الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

(وَعْدَ الصِّدْقِ) مصدر لفعله المقدر (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) في الدّنيا.

[١٧] ـ (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) مبتدأ ، خبره «أولئك» إذ قصد الجنس وان قيل انزل في «عبد الرّحمان بن ابي بكر» (١) (أُفٍّ لَكُما) بيّن في بنى إسرائيل معنى (٢) وقراءة (أَتَعِدانِنِي) وأدغمه «هشام» وفتح «الحرميّان» «الياء» (٣) (أَنْ أُخْرَجَ) ابعث (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) فلم يعادوا (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يسألانه الغوث بتوفيقه للإيمان ويقولان له : (وَيْلَكَ) دعاء بالهلاك وحثّ على الإيمان (آمِنْ) بالبعث (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) به (حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أباطيلهم التي سطّروها.

[١٨] ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بالعذاب (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) بيان الأمم (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) استئناف يعلّل الحكم.

[١٩] ـ (وَلِكُلٍ) من الجنسين (دَرَجاتٌ) مراتب متصاعدة في الجنة ومتنازلة في النّار (مِمَّا عَمِلُوا) من جزاء ما عملوا من خير وشرّ (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ) جزائها ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» و «ابن ذكوان» بالنّون (٤) (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) في الجزاء.

[٢٠] ـ (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يدخلونها ، وقيل تعرض هي عليهم فغلّب مبالغة ، يقال لهم : (أَذْهَبْتُمْ) وقرأ «ابن ذكوان» بهمزتين و «ابن كثير» و «هشام» بهمزة ومدّة (٥) (طَيِّباتِكُمْ) لذّاتكم (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) باشتغالكم بها

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٤٤.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٣.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٤.

(٤) نظيره في الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٢.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٣.

٢٠١

(وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) فاستوفيتموها (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) الهوان (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) بسبب تكبركم وفسقكم ، أو بمقابلتهما.

[٢١] ـ (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) أي هودا (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ) بدل اشتمال منه (بِالْأَحْقافِ) جمع حقف ، وهو رمل مستطيل مرتفع دون الجبل ، واد يسكنونه بين عمان ومهرة ، (١) او الشجر من اليمن (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) مضت الرّسل قبل «هود» وبعده ، جملة حاليّة أو اعتراضيّة (أَلَّا) بأن لا ، أو أي لا (تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ان عبدتم غيره ، وفتح «الحرميّان» و «أبو عمرو» «الياء» (٢).

[٢٢] ـ (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا) لتصرفنا عن عبادتها (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في مجيئه.

[٢٣] ـ (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) هو يعلم وقت عذابكم لا أنا (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) وما عليّ إلّا البلاغ (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) باستعجالكم العذاب ، وفتح «نافع» و «أبو عمرو» «الياء» (٣).

[٢٤] ـ (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي الموعود أو مبهم يفسّره : (عارِضاً) سحابا ، عرض في أفق السماء (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) صفته ، إذ إضافته لفظيّة ل «ممطرنا» في : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) قال تعالى أو «هود» : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب (رِيحٌ) بدل من ما (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ).

[٢٥] ـ (تُدَمِّرُ) تهلك (كُلَّ شَيْءٍ) مرّت به (بِأَمْرِ رَبِّها) بإرادته ، فأهلكت

__________________

(١) في معجم البلدان : مهرة : بالفتح ثم السكون ، هكذا يرويه عامة الناس والصحيح مهرة بالتحريك قال العمراني : مهرة بلاد تنسب إليها الإبل قلت هذا خطأ ، انما مهرة قبيلة وهي مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة تنسب إليهم الإبل المهرية.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٥.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٥.

٢٠٢

ما أراد إهلاكه من نفوسهم وأموالهم بأن غشيتهم سبع ليال وثمانية أيّام ، ثمّ قذفتهم في البحر وأنجى «هود» ومن آمن معه (فَأَصْبَحُوا) اي فدمّرتهم فأصبحوا بحيث لو جئتهم «لا ترى» (إِلَّا مَساكِنُهُمْ) وقرأ «عاصم» و «حمزة» بالياء المضمومة ورفع «مساكنهم» (١) (كَذلِكَ) كما جزيناهم (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) من أمثالهم.

[٢٦] ـ (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) «ان» نافية أي مكّنّاهم في الّذي أو في شيء لم نمكنكم فيه من القوّة والمال (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) ليدركوا الحجج ويتفكروا فيها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي شيئا من الإغناء (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) ظرف ل «اغني» وفيه معنى التعليل (وَحاقَ) حلّ (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من العذاب.

[٢٧] ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) أي أهلها ك «عاد» و «ثمود» وقوم «لوط» (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) كرّرناها (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم.

[٢٨] ـ (فَلَوْ لا) فهلا (نَصَرَهُمُ) منعهم من العذاب (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) العائد المحذوف ، اوّل مفعولي «اتخذوا» وثانيهما : (قُرْباناً) متقربا الى الله (آلِهَةً) بدل منه أو هو الثاني و «قربانا» حال (بَلْ ضَلُّوا) غابوا (عَنْهُمْ) عند نزول العذاب (وَذلِكَ) الاتخاذ (إِفْكُهُمْ) كذبهم (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) وافتراؤهم على الله.

[٢٩] ـ (وَإِذْ صَرَفْنا) أملنا (إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) جنّ «نصيبين» أو «نينوى».

والنفر : دون العشرة (يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) حال (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) أي القرآن أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ببطن نخلة يصلي الفجر (قالُوا) ـ قال بعضهم لبعض ـ : (أَنْصِتُوا) اسكتوا لاستماعه (فَلَمَّا قَضى) فرغ من قراءته (وَلَّوْا) انصرفوا (إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) ايّاهم بما سمعوا.

[٣٠] ـ (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) قيل قالوا ذلك لأنّهم

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٧٤.

٢٠٣

كانوا يهودا ولم يسمعوا بأمر «عيسى» (١) (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) الإسلام (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) شرائعه.

[٣١] ـ (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الإيمان (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ) الله (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعضها ، إذ منه المظالم ولا تغفر إلّا برضا أهلها (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) يمنعكم منه.

[٣٢] ـ (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) إذ لا يفوته هارب (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) يمنعونه منه (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بيّن من كلامهم أو كلامه تعالى.

[٣٣] ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا) أولم يعلم منكروا البعث (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ) لم يتعب (بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ) خبر «أنّ» ، و «الباء» زائده لتأكيد النفي ، كأنه قيل : أليس الله بقادر (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى) هو القادر عليه (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومنه إحياء الموتى.

[٣٤] ـ (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يقال لهم ـ وهو ناصب «يوم» ـ :

(أَلَيْسَ هذا) العذاب (بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بكفركم.

[٣٥] ـ (فَاصْبِرْ) على أذى قومك (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) ذووا الجدّ والثبات (مِنَ الرُّسُلِ) «من» للبيان فكلّهم أولوا عزم ، أو للتبعيض وهم أصحاب الشرائع ك «نوح» و «ابراهيم» و «موسى» و «عيسى» فختموا ب «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) لقومك العذاب فإنّه مصيبهم لا محالة (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب في الآخرة (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا في ظنّهم (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) لهول ما عاينوا (بَلاغٌ) أي هذا الّذي وعظتم به كفاية أو تبليغ من الله إليكم (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن أمر الله.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٤٥.

٢٠٤

سورة «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسمّى سورة القتال

[٤٧]

ثمان أو تسع وثلاثون آية مدينة إلا آية (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ ...)

نزلت حين توجه من مكة الى المدينة وهو يرى البيت ويبكى عليه.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) امتنعوا ، أو منعوا النّاس عن الإيمان (أَضَلَ) أبطل (أَعْمالَهُمْ) كصلة الأرحام واطعام الطّعام وقري الضيف إذ لم تقع على الوجه المشروع.

[٢] ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالهجرة والنصرة وغير ذلك (وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) أي القرآن ، تخصيص بعد تعميم للتعظيم المؤكد باعتراض (وَهُوَ الْحَقُ) الثابت (مِنْ رَبِّهِمْ) فهو ناسخ لا ينسخ (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) سترها بحسناتهم (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) حالهم في دينهم ودنياهم.

[٣] ـ (ذلِكَ) الإضلال والتّكفير (بِأَنَ) بسبب انّ (الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) الشيطان (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) القرآن (كَذلِكَ) البيان (يَضْرِبُ اللهُ) يبيّن (لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) أحوالهم أو احوال الفريقين ليعتبروا بهم.

٢٠٥

[٤] ـ (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) في القتال (فَضَرْبَ الرِّقابِ) فاضربوا الرقاب ضربا ، فحذف الفعل وأضيف المصدر الدّال عليه ، الى المفعول ففيه تأكيد باختصار.

وعبّر به عن القتل لأنّ الغالب فيه كونه بضرب الرّقبة ، ولأنّ فيه تغليظا (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم قتلهم (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) ما يوثق به أي فأسروهم واحكموا وثاقهم (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) أي تمنّون عليهم بإطلاقهم بغير عوض منّا بعد الأسر (وَإِمَّا فِداءً) تفادونهم بعوض فداء (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ) أي أهلها (أَوْزارَها) اثقالها من السّلاح والكراع ، (١) بأن يسلم الكفار أو يسالموا ، أو اثامها أي حتّى يضعوا شركهم.

وقيل نسخها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (٢) فليس للإمام إلّا القتل أو الاسترقاق (٣).

وعن أئمة الهدى عليهم‌السلام : انّ من أسر والحرب قائمة فالقتل ولا منّ ولا فداء.

ومن أسر بعد انقضائها فالمنّ أو الفداء أو القتل ، فإن أسلموا في الحالين فلا شيء من ذلك ، وحيث انّ الاحكام في ذلك الى الإمام فلا طائل في التّعرّض لها لأنّه اعلم بها (٤) (ذلِكَ) أي الأمر ذلك (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بإهلاكهم بلا قتال (وَلكِنْ) أمركم به (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ليختبر المؤمنين بجهاد الكافرين فيظهر المطيع والعاصي (وَالَّذِينَ) «قاتلوا» (٥) (فِي سَبِيلِ اللهِ) وقرأ «حفص» و «أبو عمرو» :«قتلوا» (٦) (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) لن يضيعها.

[٥] ـ (سَيَهْدِيهِمْ) الى الجنة أو يثبتهم على الهدى (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) حالهم.

__________________

(١) الكراع اسم يطلق على الخيل والبغال والحمير.

(٢) سورة التوبة ٩ / ٥.

(٣) قاله قتادة والسدي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٩٧.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ٩٧.

(٥) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «قتلوا» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٦) حجة القراءات : ٦٦٦ :

٢٠٦

[٦] ـ (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها) بيّنها (لَهُمْ) بحيث يهتدون الى منازلهم فيها ، أو بيّنها بوصفها في القرآن ، أو طيّبها لهم من العرف ، طيّب الرّائحة.

[٧] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) أي دينه ورسوله (يَنْصُرْكُمْ) على عدوّكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) في مواقف الحرب والقيام بأمر الدّين.

[٨] ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) أي تسعوا تعسا ، دعاء عليهم بالعثور والتّردّي في جهنّم (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) عطف على «تعسوا» المقدّر.

[٩] ـ (ذلِكَ) التّعس والإضلال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن والأحكام.

وعن الباقر عليه‌السلام : ما انزل في حقّ عليّ عليه‌السلام (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) (١).

[١٠] ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أهلكهم وأهليهم وأموالهم (وَلِلْكافِرِينَ) وضعوا موضع الضمير (أَمْثالُها) أمثال عاقبة من قبلهم ، أو عقوبتهم المفهومة من التّدمير.

[١١] ـ (ذلِكَ) أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ناصرهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى) ناصر (لَهُمْ).

[١٢] ـ (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) في الدّنيا (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) منهمكين في شهواتهم ، معرضين عن العبر (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) مقام ومنزل.

[١٣] ـ (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) «مكة» وأريد بالقريتين أهلهما (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) أي تسببوا لخروجك (أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) من الإهلاك.

[١٤] ـ (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) حجة واضحة (مِنْ رَبِّهِ) كالرّسول ومن تبعه

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٩٩.

٢٠٧

(كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) من الشّرك والمعاصي (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في أعمالهم أي بينهما بون.

[١٥] ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) صفتها ، مبتدأ حذف خبره أي فيما نقصّ عليك (فِيها أَنْهارٌ) استئناف لبيان «المثل» (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) غير متغيّر لعارض ، وقرأ «ابن كثير» «أسن» كحذر (١) (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) الى حموضة أو غيرها (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) لذيذة ، أو مصدر وصف به (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) خالص من الفضلات كالشمع وغيره (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أصناف خالصة من العيوب (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي ولهم مغفرة (كَمَنْ) خبر محذوف اي أمن هو خالد في الجنة كمن : (هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا) عوضا عن اشربة تلك الأنهار (ماءً حَمِيماً) شديد الحرّ (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) بحرّه.

[١٦] ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) الى كلامك وهم المنافقون (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي العلماء المؤمنين ك «علي» عليه‌السلام (ما ذا قالَ آنِفاً) ما الذي قال الساعة استهزاء وإظهارا لإعراضهم عن تفهّمه و «آنفا» ظرف أي وقتا موتنفا.

وانف الشّيء : ما تقدّمه ، وعن «ابن كثير» قصره (٢) (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) إذ خلاهم واختيارهم فتمكّن الكفر في قلوبهم (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في النفاق.

[١٧] ـ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ) الله (هُدىً) باللطف والتوفيق (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) وفقهم لها وأعطاهم جزاءها.

[١٨] ـ (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظرون (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل اشتمال من

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٦٧.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٤٨.

٢٠٨

«السّاعة» (بَغْتَةً) فجأة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) علاماتها ، كمبعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانشقاق القمر والدّخان (فَأَنَّى) فمن أين (لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ) الساعة (ذِكْراهُمْ) تذكّرهم أي لا ينفعهم حينئذ.

[١٩] ـ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) أي إذا علمت حال الفريقين ، قدّم على ما أنت عليه من التّوحيد (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) من ترك الاولى هضما لنفسك وانقطاعا الى الله ، ليستنّ بك امّتك ، فكان يستغفر الله كل يوم مائة مرة من غير ذنب (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أكرمهم الله بأمر نبيّهم بالاستغفار لذنوبهم (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) منتشركم بالنّهار ومستقرّكم باللّيل ، أو متقلّبكم في الدّنيا ومثواكم في الآخرة أي هو عالم بجميع أحوالكم فاحذروه.

[٢٠] ـ (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا) هلا (نُزِّلَتْ سُورَةٌ) في أمر القتال (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) مبينة غير متشابهة (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) اي طلبه (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف ايمان أو نفاق (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) خوفا وجبنا (فَأَوْلى لَهُمْ) أي وليهم وقاربهم المكروه ، دعاء عليهم يتضمن الوعيد ، أو مبتدأ خبره :

[٢١] ـ (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) حسن ، وعلى الأوّل استئناف أي طاعة وقول معروف خير لهم (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) جدّ ، وأسند إليه مجازا إذ العزم لأصحاب الأمر وجواب «إذا» : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) في امتثال امره بالجهاد (لَكانَ) الصّدق (خَيْراً لَهُمْ).

[٢٢] ـ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) وكسر «نافع» سينه (١) فهل يتوقّع منكم (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أعرضتم عن الدين ، أو تأمّرتم على الناس (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) أي ترجعوا الى امر الجاهليّة من البغي وقتال الأقارب أي أنتم أحقّاء بأن يتوقّع ذلك

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٣٠.

٢٠٩

منكم من عرف حالكم ويقول لكم : هل عسيتم.

[٢٣] ـ (أُولئِكَ) المذكورون (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) أي تركهم وما هم عليه من التّصامّ والتّعامي عن استماع الحقّ وسلوك طريقه.

[٢٤] ـ (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) بالتفكر في زواجره وعبره ليعتبروا (أَمْ) بل أ(عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) فلا يدخلها معانيه.

ونكّرت «القلوب» لتعمّ قلوب أمثالهم وأضيف الأقفال إليها ارادة لأقفال مختصّة بها.

[٢٥] ـ (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) رجعوا الى كفرهم (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) بالحجج الجليّة (الشَّيْطانُ سَوَّلَ) زيّن (لَهُمُ) اتّباع اهوائهم (وَأَمْلى لَهُمْ) مدّ لهم في الأمل والامنيّة ، وبناه «أبو عمرو» للمفعول (١) وهو لهم والمملي الله وإذ لم يعاجلهم بالعقوبة كقراءة «يعقوب» و «املي» مضارعا (٢).

[٢٦] ـ (ذلِكَ) التسويل والإملاء (بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) أي بسبب أن المنافقين أو اليهود قالوا للمشركين.

وعن الصّادقين عليهما‌السلام : إنّهم بنوا «اميّة» كرهوا ما نزّل في ولاية «عليّ» عليه‌السلام (٣)(سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) كالتظاهر على عداوة «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقعود عن الجهاد معه (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) (٤) فيظهرها ، ومنها قولهم هذا ، وكسر «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» الهمزة مصدرا (٥).

[٢٧] ـ (فَكَيْفَ) يعملون (إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ـ : ٢٧٧.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٠.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٠٥.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «إسرارهم» بكسر الهمزة ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٥) حجة القراءات : ٦٦٩.

٢١٠

التي كانوا يتّقون أن تصيبها آفة في القتال فجبنوا عنه لذلك.

[٢٨] ـ (ذلِكَ) التوفّي على تلك الحال (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الكفر والمعاصي (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) ما يرضيه من الإيمان والطّاعات (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) لعدم ايمانهم.

[٢٩] ـ (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) يظهر أحقادهم للنّبيّ والمؤمنين.

[٣٠] ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) لعرّفناكهم (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) بعلاماتهم ، وكرّرت لام الجواب في المعطوف (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ) جواب قسم محذوف (فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فحواه أو امالته الى نحو تعريض بالمؤمنين.

وعن «جابر» و «الخدري» : هو بغضهم «عليّا» عليه‌السلام وكنّا نعرفهم على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك (١) (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) وكونها بإخلاص ونفاق.

[٣١] ـ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) بالتكاليف كالجهاد وغيره (حَتَّى نَعْلَمَ) علم ظهور (الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) في التّكاليف (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) التي تحكي عنكم كدعواكم الإيمان أو اسراركم ، وقرأ «أبو بكر» الأفعال الثلاثة بالياء (٢).

[٣٢] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) خالفوه (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى) وهم «قريظة» و «النضير» أو المطعمون يوم «بدر» (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) وانّما ضرّوا أنفسهم (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) لكفرهم.

[٣٣] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بما ينافي الإخلاص من كفر وعجب ورياء ومنّ وأذى.

[٣٤] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٠٦ ـ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٥٧٩ و ٦٣٩.

(٢) حجة القراءات : ٦٧٠.

٢١١

نزلت في أهل القليب ولا يخصّ عمومها.

[٣٥] ـ (فَلا تَهِنُوا) تضعفوا (وَتَدْعُوا) ولا تدعوا أو وان تدعوا الكفّار (إِلَى السَّلْمِ) الصلح ، وكسر «أبو بكر» و «حمزة» «السين» (١) (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الغالبون (وَاللهُ مَعَكُمْ) بالنّصرة (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) لن ينقصكم أجرها ، من وترت الرّجل إذا قتلت قريبه وافردته عنه.

وأصله الوتر : الفرد.

[٣٦] ـ (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) منقضية (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) فالفائدة تعود إليكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) كلّها ، بل فرض فيها يسيرا كربع العشر.

[٣٧] ـ (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) كلّها (فَيُحْفِكُمْ) فيجهدكم بطلبها (تَبْخَلُوا) فتمنعوها (وَيُخْرِجْ) البخل أو الله (أَضْغانَكُمْ) أي تضغنون على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودينه.

[٣٨] ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) مبتدأ وخبر ، أي أنتم هؤلاء الموصوفون ، ثم استؤنف وصفهم فقيل : (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) في الغزو وغيره (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بما فرض عليه (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) لعود ضرر البخل عليه.

والبخل يعدّى ب «عن» و «على» (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) فأمركم بالإنفاق لفقركم الى ثوابه (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) عن طاعته (يَسْتَبْدِلْ) يخلق بدلكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) في التولّي عن طاعته ، بل مطيعين له ، منقادين لأمره.

وسئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم فضرب فخذ سلمان ، وقال : هذا وقومه (٢).

وعن الصّادقين عليهما‌السلام : هم الموالي (٣).

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٠.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٠٨.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٠٨.

٢١٢

سورة الفتح

[٤٨]

تسع وعشرون آية وهي مدنية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) هو صلح «الحديبية» سمّى فتحا لوقوعه بعد ظهور النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المشركين وطلبهم الصّلح ، فتسبب لفتح «مكّة» وغيرها وإدخال خلق كثير في الإسلام ، وهي «بئر» سمّي المكان باسمها ، وقد نزح ماؤها فتمضمض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومجه فيها فكثر حتّى كفى جميع من معه.

أو فتح «الرّوم» فإنّهم غلبوا الفرس في ذلك العام وهو فتح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا مرّ في «الرّوم».

أو وعد بفتح مكّة ، وعبّر عنه بالماضي لتحققه ، وقيل الفتح : الحكم ، أي : حكمنا لك بفتحها من قابل (١).

[٢] ـ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) علة للفتح من حيث انّه مسبب عن جهاده للكفّار لإقامة الدين وهدم الشّرك (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أي كلّ ما فرط منك من ترك الاولى.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥١.

٢١٣

أو ذنب أمتك بشفاعتك ، ويعضده قول «الصادق» عليه‌السلام وقد سئل عنه : والله ما كان له ذنب ولكنّ الله سبحانه ضمن له أن يغفر ذنوب شيعة «علي» عليه‌السلام ما تقدّم وما تأخّر (١).

وقال «الرضا» عليه‌السلام : لم يكن أحد عند مشركي «مكة» أعظم ذنبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلمّا جاءهم عليه الصلاة والسلام بالدعوة الى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ...) الآيات (٢).

فلمّا فتح الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مكة» قال : يا «محمّد» (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي أهل «مكة» بدعائك الى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر (٣) (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بإعلاء أمرك واظهار دينك (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ويثبتك عليه وهو دين الإسلام.

[٣] ـ (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) ذا عزّ ، لا ذلّ معه أو تعزّ به وتمتنع على الغير.

[٤] ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الطمأنينة (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) بالشّرائع الّتي تنزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مَعَ إِيمانِهِمْ) بالله ، أو ليزدادوا يقينا مع يقينهم (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الملائكة والثقلين والحيوان.

أو ما يعمّ الصّيحة والرجفة ونحوهما ، فلو شاء لنصر دينه بهم ، ولكن أمركم بالجهاد ليعرضكم للأجر (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بخلقه (حَكِيماً) في تدبيره.

[٥] ـ (لِيُدْخِلَ) متعلق بمحذوف أي أمركم بالجهاد أو ب «فتحنا» أو «انزل» أو «يزدادوا» (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ١١٠.

(٢) سورة ص : ٣٨ / ٥.

(٣) تفسير نور الثقلين ٥ : ٥٦.

٢١٤

يسترها بعفوه (وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ) حال من : (فَوْزاً عَظِيماً) ظفرا بالبغية من نيل النفع ودفع الضّرّ.

[٦] ـ (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) وضمّه «ابن كثير» و «أبو عمرو» في الثلاثة ، (١) ظنّوا انّه لا ينصر رسوله والمؤمنين (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) منقلبة أي يعود إليهم ضرّ ظنّهم (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) هي.

[٧] ـ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

[٨] ـ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) على أمّتك (وَمُبَشِّراً) للمطيعين (وَنَذِيراً) للعاصين.

[٩] ـ (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) خطاب للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وامّته ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» بالياء وكذا في الثلاثة بعده (٢) (وَتُعَزِّرُوهُ) تنصروه بنصر دينه ورسوله (وَتُوَقِّرُوهُ) تعظّموه بتعظيم دينه ورسوله ، والهاء فيهما للرسول ، وفي (وَتُسَبِّحُوهُ) لله (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) غدوة وعشيا ، أو دائما.

[١٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) «بالحديبية» (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأنّ طاعتك طاعته (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) تمثيل يؤكّد ما قبله (فَمَنْ نَكَثَ) نقض البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ) يعود ضرّ نكثه (عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى) ثبت على الوفاء (بِما عاهَدَ عَلَيْهُ) (٣) (اللهَ) من البيعة ، وضمّ «حفص» «هاء» «عليه» (٤) (فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٠.

(٢) حجة القراءات : ٦٧١.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «عليه الله» بالضّم ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٧٢.

٢١٥

هو الجنّة ، وقرأ «الحرميّان» و «ابن عامر» بالنون (١).

[١١] ـ (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) الذين خلّفهم ضعف اليقين والخوف من «قريش» عن صحبة الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا استنفرهم عام «الحديبيّة» للخروج معه الى «مكّة» خوفا من تعرّض «قريش» له فظنّوا انّه يهلك ولا ينقلب الى المدينة ، فلمّا رجع اعتلّوا وقالوا : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) عن الخروج معك (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) الله من تخلّفنا عنك (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) كذّبهم الله فيما يقولون (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فمن يمنعكم من مراده (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) كقتل وهزيمة ، وضم «حمزة» و «الكسائي» «الضاد» (٢) (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) كسلامة وغنيمة (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) فيعلم لم تخلفتم؟.

[١٢] ـ (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) بأن يستأصلهم العدوّ ، و «بل» في الموضعين للانتقال من غرض إلى آخر (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) هذا وغيره (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) جمع بائر أي هالكين بظنّكم هذا.

[١٣] ـ (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) نارا مسعرة ، ونكّر تهويلا ، ووضع الكافرين موضع الضّمير تسجيلا عليهم بالكفر.

[١٤] ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) لم يقل «غفورا معذبا» طبق يغفر ويعذب لأنّ رحمته سبقت غضبه.

[١٥] ـ (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) المذكورون (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) هي مغانم «خيبر» فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاد من «الحديبيّة» في ذي الحجة سنة ست ، ومكث بالمدينة بقيّته وبعض المحرّم ، فغزا «خيبر» بمن شهد «الحديبية» ففتحها

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٠.

(٢) حجة القراءات : ٦٧٢.

٢١٦

وخصّهم بغنائمها (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) وهو وعده بغنائم «خيبر» لأهل «الحديبية» خاصة ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «كلم الله» جمع كلمة (١) (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) قبل عودنا من «الحديبية» (فَسَيَقُولُونَ) ردا لذلك (بَلْ تَحْسُدُونَنا) ان نشارككم في الغنيمة ، فردّ الله ردّهم بقوله : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) لا يفقهون إلّا فهما قليلا وهو فقههم لأمور الدّنيا دون الدّين.

[١٦] ـ (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) المذكورين (سَتُدْعَوْنَ) سيدعوكم الرسول فيما بعد (إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) من المشركين ك «هوازن» و «ثقيف» وغيرهم لقوله : (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) أي يكون أحد الأمرين لا غير ، ويعضده قراءة «أو يسلموا» (٢) إذ غيرهم يقاتل أو يسلم أو يعطي الجزية.

واحتج بها لإمامة «ابي بكر» بجعل الدّاعي غير الرّسول بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) (٣) وقد دعاهم «أبو بكر» بعده الى قتال بني «حنيفة» و «فارس» و «الروم».

وردّ بأن قوله (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ) من التّوبة في المتخلّفين عن «تبوك» سنة تسع ، وهذه في المتخلّفين عن «الحديبية» سنة ستّ ، مع اختلاف أوصاف الجماعتين واحكامهما المذكورة في السّورتين ، على انّه لا يجوز الحمل على «بني حنيفة» لأنّهم كانوا مسلمين ، وانّما منعوا الزّكاة لتأويلهم آيتها (٤) باختصاصها بالرّسول ولم يخرجوا بذلك عن الإسلام ، وان أرادوا بهم «مسيلمة» وقومه ، فالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاهدهم بالكتب وانفذ جماعة لقتلهم غيلة واستنفر عليهم

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٣.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٥٣.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ٨٣.

(٤) اي آية الزكاة وهي قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ...) إلخ.

٢١٧

قبائل ، ولا على (١) «فارس» و «الرّوم» لثبوت الواسطة فيهم بين القتال والإسلام وهي دفع الجزية ، وتفسير الإسلام بما يعمّ دفعها مع مخالفته للظاهر لا ينفي كون الدّاعي الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه دعاهم بعد «الحديبية» الى «خيبر» و «مؤتة» و «تبوك» وغيرها ، ولو سلّم كونه غيره فلا مانع أن يكون «عليّا» عليه‌السلام لقتاله الناكثين و «القاسطين» و «المارقين» بعده ، وعدم العلم ببقاء المخلّفين الى ايّامه لا ينفي الجواز مع انّه لا يعلم بقاؤهم الى ايّام «ابي بكر» والجواز لا يكفي المستدلّ لإمامته.

واسلام محاربي عليّ عليه‌السلام ممنوع لثبوت كفرهم باستحلالهم قتاله ، إذ من استحلّ شرب جرعة خمر كافر اجماعا ، واستحلال دماء المؤمنين فضلا عن أفاضلهم أعظم من شرب الخمر ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : حربك حربي (٢) ومحارب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافر بالإجماع ، ولو سلّم كون الداعي «أبا بكر» فلا دلالة لها على مدحه لجواز أن يدعوا الى الحق من ليس عليه (٣) (فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) هو في الدّنيا الغنيمة ، وفي الآخرة الجنّة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) عن «الحديبية» (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) في الآخرة.

[١٧] ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) أي : لا إثم عليهم في ترك الجهاد (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ) وقرأ «نافع» و «ابن عامر» بالنون (٤) (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ) بالقرائتين (عَذاباً أَلِيماً).

[١٨] ـ (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) الخلّص (إِذْ يُبايِعُونَكَ) بالحديبية وبه

__________________

(١) العطف على : لا يجوز الحمل.

(٢) للتفصيل ينظر كتاب العمدة لابن البطريق الفصل الرابع والثلاثون.

(٣) هذا جواب لكلام البيضاوي يراجع تفسيره ٤ : ١٥٣.

(٤) حجة القراءات : ٦٧٤.

٢١٨

سميت بيعة «الرضوان» (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) كانت «سمرة» (١).

قيل بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عثمان» الى أهل «مكة» بأنه إنّما أتى لزيارة البيت لا لقتال ، فحبسوه وأرجف بقتله ، فدعا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه وكانوا ألفا وخمسمائة ، فبايعهم على أن يقاتلوهم ولا يفرّوا (٢) (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الإخلاص (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ) الطّمأنينة (عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) فتح «خيبر» بعد عودهم من «الحديبية».

[١٩] ـ (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) من خيبر (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) غالبا (حَكِيماً) في تدبيره.

[٢٠] ـ (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) من الفتوح الى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) أي غنيمة «خيبر» (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) أيدي أهل «خيبر» وحلفائهم ك «أسد» و «غطفان» ، أو أيدي «قريش» بالصّلح (وَلِتَكُونَ) هذه المعجلة أو «الكف» عطف على مقدّر ك «لتشكروه» (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) على صدق الرّسول في وعدهم فتح خيبر واصابتهم غنائمها (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) يثبتكم ويزيدكم بصيرة.

[٢١] ـ (وَأُخْرى) أي وعدكم الله مغانم اخرى (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) هي غنائم «فارس» و «الروم» أو «هوازن» (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) علما انّها ستصير لكم (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من فتح وغيره (قَدِيراً).

[٢٢] ـ (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من «قريش» بالحديبية (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يحفظهم (وَلا نَصِيراً) يعينهم.

[٢٣] ـ (سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) أي سنّ نصر أوليائه على أعدائه سنة

__________________

(١) السمرة : شجرة صغار الورق ، قصار الشوك وله برمة صفراء يأكلها الناس ـ لسان العرب.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١١٦.

٢١٩

قديمة في الأمم (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) تغييرا.

[٢٤] ـ (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) بالرعب (وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) بالنهي (بِبَطْنِ مَكَّةَ) في داخلها أو بالحديبية (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) وذلك انّ قريشا خرجوا يوم «الحديبية» على المسلمين فرماهم المسلمون بالحجارة حتى أدخلوهم بيوت «مكة».

وقيل : خرج منهم ثمانون ليصيبوا من المسلمين فأخذهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعتقهم (١) (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) وقرأ «أبو عمرو» بالياء (٢).

[٢٥] ـ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ) بالحديبية (عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن تطوفوا به للعمرة (وَالْهَدْيَ) وصدّوا الهدى (مَعْكُوفاً) حال أي محبوسا (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) مكانه المعهود لنحره وهو «مكة» لأنّها منحر «العمرة» كما إنّ «منى» منحر الحجّ ، وفي الصدّ ينحر حيث يصدّ كما فعل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) بأعيانهم لاختلاطهم بالكفّار (أَنْ تَطَؤُهُمْ) تهلكوهم ، لو اذن لكم في فتح «مكة» بدل اشتمال منهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) تبعة ، كلزوم الدّية والكفّارة ، أو اعابة الكفّار لكم بذلك أو اثم بترك الفحص عنهم (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق ب «تطئوهم» وجواب «لو لا» محذوف أي لما كفّ أيديكم عنهم (لِيُدْخِلَ) علّة لما دلّ عليه الكلام أي فحال بينكم وبينهم ليدخل (اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من المؤمنين ومن أسلم بعد الصّلح من المشركين (لَوْ تَزَيَّلُوا) تميّزوا عن الكفار (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) من أهل «مكة» (عَذاباً أَلِيماً) بالقتل والسّبي.

[٢٦] ـ (إِذْ جَعَلَ) نصب بإضمار اذكر أو ظرف «لعذبنا» (الَّذِينَ كَفَرُوا) فاعل : (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) الأنفة (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) بدل منها وذلك انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) نظيره في تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٤.

(٢) حجة القراءات : ٦٧٤.

٢٢٠