الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

فسألهم ، فآثروه به ، وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما.

فاختبزت «فاطمة» عليها‌السلام صاعا ، فلمّا امسوا وضعوه بين أيديهم ليفطروا ، فأتاهم يتيم ، فسألهم فآثروه به ، ثمّ أتاهم أسير في الثّالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلمّا كان اليوم الرّابع وقد ، وفوا نذرهم ، أخذ «عليّ» عليه‌السلام بيد الحسن والحسين عليهما‌السلام فأتوا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع.

فلمّا بصر بهم قال : ما اشدّ ما يسوئني ما ارى بكم ، فقام وانطلق معهم الى «فاطمة» عليها‌السلام فرآها في محرابها ، قد لصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها ، فقال : وا غوثاه بالله ، أهل بيت «محمّد» يموتون جوعا.

فهبط جبرئيل عليه‌السلام بالسّورة وقال : خذها يا «محمّد» هنّأك الله في أهل بيتك (١).

وروي : انّ السّائل في الثّلاث كان جبرائيل أراد ابتلائهم. (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) اناء فيه خمر ، وأريد من خمر تسمية للحالّ باسم محلّه (كانَ مِزاجُها) ما يمزج به (كافُوراً) يخلق فيها رائحته وبياضه وبرده.

وقيل : اسم عين في الجنّة تشبه الكافور (٢).

[٦] ـ (عَيْناً) بدل من محلّ «كأس» بتقدير مضاف أي خمر عين على الأوّل ، أو من «كافورا» على الثّاني (يَشْرَبُ بِها) منها أو معها أو بتقدير ملتذّا ، وقيل بالباء زائدة (عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) يجرونها حيث شاءوا بسهولة.

[٧] ـ (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) استئناف كأنّه سئل لم رزقوه؟ فأجيب به ، ويؤذن بأنّ من وفي بما أوجب على نفسه لله فهو أوفى بما أوجبه الله عليه (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ) هوله ، (مُسْتَطِيراً) منتشرا ذاهبا في الجهات ، من استطار النّقع والفجر ، ويؤذن

__________________

(١) للحديث مصادر كثيرة ينظر عمدة عيون صحاح الاخبار : ٤٠٧.

(٢) قاله عطاء والكلبي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٧.

٤٠١

بكمال تقواهم.

[٨] ـ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) حبّ الله ، أو الطّعام أي مع حاجتهم إليه (مِسْكِيناً وَيَتِيماً) من المسلمين (وَأَسِيراً) من الكفّار ، أخذ من دار الحرب.

وقيل : من المسلمين ، (١) ويعمّ المحبوس والمملوك قائلين بلسان الحال :

[٩] ـ (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) لطلب رضاه خاصّة.

روي انّهم لم يتكلّموا بذلك ولكن علمه الله منهم فأثنى عليهم وفيه ترغيب في اخلاص العمل لله (٢) (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) ولا شكرا على الإطعام.

[١٠] ـ (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) تعليل للإطعام أو لعدم ارادة الجزاء منهم (يَوْماً عَبُوساً) مكفهرّا لشدّته كالأسد العبوس ، أو تعبّس فيه الكفّار لهوله (قَمْطَرِيراً) شديد العبوس كمن يجمع جبهته بالتّقطيب.

[١١] ـ (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) الّذي يخافونه (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) حسنا وبهاء في وجوههم (وَسُرُوراً).

[١٢] ـ (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) على التّكاليف والإيثار مع شدّة الحاجة (جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يلبسونه.

[١٣] ـ (مُتَّكِئِينَ فِيها) حال من مفعول «جزاهم» (عَلَى الْأَرائِكِ) الاسرّة في الحجال أو المساند (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) حال ثانية أي لا يجدون حرّا ولا بردا.

وقيل : الزّمهر : القمر أي هي مضيئة بذاتها لا بشمس ولا قمر.

[١٤] ـ (وَدانِيَةً) حال ثالثة (عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أشجارها (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) سهل أخذ ثمارها للمتناول كيف شاء.

[١٥] ـ (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) أقداح لا عرى لها

__________________

(١) قاله مجاهد وسعيد بن جبير ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٨.

(٢) قاله مجاهد وسعيد بن جبير ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٨.

٤٠٢

(كانَتْ قَوارِيرَا).

[١٦] ـ (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) أي جامعة لصفاء الزّجاج وبياض الفضّة ، فيرى باطنها من ظاهرها ، وصرفهما «نافع» و «الكسائي» و «أبو بكر» وصلا ووقفا وكذا «ابن كثير» في الأوّل ولم يصرفهما الباقون ، ووقفوا على الأوّل بالألف اشباعا للفتحة إلا «حمزة» وعلى الثّاني بغير الألف إلا «هشاما» (١) (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي قدّروها في أنفسهم على صفة فجاءت كما قدّروها أو قدّر الطّائفون شرابها على قدر ريّهم لا يزيد ولا ينقص وذلك ألذّ للشّارب.

[١٧] ـ (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً) أي خمرا (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) في الطّعم ، والعرب تستلذّه.

[١٨] ـ (عَيْناً) بدل من «زنجبيلا» (فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) من السّلاسة على زيادة الباء ولسلاسة مساغها في الحلق ، ويفيد نفي لذع الزّنجبيل المنافي للسّلاسة.

[١٩] ـ (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) بصفة الولدان لا يتغيّرون (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لحسنهم وصفائهم وانتشارهم في الخدمة.

[٢٠] ـ (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) لا مفعول له أي إذا رميت ببصرك في الجنّة وجواب «إذا» : (رَأَيْتَ نَعِيماً) أي نعيم (وَمُلْكاً كَبِيراً) باقيا لا يزول أو متّسعا.

روي انّ أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه (٢).

[٢١] ـ (عالِيَهُمْ) نصب ظرفا أي فوقهم وهو خبر مقدّم ، أو حالا من هم في «ولقاهم» أو «جزاهم» أو «عليهم» أو من «نعيما» بتقدير أهل نعيم أي يعلوهم ،

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٣٨.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٣٥ ـ تفسير مجمع البيان ٥ : ٤١١.

٤٠٣

وسكّن «نافع» و «حمزة» «الياء» على انّه مبتدأ (١) خبره : (ثِيابُ سُندُسٍ) ما رقّ من الحرير (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) ما غلظ من الدّيباج ، وجرّ «ابن كثير» و «أبو بكر» «خضر» (٢) صفة «سندس» بالمعنى لأنّه اسم جنس ورفعا «إستبرق» عطفا على «ثياب».

وعكس «ابن عامر» و «أبو عمرو» ورفعهما «نافع» و «حفص» وجرّهما «حمزة» و «الكسائي» (٣) (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وفي مواضع من ذهب ولا منافاة لجواز التّعاقب والجمع ، وكون تلك الفضّة أفضل من الذّهب (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) طاهرا من الأقذار ، لم تمسّه الأيدي الوضرة (٤) ولم تدنّسه الاقدام الدّنسة ، ولم يصر نجاسة بل يرشّح من أبدانهم عرقا أطيب من المسك ، أو مطهّرا لبطونهم مما أكلوا بترشيحه عرقا كالمسك ، أو مطهرا لهم من الميل الى ما سوى الحقّ فلا يلتفتون إلّا الى أنوار عظمته المتجلّية لهم.

وهذا نهاية مقامات الصّديقين ، ولذلك أسند السّقي إليه تعالى وختم به ثوابهم ويقال لهم :

[٢٢] ـ (إِنَّ هذا) الثّواب (كانَ لَكُمْ جَزاءً) على حسناتكم (وَكانَ سَعْيُكُمْ) في مرضاة الله (مَشْكُوراً) مقبولا مثابا عليه.

[٢٣] ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) مفصّلا نجوما ، لحكم منها تسليتك.

[٢٤] ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بتبليغ رسالته وتحمّل أذى قومك الى أن تؤمر بقتالهم (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) أي ايّهما كان فيما دعاك إليه من إثم أو كفر لا مطلقا ، لإشعار الوصفين المترتّب عليهما النّهي بهما.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٣٩.

(٢) حجة القراءات : ٧٤٠.

(٣) حجة القراءات : ٧٤٠.

(٤) الوضرة : الوسخة.

٤٠٤

وقيل : الآثم عتبة ، والكفور : الوليد ، فإنّهما قالا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجع عن دينك نرضك بالتزويج والمال (١).

[٢٥] ـ (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) واظب على ذكره أو على صلاة الفجر والظّهرين.

[٢٦] ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ) بعضه (فَاسْجُدْ لَهُ) فصلّ العشاءين له (وَسَبِّحْهُ) وتهجّد له (لَيْلاً طَوِيلاً) يفيد رجحان تطويل نوافله.

[٢٧] ـ (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) الدّنيا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً) شديدا أي لا يعملون له.

[٢٨] ـ (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) وثّقنا ربط اوصالهم بالعصب (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا) بعد إهلاكهم (أَمْثالَهُمْ) في الخلقة وشدّ الأسر (تَبْدِيلاً) أي اعدناهم وجيء ب «إذا» لتحقّقه أو بدّلنا غيرهم ممّن يؤمن ، ولعلّ «إذا» لتنزيله منزلة المحقّق مبالغة في استحقاقهم ايّاه.

[٢٩] ـ (إِنَّ هذِهِ) السّورة (تَذْكِرَةٌ) عظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) الى رضاه (سَبِيلاً) بالطّاعة.

[٣٠] ـ (وَما تَشاؤُنَ) اتّخاذ السّبيل إليه ، وقرأ «نافع» و «الكوفيون» بالتّاء (٢) (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) جبرهم عليه ولكن لا يشاءوه لمخالفته للحكمة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فلا يفعل خلاف مقتضى الحكمة.

[٣١] ـ (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) جنّته ، وهم المؤمنون (وَالظَّالِمِينَ) نصب بفعل يفسّره معنى (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) كما وعد وجازى ونحوهما.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : ٤١٣.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٥٦.

٤٠٥
٤٠٦

سورة المرسلات

[٧٧]

خمسون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً).

[٢] ـ (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً).

[٣] ـ (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً).

[٤] ـ (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً).

[٥] ـ (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً).

اقسم تعالى بطوائف الملائكة المرسلة بأوامره متتابعة كعرف الفرس ، أو للمعروف فعصفن كالرّياح ممتثلات أمره ، ونشرن الشّرائع في الأرض ، أو اجنحتهنّ نازلات بالوحي ففرقن بين الحقّ والباطل فألقين ذكرا الى الأنبياء.

أو برياح عذاب ارسلهنّ متتابعات فعصفن ورياح رحمة نشرن السّحاب في الجوّ ففرقنه فألقين ذكرا أي تسبّبن له ، إذ من شاهدها عرف قدرة الله فذكره.

أو بآيات القرآن المرسلة بكلّ عرف الى «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعصفت

٤٠٧

بسائر الكتب بالنّسخ ونشرت أنوار الهدى في القلوب ، ففرقت بين الحقّ والباطل فألقت الذّكر الى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقيل : الثّلاث الاول أو الأوليان للرّياح والباقيتان أو البواقي للملائكة ، ويعضد الأخير عطف الثّانية على الاولى بفاء السّببيّة والثّالثة بالواو وعطف الأخيرتين عليها بالفاء.

[٦] ـ (عُذْراً) للمحقّين (أَوْ نُذْراً) للمبطلين ، مصدران ل «عذر» و «نذر» أو اعذر وانذر ، ونصبا علّة أو بدلا من «ذكرا» على انّه الوحي أو جمعا عذير ونذير بمعنى المعذرة والإنذار ، والنّصب لما مرّ او بمعنى العاذر والنّاذر ، فهما حالان وضمّ «نذرا» «الحرميّان» و «ابن عامر» و «أبو بكر» (١) وجواب القسم :

[٧] ـ (إِنَّما تُوعَدُونَ) من البعث والجزاء (لَواقِعٌ) كائن لا محالة.

[٨] ـ (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) محق نورها.

[٩] ـ (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) شقّت.

[١٠] ـ (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) ذريت كحبّ نسف بمنسف.

[١١] ـ (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) عرفت وقت شهادتهم على أممهم وكان قبل مبهما وأصله بالواو ، وبه قرأ «أبو عمرو» (٢).

[١٢] ـ (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) اخّرت ، وضرب الأجل لجمعهم تهويل وتعجيب منه ثمّ بيّنه فقال : [١٣] ـ (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) ومنه يؤخذ جواب «إذا» أي وقع الفصل بين الخلائق.

[١٤] ـ (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) زيادة تهويل لشأنه.

[١٥] ـ (وَيْلٌ) أصله النّصب على المصدر بتقدير فعله ورفع مبتدءا ليفيد الثّبات كسلام عليك (يَوْمَئِذٍ) ظرفه أو صفته (لِلْمُكَذِّبِينَ) بذلك ، وكرّر تجديدا

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٤٢.

(٢) حجة القراءات : ٧٤٢.

٤٠٨

للتّهديد وتأكيدا للوعيد.

[١٦] ـ (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) بتكذيبهم.

[١٧] ـ (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ) أي نحن نتبعهم (الْآخِرِينَ) ممّن كذّبوا ككفّار مكّة.

[١٨] ـ (كَذلِكَ) الفعل أي الإهلاك (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) بكلّ مجرم.

[١٩] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بآياتنا.

[٢٠] ـ (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) منّي قذر حقير.

[٢١] ـ (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) حريز هو الرّحم.

[٢٢] ـ (إِلى قَدَرٍ) مقدار من الوقت (مَعْلُومٍ) عند الله للولادة.

[٢٣] ـ (فَقَدَرْنا) على ذلك أو فقدرناه ليوافق قراءة «نافع» و «الكسائي» بالتّشديد (١) (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) نحن.

[٢٤] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بقدرتنا.

[٢٥] ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) مصدر كفت ، أي ضمّ وصف به أو اسم لما يكفت.

[٢٦] ـ (أَحْياءً) على ظهرها (وَأَمْواتاً) في بطنها ونصبا على المفعوليّة ل «كفاتا» ونكّر تفخيما ، أو الحاليّة من مفعوله المحذوف للعلم به أي نكفتكم.

[٢٧] ـ (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) جبالا ثوابت عوالي (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) عذبا انبعناه فيها.

[٢٨] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بنعمتنا ويقال لهم : [٢٩] ـ (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من العذاب ، ثمّ بيّنه فقال :

[٣٠] ـ (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍ) هو دخان جهنّم (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) تتشعّب لعظمته

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٤٣.

٤٠٩

أو تحيط بهم يمينا وشمالا ومن فوقهم ، وقيل : هو النّار (١).

[٣١] ـ (لا ظَلِيلٍ) لا يكنّهم من الأذى كسائر الظّلال (وَلا يُغْنِي) عنهم (مِنَ اللهَبِ) من حرّها شيئا.

[٣٢] ـ (إِنَّها) أي الشّعب أو النّار المعلومة من المقام (تَرْمِي بِشَرَرٍ) هو ما تطاير منها (كَالْقَصْرِ) في عظمته.

[٣٣] ـ (كَأَنَّهُ) في اللون والكثرة والتّتابع والاختلاط والسّرعة «جمالات» (٢) جمع جمال أو جمالة جمع جمل وقرأ «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» : «جمالت» (٣) (صُفْرٌ) فإنّ النّار صفراء.

وقيل سوداء إذ سواد الإبل يشوبه صفرة ، وعن «يعقوب» جمالات بالضّمّ جمع جمالة ، (٤) ما غلظ من حبال السّفن ، شبّه بها في امتداده.

[٣٤] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٣٥] ـ (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) بما ينفعهم ، فنطقهم كلا نطق ، أو بشيء دهشة وحيرة ، وهذا في موطن ويختصمون في آخر.

[٣٦] ـ (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) في الاعتذار (فَيَعْتَذِرُونَ) عطف على «يؤذن» فيفيد نفي الإذن والاعتذار عقيبه بلا تسبّب ولو نصب جوابا أفاد انّهم لم يعتذروا لعدم الإذن فيوهم انّ لهم عذرا لم يؤذن لهم فيه.

[٣٧] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٣٨] ـ (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ) ايّها الآخرون (وَالْأَوَّلِينَ).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤١٨.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «جمالت» بالإفراد ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٧٤٤.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٣٨.

٤١٠

[٣٩] ـ (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ) حيلة (فَكِيدُونِ) فاحتالوا لدفع العذاب عنكم ، تعجيز لهم وتوبيخ على كيدهم للمؤمنين في الدّنيا.

[٤٠] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٤١] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ).

[٤٢] ـ (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) بدل ظلّ المكذّبين الّذي لا يكنّ ولا يغني من الحرّ ويقال لهم :

[٤٣] ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من الحسنات.

[٤٤] ـ (إِنَّا كَذلِكَ) كما جزينا المتّقين (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وهذا ممّا يزيد حسرة المكذّبين ولهذا اردف بقوله :

[٤٥] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٤٦] ـ (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً) من الزّمان وهو مدّة أعماركم (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) مستحقّون للعقاب.

[٤٧] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٤٨] ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا) صلّوا ، أو اخضعوا وانقادوا (لا يَرْكَعُونَ) ويفيد كون الأمر للوجوب وانّ الكفّار مخاطبون بالفروع.

[٤٩] ـ (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

[٥٠] ـ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ) بعد القرآن (يُؤْمِنُونَ) إذ لا حديث يماثله في الإعجاز وبيان الدلائل ، فإذا لم يؤمنوا به لم يؤمنوا بحديث غيره.

٤١١
٤١٢

سورة النبأ

[٧٨]

احدى وأربعون آية وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١ ـ ٢] ـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) بحذف ألف «ما» الاستفهام تفخيم لشأن المتساءل عنه كأنّه لعظمته جهلت حقيقته ، فيسأل عنه والواو لقريش أي يسأل بعضهم بعضا.

أو يسألون النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين استهزاء ، ثمّ بيّن المتساءل عنه فقال : [٢] ـ (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) وهو البعث أو القرآن أو أمير المؤمنين «عليّ» عليه‌السلام.

[٣] ـ (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) بالتّصديق به والتّكذيب.

[٤] ـ (كَلَّا) ردع عن التّكذيب به (سَيَعْلَمُونَ) عاقبة تكذيبهم ، تهديد عليه.

[٥] ـ (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) كرّر ب «ثمّ» مبالغة في التّهديد وإيذانا بأشدّية الثّاني.

وقيل : الأوّل عند النّزع والثّاني في الآخرة (١) ثمّ نبّه على القدرة على البعث بدلائل هي نعم يجب الشّكر عليها بالطّاعة لموليها ، فقال : [٦] ـ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً)

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٣٩.

٤١٣

وطاء كالمهد.

[٧] ـ (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) تثبت الأرض لئلا تميد بأهلها.

[٨] ـ (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ذكرانا وإناثا.

[٩] ـ (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) قطعا لتصرف جوارحكم وقواكم لتستريح به.

[١٠] ـ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ساترا بظلمته.

[١١] ـ (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) وقت معاش ، تكسبون فيه ما تتعيّشون به.

[١٢] ـ (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) سبع سموات ، وثيقات محكمات لمنافع بها حفظ النّظام.

[١٣] ـ (وَجَعَلْنا سِراجاً) هو الشمس المنيرة للعالم (وَهَّاجاً) متلألئ وقّادا أو شديد الحرّ.

[١٤] ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) السّحائب الّتي شارفت أن تمطر ومنه أعصرت الجارية : دنت أن تحيض ، أو الرّياح الّتي تعصر السّحاب فيمطر فكأنّها مبدأ الإنزال (ماءً ثَجَّاجاً) صبّابا بدفع.

[١٥] ـ (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا) كالحنطة والشّعير (وَنَباتاً) كالتّبن والحشيش.

[١٦] ـ (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) بساتين ملتفّة الشّجرة ، جمع لفيف كشريف واشراف ، أو لفّ بالكسر.

[١٧] ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً) حدّا ينتهى إليه الخلائق للجزاء.

[١٨] ـ (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بدل أو بيان ل «يوم الفصل» والنّفخة هي الثّانية لقوله : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) جماعات ، من قبوركم الى المحشر.

وسئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ، فقال : معناه انّه يحشر عشرة أصناف من امّتى : القتّات على صور القردة ، وأهل السّحت على صور الخنازير ، وأكلة الرّبا منكوسين يسحبون على وجوههم ، والجائرون في الحكم عميا ، والمعجبون بأعمالهم صمّا

٤١٤

وبكما ، والعلماء الّذين خالف قولهم عملهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة يسيل القيح من أفواههم ، والمؤذون جيرانهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم ، والسّعاة بالنّاس الى السّلطان مصلّبين على جذوع من نار والتّابعون للشّهوات المانعون حقّ الله اشدّ نتنا من الجيف ، وأهل الكبر والفخر يلبسون جبابا من قطران (١).

[١٩] ـ (وَفُتِحَتِ) (٢) (السَّماءُ) شقّقت ، لنزول الملائكة وخفّفه «الكوفيّون» (٣) (فَكانَتْ) فصارت (أَبْواباً) كلّها لكثرة شقوقها أو ذات أبواب.

[٢٠] ـ (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) في الجوّ كالهباء (فَكانَتْ سَراباً) كالسّراب ، يظنّ انّها جبال وليست ايّاها.

[٢١] ـ (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) مكانا يرصد فيه خزنتها الكفّار ، أو خزنة الجنّة المؤمنين ليقوهم وهجها لأنّ مجازهم عليها أو راصدة للكفرة لا يفوتونها.

[٢٢] ـ (لِلطَّاغِينَ مَآباً) مرجعا.

[٢٣] ـ (لابِثِينَ) حال مقدّرة وحذف «حمزة» الألف (٤) (فِيها أَحْقاباً) دهورا متتابعة لا تتناهى ، وتناهى الحقب لو سلّم لا يستلزم تناهيها.

وعن «الباقر» عليه‌السلام : انّها في الّذين يخرجون من النّار (٥).

[٢٤] ـ (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً) روحا من حرّ النّار أو نوما (وَلا شَراباً) ماء يسكن عطشهم.

[٢٥] ـ (إِلَّا) لكن (حَمِيماً) ماء شديد الحرّ (وَغَسَّاقاً) ما يغسق أي يسيل

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٣٩.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «وفتحت» بالتخفيف ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٦٠.

(٤) حجة القراءات : ٧٤٥.

(٥) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٢٤.

٤١٥

من صديدهم فإنّهم يذوقونه ـ وشدّده «حفص» و «الكسائي» ـ (١) جوزوا بذلك.

[٢٦] ـ (جَزاءً وِفاقاً) موافقا ، أو ذا وفاق لأعمالهم في القبح والفظاعة ثمّ بيّنها بقوله :

[٢٧] ـ (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ) لا يتوقعون أو لا يخافون (حِساباً) لإنكارهم البعث.

[٢٨] ـ (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) الّتي أتت بها الرّسل أو القرآن (كِذَّاباً) تكذيبا ، واطّرد فعّال مشدّدا بمعنى تفعيل في فصيح الكلام.

[٢٩] ـ (وَكُلَّ شَيْءٍ) نصب بفعل يفسّره : (أَحْصَيْناهُ كِتاباً) مصدر ل «أحصيناه» لتضمّنهما معنى الضّبط ، أو لفعله المقدّر أو حال أي مكتوبا في اللوح ، أو صحف الحفظة ، والجملة معترضة أو حال ، ثمّ رتّب على كفرهم وتكذيبهم على الالتفات قوله :

[٣٠] ـ (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) لاستمراره فهو متزايد ابدا.

[٣١] ـ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) فوزا أو مكانه.

[٣٢] ـ (حَدائِقَ) بساتين بدل أو بيان ل «مفازا» (وَأَعْناباً) تخصيصه لفضله.

[٣٣] ـ (وَكَواعِبَ) جواري تكعّبت ثديهنّ (أَتْراباً) لدات.

[٣٤] ـ (وَكَأْساً دِهاقاً) مملوءة مترعة.

[٣٥] ـ (لا يَسْمَعُونَ فِيها) في الجنّة (لَغْواً) قولا ساقطا (وَلا كِذَّاباً) تكذيبا من بعض لبعض ، وخفّفه «الكسائي» (٢) أي كذبا أو مكاذبة.

[٣٦] ـ (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ) أي جازاهم على تقواهم بذلك جزاء (عَطاءً) بدل من «جزاء» أو مفعوله (حِساباً) كافيا ، من أحسبته اي كفيته ، حتّى قال حسبي ، أو على حسب أعمالهم أو كثيرا.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٦٠ و ٢٣٢.

(٢) حجة القراءات : ٧٤٦.

٤١٦

[٣٧] ـ (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) خبر محذوف وجرّه «الكوفيون» و «ابن عامر» بدلا من «ربّك» (١) (الرَّحْمنِ) بالجرّ صفته قراءة «عاصم» و «ابن عامر» ورفعه الباقون خبر محذوف أو مبتدأ (٢) خبره : (لا يَمْلِكُونَ) أي أهل السماوات والأرض (مِنْهُ) تعالى (خِطاباً) لا يقدرون أن يخاطبوه إلا بإذنه.

[٣٨] ـ (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) جبرئيل ، أو خلق أعظم من الملائكة أو جنس الأرواح (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) حال أي مصطفّين ، فيقوم الرّوح وحده صفّا والملائكة صفّا أو صفوفا (لا يَتَكَلَّمُونَ) أي هؤلاء أو الخلق تأكيد ل «لا يملكون» (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أن يشفع أو يشفع له (وَقالَ صَواباً) شفع لمن ارتضى أو شهد بالتّوحيد.

عن «الصادق» عليه‌السلام : نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون «صوابا» نحمد ربّنا ونصلّى على نبيّنا ونشفع لشيعتنا (٣).

[٣٩] ـ (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) الثّابت الوقوع لا محالة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) مرجعا بطاعته.

[٤٠] ـ (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) ايّها الكفّار (عَذاباً قَرِيباً) أي عذاب الآخرة الآتي ، وكلّ آت قريب (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) عامّ وقيل : هو الكافر بقرينة «أنذرناكم» فالكافر وضع موضع ضميره للذّم (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من خير وشرّ و «ما» استفهاميّة منصوبة ب «قدّمت» أو موصولة منصوبة ب «ينظر» (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) أي لم اخلق في الدّنيا ، أو لم ابعث اليوم فلم اعذّب ، أو يتمنّى حال البهائم إذ تردّ ترابا بعد حشرها للقصاص كما قيل (٤).

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٤٧.

(٢) حجة القراءات : ٧٤٧.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٢٧.

(٤) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٤١.

٤١٧
٤١٨

سورة النّازعات

[٧٩]

خمس أو ستّ وأربعون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ [٢] ـ (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً).

[٣] ـ [٤] ـ (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً).

[٥] ـ (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) اقسم تعالى بالملائكة الّتي تنزع أرواح الكفّار إغراقا في النّزع من أقصى أبدانهم ، وتنشط أي تخرج أرواحهم بعنف ، وأرواح المؤمنين برفق وتسبح بها كالسّابح بشيء في الماء فتسبق بأرواح الكفّار الى النّار وبأرواح المؤمنين الى الجنّة ، فتدبّر أمرهم حسب ما أمرت به ، أو ما عدا الأوّلين للملائكة الّتي تسبح أي تسرع في مضيّها فتسبق الى ما أمرت به فتدبّر أمره.

أو بالنّجوم الّتي تنزع من المشرق غرقا في النّزع حتّى تغيب في المغرب وتنشط من برج الى برج اي تخرج وتسبح في الفلك ، فيسبق بعضها بعضا في السّير فتدبّر أمرا خلقت لأجله كتقدير الازمنة والفصول وغير ذلك بتسخير مبدعها.

أو بسرايا الغزاة تنزع القسيّ بإغراق السّهام وتنشطها منها وتسرع في مضيّها فتسبق

٤١٩

الى الجهاد فتدبّر أمره.

أو بخيلهم تنزع في أعنّتها نزعا تغرق فيه الأعنّة لطول أعناقها وتنشط من مرابطها الى العدوّ وتسبح في جريها فتسبق إليه فتدبّر أمر الظّفر ، وجواب القسم «لتبعثنّ» حذف إذ دلّ عليه :

[٦] ـ (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) وهو ظرفه وهي النّفخة الاولى ، يرجف بها كلّ شيء أي يتزلزل ، وصفت بما يحدث بسببها أو هي الأرض والجبال.

[٧] ـ (تَتْبَعُهَا) حال منها (الرَّادِفَةُ) النّفخة الثّانية ، وبينهما أربعون سنة أو السّماء والكواكب تنفطر وتنتثر واليوم يسع النفختين وغيرهما فتصح ظرفيّته للبعث الكائن بالثّانية.

[٨] ـ (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) قلقة من الخوف صفتها ، والخبر : [٩] ـ (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) أبصار أهلها ذليلة.

[١٠] ـ (يَقُولُونَ) ـ إنكارا للبعث ـ : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) بعد الموت (فِي الْحافِرَةِ) في الحالة الاولى أي الحياة ، يقال رجع في حافرته أي في طريقته الّتي جاء فيها فحفرها أي اثر فيها بمجيئه ، فهي محفورة.

وسمّيت حافرة مجازا أو على النّسبة أي ذات حفر.

[١١] ـ (أَإِذا كُنَّا عِظاماً) وقرأه «نافع» و «ابن عامر» و «الكسائي» خبرا (١) (نَخِرَةً) بالية ، وقرأ «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» : «ناخرة» بالألف (٢).

[١٢] ـ (قالُوا) ـ استهزاء ـ : (تِلْكَ) أي رجعتنا الى الحياة (إِذاً) ان صحّت (كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) رجعة ذات خسران ، أو خاسر أهلها.

[١٣] ـ (فَإِنَّما هِيَ) أي الكرّة أي لا تستصعبوها فما أمرها إلا (زَجْرَةٌ) صيحة (واحِدَةٌ) وهي النّفخة الثّانية.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٤٢.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٦١.

٤٢٠