الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

تجامعوهنّ ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «تماسوهنّ» (١) (فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) تستوفون عددها ، ويفيد إسناده إليهم مع «فما لكم» أنّ العدة حق للأزواج.

وتخصيص المؤمنات إمّا لمنع نكاح المؤمن غيرهن ، أو لأولوية أن يختار المؤمنة (فَمَتِّعُوهُنَ) أي إذا لم تفرضوا لهنّ مهرا ، إذ مع فرضه يجب لها نصفه لا المتعة كما مرّ في البقرة (٢) (وَسَرِّحُوهُنَ) خلّوا سبيلهن ، إذ لا عدّة لكم عليهن (سَراحاً جَمِيلاً) من غير إضرار.

[٥٠] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) مهورهن.

وقيد الإحلال له بسوقه معجّلا لاختيار الأفضل له كتقييد إحلال الأمة له بالسّبي في (وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ) إذ المشتراة لا يعلم حالها.

وتقييد القرائب بالمهاجرة في : (وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ).

وقيل : كانت الهجرة شرطا في الحلّ ، ثمّ نسخ (٣) (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ) أي وأحللنا لك امرأة مؤمنة تهب لك نفسها بلا مهر ، إن اتفق ذلك ، واختلف في اتفاقه (إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها) يطلب نكاحها وهو شرط للشرط الأول في الإحلال ، إذ لا تتم الهبة إلّا بالقبول ، وإرادته قبول.

وعدل عن الخطاب إلى الغيبة بلفظ النبيّ مكررا ثم عاد إليه في : (خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) إيذانا بأنه مما خصّ به لنبوته واستحقاقه الكرامة لأجلها.

و «خالصة» مصدر أي خلص لك إحلال ذلك خلوصا أو حال من «وهبت» (قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ١٩٩ وكذا في ١ : ٢٩٧.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٦.

(٣) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٦٤.

٢١

من الأحكام في العقد الدائم والمنقطع (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الإماء بشراء أو غيره ، أنّه (١) كيف ينبغي أن يفرض؟ (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) ضيق في باب النكاح ، متصل ب «خالصة» وما بينهما اعتراض لبيان أن المصلحة اقتضت مخالفة حكمه لحكمهم في ذلك (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن شاء (رَحِيماً) بالتوسعة لعباده.

[٥١] ـ (تُرْجِي) (٢) ولم يهمزه «نافع» و «حفص» و «الكسائي» (٣) تؤخّر (مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) من أزواجك فلا تضاجعها (٤) (وَتُؤْوِي) تضمّ (إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ) وتضاجعها أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ) طلبت (مِمَّنْ عَزَلْتَ) تركتها (فَلا جُناحَ عَلَيْكَ) في ذلك كلّه (ذلِكَ) التفويض إلى مشيئك (أَدْنى) أقرب الى : (أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَ) لاستوائهن في هذا الحكم ، ثم إن قسمت بينهنّ رأين ذلك تفضّلا منك وإلّا علمن انّه حكم الله ويرضين به (كُلُّهُنَ) تأكيد لفاعل «يرضين» (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ) فلا تسرّوا ما يسخطه (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بخلقه (حَلِيماً) لا يعاجل بالعقوبة.

[٥٢] ـ (لا يَحِلُ) بالياء لأنّ تأنيث الجمع غير حقيقيّ ، وقرأ «أبو عمرو» بالتّاء (٥) (لَكَ النِّساءُ) المحرمات في سورة النساء (٦) (مِنْ بَعْدُ) بعد النساء اللاتي أحللناهنّ لك بالآية السابقة (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ) منع من فعل.

الجاهليّة كان الرّجلان منهم يتبادلان فينزل كل منهما عن زوجته للآخر (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ)

__________________

(١) في «ج» وانّه ...

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ترجى» بلا همزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٥٧٨ مع اختلاف يسير.

(٤) في «ج» فلا تصاحبها.

(٥) حجة القراءات : ٥٧٩.

(٦) سورة النساء : ٤ / ٢٣.

٢٢

حسن المحرّمات عليك (إِلَّا) لكن (ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) فيحلّ لك. وقيل : لا يحلّ لك النساء بعد التّسع ، وهنّ في حقّه كالأربع في حقّنا (١).

وقيل : بعد اليوم حتى لو متن لم يحلّ لك غيرهنّ ، ولا أن تطلّق واحدة وتنكح اخرى بدلها (٢) ولو أعجبك حسن المستبدلة ، و (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) استثناء من «النساء» لشموله الإماء ، أو منقطع.

واختلفوا في كون الآية محكمة أو منسوخة بالآية السابقة لتأخرها نزولا.

والظاهر جواز الأكثر من التّسع له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن التحريم لم يقع أصلا لما ثبت من جمعه بين إحدى عشره.

ولما صحّ عن «الصادق عليه‌السلام» في «لا يحلّ لك النّساء» قال : إنّما عنى اللاتي حرمن عليه في آية النساء (٣) ولو كان الأمر كما تقولون لكان قد حلّ لكم ما لم يحل له ، إنّ أحدكم يستبدل كلما أراد ، ولكن ليس الأمر كما تقولون ، إنّ الله عزوجل أحلّ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من النساء ، إلّا ما حرّم الله عليه في آية النساء وعن الباقر عليه‌السلام مثله. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) حفيظا.

[٥٣] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) إلّا وقت الإذن ، أو إلّا مأذونا لكم ولتضمّن «يؤذن» معنى يدعى تعلّق به (إِلى طَعامٍ) فادخلوا حينئذ : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) منتظرين إدراكه ، مصدر أنا يأنى ، أي لا تدخلوا قبل نضجه (٤) فيطول لبثكم (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) بالخروج (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) يحدث به بعضكم بعضا ، عطف على «ناظرين» أو مقدّر

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٦٧.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٥.

(٣) سورة النساء : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ...) الآية.

(٤) النّضيج : المطبوخ ـ لسان العرب.

٢٣

بلا تمكثوا (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) لتضييقكم عليه وعلى أهل المنزل (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يخرجكم (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) أي لا يترك بيان الحق وهو إخراجكم ترك المستحيي (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) أي نساء النّبي (مَتاعاً) ما يحتاج إليه (فَسْئَلُوهُنَ) المتاع (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ستر.

قيل : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطعم ومعه بعض أصحابه ، فأصابت يد رجل يد عائشة ، فكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فنزلت (١) (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) من خواطر الرّيبة (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) بشيء حيّا وميتا لإطلاقه ، ويعضده ، (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) بعد وفاته أو فراقه ، من دخل بها وغيرها ، لصدق الزّوجيّة عليها ولأخبار أهل البيت عليهم‌السلام.

فلا وجه لتخصيص غير المدخولة بإقرار «عمر» نكاح «اشعث بن قيس» للمستعيذة وعدم النّكير عليه (٢) ولا يجدي مع أن المروي عن أهل الذكر عليهم‌السلام : الإنكار عليه وعلى صاحبه في إذنهما في نكاح هذه والقائلة : لو كان نبيّا ما مات ابنه.

قيل : قال «طلحة» : لئن مات محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنكحنّ عائشة فنزلت (٣) (إِنَّ ذلِكُمْ) الإيذاء والنكاح (كانَ عِنْدَ اللهِ) ذنبا (عَظِيماً).

[٥٤] ـ (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) في نكاحهنّ (أَوْ تُخْفُوهُ) في قلوبكم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيجازيكم به ، تهديد بليغ.

[٥٥] ـ (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ) أي لا يحجبن عنهم.

__________________

(١) قاله مجاهد كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٦٨ ـ ونقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٦.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٤٦.

(٣) يراجع تفسير الكشّاف ٣ : ٥٥٦.

٢٤

قيل : لمّا نزلت آية الحجاب ، قال الأقارب : ونحن أيضا نكلمهنّ من وراء حجاب؟ فنزلت (١) ولم يذكر العمّ والخال لأنهما كالوالدين أو الأخوين (وَلا نِسائِهِنَ) أي المؤمنات أو كلّ النساء (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) من الإماء أو ما يعمّها والعبيد كما مرّ في النّور (٢) (وَاتَّقِينَ اللهَ) فيما كلّفتنّه (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) لا يغيب عنه شيء.

[٥٦] ـ (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) يثنون عليه ويعظّمونه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) عظّموه بالثناء عليه والدّعاء له ، وقولوا : اللهم صلّ على «محمّد» وآل «محمّد» وسلّم على «محمّد» وآل «محمّد».

ومفادها وجوب الصّلاة والسّلام عليه في الجملة ، فيحتمل وجوب الصلاة في التشهد ، والتسليم عليه في حياته ، أو أريد به الانقياد لأمره.

وقيل : تجب الصلاة عليه في كل مجلس ، (٣) وقيل : في العمر مرّة (٤).

وقيل : كلما ذكر (٥) وهو الأقوى للأخبار الواردة بذلك (٦).

وأمّا الصلاة على غيره منفردا فلا ريب في جوازها ورجحانها ، سيّما آله صلوات الله عليهم لثبوتها بالبرهان العقلي والنقلي كتابا وسنة (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (٧). (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ، (٨)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٦٨.

(٢) سورة النور : ٢٤ / ٣١.

(٣) تفسير الكشّاف ٣ : ٥٥٨.

(٤) تفسير الكشّاف ٣ : ٥٥٨.

(٥) تفسير الكشّاف ٣ : ٥٥٨.

(٦) منها وحديث كعب بن عجرة في الباب ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رغم انف رجل ذكرت عنده فلم يصل علىّ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ذكرت عنده فلم يصلّ علىّ فدخل النار فأبعده الله.

(٧) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٣.

(٨) سورة التوبة : ٩ / ١٠٣.

٢٥

(أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم صلّ على آل أبي أوفى (٢).

فلا وجه لمنع ذلك أو تكريهه بعد تصريح الله تعالى ورسوله بندبه بل وجوبه.

والتعلق بكونه شعارا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصادرة إذا لم يصر شعارا له إلّا بمنعهم إياه لغيره وأداؤه الىّ التهمة بالرفض لكونه شعارا لرفضه لا يقتضي منعه وإلّا لزمهم ترك العبادات لأنّها شعارهم ، وهل يجوز لعاقل منع ما تطابق العقل والنقل على رجحانه بسبب كونه شعار جماعة من المسلمين؟.

ما هذا إلّا محض عناد اقتضاه فرط النّصب لآل الرّسول صلوات الله عليه وعليهم كما يشهد به ترك ذكرهم معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع اعترافهم برجحانه.

ورووه عن «كعب الأحبار» حيث سأله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كيفية الصلاة عليه ، فقال : قولوا اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، الحديث (٣).

[٥٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بارتكاب ما لا يرضيان به من كفر ومعصية أو يؤذون رسوله ، وذكر الله تعظيما له وإيذانا بأن إيذاء رسوله إيذاء له تعالى ، ومن إيذائه إيذاء أهل بيته عليهم‌السلام لقوله : «فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٥٧.

(٢) تفسير الكشّاف ٣ : ٥٥٨.

(٣) صحيح البخاري الجزء الرابع كتاب بدء الخلق / ١٤٦ و ١١ وجزء السادس كتاب التفسير / ١٢٠ ـ ١٢١ وصحيح مسلم ٢ / ١٦ كتاب الصلاة ، وروى احمد بن حنبل في كيفية الصلاة على النبي هذه العبارة في مسنده ج ١ ص ١٦٢ و ١٩٩ وج ٤ ص ١١٨ و ١١٩ و ٢٤١ و ٢٤٣ بثلاثة طرق و ٢٤٤ و ٢٧٣ ، وفي ج ٥ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ و ٣٥٣ و ٣٧٤ و ٤٢٤.

(٤) للحديث عبارات شتى وله مصادر كثيرة منها : صحيح مسلم الجزء السابع / ١٤٠ ـ ١٤١ باب فضائل فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، صحيح البخاري الجزء الخامس / ٢٩ باب مناقب فاطمة عليها‌السلام ، وروى احمد بن حنبل بألفاظ مختلفة فممّا رواه بهذا اللفظ في المسند ج ٤ / ٥ ـ و ٣٢٣ و ٣٢٦ و ٣٢٨ و ٣٣٢ وفي الفضائل برقم ٣٢٧ و ٣٢٨ و ٣٣٩ و ٣٣٤ و ٣٤٧ و ١٣٣٣.

وروى معناه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٥٤ و ١٥٨ و ١٥٩ وابو داود في السنن ٢ : ٢٢٦ ، والترمذي في صحيحه ٥ : ٦٩٨ والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ٢٣ والذهبي في سير اعلام النبلاء ٣ : ٣١٨ وابو نعيم في الحلية ٦ : ٤١ وغيرهم.

٢٦

وعن «علي» عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ من آذى منك شعرة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، (١) أولئك الذين : (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أبعدهم عن رحمته (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) ذا إهانة وهو النّار.

[٥٨] ـ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بغير ذنب يوجب إيذائهم (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) بيّنا.

قيل : نزلت في منافقين كانوا يؤذون «عليّا» عليه‌السلام (٢).

وقيل : في زناة كانوا يتبعون النساء وهنّ كارهات (٣) وخصوص السّبب لا يخصّص.

[٥٩] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) يرخين على وجوههن وأبدانهن بعض ملافعهن ، (٤) الفاضل من التّلفّع (ذلِكَ أَدْنى) أقرب إلى (أَنْ يُعْرَفْنَ) إنّهنّ حرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) بتعرّض أهل الرّيبة لهنّ كتعرضهم للإماء (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لما سلف (رَحِيماً) بإرشاده إلى ما فيه المصالح.

[٦٠] ـ (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف إيمان أو فجور عمّا هم فيه (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) بإخبار السّوء كقولهم : قتل

__________________

(١) الحديث بطوله في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٧٠.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٧.

(٣) قاله الضحاك والسدي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٧٠.

(٤) في «ألف» و «ب» : ملاحفهنّ.

٢٧

سراياكم وآتاكم عدوّكم عن إرجافهم ، من الرّجفة : الزلزلة ، سمّي بها الخبر الكاذب لتزلزله (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنأمرنّك بقتالهم وإجلالهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) عطف ب «ثم» على «لنغرينك» لأن الجلاء عن أوطانهم أعظم ما يصيبهم (فِيها) في «المدينة» (إِلَّا) زمانا (قَلِيلاً).

[٦١] ـ (مَلْعُونِينَ) شتم أو حال داخل في الاستثناء أي لا يجاورونك إلّا ملعونين (أَيْنَما ثُقِفُوا) وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً).

[٦٢] ـ (سُنَّةَ اللهِ) أي سنّ الله ذلك سنّة (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) من الأمم الماضية في منافقيهم المرجفين للمؤمنين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) عمّا جرت عليه.

[٦٣] ـ (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ) متى تقوم استهزاء أو امتحانا (قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) استأثر به (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً) شيئا قريبا ، أو توجد في وقت قريب ، تهديد للمستهزئين وإسكات للممتحنين.

[٦٤] ـ (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) نارا تلتهب.

[٦٥] ـ (خالِدِينَ) مقدّرا خلودهم (فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يمنعهم منها (وَلا نَصِيراً) يدفعها عنهم.

[٦٦] ـ (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) تصرف من جهة الى جهة ، أو من حال الى حال أو تنكس على رؤوسها ، وناصب «يوم» (يَقُولُونَ يا) للتنبيه (لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فلا نعذّب ، وفيه وفي «السّبيل» (١) من القراءة ما مرّ في (الظُّنُونَا) (٢).

[٦٧] ـ (وَقالُوا) ـ أي الأتباع منهم ـ : (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا) وهم قادتهم في الكفر ، وقرأ «ابن عامر» : «ساداتنا» جمع الجمع (٣) (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)

__________________

(١) في الآية الآتية.

(٢) في الآية (١٠) من هذه السورة.

(٣) حجة القراءات : ٥٨٠.

٢٨

سبيل الحق.

[٦٨] ـ (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) مثلي عذابنا إذ ضلوا وأضلوا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) (١) عدده ، وقرأ «عاصم» بالموحّدة أي عظيما (٢).

[٦٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا) مع نبيكم (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) من مضمونه ، وهو رميهم إيّاه ببرص ، او ادرة (٣) فأظهر الله لهم برائته.

أو اتهامهم له بقتل «هارون» لما ذهب معه إلى «الطور» فمات هناك ، فحملته الملائكة فمرّوا بهم فوجدوه غير قتيل ، أو أحياه الله فبرأه ، أو ما أراده «قارون» من قذف المومسة إيّاه بنفسها ، فأنطقها الله ببراءته (٤) (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ذا جاه وقدر.

[٧٠] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) في إيذاء رسوله وغيره (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) قاصدا الى الحقّ ، لا ما لا قصد فيه كحديث «زينب» وغيره.

[٧١] ـ (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) بتقبّلها ، أو يوفّقكم بلطفه للأعمال الصّالحة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) باستقامتكم بالقول والعمل (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ظفر ببغيته.

[٧٢] ـ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) هي الطّاعة المعلق بها الفوز ، فإنها واجبة الأداء كالأمانة (عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي هي لعظمتها بحيث لو عرضت على هذه العظام وكان لها شعور لأبين حملها (وَأَشْفَقْنَ) خفن (مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) مع ضعفه أي جنسه باعتبار الغالب (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) حيث لم يؤدّها (جَهُولاً) بعظمة شأنها.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «كبيرا» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٥٨٠.

(٣) الأدرة بالضمّ : فتق احدى الخصيتين ـ قاموس اللغة.

(٤) وقد سبق ذكر ذلك عند تفسير قوله تعالى : (إِنَّ قارُونَ كانَ) سورة القصص : ٢٨ / ٧٦.

٢٩

أو : أريد بالأمانة : ما يعمّ الطاعة الطبيعية والاختياريّة ، وعرضها على السماوات وإباؤها عن حملها مجاز.

وحملها : خيانتها وعدم أدائها ، من قولهم حامل الأمانة لمن لم يؤدّها فالاباء عنه أداؤها وهو الانقياد لإرادته تعالى.

وأما حمل الإنسان الموصوف بالظّلم والجهل على نبيّ الله وصوفته «آدم» عليه‌السلام (١) فظلم وجهل.

[٧٣] ـ (لِيُعَذِّبَ اللهُ) تعليل للعرض أو الحمل المترتب عليه (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) الخائنين الأمانة (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) المؤدّين للأمانة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) للمؤمنين (رَحِيماً) بهم.

__________________

(١) كما ذهب اليه البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٨.

٣٠

سورة سبأ

[٣٤]

أربع أو خمس وخمسون آية مكية وقيل : إلّا آية (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (١).

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ) لا لغيره (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من نعمة وغيرها ، فهو المنعم المختص بكلّ كمال ، فله الحمد في الدّنيا (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) خصّت بالتصريح بها تفضيلا لنعمها الباقية على نعم الدنيا الزائلة (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في تدبيره (الْخَبِيرُ) بخلقه.

[٢] ـ (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من مطر «وكنز» وميّت (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من حيوان ونبات ومعدن (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من ملك ووحي ونعمة ونقمة (وَما يَعْرُجُ فِيها) من ملك وعمل وأبخرة (وَهُوَ الرَّحِيمُ) بإمهال العصاة (الْغَفُورُ) لمن شاء من الموحدين.

[٣] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) إنكار لمجيئها (قُلْ بَلى) ردّ لقولهم وإيجاب لما أنكروه (وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ) تأكيد لإثباته بالتّكرير والقسم

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٤٨.

٣١

ووصف المقسم به بما يقرّر إمكانه ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «علّام» مبالغة و «نافع» و «ابن عامر» : «عالم» بالرّفع خبر محذوف أو مبتدأ ، خبره : (لا يَعْزُبُ) (١) لا يغيب : وكسره «الكسائي» (٢) (عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) زنة أصغر نملة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) رفعا بالابتداء لا بالعطف على «مثقال» لقوله : (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بيّن ، هو : اللوح.

[٤] ـ (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) علّة لمجيئها (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) هنيء في الجنة.

[٥] ـ (وَالَّذِينَ سَعَوْا) (٣) (فِي آياتِنا) بالإبطال (مُعاجِزِينَ) مسابقين لنا ، ظانّين أن يفوتونا ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» : «معجّزين» (٤) مشدّدا حيث جاء ، أي : مثبّطين من أراد الإيمان (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) سيّئ العذاب (أَلِيمٌ) (٥) ورفعه «ابن كثير» و «حفص» (٦).

[٦] ـ (وَيَرَى) يعلم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من الصّحابة ، أو مؤمني أهل الكتاب ، أو الأعم منهما (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) القرآن (هُوَ) فصل (الْحَقَ) ثاني مفعولي «يرى» وهو مستأنف أو عطف على «ليجزي» أي وليعلموا إذا أتت السّاعة حقيقة عيانا كما علموها نظرا (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) الى دين المنتقم من أعدائه المحمود في أفعاله.

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٨١.

(٢) حجة القراءات : ٥٨٢.

(٣) يراجع تعليقنا على كلمة «باءوا» في الآية ٦١ من سورة البقرة.

(٤) حجة القراءات : ٥٨٢.

(٥) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «اليم» بالرفع ـ كما سيشير المؤلّف ـ.

(٦) حجة القراءات : ٥٨٢.

٣٢

[٧] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ـ قال بعضهم لبعض ـ : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ) يعنون «محمدا» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُنَبِّئُكُمْ) يخبركم بأمر عجيب (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرّقت أوصالكم كلّ تفريق ، وعامل «إذا» ما دلّ عليه : (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي تبعثون ، لا ما بعد «إنّ» لعدم عمله فيما قبلها.

[٨] ـ (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) جنون يخيل له ذلك ، فيهذي به واحتجّ بمقابلتهم إيّاه بالافتراء ـ مع عدم اعتقادهم صدقه ـ على ثبوت واسطة بين الصّدق والكذب.

وردّ : بأنّ الكذب أعمّ من الافتراء (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) عن الحق ، لترديدهم خبره بين قسمين باطلين ، وتركهم قسما ثالثا حقا بالبرهان القاطع وهو أنّه عاقل صادق.

وقدّم «العذاب» على موجبه وهو الضلال مبالغة في استحقاقهم له.

[٩] ـ (أَفَلَمْ يَرَوْا) أعموا فلم ينظروا (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ما أحاط بجوانبهم (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فيستدلّون بهما على قدرته (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) وأدغم «الكسائي» الفاء بالباء (١) (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) ـ وفتحه «حفص» ـ (٢) قطعة (مِنَ السَّماءِ) لكفرهم ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «يشأ» و «يخسف» و «يسقط» بالياء (٣) (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي يرونه (لَآيَةً) لدلالة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع الى قدرته على البعث وما يشاء.

[١٠] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) على غيره من الناس من النبوة والكتاب وغيرهما ، أو على كثير من الأنبياء وهو : (يا جِبالُ أَوِّبِي) رجّعي (مَعَهُ) التسبيح ،

__________________

(١) النشر في القراءات العشر ٢ : ١٢.

(٢) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٤٩ و ٣٠٩.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٢.

٣٣

وذلك إما بخلق صوت فيها أو ببعثها له على التسبيح ، إذا تفكّر فيها ، أو سيرى معه حيث سار ، فهو بدل من «فضلا» بتقدير قولنا (وَالطَّيْرَ) عطف على محل «جبال» أي ودعوناها تسبّح معه ، أو على «فضلا» أو مفعول معه ل «أوّبى» (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) فصار في يده كالشمع ، يعمل به ما شاء.

[١١] ـ (أَنِ) أمرناه بأن ، أو أي : (اعْمَلْ سابِغاتٍ) دروعا تامّات وهو أوّل من عملها (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) في نسجها بحيث تتناسب حلقها (وَاعْمَلُوا صالِحاً) أي أنت وأهلك (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فاجازيكم به.

[١٢] ـ (وَلِسُلَيْمانَ) وسخرنا له (الرِّيحَ) ورفعه «أبو بكر» (١) أي له الريح مسخرة (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) سيرها بالغدوة مسيرة شهر ، وبالعشي كذلك (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) النحاس المذاب ، فأجريت جري الماء ثلاثة أيام وعمل الناس الى اليوم من ذلك (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) عطف على «الريح» و «من الجن» حال مقدمة (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمره (وَمَنْ يَزِغْ) يعدل (مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) له بطاعته (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) النار في الآخرة ، أو في الدنيا بضربة ملك بسوط من نار فيحرقه.

[١٣] ـ (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) أبنية رفيعة وقصور منيعة (وَتَماثِيلَ) صور الملائكة والأنبياء ، ليقتدي بهم أو الحيوانات.

قيل : عملوا أسدين في أسفل كرسيّه ، إذا صعد بسطا ذراعيهما ، ونسرين فوقه إذا قعد اظلّاه بجناحيهما (٢) ولعلّ التّصوير مباح في شرعه.

وعن الصّادق عليه‌السلام : إنها صور الشّجر وشبهه (٣) (وَجِفانٍ) صحاف ، جمع

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٢.

(٢) تفسير الكشّاف ٣ : ٥٧٢ ـ تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٨٣.

(٣) تفسير مجمع البيان ٤ : ٣٨٣.

٣٤

جفنة «كالجوابي» (١) جمع «جابية» حوض كبير ، يقعد على الجفنة ألف رجل ، وأثبت «ابن كثير» الياء مطلقا و «ورش» و «أبو عمرو» وصلا (٢) (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ثابتات على الأثافي (٣) لا تحرك عنها لعظمها يصعد إليها بالسّلالم ، وقلنا : (اعْمَلُوا) يا (آلَ داوُدَ شُكْراً) علّة ، أي : اعملوا بطاعة الله شكرا له ، أو : مصدر ؛ إذ العمل شكر أو حال أو مفعول به (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ) وسكّن «حمزة» «الياء (٤) (الشَّكُورُ) المجتهد في أداء الشكر بجنانه ولسانه وأركانه المعترف بالعجز عن توفية حقّه إذ توفيقه له نعمة توجب شكرا آخر لا إلى نهاية.

[١٤] ـ (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ) على سليمان (الْمَوْتَ) قيل : أسّس «داود» بيت «المقدس» فمات قبل تمامه ، فوصى به الى «سليمان» فاستعمل فيه «الجنّ» فأعلم بدنوّ أجله ولم يتم بعد ، فقال : اللهم غمّ (٥) عليهم موتى ليتموّه ، فأمرهم فبنوا عليه قبّة من قوارير لا باب لها ، فقام يصلّي متّكئا على عصاه فمات وبقي متّكئا سنة وهم يعملون ولا يشعرون بموته حتى أكلت الارضة عصاه فخرّ (٦) (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) مصدر ، يقال : ارضت الخشبة بالبناء للمفعول أرضا أي أكلتها الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) عصاه ، من نسأت البعير أي زجرته لأنّها يزجر بها ، وأبدل «نافع» و «أبو عمرو» الهمزة ألفا وسكّنها «ابن ذكوان» وفتحها الباقون (٧) (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) علمت (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) كما يزعمون لعلموا موته ، ولو

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «كالجواب».

(٢) حجة القراءات : ٥٨٤.

(٣) الأثافي : الأحجار التي تنصب ويوضع عليها القدر.

(٤) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٠٩.

(٥) غم الشيء : ستره وغطّاه.

(٦) تفسير البيضاوي ٤ : ٥٠ ـ ٥١.

(٧) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٠٣.

٣٥

علموه (ما لَبِثُوا) بعد سنة (فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) العمل الشاق ، أو ظهرت الجنّ ، و «ان» بصلتها بدل اشتمال منه أي ظهر أنهم لو علموا الغيب ما لبثوا في العذاب.

وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ ببناء بيت «المقدس» لأربع مضين من ملكه وعمّر ثلاثا وخمسين.

[١٥] ـ (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) بالتنوين ، اسم للحيّ أو لأبيهم «سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان» ومنع صرفه «أبو عمرو» و «البزي» اسما للقبيلة (١) (فِي مَسْكَنِهِمْ) (٢) باليمن في مدينة «مأرب» وكانوا بعد «عيسى» ووحّده «حمزة» و «حفص» بفتح الكاف و «الكسائي» بكسره (٣) (آيَةٌ) دالة على كمال قدرة الله وسبغ نعمته (جَنَّتانِ) بدل من «آية» أو خبر محذوف ، أي : الآية جنّتان جماعتان من البساتين (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله ، كأن كل جماعة لتدانيها جنّة واحدة أو بستانا ، كلّ رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله ، ويقول لهم لسان حالهم أو انبياؤهم وهم ثلاثة عشر (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ) نعمته (بَلْدَةٌ) هذه بلدة (طَيِّبَةٌ) نزهة لا أسباخ بها ولا هوام (٤) مؤذية (وَرَبٌ) ربّكم الذي رزقكم وطلب شكركم ، ربّ : (غَفُورٌ) تقصير من شكره.

[١٦] ـ (فَأَعْرَضُوا) عن الشّكر (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) سيل المطر الشديد أو الجرذ لأنّه نقب سكرا (٥) عملته «بلقيس» لمنع الماء ، أو واد أتى السّيل منه أو المسناة الّتي تمسك الماء جمع عرمة وهي الحجارة المركومة (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٨٥.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «مسكنهم» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٥٨٥.

(٤) السباخ من الأرض ما يحرث ولم يعمّر ، والهوام : الحشرات.

(٥) السّكر : ما سدّ به النهر.

٣٦

تثنية ذوات ، مفرد على الأصل ولامه ياء (أُكُلٍ) ثمر (خَمْطٍ) هو كلّ نبت فيه مرارة ، أو كلّ شجر لا شوك له أو الأراك ، وهو بدل أو عطف بيان ل «أكل» بتقدير مضاف ، أي أكل أكل خمط ، أو صفة له بتأويل بشع ، (١) وقرأ «أبو عمرو «: «أكل خمط» بالإضافة (٢) (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) معطوفان على «أكل» لا على «خمط» إذ لا أكل للأثل (٣) وهو الطرفاء (٤) وتقليل السّدر لطيب ثمره وهو النّبق ، وسمّي البدل جنّتين مشاكلة أو تهكما.

[١٧] ـ (ذلِكَ) الإرسال والتّبديل مفعول (جَزَيْناهُمْ) وقدّم تعظيما لا قصرا (بِما كَفَرُوا) النّعمة أو بالرّسل «وهل يجازى» هذا الجزاء (إِلَّا الْكَفُورَ) (٥) للنعم أو بالرّسل ، وقرأ «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» : «نجازي» بالنون ونصب «الكفور» (٦).

[١٨] ـ (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشّجر وهي قرى الشام التي يتّجرون إليها (قُرىً ظاهِرَةً) متواصلة من اليمن الى الشام (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) بحيث يقيلون في قرية ويبيتون في اخرى الى انقطاع سفرهم ، وقلنا : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً) متى شئتم من ليل ونهار (آمِنِينَ) من المخاوف والمضار في جميع الأوقات ، فبطروا النعمة.

[١٩] ـ (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) الى الشام ، سألوه أن يجعلها مفاوز ليتطاولوا على الفقراء بركوب الرواحل وحمل الزاد ، وقرأ «ابن كثير» : «بعّد» مشددا (٧)

__________________

(١) البشع : ما كان كريه الطعم والرائحة (مجمع البحرين).

(٢) حجة القراءات : ٥٨٧.

(٣) الأثل : شجر.

(٤) الطرفاء واحده طرفاة : شجر وهي اربعة اصناف منها الأثل ـ قاموس اللغة.

(٥) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «نجازي» و «الكفور» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٦) حجة القراءات : ٥٨٧.

(٧) حجة القراءات : ٥٨٨.

٣٧

(وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والبطر (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم واتخذوهم مثلا يقولون تفرقوا أيدي سبأ (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرقناهم في البلاد كلّ تفريق (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) عن المعاصي (شَكُورٍ) على النّعم.

[٢٠] ـ (وَلَقَدْ صَدَّقَ) (١) (عَلَيْهِمْ) أي بني آدم أو أهل سبأ (إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) في ظنّه أو بظنّ ظنه ، وشدد «الكوفيون» الدال (٢) أي : حقق ظنّه ، أو وجده صادقا وهو قوله : ولأضلنهم ولأغوينهم (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي هم المؤمنون لم يتّبعوه.

[٢١] ـ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) تسلّط بوسوسة (إِلَّا لِنَعْلَمَ) علما يترتب عليه الجزاء (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) أو إلّا ليتميز المؤمن من الشّاك فيجازي كلا منهما (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) رقيب.

[٢٢] ـ (قُلِ) لكفّار مكة : (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) زعمتموهم آلهة وهما مفعولا «زعمتم» حذف الأول للعلم به ، والثاني لقيام صفته وهي (مِنْ دُونِ اللهِ) مقامه.

والمعنى : ادعوهم لينفعوكم كما زعمتم ، ثمّ بين حالهم فقال : (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) من خير أو شرّ (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ذكرا تعميما للنفي أو لأنّ آلهتهم منها سماوية كالملائكة والكواكب ومنها أرضية كالأصنام (وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ) شركة (وَما لَهُ) تعالى (مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) معين على شيء.

[٢٣] ـ (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ) ردّ لقولهم في آلهتهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (٣) (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أن يشفع ، أو أذن أن يشفع له ، وضمّ الهمزة «أبو عمرو» و «حمزة» و «الكسائي» (٤) (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) غاية لما أفهم الكلام من أن الشّافعين

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «صدّق» بالتشديد.

(٢) حجة القراءات : ٥٨٨ مع اختلاف يسير.

(٣) سورة يونس : ١٠ / ١٨.

(٤) حجة القراءات : ٥٨٩.

٣٨

والمشفوع لهم ينتظرون الإذن ، فزعين حتى إذا كشف الفزع (عَنْ قُلُوبِهِمْ) بالإذن ، وقيل : الضمير للملائكة ، وقرا «ابن عامر» : «فزع» ببناء الفاعل (١) (قالُوا) قال بعضهم لبعض : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) في الشفاعة (قالُوا الْحَقَ) أي قال القول الحقّ وهو الإذن بها لمن ارتضى (وَهُوَ الْعَلِيُ) بقهره (الْكَبِيرُ) بعظمته.

[٢٤] ـ (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلزاما لهم فإن تلعثموا (٢) (قُلِ اللهُ) إذ لا جواب غيره ولا يسعهم إنكاره (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) وإن أحد الفريقين من الموحّدين الله والمشركين به الجماد (لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بيّن.

والإبهام انصاف مع الخصم وتلطف به مسكت له وهو أبلغ من التصريح بمن هو على هدى ومن هو في ضلال سيّما وقد سبق ما يدل عليه ، (٣).

واختلف الحرفان لأن ذا الهدى كراكب مطيّة مستعل عليها وذا الضلال كمنغمس في ظلام حائر فيه.

[٢٥] ـ (قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فيه زيادة انصاف إذ أسند الأجرام إلى أنفسهم والعمل الى الخصم.

[٢٦] ـ (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ) يحكم (بَيْنَنا بِالْحَقِ) فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النّار (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) الحاكم (الْعَلِيمُ) بالحكم بالحق.

[٢٧] ـ (قُلْ أَرُونِيَ) اعلموني (الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) في استحقاق العبادة تبكيت لهم وتنبيه على خطائهم في الإشراك به (كَلَّا) ردع لهم عن مذهبهم بعد تزيّفه (٤) (بَلْ هُوَ) أي الله أو الشأن (اللهُ الْعَزِيزُ) الغالب بقدرته (الْحَكِيمُ) في

__________________

(١) حجة القراءات : ٥٨٩.

(٢) تلعثم الرجل في الأمر : تمكث فيه.

(٣) في سورة القصص : ٢٨ / ٨٥.

(٤) التزييف : اظهار الزيف وهو بمعنى ردّ الشيء على صاحبه.

٣٩

تدبيره ، فلا إله غيره.

[٢٨] ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً) إلّا ارسالة عامّة (لِلنَّاسِ) فإنها إذا عمتهم كفتهم أن يخرج منها أحد منهم ، أو إلّا جامعا لهم في الدعوة ، فهي حال من «الكاف» و «التاء» للمبالغة أو حال من النّاس ومنعه الأكثر وقد يرجّح على الأوّلين لما فيهما من التعسف (بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لتركهم النّظر.

[٢٩] ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالبعث والجزاء (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه يا معاشر المؤمنين.

[٣٠] ـ (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) مصدر أو أسم زمان ، إضافة بيانيّة (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) وهو يوم القيامة. سألوا تعنتا فأجيبوا بالتهديد.

[٣١] ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة : (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) أي تقدّمه كالتوراة والإنجيل المتضمنين للبعث ، أو صفة «محمد» إذ سألوا أهل الكتاب عنه فأخبروهم أنّ صفته في كتبهم فغضبوا فقالوا ذلك (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) للحساب (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) يتجادلون (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) الأتباع (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) للقادة (لَوْ لا أَنْتُمْ) صددتمونا عن الإيمان (لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) بالله.

[٣٢] ـ (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ) إنكار أي ما نحن (صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) بإعراضكم عن الهدى ، فأنتم الصادّون لأنفسكم عنه.

[٣٣] ـ (وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) عطف على قولهم الأول (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ردّ لإضرابهم ، أي : لم يصدنا أجرامنا بل مكركم بنا ليلا ونهارا صدّنا (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) شركاء ، وأضيف «مكر» الى الظرف اتساعا (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أخفاها الفريقان خوف الفضيحة او أظهروها

٤٠