الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

في البقرة ، (١) عطف على محل اسم «انّ» أو على «هو» وكذا : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) وهو أميرهم عليّ عليه‌السلام كما رواه الخاص والعام (٢).

وقيل : أريد به الجمع اي صلحائهم ولا ريب انّه عليه‌السلام أحقهم بالصلاح ونصرة بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ) بعد نصر الله وجبريل وعليّ عليه‌السلام (ظَهِيرٌ) ظهراء له أي أعوان في نصره عليكما.

والكلام مسوق للمبالغة في نصرته وإلا فكفى بالله وليّا وكفى بالله نصيرا ثمّ وبخهما بنوع آخر فقال :

[٥] ـ (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ) وشدّده «نافع» و «أبو عمرو» (٣) (أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) عمم الخطاب بالتهديد زجرا لغيرهما من الأزواج عن مثل فعلهما ولا يفيد عدم طلاق حفصة لأنّ المعلّق طلاق الكلّ (مُسْلِماتٍ) مقرّات أو منقادات (مُؤْمِناتٍ) مصدّقات أو مخلصات (قانِتاتٍ) مطيعات أو خاضعات (تائِباتٍ) عن الذّنوب (عابِداتٍ) لله ، أو متذلّلات للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (سائِحاتٍ) صائمات أو مهاجرات (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) وسّط «الواو» لتنافيهما بخلاف السّابقات لإمكان اجتماعها.

[٦] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) بالحمل على الطّاعات والكفّ عن المعاصي (ناراً وَقُودُهَا) حطبها (النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أصنامهم أو حجارة الكبريت (عَلَيْها مَلائِكَةٌ) خزنتها الزّبانية (غِلاظٌ شِدادٌ) في الأجرام والأفعال لا يرحمون أهلها (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) بدل من الجلالة أي لا يعصون امر الله (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) تصريح بما علم ضمنا للتّأكيد.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٩٧ و ٩٨.

(٢) ينظر كتاب العمدة لابن البطريق : الفصل الخامس والثلاثون.

(٣) حجة القراءات : ٧١٤.

٣٤١

[٧] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النّار أي لا ينفعكم الاعتذار (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي جزائه.

[٨] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) ناصحة بإخلاص ، النّدم على الذّنب والعزم على عدم العود.

والنّصح صفة التّائب فإنّه ينصح نفسه بالتّوبة ، فوصفت به مجازا مبالغة أو خالصة لله ، وضمّ «أبو بكر» النّون (١) مصدر بمعنى النّصح كالشّكر والشّكور ، وصف به مبالغة أو بتقدير ذات (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) اطماع أريد به الوجوب على عادة الملوك (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ) ظرف «يدخلكم» (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) عطف على «النّبيّ» أو مبتدأ خبره :

(نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أمامهم (وَبِأَيْمانِهِمْ) ويكون بأيمانهم (يَقُولُونَ) أي قائلين : (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) الى الجنّة ، ولا تطفه عنّا كالمنافقين (وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٩] ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالحرب (وَالْمُنافِقِينَ) بالحجة (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) بتخشين القول والفعل (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي.

[١٠] ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) مثل حالهم في انّ الوصلة بينهم وبين النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين لا تدفع عنهم عقوبة كفرهم بحال امرأة نوح واسمها «واعلة» كانت تقول : أنّه مجنون ، وامرأة لوط واسمها «واهلة» كانت تدلّ على أضيافه (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) اعلام بوصلتهما بالرّسولين (فَخانَتاهُما) بنفاقهما وتظاهرهما عليهما (فَلَمْ يُغْنِيا) أي الرّسولان (عَنْهُما مِنَ اللهِ) من عذابه (شَيْئاً وَقِيلَ) ـ لهما ـ : (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) من الكفّار.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٤.

٣٤٢

[١١] ـ (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) مثل حالهم في انّ وصلة الكفّار لا تضرّهم بحال آسية ، آمنت بموسى عليه‌السلام فعذّبها «فرعون» اشدّ تعذيب (إِذْ قالَتْ) ـ في حال التّعذيب ـ : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) فكشف لها فرأته فصبرت على العذاب (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) هو كأعجبنى زيد وكرمه (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) التّابعين له ، فقبض الله روحها.

وقيل : رفعت الى الجنّة حيّة (١).

[١٢] ـ (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) عطف على «امرأة فرعون» (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) من الرّجال (فَنَفَخْنا فِيهِ) في فرجها (مِنْ رُوحِنا) الّتي خلقناها وشرّفناها بالإضافة إلينا ، أو من جهة روحنا جبرئيل ، نفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه‌السلام (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) بشرائعه «وكتابه» (٢) الإنجيل ، أو جنس الكتب المنزلة ، ويعضده قراءة «ابي عمرو» و «حفص» : «وكتبه» جمعا (٣) (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) من جملة المطيعين ، والتّذكير للتغليب والمبالغة بمساواتها في الطّاعة لكاملي الرّجال حتى عدّت منهم.

وفي المثلين تعريض بعائشة و «حفصة» وتظاهرهما على الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي كان من حقّهما أن تكونا في الإخلاص كالمؤمنين : آسية ومريم ، لا كالكافرتين الخائنتين للرّسولين.

__________________

(١) قاله الحسن وابن كيسان ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣١٩.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «وكتبه» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٧١٥.

٣٤٣
٣٤٤

سورة الملك

[٦٧]

ثلاثون آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) تعالى وتكاثر خير من تحت تصرّفه كلّ شيء (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) اراده (قَدِيرٌ).

[٢] ـ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) أوجدهما حسب تقديره ان كانا ضدّين أو قدّرهما ان كان الموت عدما.

وقدّم لتقدّمه في النّطف ، ونحوها : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) (١) ولأنّه احثّ على حسن العمل (لِيَبْلُوَكُمْ) ليختبركم بالتكليف (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أخلصه.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : احسن عقلا (٢) وأورع عن محارم الله واسرع في طاعته ، جملة في محلّ مفعول ثان «ليبلو» لتضمّنه معنى العلم ، وليس تعليقا لعدم وقوع الجملة موقع المفعولين (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه ممّن عصاه (الْغَفُورُ) لمن يشاء.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ / ٣٢٢.

٣٤٥

[٣] ـ (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) مصدر وصف به أي مطابقة بعضها فوق بعض ، أو طوبقت طباقا ، أو جمع طبق كجمل وجمال أي ذات طباق (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) تناقض وعدم تناسب ، وشدّده «حمزة» و «الكسائي» بلا ألف (١).

والمعنى واحد والجملة صفة ثانية ل «سبع» جعل فيها خلق الرّحمن مكان الضّمير تعظيما وإيذانا بأنّ في خلقهنّ رحمة وانعاما بمنافع شتّى (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أعده متأمّلا في السماء وتناسبها ونظامها (هَلْ تَرى) فيها (مِنْ فُطُورٍ) صدوع وخلل.

[٤] ـ (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) رجعتين ملتمسا للخلل ، تثنية تكثير كلبّيك (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) ذليلا لبعده عن نيل المراد (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل من كثرة المعاودة.

[٥] ـ (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) القربى من الأرض (بِمَصابِيحَ) بنيّرات تضيء كالسّرج ، وكون بعضها في السّماوات فوقها لا ينافي تزيينها بها (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) شهبا يرجمون بها إذا استرقوا السّمع وهي بعضها (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) النّار المستعرة في الآخرة.

[٦] ـ (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي.

[٧] ـ (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) صوتا كصوت الحمار (وَهِيَ تَفُورُ) تغلي بهم على المرجل.

[٨] ـ (تَكادُ تَمَيَّزُ) تتميّز أي تتقطّع (مِنَ الْغَيْظِ) غضبا عليهم (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) جماعة منهم (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) ـ توبيخا ـ : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) ينذركم هذه النّار.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٥.

٣٤٦

[٩] ـ (قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) والنّذير بمعنى الجمع أي كذّبنا الرّسل وأنكرنا التّنزيل عليهم وظللناهم ، أو بمعنى الواحد.

والمعنى قد جاء كلّ فوج منّا رسول فكذّبنا الرّسل وضللناهم ، وجاز كون الخطاب من قول الخزنة للكفّار بتقدير القول فلا ينافيه توحيد النّذير.

[١٠] ـ (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) الإنذار سماع قبول (أَوْ نَعْقِلُ) نتدبّره بعقولنا (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) في جملتهم.

[١١] ـ (فَاعْتَرَفُوا) حين لا ينفع الاعتراف (بِذَنْبِهِمْ) وهو كفرهم ولا يجمع ما لم يرد به الأنواع لأنّه مصدر في الأصل (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) فبعدا لهم عن رحمة الله ، ووضع الظّاهر موضع ضمير «هم» للتّعميم والتّعليل ، وضمّ «الكسائي» «الحاء» (١).

[١٢] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) غائبا عنهم لم يروه ، أو غائبين عن أعين النّاس لم يراءوهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) عظيم.

[١٣] ـ (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بضمائرها فضلا عن النّطق بها سرّا أو جهرا.

قيل : كانوا يتكلّمون فيما بينهم فيقولون اسرّوا قولكم لئلّا يسمع إله «محمّد» فيخبره ، فنزلت (٢).

[١٤] ـ (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) محلّ «من» رفع أي ألا يعلم الخالق سرّ مخلوقه.

أو نصب أي ألّا يعلم الله من خلقه (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) العالم ببواطن الأمور كظواهرها.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٦.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٢٦.

٣٤٧

[١٥] ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) منقادة ، لتصرّفكم فيها بحرث وحفر وبناء ومشي. (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) جوانبها ، أو جبالها.

ومنكب الشّيء : جانبه وأعلاه. (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الّذي خلقه لكم (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) مرجعكم احياء للجزاء.

[١٦] ـ (أَأَمِنْتُمْ) حقّق الهمزتين «الكوفيّون» و «ابن ذكوان» ، وقلب «قنبل» الاولى واوا ، وليّن الباقون الثّانية (١) (مَنْ فِي السَّماءِ) امره وسلطانه (أَنْ يَخْسِفَ) بدل من «من» (بِكُمُ الْأَرْضَ) الّتي ذلّلها لكم فيغيبكم فيها (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) تضطرب بكم.

[١٧] ـ (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) ريحا ترميكم بالحصباء (فَسَتَعْلَمُونَ) حينئذ (كَيْفَ نَذِيرِ) انذاري ، واثبت «ورش» «الياء» وصلا وكذا «نكير» (٢) في : [١٨] ـ (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) انكاري عليهم بإهلاكهم.

[١٩] ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ) في الجوّ (صافَّاتٍ) باسطات أجنحتهنّ (وَيَقْبِضْنَ) اجنحتهنّ أحيانا للإعانة على الجري ، فالقبض يتجدّد ويطرأ على البسط فلذلك عبّر عنه بالفعل (ما يُمْسِكُهُنَ) عن السّقوط (إِلَّا الرَّحْمنُ) ذو الرّحمة العامّة بأقدارهنّ على الطّيران في الجوّ (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) عليم فيدبّره بمقتضى حكمته.

[٢٠] ـ (أَمَّنْ) مبتدأ (هذَا) خبره (الَّذِي) صفة «هذا» والصّلة (هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أي أعوان (يَنْصُرُكُمْ) صفة «جند» (مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) يمنعكم من عذابه أي لا ناصر لكم و «أم» عديله همزه : (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي ألم يستدلّوا بعجيب امر الطّير على قدرتنا ان نعذّبهم بنحو ما تقدّم أم لكم ناصر غيرنا على الالتفات (إِنِ) ما (الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٢٨.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٠.

٣٤٨

يغرّهم الشّيطان بأنّ العذاب لا ينزل ولو نزل تدفعه أصنامهم.

[٢١] ـ (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ) الرّحمان (رِزْقَهُ) بإمساك أسبابه من المطر وغيره (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) تمادوا في تكبّر (وَنُفُورٍ) عن الحقّ.

[٢٢] ـ (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) عاثرا خارّا عليه من اكبّ : صار ذا كبّ.

وقيل : مطاوع كبّ وهو نادر (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) معتدلا (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) مستو.

والمثل للكافر ودينه الزّائغ ، والمؤمن ودينه القيّم.

أو أريد ب «من يمشى مكبّا» من يحشر على وجهه الى النّار ، وب «من يمشى سويّا» من يحشر معتدلا الى الجنّة.

[٢٣] ـ (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) لتصرفوها فيما خلقت لأجله فضيّعتموها لأنّكم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) بصرفها في ذلك.

[٢٤] ـ (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) خلقكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء.

[٢٥] ـ (وَيَقُولُونَ) ـ للنّبي ومن معه ـ : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي الحشر أو الخسف والحاصب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيه.

[٢٦] ـ (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ) بوقته (عِنْدَ اللهِ) استأثر به (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) ويكفى للإنذار العلم بوقوعه.

[٢٧] ـ (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي الموعود (زُلْفَةً) ذا زلفة أي قريبا (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ساءها رؤية العذاب ، فقبحت واسودّت (وَقِيلَ) قال لهم الخزنة : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) تطلبون وتستعجلون من الدّعاء ، أو بانذاره «تدّعون» أن لا بعث من الدّعوى.

[٢٨] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) اماتني ، وسكّن «حمزة» «الياء» (١) (وَمَنْ مَعِيَ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٢٩.

٣٤٩

من المؤمنين وسكّنها «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (أَوْ رَحِمَنا) بالتّعمير (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) أي لا مجير لهم منه ، متنا أو بقينا.

[٢٩] ـ (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) أي الّذي أدعوكم إليه ، مولى جميع النّعم (آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) لا على غيره (فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أنحن أم أنتم ، وقرأ «الكسائي» بالياء (٢).

[٣٠] ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) غائرا في الأرض ، مصدر وصف به (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) جار ، أو ظاهر يسهل أخذه.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٠.

(٢) حجة القراءات : ٧١٦.

٣٥٠

سورة القلم

[٦٨]

اثنتان وخمسون آية مكيّة كلّها أو بعضها

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (ن) حرف هجاء لسكونه وكتبه بصورة الحروف ، وقيل اسم للحوت جنسه أو الّذي عليه الأرض (١) أو للدّواة ، (٢) وادغم «ورش» و «أبو بكر» و «ابن عامر» و «الكسائي» : «النّون» في «واو» (٣) (وَالْقَلَمِ) الّذي كتب اللوح أو الّذي يكتب به ، أقسم به لكثرة منافعه (وَما يَسْطُرُونَ) يكتبون أي الحفظة أو اصحاب القلم و «ما» موصولة أو مصدريّة.

[٢] ـ (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) جواب القسم وردّ قولهم انّه مجنون أي انتفى عنك الجنون متلبّسا بنعمته او بسبب انعامه عليك بالنّبوّة وكمال العقل.

[٣] ـ (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) على تحمّل المشاق (غَيْرَ مَمْنُونٍ) مقطوع.

__________________

(١) قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل والسدي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٣٢.

(٢) قاله الحسن وقتادة والضحاك ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٣٢.

(٣) حجة القراءات : ٧١٧.

٣٥١

[٤] ـ (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) لا يماثله خلق في الحسن.

ـ (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ).

[٦] ـ (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) أيكم الّذي فتن بالجنون و «الباء» زائدة ، أو بأيّكم الفتنة أي الجنون فهو مصدر كالمعقول أو في أيّ الفريقين المجنون ، أفي المؤمنين أم في الكفرة.

[٧] ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) فاستحقّ اسم المجنون (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) له بكمال العقل.

[٨] ـ (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) تهييج له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٩] ـ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) تمنّوا أن تلين لهم (فَيُدْهِنُونَ) «الفاء» للعطف أي فيلينون لك حينئذ ، أو للسّببيّة أي فهم يدهنون الآن طمعا في إدهانك.

[١٠] ـ (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) كثير الحلف بالباطل (مَهِينٍ) حقير.

[١١] ـ (هَمَّازٍ) مغتاب (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) نقّال للكلام على وجه الإفساد بين النّاس.

[١٢] ـ (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) للمال عن الحقوق أو منّاع قومه الخير أي الإسلام (مُعْتَدٍ) متجاوز في الظّلم (أَثِيمٍ) كثير الإثم.

[١٣] ـ (عُتُلٍ) جاف غليظ (بَعْدَ ذلِكَ) المعدود من صفاته ويتعلّق بقوله (زَنِيمٍ) دعيّ.

قيل : هو الوليد بن المغيره ادّعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة (١).

[١٤] ـ (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) علّة ل «لا تطع» أي لا تطع من هذه صفاته لان كان ذا مال أو متعلق بما دلّ عليه «قال» في : [١٥] ـ (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) لا بنفسه لتوسّط «إذا» بينهما ، وقرأ «أبو بكر» : «أأن» بهمزتين وكذا

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٣٤ ـ مع اختلاف.

٣٥٢

«ابن عامر» لكنّه مدّ الثّانية أي الآن كان ذا مال كذب (١).

[١٦] ـ (سَنَسِمُهُ) سنعلمه بعلامة (عَلَى الْخُرْطُومِ) على أنفه ، تشوّه وجهه في الدّنيا فخطم أنفه بالسيف يوم بدر فبقي وسما ، أو في الآخرة فيتميّز عن سائر الكفرة.

وقيل : أريد به إذلاله إذ الأنف مكان العزّ عندهم ، ووسمه إذلال كقولهم : جدع أنفه أي ذلّ.

وعبّر بالخرطوم وهو لمنكر الحيوان كالفيل والخنزير اهانة له.

[١٧] ـ (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) اختبرناهم بالقحط (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) هي بستان ، كان بقرب صنعاء لرجل صالح وكان يعطي الفقراء منه كثيرا ، فلمّا مات ، قال بنوه : ان فعلنا كأبينا لم يسعنا ، فحلفوا ليقطعوا ثمره صبحا بغيبة المساكين كما قال (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) داخلين في الصّباح.

[١٨] ـ (وَلا يَسْتَثْنُونَ) لا يقولون ان شاء الله ، أو لا يخرجون سهم الفقراء كأبيهم

[١٩] ـ (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) نارا حرقتها ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ).

[٢٠] ـ (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) كالبستان المصروم ثمره ، أو كالليل سوادا ، أو كالنّهار بياضا ليبسها ، سمّيا صريما لانصرام كلّ منهما عن الآخر أو كالرّمل.

[٢١] ـ (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ).

[٢٢] ـ (أَنِ) بأن أو أي (اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ) أخرجوا الى زرعكم غدوة ، ولتضمّنه معنى الإقبال عدّى ب «على» (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) قاطعين لثمره.

[٢٣] ـ (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) يتسارّون ، من خفت أي خفا.

[٢٤] ـ (أَنْ) أي (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) ونهي المسكين عن الدّخول مبالغة في النّهي عن تمكينه منه.

[٢٥] ـ (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) منع للفقراء صلة (قادِرِينَ) أي لا يقدرون إلا عليه

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣١.

٣٥٣

لذهاب ثمرهم يعني لمّا أرادوا نكد الفقراء نكد عليهم بحيث لا يقدرون على غير النّكد.

أو على غضب بعضهم على بعض أو على سرعة قادرين في ظنّهم على الصّرام.

[٢٦] ـ (فَلَمَّا رَأَوْها) محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) عن الدّين ، فعوقبنا بذلك ، أو عن جنّتنا ما هي ايّاها ، ثمّ تأمّلوا فعرفوها فقالوا :

[٢٧] ـ (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) خيرها لمنعنا حقّها.

[٢٨] ـ (قالَ أَوْسَطُهُمْ) أعدلهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) آنفا (لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) هلا تستثنون ، إذ الاستثناء تعظيم لله وتنزيه له عن أن يقدر احد على فعل بدون أن يشاء اقداره ، أو لو لا تذكرونه تائبين مما نويتم من منع الفقراء.

[٢٩] ـ (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) عن الظّلم (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) بترك الاستثناء أو بما نويناه فأخذنا بذنبنا.

[٣٠] ـ (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) فبعض يلوم من أشار بذلك وبعض يلوم من رضي به.

[٣١] ـ (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) بذنبنا.

[٣٢] ـ (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا) وشدّده «نافع» و «أبو عمرو» (١) (خَيْراً مِنْها) باعترافنا بذنبنا (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) راجون قبول التّوبة والخير ، رجاء ينتهي إليه.

روي : أنّهم ابدلوا خيرا منها (٢).

[٣٣] ـ (كَذلِكَ) المذكور ممّا بلونا به أهل مكّة واصحاب الجنّة (الْعَذابُ) الدّنيوي (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أعظم (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ذلك لأطاعوا.

[٣٤] ـ (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي ما فيها سوى النّعيم الخالص.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٢.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢١٥.

٣٥٤

[٣٥] ـ (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) إنكار لقولهم إن بعثنا كما يزعم المسلمون نعطى أفضل منهم كما في الدّنيا أو نساويهم.

[٣٦] ـ (ما لَكُمْ) التفات (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) هذا الحكم المعوجّ.

[٣٧] ـ (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) من الله (فِيهِ تَدْرُسُونَ) تقرؤون.

[٣٨] ـ (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ) تختارونه ، استئناف أو مفعول «تدرسون» وكسرت «إن» لللام.

[٣٩] ـ (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) عهود بإيمان (عَلَيْنا بالِغَةٌ) في التّوكيد حدّه (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلّق بمقدّر في «علينا» أي ثابتة (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) به لأنفسكم جواب القسم ، إذ المعنى أم اقسمنا لكم.

[٤٠] ـ (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ) الحكم أي بتصحيحه (زَعِيمٌ) كفيل لهم.

[٤١] ـ (أَمْ لَهُمْ) ناس (شُرَكاءُ) في هذا القول (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في دعواهم.

ومفاد الآيات : إنّهم لا مستند لهم من عقل ولا نقل ولا موافقة ناس عقلاء.

وقيل : المعنى أم لهم آلهة شركاء لله يساوونهم بالمؤمنين فليأتوا بهم.

[٤٢] ـ (يَوْمَ) ظرف «يأتوا» أو مقدّر باذكر (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) عبارة عن شدّة الأمر يوم القيامة ، يقال كشفت الحرب عن ساق إذا اشتدّ أمرها ، وأصله التّشمير عن السّوق في الرّوع للهرب ، ونكّر تهويلا (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) توبيخا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) ليبس ظهورهم.

[٤٣] ـ (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) خاضعة لا ترفع (تَرْهَقُهُمْ) تغشاهم (ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا) في الدّنيا (يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) أصحّاء ، متمكّنون فلا يجيبون.

[٤٤] ـ (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) كله اليّ اكفكه (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ)

٣٥٥

سنقربهم من النّقمة درجة بالإمهال وترادف النّعم (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لتّوهمهم أنّهم أكرموا بالنّعم فينهمكون فيها (١).

[٤٥] ـ (وَأُمْلِي لَهُمْ) وامهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) بطشي شديد ، سمّاه كيدا لأنّه بصورته.

[٤٦] ـ (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على التّبليغ (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) غرم لك (مُثْقَلُونَ) بذلك ، فلا يؤمنون.

[٤٧] ـ (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي علمه (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) منه ما يقولون.

[٤٨] ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بإمهالهم (وَلا تَكُنْ) في الضّجر (كَصاحِبِ الْحُوتِ) يونس (إِذْ نادى) ربّه (وَهُوَ مَكْظُومٌ) مملوّ غيظا في بطن الحوت أو في قومه.

[٤٩] ـ (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أدركه رحمة منه والتّذكير للفصل (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) بالفضاء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) ملوم بترك الاولى ، لكنّه رحم فنبذ غير مذموم.

[٥٠] ـ (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) بالتّثبيت على النّبوّة (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) الأنبياء المعصومين عن ترك الاولى بلطفه ، نزلت ب «احد» حين همّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو على الفارّين عنه.

[٥١] ـ (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) «إن» هي المخفّفة واللام فارقة أي انّهم ينظرون إليك نظر بغض ، يكادون يزلّونك به عن موقفك ويسقطونك.

أو يكادون يصيبونك بأعينهم ، إذ قيل أرادوا أن يعينوه فعصمه الله ، وفتح «نافع» ياء «ليزلقونك» (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) القرآن (وَيَقُولُونَ) ـ حسدا ـ : (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) بما يتلو من القرآن.

[٥٢] ـ (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) موعظة (لِلْعالَمِينَ) فيكون من أتى به أوفر النّاس عقلا لا مجنونا.

أو وما «محمد» إلّا شرف أو مذكّر للعالمين.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٨.

٣٥٦

سورة الحاقة

[٦٩]

احدى أو اثنتان وخمسون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الْحَاقَّةُ) القيامة ، الواجبة الوقوع ، أو الّتي تحقّق فيها الأمور أي تعرف حقيقتها أو تقع الحواقّ فيها كالحساب والجزاء ، والأخيران من مجاز الإسناد وهي مبتدأ ، خبره :

[٢] ـ (مَا الْحَاقَّةُ) أي أيّ شيء هي ، تفخيم وتهويل لها ، ووضع الظّاهر موضع ضميرها زيادة تهويل ومثله : [٣] ـ (وَما أَدْراكَ) وأيّ شيء أعلمك مبتدأ وخبر ، وكذا : (مَا الْحَاقَّةُ) لتعليق ادري عنه أي هي أعظم من أن يعلم كنهها.

[٤] ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) بالقيامة الّتي تقرع النّاس بأهوالها ، ووضعها موضع ضمير «الحاقّة» زيادة وصف هائل.

[٥] ـ (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) بالصّيحة أو الرّجفة المجاوزة للحدّ في الشّدّة.

[٦] ـ (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) شديدة الصّوت ، أو البرد (عاتِيَةٍ)

٣٥٧

عليهم لشدّة عصفها وامتناع ردّها ، أو على خزّانها فعجزوا عن ضبطها.

[٧] ـ (سَخَّرَها) سلّطها (عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) اوّلها صبح الأربعاء وهي ايّام العجوز لوقوعها عجز الشّتاء.

أو لأنّ عجوزا من عاد دخلت سربا فانتزعتها الرّيح فقتلتها (حُسُوماً) متتابعات ، جمع حاسم من حسم الدّاء : تابع علي الكي (١) حتى ينحسم ، أو قاطعات دابرهم ، (٢) أو كلّ خير بالاستئصال.

وقيل مصدر بمقدر صفة أي تحسمهم حسوما (٣) أو مفعول له (فَتَرَى الْقَوْمَ) لو حضرتهم (فِيها) في الليالي والأيّام (صَرْعى) ملقين هلكى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) اصول (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) نخرة ساقطة.

[٨] ـ (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) من بقاء ، مصدر ، أو نفس باقية.

[٩] ـ (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) ومن تقدّمه ، وكسر «أبو عمرو» : «القاف» وفتح «الباء» (٤) أي ومن عنده من اتباعه (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) قرى قوم لوط أي أهلها (بِالْخاطِئَةِ) بالخطإ أو الفعلات ذات الخطاء.

[١٠] ـ (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أي رسله (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) زائدة في الشّدّة.

[١١] ـ (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) جاوز حدّه المعتاد على قوم نوح أو على خزّانه (حَمَلْناكُمْ) في أصلاب آبائكم (فِي الْجارِيَةِ) سفينة نوح.

[١٢] ـ (لِنَجْعَلَها) أي الفعلة وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكفرة (لَكُمْ تَذْكِرَةً)

__________________

(١) الكيّ : الوسم.

(٢) الدابر : الأصل.

(٣) تفسير جوامع الجامع : ٥٠٦.

(٤) حجة القراءات : ٧١٨.

٣٥٨

عبرة (وَتَعِيَها) ولتحفظها (أُذُنٌ) وخفّفها «نافع» (١) (واعِيَةٌ) من شأنها حفظ ما تذكر به للعمل بموجبه.

روى الخاصّ والعامّ : انّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليّ عليه‌السلام لمّا نزلت : سألت الله أن يجعلها اذنك يا عليّ ، قال عليّ عليه‌السلام : فما نسيت شيئا بعد ذلك (٢) والتّوحيد والتّنكير للإيذان بقلّتها وعظم شأنها عند الله.

[١٣] ـ (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) هي الاولى أو الثّانية.

[١٤] ـ (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) رفعت من أماكنها (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) دقّت الجملتان بعضها ببعض دقة واحدة فصارتا هباء ، أو بسطتا بسطة واحدة فصارتا قاعا صفصفا.

[١٥] ـ (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) قامت القيامة ، و «اليوم» اسم لوقت متّسع يقع فيه النفختان وما يتعقّبهما.

[١٦] ـ (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) ضعيفة.

[١٧] ـ (وَالْمَلَكُ) وهذا الجنس (عَلى أَرْجائِها) جوانبها (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ) الضمير للملك على المعنى أو للثّمانية لتقدّمهم حكما (يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) من افراد الملائكة ، أو صفوفهم لا يعلم عددهم إلّا الله.

[١٨] ـ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) للحساب (لا تَخْفى) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء (٣) (مِنْكُمْ) من أحوالكم (خافِيَةٌ) على الله ، وليس الغرض ليطّلع عليها بل ليسرّ الأبرار ويفتضح الفجّار.

__________________

(١) حجة القراءات : ٣١٩.

(٢) للحديث مصادر كثيرة منها حلية الأولياء لأبي نعيم الإصفهاني ١ : ٦٧ ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ٢ : ٢٧٠ ، المناقب للخوارزمي : ٢٨٢ ، تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٤٥.

(٣) حجة القراءات : ٧١٨.

٣٥٩

[١٩] ـ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) تفصيل للمعروضين (فَيَقُولُ) ـ لقرابته ابتهاجا ـ : (هاؤُمُ) «هاء» بالمدّ ، اسم : خذ ، للواحد وهاؤم لجمعه ، وهاء بالكسر للواحدة وهاؤن لجمعها ، وهاؤما لمثّناهما ، وفيه لغات هذه أجودهما (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) تنازعه الفعلان ، فاعمل «اقرءوا» لقربه وحذف مفعول «هاؤم» ولو اعمل لاضمر في «اقرءوا» كما هو الأفصح و «الهاء» فيه وفي نظائره الآتية للسّكت.

[٢٠] ـ (إِنِّي ظَنَنْتُ) علمت (أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ).

[٢١] ـ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) منسوبة الى الرّضا بالصّيغة لا بالحرف أو جعل الرّضا لها مجازا وهو لصاحبها.

[٢٢] ـ (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) رفيعة المكان ، أو القصور والأشجار.

[٢٣] ـ (قُطُوفُها) ثمارها ، جمع قطف أي مقطوف والمصدر بالفتح (دانِيَةٌ) من المتناول ، فيقال لهم :

[٢٤] ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا) جمع للمعنى (هَنِيئاً) أكلا وشربا هنيئا ، أو طعاما وشرابا هنيئا (بِما أَسْلَفْتُمْ) قدّمتم من الخير (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) ايّام الدّنيا الماضية.

[٢٥] ـ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ) ـ حزنا ممّا فيه ـ : (يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ).

[٢٦] ـ (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ).

[٢٧] ـ (يا لَيْتَها) أي الموتة في الدّنيا (كانَتِ الْقاضِيَةَ) القاطعة لحياتي فلم ابعث ، أو ليت هذه الحالة كانت الموتة الّتي قضت علىّ ، تمنّى الموت حين رأى ما هو أشدّ منه.

[٢٨] ـ (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) نفي او استفهام انكار وحذف «حمزة» «الهاء» وصلا منه (١) ومن :

__________________

(١) حجة القراءات : ٧١٩.

٣٦٠