الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

فإنّه للضدين (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) وضع موضع الضمير إيذانا بموجب الجعل (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلّا جزاء عملهم.

[٣٤] ـ (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) رؤساؤها المتنعّمون ، خصّوا بالذكر لأنّهم أصل في العناد ، وهو تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) ضمّوا الى الجحود تهكما ، ثمّ تمسكوا بالمفاخرة.

[٣٥] ـ (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فنحن أكرم عند الله منكم (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) بعد أن كرّمنا.

[٣٦] ـ (قُلْ) ـ ردّا عليهم ـ : (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ويضيقه لمن يشاء بحسب المصلحة ، امتحانا لا لكرامة وهوان (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

[٣٧] ـ (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) وما جماعتهما (بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) قربى أي تقريبا (إِلَّا) لكن (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أو استثناء من مفعول «تقربكم» أي ما تقرب أحدا إلّا المؤمن الصّالح المنفق ماله في البرّ ، والمعلّم ولده الخير ، أو من فاعله بحذف مضاف (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) أن يجاوزوا الضّعف الى العشر فأكثر ، من إضافة المصدر الى مفعوله (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) من كل مكروه.

[٣٨] ـ (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) بالإبطال (مُعاجِزِينَ) مسابقين لنا ، ظانين أن يفوتونا ، ومعجزين : مثبطين عن الخير (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).

[٣٩] ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) يوسعه ويضيقه لشخص واحد في حالين ، وما سبق لشخصين فلا تكرير (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) في الخير (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) عاجلا أو آجلا (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لأنّه الرازق حقيقة وغيره وسط.

٤١

[٤٠] ـ (وَيَوْمَ) «نحشرهم» (١) (جَمِيعاً) أي المشركين ، وقرأ «حفص» بالياء فيه وفي :

«ثمّ نقول» (٢) (لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) توبيخا للمشركين.

[٤١] ـ (قالُوا سُبْحانَكَ) تنزيها لك عن الشريك (أَنْتَ وَلِيُّنا) الذي نواليه (مِنْ دُونِهِمْ) لا موالاة بيننا وبينهم ولا نرضى بعبادتهم ولم يعبدونا حقيقة (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) الشياطين بطاعتهم لهم في عبادتهم لنا (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) مصدّقون فيما يزيّنون لهم.

[٤٢] ـ (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) إذ الأمر فيه لله وحده ، خطاب للملائكة والكفرة (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) عنادا.

[٤٣] ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا) أي «محمد» (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) بالدعاء الى اتّباعه (وَقالُوا ما هذا) أي القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب (مُفْتَرىً) على الله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِ) أي القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ) ما (هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) بيّن.

وفي التصريح بكفرهم وحصرهم الحقّ في السحر مبادهة (٣) لمجيئه بلا تأمل أبلغ إنكار وتعجيب.

[٤٤] ـ (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) تصحح لهم الإشراك (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) يأمرهم به فلا مستند لهم سوى التقليد والعناد.

[٤٥] ـ (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما كذّبوا (وَما بَلَغُوا) أي هؤلاء (مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) عشر ما أعطينا ، أولئك من القوّة والنّعمة والتعمير ، أو ما بلغ أولئك عشر ما آتينا هؤلاء من الدّلالة (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكار عليهم بالتدمير

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يحشرهم» و «يقول» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ وانظر حجة القراءات : ٥٩٠.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يحشرهم» و «يقول» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ وانظر حجة القراءات : ٥٩٠.

(٣) المبادهة : المفاجأة بالشيء.

٤٢

فليحذر هؤلاء مثله.

وعطف «كذبوا» على «كذّب» من عطف الخاص على العام. وأثبت «ورش» «الياء» وصلا (١).

[٤٦] ـ (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) بخصلة واحدة ويفسرها : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) أن تهتمّوا بالأمر لأجل الله مجانبين للهوى ، مجرور بدلا أو بيانا أو مرفوع أو منصوب بتقدير «هو» أو «أعني» (مَثْنى وَفُرادى) إثنين إثنين ، وواحدا واحدا ، فإنّ الكثرة تشوش البال (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) في أمر «محمّد» فتعلموا : (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) جنون ، أو : استئناف منبّه على كيفية النّظر فإنّهم عرفوا وفور عقله المقتضي لصدقه.

وقيل : «ما» استفهامية أي تفكّروا أي شيء به من الجنون (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ) أي قدّام (عَذابٍ شَدِيدٍ) في القيامة فإنّ متّبعه قرينها.

[٤٧] ـ (قُلْ ما) أي شيء (سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) على التّبليغ (فَهُوَ لَكُمْ) أي لا أسئلكم عليه أجرا. كما تقول لمن لم يعطك شيئا : ما أعطيتني فخذه (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) مطّلع ، يعلم صدقي ، وسكّن «الياء» «ابن كثير» و «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (٢).

[٤٨] ـ (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) يلقيه الى أنبيائه أو يرمي به الباطل فيدمغه (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) خبر ثان أو لمحذوف ، أو صفة «ربي» على المحل أو بدل من فاعل «يقذف».

[٤٩] ـ (قُلْ جاءَ الْحَقُ) الإسلام (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) أي زهق الكفر ولم يبق له أثر.

مثل في الهلاك ، فإنّ الحي إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة.

وقيل : الباطل إبليس أو الصّنم ، أي لا ينشئ خلقا ولا يعيده ، وقيل :

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٩.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٥٦.

٤٣

«ما» استفهاميّة مفعول مقدّم.

[٥٠] ـ (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي وبال ضلالي عليها (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) من الهدى تفضلا منه عليّ ، وفتح «نافع» و «أبو عمرو» «الياء» (١) (إِنَّهُ سَمِيعٌ) للأقوال (قَرِيبٌ) لا تخفى عليه الأحوال.

[٥١] ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) عند الموت أو البعث أو يوم «بدر» لرأيت فظيعا (فَلا فَوْتَ) فلا يفوتوننا (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) من ظهر الأرض الى بطنها أو من الموقف الى النار أو من صحراء «بدر» الى «القليب».

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : هم جيش «السفياني» بالبيداء ، يخسف بهم من تحت اقدامهم (٢).

[٥٢] ـ (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) ب «محمد» أو القرآن (وَأَنَّى) ومن أين (لَهُمُ التَّناوُشُ) تناول الإيمان بسهولة (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فإنّه في دار التّكليف ، وهم في الآخرة.

مثلّث حالهم ـ في الاستحصان بالإيمان وقد فاتهم ـ بحال من يريد أن يتناول شيئا من بعد ، كتناوله له من قرب في الامتناع ، وهمّزه «أبو عمرو» و «الكوفيون» سوى «حفص» قلبا للواو لضمّها ، أو من النّأش أي الطّلب (٣).

[٥٣] ـ (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) في وقت التكليف (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) يرجمون بالظّن وما غاب علمه عنهم فيطعنون في الرّسول أو ينفون البعث (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من جهة بعيدة عن حال الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحال الآخرة وهي شبههم الملفقة.

[٥٤] ـ (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من نفع الإيمان في الآخرة ، وأشمّ ضمّ الحاء «ابن عامر» و «الكسائي» (٤) (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ) بأمثالهم من كفرة الأمم قبلهم (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) موجب للرّيب.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٩.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٩٧ و ٣٩٨.

(٣) حجة القراءات : ٥٩١ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٨.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ٥٧.

٤٤

سورة فاطر

[٣٥]

خمس أو ستّ وأربعون آية وهي مكية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مبدعهما.

والفطر : الشّقّ ، كأنّه شق عنهما العدم (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) الى أنبيائه وأوليائه بوحيه وإلهامه (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ينزلون بها ويعرجون ، أو يسرعون بها الى ما أمروا به.

ويحتمل إرادة التعدد دون خصوصية العدد ، لما روي انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى جبرائيل في المعراج وله ستمائة جناح (١) (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ) في الملائكة وغيره (ما يَشاءُ) من حسن الوجه والصوت ورجاحة العقل وغيرها (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإذا أراده ، كان.

[٢] ـ (ما يَفْتَحِ اللهُ) ما يطلق (لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) كرزق وصحّة وعلم ونبوّة (فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) بعد إمساكه ، بين المطلق بالرحمة

__________________

(١) ينظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٥٠.

٤٥

فأنث ضميره ، واطلق الممسك ليعمّها ، والغضب إيذانا بسبقها إياه ، فذكّر ضميره (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمره (الْحَكِيمُ) في فعله.

[٣] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) احفظوها وادّوا حقّها بشكر موليها قولا وعملا واعتقادا (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) رفع غير صفة أو بدلا ل «خالق» على محله ، وجرّه «حمزة» و «الكسائي» على لفظه (١) وخبره مقدّر «ويرزقكم» صفة «خالق» أو خبره أو مستأنف ، وعلى الأخيرين يفيد منع اطلاق الخالق على غير الله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فمن أين تصرفون عن توحيده ، فتشركون منحوتكم به.

[٤] ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فاصبر كما صبروا ، تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) فيجازي الصّابرين والمكذبين.

[٥] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالبعث وغيره (حَقٌ) لا خلف فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فيلهيكم التمتع بها عن الآخرة (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان بأن يجرئكم على عصيان الله.

[٦] ـ (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فاحذروه ولا تطيعوه (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أتباعه (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) النّار المستعرة.

[٧] ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وعيد لحزبه ووعد لحزب الله.

[٨] ـ (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) زيّنه له الشيطان ، فغلب هواه على عقله (فَرَآهُ حَسَناً) خبر «من» كمن اهتدى بهدى الله بدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يخذل من لا ينفعه اللطف ويلطف بمن ينفعه (فَلا تَذْهَبْ) تهلك (نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ) على المزيّن لهم (حَسَراتٍ) اغتماما بكفرهم وغيّهم ،

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٩٢.

٤٦

و «عليهم» صلة «تذهب» لا «حسرات» لأن صلة المصدر لا تتقدمه (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) فيجازيهم به.

[٩] ـ (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) وأفردها «ابن كثير» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (فَتُثِيرُ سَحاباً) تهيّجه ، حكاية حال ماضية (فَسُقْناهُ) التفات الى التكلم يفيد الإختصاص (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) (٢) وشدده «نافع» و «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» (٣) (فَأَحْيَيْنا بِهِ) بمائه (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يبسها (كَذلِكَ النُّشُورُ) أي مثل احياء الأرض إحياء الأموات.

[١٠] ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) أي فليطلبها من عنده بطاعته لأن له كلّها (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) هو التوحيد (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) والصعود والرفع مجاز عن قبوله ، وفاعل «يرفعه» : «الله» ، أو «الكلم» أي لا يقبل عمل إلّا من موحّد ، أو العمل أي هو يقوي الإيمان فيقبل به.

وقيل «الكلم الطيب» يعمّ الذّكر والدّعاء وتلاوة القرآن (٤) (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ) المكرات (السَّيِّئاتِ) بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دار «الندوة» من حبسه أو قتله أو إخراجه (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) جزاء مكرهم (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) يبطل ولا ينفذ.

[١١] ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) بخلق آدم منه (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) بخلق نسله منها (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) ذكورا وإناثا (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) إلّا معلومة له (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ما يزاد في عمر من يطول عمره (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) من عمر المعمّر لغيره أي يعطي غيره عمرا ناقصا من عمره ، أو لا ينقص من

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٩٢.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ميّت» بتشديد الياء ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٥٩٢.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ٥٩.

٤٧

عمر غير المعمّر ، فأضمر ، ولم يذكر لدلالة مقابله عليه.

وقيل : التعمير وضدّه لشخص واحد بأن يعلم الله أنّه إن تصدق ، عمّر ستين وإلّا فثلاثين (١).

أو يراد بالمنقوص ما يذهب من عمره فإنّه يكتب في الصحيفة يوما فيوما (إِلَّا فِي كِتابٍ) اللوح ، أو علمه تعالى (إِنَّ ذلِكَ) المذكور (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) هيّن.

[١٢] ـ (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ) شديد العذوبة (سائِغٌ شَرابُهُ) في الحلق ، هنيء (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) شديد الملوحة ، وهذا مثل للمؤمن والكافر (وَمِنْ كُلٍ) منهما (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) هو السمك (وَتَسْتَخْرِجُونَ) من الملح أو منهما

(حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) هي اللؤلؤ والمرجان ، ذكر ما فيهما من النعم استطرادا أو إتماما (٢) للتمثيل بتفضيل الأجاج على الكافر بمشاركته للعذب في بعض المنافع ولا نفع في الكافر (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) في كلّ منهما (مَواخِرَ) تمخر الماء أي تشقه بجريها (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) تعالى بركوبه للتجارة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله على ذلك.

[١٣] ـ (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) هو منتهى دوره أو مدّته أو يوم القيامة (ذلِكُمُ) الفاعل لهذه الأشياء (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) إخبار ، أو جملة «له الملك» مبتدأة في طباق (٣) (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) قشر نواة ليفيد تفرده بالإلهية.

[١٤] ـ (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا) فرضا (مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) لأنّهم لا يملكون شيئا (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) بإشراككم أي يبرؤون من عبادتكم إيّاهم (وَلا يُنَبِّئُكَ) يخبرك بحقيقة الحال (مِثْلُ خَبِيرٍ) بها يخبرك ،

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٥٩.

(٢) في «ج» تماما.

(٣) الطباق ، قسم من اقسام المحسّنات المعنوية في علم البديع ـ اي بينه وبين «ما يملكون».

٤٨

وهو : الله العليم بالحقائق.

[١٥] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) في كلّ حال (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عن كل شيء (الْحَمِيدُ) المستحق الحمد على كماله وافضاله.

[١٦] ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) بدلكم.

[١٧] ـ (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) بصعب.

[١٨] ـ (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) لا تحمل نفس آثمة (وِزْرَ) نفس (أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ) نفس (مُثْقَلَةٌ) بالوزر (إِلى حِمْلِها) الى وزرها أحدا ليحمل بعضه (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ) المدعوّ (ذا قُرْبى) قرابة (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) غائبين عن عذابه ، أو عن الناس في خلواتهم (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) فهم المنتفعون بالإنذار (وَمَنْ تَزَكَّى) تطهّر من الآثام (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) إذ نفعه لها (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فيجازي بالعمل.

[١٩] ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الكافر والمؤمن.

[٢٠] ـ (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) الكفر والإيمان.

[٢١] ـ (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) الجنة والنار ، وتكرير «لا» لزيادة تأكيد النّفي.

[٢٢] ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) مثل للمؤمنين والكفار أبلغ من السابق ولذلك أعيد الفعل ، أو للعلماء والجهلاء (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) ممن هو أهل اللطف ، فيوفقه لتدبّر آياته (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) أي الكفّار المشابهين للموتى.

[٢٣] ـ (إِنْ) ما (أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) وما عليك إسماع المتصامّين.

[٢٤] ـ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) محقين أو محقّا أو إرسالا متلبسا بالحقّ (بَشِيراً) لمن أطاعك (وَنَذِيراً) لمن عصاك (وَإِنْ) وما (مِنْ أُمَّةٍ) أهل عصر (إِلَّا خَلا) مضى (فِيها نَذِيرٌ) نبي أو وصي ينذرها.

٤٩

ويفيد عدم خلوّ الزّمان من حجة لله في خلقه ، ولم يذكر البشير لدلالة قرينه عليه ولسبق ذكره ، ولأنّ الإنذار أشدّ تأثيرا.

[٢٥] ـ (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات المصدقة لهم (وَبِالزُّبُرِ) كصحف ابراهيم (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) كالتوراة والإنجيل ، أو أريد بهما واحد والعطف لاختلاف الوصفين.

[٢٦] ـ (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) إنكاري بتدميرهم ، وأثبت «ورش» «الياء» وصلا (١).

[٢٧] ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا) التفات الى التّكلّم (٢) (بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أصنافها أو هيئاتها من صفرة وحمرة وغيرهما (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) جمع «جدة» : الخطة والطّريقة أي خطط وطرائق (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) بالشدّة والضعف (وَغَرابِيبُ) عطف على «جدد» أي ومنها شديدة السواد لا خطط فيها : وهي تأكيد لمضمر يفسّره (سُودٌ) إذ التأكيد متأخّر عن المؤكد.

[٢٨] ـ (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) كاختلاف الثمار والجبال (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) العارفون به ، لا الجهلاء.

وفي الحديث «أعلمكم بالله أخوفكم له» (٣) وقصد حصر الفاعليّة فقدم المفعول (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) في انتقامه من أعدائه (غَفُورٌ) لزلات أوليائه.

[٢٩] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) يقرءون القرآن أو يتّبعونه بالعمّل بما فيه (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) المسنون والمفروض (يَرْجُونَ تِجارَةً) كسب ثواب بذلك خبر «إنّ» (لَنْ تَبُورَ) لن تكسد ولن تهلك.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٣.

(٢) في «ج» : المتكلّم.

(٣) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٠٧.

٥٠

[٣٠] ـ (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) ثواب أعمالهم المذكورة (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على ما استحقوه (إِنَّهُ غَفُورٌ) لسيئاتهم (شَكُورٌ) لحسناتهم أي مثيبهم بها.

[٣١] ـ (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) جنسه و «من» تبعيضية ، أو القرآن و «من» تبيينيّة (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) حال مؤكدة أي أحقّه مصدقا (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) لما تقدمه من الكتب لموافقته ما بشرت به من رسالتك (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) عالم بالبواطن والظّواهر ، فاختارك فأوحى إليك كتابه المعجز لعلمه بأنك أهل لذلك.

[٣٢] ـ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أعطينا القرآن أي نورثه منك ، وعبّر بالماضي لتحققه أو أورثنا الجنس من الأمم الماضية (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) وهم علماء الامة أو جميعها.

وعن الصّادقين عليهم‌السلام : هي لنا خاصة (١) (فَمِنْهُمْ) من عبادنا ، وقيل : ممن اصطفينا (٢) (ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) راجح السيئات (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) متساوي الحسنات والسيئات (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) راجع الحسنات.

وقيل : الظالم صاحب الكبيرة ، والمقتصد : صاحب الصغيرة ، والسابق : المعصوم (٣).

وقيل : الظالم : الجاهل ، والمقتصد : المتعلم ، والسابق : العالم (٤).

وقيل : الظالم : المقصّر في العمل بالقرآن ، والمقتصد : العامل به غالبا ، والسابق : العامل المعلم لغيره.

وقيل : الظالم : المنافق ، والمقتصد ، والسابق من جميع النّاس (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : الظالم منّا من لا يعرف حقّ الإمام ، والمقتصد :

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٠٨.

(٢) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٠٨.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ٦١.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ٦١.

(٥) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٠٩.

٥١

من يعرف حقّه ، والسّابق : الإمام ، (١) وقدّم الظالم لكثرة أفراده (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) إشارة الى الإيراث أو السّبق.

[٣٣] ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) مبتدأ وخبر ، و «الواو» للثلاثة ، أو للأخيرين أي جنسهما أو ل «الذين» وبناه «أبو عمرو» للمفعول (٢) (يُحَلَّوْنَ فِيها) خبر ثان أو حال مقدّرة (مِنْ أَساوِرَ) بعضها (مِنْ ذَهَبٍ) بيان لها (وَلُؤْلُؤاً) عطف على «ذهب» أي مكلل بلؤلؤ ، ونصبه «نافع» عطفا على محل «أساور» (٣) (وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).

[٣٤] ـ (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) الهمّ للدّنيا والدّين (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) للذنوب (شَكُورٌ) للطاعات.

[٣٥] ـ (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) أي الإقامة (مِنْ فَضْلِهِ) من عطائه أو تفضّله بتكليفنا بما استوجبناه به ذلك (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) تعب (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) ما يلحق النصب من الإعياء إذ لا تكليف ثمّ.

[٣٦] ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى) لا يحكم (عَلَيْهِمْ) بموت (فَيَمُوتُوا) يستريحوا (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) شيء (كَذلِكَ) الجزاء (نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) شديد الكفر أو الكفران ، وقرأ «أبو عمرو» «بالياء» وبناء المفعول ورفع «كلّ» (٤).

[٣٧] ـ (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها) يستغيثون بصراخ ، أي : صياح ، قائلين : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) نحسبه صالحا ، فقد تحقق الآن لنا خلافه فيقال لهم توبيخا : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما) عمرا (يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) يعمّ كل عمر تمكن المكلّف فيه من التذكّر.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٠٩.

(٢) حجة القراءات : ٥٩٢ و ٥٩٢.

(٣) حجة القراءات : ٥٩٢ و ٥٩٢.

(٤) حجة القراءات : ٥٩٣.

٥٢

وروي أنه ستون (١) وقيل : أربعون (٢) وقيل ثماني عشرة (٣) (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) الرسول أو الكتاب ، أو الشيب أو العقل أو موت الأهل (فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) يدفع العذاب عنهم.

[٣٨] ـ (إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا يخفى عليه شيء (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بمضمراتها ، فغيرها أولى بأن يعلم.

[٣٩] ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) جمع خليف أي تخلفون من قبلكم بالتصرّف فيها ، أو يخلف بعضكم بعضا (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) وبال كفره (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) أشدّ البغض (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) للآخرة.

[٤٠] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أصنامكم التي أشركتموها بالله تعالى (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) بدل اشتمال من «أرأيتم» أي : أخبروني أيّ شيء منها خلقوه؟ (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) شركة مع الله (فِي السَّماواتِ) في خلقها (أَمْ آتَيْناهُمْ) أي الأصنام أو المشركين (كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «أبو بكر» و «الكسائي» : «بيّنات» (٤) (مِنْهُ) بأنّا جعلناهم شركاء (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ) أي الرؤساء (بَعْضاً) أي الأتباع (إِلَّا غُرُوراً) باطلا بقولهم الأصنام تشفع لهم.

[٤١] ـ (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) كراهة زوالهما ، أو يمنعهما من الزوال (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ) ما (أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) بعد الله ، أو بعد

__________________

(١) قاله الإمام امير المؤمنين عليه‌السلام ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٠ ـ.

(٢) قاله ابن عباس ومسروق ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٠ ـ.

(٣) قاله وهب وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٠ ـ.

(٤) حجة القراءات : ٥٩٤.

٥٣

زوالهما (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) لا يعاجل بالعقوبة (غَفُوراً) للذنوب.

[٤٢] ـ (وَأَقْسَمُوا) أي قريش قبل بعث «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين سمعوا أنّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم (بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) غاية جهدهم فيها (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) اليهود والنّصارى وغيرهم (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) هو «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما زادَهُمْ) هو أو مجيئه (إِلَّا نُفُوراً) تباعدا عن الهدى.

[٤٣] ـ (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) مفعول له أو بدل من «نفورا» (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) مصدر أضيف الى صفة معموله ، أي : وإن مكروا المكر السيء ، وسكّن «حمزة» الهمزة وصلا (١) (وَلا يَحِيقُ) يحيط (الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وهو الماكر (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ينتظرون (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) فلا يبدّل بالعذاب غيره ولا يحوّل الى غير مستحقّه.

[٤٤] ـ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ممّا يشاهدونه من آثار إهلاكهم (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) ليسبقه ويفوته (مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بكل شيء (قَدِيراً) على ما يشاء.

[٤٥] ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) من الذنوب (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) نسمة ، تدبّ عليها بشؤمهم (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو يوم القيامة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازيهم بأعمالهم.

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٩٤.

٥٤

سورة يس

[٣٦]

اثنان أو ثلاث وثمانون آية مكية وقيل : إلّا آية (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا ...) (١).

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يس) فيه ما مرّ في البقرة (٢) وقيل معناه يا إنسان (٣) وقيل يا سيّد (٤).

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : هو اسم للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (٥) وأمال الياء «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» ، وأدغم «ورش» و «ابن عامر» و «الكسائي» النّون في واو (٦).

[٢] ـ (وَالْقُرْآنِ) وهي واو قسم ، أو عطف ان كان «يس» مقسما به (الْحَكِيمِ) المحكم أو الجامع للحكم.

[٣] ـ (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) الّذين أرسلوا.

__________________

(١) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٣ ـ.

(٢) عند تفسير الآية الاولى من سورة البقرة.

(٣) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٦ ـ.

(٤) قاله ابن عباس ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٦ ـ.

(٥) قاله عليّ وأبو جعفر عليهما‌السلام ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٦ ـ.

(٦) حجة القراءات : ٥٩٥ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٤.

٥٥

[٤] ـ (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو التوحيد ، وجاز كون «على صراط» خبرا ثانيا.

[٥] ـ (تَنْزِيلَ) (١) (الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) خبر محذوف ونصبه «حفص» و «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» بتقدير أعني (٢).

[٦] ـ (لِتُنْذِرَ قَوْماً) متعلق ب «تنزيل» (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) لم ينذرهم في الفترة رسول بشريعة وإن كان فيها أوصياء ك «عيسى» عليه‌السلام لامتناع الخلوّ من حجّة.

أو الّذي أو شيئا أنذر به آباؤهم ، ف «ما» مفعول ثان «لتنذر» ، أو إنذار آباءهم فهي مصدريّة (فَهُمْ غافِلُونَ) ولذلك أرسلناك إليهم لتنذرهم.

[٧] ـ (لَقَدْ حَقَ) وجب (الْقَوْلُ) بالعذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ولقد علم الله منهم ذلك.

أو المعنى بلغهم القول بالدّعوة ، فهم لا يؤمنون عنادا.

[٨] ـ (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) مثّلوا في تصميمهم على الكفر واعراضهم عن الإيمان بمن غلّت أعناقهم (فَهِيَ) أي فالأيدي المدلول عليها بالغلّ مجموعة (إِلَى الْأَذْقانِ) جمع «ذقن» وهو مجمع اللحيين ، أو فالأغلال واصلة الى أذقانهم لغلظها (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) مرفوعة رؤسهم ، لا يستطيعون خفضها.

[٩] ـ (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) (٣) (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) (٤) وفتحه «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» فيهما (٥) (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ومثّلوا في تعاميهم عن الدّلائل الواضحة بمن منعهم سدّان أن يبصروا قدّامهم وخلفهم.

وقيل : الآيتان في «ابي جهل» ورهطه ، إذ أتى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يصلي

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تنزيل» ـ بالنصب ـ كما سيشير المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٥٩٦ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٤.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «سدّا» بفتح السين في الموضعين كما سيشير المؤلّف

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «سدّا» بفتح السين في الموضعين كما سيشير المؤلّف

(٥) حجة القراءات : ٥٩٦.

٥٦

ليدمغه بحجر ، فأثبتت يده الى عنقه ولزق الحجر بيده حتّى رجع إليهم فسقط الحجر فقال رجل منهم : أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه فأعماه الله تعالى (١).

[١٠] ـ (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فسّر في «البقرة» (٢).

[١١] ـ (إِنَّما تُنْذِرُ) ينفع إنذارك (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) القرآن ، تدبّره وعمل به (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) خافه فيما غاب عنه من أمر الآخرة ، فإنّه مع رحمته شديد العقاب (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ).

[١٢] ـ (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) للبعث (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من الطّاعات والمعاصي (وَآثارَهُمْ) ما اقتدي بهم فيه بعدهم من حسنة وسيئة (وَكُلَّ شَيْءٍ) نصب بفعل يفسّره : (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) هو «علي» عليه‌السلام أو اللوح المحفوظ.

[١٣] ـ (وَاضْرِبْ) ومثّل من قولهم ، هم أضراب أي أمثال (لَهُمْ مَثَلاً) ويبدل منه : (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) إنطاكية ، بحذف مضاف أي مثلهم ، أو هما مفعولا «اضرب» بتضمينه معنى اجعل (إِذْ جاءَهَا) بدل اشتمال من «أصحاب» (الْمُرْسَلُونَ) رسل «عيسى».

[١٤] ـ (إِذْ أَرْسَلْنا) بدل من «إذ» الأولى وأسنده الى نفسه لأنّه بأمره (إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) هما «صادق» و «مصدق» أو غيرهما ، ولمّا قربا من مدينتهم وكانوا عبدة أصنام ، رأيا «حبيبا النّجار» فسألهما فأخبراه ، فقال ما آيتكما؟ قالا : نبرئ المريض والأكمه والأبرص ، وكان ابنه مريضا فمسحاه فبرئ ، فآمن «حبيب» وفشى الخبر وشفيا خلقا وبلغ خبرهما الملك وقال لهما : ألنا إله سوى آلهتنا؟ قالا : من أوجدك وآلهتك؟ فحبسهما. (فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا) فقوينا ، وخففه «أبو بكر» من عزّه : غلبه (٣)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٦.

(٣) حجة القراءات : ٥٩٧.

٥٧

وحذف مفعوله للعلم به ولأن الغرض ذكر : (بِثالِثٍ) هو «شمعون» فدخل متنكّرا وعاشر حاشية الملك حتى آنسوا به ، وأوصلوه الى الملك فآنس به.

فقال له يوما : سمعت أنّك حبست رجلين ، فهل سمعت قولهما؟

قال : لا ، فدعاهما فقال «شمعون» : من أرسلكما؟ قالا : الله الذي خلق كلّ شيء ولا شريك له. قال : وما آيتكما؟ قالا : ما يتمنّى الملك. فدعا بغلام مطموس ، فدعوا الله فانشق موضع بصره ، فوضعا فيه بندقتين فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فقال له «شمعون» : لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا فتغلبهما؟ قال : لا أخفي عليك إنها لا تضرّ ولا تنفع.

ثمّ اقترح عليهما إحياء ابنه فأحيياه ، فقال (١) رأيت رجلين ساجدين يسألان الله أن يحييني ، قال : أتعرفهما؟ قال : هذان ، يشير إليهما ، فآمن الملك وجمع ، وكفر آخرون (فَقالُوا) ـ أي الرسل للكفرة ـ : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).

[١٥] ـ (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) رفع لنقض «إلّا» نفي «ما» (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) رسالة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) في دعواكم.

[١٦] ـ (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) زيد تأكيدا على ما قبله بما يجري مجرى القسم ، واللام لزيادة إنكارهم.

[١٧] ـ (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) البيّن بالحجج الواضحة.

[١٨] ـ (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا) تشاءمنا (بِكُمْ) إذا دعيتم كذبا وحلفتم عليه (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ).

[١٩] ـ (قالُوا طائِرُكُمْ) شؤمكم (مَعَكُمْ) بكفركم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) وعظتم ، وجواب «أن» مقدّر كتطيّرتم ، وسهّل (٢) «الحرميّان» و «أبو عمرو» ثانية الهمزتين ، ومدّ

__________________

(١) اي قال الإبن.

(٢) اي جعلوا الهمزة الثانية بين الهمزة وبين الياء.

٥٨

«هشام» بينهما (١) (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) متجاوزون الحدّ في الكفر ، فمن ثمّ أتاكم الشّوم.

[٢٠] ـ (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) يعدو ، وهو «حبيب النّجّار» لمّا سمع بتكذيب قومه للرسل ـ وكان قد آمن بهم حين وردوا وآمن ب «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل مجيئه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تساق الأمم إلّا ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : «عليّ بن ابي طالب» وصاحب «يس» ومؤمن آل «فرعون» (٢) (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).

[٢١] ـ (اتَّبِعُوا) تأكيد للأوّل بوصف يوجب اتّباعهم وهو : (مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) على النّصح (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) الى الحقّ ، فقيل له : أنت تتبعهم؟ فقال :

[٢٢] ـ (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) وسكّن «حمزة» «ياء» «لي» أبرز (٣) نصحهم في معرض النّصح لنفسه تلطّفا في تقريعهم على ترك عبادة خالقهم الموجود مقتضيها والمنتفى (٤) مانعها ، وبالغ في التهديد فقال : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ثمّ سلك المسلك الأوّل.

[٢٣] ـ (أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ) التي زعمتموها (شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ) من ذلك الضّر ، والشرطيّة صفة «آلهة» ، وأثبت «ورش» «الياء» وصلا (٥).

[٢٤] ـ (إِنِّي إِذاً) أي إن عبدت غيره ، وفتح «الياء» «نافع» و «أبو عمرو» (٦)

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٥٣ مع اختلاف يسير.

(٢) للحديث مصادر كثيرة منها : فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٢٧ و ٦٥٥ وفردوس الأخبار لابن شيرويه الديلمي ٢ : ٥٨١.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٠.

(٤) في «ج» المنفي.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٠.

(٦) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٠.

٥٩

(لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بيّن.

[٢٥] ـ (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) الذي خلقكم ، وفتح «الياء» «الحرميّان» و «أبو عمرو» (١) (فَاسْمَعُونِ) فاسمعوا قولي.

وقيل : الخطاب للرسل ليشهدوا له ، فوثب عليه قومه فقتلوه (٢) ثمّ كأنّه قيل كيف كان حاله عند ربّه؟ فقيل :

[٢٦] ـ (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) وذلك بعد موته أو قبله ، بشّره الرّسل به ، أو حين همّوا بقتله فرفع الى الجنّة حيّا ، وحذف المقول له للعلم به ولأنّ الغرض ذكر المقول ، ثمّ كأنّه قيل : فما قال في الجنّة؟ فقيل : (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) :

[٢٧] ـ (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) بغفرانه ، أو بالّذي غفره أو بأىّ شيء غفر ، يعني المصابرة في نصرة الدّين (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) تمنّى علمهم بحاله ليرغبوا في مثله فيتوبوا أو ليتنبّهوا على خطائهم في أمره وصواب رأيه.

[٢٨] ـ (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) بعد موته أو رفعه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) ملائكة لإهلاكهم كما أنزلناهم لنصرك.

وفيه : تعظيم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) وما صحّ في حكمنا انزالهم لإهلاك قومه أو ما أنزلناهم لإهلاك أحد.

[٢٩] ـ (إِنْ) ما (كانَتْ) العقوبة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بهم جبرئيل عليه‌السلام (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ميّتون ، كأنهم كانوا نارا ، فصاروا رمادا.

[٣٠] ـ (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) احضري فهذا وقتك (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) بيان أنهم أحقّاء بأن يتحسّر عليهم الملائكة والثقلان بسبب

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٠.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٦٥.

٦٠