زبدة الأصول - ج ٥

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-38-1
الصفحات: ٥٦٣

الايراد الرابع : ما أفاده صاحب الحاشية (ره) (١) ، وهو ان العلم الإجمالي بالجامع ملازم للعلم الإجمالي بإحدى الخصوصيتين ، أي خصوصية اللابشرطية ، وخصوصية بشرط شيء ، بالاضافة إلى الجزء المشكوك فيه ، والعلم الإجمالي الأول وان انحل ، إلا ان الثاني باق فيجب الاحتياط. وهذا نظير العلم بوجوب الظهر أو الجمعة ، فإن العلم بوجوب الجامع بينهما وان كان ينحل ، إلا ان العلم بإحدى الخصوصيتين لا ينحل.

وفيه : ان معنى اللابشرطية هو رفض القيود ، ولا يكون هو بنفسه من القيود ، والخصوصيات اللازم تحصيلها ، والإتيان بها ، وهذا بخلاف المثال ، فإن كلا من الخصوصيتين لازم الإتيان على فرض كونها متعلقة للتكليف.

الايراد الخامس : انه بناءً على مسلك العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات ، نعلم ثبوت مصلحة ملزمة في الأقل ، أو الأكثر ، وحيث انه لازم الاستيفاء بحكم العقل ، وليست ذات أجزاء بل هو امر واحد مترتب على تمام المأمور به ، فلا بد من الاحتياط بإتيان الأكثر ، إذ لا يعلم بحصولها عند الاقتصار على الإتيان بالاقل.

وأجاب عنه الشيخ الأعظم (ره) (٢) بجوابين :

الجواب الأول : ان البحث عن جريان البراءة ليس مبتنيا على خصوص مسلك العدلية القائلين بالتبعية ، فلنفرض الكلام على مسلك الاشعري الذي

__________________

(١) الأصفهاني في حاشيته على المعالم المسماة هداية المسترشدين ص ٤٠٦.

(٢) فرائد الأصول ج ٢ ص ٤٦١.

١٠١

لا يقول بالتبعية.

والظاهر ان هذا الجواب سهو من قلمه الشريف فإن مسلكه (قدِّس سره) مسلك العدلية.

الجواب الثاني : ان الغرض لا يمكن تحصيل القطع بحصوله على التقديرين ، اما على تقدير الاقتصار على الأقل فواضح ، واما على تقدير الإتيان بالاكثر فلأنه ، اما ان يأتي به بقصد الأمر الجزمي ، أو يأتي به بقصد الأمر الاحتمالي ، اما الأول : فتشريع محرم ، لا يحتمل معه حصول الغرض ، واما الثاني : فلاحتمال اعتبار قصد الوجه في حصوله. وعليه فلا يجب تحصيل القطع بحصول الغرض. فلا يبقي الا رعاية الأمر وقد مر الانحلال فيه.

وفيه اولا : ان لازم ذلك لزوم الاحتياط في التوصليات ، دون التعبديات ، لامكان تحصيل القطع بحصول الغرض فيها ، بإتيان الأكثر.

وثانيا : ان قصد الوجه لا يكون معتبرا ، وعلى فرض الاعتبار إنما يكون في الواجب النفسي الاستقلالي ، ولا يعتبر قصد وجه الجزء أيضاً ، كما مرَّ في أوائل هذا الجزء. (١)

واما ما في الكفاية (٢) من ان لازم احتمال عدم حصول الغرض ، لاحتمال دخل قصد الوجه ، احتمال بقاء الأمر وعدم سقوطه بإتيان الأقل لكونه معلولا له ، وعليه فلا علم بسقوط الأمر بإتيان الأقل ، حتى يوجب انحلال العلم.

__________________

(١) راجع الجزء الرابع من هذه الطبعة (جواز الامتثال الإجمالي) ص ١١٣ ـ ١١٥.

(٢) كفاية الأصول ص ٢٧٤.

١٠٢

فيرد عليه : ان الشيخ الأعظم يدعي ان تحصيل الغرض لعدم التمكن من احرازه لا يجب فاللازم هو مراعة الأمر خاصة ، وهي تقتضي الإتيان بالاقل على كل تقدير ، وهو يوجب الانحلال.

وان شئت قلت ان ترك تحصيل الغرض بترك الأقل معاقب عليه قطعا وبترك الزائد مشكوك فيه فيقبح العقاب عليه.

وأجاب المحقق النائيني (ره) (١) عن اصل الإشكال بأنه قد يكون الغرض الداعي إلى الأمر بشيء مترتبا على المأمور به ترتب المعلول على علته التامة كترتب القتل على فرى الاوداج ، وقد يكون كترتب المعلول على علته المعدة بحيث يتوسط بينهما امر غير اختياري كترتب حصول الثمرة على الزرع.

وفي الأول بما ان الغرض اختياري ، وهو المطلوب بالاصالة ، لا بد من تحصيله من غير فرق بين ان يتعلق الأمر ، بالسبب ، أو المسبب. وفي الثاني لا يجب تحصيله ، ولا يصح تعلق التكليف به ، هذا بحسب مقام الثبوت.

واما في مقام الاثبات فإن أحرز احد الامرين فهو ، وإلا فمن تعلق الأمر بالسبب دون المسبب ، يستكشف انه من قبيل الثاني ، إذ لو كان من قبيل الأول كان المتعين هو الأمر بالمسبب. ويترتب على ذلك ان نسبة المصالح إلى الواجبات الشرعية نسبة المعاليل إلى علله المعدة ، وحينئذٍ فالواجب على المكلف الإتيان بالمأمور به ، ولا يكون مكلفا بتحصيل الغرض ، فلو تردد الأمر بين الأقل والأكثر لم يكن مانع من الرجوع إلى البراءة في الأكثر.

__________________

(١) نسب إليه ذلك السيد الخوئي في الهداية في الأصول ج ٣ ص ٤٤٣.

١٠٣

وفيه : ما مر في مبحث الصحيح والأعم ، ان الغرض المترتب على المأمور به غرضان ، الغرض الاقصى ، والغرض الاعدادي ، والذي يتخلف عن المأمور به هو الأول دون الثاني ، وترتب الثاني على المأمور به إنما يكون من قبيل ترتب المعلول على علته التامة ، فلا بد من تحصيله ، وإنما لم يأمر به الشارع من جهة ان المكلفين لا يفهمونه ، ولا يدرون ما يحصله.

وبالجملة : ان المعد لذلك الغرض الاقصى الخارج عن تحت اختيار المكلف ، هو الحصة الخاصة من الفعل ، وهي التي تكون معدة ، وهذا الغرض الاعدادي سبب للأمر بالفعل ، وهو داخل تحت الاختيار ، فلا بد من تحصيله ، فراجع ما حققناه. فإذا تردد المأمور به بين الأقل والأكثر فلا محالة يشك في ان الأقل هل يكون موجبا لحصول الغرض أم لا؟ فيجب الإتيان بالاكثر تحصيلا للقطع بحصوله.

والصحيح في الجواب عن اصل الإشكال ان الغرض والمسبب المترتب على الفعل ، تارة يكون بنفسه متعلقا للحكم كما إذا امر المولى بقتل شخص او امر بتمليكه ، ففي مثل ذلك لا بد للمكلف من احراز حصوله بإتيان ما يكون محصلا قطعا ، واخرى يكون متعلق التكليف هو الفعل المحصل والسبب ، وهو على قسمين

القسم الاول : ما يكون المكلف به هو المسبب والغرض بحسب المتفاهم العرفي ، ويكون التكليف به عرفا تكليفا بالغرض والمسبب ، كما لو امر المولى بضرب عنق زيد فإنه يفهم العرف ان المكلف به هو القتل. وفي مثل ذلك أيضاً لا بد للمكلف من احراز حصوله بإتيان ما يحصله يقينا ، فلو شك في حصول القتل بضرب عنقه مرة واحدة لا بد من تحصيل العلم بتحقق القتل.

١٠٤

القسم الثاني : ما يكون المكلف به عند العرف هو السبب والمحصل دون الغرض والمسبب. بل هما مما يغفل عنه العامة ولا يلتفت إليه إلا الاوحدي من الناس ، كما في العبادات ، أو وان كان مما يلتفت إليه كما في الطهارة الحدثية على القول بأنها امر معنوى متحصل من الأفعال الخاصة ، ولكن المحصل لها بيانه وظيفة المولى ولا يفهمه العرف ، ففي مثل ذلك لا بد للمكلف من الإتيان بما امر به.

واما كون المأتي به وافيا بغرض المولى فهو من وظائف المولى.

وبعبارة أخرى : ان العقل يحكم بوجوب الإتيان بما بينه المولى. وعلى فرض عدم تمامية البيان من قبل المولى ، لا يكون تفويت الغرض مستندا إلى العبد ، فلا يكون مستحقا للعقاب ، فحينئذ بالمقدار الواصل من المحصل وهو الأقل حيث انه وصل ، وبتركه يفوت الغرض قطعا ليس للعبد تركه. واما المقدار الذي لم يصل وهو الأكثر ، فالعقل لا يلزم العبد بتحصيله ، ولا يحكم بحرمة تفويته إذ التفويت المستند إلى عدم بيان المولى يقبح العقل العقاب عليه.

وبعبارة أخرى : ان الغرض كالامر والتكليف ، فكما ان التكليف الذي قام عليه البيان لا بد من اطاعته ، وما لم يقم عليه بيان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان. وفي ما نحن فيه حيث ان التكليف بالقياس إلى الأقل واصل فلا بد للمكلف من اطاعته ويصح العقاب على مخالفته ، وبالنسبة إلى الأكثر لم يصل فيقبح العقاب عليه. كذلك بالقياس إلى الغرض ، فإنه على تقدير ترتبه على الأقل كان الحجة عليه تامة وبتركه يفوت الغرض قطعا فيصح العقاب عليه.

١٠٥

وعلى تقدير ترتبه على الأكثر لم يقم عليه بيان من المولى ، فلا يلزم العقل بالإتيان به ، وكان العقاب على تفويته بترك الأكثر عقابا بلا بيان لكونه مستندا إلى عدم بيان المولى لا إلى تقصير العبد ، وتحصيل الغرض الذي لم يبينه المولى غير واجب ، والعقل يرى العقاب على تفويت هذا الغرض عقابا بلا بيان.

وبالجملة الغرض لا يزيد على الأمر فإذا لم يصل محصله إلى العبد ، ولم يجعل الشارع وجوب الاحتياط عند احتماله يستكشف من ذلك ان هذا الغرض ليس بحد من اللزوم يجب تحصيله على كل حال ، بل لو وصل يجب تحصيله ، وما دام لم يصل يكون العبد في فسحة منه وتفويته غير موجب للعقاب ، وحيث ان وجوب الأكثر لم يصل ففوت الغرض ان كان مستندا إلى تركه لا يكون موجبا للعقاب.

هذا كله بناءً على تبعية الأحكام للمصالح في المتعلقات ، واما بناءً على تبعيتها لمصالح في الجعل وفي انفسها كما هو الشأن في الأحكام الوضعية ، حيث مال إليه المحقق الخراساني (ره) (١) فالإشكال مندفع من اصله.

فالمتحصّل : انه لا مانع من جريان البراءة العقلية في الأكثر ، أي الزائد عن الأقل.

__________________

(١) أشار إليه في كفاية الأصول ص ١٥٧.

١٠٦

جريان البراءة الشرعية في الأقل والأكثر

واما الجهة الثانية : وهي جريان البراءة الشرعية وعدمه.

فبناء على ما اخترناه من جريان البراءة العقلية ، فلا ريب في جريان البراءة الشرعية ، لان تعلق التكليف بالجزء المشكوك فيه غير معلوم ، فيرفعه حديث الرفع (١) وغيره من أدلة البراءة. ولا يعارضه ان تعلق التكليف بخصوص الأقل غير معلوم فهو مرفوع ، لان تعلقه بالاقل ، اما استقلالا أو ضمنا معلوم ، والشك إنما هو في تعلقه بالاكثر.

والإيراد على شمول دليلها للجزء المشكوك فيه : تارة : بأن الجزئية ليست بمجعولة ولا لها أثر مجعول فلا تشملها أدلة البراءة. واخرى : بأن ارتفاعها إنما يكون برفع منشإ انتزاعها وهو الأمر بالمركب ، ولا دليل آخر على الأمر بالخالي عنه ، تقدم الجواب عنهما في حديث الرفع.

واما بناءً على عدم جريان البراءة العقلية فهل تجري البراءة الشرعية أم لا؟

وجهان : ذهب المحقق الخراساني (ره) (٢) والمحقق النائيني (ره) (٣) إلى الأول.

ولكن بما ان المانع المهم عن جريانها احد الامرين ، لزوم تحصل الغرض ،

__________________

(١) إشارة إلى حديث (رفع عن أمتي تسع .. الخ. وسائل الشيعة ج ١٥. ص ٣٦٩ ح ٢٠٤٦٩.

(٢) كفاية الأصول ص ١٤٢.

(٣) فوائد الأصول للنائيني ج ٤ ص ١٥١.

١٠٧

ما افاده المحقق النائيني (ره) (١) من انه يلزم منه انحلال العلم الإجمالي بنفسه ، فلو تم هذان الوجهان أو أحدهما لزم عدم جريان البراءة الشرعية أيضاً.

ولم يفد ما أفاده المحقق الخراساني (ره) (٢) من ان عموم مثل حديث الرفع قاض برفع جزئية ما شك في جزئيته ، فبمثله يرتفع الاجمال والتردد عما تردد امره بين الأقل والأكثر ويعينه في الأول.

ولاما أفاده المحقق النائيني (ره) (٣) من ان مفاد حديث الرفع ونحوه عدم التقييد في مرحلة الظاهر فيثبت الإطلاق ظاهرا ، لان الإطلاق والتقييد ليسا من قبيل المتضادين كي يكون اثبات احد الضدين برفع الآخر من الأصل المثبت ، بل بما ان التقابل بينهما من قبيل تقابل العدم والملكة ، فالاطلاق عدم التقييد في مورد كان صالحا للتقييد.

فحديث الرفع بمدلوله المطابقي يدل على إطلاق الأمر بالاقل وعدم قيدية الزائد ، وبذلك يتحقق الامتثال القطعي للتكليف المعلوم بالإجمال.

اما الوجه الأول : فلان غاية ما يرفع بحديث الرفع ونحوه ، إنما هو جزئية ما شك في جزئيته ظاهرا. واما ان الغرض مترتب على الأقل فلا يثبت بذلك لان كون الغرض مترتبا على الأقل لازم عقلي لرفع الجزئية واقعا. وحيث ان الأصول لا تكون حجة في مثبتاتها ، فلا يثبت بحديث الرفع ونحوه ترتب الغرض على الأقل ، فإذا لم يثبت ذلك ، ومقتضى العلم الإجمالي لزوم تحصيله والقطع

__________________

(١) أجود التقريرات ج ٢ ص ٢٨٨. وج ٣ ص ٤٩٢.

(٢) كفاية الأصول ص ٣٦٦. ومثله صاحب الأصول المهذبة في صفحة ١٠٢.

(٣) نسبه إليه تلميذه السيد الخوئي (قدِّس سره) في مصباح الأصول ج ٢ ص ٤٣٩.

١٠٨

به بإتيان الأكثر فلا يفيد جريان البراءة الشرعية شيئا.

وعلى الجملة حديث الرفع ونحوه لا يوجب عدم جواز اتيان الأكثر ، وإنما يدل على عدم وجوبه ، ومقتضى العلم الإجمالي بالغرض الملزم لزوم الإتيان بالاكثر فلا تنافي بينهما لان ما لا اقتضاء فيه لا يعارض ما له الاقتضاء.

وبعبارة أخرى : حيث انه لا يثبت بحديث الرفع ونحوه من أدلة البراءة ترتب الغرض على الأقل ، وإنما تدل على رفع جزئية المشكوك فيه ظاهرا وانه من ناحية التكليف لا عقاب على ترك الأكثر.

واما من ناحية الغرض فلا تعرض لها ، ومقتضى لزوم تحصيل الغرض والقطع به على كل حال لزوم الإتيان بالاكثر ، فبناء على عدم جريان البراءة العقلية لأجل لزوم تحصيل الغرض ، لا تجري البراءة الشرعية أيضاً ، فالتفكيك في غير محله.

واما الوجه الثاني : فلأن جريان البراءة عن تقييد الأقل بانضمام الجزء المشكوك فيه لا يثبت تعلق التكليف بالاقل على نحو الإطلاق ، فلا ينحل العلم الإجمالي بذلك. ومع بقاء العلم الإجمالي ، لا بد من القطع بامتثاله بإتيان الأكثر ، وكون التقابل بين الإطلاق والتقييد من قبيل تقابل العدم والملكة ، لا يغني شيئا في المقام ، لان ذلك إنما هو في مقام الاثبات. واما في مقام الثبوت فالتقابل بينهما من قبيل تقابل التضاد ، لان الإطلاق بحسب مقام الثبوت عبارة عن لحاظ الطبيعة بنحو السريان واللابشرط القسمي ، والتقييد عبارة عن لحاظها بشرط شيء.

وعلى هذا فلا يمكن اثبات الإطلاق بنفي التقييد ومعه لا ينحل العلم

١٠٩

الإجمالي ، وهو يقتضي لزوم الاحتياط فلا تجري البراءة النقلية كالبراءة العقلية.

فالمتحصّل مما ذكرناه ان التفكيك بين البراءة العقلية والنقلية ، وجريان الثانية دون الأولى كما اختاره العلمان (١) في غير محله.

كما ظهر مما ذكرناه من انحلال العلم الإجمالي حكما ، وعدم لزوم تحصيل الغرض إلا بإتيان ما بينه الشارع محصلا ، انه تجري البراءة العقلية والنقلية.

حول التمسك بالاستصحاب لكل من القولين

ثم انه ربما يتمسك بالاستصحاب في المقام لكل من القول ، بالبراءة ، والاشتغال.

اما الأول : فتقريبه ان جزئية المشكوك فيه ، وتعلق الأمر به لم تكن في أول الشريعة مجعولة قطعا ، والشك إنما هو في الجعل فيجري استصحاب عدم الجعل ، ويثبت به عدم المجعول.

وقد مر في مبحث البراءة ما يمكن ان يورد على هذا الأصل ، والجواب عنه.

والإيراد عليه ، كما عن الأستاذ (٢) بأنه بعد العلم بتعلق التكليف بالاقل ، اما مطلقا ، أو مقيدا بالجزء المشكوك فيه يقع التعارض بين استصحاب عدم التقييد ، واستصحاب عدم جعل التكليف بالاقل على نحو الإطلاق فيتساقطان.

__________________

(١) المحقق الخراساني والنائيني.

(٢) السيد الخوئي (قدِّس سره) في دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٤٣٥.

١١٠

يندفع بأن استصحاب عدم جعل التكليف على نحو الإطلاق لا أثر له ، لوجوب الإتيان بالاقل على كل تقدير.

وفي جريان استصحاب الحكم ، وعدمه يعتبر وجود أثر عملي وترتبه عليه ، فلا يجري ، فيجري أصالة عدم جعل التكليف بالمقيد بلا معارض.

واما الثاني : فتقريبه ان وجوب الواجب المردد بين الأقل والأكثر معلوم ، وامره بعد الإتيان يدور بين ما هو مقطوع الارتفاع : إذ على تقدير تعلقه بالاقل فقد ارتفع ، وعلى تقدير تعلقه بالاكثر ، فهو باق فيستصحب ويحكم ببقائه بناءً على ما هو الحق من جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

وفيه : ان هذا الأصل وان كان في نفسه جاريا إلا ان في المقام أصلاً آخر حاكما عليه وهو أصالة عدم تعلق التكليف بالاكثر ، غير المعارض بأصالة عدم تعلقه بالاقل لأنه لا يجري : لعدم الأثر.

وللبحث في ان استصحاب الكلي في الأحكام ، محكوم للأصل الجاري في الفرد محل آخر وقد اشبعنا الكلام فيه في الجزء الرابع (١).

فالمتحصّل مما ذكرناه ان مقتضى ، البراءة العقلية ، والنقلية ، والاستصحاب عدم وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر.

__________________

(١) حسب الطبعة الاولى وفي هذا الجزء حسب الطبعة الحالية (الثانية) ، كما سيأتي

١١١

دوران الأمر بين الأقل والأكثر في الأجزاء التحليلية

واما الموضع الثاني : وهو دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المركبات التحليلية فملخص القول فيها انها على أقسام ثلاثة :

القسم الأول : ان يكون ما يحتمل دخل التقييد به في المأمور به موجودا مستقلا منحازا عنه كالطهارة للصلاة.

القسم الثاني : ان لا يكون له وجود منحاز ، ولا يكون من مقوماته ، بل يكون نسبته إليه نسبة الصفة إلى الموصوف كالايمان بالنسبة إلى الرقبة.

القسم الثالث : ان يكون مقوما له ويكون نسبته إليه نسبة الفصل إلى الجنس ، كما إذا دار الأمر بين وجوب اطعام الحيوان ، أو خصوص الإنسان.

والشيخ الأعظم (١) عبر عن الجميع بالمركبات التحليلية ، والمحقق الخراساني في التعليقة (٢) ، عبر عن القسم الأول والثاني بالأجزاء الذهنية ، وعن الثالث بالجزء التحليلي ، وفي الكفاية (٣) تبع الشيخ.

والمحقق النائيني (٤) خص المركب التحليلي بالقسم الثالث.

ولا يهمنا البحث في ذلك ، إنما المهم هو البحث في جريان البراءة وعدمها.

__________________

(١) فرائد الأصول ج ٣ ص ١٣٧.

(٢) درر الفوائد للآخوند (الجديدة) ص ٣٧٨.

(٣) كفاية الأصول ص ٣٦٧.

(٤) فوائد الأصول (تقريرات النائيني للكاظمي) ج ٤ ص ٢٠٧.

١١٢

اما البراءة العقلية ففي الكفاية بعد اختياره عدم جريانها في شيء من الأقسام ، قال (١) : بداهة ان الأجزاء التحليلية لا تكاد تتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا ، فالصلاة مثلا في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها ، وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون مباينة للمأمور بها انتهى.

ويرد عليه ما عرفت من ان جريان البراءة لا يتوقف على الانحلال ، بل يتوقف على العلم بتعلق التكليف بالطبيعي ، والشك في تعلقه بالخصوصية الزائدة ، وعدم معارضة الأصل الجاري في المقيد ، والمشروط ، والخاص بالأصل الجاري في المطلق.

والمقام كذلك ، فإن تعلق التكليف في هذه الأقسام بالطبيعي معلوم ، وامره مردد بين تعلقه بالمطلق أو المقيد ، وحيث ان التقييد كلفة زائدة ، فيرتفع بالأصل ، ولا يجري الأصل في الإطلاق ، لأنه يقتضي التوسعة لا التضييق ، وليس فيه كلفة زائدة حتى ترتفع بالأصل.

وان شئت قلت : ان عدم الإتيان بالطبيعي الجامع موجب لاستحقاق العقاب قطعا لأنه يوجب ترك الواجب على كل تقدير ، واما لو أتى به من دون القيد فالعقاب عليه لا يكون عقابا مع البيان فيكون قبيحا.

وبعبارة أخرى : ترك الواجب على فرض لزوم المقيد مستند إلى عدم البيان لا إلى تقصير العبد كي يستحق العقاب.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٦٧.

١١٣

مع ان الكلي الطبيعي موجود في الخارج ، ونسبته إلى الأفراد نسبة الاب الواحد إلى الابناء ، لا نسبة الآباء إلى الابناء.

وعليه فهو يتصف في الخارج بوصف الكثرة ، لا بوصف التباين إذ الطبيعي من حيث هو لا واحد ولا متعدد ، وإنما يكون مع الواحد واحدا ومع المتعدد متعددا.

مثلا : الإنسان الموجود في الخارج في ضمن زيد ليس مغايرا ومباينا لما هو الموجود في ضمن بكر ، بل الطبيعي متكثر في ضمنها لا متباين ، وعليه فيصح ان يقال ان تعلق التكليف بالطبيعي معلوم ، وبالخصوصية مشكوك فيها فتجري فيها البراءة.

أضف إلى ذلك كله ان متعلق التكاليف إنما هو الماهيات والعناوين دون المصاديق الخارجية كما مر تحقيقه ، والبراءة إنما تجري في متعلق التكليف لا فيما يحصل به الامتثال فلا يكون مجرى البراءة من قبيل المتباينين بل من قبيل الأقل والأكثر.

فالمتحصّل مما ذكرناه انه لا مانع من جريان البراءة العقلية في شيء من الأقسام الثلاثة.

واما البراءة الشرعية فلم يستشكل احد في جريانها في القسمين الاولين ، وقد استشكل المحققان الخراساني والنائيني (ره) في جريانها في القسم الثالث وذهبا إلى انه لا تجري البراءة الشرعية فيه.

١١٤

وقد استدل المحقق الخراساني (ره) (١) له : بأن خصوصية الخاص ليست كخصوصية الاقتران بالطهارة مثلا جعلية ، كي يمكن رفعها بأدلة البراءة وإنما تكون منتزعة عن نفس الخاص فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين.

وفيه : ان المأمور به يمكن ان يكون هو الطبيعي بلا دخل للخصوصية فيه ، ويمكن ان يكون الخاص ، والخصوصية وان كانت منتزعة عن نفس الخاص غير قابلة للرفع والوضع ، إلا انها بالاعتبار المذكور يكون اعتبارها في المأمور به قابلا لهما ، وعليه فمقتضى حديث الرفع عدم دخلها فيه فيكتفى بإتيان الطبيعي.

وبعبارة أخرى : ان الشرطية في المقام وان لم تكن منتزعة عن الأمر بالخصوصية كما يتوهم ذلك في الشرط الذي يكون له وجود مغاير ، كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة ، وايضا لا تكون منتزعة من الوجود المختص به ، فإن الخصوصية والمشروط موجودان بوجود واحد ، إلا انه في مقام تعلق الأمر قبل الوجود يكون المتعلق ، وهو المفهوم والعنوان متعددا ، وتعلق الأمر باحدهما وهو ذات المشروط معلوم ، وتعلقه بالشرط ، وهو الخصوصية مشكوك فيه فيجري فيه البراءة.

أضف إلى ذلك انه لو تم هذا الإشكال لزم منه عدم جريان البراءة في الشك في الجزئية أيضاً لان كل واحد من الأجزاء له اعتباران :

الأول : اعتبار الجزئية وان التكليف المتعلق بالمركب متعلق به ضمنا.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٣٦٧.

١١٥

الثاني : اعتبار الشرطية لأن سائر الأجزاء مقيدة به فيكون الشك في الجزئية شكا في الشرطية بالاعتبار المذكور.

هذا كله مضافا إلى ما عرفت مرارا من ان الملاك في جريان الأصل في بعض الأطراف عدم جريانه في الآخر ، والمقام كذلك ، لان تعلق التكليف باطعام جنس الحيوان المردد بين الإنسان وغيره معلوم ، والشك إنما هو في تقيده بكونه انسانا فيجري فيه الأصل ، ولا يعارضه الأصل في الإطلاق لعدم جريانه كما مر.

واما المحقق النائيني (ره) فقد استدل له على ما نسب إليه بوجهين.

أحدهما : ما في تقريرات شيخنا المحقق الكاظمي (ره) (١) ، وهو ان الترديد بين الجنس والفصل وان كان بالتحليل العقلي من دوران الأمر بين الأقل والأكثر إلا انه بنظر العرف خارجا يكون من الترديد بين المتباينين ، لان الإنسان بما له من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوان عرفا ، فلو علم اجمالا بوجوب اطعام أحدهما لا بد من الاحتياط ، ولا يحصل ذلك إلا باطعام خصوص الإنسان ، لأنه جمع بين الامرين فإن اطعام الإنسان يستلزم اطعام الحيوان أيضاً.

وفيه : ان الكلام ليس في خصوص المثال ، ومحل الكلام هو ما لو كان الترديد بين الجنس ، والنوع ، مع فرض صدق الجنس على النوع أيضاً ، وكونه بنظر العرف شاملا له كما لو علم بوجوب اطعام الحيوان أو الغنم.

مع انه لو سلم عدم شمول الجنس له كما في المثال لا بد من الاحتياط

__________________

(١) فوائد الأصول (تقريرات النائيني للكاظمي) ج ٤ ص ٢٠٨.

١١٦

باطعام الإنسان ، واطعام حيوان آخر ، إذ على الفرض لو كان الواجب اطعام الحيوان يكون المراد به غير الإنسان.

ثانيهما : ما ذكره سيدنا الاستاذ المحقق الخوئي دام ظله (١) وهو ان الجنس حيث لا يوجد إلا في ضمن الفصل فلا يتعلق الحكم به ، إلا متفصلا بفصل معين ، أو بفصل ما ، فلو علم بتعلق التكليف اما بنوع خاص ، أو بالجنس ، فيكون من موارد دوران امر الواجب بين التعيين والتخيير ، والمختار عنده في جميع صوره ، التعيين وعدم جواز الرجوع إلى البراءة عن كلفة التعيين.

ولا بأس بذكر تلك المسألة اجمالا ليتضح الحكم في المقام.

دوران الأمر بين التعيين والتخيير

وملخص القول فيها ، ان دوران الأمر بين التعيين والتخيير بحسب الموارد ينقسم إلى أقسام.

القسم الأول : ما إذا دار الأمر بينهما في الحجية ، كما لو علم بأنه يجب تقليد الاعلم اما تعيينا ، أو تخييرا بينه وبين تقليد غير الاعلم.

قد يقال ان الأصل يقتضي البناء على التخيير ، وذلك لوجهين.

أحدهما : ان الشك في حجية الراجح ، وهو فتوى الاعلم في المثال ، تعيينا أو حجية المرجوح ، وهو فتوى غير الاعلم تخييرا ، مسبب عن الشك في اعتبار

__________________

(١) مصباح الأصول ج ٢ ص ٤٤٨.

١١٧

المزية شرعا فيجري أصالة العدم في السبب ، ويترتب عليه عدم حجية الراجح تعيينا ، وحجية المرجوح تخييرا.

وفيه : ان معنى اعتبار المزية شرعا دخلها في جعل الشارع الحجية للراجح تعيينا ، وسيأتي في مبحث الاستصحاب ، عدم جريان الأصل في امثال هذه الأمور لعدم كونها مجعولة شرعا ، ولا يترتب عليها أثر شرعي ، لان ترتب الجعل عليها ترتب عقلي نحو ترتب المقتضى على المقتضي ، لا ترتب شرعي.

ثانيهما : ان المفروض حجية كل منهما شأنا ، وإنما الشك في الحجية الفعلية ، وعدم حجية المرجوح بهذا المعنى ، مسبب عن الشك في مانعية المزية ، فتجرى أصالة عدمها ، ويترتب عليها الحجية الفعلية.

وفيه : ان معنى مانعية الزيادة ، مانعيتها عن الجعل ، إذ لا يعقل المنع عن الفعلية من دون ان يؤخذ عدمها دخيلا في مقام الجعل ، لما مر من عدم معقولية دخل شيء في مقام الفعلية من دون ان يؤخذ في مقام الجعل.

فيرد عليه ما اوردناه على سابقه.

فالاظهر ان الأصل هو التعيين ، للعلم بحجية الراجح كفتوى الاعلم في مفروض المثال اما تعيينا أو تخييرا ، والشك في حجية المرجوح وقد مر في أول مباحث الظن ، ان الشك في الحجية مساوق للقطع بعدم الحجية.

القسم الثاني : ما إذا دار الأمر فيه بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال لأجل التزاحم ، كما إذا كان غريقان ، لا يتمكن المكلف من انقاذ كليهما ، فلا ريب في انه مع التساوي يجب عليه تخييرا انقاذ أحدهما ، كما انه لو كان أحدهما أهم يتعين عليه انقاذه خاصة. فحينئذ لو احتمل ان يكون أحدهما أهم

١١٨

فيتعين انقاذه معينا ، أو يكونا متساويين فيتخير بين انقاذ ايهما شاء ، فالامر يدور بين وجوب انقاذ المحتمل اهميته معينا ، وبين وجوب انقاذ ايهما شاء مخيرا.

قد يقال ان الحكم في هذا القسم أيضاً التعيين ، لان التزاحم وان كان يوجب سقوط احد التكليفين بامتثال الآخر ، إلا انه لا يوجب سقوط الملاكين عما هما عليه من حد الالزام ، وحيث ان المحقق في محله ، ان تفويت الغرض الملزم بعد احرازه قبيح بحكم العقل ، كمخالفة التكليف الواصل ، وهذا القبح لا يرتفع إلا بعجز المكلف تكوينا ، أو تشريعا بأمر المولى بشيء لا يتمكن المكلف من الجمع بين ما فيه الملاك وذلك الشيء ، وإلا فما لم يثبت ذلك يحكم العقل بقبح التفويت.

وايضا قد مر في محله من هذا الكتاب انه إذا كان أحد المتزاحمين اهم فالتكليف يكون متعلقا به وصارفا لقدرة المكلف نحوه ، والملاك في الطرف الآخر مع كونه ملزما في نفسه لا يكون تفويته قبيحا بحكم العقل ، لاستناده إلى تعجيز المولى إياه. وان كان كل من المتزاحمين مساويا مع الآخر في الملاك ، فبما انه لا يجوز الترجيح بلا مرجح ، فلا يصح التكليف باحدهما معينا مطلقا ، فلا بد من التكليف بكل منهما مشروطا بعدم الإتيان بالآخر ، أو بالجامع بينهما ، على الخلاف المحرر في محله. وعلى كل حال يجوز الاكتفاء باحدهما وتفويت الآخر ، فمع احتمال اهمية أحدهما يكون الإتيان به وتفويت ملاك الآخر جائزا قطعا ، ومجزيا في مقام الامتثال كما هو واضح. واما الإتيان بالآخر ، وتفويت ملاك الآخر المحتمل اهميته ، مع القدرة عليه تكوينا ، فلم يثبت جوازه ، فالعقل يحكم بقبحه ، لأنه تفويت للغرض الملزم من غير عذر ، فلا محالة يتعين الرجوع إلى قاعدة الاشتغال تحصيلا للفراغ اليقيني.

١١٩

ولكن يمكن ان يورد عليه بأنه بعد فرض عدم قدرة المكلف على تحصيل كلا الغرضين ، ان أحرز ان لاحدهما مزية يجب بحكم العقل تحصيله بمعنى انه مع عدمه يستحق العقاب ، وان لم يحرز ذلك فتفويت كليهما يوجب استحقاق العقاب. وأما استحقاق العقاب على تفويت غرض محتمل الأهمية فغير معلوم.

وبعبارة أخرى : استحقاق العقاب في صورة تفويت الغرض المحتمل اهميته في ظرف تفويت غير الاهم معلوم ، واما استحقاق العقاب على تفويته مع تحصيل غير الاهم فغير معلوم ، ومقتضى أصالة البراءة عدم الاستحقاق.

فالاظهر هو أصالة التخيير في هذا القسم ، فاحتمال الاهمية لا يوجب التعيين.

القسم الثالث : ما لو دار الأمر بين التعيين والتخيير في مرحة الجعل في الأحكام الواقعية كما إذا شك في ان الواجب في الكفارة في مورد خاص ، هل هو العتق معينا ، أم يكون مخيرا بينه وبين الصوم ، ولم يكن امارة أو اصل موضوعي ، يرفع بها الشك؟ لهذا القسم صور ثلاث :

الصورة الأولى : ما إذا علم وجوب فعل ، وعلم سقوطه بإتيان فعل آخر ، ودار الأمر بين كون المسقط عدلا للواجب الأول ، فيكون وجوبه تخييريا ، أو مسقطا له لاشتراط التكليف بعدمه ، كالقراءة في الصلاة المردد وجوبها بين ان يكون تعيينيا مشروطا بعدم الائتمام أو تخييريا بينهما؟

وتظهر الثمرة فيما لو عجز عن القراءة ، فإنه على الأول لا يجب عليه الائتمام ، وعلى الثاني يتعين ذلك كما لا يخفى. وفي هذه الصورة الأصل هو التعيين ، لأنه يرجع الشك المزبور إلى الشك في وجوب ما علم مسقطيته عند

١٢٠