الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[٨٦] ـ (أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) «إفكا» مفعول له ، أو حال اي افكين و «آلهة» مفعول به ل «تريدون» ، وقدّما اهتماما بتعنيفهم على شركهم وإفكهم ، أو «إفكا» مفعول به و «آلهة» بدل منه على انّها افك في أنفسها.

[٨٧] ـ (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) حتى عبدتم غيره ، أو أمنتم عقوبته أي لا يقدر في ظنّ ما يصدّ عن عبادته.

[٨٨] ـ (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) في أجرامها أو علمها طلبا لعلامة يستدلّ بها أو إيهاما لهم إنّه يعتمدها فإنهم كانوا منجمين ، وقد سألوه أن يخرج معهم الى عيدهم.

[٨٩] ـ (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) أي سأسقم لأمارة نجومية نصبها الله له ، أو وحى منه ، أو سقيم القلب لكفركم ، أو أراد سأموت مثل (إِنَّكَ مَيِّتٌ) (١) إذ لأداء أعيى من الموت ، وكان الطّاعون غالبا فيهم ، فظنّوا انّ به ذلك وكانوا يخافون العدوى (٢) فتركوه.

[٩٠] ـ (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) هاربين الى عيدهم.

[٩١] ـ (فَراغَ) مال في خفية (إِلى آلِهَتِهِمْ) وكان عندها طعام زعموها تأكله أو تبارك فيه (فَقالَ) لها ـ استهزاء ـ : (أَلا تَأْكُلُونَ) منه.

[٩٢] ـ (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) بجواب.

[٩٣] ـ (فَراغَ عَلَيْهِمْ) عدّى ب «على» لأنّه ميل بقهر وعنف ، والأوّل (٣) برفق (ضَرْباً) مصدر ل «راغ» لأنّه في معنى ضربهم أو لمقدّر أي يضرب ضربا (بِالْيَمِينِ) باليد اليمنى لأنها أقوى ، أو بالقوة مجازا فكسرها فرجعوا فرأوها فظنّوا انّه كاسرها.

[٩٤] ـ (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) يسرعون ، من زفيف النّعام ، وضمّ «حمزة» : «الياء» (٤)

__________________

(١) سورة الزمر : ٣٩ / ٣٠.

(٢) العدوى : السراية.

(٣) أي فراغ الى آلهتهم.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٥.

٨١

من أزفّ بمعنى زفّ ، أو بتقدير يزفّ بعضهم بعضا وحين عاتبوه على فعله.

[٩٥] ـ (قالَ) ـ توبيخا ـ لهم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) أي جوهره من الحجارة وغيرها أصناما.

[٩٦] ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) ما تنحتونه والذي تعملونه ، وإرادة الحدث بجعل «ما» مصدرية» لا تطابق «ما تنحتون» وتنافي توبيخهم على عبادتها التي هي من عملهم إذ كونها مخلوقة له تعالى بلا تأثير لقدرتهم واختيارهم فيها أحقّ بأن يكون عذرا لهم من أن يكون لوما وتوبيخا.

وتوجيهه بأنّ فعلهم إذا كان بخلقه تعالى فمفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك فاسد ، إذ لم يرد بمفعولهم الجوهر قطعا ، فالمراد به الشّكل وهو بفعلهم ولا يثبت كونه بخلقه تعالى ليتّجه إنكار عبادتهم إيّاه إلّا بعد ثبوت كون فعلهم بخلقه وهو ممنوع.

فالاحتجاج بهذا الوجه على خلق الأعمال مصادرة وترجيحه على الأوّل بعد فرض صحته بأنّ في الأول حذفا باطل.

ولما كان مرادهم إثبات خلقه تعالى لأعمالهم من غير تأثير لقدرتهم واختيارهم فيها كما يراه الأشاعرة ، كان قصدنا في الرّدّ عليهم نفي خلقه تعالى لها بدون تأثير لقدرتهم واختيارهم فيها ، لا نفي خلقه لها مطلقا واستقلالهم فيها بدون مدخل لإرادته تعالى كما يراه المعتزلة ، فإنّ مذهبنا انّه تعالى أرادها وخلقها لكن لا بالذات بل بالتبع لقدرتهم وارادتهم واختيارهم فلا جبر فيها ولا تفويض كما نطقت به اخبار أهل البيت عليهم‌السلام (١).

[٩٧] ـ (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) واملئوه حطبا واضرموه بالنّار (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) في النّار العظيمة.

__________________

(١) ينظر اصول الكافي ١ : ١٥٥.

٨٢

[٩٨] ـ (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) تدبيرا في إهلاكه حين الزمهم الحجّة (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) المقهورين بجعل نتيجة كيدهم حجة له عليهم وهي نجاته من النّار.

[٩٩] ـ (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) الى حيث أمرني وهو الشام (سَيَهْدِينِ) الى ما فيه صلاحي في الدارين.

وقطعه به لشدة ثقته ، أو لوحي جاءه ، فلمّا قدم الأرض المقدّسة [قال :] ـ.

[١٠٠] ـ (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولدا صالحا و «من» للتّبعيض.

[١٠١] ـ (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) بولد ذكر ، يبلغ أوان الحلم ، إذ الصّبيّ لا يوصف بالحلم ، ويكون حليما وأي حلم كحلمه حين عرض عليه أبوه الذّبح ، فقال ما قال كما سيحكي :

[١٠٢] ـ (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) أي ان يسعى معه في أموره ، له ثلاث عشرة سنة و «معه» متعلّق بما دلّ عليه «السّعى» لا به ، إذ صلة المصدر لا تتقدمه ، ولا ب «بلغ» إذ لم يبلغا معا ، وهو بيان ، كأنّه قيل فلمّا بلغ السّعي فقيل مع من؟ فقيل معه (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) وفتح الياءين «الحرميّان» و «أبو عمرو» (١) أي رأيت ذلك أو ما هو تأويله ، ورؤيا الأنبياء وحي.

وقيل : رأى ليله التّروية قائلا يقول له : إنّ الله تعالى يأمرك بذبح ابنك ، فأصبح يروّى انّه من الله أو الشيطان ، فأمسى فرأى مثله ، فعرف انّه من الله ، ثم رأى في الثالثة مثله ، فهمّ بنحره ، فسمّيت الأيام بالتروية وعرفة والنّحر (٢).

والأظهر أنّه إسماعيل لسبق ولادته ولعطف البشارة ب «إسحاق» على البشارة بالذبيح ، ولأنّ المنحر بمكة وكان قرنا الكبش معلّقين بالكعبة حتّى احترقا معها أيّام الحجّاج ولم يكن إسحاق ثمّة ، ولاقتران البشارة ب «إسحاق» بولادة يعقوب

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٩.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٧٩.

٨٣

منه ، فيفيد انّه لم يؤمر بذبحه ، ولقوله (ص) : «أنا بن الذّبيحين» فهما جدّه إسماعيل وأبوه عبد الله فإن «عبد المطلب» نذر أن يذبح ولدا إن رزق عشرة بنين ، أو حفر زمزم فرزق ، فخرج السهم على عبد الله ، ففداه بمائة جزور ، فسنّت الدّية مائة.

وفي بعض الأخبار انّه إسحاق (١) (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) من الرأي ، شاوره في امر حتم ليوطّن نفسه عليه فيهون ، وينقاد له فيؤجر ، وضمّ «حمزة» و «الكسائي» : «التاء» وكسر الراء بإخلاص وفتحهما الباقون ، ف «أبو عمرو» يميل فتحه الراء و «ورش» بين بين ، والباقون بإخلاص (٢) (قالَ يا أَبَتِ) وفتح «ابن عامر» التاء (٣) (افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) على بلاء الله ، وفتح «نافع» الياء (٤).

[١٠٣] ـ (فَلَمَّا أَسْلَما) استسلما لأمر الله ، أو سلّما الأب ابنه والإبن نفسه وقرأ به «عليّ» و «الباقر» عليهما‌السلام وجمع (٥) (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) صرعه عليه وهو أحد جانبي الجبهة.

وقيل كبّه على وجهه باستدعائه كيلا يراه فيرقّ له فلا يذبحه وكان ذلك بمنى (٦).

[١٠٤] ـ (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ).

[١٠٥] ـ (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) بما فعلت من مقدمات الذبح ، وقيل : إنّه أمرّ المدية (٧) على حلقه فلم تقطع ، (٨) وجواب «لمّا» «كان ما كان» من استبشارهما

__________________

(١) ينظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٣.

(٢) حجة القراءات : ٦٠٩ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٥.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٧٩.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٩.

(٥) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥١.

(٦) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٣ ـ تفسير البيضاوي ٤ : ٧٩.

(٧) المدية : الشفرة ـ والشفرة : السكين العظيم ـ قاموس اللغة.

(٨) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٣.

٨٤

بما أنعم الله به عليهما من دفع البلاء والتوفيق لكسب الأجر والثناء (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي جزيناهما بذلك بإحسانهما.

[١٠٦] ـ (إِنَّ هذا) التكليف بالذّبح (لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الابتلاء البيّن.

[١٠٧] ـ (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ) بما يذبح بدله (عَظِيمٍ) ضخم سمين.

أو عظيم القدر ، إذ فدى به ابن خليله ، قيل : كان كبشا من الجنة اتى به «جبرائيل» فذبحه «ابراهيم» عليه‌السلام (١).

وقيل : وعلا اهبط عليه من ثبير (٢) واحتج به على جواز النسخ قبل الوقوع وفيه بحث.

[١٠٨] ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).

[١٠٩] ـ (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ).

[١١١٠] ـ (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

[١١١] ـ (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) فسّر مثله (٣) لكن لم يقل «إنا» لذكره مرّة في هذه القصة.

[١١٢] ـ (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أي مقدّرين أو مقدّرا كونه نبيا صالحا ، فهما حالان مقدّرتان عن الفاعل أو «إسحاق» ومن جعله الذّبيح قال بشرّ بنبوّته بعد ما بشر بولادته.

[١١٣] ـ (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أفضنا عليهما بركات الدّين والدّنيا ، ومن ذلك جعل الأنبياء من نسلهما (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) بالإيمان والطّاعة (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ)

__________________

(١) قاله سعيد بن جبير ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٤ ـ ونقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٧٩.

(٢) قاله الحسن كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٤ ونقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٨٠ وثبير اسم جبل معروف.

(٣) في هذه السورة الآية (٨١).

٨٥

بالكفر والمعاصي (مُبِينٌ) بيّن الظّلم.

ويفيد انّ البرّ قد يلد فاجرا ولا عار عليه منه ، وانّ الشرف بالحسب لا بالنسب.

[١١٤] ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) بالنبوة وغيرها.

[١١٥] ـ (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) تسلّط «فرعون» أو الغرق.

[١١٦] ـ (وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) على «فرعون» وقومه.

[١١٧] ـ (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) البيّن وهو التوراة.

[١١٨] ـ (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) الطريق الموصل الى الحق.

[١١٩] ـ [١٢٠] ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ).

[١٢١] ـ (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

[١٢٢] ـ (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) مرّ مثله (١).

[١٢٣] ـ (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) هو من ولد «هارون» اخي «موسى».

وقيل : هو «إدريس» لقراءة «وإنّ إدريس» ، (٢) وعن «ابن ذكوان» حذف همزته (٣).

[١٢٤] ـ (إِذْ) اذكر إذ (قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) الله.

[١٢٥] ـ (أَتَدْعُونَ) تعبدون (بَعْلاً) اسم صنم من ذهب لأهل «بكّ» بلد من «الشام» وأضيف إليها فسميت «بعلبك» (وَتَذَرُونَ) تتركون (أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) فلا تعبدونه.

[١٢٦] ـ (اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ونصب الثلاثة «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» بدلا (٤).

__________________

(١) في هذه السورة الآيات ٨١ و ١١١.

(٢) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٦ وفيه : وفي شواذ قراءة ابن مسعود ويحيى والأعمش والحكم بن عيينة : «وان إدريس لمن المرسلين».

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٨٠.

(٤) حجة القراءات : ٦١٠.

٨٦

[١٢٧] ـ (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في العذاب.

[١٢٨] ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) منقطع أو استثناء من واو «كذّبوه».

[١٢٩] ـ (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ).

[١٣٠] ـ (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) لغة في «الياس» كمكيال وميكائيل أو جمع له ، يراد به هو ومن تبعه كالمهلّبين ، (١) ويخدشه وجوب تعريف جمع العلم باللام ، ولعله حذف لثقل اللّامين ، أو للمنسوب إليه بحذف «ياء» النسبة كالأعجمين.

وأضاف «نافع» وابن عامر» «آل» الى «ياسين» (٢) لفصلهما في المصحف ، فقيل «ياسين» أبو «الياس» وقيل «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) أو القرآن (٤) فإن صح ذلك فلا يقدح فيه عدم مناسبته لنظم القصص وكذا جعل الضمير ل «إلياس» في :

[١٣١] ـ (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).

[١٣٢] ـ (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) ويمكن جعله ل «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[١٣٣] ـ [١٣٤] ـ (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ).

[١٣٥] ـ (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ).

[١٣٦] ـ (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) فسر سابقا (٥).

[١٣٧] ـ (وَإِنَّكُمْ) يا قريش (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) على منازلهم في اسفاركم الى الشام (مُصْبِحِينَ) داخلين في الصباح.

__________________

(١) المهلّب : ابن ابي صفرة ، ابو المهالبة وهم قوم مشهورون بالبطالة والبسالة وموسومون بالحماسة والسماحة ـ اقرب الموارد.

(٢) حجة القراءات : ٦١٠.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٧.

(٤) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٧.

(٥) في سورة الشعراء : ٢٦ / ١٧٢.

٨٧

[١٣٨] ـ (وَبِاللَّيْلِ) أي نهارا وليلا (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ما أصابهم فتعتبرون.

[١٣٩] ـ (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).

[١٤٠] ـ (إِذْ أَبَقَ) هرب ، وأصله الهرب من السّيد خفية ، فأطلق عليه لأنه هرب مختفيا من قومه قبل اذن ربّه له (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) المملوّ ، فركبه ، فوقف فقالوا هنا عبد آبق تظهره القرعة.

[١٤١] ـ (فَساهَمَ) فقارعهم (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) المغلوبين بالقرعة ، فقال : أنا الآبق ، ورمى بنفسه في البحر.

[١٤٢] ـ (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) ابتلعه (وَهُوَ مُلِيمٌ) آت بملأم عليه من ترك الاولى بذهابه بلا أذن من ربّه.

[١٤٣] ـ (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) المصلين ، أو الذاكرين الله في كل حال أو في بطن الحوت بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (١).

[١٤٤] ـ (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ميّتا ويحشر منه أو حيّا.

[١٤٥] ـ (فَنَبَذْناهُ) ألقيناه من بطنه (بِالْعَراءِ) بالمكان الخالي ، من نبت يستره من يومه أو بعد ثلاثة أيّام أو أكثر (وَهُوَ سَقِيمٌ) كفرخ لا ريش عليه.

[١٤٦] ـ (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) ما ينبسط على الأرض ولا ساق له ، ومنه «القرع» (٢) وهو المراد عند الأكثر ، فغطّته بأوراقها وكانت تأتيه «وعلة» فيغتذي بلبنها.

وقيل : التّين أو الموز يغطّيه ويظلّه ويغتذي بثمره (٣).

[١٤٧] ـ (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ) هم المرسل إليهم اوّلا ب «نينوى» أو غيرهم

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.

(٢) القرع نوع من اليقطين.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٨١.

٨٨

(أَوْ يَزِيدُونَ) أريد وصفه بالكثرة في مرأى الرّائى أي إذا رآهم قال : هم مائة ألف أو اكثر.

[١٤٨] ـ (فَآمَنُوا) فجدّدوا الإيمان أو أحدثوه (فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) الى آجالهم.

[١٤٩] ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ) سل قومك توبيخا (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) إذ قالوا الملائكة بنات الله (وَلَهُمُ الْبَنُونَ) فيفضّلون أنفسهم عليه بجعل الأدنى له ، والأسنى لهم مع استهانتهم بالملائكة حيث انّثوهم ، فجعل ذلك في التّوبيخ عديلا للاستفاهم عن قسمتهم.

[١٥٠] ـ (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) خلقنا ايّاهم فيؤنّثونهم.

[١٥١] ـ (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ).

[١٥٢] ـ (وَلَدَ اللهُ) بقولهم : الملائكة بناته (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) في قولهم.

[١٥٣] ـ (أَصْطَفَى) بهمزة الاستفهام الإنكاري ، وحذف همزة الوصل تخفيفا ، وعن «ورش» كسر «الهمزة» على حذف همزة الاستفهام والإخبار (١) وجعله من قولهم أي اختار (الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ).

[١٥٤] ـ (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بما لا يقبله عقل.

[١٥٥] ـ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تنزّهه عن ذلك.

[١٥٦] ـ (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) حجّة بيّنة على ما تقولون.

[١٥٧] ـ (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ) المتضمّن لحجّتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم.

[١٥٨] ـ (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) أي الملائكة لاجتنانهم عن العيون بقولهم : هم بنات الله ، وقيل : قالوا انّ الله صاهر الجنّ فحدثت الملائكة (٢).

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٦٠.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٨٢.

٨٩

وقيل : قالوا الله وإبليس اخوان (١) (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ) أي الكفرة خاصّة أو مع الجنّة ، ان فسرت بغير الملائكة (لَمُحْضَرُونَ) في العذاب.

[١٥٩] ـ (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) بقولهم.

[١٦٠] ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) منقطع من «يصفون» أو «محضرون» أو متصل منه إن عمّم ضمير لهم ، (٢) وما بينهما اعتراض.

[١٦١] ـ (فَإِنَّكُمْ) أيها الكفرة (وَما تَعْبُدُونَ) من الأصنام.

[١٦٢] ـ (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) على الله (بِفاتِنِينَ) بمغوين أحدا.

[١٦٣] ـ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) إلّا من سبق في علمه أنّه يصلى النّار بسوء اختياره ، وضمير «أنتم» لهم ولآلهتهم ، وجاز كون الواو بمعنى «مع» والسّكوت على «تعبدون» أي انّكم ومعبوديكم قرناء ، ثم قال ما أنتم على ما تعبدونه بفاتنين أحدا إلّا ضالا استحق النار بضلاله ، ثمّ حكى ردّ الملائكة على عبدتهم باعترافهم بالعبوديّة بقوله :

[١٦٤] ـ (وَما مِنَّا) أحد (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) من الطّاعة لا يتجاوزه.

[١٦٥] ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) في العبادة والطّاعة.

[١٦٦] ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) المنزهون لله عن السّوء.

وقيل : هو قول الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي : وما منّا معاشر المؤمنين إلا له مقام معلوم في الجنّة وانا لنحن الصّافّون في الصلاة والمقدّسون لله (٣).

[١٦٧] ـ (وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ) أي كفّار «مكة» و «ان» المخففة واللام فارقة.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٨٢.

(٢) اي ان عمم الضمير (انّهم) لهم.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٨٣.

٩٠

[١٦٨] ـ (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) كتابا (مِنَ الْأَوَّلِينَ) من كتبهم المنزلة عليهم.

[١٦٩] ـ (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) العبادة له.

[١٧٠] ـ (فَكَفَرُوا بِهِ) أي بالذكر الذي جاءهم وهو أشرف الكتب (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم.

[١٧١] ـ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أي وعدنا لهم ويفسره :

[١٧٢] ـ (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ).

[١٧٣] ـ (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) عاجلا غالبا ، وآجلا مطلقا.

[١٧٤] ـ (فَتَوَلَ) أعرض (عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) الأمر بقتالهم وهو يوم «بدر» أو الفتح.

[١٧٥] ـ (وَأَبْصِرْهُمْ) وما يحلّ بهم من العذاب (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) ما وعدناك به من النصر والثواب ، فقالوا متى هذا العذاب؟ فنزل :

[١٧٦] ـ (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ).

[١٧٧] ـ (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) بفنائهم ، مثّل بجيش هجم فحلّ بفنائهم بغته ، فشنّ الغارة عليهم (فَساءَ) فبئس (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) صباحهم أي غارتهم بالعذاب ، سميت الغارة صباحا وان وقعت في وقت آخر لأنّ عادة العرب أن يغيروا صباحا.

[١٧٨] ـ (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ).

[١٧٩] ـ (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) كرّر تأكيدا لتسليته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتهديدهم ، أو الأول لعذاب الدنيا والثاني لعذاب الآخرة.

[١٨٠] ـ (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ) الغلبة (عَمَّا يَصِفُونَ) بنسبة الولد والشريك إليه.

٩١

[١٨١] ـ (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) المبلّغين عن الله دينه.

[١٨٢] ـ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على ما أنعم به عليهم وعلى من اتّبعهم في الدّارين.

عن عليّ عليه‌السلام : من أحبّ أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه من مجلسه «سبحان ربّك» الى آخر السورة (١).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٦٣.

٩٢

سورة ص

[٣٨]

ست أو ثمان وثمانون آية وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (ص) فيه ما مرّ في البقرة (١).

وقيل : هو بحر عليه العرش. وقيل : صدق «محمّد» (٢) أو صاد القلوب.

وقيل : امر من المصاداة أي المعارضة أي عارض القرآن بعلمك واعمل بما فيه ، ويعضده أن قرئ بالكسر (٣) (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) الشرف أو العظمة ، أو بيان ما يحتاج إليه في الدّين ، و «الواو» للقسم او العطف إن كان «ص» مقسما به والجواب محذوف أي أنّه لمعجز ، أو انّ «محمّدا لصادق» بدلالة «ص» على ذلك أو ما الأمر كما قال الكفّار بدلالة :

[٢] ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) حميّة وتكبّر عن الحقّ (وَشِقاقٍ) خلاف

__________________

(١) ما مرّ فواتح السور.

(٢) قاله الضحاك ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٦٥.

(٣) تفسير التبيان ٨ : ٥٤١ وتفسير الكشّاف ٤ : ٧٠.

٩٣

وعداوة للرّسول.

[٣] ـ (كَمْ) أي كثيرا (أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) تهديد لهم (فَنادَوْا) استغاثة أو توبة (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) أي ليس الحين حين منجى ، و «التاء» زيدت للتأكيد. و «لا» هي المشبهة بليس وخصّت بالأحيان وحذف أحد معموليها ، وهو هنا الإسم ، وعلى قراءة الرّفع الخبر أي ليس حين مناص حاصلا لهم.

وقيل : النّافية للجنس أي : ولا حين مناص حاصلا لهم.

وقيل : «التّاء» زيدت على «حين» لاتّصالها به في المصحف وضعّف بخروج خطّه عن القياس ، ويقف «الكوفيّة» (١) على «لات» بالهاء كالأسماء ، «والبصريّة» بالتاء كالأفعال (٢).

[٤] ـ (وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) من جنسهم (وَقالَ الْكافِرُونَ) ـ وضع موضع «قالوا» تسجيلا عليهم بالكفر النّاشئ عنه قولهم ـ : (هذا ساحِرٌ) في إظهاره الخوارق (كَذَّابٌ) على الله.

[٥] ـ (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) بحصره الألوهيّة في واحد (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) مفرط في العجب.

قيل : أتى «قريش» «أبا طالب» فقالوا : أنت شيخنا وكبيرنا ، أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك ، فدعاه فقال : هؤلاء يسألونك ، قال : وماذا تسألوني؟

قالوا : دعنا وآلهتنا وندعك وإلهك ، قال : تعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب والعجم؟ قالوا : نعم وعشرا. قال : «قولوا لا إله إلّا الله» فقاموا وقالوا ذلك. فقال له «أبو طالب» : امض لأمرك ، فو الله لا أخذلك أبدا (٣).

__________________

(١) في «ج» : الكوفيون.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٨٤.

(٣) ينظر تفسير البيضاوي ٤ : ٨٥.

٩٤

[٦] ـ (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ) الأشراف (مِنْهُمْ) من مجلس «أبي طالب» (أَنِ امْشُوا) يقول بعضهم لبعض : امشوا ، و «ان» مفسّرة لإشعار الإنطاق عن مجلس التّقاول بالقول ، وقيل : انطلقوا بأن امشوا اي بهذا القول (١).

والمراد بالمشي : المضيء على الأمر لا السير (٢) (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) على عبادتها (إِنَّ هذا) الأمر (لَشَيْءٌ) من نوب (٣) الدّهر (يُرادُ) بنا ، فلا يدفع ، أو : انّ هذا التّرفّع الّذي يطلبه «محمد» لشيء يريده كلّ واحد ، أو أنّ دينكم يراد ليؤخذ منكم.

[٧] ـ (ما سَمِعْنا بِهذا) أي الّذي يقوله (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) ملة «عيسى» فإنّ «النصارى تثلث ، أو الّتي أدركنا عليها آبائنا ، أو ما سمعنا بالتّوحيد كائنا في آخر الزّمان ، فهو حال من «هذا» (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه.

[٨] ـ (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) القرآن (مِنْ بَيْنِنا) وليس بأعظم منّا رئاسة وشرفا ، حسدوه فأنكروا اختصاصه بالوحي (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) من القرآن لتركهم النّظر في الدليل المزيل للشّكّ (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ) أي لو ذاقوه لزال شكّهم وصدّقوا الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينفعهم التّصديق حينئذ.

[٩] ـ (أَمْ) بل أ(عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) الّتي من جملتها النّبوّة (الْعَزِيزِ) الغالب (الْوَهَّابِ) ما يشاء لمن يشاء ، فيخصّون بها من شاءوا.

[١٠] ـ (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) تخصيص بعد تعميم ، إذ هذه الأشياء بعض خزائنه ، فمن لا يملك البعض كيف يتصرّف في الكلّ (فَلْيَرْتَقُوا) أي زعموا ذلك فليصعدوا (فِي الْأَسْبابِ) في المعارج الموصلة الى السّماء ، فيأتوا بالوحي الى من يختارونه ، وفيه تهكّم بهم.

__________________

(١) قاله الزجاج ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٦٦.

(٢) في «ب» : لا المسير.

(٣) النوب جمع نائبة وهي الداهية والمصيبة.

٩٥

[١١] ـ (جُنْدٌ ما) هم جند حقير ، و «ما» مزيدة للتحقير (هُنالِكَ) اشارة الى حيث انتدبوا فيه أنفسهم الى ذلك القول ، أو الى يوم «بدر» أو «الخندق» أو «الفتح» (مَهْزُومٌ) عمّا قريب (مِنَ الْأَحْزابِ) من جملة الكفّار المتحزّبين على الرّسل وأنت غالبهم فلا تبال بهم.

[١٢] ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) ذو الجموع الكثيرة ، المقوّية لملكه ، كما يقوّي الوتد (١) الشيء ، أو ذو الملك الثابت ، مستعار من ثبات البيت المطنب بأوتاده.

وقيل : كان يتد بأربعة أوتاد لمن يعذّبه ، ويشدّ إليها يديه ورجليه (٢).

[١٣] ـ (وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الغيضة ، وهم قوم «شعيب» وسبق ما فيها من القراءة في الشعراء (٣) (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) المتحزّبون على الرّسل ، الّذين جعل منهم الجند المهزوم.

[١٤] ـ (إِنْ كُلٌ) منهم (إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) جميعهم بتكذيبهم البعض (فَحَقَّ عِقابِ) فوجب لذلك عقابي لهم.

[١٥] ـ (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) أي قومك أو الأحزاب المذكورون (إِلَّا صَيْحَةً) نفخة (واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) توقّف ، مقدار فواق وهو ما بين الحلبتين ، أو رجوع لأنّ الواحدة تكفي أمرهم ، وضمّ «حمزة» و «الكسائي» : «الفاء» لغتان (٤).

[١٦] ـ (وَقالُوا) ـ مستهزئين ـ : (رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) قسطنا من العذاب

__________________

(١) وتد الوتد : ثبته في الأرض.

(٢) قاله السدي والربيع بن انس ومقاتل والكلبي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٦٨ وتفسير الكشّاف ٤ : ٧٦ ـ.

(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٧٦.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٣١.

٩٦

الموعود ، أو الجنّة ، من قطّه : قطعة.

أو : صحيفة أعمالنا ، إذ يقال لصحيفة الجائزة : «قطّ» لأنها قطعة من القرطاس (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) فقال تعالى :

[١٧] ـ (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) اصبر على أذى قومك فإنّك مبتلى بذلك كما صبر سائر الأنبياء فيما ابتلوا به ، ثمّ عدّدهم وبدأ ب «داود» (ذَا الْأَيْدِ) القوّة في العبادة يقوم نصف اللّيل ويصوم يوما ويفطر يوما (إِنَّهُ أَوَّابٌ) رجّاع الى مرضات الله.

[١٨] ـ (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) بتسبيحه (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ) بالرّواح والصّباح.

[١٩] ـ (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) مجموعة عليه ، تسبّح معه (كُلٌ) من الجبال والطّير (لَهُ أَوَّابٌ) رجّاع الى طاعته والتسبيح معه (١).

[٢٠] ـ (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قويناه بالهيبة والجنود ، كان يحرس محرابه كلّ ليلة ثلاثون ألف رجل (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) النّبوّة والإصابة في الأمور (وَفَصْلَ الْخِطابِ) الكلام البيّن ، الدّالّ على المقصود بلا التباس ، أو القضاء بالبيّنة واليمين.

وقيل : «امّا بعد» وهو اوّل من تكلّم بها (٢).

[٢١] ـ (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) أي : لم يأتك ، وقد أتاك الآن ، فتنبّه له (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) تصعّدوا سور الغرفة ، و «إذ» ظرف لمحذوف أي بناء تحاكمهم أو للخصم لأنّ فيه معنى الفعل.

[٢٢] ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ) بدل من «إذ» الأولى أو ظرف ل «تسوّروا» (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) لدخولهم عليه ـ في يوم احتجابه ـ بلا إذن غير الباب لأنّ عليه حرسا يمنعون

__________________

(١) في «ب» الى مرضات الله.

(٢) تفسير الكشّاف ٤ : ٨٠.

٩٧

من يدخل عليه.

وجمع الضّمائر لأنّ الخصم في الأصل مصدر يقال للواحد والأكثر ، وأريد بهم المتخاصمان ومن تبعهما وكانوا قوما قصدوا قتله ، فتسوّروا ودخلوا عليه فرأوا ما يمنعهم عن غرضهم فتعلّلوا بأن : (قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ) نحن فريقان متخاصمان (بَغى) تعدّى (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ولا تجر في الحكم.

شطّ وأشطّ من الشّطّ : البعد والجور ، بعد عن الحقّ (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) وسطه أي العدل.

[٢٣] ـ (إِنَّ هذا أَخِي) في الدّين أو الخلطة (لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ) هي الأنثى من الضّأن ، أو كناية عن المرأة.

والكلام على التّمثيل أي له نساء كثيرة ولي امرأة واحدة ، فاستنزلني عنها ، وفتح «حفص» «الياء» (١) (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) اجعلني كافلها أي ملكنيها (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) غلبني في الحجاج ، وكان كلامه أبين وبطشه أشدّ.

[٢٤] ـ (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) مصدر مضاف الى مفعوله الثّاني أي بسؤاله إيّاك نعجتك ، قاله على تقدير صدقه أو بعد اعتراف صاحبه (إِلى نِعاجِهِ) متعلّق ب «سؤال» لتضمّنه معنى الإضافة (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) الشركاء ، الّذين خلطوا أموالهم ، أو الأصدقاء (لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) «ما» زائدة لتأكيد القلّة (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) اختبرناه لأنّه علم بغرضهم ، فهمّ بأن ينتقم منهم ويترك الاولى وهو العفو ، فتداركه لطف ربّه فعفا عنهم (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) من همّه بترك الاولى او انقطاعا إليه (وَخَرَّ راكِعاً) ساجدا ، أو خرّ للسجود مصلّيا ، فأريد بالرّكّع : السّجود أو الصلاة (وَأَنابَ) رجع

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٣٥.

٩٨

الى ربّه بالتّوبة عن تلك الهمّة أو بالانقطاع إليه.

[٢٥] ـ (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) الهمّ ، أو قبلنا انقطاعه من باب المشاكلة (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) لقربه قبل ذلك وبعده (وَحُسْنَ مَآبٍ) في الجنة ، هذا قول من ينزّه الأنبياء عن الذّنوب.

وامّا غيرهم فقالوا إنّه رأى امرأة «أوريا» فأحبّها فاستنزله عنها فاستحيى منه ، فنزل فتزوجها فولدت منه «سليمان» فبعث الله ملكين يتحاكمان إليه على سبيل الفرض ليتنبّه على خطائه في انتزاله من له امرأة واحدة عنها مع كثرة نسائه وكان الواجب عليه مغالبة هواه.

وقيل : خطبها بعد أن خطبها «أوريا» فآثره أهلها (١) فإن صحّ ذلك فلعلّ الاستنزال والخطبة كانا على وجه مباح ، وكان خلاف الأولى فعوتب على ترك الأولى.

وما حكي أنّه قطع عبادته وتبع حمامة فرأى امرأة «أوريا» فعشقها فبعثه الى الجهاد وأمر مرارا أن يقدم حتى قتل فتزوّجها ، فنبّهه الملكان بقصتهما على ذنبه فتاب منه ، فافتراء عظيم على نبي الله.

وعن علي عليه‌السلام : لا اوتى بمن يزعم انّ داود تزوّج امرأة «أوريا» إلّا جلّدته مائة وستين (٢).

[٢٦] ـ (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) ممن مضى من الأنبياء في إقامة الدّين ، أو تخلّفنا في تدبير امر النّاس (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) هوى النّفس.

قيل : هو يعضد القول بأنّه أذنب وهو ممنوع لجواز كونه تهييجا له كما وقع

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٧٢ عن الجبائي مع اختلاف يسير.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٧٢ وتفسير التبيان ٨ : ٥٥٥ وفيه : الّا ضربته حدين أحدهما للقذف والآخر لأجل النبوة.

٩٩

لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك (١) (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وهو طريق الحق (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) بسبب نسيانهم إيّاه وهو ضلالهم عن السبيل.

[٢٧] ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) خلقا باطلا لا لغرض فيه حكمة ، أو ذوى باطل أي مبطلين عابثين (ذلِكَ) أي خلق ما ذكر لا لغرض (ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي مظنونهم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) بسبب ظنهم.

[٢٨] ـ (أَمْ) بل أ(نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) استفهام إنكار للتّسوية بين الفريقين لتأكيد نفي خلقهما باطلا ، وكذا (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) كرّر الإنكار باعتبار وصفين آخرين يمتنع من الحكيم التّسوية بينهما.

[٢٩] ـ (كِتابٌ) هذا كتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) ليتأمّلوها (وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) وليتّعظ ذووا العقول فيؤمنوا.

[٣٠] ـ (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ) أي سليمان (إِنَّهُ أَوَّابٌ) رجاع الى الله في مرضاته.

[٣١] ـ (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) ظرف ل «أوّاب» أو «نعم» (بِالْعَشِيِ) بعد الظّهر (الصَّافِناتُ) الخيل.

والصّافن : القائم على ثلاث ، وطرف حافر الرّابعة وهو صفة حمد في الخيل (الْجِيادُ) جمع جواد وهو السّريع في الجري يعني إذا وقفت سكنت مطمئنّة ، وإذا جرت أسرعت وسبقت ، وكانت ألف فرس اصابها حين غزا «دمشق» و «نصيبين».

أو اصابها أبوه من العمالقة فورثها منه ، فأراد الغزو فاستعرضها فعرضت عليه

__________________

(١) مثل قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما ...) سورة الفتح : ٢ ـ ولقوله تعالى : (... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ...). سورة الزمر : ٣٩ / ٦٥ وهذا جواب عمّا في تفسير البيضاوي.

١٠٠