الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

وسلّم لمّا همّ بقتالهم بعثوا يسألونه الرّجوع على ان يخلّوا له «مكة» من قابل ثلاثة أيّام ، فأجابهم وطلبوا كتابا بينهم فقال لعليّ عليه‌السلام : اكتب «بسم الله الرّحمن الرّحيم» فقالوا ما نعرفه ، اكتب : باسمك اللهمّ ، ثم قال اكتب : هذا ما صالح عليه رسول الله فقالوا : لو نعلم انك رسول الله ما صددناك ولا قاتلناك ، اكتب «محمد بن عبد الله» فقال : اكتب ما يريدون ، فقال «عليّ» عليه‌السلام : لا تنطلق يدي بمحو رسالتك ، فأخذه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومحاه وقال له : انّ لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد ، (١) فكتب. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فاطمأنوا فصالحوهم وقابلوا سفههم بالحلم (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) : لا إله إلّا الله أو التسمية والإقرار برسالة «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفقهم للزومها (وَكانُوا أَحَقَ) من غيرهم أو احقّاء (بِها وَأَهْلَها) عطف تفسير (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فيعلم انهم أهلها.

[٢٧] ـ (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) رأى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل خروجه الى «الحديبية» انّه وأصحابه دخلوا «مكة» آمنين محلقين ومقصرين ، فقصها عليهم ، ففرحوا وحسبوا وقوع ذلك عامهم ، فلمّا صدّوا ، قال بعضهم : ما حلّقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد ، فنزلت.

وعن «عمر» قال : قلت له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعني يوم الصلح : ألست كنت تحدّث انّا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال : بلى ، أنا خبرتك أن تأتيه العام؟ قلت لا ، قال : فإنك تأتيه (بِالْحَقِ) صفة مصدر محذوف أي صدقه في رؤياه صدقا متلبّسا بالحق وهو وقوعها لا محالة في القابل ، أو حال من الرّؤيا أي متلبّسة به وهو الابتلاء ليتميّز المخلص من المنافق (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) جواب قسم مقدّر (إِنْ شاءَ اللهُ) الاستثناء حكاية قول ملك الرؤيا ، أو لتعليم الناس ، أو للإيذان بعدم دخول بعضهم لموت أو مرض (آمِنِينَ) حال من الواو (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) محلقا

__________________

(١) يراجع الكتاب العمدة : «في حول مسألة التحكيم في صفين».

٢٢١

بعضكم كلّ شعرها (وَمُقَصِّرِينَ) ومقصّرا بعضكم بعض شعره (لا تَخافُونَ) مشركا ابدا (فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) من الصلاح في تأخير الدخول (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) أي الدّخول (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح «خيبر».

[٢٨] ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) متلبسا به (وَدِينِ الْحَقِ) الإسلام (لِيُظْهِرَهُ) ليعلي دين الحق (عَلَى الدِّينِ) على جنس الدّين (كُلِّهِ) بالحجّة ، فينسخه أو على أهل كل دين فيقهرهم.

وعن الباقر عليه‌السلام : يكون ذلك عند خروج «المهديّ» من آل «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) بذلك.

[٢٩] ـ (مُحَمَّدٌ) مبتدأ (رَسُولُ اللهِ) خبره أو صفته (وَالَّذِينَ مَعَهُ) أصحابه الخلص ، عطف عليه والخبر : (أَشِدَّاءُ) غلاظ (عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) متعاطفون فيما بينهم (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) أي كثيري الصلاة (يَبْتَغُونَ) استئناف (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) زيادة ثوابه ورضاه ، وضمّ «أبو بكر» «الرّاء» (٢) (سِيماهُمْ) علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) وهي بهاء ونور ، أو صفرة وذلول ، أو سمة تحدث في جباههم من تعفيرها (ذلِكَ) الوصف المذكور (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) أي وصفهم العجيب المذكور في الكتابين (كَزَرْعٍ) استئناف تشبيه أو ذلك مثلهم في التوراة جملة تامّة ، و «مثلهم في الإنجيل» مبتدأ ، خبره : «كزرع» (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) فراخه ، وفتح «ابن كثير» و «ابن ذكوان» «الطاء» (٣) (فَآزَرَهُ) فقوّاه وأعانه ، وقصّره «ابن ذكوان» (٤) (فَاسْتَغْلَظَ) صار غليظا (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٢٧.

(٢) حجة القراءات : ١٥٧.

(٣) حجة القراءات : ٦٧٤ ـ مع اختلاف يسير ـ الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٢.

(٤) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٥٥.

٢٢٢

استقام على قصبه ، وعن «ابن كثير» همز «سوقه» (١) (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) بغلظه واستوائه وحسنه.

وجه الشبه انّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وحده ثم تبعه قليل ثم كثروا وقووا على أحسن حال (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) علّة للتشبيه (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ثبتوا على الإيمان والطاعة (مِنْهُمْ) بيان ، إذ هم الخلّص ، وكلّهم على الصفة المذكورة (مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) هو الجنّة.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٥.

٢٢٣
٢٢٤

سورة الحجرات

[٤٩]

ثماني عشرة آية مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا) متعدّ ، حذف مفعوله ليعمّ كلّ امر او ترك قصدا الى نفي التقديم لا الى مفعوله ، أو لازم أي لا تتقدّموا بقول أو فعل ، ويعضده قراءة «يعقوب» بالفتحات (١) (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) أصله ما بين جهتي يدي الإنسان.

والمراد لا تعجلوا بأمر قبل إذنهما فيه ، أو أريد بين الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر الله تعظيم له (وَاتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم (عَلِيمٌ) بأفعالكم.

[٢] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) إذا خاطبتموه (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي اخفضوا أصواتكم عنده تأدّبا وإجلالا له ، فإنّه ليس كأحدكم ، أو لا تخاطبوه باسمه كخطاب بعضكم لبعض ، بل قولوا : يا رسول الله ، وكرّر نداءهم لمزيد التذكير وإيذانا باستقلال المنادي له والاهتمام

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٦.

٢٢٥

به (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) علّة للنّهيين أي مخافة حبوطها فإنّ الرّفع والجهر إذا كانا استخفافا واهانة كانا كفرا محبطا (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) حبوطها.

[٣] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ) يخفضون (أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) إجلالا له (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) اختبرها وجرّبها للتقوى ، أو عرفها خالصة للتقوى إذ الامتحان سبب للمعرفة ، فوضع موضعها أو ضربها بمحن التكاليف لتظهر منهم التقوى بصبرهم عليها (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) بطاعتهم ، والجملة خبر ثان أو استئناف لبيان ما يستحقّه بعضهم في تنكير الوعد والابتداء ب «أولئك» مخبرا عنه بالموصول ، تعظيم لشأنهم وتعريض بتهجين الرّفع والجهر واستحقاق مرتكبهما ضد ما استحقّ هؤلاء.

[٤] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) جمع حجرة وهي ما حجر عليه من الأرض بحائط ، وهم وفد تميم ، قدموا وقت الظهيرة وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منزله ونادوه من خارج حجراته مناداة الأجلاف : يا «محمّد» اخرج إلينا ، كأنّهم تفرّقوا عليها أو أتوها حجرة ، حجرة ، فنادوه من ورائها ، والمنادي وان كان بعضهم كما قيل انّه «الأقرع بن حابس» و «عيينة بن حصن» (١) لكن لرضا الكلّ بالفعل أسند إليهم (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إخلالهم برعاية الأدب وتوقير منصب النّبوّة.

[٥] ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) ولو ثبت صبرهم (حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) يشعر بأنه لو خرج لا لأجلهم لزمهم الصّبر الى ان يكون خروجه إليهم (لَكانَ) الصّبر (خَيْراً لَهُمْ) في دينهم بنيل الثّواب ودنياهم بأن يوصفوا بالعقل والأدب (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن تاب منهم.

[٦] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) اطلبوا بيان صدقه من

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٧.

٢٢٦

كذبه ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «تثبتوا» (١) ونسب الى الباقر عليه‌السلام أي توقّفوا حتى يتّضح حاله (٢).

قيل بعث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «وليد بن عقبة» مصدقا (٣) الى بني المصطلق فاستقبلوه فخافهم لإحنة (٤) كانت بينه وبينهم ، فرجع وقال : منعوا الزكاة ، فهمّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغزوهم ، فنزلت (٥).

ونكّر «فاسق» و «نبأ» تعميما ويحتج بها لقبول خبر العدل (أَنْ تُصِيبُوا) علّة التّبيّن أي كراهة أصابتكم (قَوْماً بِجَهالَةٍ) جاهلين أمرهم (فَتُصْبِحُوا) فتصيروا (عَلى ما فَعَلْتُمْ) من الخطأ بالإصابة (نادِمِينَ) النّدم غمّ لازم يتمنى فيه انّ ما وقع لم يقع.

[٧] ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) سدّت «انّ» بجملتها مسدّ المفعولين وفائدة ذلك ما يلزمه كما يقال لمن يغلط في مسألة : اعلم انّ الشيخ حاضر.

والمراد : لا تقولوا الباطل عنده فإنّ الله يخبره بالحال ، أو انّ الرّأي رأيه (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ) الذي تريدون أن يتبع رأيكم فيه (لَعَنِتُّمْ) لوقعتم في العنت أي المشقّة ، ويشعر بأنّ بعضهم زيّن له الإيقاع ببني المصطلق ، والشرطية استئناف يؤكد ما قبلها ، أو حال من أحد ضميري «فيكم» بمعنى أنه على حال يجب تغييرها وهي انّكم تطلبون ان يتّبع رأيكم ولو فعل لعنتّم (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ) سدّ مسدّ أحد مفعولي «كرّه» والآخر : (الْكُفْرَ) جحود الحق (وَالْفُسُوقَ) الخروج عن القصد (وَالْعِصْيانَ) ضدّ الإطاعة.

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٥٧.

(٢) مجمع البيان ٥ : ١٣١.

(٣) المصدق : من يأخذ الصدقة اي الزكاة.

(٤) الإحنة : الحقد والغضب.

(٥) قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ١٣٢.

٢٢٧

والخطاب لمن وصفهم يخالف وصف من سبق ذكرهم ، ولذلك استدرك بصفتهم مدحا لهم وتعريضا بذم الأولين (أُولئِكَ) المستثنون (هُمُ الرَّاشِدُونَ) المهتدون الى كل خير.

[٨] ـ (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) علّة ل «حبّب» و «كرّه» وما بينهما اعتراض ومصدر لهما ، أو «الرّاشدون» في المعنى إذ كلّ منهما فضل وانعام منه (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) في تدبيره.

[٩] ـ (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) جمع باعتبار المعنى ، إذ كلّ طائفة جماعة ، وقع بين «الأوس» و «الخزرج» قتال بالسّعف والنّعال ، فنزلت (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) بما فيه رضى الله (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) تعدّت (عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) ترجع الى حكمه (فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) قيّد به الإصلاح الواقع بعد القتال لأنّه مظنّة الحيف (وَأَقْسِطُوا) اعدلوا في كل أمر (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يرضى فعلهم ويثيبهم عليه.

[١٠] ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) في الدّين (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) إذا تخاصما ، والتثنية بحسب الأغلب (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع الأمور (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بتقواكم.

[١١] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ) رجال منكم (مِنْ قَوْمٍ) خصّ بالرّجال لأنهم قوّامون على النساء ، وقد يغلب في الصنفين كقوم «نوح» و «لوط».

والجمع لغلبة السخرية من الجماعة (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) عند الله استئناف يعلّل النّهي ، واستغنت «عسى» باسمها عن الخبر.

نزل في «ثابت بن قيس» جاء الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتخطى الناس.

فقال له رجل : أصبت مجلسا فاجلس ، فجلس مغضبا وقال للرجل : يا بن فلانة ، وكان يعيّر بها فسكت حياء.

٢٢٨

أو في وفد «تميم» سخروا من فقراء المسلمين ونزلت (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) في «عائشة» عابت «امّ سلمة» بالقصر ، أو بقولها فيها ل «حفصة» : انظري ما تجر خلفها كأنّه لسان كلب تعني طرف ثوب ربطت به حقويها (١) وسدلت طرفه (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا يعب بعضكم بعضا لأنّكم كنفس واحدة ، أو لا تفعلوا ما تلمزون به.

واللمز : العيب باللسان (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) ولا يدعوا بعضكم بعضا بلقب يكرهه.

قيل : أتت صفيّة بنت حيي النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : ان «عائشة» تقول لي : يا يهوديّة بنت يهوديّين ، فقال : هلا قلت أبى «هارون» وعمي «موسى» وزوجي «محمّد» فنزلت (٢) (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) أي بئس الذكر أن يذكر الرّجل بالفسوق كاليهودية بعد إيمانه ، أو المعنى انّ التنابز فسق يقبح الجمع بينه وبين الإيمان (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) عمّا نهى عنه (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بإصرارهم على المعاصي.

[١٢] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) لم يقل الظّن مطلقا لان منه ما يجب كحسن الظن بالله وبأهل الصلاح ، وما يحرم كسوء الظّنّ به وبهم (٣) وما يستحق به العقوبة (وَلا تَجَسَّسُوا) تتّبعوا عورات المؤمنين بالبحث عنها (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) لا يذكره في غيبته بسوء.

سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن «الغيبة» فقال : أن تذكر أخاك بما يكرهه ، فإن كان

__________________

(١) الحقو : الخاصرة.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٣٦.

(٣) وردت العبارة في «ج» هكذا : وما يستحبّ كسوء الظنّ بالفسقة في مثل ما يظهر منهم وما يباح كالظنّ في باب المعايش (ان بعض الظنّ إثم) ذنبا يستحق ...

٢٢٩

فيه فقد اغتبته وإلّا فقد بهتّه ، ثم مثّل الاغتياب بأفظع مثال (١) فقال : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) وفيه مبالغات تقرير الاستفهام ومحبّة المكروه واشعار احد بأن لا أحد يحبّه والتمثيل بأكل لحم الإنسان وكونه أخا وميتا وهو حال من «لحم» أو «أخيه» وشدده «نافع» (٢) (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فقد عرض عليكم ذلك فكرهتموه بحكم العقل والطبع ، فاكرهوا ما هو نظيره وهو الغيبة (وَاتَّقُوا اللهَ) بترك الاغتياب والتوبة منه (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ) بليغ في قبول التّوبة (رَحِيمٌ) منعم بالثواب عليها.

نزلت في رجلين بعثا «سلمان» الى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليأتيهما بطعام وكان اسامة على طعامه ، فقال : ما عندي شيء فأخبرهما «سلمان» فقالا : لو بعثناه الى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثم أتيا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما : فقالا : ما تناولنا لحما قال : انكما قد اغتبتما (٣).

[١٣] ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) آدم وحوّاء ، فنسب الكلّ واحد (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) جمع شعب وهو أعمّ طبقات النّسب (وَقَبائِلَ) هي دون الشّعوب ودونها العمائر ، ثمّ البطون ، ثم الأفخاذ ، ثم الفصائل. ف «حزيمة» شعب و «كنانة» قبيلة و «قريش» عمارة و «قصّي» بطن و «هاشم» فخذ ، و «العباس» فصيلة.

وقيل : الشعوب للعجم والقبائل للعرب (لِتَعارَفُوا) ليعرف بعضكم بعضا بالأنساب لا لتفاخروا بها (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فلا تتفاضلون إلّا بالتقوى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ) بكم (خَبِيرٌ) بأحوالكم.

[١٤] ـ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) هم نفر من «بني اسد» أتوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عام جدب وأظهروا الإيمان طلبا للصّدقة وكانوا منافقين (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) ايمانا

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٩.

(٢) حجة القراءات : ٦٧٧.

(٣) تفسير البيضاوي ٤ : ١٥٩.

٢٣٠

حقيقيا وهو ما واطأ القلب فيه اللسان (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) انقدنا ودخلنا في السّلم بإظهار الشهادتين (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) حال من واو «قولوا» أي ولم تواطئ قلوبكم ألسنتكم بعد ، وهو يؤكد النفي السابق (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بالإخلاص (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ) لا ينقصكم من ثوابها (شَيْئاً) وقرأ «أبو عمرو» «لا يألتكم» بهمزة وبقلبها الفا أيضا (١) (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن أخلص له.

[١٥] ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) على الحقيقة (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) لم يشكّوا فيما آمنوا به ، و «ثم» تفيد اشتراط الإيمان بالاستمرار على عدم الارتياب (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) في دينه (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في ادّعاء الإيمان ، لا من ادّعوه ولم يكونوا كذلك.

[١٦] ـ (قُلْ) ـ توبيخا لهم ـ : (أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) أتخبرونه بعقيدتكم في قولكم آمنّا (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فكيف تعلّمونه وهو عالم بكل خافية.

قيل : نزلت لما سمعوا الآية المتقدّمة فأتوه وحلفوا انّهم مؤمنون (٢).

[١٧] ـ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) أي بإسلامهم ، إذ قالوا أسلمنا من غير قتال بخلاف غيرنا (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) نصب بنزع الباء (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ) بأن (هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) الّذي ادعيتموه (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في ادّعائه ، وجوابه مقدّر دلّ عليه ما قبله أي فلله المنّة عليكم.

[١٨] ـ (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ما غاب فيهما (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) لا يخفى عليه شيء منه ، وقرأ «ابن كثير» بالياء (٣).

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٤.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ١٦٠.

(٣) حجة القراءات : ٦٧٧.

٢٣١
٢٣٢

سورة ق

[٥٠]

خمس وأربعون آية مكية إلا آية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ...)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (ق وَالْقُرْآنِ) اعرابه كإعراب اوّل «ص» (الْمَجِيدِ) ذي الشرف على سائر الكتب.

[٢] ـ (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) من جنسهم ، ينذرهم بالبعث والعذاب (فَقالَ الْكافِرُونَ) وضع الظّاهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالكفر (هذا) أي مجيء المنذر أو ما انذر به (شَيْءٌ عَجِيبٌ).

[٣] ـ (أَإِذا) أنرجع إذا (مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) بدليل : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) عن الوهم.

[٤] ـ (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ما تأكل من أجسادهم فلا يتعذر علينا بعثهم (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) حافظ لكلّ شيء ، وهو اللوح المحفوظ من التغيير.

[٥] ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) بالقرآن أو الرسول (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) مضطرب في شأنهما ، فقالوا مرّة سحر وساحر ، ومرّة شعر وشاعر ، ومرّة كهانة وكاهن.

٢٣٣

[٦] ـ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) حين أنكروا البعث (إِلَى السَّماءِ) كائنة (فَوْقَهُمْ) فيتفكروا في قدرتنا (كَيْفَ بَنَيْناها) بلا عمد (وَزَيَّنَّاها) بالنيرات (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) شقوق توجب خللا فيها.

[٧] ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) صنف (بَهِيجٍ) حسن.

[٨] ـ (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) علّتان أي فعلنا ذلك تبصيرا وتذكيرا (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) راجع الى ربّه.

[٩] ـ (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) كثير الخير (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ) بساتين (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) وحبّ الزرع الّذي يحصد.

[١٠] ـ (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) طوالا ، حال (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) منضود بعضه على بعض.

[١١] ـ (رِزْقاً لِلْعِبادِ) مفعول له (وَأَحْيَيْنا بِهِ) بذلك الماء (بَلْدَةً مَيْتاً) جدبة ، ويقال للمذكر والمؤنث (كَذلِكَ) الإحياء للبلدة (الْخُرُوجُ) خروج الموتى أحياء.

[١٢] ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِ) البئر التي رسّوا فيها نبيّهم وهو حنظلة أو غيره ، كانوا عبدة أصنام.

وعن الصّادقين عليهما‌السلام : كان فيهم سحق النساء (١) (وَثَمُودُ).

[١٣] ـ (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ) أي هو وقومه (وَإِخْوانُ لُوطٍ).

[١٤] ـ (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ) سبق في الحجر (٢) والدخان (٣) (كُلٌ) من

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٤٣.

(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٧٨.

(٣) سورة الدخان : ٤٤ / ٣٧.

٢٣٤

المذكورين (كَذَّبَ الرُّسُلَ) كقومك (فَحَقَّ وَعِيدِ) فوجب حلول عذابي بهم.

وفيه تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتهديد لقومه ، واثبت «ورش» «الياء» وصلا وكذا في الآتي (١).

[١٥] ـ (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) استفهام انكار أي لم نعي به ولم نعجز عنه ، فكيف نعي بالإعادة (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) شكّ وشبهة (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو الإعادة.

[١٦] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ) حال ، أي ونحن نعلم (ما تُوَسْوِسُ) ما تحدّث (بِهِ نَفْسُهُ) و «ما» مصدرية و «الباء» للتعدية و «الهاء» للإنسان.

أو موصولة و «الهاء» لها و «الباء» كباء نطق بكذا (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) أي أعلم به ممّن هو بمنزلة حبل الوريد في القرب.

والحبل : العرق ، وإضافته بيانيّة والوريدان : عرقان بصفحتي العنق.

[١٧] ـ (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) مقدّر باذكر أو ظرف ل «أقرب» أي هو أعلم به من كلّ قريب حين يأخذ الملكان ما يعمله : فيكتبانه فهو أعلم منهما فلم يحتج الى كتبهما ، وانّما هو لطف للعبد بزيادة ردعه بذلك (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) مقاعد أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر.

وقيل : «فعيل» للواحد والمتعدّد.

[١٨] ـ (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) حافظ لعمله وهو بمعنى المثنى ، وكذا (عَتِيدٌ) حاضر معه.

[١٩] ـ (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) شدته المزيلة للعقل ، وعبّر بالماضي اشعارا بقربه (بِالْحَقِ) «الباء» للتعدية أي أحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر ، من تحقق وقوع الموت ، أو من سعادة الميّت وضدّها ، أو للملابسة أي جاءت متلبّسة بالغرض الصحيح وهو ترتّب الجزاء على الأعمال ،.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٦.

٢٣٥

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : سكرة الحق بالموت (١) (ذلِكَ) أي الموت (ما كُنْتَ) ايها الإنسان (مِنْهُ تَحِيدُ) تميل وتهرب.

[٢٠] ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) نفخة البعث (ذلِكَ) أي يوم النّفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) يوم وقوعه.

[٢١] ـ (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) ملكان ، ملك يسوقه وملك يشهد عليه ، أو ملك له الوصفان.

وقيل : «السائق» نفسه ، والشاهد جوارحه ، ويقال لكلّ نفس إلا من خصّه الدّليل أو للكافر.

[٢٢] ـ (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) الأمر (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) غفلتك عن ذلك لاشتغالك بالمحسوسات (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) حادّ نافذ لا يحجبه شيء.

[٢٣] ـ (وَقالَ قَرِينُهُ) ـ الملك الشهيد عليه ـ : (هذا ما لَدَيَ) هذا الأمر الذي هو مكتوب عندي (عَتِيدٌ) حاضر ، بدل من «ما» أو خبر ثان ، وان جعلت «ما» موصوفة فصفتها ، أو قال الشيطان المقيّض له : هذا ما عندي حاضر هيّأته لجهنم بإغوائي له.

[٢٤] ـ (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) خطاب للسّائق والشّهيد ، أو لأحد الزّبانية ، نزّلت تثنية الفاعل منزلة تكرير الفعل للتّأكيد ، أو الألف بدل نون التأكيد.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يقول الله تعالى يوم القيامة لي ولعليّ : القيا في النّار من أبغضكما وادخلا الجنّة من أحبّكما وذلك قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) ، (٢) (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) معاند للحق.

[٢٥] ـ (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) للمال عن حقوقه (مُعْتَدٍ) ظالم (مُرِيبٍ) شاكّ

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع : ٤٦١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٤٧.

٢٣٦

في الدّين.

[٢٦] ـ (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) مبتدأ فيه معنى الشّرط ، وخبره : (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أو بدل من «كل كفّار» و «ألقياه» تأكيد ل «ألقيا».

[٢٧] ـ (قالَ قَرِينُهُ) الشيطان ، استئناف كأنّ الكافر قال هو أطغاني فقال قرينه :

(رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) بخلاف المتقدم ، فإن الوجه عطفه (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي مختارا للضّلال ، فدعوته فاستجاب لي.

[٢٨] ـ (قالَ) استئناف ، كأنّه قيل : فما قال الله؟ فقيل : قال : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) في الموقف فإنّه لا ينفع (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) على الكفر على ألسنة رسلي ، وهو حال أي لا تختصموا مقرين بأني أوعدتكم ، و «الباء» زائدة أو للتعدية على انّ قدّم بمعنى تقدّم.

[٢٩] ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي لا يقع خلاف وعيدي للكفرة (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فاعاقب من لا جرم له.

[٣٠] ـ (يَوْمَ) مقدّر باذكر أو ظرف ل «ظلام» ولا مفهوم له (نَقُولُ) وقرأ «نافع» و «أبو بكر» بالياء (١) (لِجَهَنَّمَ) وقد امتلأت من الجنّة والناس كما وعد (هَلِ امْتَلَأْتِ) سؤال تقرير (وَتَقُولُ) جوابا بصورة الاستفهام (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) هل في زيادة؟ أي قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع خال ، أو المعنى انّها تطلب الزيادة بعد امتلائها غيظا على العصاة وتضييقا للمكان عليهم.

[٣١] ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) قربت (لِلْمُتَّقِينَ) مكانا (غَيْرَ بَعِيدٍ) منهم ، أو هو حال بتقدير موصوف أي شيئا غير بعيد ويقال لهم :

[٣٢] ـ (هذا) الثواب أو الازلاف (ما تُوعَدُونَ) وقرأ «ابن كثير» بالياء (٢) (لِكُلِّ أَوَّابٍ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٨.

(٢) حجة القراءات : ٦٧٨.

٢٣٧

رجّاع الى الله ، خبر ثان ل «هذا» أو بدل من «للمتقين» (حَفِيظٍ) حافظ لحدوده.

[٣٣] ـ (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ) بدل آخر أو مقدّر ب «اعنى».

وخصّ «الرّحمن» مدحا للخاشي بأنّه خشيه مع علمه بسعة رحمته فهو خائف راج (بِالْغَيْبِ) حال من الفاعل أو المفعول أي خشيه ولم يره (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) راجع الى الله ويقال لهم :

[٣٤] ـ (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) سالمين من كل مكروه ، أو مع سلام من الله وملائكته (ذلِكَ) اليوم (يَوْمُ الْخُلُودِ) يوم تقديره :

[٣٥] ـ (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ممّا لم يخطر ببال أحد.

[٣٦] ـ (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) وكثيرا أهلكنا قبل قومك من القرون المكذبة (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) قوة (فَنَقَّبُوا) فساروا وفتشوا (فِي الْبِلادِ) بقوّتهم (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) مفرّ من الموت ، فلم يجدوا.

[٣٧] ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَذِكْرى) لتذكرة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) يعي به العبر (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أصغى الى الوعظ (وَهُوَ شَهِيدٌ) حاضر بذهنه ليفهم ما يسمع.

[٣٨] ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها الأحد وآخرها الجمعة (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) تعب ، ردّ لقول اليهود : انّه تعالى استراح يوم السبت ، فاستلقى على العرش.

[٣٩] ـ (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) أي المشركون من تكذيبك ، فإنّهم لا يعجزون خالق العالم أو اليهود من التشبيه (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) نزهه عمّا لا يليق به ، حامدا له (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) أي الفجر والعصر.

[٤٠] ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ) أي بعضه (فَسَبِّحْهُ) نزّهه (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) جمع «دبر»

٢٣٨

أي أعقاب الصّلوات ، وكسر «الحرميّان» و «حمزة» «الهمزة» مصدر «أدبر» وقع ظرفا أي وقت انقضائه (١).

وقيل : أريد بالتسبيح الصلاة ، فقبل طلوعها صلاة الصبح وقبل الغروب الظهران (٢) «ومن الليل» : العشاءان والتهجد ، و «ادبار السّجود» : النّوافل بعد الفرائض (٣).

وعن الصادق عليه‌السلام : الوتر آخر الليل (٤).

[٤١] ـ (وَاسْتَمِعْ) لما أخبرك به من أهوال القيامة (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) اسرافيل أو غيره ، يقول : ايّتها العظام البالية والأوصال المتقطّعة واللحوم المتمزّقة والشهور المتفرّقة ، قومي لفصل القضاء ، ونصب بما دلّ عليه «يوم الخروج» أي يخرجون ، واثبت «ابن كثير» «الياء» مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (٥) (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) بحيث يسمع الكلّ على سواء.

[٤٢] ـ (يَوْمَ) بدل من السّابق (يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) النفخة الثانية (بِالْحَقِ) بالبعث متعلق بالصيحة (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من القبور.

[٤٣] ـ (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) بعد الموت للجزاء.

[٤٤] ـ (يَوْمَ) بدل آخر (تَشَقَّقُ) (٦) (الْأَرْضُ) تتشقق وخفّفه «الكوفيّون» و «أبو عمرو» (٧) (عَنْهُمْ سِراعاً) مسرعين (ذلِكَ) الإحياء الدّال عليه التشقق (حَشْرٌ) بعث

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٥.

(٢) قاله ابن عباس وابن زيد وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ١٥٠.

(٣) قاله ابن زيد والجبائي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ١٥٠.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٥٠.

(٥) حجة القراءات : ٦٧٨.

(٦) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تشقق» بالتخفيف ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٧) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٨٦ و ١٤٥ مع اختلاف يسير.

٢٣٩

(عَلَيْنا يَسِيرٌ) هيّن ، لا على غيرنا ، وهو ردّ قولهم (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٨).

[٤٥] ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) تهديد لهم وتسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) بمتسلّط ، تجبرهم على الإيمان ، انّما أنت مذكر (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) خصّ لأنّه المنتفع به.

__________________

(٨) الآية (٣) من هذه السورة.

٢٤٠