الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

فالفتح فالمدّ أي مواطاة القلب للّسان فيها أو لها (وَأَقْوَمُ قِيلاً) أصوب قولا ، وقراءة لفراغ البال.

[٧] ـ (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) تصرّفا في مهامّك ، فلا تفرغ لمناجاة الله إلّا بالليل فتهجّد به.

[٨] ـ (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) في تهجّدك أو دائما بالتّسبيح والدّعاء والتّلاوة ونحوها (وَتَبَتَّلْ) وانقطع (إِلَيْهِ) في العبادة (تَبْتِيلاً) وضع موضع تبتّلا ، رعاية للفاصلة واشارة الى انّ التّبتّل مسبّب عن التّبتيل وهو أن يبتّل نفسه أي يقطعها عما يشغله عنه فيصير متبتّلا.

[٩] ـ (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) خبر مبتدأ محذوف وجرّه «أبو بكر» و «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» بدلا من «ربّك» (١) (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) موكولا إليه أمورك فإنّه يكفيكها وهو كالنّتيجة لما قبله.

[١٠] ـ (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من التّكذيب (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) بالمجانبة والمداراة.

[١١] ـ (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) مفعول معه أي كل الىّ أمرهم فأنا كافيكهم (أُولِي النَّعْمَةِ) التّنعّم صناديد قريش (وَمَهِّلْهُمْ) زمنا (قَلِيلاً) ويعلّل الأمر.

[١٢] ـ (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً) قيودا ثقالا ، جمع نكل بالكسر (وَجَحِيماً) نارا عظيمة.

[١٣] ـ (وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ) ينشب في الحلق كالزّقوم والضّريع (وَعَذاباً أَلِيماً) زيادة على ما ذكر ، وتنكير الكلّ للتّعظيم.

[١٤] ـ (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) تزلزل ظرف لمتعلّق «لدينا» (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً) رملا مجتمعا (مَهِيلاً) منثورا بعد اجتماعه.

__________________

(١) ينظر الكشف عن وجوه القراءات ٢ / ٣٤٥.

٣٨١

[١٥] ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ) يا أهل مكّة (رَسُولاً) هو «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (شاهِداً عَلَيْكُمْ) في الآخرة بما يكون منكم (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) هو «موسى» عليه‌السلام.

[١٦] ـ (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) المعهود (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) ثقيلا.

[١٧] ـ (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً) مفعول «تتّقون» أي تدفعون عذاب يوم (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) لشدّة هوله ، جمع أشيب ، مثل في الشّدّة ، وذلك لأنّ الهموم تطفئ الحرارة الغزيريّة ، فيستولى البلغم فيسرع الشّيب.

[١٨] ـ (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ) منشقّ ، والتّذكير لأنّ تأنيثه غير حقيقي أو لتأويله بالسّقف (بِهِ) بذلك اليوم لشدّته و «الباء» للآلة (كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) وعد الله أو اليوم من إضافة المصدر الى مفعوله.

[١٩] ـ (إِنَّ هذِهِ) الآيات المخوّفة (تَذْكِرَةٌ) عظة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) الى رضاه (سَبِيلاً) بالاتّعاظ والإيمان والطّاعة.

[٢٠] ـ (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) أقلّ (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) وسكّن هشام اللام (١) (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) عطف على «ثلثى» ونصبهما «ابن كثير» «والكوفيون» عطفا على «ادنى» (٢) (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) عطف على مستكن تقوم وجاز بلا تأكيد للفصل.

عن «ابن عباس» انّها «عليّ» عليه‌السلام و «أبو ذر» (٣) (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يعلم مقاديرهما فيعلم القدر الّذي تقومونه (عَلِمَ أَنْ) المخفّفة (لَنْ تُحْصُوهُ) لن تطيقوا إحصاء الوقت المقدّر على الحقيقة بسهولة (فَتابَ عَلَيْكُمْ) فخفّف عنكم ورفع

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٦.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٨١.

٣٨٢

التّبعة على التّقصير في ذلك كما رفعها عن التّائب (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) فصلّوا ما سهل عليكم بالليل.

عبّر عن الصلاة بالقراءة لأنّها جزؤها ، والمشهور وجوب التّهجّد عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوقت المخيّر فيه وندبه لأمّته (١) فشقّ عليهم فخفّف بذلك.

وقيل : كان فرضا على الكل فنسخ به (٢).

وقيل : أريد به قراءة القرآن بالليل ثم ذكر وجوها أخر للتّخفيف بقوله : (عَلِمَ أَنْ) المخفّفة (سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ) عطف على «مرضى» (يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) يسافرون ، طالبين للتّجارة أو تحصيل العلم وكلّ طاعة (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) وكلّ من الفرق الثّلاث يشقّ عليهم التّهجّد المذكور ، فهم أحقّ بالتّخفيف ، فلذلك كرّر مرتّبا عليهم بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الواجبة (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بالإنفاق تطوّعا في سبيل الخير أو بفعل الحسنات مطلقا.

وفيه ترغيب لإشعاره بالعوض كالتّصريح في : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) مال أو احسان (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ) فصل ، لأنّ (خَيْراً) كالمعرفة في امتناع تعريفه باللام لأنّ معناه خيرا ممّا تخلفونه أو من الدّنيا وهو مفعول ثان ل «تجدوه» (وَأَعْظَمَ أَجْراً) لبقاء ثوابه (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) في كلّ حال لما عسى ان تكونوا قصّرتم فيه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للمؤمنين سيّما المستغفرين.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٢٨ ـ مع اختلاف يسير.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٢٨.

٣٨٣
٣٨٤

سورة المدّثّر

[٧٤]

خمس أو ستّ وخمسون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) أي المتدثّر المتغطّي بالدّثار.

قيل : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كنت بحراء فنوديت ، فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فرأيت الملك على عرش في الهواء فرعبت ، فأتيت أهلي فقلت :

دثّروني ، فنزل فقال : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١).

وقيل : اغتمّ من قريش فتغطّى بثوبه مفكّرا ، أو نام متدثّرا ، فنزلت (٢).

وقيل : أريد المتدثّر بالنّبوّة أو بالاختفاء لأنّه كان يختفي بحراء (٣).

[٢] ـ (قُمْ) من مضجعك أو شمّر (٤) وجدّ (فَأَنْذِرْ) ترك مفعوله للتّعميم.

وقيل : أريد فخوّف قومك بالنّار ان لم يؤمنوا.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٨٤.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٢٨.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٢٨.

(٤) التشمير : المرور مسرعا.

٣٨٥

[٣] ـ (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) عظّم عمّا لا يليق به ، ويشمل (١) قول الله اكبر.

قيل : لمّا نزل ، كبّر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكبّرت خديجة وأيقنت انّه الوحي (٢) والتّقديم للتخصيص و «الفاء» لإفادة معنى الشّرط كأنّه قيل ما يكن فكبّر وكذا

[٤] ـ (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) من النّجاسة أو فقصّر.

عن «عليّ» عليه‌السلام : قصّر ثيابك فإنّه أبقى وأتقى وأنقى ، (٣) أو نفسك فنزّه عن الأخلاق الذّميمة كما يقال للبريء من المثالب : طاهر الثّياب.

[٥] ـ (وَالرُّجْزَ) (٤) وضمّه «حفص» لغة فيه (٥) أي : والأوثان أو العذاب أي موجبه من الشّرك والمعاصي (فَاهْجُرْ) دم على هجره.

[٦] ـ (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) بالرّفع ، حال أي لا تعط شيئا مستكثرا أي طالبا اكثر منه ، نهي تنزيه أو خاصّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتكليفه بأفضل الأخلاق.

أو رائيا أنّه كثير أي استقلّه أو لا تمنن على الله بطاعتك مستكثرا لها ، أو على النّاس برسالتك مستكثرا بها اجرا منهم.

[٧] ـ (وَلِرَبِّكَ) لوجهه (فَاصْبِرْ) على ما كلّفته وأذى قومك.

[٨] ـ (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) نفخ في الصّور ، فاعول من النّقر بمعنى النّفخ إذ كلّ منهما سبب الصّوت.

قيل هي الاولى وقيل الثّانية و «الفاء» للتّسبّب كأنّه قيل اصبر على أذاهم فأمامهم يوم صعب يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك.

__________________

(١) في «د» يشتمل.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٢٨ ـ مع اختلاف يسير.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٨٥ روي ذلك عن الصادق عليه‌السلام.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «والرّجز» بضم الراء ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٥) حجة القراءات : ٧٣٣.

٣٨٦

[٩] ـ (فَذلِكَ) مبتدأ أي وقت النّقر (يَوْمَئِذٍ) بدله وفتح لإضافته الى المبنيّ أو ظرف لخبره وهو : (يَوْمٌ عَسِيرٌ) أي واقع يومئذ وناصب «إذا» ما دلّ عليه الجزاء أي عسر الأمر.

[١٠] ـ (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) تأكيد يفيد أنّ عسره عليهم لا يرجى زواله بخلاف المؤمنين فإنّه يسير عليهم.

[١١] ـ (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) حال من «الياء» أي اتركني وحدي معه اكفكه ، أو من «التّاء» اي ومن خلقته وحدي بلا شركة احد ، أو من العائد المقدّر أي خلقته فريدا لا مال له ولا ولد ، هو الوليد بن المغيرة ، أو ذمّ إذ لقّب به نفسه فتهكّم به ، أو أريد انّه وحيد لكن في الخبث أو عن الأب أي زنيم.

[١٢] ـ (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) متّسعا مستمرّا من الزّرع والضّرع والتّجارة.

[١٣] ـ (وَبَنِينَ شُهُوداً) حضورا معه يأنس بهم لا يفارقونه لغناهم عن طلب المعاش ، أو يشهدون المحافل ، أو تسمع شهادتهم وكانوا عشرة أو أكثر.

[١٤] ـ (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) بسطت له الجاه والرّياسة.

[١٥] ـ (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) استبعاد لطمعه في الزّيادة على ما اوتي مع كفرانه النّعمة.

[١٦] ـ (كَلَّا) ردع له عن الطّمع (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) معاندا ، استئناف يعلّل الرّدع كانّه قيل لم يزاد؟ فقيل : لعناده الموجب لسلب النّعم فكيف الزّيادة.

[١٧] ـ (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) سأغشيه مشقّة من العذاب أو جبلا من نار يصعد فيه ، ثمّ يهوي ابدا ثمّ فسر عناده فقال :

[١٨] ـ (إِنَّهُ فَكَّرَ) فيما يطعن به في القرآن (وَقَدَّرَ) ذلك في نفسه.

[١٩] ـ (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) فلعن على أيّ حال كان تقديره أو هو تعجيب من تقديره استهزاء به كقولهم : قتله الله ما أشعره أي بلغ في الشّعر حيث يحسد

٣٨٧

ويدعى عليه.

قيل سمع قراءة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لقومه : سمعت من محمّد كلاما ما هو كلام انس ولا جنّ ، وانّ له لحلاوة وانّ عليه لطلاوة (١) وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق وانّه ليعلو ولا يعلى.

فقالوا صبا الوليد فقعد إليه أبو جهل فكلّمه بما قالوا ، فناداهم : تزعمون انّ «محمّدا» مجنون وانّه كاهن وانه شاعر وانّه كذّاب ، فهل وجدتم عليه شيئا من ذلك؟

فقالوا لا ، فقال ما هو إلا ساحر لأنّه يفرّق بين الرّجل وأهله وولده ومواليه ، (٢) فسّرهم قوله :

[٢٠] ـ (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) كرّر «ثمّ» إيذانا بأبلغيّة الثّاني.

[٢١] ـ (ثُمَّ نَظَرَ) في وجوه قومه أو فيما يطعن به.

[٢٢] ـ (ثُمَّ عَبَسَ) قطب وجهه ، حيرة فيما يقول (وَبَسَرَ) واهتّم لذلك.

[٢٣] ـ (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق (وَاسْتَكْبَرَ) عن اتّباع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢٤] ـ (فَقالَ إِنْ) ما (هذا) أي القرآن (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) يروى عن السّحرة ، و «الفاء» تفيد انّه قاله حين خطر بباله بلا تراخ.

[٢٥] ـ (إِنْ) ما (هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) لم يعطف على ما قبله لأنّه كالتّأكيد له.

[٢٦] ـ (سَأُصْلِيهِ) سأدخله (سَقَرَ) النّار أو دركة منها.

[٢٧] ـ (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) تعظيم لها.

[٢٨] ـ (لا تُبْقِي) شيئا دخلها (وَلا تَذَرُ) ولا تتركه حتّى تهلكه.

[٢٩] ـ (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) مغيّرة لظاهر الجلود بالإحراق.

[٣٠] ـ (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ملكا ، خزنتها مالك ومن معه.

__________________

(١) الطلاوة : الحسن والبهجة ـ مجمع البحرين.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٢٩.

٣٨٨

والتخصيص بهذا العدد لحكمة لا تبلغها عقول البشر إلا من علّمه الله.

قيل : لمّا نزلت قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم امّهاتكم أيعجز كلّ عشرة منكم ان يبطشوا برجل منهم؟ فقال بعضهم : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين ، فنزل (١).

[٣١] ـ (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) فلا يطاقون لشدّتهم ولا يرحمون لعدم مجانستهم لكم (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إلّا محنة لهم ليظهر كفرهم باعتراضهم لم كانوا تسعة عشرا؟ و «إلا» تشديد تعبّد لهم ليستدلّوا به على كمال قدرتنا أو إلّا عدّة تقتضي فتنتهم وهي استهزاؤهم بها استقلالا لها فعبّر بالأثر عن المؤثر اشعارا بلزومه له (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) نبوّة «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإخباره بما يوافق ما في كتابهم من عدّتهم.

واللام فيه وفيما بعده للعاقبة (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) بالإيمان به (وَلا يَرْتابَ) فيه (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) تأكيد للاستيقان وازدياد الإيمان (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) نفاق ممّن سيحدثون بالمدينة فهو اخبار بالغيب (وَالْكافِرُونَ) علانية بمكّة (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا) العدد (مَثَلاً) سمّوه به استغرابا له (كَذلِكَ) الإضلال أي الخذلان لمنكر هذا العدد والهدى ، أي اللطف بمصدّقه (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) يخذله لعدم نفع اللطف فيه ، (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بلطفه لانتفاعه به (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) في قوّتهم وكثرتهم (إِلَّا هُوَ) فلا يعزّ عليه ان يزيد عدد الخزنة لكن له فيه حكمة ، اختصّ بها.

أو أريد انّ لكلّ من التّسعة عشر أعوانا لا يحصيهم إلّا هو (وَما هِيَ) أي سقر أو السّورة (إِلَّا ذِكْرى) تذكرة (لِلْبَشَرِ).

[٣٢] ـ (كَلَّا) ردع لمنكريها أو لمن زعم مقاومة خزنتها أو بمعنى حقّا تأكيد

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٨٨.

٣٨٩

للقسم في : (وَالْقَمَرِ).

[٣٣] ـ (وَاللَّيْلِ إِذْ) (١) بألف بعد الذّال «دبر» كفعل بمعنى أدبر وقرأ «نافع» و «حفص» و «حمزة» «إذ» ساكنة ، (٢) دبر كفعل.

[٣٤] ـ (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) أضاء ، وجواب القسم :

[٣٥] ـ (إِنَّها) أي سقر (لَإِحْدَى) الدّواهي (الْكُبَرِ) جمع كبرى أي عظمى.

[٣٦] ـ (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) تمييز أي لإحدى الدّواهي إنذارا ، أو حال عمّا دلّ عليه الكلام أي كبرت منذرة والتّذكير لأنّها بمعنى العذاب.

[٣٧] ـ (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) بدل من «للبشر» أي نذيرا لمن شاء السّبق الى الخير أو التّخلّف عنه ، أو «لمن شاء» خبر لأنّ بصلتها ، أي مخلّى لمن شاء التّقدّم في الخير أو التّأخّر عنه فلا يجبر على طاعة ولا معصية.

[٣٨] ـ (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) مرهونة بعملها ويشعر بأنّه العمل السّيئ بقرينة الرّهن ، والاستثناء في : [٣٩] ـ (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) فإنّهم فكّوا رقابهم بأعمالهم الحسنة.

قال «الباقر» عليه‌السلام هم نحن وشيعتنا (٣).

[٤٠] ـ (فِي جَنَّاتٍ) عظيمة الشّأن ، حال منهم أو من ضميرهم في : (يَتَساءَلُونَ) بينهم أو يسألون غيرهم.

[٤١] ـ (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) عن حالهم ، فأجاب المسؤولون بحكاية ما جرى بينهم وبين المجرمين وهو : [٤٢] ـ (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) أو المعنى يتساءلون اين المجرمون؟ فلمّا رأوهم قالوا لهم ذلك :

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «إذ» بدون ألف ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٣٣.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٩١.

٣٩٠

[٤٣] ـ (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) الصلاة المفروضة.

[٤٤] ـ (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ما فرض له ، فالكفّار مخاطبون بالفروع.

[٤٥] ـ (وَكُنَّا نَخُوضُ) في الباطل (مَعَ الْخائِضِينَ).

[٤٦] ـ (وَكُنَّا) مع ذلك كلّه (نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) البعث والجزاء.

[٤٧] ـ (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) عيان الموت.

[٤٨] ـ (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) لو شفعوا لهم ـ فرضا ـ.

[٤٩] ـ (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ) التّذكير أي القرآن (مُعْرِضِينَ) حال نحو مالك قائما.

[٥٠] ـ (كَأَنَّهُمْ) في نفارهم عن الذّكر وبلادتهم (حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) وحشيّة نافرة ، وفتح «نافع» و «ابن عامر» «الفاء» (١) أي نفرها شيء ويناسب الأوّل :

[٥١] ـ (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) أي أسد ، والتّنفير يناسبه الطّرد.

[٥٢] ـ (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) إذ قالوا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لن نتبعك حتّى تنزل على كلّ واحد منّا كتابا من الله يأمره باتّباعك.

[٥٣] ـ (كَلَّا) ردع لهم عمّا أرادوه (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) ولذلك اقترحوا الآيات.

[٥٤] ـ (كَلَّا) أي حقّا (إِنَّهُ) أي القرآن (تَذْكِرَةٌ) عظة بالغة.

[٥٥] ـ (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) اتّعظ به.

[٥٦] ـ (وَما يَذْكُرُونَ) وقرأ «نافع» بالتّاء ، (٢) وكأنّه التفات (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) جبرهم على الذّكر (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) أن يتّقى (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أن يغفر لمن اتّقاه.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٣٤.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٨.

٣٩١
٣٩٢

سورة القيامة

[٧٥]

أربعون ، أو تسع وثلاثون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) مرّ القول في «لا» في «الواقعة» وغيرها ، وقرأ قنبل :

«لا قسم» بغير ألف بعد اللام (١).

[٢] ـ (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) المؤمنة الّتي تلوم نفسها أبدا وان اجتهدت في الخير ، أو المتّقية اللائمة في القيامة للنّفوس التّاركة للتّقوى ، أو المطمئنّة اللائمة للأمّارة ، وجواب القسم مقدّر أي لتبعثنّ.

[٣] ـ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) أي منكر البعث ، انكار لحسبانه (٢) (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) للبعث.

[٤] ـ (بَلى) نجمعها (قادِرِينَ) حال من فاعل هذا المقدّر (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) انملته الّتي بها يتمّ الأصبع بأن نؤلّف سلامياته كما كانت مع صغرها ،

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ / ٣٤٩.

(٢) في «ألف» لحسابه.

٣٩٣

فكيف بالكبار.

أو بأن نجمعه كالخفّ والحافر (١) فيعجز عن اكثر أفعاله أي نقدر على جمع عظامه كهيئتها الاولى وضدّها.

[٥] ـ (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) اضراب عن «أيحسب» وهو إيجاب او استفهام (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ليستمرّ على فجوره في أوقاته الآتية أو يكذب بما أمامه من البعث.

[٦] ـ (يَسْئَلُ) استهزاء وتكذيبا (أَيَّانَ) متى (يَوْمُ الْقِيامَةِ).

[٧] ـ (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) تحيّر رعبا ، من برق الرّجل : دهش بصره ، من تأمّل البرق ، وفتحه «نافع» لغة (٢).

أو من البريق أي لمع لفرط شخوصه.

[٨] ـ (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) ذهب نوره.

[٩] ـ (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) في ذهاب الضّوء ، أو الطّلوع من المغرب ، والتّذكير لتغليب القمر.

[١٠] ـ (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) الفرار ، قول آيس من وجدانه.

[١١] ـ (كَلَّا) ردع عن طلب المفرّ (لا وَزَرَ) لا ملجأ يعتصم به.

[١٢] ـ (إِلى رَبِّكَ) وحده (يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) استقرار العباد فيحاسبهم ويجازيهم.

[١٣] ـ (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) بأوّل عمله وآخره ، أو بما قدّم من عمل عمله وبما أخّره فلم يعمله أو بما عمله وبما سنّه فعمل به بعده ، أو بما قدّم من مال لنفسه وبما خلّفه لغيره.

[١٤] ـ (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) حجّة واضحة ، لشهادته بما عملت ، أو

__________________

(١) اي كجمع الخف والحافر بالعقال.

(٢) حجة القراءات : ٧٣٦.

٣٩٤

بصير اي عليم بها و «الهاء» للمبالغة.

وسئل «الصّادق» عليه‌السلام : ما حدّ المرض الّذي يفطر صاحبه؟ قال : «بل الإنسان على نفسه بصيرة» وهو أعلم بما يطيق (١).

[١٥] ـ (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ولو جاء بكلّ معذّرة لم تنفعه لشهادته على نفسه ، جمع معذرة على غير قياس ، إذ قياسه معاذر.

وقيل : جمع معذار وهو السّتر أي ولو ارخى ستوره لا يخفى عمله.

[١٦] ـ (لا تُحَرِّكْ) يا «محمّد» (بِهِ) بالقرآن (لِسانَكَ) قبل تمام وحيه (لِتَعْجَلَ بِهِ) لتأخذه بعجلة ، حرصا عليه خوف نسيانه.

[١٧] ـ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك (وَقُرْآنَهُ) واجراء قراءته على لسانك.

[١٨] ـ (فَإِذا قَرَأْناهُ) عليك بقراءة جبرائيل (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قراءته بعد استماعها ولا تساوقه فيها.

[١٩] ـ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) بتفهيمك معناه ، ويفيد جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب واعتراض ذلك بين هذه الآيات لاتّفاقه عند نزولها ، أو لبيان ذمّ العجلة ولو في امور الدّين.

[٢٠] ـ (كَلَّا) حقّا ، وقيل ردع للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن عادة العجلة (٢) (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ).

[٢١] ـ (وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) تؤثرون الدّنيا على العقبى ، والضّميران للإنسان المتقدّم ذكره على ارادة الجنس. وقرأ «نافع» و «الكوفيون» بالتّاء فيهما تعميما للخطاب (٣) إشعارا بأنّ من طبع الإنسان حبّ العاجل.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٩٦.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٣٣.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٥٠.

٣٩٥

[٢٢] ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) بهجة حسنة.

[٢٣] ـ (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) احتجّ به على صحّة رؤيته تعالى ، إذ النّظر ان كان بمعنى الرّؤية فهو المطلوب ، وان كان بمعنى تقليب الحدقة نحو المرئيّ فهو ممتنع في حقّه تعالى لتنزّهه عن الجهة ، فيجب حمله على مسبّبه وهو الرّؤية مجازا.

وردّ : بأنّه ليس بأولى من حمله على حذف مضاف أي ثواب ربّها على انّه جاء حقيقة في الانتظار فليحمل عليه.

والمعنى منتظرة الى انعامه وان كان ثبوته بمعنى الانتظار موصولا ب «الى» يدفعه كثرة مجيئه في كلام العرب نثرا ونظما.

واسناده الى الوجوه باعتبار أهلها وليس بأبعد من إسناد الرّؤية إليها باعتبار بصرها وانتظار متيقّن الوقوع بعد البشارة به يوجب السّرور واللذة لا الغمّ والحزن.

وتقديم الصّلة للاختصاص أي لا ينتظرون إلا انعامه ، وهذا ممّا يمنع ارادة الرّؤية لأنّهم يرون ما لا يحصى دائما.

[٢٤] ـ (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) عابسة كالحة.

[٢٥] ـ (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) داهية تقصم فقار الظهر.

[٢٦] ـ (كَلَّا) ردع عن إيثار العاجل على الآجل (إِذا بَلَغَتِ) النّفس بقرينة الحال والمقال (التَّراقِيَ) اعالى الصّدر.

[٢٧] ـ (وَقِيلَ) قال ـ من حوله ـ : (مَنْ راقٍ) يرقيه بما يشفيه ، أو قالت الملائكة : من يرقى بروحه أملائكة الرّحمة أم ملائكة العذاب؟.

[٢٨] ـ (وَظَنَ) أيقن المحتضر (أَنَّهُ الْفِراقُ) انّ ما حلّ به فراق الدّنيا.

[٢٩] ـ (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ساقه بساقه من كرب الموت أو اتّصلت شدّة فراق ما يجب بشدّة هول الآخرة.

٣٩٦

[٣٠] ـ (إِلى رَبِّكَ) الى حكمه خاصّة (يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) السّوق.

[٣١] ـ (فَلا صَدَّقَ) بالحقّ أو فلا زكّى ماله (وَلا صَلَّى) لله ، وأمالها «حمزة» و «الكسائي» (١) وما بعدها من الفواصل.

[٣٢] ـ (وَلكِنْ كَذَّبَ) بالحقّ (وَتَوَلَّى) عن الإيمان.

[٣٣] ـ (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) يتبختر ، إعجابا بنفسه ، وأصله يتمطط من المطّ : المدّ ، إذ المتبختر يمدّ خطاه.

أو المطا : الظّهر ، والضّمائر للإنسان المتقدّم في «أيحسب الإنسان» أو لأبى جهل ثمّ خوطب على الالتفات.

[٣٤] ـ (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) كرّر تأكيدا ، وقيل : أريد وليك الشّرّ في الدنيا ثم في الآخرة (٢).

[٣٥] ـ (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) دعاء عليه ، فيه تهديد ، واللام زائدة أي وليك ما تكره ، أو الهلاك اولى لك.

[٣٦] ـ (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) هملا ، لا يكلّف ولا يجازى ، وهذا خلاف الحكمة فلا بدّ من تكليفه الموجب للمجازاة الموجبة للبعث إذ قد لا تكون في الدّنيا.

[٣٧] ـ (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍ) «تمنى» (٣) تراق في الرّحم ، والضّمير للنّطفة ، وقرأ «حفص» بالياء والضّمير للمنيّ (٤).

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٥٧٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠١.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يمنى» بالياء ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٧٣٧.

٣٩٧

[٣٨] ـ (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) فقدّره إنسانا فعدّله.

[٣٩ ـ ٤٠] ـ (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ) الصّنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) وهو دليل آخر على صحّة البعث ، ولذلك ردفه : [٤٠] ـ (أَلَيْسَ ذلِكَ) الفاعل لهذه الأمور (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى).

عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه قال لمّا نزلت : «سبحانك بلى» (١).

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ / ٢٣٣.

٣٩٨

سورة الإنسان

[٧٦]

احدى وثلاثون آية مدينة ، وقيل إلا بعضها ، وقيل كلّها مكية (١)

ويكذّبه النقل الصحيح ويشهد بعداوة قائله لأهل البيت عليهم‌السلام.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (هَلْ أَتى) بمعنى قد ، وأصله : أهل ، فتفيد تقريبا واستفهام تقرير (عَلَى الْإِنْسانِ) جنسه (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) طائفة من الزّمان الغير المحدود (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) بالإنسانيّة ، بل كان عنصرا ونطفة وهو حال من «الإنسان» أو صفة ل «حين» بتقدير رابط.

وقيل : أريد بالإنسان آدم (٢) ثمّ بيّن خلق بنيه بقوله :

[٢] ـ (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) اخلاط ، جمع مشج أو مشيج ، وصفت به لأنّها مجموع ماء الزّوجين وكلّ منهما ذو أجزاء مختلطة.

وقيل : مفرد كثوب اسمال أي نطفة مختلطة من الماءين ، أو بدم الحيض.

__________________

(١) انظر تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٢.

(٢) قاله الحسن ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٦.

٣٩٩

أو أطوارا نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ... الى آخر (نَبْتَلِيهِ) نختبره ، استئناف أو حال مقدّرة أي مريدين اختباره (فَجَعَلْناهُ) بسبب الابتلاء (سَمِيعاً بَصِيراً) ليسمع الآيات ويبصر الدّلائل فتلزمه الحجّة.

[٣] ـ (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) بنصب الأدلّة (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان مقدّرتان من الهاء أي هديناه في حال شكره أي إيمانه أو كفره ، وإمّا لتفصيل الأحوال.

[٤] ـ (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ) (١) يسلكون فيها ، ونوّنه «نافع» و «الكسائي» و «أبو بكر» و «هشام» ووقفوا بالألف (٢) ليناسب (وَأَغْلالاً) في أعناقهم وأيديهم (وَسَعِيراً) يصلونها.

وقدّم وعيدهم مع تأخّر ذكرهم لأهميّة التّخويف وحسن ذكر المؤمنين اوّل الكلام وآخره وطول وصفهم.

[٥] ـ (إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع برّ أو بارّ ، والمراد بهم «عليّ» و «فاطمة» وابناهما عليهم‌السلام بإجماع أهل البيت وشيعتهم واكثر مخالفيهم مع اجماع الكلّ على أنّهم ابرار ولم يجمعوا على غيرهم (٣).

وقد روى الخاصّ والعامّ : انّ الحسن والحسين عليهما‌السلام مرضا فعادهما جدّهما صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووجوه العرب فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر «عليّ» و «فاطمة» وجاريتهما «فضّة» صوم ثلاثة أيّام فبرئا ، وما معهم شيء ، فاستقرض «عليّ» عليه‌السلام من يهوديّ ثلاثة أصوع من شعير أو أخذه ليغزل له صوفا ، فطحنت «فاطمة» عليها‌السلام صاعا فاختبزته خمسة أقراص بعددهم.

فصلّى «عليّ» عليه‌السلام المغرب ، فوضعوه بين أيديهم ليفطروا ، فأتاهم مسكين

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «سلاسلا» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٣٧.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٠٧.

٤٠٠