الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

سورة الجمعة

[٦٢]

احدى عشرة آية مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) مجيئه تارة ماضيا واخرى مضارعا إيذان بدوام تنزيهه تعالى (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) فسّر (١).

[٢] ـ (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) العرب ، لأنّهم لا يقرءون ولا يكتبون غالبا (رَسُولاً مِنْهُمْ) من جنسهم عربيّا امّيّا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) يطهّرهم من دنس الكفر والمعاصي (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) القرآن (وَالْحِكْمَةَ) الشّرائع (وَإِنْ) هي المخفّفة (كانُوا مِنْ قَبْلُ) قبل بعثه (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) من الشّرك والبدع الباطلة ، واللام فارقة.

[٣] ـ (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) عطف على «الأمّيّين» وعلى «هم» في «يعلّمهم» (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) أي لم يلحقوا بعد ، وسيلحقون ، وهم كلّ من بعد الصّحابة الى يوم القيامة فإنّ دعوته تعمّهم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في بعث الرّسول بالمعجز (الْحَكِيمُ) في

__________________

(١) في سورة الحشر : ٥٩ / ٢٣.

٣٢١

اصطفاءه.

[٤] ـ (ذلِكَ) الفضل الّذي اختصّه به (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) بمقتضى حكمته (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهو الحقيق بإيتاء الفضل.

[٥] ـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) كلّفوا العمل بها وهم اليهود (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) لم يعملوا بها (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) كتبا ، لا ينال منها إلّا التّعب بحملها و «يحمل» صفته لعدم تعيّنه ، أو حال عاملها معنى «مثل» (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) الشّاهدة بنبوّة «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والمخصوص بالذّمّ «الّذين» بحذف مضاف أي مثل الّذين أو محذوف أي هذا المثل (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الى الجنّة ، أو لا يلطف بهم بظلمهم.

[٦] ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) أي إن صدقتم في زعمكم انّكم أولياؤه حيث قلتم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (١) فتمنّوا ان يميتكم لتتوصّلوا الى ثوابه ، ويدل على ما ذكرنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم ، والشّرط الأوّل كالقيد للثّاني.

[٧] ـ (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) بسبب ما قدّموا من كفرهم بالنّبي المنعوت في كتابهم ، وفيه معجزة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) بما يأتون وما يذرون.

[٨] ـ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) حرصا على الحياة وخوفا ان تؤخذوا بوبال كفركم (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ففراركم منه فرار إليه ، وهو أبلغ من لاحقكم في التّعبير عن عدم فوتهم له و «الفاء» لتضمّن الإسم معنى الشّرط باعتبار صفته (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بمجازاتكم به.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ١٨.

٣٢٢

[٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لم يقل «قل» كما في «اليهود» (١) تشريفا للمؤمنين بخطابه (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) اذن لها (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) «من» بمعنى «في» أو للتّبعيض أو لبيان «إذا».

وسمّي «جمعة» لاجتماع النّاس فيه للصّلاة وكان اسمه العروبة.

وقيل سمّاه كعب بن لوىّ لاجتماعهم فيه إليه (٢) (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) امضوا الى صلاة الجمعة أو خطبتها مسرعين ، والسّعي دون العدو.

وقيل ليس السّعي على الأقدام ولكنّه على النّيات (٣) ويعضده قراءة «فامضوا» المرويّة عن «عليّ» والصادقين عليهم‌السلام وجماعة ، (٤) واستحباب المضىّ بسكينة ووقار ، فلعلّ التّعبير بالسّعي للمبالغة في وجوب المضيّ والمحافظة عليه (وَذَرُوا الْبَيْعَ) ظاهر في تحريمه وان لم يمنع من الصّلاة والأظهر عدم انعقاده وتعديته الى سائر المعاملات قياس باطل معارض بما دلّ على اباحتها عقلا ونقلا إذا لم تمنع منها وفيه مبالغة في إيجابها ويؤكّده ايضا (ذلِكُمْ) أي السّعي الباقي أجره (خَيْرٌ لَكُمْ) من البيع الفاني نفعه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الخير ، علمتم انّ ذلك خير.

والآية صريحة في وجوبها عينا مع ما فيها من المبالغات واعتضادها بالأخبار الصّحيحة الصّريحة المستفيضة ، فلا وجه للتّخير بينها وبين الظّهر في زمن الغيبة.

ودعوى الإجماع عليه ممنوعة والقول بتحريمها فيه مع شذوذه في غاية الضّعف لضعف مستنده كما بيّن في محلّه (٥).

[١٠] ـ (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) فرغ من أدائها (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) اباحة بعد

__________________

(١) الآية ٦ من هذه السورة.

(٢) قاله ابو سلمة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨٦.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨٨.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨٨.

(٥) ينظر جامع المقاصد ٢ : ٣٧٤.

٣٢٣

حظر وكذا : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) اطلبوا الرّزق ، وروي انّه ليس بطلب الدّنيا وانّما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله.

وقيل طلب العلم (١) (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي على كلّ حال باللسان والقلب (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لتفوزوا.

[١١] ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) قيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الجمعة أو يخطب فقدمت «عير» تحمل طعاما ، فضربت طبلا للإعلام كعادتهم ، فخرج لها النّاس إلا اثنى عشر رجلا فنزلت (٢).

وقدّمت التّجارة على اللهو وهو الطّبل لأنّها المقصود ولذلك خصّت بردّ الضّمير ، أو التّقدير إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوا انفضّوا إليه.

و «أو» تشعر بأنّ منهم من خرج للطبل خاصّة وبأنّ الخروج للتّجارة مع الحاجة إليها إذا قبح فالطّبل أقبح (وَتَرَكُوكَ قائِماً) تصلّي أو تخطب (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ) من الثّواب المحقّق العظيم الباقي (خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ) لعدم نفعه (وَمِنَ التِّجارَةِ) لفناء نفعها الحقير الموهوم.

وقدّم «اللهو» ترقّيا من الأدنى الى الأعلى (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) إذ لا رازق بالحقيقة سواه ، فليطلب رزقه بطاعته لا بمعصية.

__________________

(١) قاله الحسن وسعيد بن جبير ومكحول ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨٩.

(٢) قاله الكلبي وابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨٧.

٣٢٤

سورة المنافقون

[٦٣]

احدى عشرة آية مدنيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا) نفاقا (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) أي أخبروا بأنّهم يعتقدون ذلك (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) على الحقيقة ، واقحم تنصيصا على أنّ المراد بقوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) تكذيبهم في اخبارهم بأنّهم يعتقدون ذلك.

[٢] ـ (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) الكاذبة (جُنَّةً) سترا ، دون أنفسهم وأموالهم (فَصَدُّوا) النّاس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دينه (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) اي عملهم.

[٣] ـ (ذلِكَ) المذكور من اوصافهم (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) ظاهرا (ثُمَّ كَفَرُوا) باطنا بإصرار (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي تمكّن الكفر فيها حتّى صارت كالمختوم عليها (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) الحقّ : فلم يخلصوا الإيمان.

[٤] ـ (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) ضخامة وجمالا (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)

٣٢٥

لفصاحته وحلاوته (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ) وسكّنه «قنبل» و «أبو عمرو» و «الكسائي» (١) (مُسَنَّدَةٌ) الى حائط في خلوّهم من العلم والخير (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ) كنداء في العسكر ونحو ذلك. (عَلَيْهِمْ) مفعول ثان أي واقعة عليهم لخورهم واتّهامهم (هُمُ الْعَدُوُّ) الكاملون في العداوة (فَاحْذَرْهُمْ) فإنّهم يبغون لك الغوائل (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم بالهلاك فإنّ من قاتله الله مقتول (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن الهدى.

[٥] ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا) ـ وخفّفه «نافع» ـ (٢) عطفوا (رُؤُسَهُمْ) تعنّتا وكراهة لذلك (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) يعرضون عن ذلك (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن إتيان الرّسول.

[٦] ـ (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ) اغنت همزة الاستفهام عن همزة الوصل (أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لإصرارهم على كفرهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) لا يلطف بهم لعدم نفع اللطف فيهم.

[٧] ـ (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) ـ لقومهم الأنصار ـ : (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) من المهاجرين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) عنه (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الأرزاق ، لا يملكها سواه (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ذلك.

[٨] ـ (يَقُولُونَ) قيل لطم مهاجر انصاريّا نزاعا على الماء في غزاة بني المصطلق فشكا الى ابن ابيّ ، فقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله (٣) وقال : (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ) يعني نفسه (مِنْهَا الْأَذَلَ) يعني المؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) الغلبة والقوّة (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بإعزازه لهم (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠٩.

(٢) حجة القراءات : ٧٠٩.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٠٤.

٣٢٦

[٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) لا تشغلكم (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) الصّلاة وسائر الطّاعات وتوجيه النّهي إليها للمبالغة في نهيهم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي اللهو بها (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) بإيثار الفاني على الباقي.

[١٠] ـ (أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) أي بعضه (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي اماراته (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا) هلا (أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) زمان قليل (فَأَصَّدَّقَ) فاتصدّق (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) في العمل ، وجزم عطفا على محلّ مجموع «فاصّدّق» ونصبه «أبو عمرو» عطفا على «اصّدّق» (١).

[١١] ـ (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها) منتهى عمرها (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فلا تخفى عليه ، وقرأ «أبو بكر» بالياء (٢).

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٠.

(٢) حجة القراءات : ٧١١.

٣٢٧
٣٢٨

سورة التغابن

[٦٤]

ثماني عشرة آية مدنية أو مكية إلا ثلاث آيات آخرها

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ) لا يستحقّهما غيره (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٢] ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أي كان الواجب عليكم أن تقابلوا نعمة الإيجاد بالاجتماع على الإيمان ، لا أن يغلب عليكم الكفر.

وقدّم الكافر نظرا الى هذه الغلبة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من كفر وايمان (بَصِيرٌ) عليم ، فيجازيكم به.

[٣] ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بالحكمة لا عبثا (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) حيث جعل شكل نوعكم أكمل الأشكال (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) فاحمدوه شكرا لنعمته ورجاء لرحمته وخوفا من نقمته.

[٤] ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) كلّيّا وجزئيّا (وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بمضمراتها.

٣٢٩

[٥] ـ (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يا كفّار مكّة (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) عقوبة كفرهم في الدّنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

[٦] ـ (ذلِكَ) أي الوبال والعذاب (بِأَنَّهُ) ضمير الشّأن (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات (فَقالُوا أَبَشَرٌ) يقال للواحد والجمع (يَهْدُونَنا) أنكروا أن يكون الرّسل بشرا (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا) أعرضوا عن معجزاتهم (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن طاعتهم وغيرها (وَاللهُ غَنِيٌ) عن كلّ شيء (حَمِيدٌ) بذاته.

[٧] ـ (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ) المخفّفة أي انّ الشّأن (لَنْ يُبْعَثُوا) وسدّت بجملتها مسدّ مفعولي «زعم» (قُلْ بَلى) تبعثون ، وأكّد بالقسم في : (وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) بالمجازاة به (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) لكفاية ارادته فيه.

[٨] ـ (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ) القرآن (الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) عليم.

[٩] ـ (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) مقدّر باذكر أو ظرف «تنبئنّ» (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) جمع الأوّلين والآخرين أي لأجل جزائه (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) يغبن فيه أهل الجنّة أهل النّار بأخذ منازلهم في الجنّة لو آمنوا ، فالتّفاعل بمعنى الفعل إذ لا غبن في العكس (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ) وقرأهما «نافع» و «ابن عامر» «بالنّون» (١) (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إذ فيه خلاص من العقاب ونيل للثّواب.

[١٠] ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي.

[١١] ـ (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بقضائه وعلمه (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يصدّق ويرض بقضائه (يَهْدِ قَلْبَهُ) يثبّته على المصير عليها ، أو يلطف به ليزداد من

__________________

(١) حجة القراءات ٧١١.

٣٣٠

الخير (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ومنه أحوال القلوب.

[١٢] ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) عن الطّاعة (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقد بلّغ.

[١٣] ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ) لا غيره (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في جميع أمورهم.

[١٤] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ) أي بعضهم (عَدُوًّا لَكُمْ) يحملونكم أن تعصوا الله لأجلهم ، أو يسعون فيما يضرّكم دينا ودنيا ويتمنّون موتكم (فَاحْذَرُوهُمْ) أن يورّطوكم في دينكم أو دنياكم (وَإِنْ تَعْفُوا) عنهم بترك عقابهم (وَتَصْفَحُوا) تعرضوا عن توبيخهم (وَتَغْفِرُوا) تستروا ما فرط منهم استصلاحا لهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر لكم وينعم عليكم.

[١٥] ـ (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) اختبار لكم (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) تحتقر عنده الأموال والأولاد ، فآثروه عليها.

[١٦] ـ (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي بقدر وسعكم وطاقتكم (وَاسْمَعُوا) قوله بقبول (وَأَطِيعُوا) أمره ونهيه (وَأَنْفِقُوا) في طاعته (خَيْراً) أي قدّموا أو يكن أو إنفاقا خيرا (لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فسرّ (١).

[١٧] ـ (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بأن تنفقوا المال لوجهه (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) أي جزائه من عشر الى سبعمائة واكثر ، وشدّده «ابن كثير» و «ابن عامر» بلا ألف (٢) (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ما يشاء (وَاللهُ شَكُورٌ) مثيب على الطّاعة (حَلِيمٌ) لا يعجّل العقوبة.

[١٨] ـ (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) محيط علمه ، تامّة قدرته ، بالغة حكمته.

__________________

(١) سورة الحشر : ٥٩ / ٩.

(٢) حجة القراءات ٧١٢.

٣٣١
٣٣٢

سورة الطلاق

[٦٥]

احدى أو اثنتي عشرة آية وهي مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) المعتدّة بالإقراء أي إذا أردتم تطليقهنّ.

خصّه بالنّداء ثمّ عمّه وامّته بالخطاب بالحكم لأنّه الرّئيس فنداؤه كندائهم (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) اللام للوقت أي وقتها وهو الطّهر الّذي لم يواقعن فيه ، فيحرم الطّلاق في الحيض اجماعا ، ويبطل عندنا خلافا لأكثرهم (١).

ويفيد انّ اقراء العدّة هي الأطهار كما هو الرّاجح ، ومن جعلها الحيضات علّق اللام بمحذوف كمستقبلات وهو خلاف الظاهر (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) اضبطوها واتمّوها (وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) بامتثال أوامره وترك مناهيه (لا تُخْرِجُوهُنَ) مدّة العدّة (مِنْ بُيُوتِهِنَ) الّتي طلّقن وهنّ فيها (وَلا يَخْرُجْنَ) وان اذن الزّوج لهنّ للإطلاق ، فإنّ لله فيه حقّا معهما ، وعليه اكثر أصحابنا ، ومنهم من اجازه إذا اذن

__________________

(١) ينظر كتاب الخلاف باب الطلاق المسألة (٢).

٣٣٣

الزّوج (١) لخبر (٢) لا يصلح مقيّدا للآية مع ما فيها من التأكيد بالجمع بين النّهيين وبما بعدهما من التّهديد.

نعم لو اضطرّت الى الخروج جاز بما تتأدّى به الضّرورة ، وفي بعض الاخبار قيد بما بعد نصف الليل (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ظاهرة أو مظهرة على قراءتي الكسر والفتح ، مستثنى من الأوّل أي إلا أن يبدأن على الزّوج ويؤذين اهله فيخرجن لدفع الضرر أو إلّا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهنّ ، أو من الثّاني مبالغة في النّهي بجعل خروجهنّ فاحشة (وَتِلْكَ) الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) مطلقا (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بتعريضها لسخطه (لا تَدْرِي) ايّها النّبيّ أو المكلّف (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) الطّلاق (أَمْراً) رغبة في الرّجعة.

[٢] ـ (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) قاربن آخر عدّتهنّ (فَأَمْسِكُوهُنَ) بالرّجعة (بِمَعْرُوفٍ) بحسن عشرة لا بإضرار (أَوْ فارِقُوهُنَ) اتركوهنّ حتّى تنقضي عدّتهن (بِمَعْرُوفٍ) بطريق جميل لا بإضرار بأن يراجع فيطلّق لتطول عدّتها (وَأَشْهِدُوا) على الطّلاق لا الرّجعة ولا الفرقة كقول العامّة لأنّه المقصود اصالة هنا وهما من توابعه توسّط ذكرهما بين أحكامه ، ولإجماعنا واخبار ائمّتنا عليهم‌السلام الصّريحة في وجوب الاشهاد عليه كما هو مفاد الأمر واشتراطه به.

وأبو حنيفة جعله للنّدب في الرّجعة والفرقة ، والشافعي جعله للوجوب في الرّجعة وللنّدب في الفرقة (٣) والقولان إخراج للأمر عن حقيقته بلا دليل (ذَوَيْ عَدْلٍ) أي عدلين (مِنْكُمْ) ايّها المسلمون (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ) ايّها الشّهود عند طلبه (لِلَّهِ)

__________________

(١) كتاب المسالك كتاب العدد باب لواحق المطلقة الرجعية / ومنهم ابو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي في الفقه / ٣١٢.

(٢) أي اعتمادا على خبر خاص ، ولكن ذلك الخبر لا يصلح مقيدا للآية.

(٣) كتاب الخلاف ـ كتاب الطلاق المسألة (٤).

٣٣٤

لوجهه لا لغرض آخر (ذلِكُمْ) المذكور من الأحكام (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإنّه المنتفع بالوعظ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في أوامره ونواهيه (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) من كرب الدّنيا والآخرة وغمومهما ومنها غمّ الأزواج.

[٣] ـ (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) من وجه لم يخطر بباله.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي لأعلم آية لو أخذ النّاس بها لكفتهم «ومن يتق» فما زال يقرؤها ويعيدها (١).

قيل : أسر ابن لرجل فذكره أبوه للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشكا إليه الفاقة فقال : اتّق الله واصبر وأكثر قول «لا حول ولا قوة إلا بالله» فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل ، غفل عنها العدوّ فاستاقها فنزلت (٢) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) كافيه (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) مقدّرا أو ميقاتا.

[٤] ـ (وَاللَّائِي) في الموضعين ، القراءة ما مرّ في الأحزاب (٣) (يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) بحسب الظّاهر (إِنِ ارْتَبْتُمْ) شككتم في وصولهنّ حدّ اليأس (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) لعدم تحقّق اليأس (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) ومثلهنّ تحيض أي عدّتهنّ كذلك.

وقيل معناها : واللائي يئسن إن ارتبتم أي جهلتم عدّتهنّ فهي ثلاثة أشهر ، وكذلك من لم يحضن لعدم بلوغهنّ.

فعلى الأوّل لا عدّة على اليائس والصّغير مع الدّخول وعليه أكثر أصحابنا ونطقت به اخبار كثيرة (٤).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٠٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٠٦.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤.

(٤) ينظر كتاب الخلاف كتاب العدّة المسألة (١).

٣٣٥

وعلى الثّاني عليهما العدّة وعليه العامّة وبعضنا ، وورد به بعض الاخبار (١) ولتحقيقه محلّ آخر (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) نهاية عدّتهنّ (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وهو خاصّ بالمطلّقات ، لأنّ الكلام في عدّتهنّ فشموله للمتوفّى عنها زوجها مشكوك وهي داخلة في : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ...) (٢) بلا شكّ.

والعموم المشكوك اولى بالتخصيص ولا يرجّح العكس كون أولات الأحمال بالذّات ، وعموم أزواجا حصل بالغرض من عموم الّذين لأنّ العبرة بتحقّق العموم وان كان بالغرض ، وليس الحكم هنا معلّلا حتّى يترجّح التخصيص فيما هناك.

والخبر الّذي رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ للّتي ولدت بعد وفاة زوجها بليال ـ حلّلت فتزوّجي ، ممنوع الصّحة مع نقلهم عن «علي» عليه‌السلام وابن عباس ، انّها تعتدّ بأبعد الأجلين كما اجمع عليه أصحابنا ونقلوه مستفيضا عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣) (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في أحكامه (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ييسّر له أموره.

[٥] ـ (ذلِكَ) المذكور من الأحكام (أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) بحسناته (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) بأن يضاعفه.

[٦] ـ (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) أي بعض مكان سكناكم (مِنْ وُجْدِكُمْ) من وسعكم وطاقتكم ، عطف بيان لما قبله (وَلا تُضآرُّوهُنَ) بإسكانهنّ ما لا يليق بهنّ (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) فتضطروهنّ الى الخروج.

وهذا الحكم في الرّجعية مطلقا والبائن الحامل بدليل : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) فإنّه يعمّ الرّجعيّة والبائن.

والسّكنى من النّفقة ، امّا البائن غير الحامل فلا سكنى لها ولا نفقة بإجماعنا (٤)

__________________

(١) كتاب المسالك باب العدد ، ومن البعض : سيّد المرتضى في الإنتصار.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٤.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٠٧ ـ وسائل الشيعة ١٥ : ٤٥٥.

(٤) ينظر وسائل الشيعة ١٥ باب (٨) من أبواب النفقات.

٣٣٦

واختلف العامّة فيها والمتوفّى عنها حاملا لا نفقة لها من مال الزّوج اجماعا وكذا الحامل (١).

واختلف الأصحاب في وجوبها في نصيب الولد لاختلاف اخبارهم (٢) (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) الولد (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ويؤذن بعدم وجوب الإرضاع على الأمّ بعد البينونة كما اجمع عليه أصحابنا (٣) امّا حال الزوجيّة فمنّا من منع الإجارة والمشهور :

الجواز (٤) (وَأْتَمِرُوا) اقبلوا الأمر (بَيْنَكُمْ) في الإرضاع والأجر (بِمَعْرُوفٍ) بوجه جميل بلا تعاسر (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم في الإرضاع والأجر (فَسَتُرْضِعُ لَهُ) للأب امرأة (أُخْرى) يشعر بعتاب الأمّ (٥) على التّعاسر.

[٧] ـ (لِيُنْفِقْ) على المطلقات أو مطلقا (ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ) ضيق (عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي على قدره (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) أي وسعها لقبح التكليف بما فوقه عقلا وفيه وفي : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) تطييب لقلب الفقير ، ووعد له باليسر عاجلا أو آجلا.

[٨] ـ (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ قَرْيَةٍ) أي أهلها (عَتَتْ) عصت وتعدّت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها) في الآخرة والمضيّ للتّحقّق (حِساباً شَدِيداً) بالمناقشة (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) منكرا فضيعا ، وقرأ «نافع» و «أبو بكر» و «ابن ذكوان» بضمّتين (٦)

[٩] ـ (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) عقوبته (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) خسرانا لها.

[١٠] ـ (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) كرّر الوعيد تأكيدا وقيل الأوّل حسنات الدّنيا

__________________

(١) كتاب الخلاف ـ كتاب النفقات ـ المسألة (١٨).

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٥ باب (١٠) من أبواب النفقات.

(٣) كتاب الخلاف ـ كتاب النفقات ـ المسألة / ٣٣ و ٣٤.

(٤) يراجع كتاب المسالك باب احكام الأولاد في الرضاع.

(٥) في «ج» للأمّ.

(٦) حجة القراءات : ٤٢٤ ـ الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٦٨.

٣٣٧

وعذابها وهو إحصاء ذنوبهم عند الحفظة وإهلاكهم بصيحة ونحوها (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) مرتّب على الوعيد فإنّه موجب للتّقوى (الَّذِينَ آمَنُوا) صفة المنادى أو بيان له (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) هو «محمّد» سمّي به لتبليغه الذّكر وهو القرآن أو مبالغة في كونه ذاكرا وأريد بإنزاله الرّسالة.

[١١] ـ (رَسُولاً) بدل منه ، أو الذّكر : القرآن ، والرّسول «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو جبرئيل ، ونصب بمقدّر أي وأرسل (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) وكسر «الياء» «ابن عامر» و «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (لِيُخْرِجَ) الله أو الرّسول (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بتثبيتهم على ما هم عليه ، أو توفيقهم للزّيادة منه (مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر والشّك (إِلَى النُّورِ) الإيمان واليقين (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ) وقرأ «نافع» و «ابن عامر» بالنّون (٢) (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) هو نعيم الجنّة ، ونكّر تعظيما والإفراد والجمع للفظ «من» ومعناها.

[١٢] ـ (اللهُ) مبتدأ خبره : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ) أي وخلق من (الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) في العدد.

قيل : هي الأقاليم وقيل : الطّبقات.

عن «الكاظم» عليه‌السلام : هي ارضنا وستّ اخرى كل منها فوق سماء وتظلّها سماء من السّبع (٣) (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) امر الله وحكمه ينزل به الملك (بَيْنَهُنَ) بين السماوات والأرضين الى صاحب الأمر من نبيّ أو وصيّ (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) علّة لخلق أو لمقدّر أي أعلمكم بذلك الخلق ، والتّنزّل لتتفكّروا فتعلموا كمال قدرته وعلمه.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٦٨.

(٢) حجة القراءات : ٧١٢.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣١١.

٣٣٨

سورة التحريم

[٦٦]

اثنتي عشرة آية مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) قيل :

خلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب «مارية» في يوم حفصة أو عائشة ، فوقفت عليه حفصة فعاتبته فحرّم مارية فنزلت (١).

وقيل شرب عسلا عند زينب فواطأت عائشة حفصة فقالتا له : نشمّ منك ريح المغافير ، (٢) فحرّم العسل فنزلت

(٣) (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) حال من فاعل «تحرّم» أو استئناف لبيان موجبه (وَاللهُ غَفُورٌ) لك ما فعلت من خلاف الاولى (رَحِيمٌ) إذ عاتبك عن تحمّل مشقّة ذلك.

[٢] ـ (قَدْ فَرَضَ اللهُ) شرّع (لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) تحليلها بالكفّارة ، أو الاستثناء

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٠٨.

(٢) المغافير : صمغ يسيل من بعض الشجر.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣١٣.

٣٣٩

فيها بالمشيئة حتّى لا يحنث ويفيد انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلف على ذلك (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) متولّي أمركم (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بمصالحكم (الْحَكِيمُ) فيما يحكم به عليكم.

[٣] ـ (وَإِذْ) واذكروا (أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) هي حفصة (حَدِيثاً) تحريم مارية أو العسل أو تملّك «ابي بكر» و «عمر» بعده لا انّ الخلافة لهما كما حرّفوه تصحيحا لإمامتهما بدعوى النّصّ فيها ، ولو سلّم فلا نسلّم استلزامه للنّصّ لأنّ كونها لهما اعمّ من كونها بحق أو تغلّب ، على انّه يناقض انكارهم النّصّ مطلقا وقولهم انّ خلافة «ابي بكر» للإجماع لا النّصّ وخلافة عمر لنصّ صاحبه لا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) (فَلَمَّا نَبَّأَتْ) حفصة عائشة (بِهِ) بالحديث (وَأَظْهَرَهُ اللهُ) واطّلع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (عَلَيْهِ) على إفشائه (عَرَّفَ) اعلم النّبيّ حفصة (بَعْضَهُ) بعض ما ذكرت (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) عن تعريفه تكرّما ، وخفّف «الكسائي» : «عرف» (٢) أي جازاها على بعضه وغضّ عن بعض (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) أي الله.

[٤] ـ (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) التفات الى خطاب حفصة وعائشة للمبالغة في توبيخهما على تظاهرهما على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) مالت عمّا يرضي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى ما يسخطه ، وذلك اثم يوجب التوبة.

وعبّر عن المثنّى بالجمع كراهة بين التّثنيتين فاكتفى بتثنية المضاف إليه (وَإِنْ تَظاهَرا) بالتّشديد وخفّفه «الكوفيون» (٣) تتعاونا (عَلَيْهِ) على النّبيّ فيما يؤذيه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ) فصل أو مبتدأ خبره : (مَوْلاهُ) ناصره (وَجِبْرِيلُ) بالقراءات السابقة

__________________

(١) هذا جواب لما في تفسير البيضاوي ٤ : ٢٠٨.

(٢) حجة القراءات : ٧١٣.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٠٩.

٣٤٠