولد ـ وما شاكل ، فمفاد الحديث ، نفي الأحكام إذا كانت موضوعاتها ضررية.

الوجه الرابع : ما اختاره الشيخ الأعظم وتبعه جمع من الاساطين منهم المحقق النائيني ، وهو ان المنفي كل حكم ينشأ منه الضرر سواء أكان الضرر ناشئا من نفس الحكم كما في لزوم العقد الغبنى ، أم من متعلقه كما هو الغالب. اما بان يكون مجازا من باب ذكر المسبب ، وإرادة السبب كما يظهر من الشيخ (ره) ،

__________________

(١) العناوين الفقهية ج ١ ص ٣١٩.

(٢) في رسالته نفي الضرر ص ٢٤ ـ ٢٥.

(٣) في رسالته لا ضرر (الرسائل الفقهية) ص ١١٤. وقيل عن بعض الفحول أنه الفاضل التوني كما في تحقيق الرسائل الفقهية ولكن لم يعثر على ما يؤيده.

(٤) كفاية الأصول ص ٣٨١.

٢١٣

أو من باب الإطلاق الحقيقي نظرا إلى كون النفي تشريعيا لا تكوينيا ، كما أفاده المحقق النائيني (١) ، واما بان يكون إطلاق الضرر على الحكم الموجب له من باب الحقيقة الادعائية.

الوجه الخامس : ما هو المختار ، وهو ان المنفي كل حكم نشأ منه الضرر ، أو كان موضوعه ضرريا.

الوجه السادس : ما عن بعض الأعاظم (٢) وهو ان الحكم سلطاني.

سيمر عليك توضيحه.

اما الوجه الأول : فغاية ما قيل في توجيهه انه كما يصح الأخبار عن وجود الشيء في مقام الأمر به ، كذلك يصح الأخبار عن عدم شيء في مقام النهي عنه ، وقد شاع استعمال النفي وإرادة النهي ، كما في قوله تعالى (فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِ) (٣) وقول رسول الله (ص) (لا سبق إلا في خف أو حافر) (٤) وقوله (ص) (لا هجرة فوق ثلاث) (٥) وقوله (ص) لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام (٦) وقوله (ص) (لا منع ، ولا إسراف ، ولا بخل ،

__________________

(١) منية الطالب ج ٣ ص ٢٩٤.

(٢) الرسائل ج ١ ص ٥٧.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩٧.

(٤) وسائل الشيعة ج ١١ ص ٤٩٣ ح ١٥٣٥٢.

(٥) وسائل الشيعة ج ١٢ ص ٢٦٠ ح ١٦٢٥١. الكافي ج ٢ ص ٣٤٤.

(٦) وسائل الشيعة ج ٢٠ ص ٣٠٣ ح ٢٥٦٨٠.

٢١٤

ولا اتلاف) (١) ونحوها غيرها من الجملات الناهية بلسان النفي ، وهي كثيرة.

وهذا الوجه وان كان يكفي في رد المحقق الخراساني (٢) حيث قال ، وإرادة النهي من النفي لم يعهد من مثل هذا التركيب.

إلا انه لا يفي بإثبات المطلوب : وذلك لان إرادة النهي من النفي إنما يكون بأحد وجهين.

أحدهما : استعمال الجملة في مقام الأخبار عن عدم تحقق ما تصدر بكلمة لا ، في الخارج كناية عن مبغوضيته ، وحرمته ، نظير الأخبار عن ثبوت الشيء في الخارج كناية عن محبوبيته ، وفي هذا التعبير الكنائى لطف ، ويفيد المراد بوجه آكد ، ألا ترى انه لو كان الاب في مقام بيان زجر ابنه عن الكذب ، قال لا كذب في بيتى ، يكون آكد في افادة المراد بحسب المتفاهم العرفي.

ثانيهما : ان يكون ما صدره لا النافية ، محكوما بالجواز في الشرائع السابقة ، أو عند العقلاء ، واريد نفي ذلك الحكم في الشريعة المقدسة كما في (لا شغار في الاسلام) (٣) ، (ولا رهبانية في الاسلام) (٤) (ولا رأى في الدين) (٥) فان الأول ، وهو ان يقول الرجل للرجل زوجني ابنتك حتى ازوجك ابنتي على ان لا

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٢٩٦. مستدرك الوسائل ج ١٥ ص ٢٦٦.

(٢) كفاية الأصول ص ٣٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ج ٢٠ ص ٣٠٤ ح ٢٥٦٨٠.

(٤) دعائم الاسلام ج ٢ ص ١٩٣.

(٥) وسائل الشيعة ج ٢٧ ص ٥١ ح ٣٣١٨٤.

٢١٥

مهر بينهما كان امرا متعارفا عند العقلاء ، وكذلك القياس والرأى وقد نفاهما الشارع ، والرهبانية كانت مشروعة في الشريعة السابقة ، فقد نفي شرعيتها في الاسلام.

وشيء منهما لا مورد له في الحديث ، اما الأول : فلان حمل اللفظ ، أو الهيئة والجملة على ارادة المعنى الكنائى ، خلاف الظاهر لا يلتزم به إلا مع عدم إمكان ارادة المعنى الحقيقي ، أو القرينة على عدم ارادته ، كما في قوله تعالى ، لا رفث ، ولا فسوق ، ولا جدال في الحج.

واما الثاني : فلان الاضرار بالغير لم يكن جائزا في شريعة من الشرائع السابقة ، ولا عند العقلاء ، فارادة النهي من النفي في الحديث لا تصح.

أضف إلى ذلك كله ، انه في بعض الروايات كلمة ، في الاسلام ، موجودة في ذيل قوله (ص) (لا ضرر ولا ضرار) (١) ، وهي ظرف لغو متعلق بفعل عام مقدر ، وهو ، موجود ، وهذا لا يلائم مع ارادة النهي من كلمة لا ، بان يكون معنى الحديث ، حرمة الاضرار في الاسلام : إذ الاسلام لا يكون ظرفا لا ضرار الناس بعضهم ببعض ، إلا على تكلف بعيد.

مع ان ارادة النهي من الحديث ، لا يلائم مع قضية سمرة ، إذ حرمة الاضرار ، لا تنطبق على ما امر (ص) به ، من قلع الشجرة ، والرمى بها وجهه كما هو واضح ، فهذا الوجه ضعيف.

واما الوجه الثاني : فغاية ما قيل في توجيهه ، ان الاصحاب ذكروا في باب

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ٢٦ ص ١٤ ح ٣٢٣٨٢.

٢١٦

الضمان انه لو تلف العين المضمونة يجب على الضامن تداركها اما بالمثل أو القيمة ، وذكروا ان ذلك بمنزلة نفس العين التي يجب اداؤها ، بمقتضى حديث على اليد ـ وعليه ـ فإذا حكم الشارع الاقدس بلزوم تدارك الضرر ، صح تنزيل الضرر الموجود منزلة المعدوم ، ويقال لا ضرر.

وأورد عليه الشيخ الأعظم (ره) (١) ، بان الضرر الخارجي ، لا ينزل منزلة العدم بمجرد حكم الشارع بلزوم تداركه ، وإنما المنزل منزلته الضرر المتدارك فعلا.

وفيه : ان المدعي يدعي ان الشارع يحكم باشتغال الذمة بالبدل ، فكأنه يكون البدل موجودا في الخارج فعلا ، لا انه حكم بوجوب التدارك تكليفا محضا.

والصحيح ان يورد عليه : بان اشتغال الذمة ، وان صح جعله ، منشأ للتنزيل لكنه نفي تنزيلي لا حقيقي ، وهو خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا مع القرينة.

مع انه يلزم من الالتزام بذلك تأسيس فقه جديد : فان مجرد الاضرار بالغير من دون اتلاف مال منه لا يوجب الضمان ـ ألا ترى ـ انه لو تضرر تاجر باستيراد تاجر آخر اموالا كثيرة ، لم يجب تداركه لا تكليفا ، ولا وضعا.

واما الوجه الثالث : فقد افاد المحقق الخراساني (٢) في توجيه كونه الظاهر

__________________

(١) نقله المحقق العراقي في قاعدة لا ضرر ص ١٤٠.

(٢) كفاية الأصول ص ٣٨١.

٢١٧

من الحديث ، بان الظاهر ان يكون لا لنفي الحقيقة ، كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاءً كناية عن نفي الآثار كما هو الظاهر من مثل (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) (١) (ويا اشباه الرجال ولا رجال) (٢) فان قضية البلاغة في الكلام هو ارادة نفي الحقيقة ادعاءً لا نفي الحكم أو الصفة ، والمنفي في الحديث هو الضرر ، وحيث لا يمكن ارادة نفي الحقيقة ، حقيقة فليكن من قبيل نفي الحقيقة ادعاءً بلحاظ نفي الحكم والآثار ، فمفاد الحديث ، نفي الموضوع الضرري بلحاظ نفي حكمه.

والمتأخرون عنه أوردوا عليه بإيرادات :

الإيراد الأول : ما أفاده جماعة ، وحاصله ، ان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، إنما يصح في موارد ثلاثة.

المورد الأول : كون الموضوع المنفي بنفسه ، ذا حكم شرعي بحسب ، عموم دليل أو إطلاق شامل له كما في قول الإمام أمير المؤمنين (ع) (ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا) (٣) فان الربا محكوم بالحرمة بحسب الأدلة ، فيكون حينئذ دليل النفي ناظرا إلى نفي شموله له بنفي انطباق موضوعه عليه.

المورد الثاني : كون العنوان المنفي علة للفعل الذي هو موضوع للحكم

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ١٤٨.

(٢) نهج البلاغة ص ٧٠ / الاحتجاج ج ١ ص ١٧٣ / الغارات ج ٢ ص ٣٢٥.

(٣) الكافي ج ٥ ص ١٤٧ / وسائل الشيعة ج ١٨ ص ١٣٥ ح ٢٣٣١٩.

٢١٨

بحسب عموم دليل أو إطلاق ، كما في قول رسول الله (ص) (رفع عن امتى تسعة اشياء ، الخطاء ، والنسيان الحديث) (١) فيكون النفي ، نفيا للمعلول ، بلسان نفي علته فيدل على ان الفعل الصادر في حال الخطاء أو النسيان ، كانه لم يصدر في الخارج فيرتفع عنه الحكم.

المورد الثالث : ما إذا كان العنوان المنفي عنوانا ثانويا للموضوع ذى حكم ، كعنوان الطاعة ، في قوله (ع) : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٢).

والمقام لا يكون من قبيل شيء من هذه الموارد :

اما الأول : فلأنه ان أريد نفي الحكم المترتب على الضرر بنفسه ، لأدى ذلك إلى خلاف المقصود ، ويستلزم جواز الاضرار بالغير ، لعدم كونه حينئذ ضررا شرعا ، أضف إليه ان موضوع الحكم يمتنع ان يكون رافعا له لكونه مقتضيا له ، وان أريد منه نفي الحكم المترتب على الفعل المعنون بعنوان الضرر ، فيرده ان الضرر ليس عنوانا للفعل ، بل هو مسبب عنه ومترتب عليه.

واما الثاني : فلان الضرر ليس علة للفعل ، بل هو معلول له ومسبب عنه.

واما الثالث : فلما اشير إليه من ان الضرر لا يحمل على الفعل الخارجي ، كالوضوء ، والصوم ، وما شاكل ، بل هو مسبب عنه ومترتب عليه ، وعلى الجملة ما هو موضوع الحكم ، هو العنوان المنطبق على الفعل الخارجي لم يرد عليه النفي ، وما ورد عليه النفي لم يرفع حكمه قطعا.

__________________

(١) تحف العقول ص ٥٠.

(٢) وسائل الشيعة ج ١١ ص ١٥٧ ح ١٤٥١٧ / دعائم الاسلام ج ١ ص ٣٥٠.

٢١٩

ويتوجه عليه ان نفي العنوان الثانوي تشريعا واخراجه عن عالم التشريع ، تارة يكون حقيقيا ، واخرى يكون من قبيل نفي المسبب بلسان نفي السبب ، والمقام من قبيل الثاني ، لان هذا المقدار من خلاف الظاهر مما لا بد من الالتزام به ، حتى على مسلك المستشكلين ، الذي اختاروه تبعا للشيخ ، من ان المنفي هو الحكم الضرري ، إذ الحكم أيضاً سبب للضرر ، فلو أريد نفي الحكم الضرري لا محالة يكون نفيا للمسبب بلسان نفي سببه.

ودعوى ان الحكم سبب توليدي وعلة للضرر ، والمسبب التوليدي من العناوين المنطبقة على السبب مثلا الاحراق الذي هو مسبب توليدي ينطبق على سببه وهو الالقاء ، فإذا كان الحكم سببا للضرر ، ينطبق عنوان الضرر على الحكم فعلى هذا المسلك لا يلزم الالتزام بخلاف الظاهر بخلافه على المسلك الآخر ، كما عن المحقق النائيني (ره) (١).

غريبة : فان المسبب التوليدي في المثال ليس هو الاحراق ، فانه وصف منتزع من ترتب الحرقة عليه ، بل المسبب هو الحرقة ، وهي لا تنطبق على الالقاء. وبالجملة ، السبب والمسبب موجودان منحازان لا يعقل انطباقهما على شيء واحد ، فالضرر ينشأ من الحكم ولا ينطبق عليه وإنما المنطبق على الحكم عنوان المضر والضار.

بل ارادة نفي الموضوع الضرري ، اظهر من ارادة نفي الحكم الضرري ، فان الموضوع سبب للضرر ونفي المسبب بنفي سببه شائع ، واما الحكم فقد

__________________

(١) منية الطالب ج ٣ ص ٣٨٥.

٢٢٠