الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

استهزائهم الموجب لإهلاكهم ونصبت لطولها بصلتها (١) أو بتقدير فعلها والمنادى محذوف.

[٣١] ـ (أَلَمْ يَرَوْا) ألم يعلم أهل مكّة (كَمْ) خبريّة معلقة «يروا» ، مفعول (أَهْلَكْنا) أي أهلكنا (قَبْلَهُمْ) كثيرا (مِنَ الْقُرُونِ) الأمم (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) بدل من «كم أهلكنا» على معنى ألم يروا الأمم الكثيرة المهلكة قبلهم كونهم غير راجعين إليهم.

[٣٢] ـ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا) إن المخففة واللّام فارقة وما زائدة ، وشدّد «لمّا» «عاصم» و «ابن عامر» و «حمزة» بمعنى «إلّا» (٢) و «ان» نافية (جَمِيعٌ) خبر «كلّ» أي مجموع (لَدَيْنا) ظرفه أو ظرف : (مُحْضَرُونَ) للحساب ، خبر ثان.

[٣٣] ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ) على البعث خبر مقدّم أو مبتدأ خبره : (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) وشددها «نافع» (٣) (أَحْيَيْناها) صفة «الأرض» لأنّها غير معيّنة أو خبرها والجملة خبر «آية» أو استئناف يوضح كونها آية (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) جنسه (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) قدّم الجارّ إيذانا بأنّه معظم القوت.

[٣٤] ـ (وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) من أنواعها ، وخصّا بالذكر لكثرة منافعهما (وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ) بعضها.

[٣٥] ـ (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ثمر المذكور من الجنات ، أو «الهاء» لله ، التفات يفيد أنّه يخلقه ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «بضمّتين» لغة فيه (٤) أو جمع ثمار (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) منه كالدّبس ونحوه ، أو : ولم تعمله أيديهم وإنّما هو بخلق

__________________

(١) لعل المراد : انه من جهة تعلق الجار والمجرور به ، أشبه المنادى المضاف فنصب.

(٢) حجة القراءات : ٥٩٧.

(٣) النشر في القراءات العشر ٢ / ٢٤.

(٤) حجة القراءات : ٥٩٧.

٦١

الله (١) وحذف الهاء «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (٢) (أَفَلا يَشْكُرُونَ) إنكار لترك الشكر أي فليشكروا نعمه.

[٣٦] ـ (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) الأصناف (كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) من أزواج النّبات (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) من الذّكور والإناث (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) من أزواج لم يروها ولم يسمعوا بها.

[٣٧] ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ) نزيل ونفصل عن مكانه (النَّهارَ) استعير من سلخ الجلد ، واعرابه كما مرّ (٣) (فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلام.

[٣٨] ـ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) لمنتهى دورها كمستقرّ المسافر يقطع مسيره ، أو لمنتهى مشارقها ومغاربها ، كل يوم من السّنة ، وهي ثلاثمائة وستون مشرقا ومغربا ، أو لوسط السماء فإنها فيه ترى كالواقفة ، أو لمنقطع جريها وهو يوم القيامة (ذلِكَ) الجري (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) في ملكه (الْعَلِيمِ) بخلقه.

[٣٩] ـ (وَالْقَمَرَ) ونصبه «الكوفيّون» و «ابن عامر» (٤) بفعل يفسّره (قَدَّرْناهُ) من حيث سيره (مَنازِلَ) ثمانية وعشرين ، ينزل كل ليلة منزلا منها حتّى يتمّ الدور في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر (حَتَّى عادَ) في آخر منازله للرائي (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) كالعذق العتيق في الدّقّة والتّقوّس والاصفرار.

وفي أخبارنا ما كان لستة أشهر (٥) وهو فعلون من الانعراج : الاعوجاج ، ثم يختفي ليله أو ليلتين ثم يبدو هلالا.

__________________

(١) يعنى انّ «ما» نافية لا موصولة.

(٢) حجة القراءات : ٥٩٨.

(٣) في قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ ...) الآية (٣٣) من هذه السورة.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٦.

(٥) ينظر تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٢٥.

٦٢

[٤٠] ـ (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي) يتأتّى (لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) في سرعة سيره لاخلال ذلك بالنّظام (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) لا يدخل فيه ، بل يتعاقبان.

وسئل «الرّضا» عليه‌السلام : أيهما خلق قبل؟ فقال : امّا من الحساب فان طالع الدّنيا : السّرطان ، والكواكب في شرفها فالشمس في الحمل في العاشر من الطّالع وسط السّماء فالنهار قبل الليل.

وأمّا من القرآن فقوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي قد سبقه النّهار (١) (وَكُلٌ) وكلهم أي الشمس والقمر والنجوم التابعة لهما ، وتنوينه عوض المضاف إليه (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) يسيرون ، نزّلت منزلة من يعقل أو لها أنفس تعقل.

[٤١] ـ (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) وجمعها «نافع» و «ابن عامر» (٢) أي صبيانهم ونساؤهم ، إذ يقال لهنّ ذرية لأنّهنّ مزارعها وتخصيصهم لاهتمامهم بأمرهم (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) المملوّ ، أو أريد آباؤهم وهم في أصلابهم في سفينة «نوح».

[٤٢] ـ (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) مثل الفلك (ما يَرْكَبُونَ) من الإبل ، فإنّها سفن البرّ أو من السّفن الصّغار والكبار المعمولة بتعليمنا.

[٤٣] ـ (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ) مغيث (لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) يخلصون من الغرق.

[٤٤] ـ (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً) أي لا نخلّصهم إلّا لرحمتنا لهم وتمتيعنا إيّاهم (إِلى حِينٍ) آجالهم.

[٤٥] ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) وقائع الأمم الماضية وأمر السّاعة.

أو ما تقدّم من ذنوبكم وما تأخّر ، أو عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عكسه

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٢٥.

(٢) حجة القراءات : ٦٠٠.

٦٣

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لتكونوا راجين رحمة الله ، وجواب «إذا» «أعرضوا» بدلالة :

[٤٦] ـ (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) لا يتفكرون فيها.

[٤٧] ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) من ماله على خلقه (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) مشركوا قريش وقد استطعمهم فقراء المؤمنين.

أو منكروا الصّانع الزّنادقة ، وصرّح بكفرهم تسجيلا عليهم به (لِلَّذِينَ آمَنُوا) استهزاء بهم (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) في زعمكم ولم يتنبّهوا أن أمر الله إيّاهم بالإنفاق من ماله هو من أسباب إطعامهم ، وأنّه جعلهم واسطة فيه لنفعهم (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) إذ أمرتمونا بما ينافي معتقدكم.

[٤٨] ـ (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) بالبعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه؟ فأجابهم تعالى :

[٤٩] ـ (ما يَنْظُرُونَ) ينتظرون (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) هي النفخة الاولى (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) يختصمون في أمورهم ومعاملاتهم في غفلة عنها ، سكّنت «التاء» وأدغمت ، وكسرت «الخاء» للسّاكنين ، وفتح «ابن كثير» و «ورش» «الخاء» بنقل حركة التّاء إليه واختلسها (١) «أبو عمرو» ٢ وسكّن «قالون» «الخاء» وان التقى ساكنان وسكّنه «حمزة» مع تخفيف «الصّاد» من خصمه : أفحمه (٢).

[٥٠] ـ (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) بشيء (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) من أسواقهم بل يموتون حيث تأخذهم.

[٥١] ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) نفخة ثانية للبعث (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور

__________________

(١) اي أشم الفتحة ولم يشبعها.

(٢) حجة القراءات : ٦٠٠ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٧ وأفحمه : أسكته بالحجة في الخصومة أو غيرها.

٦٤

(إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) يسرعون.

[٥٢] ـ (قالُوا) ـ أي الكفّار منهم ـ : (يا وَيْلَنا) هلاكنا (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) لأنّ حالهم فيه كالرّقاد بالإضافة الى حالهم في القيامة ، أو لأنّهم يرقدون بين النفختين ولم يعذبوا (هذا) مبتدأ خبره : (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) «ما» مصدرية أو موصولة حذف عائدها ، أو «هذا» صفة «مرقدنا» ، و «ما وعده» خبر محذوف ، أو مبتدأ حذف خبره ، أي ما وعد حقّ وهو من قولهم.

أو قول الملائكة أو المؤمنين تقريعا لهم بأنّه ليس بعث النّائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث ، بل هو البعث الأكبر الذي وعدتموه.

[٥٣] ـ (إِنْ) ما (كانَتْ) الفعلة (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) يدل على أنها نفخة ثالثة (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) في موقف الحساب ويقال لهم حينئذ :

[٥٤] ـ (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إلّا جزائه.

[٥٥] ـ (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) عما فيه أهل النّار ، بالسرور والملاذّ كافتضاض الأبكار وغيره ، وسكّنه «الحرميّان» و «أبو عمرو» (١) لغتان وهو صلة : (فاكِهُونَ) أو هما خبران ، أي : ناعمون.

[٥٦] ـ (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ) لا تصيبهم الشمس ، جمع ظلّ أو ظلة كظلل في قراءة «حمزة» و «الكسائي» (٢) وهو مبتدأ وخبر. (عَلَى الْأَرائِكِ) السرر في الحجال ، جملة مستأنفة أو صلة (مُتَّكِؤُنَ) وهو خبر ثان أو هو الخبر والجارّان صلته.

[٥٧] ـ (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) يدّعونه لأنفسهم ، افتعال من الدّعاء أو يتداعونه أو يتمنّونه.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٠١ والكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢١٩.

(٢) حجة القراءات : ٦٠١.

٦٥

[٥٨] ـ (سَلامٌ) بدل من «ما» أو خبر محذوف أو مبتدأ حذف خبره أي ولهم سلام (قَوْلاً) يقال لهم قولا (مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) من جهته بلا واسطة أو بواسطة ملائكته.

[٥٩] ـ (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) انفردوا عن المؤمنين ، وذلك عند اختلاطهم بهم في المحشر ، أو اعتزلوا عن كل خير ، أو تفرقوا في النار فإنّ لكل كافر بيتا ينفرد به ويقال لهم تقريعا :

[٦٠] ـ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) آمركم على السنة رسلي (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) لا تطيعوه (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) بيّن العداوة.

[٦١] ـ (وَأَنِ اعْبُدُونِي) وحدي (هذا) أي ما عهدت إليكم أو عبادتي (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) نكّر تعظيما.

[٦٢] ـ (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) وضمّ «يعقوب» اوّليه وكذا «ابن كثير» و «حمزة» و «الكسائي» لكن خفّفوا لامه ، ومثلهم «ابن عامر» و «أبو عمرو» لكن سكّنا «الباء» (١) لغات أي خلقا : (كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) عداوته وإضلاله.

[٦٣] ـ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

[٦٤] ـ (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بكفركم.

[٦٥] ـ (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) نمنعها النّطق (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بإنطاق الله إيّاها ، أو بظهور إمارات الذّنوب عليها.

[٦٦] ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) لأعميناهم طمسا (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) نصب بنزع الخافض أي إلى الطّريق المعتاد لهم ، أو : بتضمين «استبقوا» معنى ابتدروا (فَأَنَّى) فكيف (يُبْصِرُونَ) أي لا يبصرون.

[٦٧] ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) قردة وخنازير أو حجارة (عَلى مَكانَتِهِمْ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٠٢.

٦٦

مكانهم لا يبرجونه ، وقرأ «أبو بكر» مكاناتهم (١) (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) أي فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء أي هم أحقاء بذلك لكن أمهلناهم لحكمة.

[٦٨] ـ (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) نطل عمره (نُنَكِّسْهُ) (٢) نقلّبه من «النّكس» ، وشدّده «عاصم» و «حمزة» من «التنكيس» (٣) (فِي الْخَلْقِ) بانتقاص بنيته وضعف قوّته (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أنّ من قدر على ذلك ، قادر على البعث ، وقرأ «نافع» و «أبو عمرو» و «ابن ذكوان» «بالتاء» (٤).

[٦٩] ـ (وَما عَلَّمْناهُ) أي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الشِّعْرَ) بتعليم القرآن المباين له سلوبا ومعنى ، ردّ لقولهم : إنّه شاعر (٥) (وَما يَنْبَغِي) يتأتّى (لَهُ) وقوله :

انا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب (٦)

اتفاق بلا قصد الى وزن أو أنّ مشطور الرّجز ليس شعرا مع ما روي من تحريكه البائين ، وقيل : الهاء للقرآن أي وما يصحّ له أن يكون شعرا (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) للأحكام والدّلائل ، أو بيّن بإعجازه انّه كلام الله.

[٧٠] ـ (لِيُنْذِرَ) القرآن ، أو النبي لقراءة «نافع» و «ابن عامر» بالتاء (٧) (مَنْ كانَ حَيًّا) متعقّلا لا غافلا كالميت ، أو مؤمنا فإنّه المنقطع بالإنذار (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) بالعذاب (عَلَى الْكافِرِينَ) قوبل بهم الحيّ لأنّهم في عداد الموتى.

[٧١] ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا ، استفهام تقرير دخل على «واو» العطف (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٠٢.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ننكّسه» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٦٠٣.

(٤) حجة القراءات : ٦٠٣.

(٥) ينظر سورة الأنبياء : ٢١ / ٥ وسورة الصّافات : ٣٧ / ٣٦ وسورة الطّور : ٥٢ / ٣٠.

(٦) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٣٢.

(٧) حجة القراءات : ٦٠٣.

٦٧

مما تفردنا بإحداثه ، استعير عمل الأيدي للتفرد بالعمل (أَنْعاماً) إبلا وبقرا وغنما (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) متملكون أو ضابطون قاهرون.

[٧٢] ـ (وَذَلَّلْناها) سخرناها (لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) مركوبهم (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أي ما يأكلون لحمه.

[٧٣] ـ (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) كالجلود وما نبت عليها (وَمَشارِبُ) من لبنها ، جمع مشرب أي شرب أو موضعه (أَفَلا يَشْكُرُونَ) الله المنعم بذلك.

[٧٤] ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) فوضعوا الشّرك مكان الشّكر (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) رجاء أن يعضدوهم أو يمنعوهم من العذاب والأمر بخلاف ذلك إذ :

[٧٥] ـ (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ) لآلهتهم (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) معدّون لحفظهم وخدمتهم ، أو محضرون معهم في النّار.

[٧٦] ـ (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) الباطل في الله ، أو فيك (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فنجازيهم به ، تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٧٧] ـ (أَوَلَمْ يَرَ) يعلم (الْإِنْسانُ) المنكر للبعث (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) ثم نقلناه حالا فحالا حتى أكملنا عقله (فَإِذا هُوَ) بعد ما كان ماء مهينا (خَصِيمٌ) قادر على المخاصمة (مُبِينٌ) معرب عمّا في نفسه.

ومن قدر على ذلك كيف لا يقدر على إعادته ، وهي أهون من ابتدائه ، أو فإذا هو شديد الخصومة في نفي البعث مبين لها.

قيل : أتى «ابىّ بن خلف» النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعظم بال يفتّه بيده ويقول : أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ؟ فقال : نعم ويبعثك ويدخلك جهنم (١).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٣٤ وتفسير البيضاوي ٤ : ٧١.

٦٨

[٧٨] ـ (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) امرا عجيبا وهو نفي قدرته تعالى على إحياء الموتى ووصفه بالعجز وهو صفة المخلوق (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) من النّطفة (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) بالية ، ولم يؤنّث لأنّه فعيل بمعنى مفعول أو بمعنى فاعل وصار اسما بالغلبة.

[٧٩] ـ (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) فإنّ من قدر على إنشائها ابتداء ، فعلى إعادتها أقدر ، واحتج به على أن العظم ذو حياة ، وردّ بجواز أن يراد بإحيائها ردّها على ما كانت عليه غضّة في بدن حسّاس أو إحياء صاحبها (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) مخلوق (عَلِيمٌ) فيعلم تفاصيله واجزائه المتفرقة في البقاع والسّباع ، ويميزها فيجمع الأجزاء الأصليّة للآكل والمأكول.

[٨٠] ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) المرخ والعفار (١) أو كلّ شجر إلّا العنّاب (ناراً) بأن يحكّ بعضه ببعض غضّين رطبين ، فتنقدح النّار (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) متى شئتم ، فمن قدر على أن يودع النّار في جسم رطب يقطر منه الماء المضاد لها فتستخرج منه عند الحاجة ، قدر على البعث.

[٨١] ـ (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) مع عظمها (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) في الصّغر أي يعيدهم؟ استفهام تقرير ، ثم أجاب نفسه : (بَلى) هو قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) الكثير الخلق (الْعَلِيمُ) بكلّ شيء.

[٨٢] ـ (إِنَّما أَمْرُهُ) شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) تكوّن فيتكوّن.

والمراد : أن إيجاده لا يتوقف إلّا على تعلّق إرادته بالمقدور ، فعبّر عنه بذلك تمثيلا لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في امتثاله بلا توقّف ، ونصبه

__________________

(١) المرخ : شجر سريع الوري ـ العفار : شجر يتخذ منه الزناد ـ.

٦٩

«ابن عامر» و «الكسائي» عطفا على «يقول» (١).

[٨٣] ـ (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي ملكه بقدرته عليه ، زيدت «الواو» و «التاء» للمبالغة تنزيه له عمّا نسبوا إليه (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة ، فيجازي كلّا بعمله ، وفتح «يعقوب» «التاء» (٢). وللسورة فضل عظيم والأخبار به مستفيضة (٣).

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٠٣ وتفسير البيضاوي ٤ : ٧٧.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٧١.

(٣) ينظر فضله في تفسير مجمع البيان ٤ : ٤١٣.

٧٠

سورة الصافات

[٣٧]

مائة وإحدى أو اثنتان وثمانون آية مكية.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ [٢] ـ (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً).

[٣] ـ (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) أقسم تعالى بالملائكة الصّافين تعبّدا وانتظارا لأمر الله ، الزّاجرين السّحاب يسوقونه ، أو النّاس عن المعاصي بالإلهام ، التّالين كتب الله على أنبيائه ، أو بنفوس المؤمنين الصّافين في الصلاة أو الجهاد ، الزّاجرين نفوسهم عن الشهوات ، أو الخيل ، أو العدوّ ، التّالين للقرآن في عامة الحالات.

أو بنفوس العلماء الصّافّين في الدّعاء إلى الله ، الزّاجرين عن مناهيه ، التّالين لآياته وأحكامه و «الفاء» لترتيب الرتبة أو الوجود.

وأدغم «أبو عمرو» و «حمزة» «التاءات» فيما بعدها (١).

وفائدة القسم تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه وهو :

__________________

(١) انظر الكشف عن وجوه القراءات ١ : ١٥٠ وما بعدها.

٧١

[٤] ـ [٥] ـ (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) معقبا بدليله وهو : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) الشمس لها كل يوم مشرق ، أو لكل النّيّرات ولم يذكر المغارب لدلالتها عليها و «ربّ» بدل من «واحد» أو خبر ثان أو لمحذوف وتناول «ما بينهما» لأفعال العباد على وجه يسلب اختيارهم فيها ممنوع (١).

[٦] ـ (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) القربى منكم (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) بضوئها أو بها والإضافة للبيان ، كقراءة «حفص» و «حمزة» بتنوين «زينة» وجرّ «الكواكب» بدلا منها ونصبها «أبو بكر» (٢) أي بأن زيّنا الكواكب فيها ، ولا ينافي تزيينها بها كون ما عدا القمر فيما فوقها إن صحّ.

[٧] ـ (وَحِفْظاً) نصب بتقدير فعله ، أو عطف على علّة دلّ عليها ما قبلها أي خلقنا الكواكب زينة وحفظا (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) خارج من الطّاعة.

[٨] ـ (لا يَسَّمَّعُونَ) (٣) (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) الملائكة ، جملة مبتدأة لبيان حالهم بعد الحفظ ، لا صفة «كل شيطان» إذ لا حفظ ممّن لا يسمع ، ولا علّة للحفظ على حذف اللّام وأن ، لأنّه منكر ، وردّ بجواز الوصف باعتبار المال ومنع إنكار ما ورد به القرآن ، والضمير لكلّ ، لأنّه بمعنى الجمع ، وعدّى ب «الى» لتضمينه معنى الإصغاء ، وشدده «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» من التّسمّع (٤) تطلب السّماع (وَيُقْذَفُونَ) بالشهب (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) من جوانب السماء.

[٩] ـ (دُحُوراً) طردا ، مصدر لقربه من القذف ، أو علّة أي للدحور أو حال اي مدحورين (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ واصِبٌ) دائم.

__________________

(١) هذا جواب عمّا أورده البيضاوي في تفسيره ٤ : ٧٢.

(٢) حجة القراءات : ٦٠٤.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يسّمّعون» بالتشديد ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٠٥.

٧٢

[١٠] ـ (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) استثناء من واو «يسمعون» أي اختلس خلسة من كلام الملائكة بسرعة (فَأَتْبَعَهُ) تبعه (شِهابٌ) وهو ما يرى ككوكب انقضّ.

ولا ينافيه ما قيل انّه بخار يصعد الى كرة النار فيشتعل إن صحّ إذ لم يدلّ على انقضاضه من الفلك وكذا : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً ...) (١) إذ كل مشتعل في الجوّ مصباح وزينة للسماء ولا يستبعد صيرورة ذلك البخار رجما لشيطان يسترق السمع ، وليس الشيطان نارا صرفة ، فإحراقه بالنار التي هي أقوى من ناريّته ممكن (ثاقِبٌ) مضيىء ، كأنه يثقب الجوّ بضوئه.

[١١] ـ (فَاسْتَفْتِهِمْ) سل قومك محاجة (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الملائكة والسماوات والأرض ، وما فيهما و «من» لتغليب العقلاء.

وقيل : أريد من قبلهم من الأمم ، (٢) ورجّح الأوّل بتعقيب ذكرهن بالفاء ، والإطلاق «خلقنا» وقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) لازم ملتصق ، أبدلت الميم باء فإنّه يفيد أنهم أضعف منها لا ممّن قبلهم ، ولأنّ الغرض إثبات المعاد بأنّ من قدر على الأشد فهو على الأضعف أقدر ، وهم ومن قبلهم سواء في أمر المعاد.

[١٢] ـ (بَلْ عَجِبْتَ) من إنكارهم البعث (وَيَسْخَرُونَ) من تعجبك ، وضم «حمزة» و «الكسائي» «التاء» (٣) أي قل يا «محمد» بل عجبت ، أو : أريد بالعجب الاستعظام اللازم له ، فإنّه روعة تعتري الشخص إذا استعظم شيئا أي بلغ من كمال قدرتي اني استعظمها وهؤلاء بعنادهم يسخرون منها ، أو استعظمت إنكارهم البعث ممّن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه.

[١٣] ـ (وَإِذا ذُكِّرُوا) وعظوا بشيء (لا يَذْكُرُونَ) لا يتعظون.

__________________

(١) سورة الملك : ٦٧ / ٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٣٩.

(٣) حجة القراءات : ٦٠٦.

٧٣

[١٤] ـ (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) كانشقاق القمر وغيره (يَسْتَسْخِرُونَ) يستهزئون بها.

[١٥] ـ (وَقالُوا) فيها (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) بيّن.

[١٦] ـ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) بالغوا في إنكار البعث بتبديل الفعليّة وهي أنبعث إذا متنا بالاسمية وتقديم «إذا» وتكرير الهمزة ، وفي الاستفهامين إختلاف للقرّاء ، ذكر في الرعد (١).

[١٧] ـ (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) عطف على محل اسم «ان» أو على ضمير «مبعوثون» للفصل بهمزة الاستفهام للاستبعاد لقدمهم ، وسكّن الواو «قالون» و «ابن عامر» للترديد (٢).

[١٨] ـ (قُلْ نَعَمْ) تبعثون ، وكسره «الكسائي» (٣) (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون ، وإذا كان ذلك :

[١٩] ـ (فَإِنَّما هِيَ) أي البعثة ، أو مبهم يفسّره : (زَجْرَةٌ) صيحة (واحِدَةٌ) هي نفخة البعث (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) أحياء يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم.

[٢٠] ـ (وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) يوم الجزاء ويقول لهم الملائكة أو بعضهم لبعض :

[٢١] ـ (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) الحكم أو الفرق بين المحق والمبطل (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ويقول تعالى للملائكة :

[٢٢] ـ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) وأشباههم عابد الوثن مع عبدته ، وعابد النّجم مع عبدته ، أو قرناؤهم من الشّياطين أو نساؤهم اللّاتى على دينهم (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ).

__________________

(١) سورة الرعد : ١٣ / ٥.

(٢) حجة القراءات : ٦٠٨.

(٣) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٧٤.

٧٤

[٢٣] ـ (مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) يوقوهم الى طريقها.

[٢٤] ـ (وَقِفُوهُمْ) احبسوهم قبل دخولها (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن عقائدهم وأعمالهم.

أو عن ولاية عليّ عليه‌السلام (١) ويقال لهم ـ توبيخا ـ :

[٢٥] ـ (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) لا ينصر بعضكم بعضا.

[٢٦] ـ (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) منقادون أو متسالمون ، أسلم بعضهم بعضا وخذله.

[٢٧] ـ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يتلاومون ويتخاصمون.

[٢٨] ـ (قالُوا) أي الأتباع منهم للمتبوعين : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) عن جهة النصيحة والنفع فتبعناكم.

أو عن القوة والغلبة ، فتحملوننا على الضلال ، استعير من يمين الشخص فإنّه أنفع جانبيه واقواهما ، أو عن حلفكم إنّكم على الحقّ فصدّقناكم.

[٢٩] ـ (قالُوا) أي المتبوعون : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي ما أضللناكم وإنّما كنتم ضالين مثلنا.

[٣٠] ـ (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) تسلّط ، فنجبركم على الكفر (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) مختارين للطغيان.

[٣١] ـ (فَحَقَّ عَلَيْنا) جميعا (قَوْلُ رَبِّنا) وعيده كآية : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) (٢) أو هو (إِنَّا لَذائِقُونَ) العذاب ، حكوه على لفظ المتكلم وإنّما هو : (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا) (٣) وكلاهما حسن.

__________________

(١) ينظر شواهد التنزيل ٢ : ١٠٦.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٨.

(٣) الآية : (٣٨) من هذه السورة.

٧٥

[٣٢] ـ (فَأَغْوَيْناكُمْ) فدعوناكم الى الغيّ (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) لأنّا كنّا على الغيّ فأحببنا أن تكونوا مثلنا.

[٣٣] ـ (فَإِنَّهُمْ) جميعا (يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) لاشتراكهم في الغيّ.

[٣٤] ـ (إِنَّا كَذلِكَ) الفعل (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) بالمشركين لقوله :

[٣٥] ـ (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن قبوله.

[٣٦] ـ (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) لقول «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٣٧] ـ (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) بالتوحيد الثابت بالبرهان (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) به ، بمطابقته لهم فيه.

[٣٨] ـ (إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) التفات الى الخطاب.

[٣٩] ـ (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إلّا جزاءه.

[٤٠] ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع وما بعد إلّا في معنى مبتدا ، خبره :

[٤١] ـ (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) وقته أو صفته كطيب طعمه ورائحته.

[٤٢] ـ (فَواكِهُ) بيان لرزق (وَهُمْ) مع ذلك (مُكْرَمُونَ) معظّمون.

[٤٣] ـ (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) حال من الواو أو خبر ثان ل «أولئك» وكذا :

[٤٤] ـ (عَلى سُرُرٍ) ان لم يكن صلة (مُتَقابِلِينَ) وهو حال عن ضميره (١) وان كان صلته فعن الواو (٢).

[٤٥] ـ (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) بإناء فيه خمر أو بخمر (مِنْ مَعِينٍ) من نهر ظاهر للعيون أو خارج من العيون يجري على وجه الأرض.

[٤٦] ـ (بَيْضاءَ) أشدّ بياضا من اللبن (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) مصدر وصف به مبالغة

__________________

(١) اي المستكن في «على سرر».

(٢) اي ضمير «مكرمون».

٧٦

أو تأنيث «لذّ» بمعنى لذيذ.

[٤٧] ـ (لا فِيها غَوْلٌ) إفساد وضرر من غاله : أفسده ، بخلاف خمر الدنيا (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) يسكرون ، من نزف الشّارب ببناء المفعول ، فهو نزيف ومنزوف أي ذهب عقله ، وخصّ بالعطف على ما يعمّه لعظم فساده ، وكسر «حمزة» و «الكسائي» «الزّاي» (١) من انزف أي نفد عقله أو شرابه.

[٤٨] ـ (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) الأبصار على أزواجهنّ (عِينٌ) جمع عيناء ، كبيرة العيون.

[٤٩] ـ (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) شبّهن ببيض نعام ، (٢) مصون عن الغبار وغيره في بياضه المشوب بأقل صفرة فإنه أحسن ألوان النّساء.

[٥٠] ـ (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) عمّا مرّ بهم في الدّنيا وما منحوه في الآخرة ، عطف على «يطاف» أي يشربون فيتحادثون على الشّراب إتماما للّذّة ولذلك عبّر بالماضي.

[٥١] ـ (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) في محادثتهم (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) صاحب في الدّنيا.

[٥٢] ـ (يَقُولُ) ـ لي توبيخا ـ : (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) بالبعث.

[٥٣] ـ (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) مجزيّون ، من دان : جزى ، وفي الاستفهامين ما مرّ (٣).

[٥٤] ـ (قالَ) ذلك القائل أو الله أو ملك : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) الى النار فأريكم ذلك القرين؟

[٥٥] ـ (فَاطَّلَعَ) ذلك القائل من بعض كوى الجنة (فَرَآهُ) فرأى قرينه

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٠٨.

(٢) النعام : طائر كبير ، له خف كخفّ البعير الّا انّه لا يطير.

(٣) في آية (٣٦) من هذه السورة قوله (أَإِنَّا لَتارِكُوا ...).

٧٧

(فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطها.

[٥٦] ـ (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) لتهلكني بإغوائك ، وان المخفّفة واللّام فارقة ، واثبت «ورش» «الياء» وصلا (١).

[٥٧] ـ (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) باللطف والعصمة لي (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معك فيها.

[٥٨] ـ (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) أي أنحن مخلّدون ، فما من شأننا الموت.

[٥٩] ـ (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) الّتي في الدّنيا ، وتشمل ما بعد الإحياء لسؤال القبر ، ونصبت مصدرا ل «ميتين» أو مستثنى منقطع (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على الكفر كما زعمت ، أو ذلك عود الى مخاطبة إخوانه تحدّثا بنعمة ربّه وسرورا بها وتعجّبا منها مع توبيخ قرينه.

[٦٠] ـ (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) من قوله أو قول الله تصديقا له وكذا :

[٦١] ـ (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) يفيد جواز أن يقصد بطاعة الله نيل ثوابه والخلاص من عقابه ، قال تعالى :

[٦٢] ـ (أَذلِكَ) المذكور لأهل الجنة (خَيْرٌ نُزُلاً) تمييز وهو ما يعدّ للنّازل من ضيف وغيره (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) نزل أهل النّار وهي شجرة مرّة منتنة ب «تهامة».

وقيل : لا وجود لها في الدنيا بدليل :

[٦٣] ـ (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) اختبارا لهم في الدّنيا فإنّهم حين سمعوا انّها في النّار قالوا : النّار تحرق الشجرة فكيف تنبته ، جهلا بقدرة الله أو عذابا لهم في الآخرة.

[٦٤] ـ (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) تنبت في قعر جهنم وفروعها ترتفع الى دركاتها.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٢٩.

٧٨

[٦٥] ـ (طَلْعُها) حملها ، استعير من طلع النّخل لطلوعه أو لشكله (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) في القبح ، شبهه بمتخيّل أو بحيّات لها أعراف ، ورؤوس قباح تسمّى شياطين.

[٦٦] ـ (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) من طلعها (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) لشدّة جوعهم أو جبرهم على أكلها.

[٦٧] ـ (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) بعد ذلك إذا عطشوا واستسقوا (لَشَوْباً) مصدر سمّي به ، أي يشربون ما يشاب (١) به طعامهم (مِنْ حَمِيمٍ) ماء حار يقطع أمعائهم.

[٦٨] ـ (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) يشعر بخروج الحميم عنها وأنهم يوردونه ثم يردون إليها.

وقيل : هو كقولهم : فلان يرجع الى غني أي هو فيه ، ثم علّل تعذيبهم بتقليد الآباء في الضلال فقال :

[٦٩] ـ (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ).

[٧٠] ـ (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) الإهراع : الإسراع الشديد ، كأنهم يستحثّون على اتباعهم فيسرعون إليه بلا تروّ.

[٧١] ـ (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).

[٧٢] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) رسلا مخوفين.

[٧٣] ـ (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) من الهلاك والعذاب.

[٧٤] ـ (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين أخلصوا دينهم لله ، فإنّهم نجوا من العذاب.

[٧٥] ـ (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) تفصيل سلّاه به بعد إجماله ونداءه : (رَبِّ انْصُرْنِي) (٢)

__________________

(١) شاب الشيء : خلطه ـ اقرب الموارد.

(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢٦.

٧٩

ونحوه (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) فو الله لنعم المجيبون له نحن ، فحذف القسم والمخصوص أي أجبناه الى ما سأل.

[٧٦] ـ (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من الغرق أو أذى قومه.

[٧٧] ـ (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) فالناس كلهم من بنيه الثلاث ، إذ مات من عداهم وأزواجهم من أهل السفينة.

[٧٨] ـ (وَتَرَكْنا) أبقينا (عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) من الأمم.

[٧٩] ـ (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) هذا القول أو هو سلام من الله عليه ، ومفعول «تركنا» مقدّر أي ثناء (فِي الْعالَمِينَ) ثابت فيهم يسلّمون عليه الى يوم القيامة.

[٨٠] ـ (إِنَّا كَذلِكَ) الجزاء (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي استحق هذا الجزاء بإحسانه.

[٨١] ـ (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ).

[٨٢] ـ (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) كفّار قومه.

[٨٣] ـ (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) ممن شايعه في اصول الدين (لَإِبْراهِيمَ) وكان بينهما ألفان وستمائة وأربعون سنة ، وكان بينهما «هود» و «صالح».

قال «الباقر» عليه‌السلام : ليهنئكم الإسم ، قيل وما هو؟ قال الشّيعة ، أما تسمع قوله تعالى وتلاها (١).

[٨٤] ـ (إِذْ جاءَ رَبَّهُ) ظرف ل «اذكر» مقدّر ، أو لشايعه المفهوم من الشيعة (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) من الشرك والشك ، خالص لله.

وعن «الصّادق» عليه‌السلام : من كلّ ما سوى الله تعالى لم يتعلّق بغيره (٢).

[٨٥] ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) بدل من الأول أو ظرف ل «جاء» أو «سليم» (ما ذا) ما الّذي أو أي شيء (تَعْبُدُونَ) إنكار.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٤٨ و ٤٤٩.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٤٤٨ و ٤٤٩.

٨٠