الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

سورة الإنشقاق

[٨٤]

ثلاث أو خمس وعشرون آية وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) انصدعت ، رووا عن «عليّ» عليه‌السلام : تنشق من المجرّة (١).

[٢] ـ (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) استمعت وانقادت لإرادته في الإنشقاق فعل المطيع المذعن للأمر (وَحُقَّتْ) جعلت حقيقة بذلك.

[٣] ـ (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) بسطت ، أو سوّيت أو زيد في سعتها بإزالة جبالها وبنائها.

[٤] ـ (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الموتى والكنوز (وَتَخَلَّتْ) خلت غاية الخلوّ عنه.

[٥] ـ (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) في ذلك (وَحُقَّتْ) للإذن وحذف جواب «إذا» تهويلا بالإبهام ، أو اكتفاء بما مرّ في السّورتين السّابقتين ، أو لدلالة ما بعده عليه أي لقى الإنسان عمله.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٤٨.

٤٤١

[٦] ـ (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) جاهد في عملك (إِلى رَبِّكَ) الى وقت لقائه وهو الموت (كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) أي ربّك أو كدحك أي جزائه.

[٧] ـ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) صحيفة عمله (بِيَمِينِهِ).

[٨] ـ (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) هو عرضه عليه بلا مناقشة.

[٩] ـ (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) في الجنّة (مَسْرُوراً) بما اوتى.

[١٠] ـ (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) قيل تغلّ يمناه الى عنقه ، وتجعل شماله وراء ظهره ويؤتى كتابه بها (١).

[١١] ـ (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) هلاكا ، إذا رأى ما فيه فيقول يا ثبوراه.

[١٢] ـ (وَيَصْلى) (٢) (سَعِيراً) بالتّشديد وضمّ «الياء» وخفّفه «عاصم» و «أبو عمرو» و «حمزة» مع فتح «الياء» (٣).

[١٣] ـ (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ) في الدنيا (مَسْرُوراً) ناعما بشهواته لا يهمّه امر الآخرة.

[١٤] ـ (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) لن يرجع الى ربّه.

[١٥] ـ (بَلى) يرجع إليه (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) عالما بأعماله فيجب أن يرجعه فيجازيه بها.

[١٦] ـ (فَلا أُقْسِمُ) فسّر (٤) (بِالشَّفَقِ) حمرة الأفق الغربيّ بعد غروب الشمس.

[١٧] ـ (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) ما جمعه وضمّه من الدّوابّ وغيرها. [١٨] ـ (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) اجتمع وتمّ.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٦١.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يصلى» بالتخفيف.

(٣) حجة القراءات : ٧٥٥.

(٤) فسّر مرارا ، انظر هامش سورة «كورت».

٤٤٢

[١٩] ـ (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) حالا بعد حال مطابقة لها في الشدّة ، وهي الموت ومواقف القيامة وأهوالها.

وعن «الصّادق» عليه‌السلام : لتركبنّ سنن من قبلكم ، (١) وقرأ «ابن كثير» و «حمزة» و «الكسائي» : «لتركبنّ» بفتح «الباء» (٢) خطابا للإنسان أو النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومعناه : لتركبنّ حالا شريفة ودرجة رفيعة بعد حال ودرجة أو طبقا من أطباق السّماء بعد طبق في المعراج.

[٢٠] ـ (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) تعجيب وانكار ، أي : أيّ عذر لهم في ترك الإيمان مع وضوح دلائله.

[٢١] ـ (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) سجود التّلاوة في مواضعه ، أو لا يصلّون أو لا يخضعون.

[٢٢] ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) بدلائل الإيمان.

[٢٣] ـ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) يجمعون في صدورهم من الكفر والبغض.

[٢٤] ـ (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تهكّم.

[٢٥] ـ (إِلَّا) لكن (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أو متّصل أي إلا من آمن منهم (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) مقطوع أو مكدّر بالمنّ.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٦٢.

(٢) حجة القراءات : ٧٥٦.

٤٤٣
٤٤٤

سورة البروج

[٨٥]

ثنتان وعشرون آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) هي الاثنى عشر ، شبّهت بالقصور العالية.

والبرج من التّبرّج أي الظّهور.

[٢] ـ (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) يوم القيامة.

[٣] ـ (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) يوم الجمعة ، يشهد بما عمل فيه ويوم عرفة يشهده الحجيج والملائكة ، أو كلّ يوم واهله.

أو «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويوم القيامة [بدلالة] ـ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) (١). (وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) (٢) أو كلّ نبيّ وامّته.

أو الخالق والخلق ، أو الحفظة والمكلّفين ، أو الجوارح والإنسان ، وجواب القسم :

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٥.

(٢) سورة هود : ١١ / ١٠٣.

٤٤٥

[٤] ـ (قُتِلَ) بتقدير لقد أو ما دلّ عليه ، كأنّه اقسم انّ كفّار مكّة ملعونون كما لعن (أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) الخدّ أي الشّقّ في الأرض.

روى انّ ملكا كان له ساحر فضمّ إليه غلاما ليعلّمه وكان في طريقه راهب فصبا إليه ، فمرّ يوما فرأى حيّة حبست النّاس ، فأخذ حجرا فقال : اللهم ان كان الرّاهب احبّ إليك من السّاحر فاقتلها ، فقتلها به ، فصار الغلام يبرئ من الأدواء ، وعمي جليس الملك فأبرأه فسأله الملك عمّن أبرأه؟ فقال ربّي ، فغضب ، فعذّبه فدلّ على الغلام فعذّبه فدلّ على الراهب فقدّه بالمنشار وامر برمي الغلام من جبل ، فدعا فرجف ، فسقطوا ونجا ، وحملوه بسفينة ليغرقوه ، فدعا فانكفأت فغرقوا ونجا ، فقال للملك : لست بقاتلي حتّى تجمع النّاس وتصلبني وتأخذ سهما وتقول : بسم الله ربّ الغلام فترميني فرماه فمات ، فآمن النّاس فأمر بأخاديد وأضرمت نارا ، فمن لم يرجع منهم قذفه فيها ، فأتت امرأة معها صبيّ فهابت فقال الصّبي : يا امّاه ، اصبري فإنّك على الحقّ فاقتحمت (١).

وعن «علي» عليه‌السلام : سكر ملك للمجوس فنكح أخته فصحا فخطب النّاس : انّ الله احلّ نكاح الاخت وامر بأخاديد النّار فقذف فيها من أبى (٢).

[٥] ـ (النَّارِ) بدل اشتمال من «الأخدود» (ذاتِ الْوَقُودِ) وصف يشعر بعظمة لهبها لكثرة ما توقد به.

[٦] ـ (إِذْ هُمْ عَلَيْها) على شفير النّار (قُعُودٌ).

[٧] ـ (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ) من طرحهم بالنّار (٣) ان لم يرجعوا عن الإيمان (شُهُودٌ) حضور أو يشهد بعضهم لبعض بامتثال أمر الملك أو تشهد جوارحهم يوم القيامة على ذلك.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٠.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٠.

(٣) كذا في النسخ. والصحيح : في النار.

٤٤٦

[٨] ـ (وَما نَقَمُوا) أنكروا (مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ) بقهره (الْحَمِيدِ) في أفعاله.

[٩] ـ (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو المستحقّ لأن يؤمن به (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فيعلم فعلهم ويجازيهم به.

[١٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) بلوهم بالعذاب (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) تأكيد له لتلازمهما ، أو أريد به الحريق في الدّنيا وبالفاتنين اصحاب الأخدود ، إذ روي انّ النّار خرجت إليهم فأحرقتهم ونجّى الله المؤمنين بقبض أرواحهم قبل وقوعهم فيها (١).

[١١] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) العظيم.

[١٢] ـ (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) اخذه بعنف (لَشَدِيدٌ) بليغ العنف.

[١٣] ـ (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ) الخلق أو البطش في الدّنيا (وَيُعِيدُ) ما أبداه في الآخرة.

[١٤] ـ (وَهُوَ الْغَفُورُ) للمؤمنين (الْوَدُودُ) المكرم لهم.

[١٥] ـ (ذُو الْعَرْشِ) خالقه ومالكه (الْمَجِيدُ) المتعالي بعظمة ذاته وكمال صفاته ، خبر رابع ، وجرّه «حمزة» و «الكسائي» (٢) صفة لل «عرش» علوّه وعظمته.

[١٦] ـ (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا يمتنع عليه مراده. [١٧] ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) ويبدل منهم :

[١٨] ـ (فِرْعَوْنَ) أي هو وقومه (وَثَمُودَ) وحديثهم انّهم اهلكوا بتكذيبهم للرّسل.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٠ تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٦٨.

(٢) حجة القراءات : ٧٥٧.

٤٤٧

وفيه تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتخويف لقومه بالتّلويح الى تكذيبهم ، ثمّ اضرب عنه الى التّصريح فقال :

[١٩] ـ (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) لما جئت به ولم يعتبروا بحال أولئك.

[٢٠] ـ (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) عالم بهم ، قادر عليهم قدرة المحيط على المحاط.

[٢١] ـ (بَلْ هُوَ) أي الّذي كذّبوا به (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) عظيم الشّأن ، عالى الرّتبة بالغ حدّ الإعجاز.

[٢٢] ـ (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) عن الشّياطين والتّغيير فيه ، ورفعه «نافع» (١) صفة لل «قرآن» أي محفوظ عن التّحريف.

واللوح قيل : هو درّة بيضاء طوله ما بين السّماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب (٢).

وقيل : هو شيء يلوح للملائكة فيعرفون به ما تلقى إليهم ، وكيف كان يجب التّصديق به وان لم نعلم كنهه (٣).

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٥٧.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٦٩ عن ابن عباس ومجاهد.

(٣) ينظر تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٦٩.

٤٤٨

سورة الطّارق

[٨٦]

سبع عشرة آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) أصله كلّ ما يأتي ليلا وأريد به الكوكب لظهوره ليلا.

[٢] ـ (وَما أَدْراكَ) مبتدأ وخبر (مَا الطَّارِقُ) مبتدأ وخبره في محلّ نصب ب «ادرى» المعلّق عنهما ، وفيه تعظيم لشأن الطّارق ويبيّنه :

[٣] ـ (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) المضيء لثقبه الظّلام أو الأفلاك بضوءه ، وأريد به الجنس أو «زحل» أو الثّريّا وجواب القسم :

[٤] ـ (إِنْ) هي المخفّفة أي انّ الشّأن (كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها) اللام فارقة و «ما» زائدة أي لعليها (حافِظٌ) ملك يحصي عملها ، أو يحفظ رزقها وأجلها حتّى تستوفيهما ، وقرأ «عاصم» و «ابن عامر» و «حمزة» : «لمّا» بالتّشديد (١) فهي بمعنى إلا و «ان» نافية.

[٥] ـ (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) نظر اعتبار في مبدئه (مِمَّ خُلِقَ) جوابه : [٦] ـ (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٥٨.

٤٤٩

ذي دفق أي صبّ ، يدفع من الزّوجين في الرّحم.

[٧] ـ (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) من الرّجل (وَالتَّرائِبِ) من المرأة وهي عظام الصّدر.

[٨] ـ (إِنَّهُ) أي الخالق لدلالة خلق عليه (عَلى رَجْعِهِ) اعادة الإنسان (لَقادِرٌ) فإذا اعتبر (١) مبدئه علم انّ القادر عليه قادر على إعادته.

[٩] ـ (يَوْمَ) ظرف «رجعه» (تُبْلَى السَّرائِرُ) تختبر وتظهر الضّمائر وخفايا الأعمال من خير وشرّ.

[١٠] ـ (فَما لَهُ) للإنسان (مِنْ قُوَّةٍ) يمتنع بها (وَلا ناصِرٍ) يمنعه.

[١١] ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) المطر لرجوعه حينا فحينا ، أو النّيّرات ترجع بعد مغيبها.

[١٢] ـ (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) الشّقّ بالنّبات والأنهار وجواب القسم :

[١٣] ـ (إِنَّهُ) أي القرآن (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) فاصل بين الحقّ والباطل. [١٤] ـ (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) باللعب بل هو الجدّ.

[١٥] ـ (إِنَّهُمْ) أي الكفّار (يَكِيدُونَ كَيْداً) يحتالون في إبطال أمرك.

[١٦] ـ (وَأَكِيدُ كَيْداً) اجازي كيدهم باستدراجهم من حيث لا يعلمون.

[١٧] ـ (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) انظرهم ولا تستعجل بهلاكهم (أَمْهِلْهُمْ) تأكيد للمعنى بتغيير اللفظ ويزيده تأكيدا : (رُوَيْداً) امهالا قليلا ، اجله يوم «بدر» أو يوم القيامة.

__________________

(١) في «ج» فإذا كان.

٤٥٠

سورة الأعلى

[٨٧]

تسع عشرة آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) نزّه اسمه عمّا لا يليق به من معاني اسماء المخلوقين وذكره لا على جهة التّعظيم ، أو نزّه ربّك ، والإسم مقحم.

أو قل : «سبحان ربّي الأعلى».

وروي انّه لما نزل (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (١) قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، فلمّا نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال : اجعلوها في سجودكم ، (٢) وامال «حمزة» و «الكسائي» أواخر آيها و «أبو عمرو» ذا الرّاء (٣).

[٢] ـ (الَّذِي خَلَقَ) كلّ شيء (فَسَوَّى) خلقه بجعله مستعدّا للكمال اللائق به.

__________________

(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٤٧ / ٩٦.

(٢) راجع تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٢.

(٣) اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦٠٣.

٤٥١

[٣] ـ (وَالَّذِي قَدَّرَ) لكلّ مخلوق ما يصلح له ، وخفّفه «الكسائي» (١) (فَهَدى) فدلّه على جلب النّفع ودفع الضّرر اختيارا أو طبعا.

[٤] ـ (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) أنبت الكلاء للنّعم.

[٥] ـ (فَجَعَلَهُ) بعد خضرته (غُثاءً) يابسا (أَحْوى) أسود ليبسه.

وقيل : هو حال من «المرعى» (٢) أي أخرجه اسود لشدّة خضرته.

[٦] ـ (سَنُقْرِئُكَ) القرآن بقراءة جبرئيل (فَلا تَنْسى) ما تقرأه ، وهذا اعجاز أيضا لكونه امّيّا ووقوعه كما اخبر اعجاز آخر.

[٧] ـ (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن تنساه بنسخ تلاوته أو أريد به التّبرّك ، أو القلّة بمعنى العدم لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينس شيئا منه (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) الظّاهر والباطن من أحوالكم ، فيعلم ما فيه صلاحكم من نسخ وإبقاء أو جهرك بقراءتك مع جبرئيل وما في نفسك من خوف النّسيان فلا تتعب بالجهر فإنّه يكفيك ما تخافه.

[٨] ـ (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) نوفّقك للطّريقة اليسرى ، وهي حفظ القرآن أو الشّريعة السّهلة.

[٩] ـ (فَذَكِّرْ) عظ بالقرآن (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) أي أو لم تنفع ، فحذف للعلم به ، أو اشترط ذلك في تكريره مع حصول اليأس من البعض أو قصد به ذمّهم بأنّ الذّكرى لا تنفعهم كقولك عظه ان اتّعظ ، أي لا يتّعظ.

[١٠] ـ (سَيَذَّكَّرُ) سيتّعظ بها (مَنْ يَخْشى) الله تعالى.

[١١] ـ (وَيَتَجَنَّبُهَا) أي الذّكرى (الْأَشْقَى) أي الكافر فإنّه أشقى من الفاسق أو بمعنى الشّقي.

[١٢] ـ (الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) نار جهنّم ، والسّفلى من أطباقها.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٥٨.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٧٥ وتفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٢.

٤٥٢

[١٣] ـ (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة هنيئة.

[١٤] ـ (قَدْ أَفْلَحَ) فاز (مَنْ تَزَكَّى) تطهّر من الشّرك والمعاصي أو أتى الزّكاة أو الفطرة.

[١٥] ـ (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ) بأن وحّده أو كبّر للتّحريم أو للعيد (فَصَلَّى) الصلاة الخمس أو صلاة العيد ، ولا ينافيه عدم كونها في مكّة لجواز سبق التّنزيل للحكم.

[١٦] ـ (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) على الآخرة عامّ ، بناء على الأغلب أو خاصّ بالاشقين على الالتفات وقرأ «أبو عمرو» بالياء (١).

[١٧] ـ (وَالْآخِرَةُ) الدّار الآخرة أي الجنّة (خَيْرٌ وَأَبْقى) من الدّنيا.

[١٨] ـ (إِنَّ هذا) المذكور من إفلاح من تزكّى وكون الآخرة خير (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) الكتب المنزلة قبل القرآن ويبدل منها :

[١٩] ـ (صُحُفِ إِبْراهِيمَ) قيل هي عشر (وَمُوسى) له التوراة.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٥٩.

٤٥٣
٤٥٤

سورة الغاشية

[٨٨]

ستّ وعشرون آية وهي مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) القيامة ، تغشى النّاس بأهوالها أو النّار تغشى وجوه الكفّار.

[٢] ـ (وُجُوهٌ) أريد بها وبالآتية الذوات (يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) ذليلة.

[٣] ـ (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) ذات نصب أي تعب في عملها في النّار كجرّ السّلاسل والأغلال ، أو في عملها في الدّنيا ما لا ينفعها ، يومئذ : [٤] ـ (تَصْلى ناراً) تدخلها ، وضمّ «أبو بكر» و «أبو عمرو» «التّاء» من الإصلاء (١) (حامِيَةً) شديدة الحرّ.

[٥] ـ (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) متناهية في الحرّ.

[٦] ـ (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) هو شوك بشع خبيث لا ترعاه دابّة إذا يبس ، أو شوك من نار يشبهه ، وهذا و «الزّقّوم» (٢)

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٥٩.

(٢) المذكور في سورة الصافات : ٣٧ / ٦٢ والدخان : ٤٤ / ٤٣ والواقعة : ٥٦ / ٥٢.

٤٥٥

و «الغسلين» (١) كلّ منها لناس أو في وقت.

[٧ ـ ٨] ـ (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) فهو ضارّ بلا نفع. [٨] ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) بهجة أو متنعّمة.

[٩] ـ (لِسَعْيِها) لعملها في الدّنيا (راضِيَةٌ) في الآخرة حين اثيبت عليه.

[١٠] ـ (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) محلّا وشأنا.

[١١] ـ (لا تَسْمَعُ) أنت أو الوجوه ، وضمّ «نافع» «التّاء» وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» بياء مضمومة (٢) (فِيها لاغِيَةً) لغوا أو نفسا أو كلمة ذات لغو.

[١٢] ـ (فِيها عَيْنٌ) أي عيون (جارِيَةٌ) حيث أرادوا.

[١٣] ـ (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) بنية ومحلّا وقدرا.

[١٤] ـ (وَأَكْوابٌ) أقداح لا عرى لها (مَوْضُوعَةٌ) بين أيديهم.

[١٥] ـ (وَنَمارِقُ) مساند جمع نمرقة (مَصْفُوفَةٌ) بعضها الى بعض.

[١٦] ـ (وَزَرابِيُ) بسط فاخرة ، جمع زريبة (مَبْثُوثَةٌ) مبسوطة.

[١٧] ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ) بتفكّر (إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) خلقة عظيمة تحمل الأثقال وتقطع القفار وتحتمل العطش وتقنع بأقلّ علف وتبرك للحمل وتنهض بالثّقل وتنقاد للصبىّ وينتفع بدرّها ووبرها وتؤكل.

ففيها دلائل جمّة على كمال القدرة والحكمة ، وقدّمت لكثرة منافعهم بها وشدّة ملابستهم لها.

[١٨] ـ (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) فجعلت بما فيها سببا للنّظام.

[١٩] ـ (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أوتادا للأرض وأسبابا لمنافع الخلق.

[٢٠] ـ (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) بسطت لمصالح لا يمكن التّعيّش

__________________

(١) المذكور في سورة الحاقة : ٦٩ / ٣٦.

(٢) حجة القراءات : ٧٦٠.

٤٥٦

بدونها ، ولا ينافي كرويّتها لما مرّ في البقرة (١).

[٢١] ـ (فَذَكِّرْ) بهذه الدّلائل وغيرها (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ).

[٢٢] ـ (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) وقرأ «هشام» بالسّين ، (٢) وعن «حمزة» بين الصّاد والزّاي (٣) بمتسلّط تقدر أن تجعلهم مؤمنين.

[٢٣] ـ (إِلَّا) لكن (مَنْ تَوَلَّى) عن الإيمان (وَكَفَرَ) بالله.

[٢٤] ـ (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) عذاب الآخرة ، وقيل : متّصل (٤) ويراد بالتّسليط القتال في المستقبل لا في الحال لأنّها مكّيّة ، فيكون وعيدا بعذابي الدّارين.

[٢٥] ـ (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) رجوعهم.

[٢٦] ـ (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) وتقديم الخبر للحصر.

__________________

(١) راجع تفسير الآية (٢٢) في سورة البقرة : في ذيل تفسير قوله تعالى : «فراشا».

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٣.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٧٢.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٣.

٤٥٧
٤٥٨

سورة الفجر

[٨٩]

تسع وعشرون أو ثلاثون أو ثنتان وثلاثون آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالْفَجْرِ) الصّبح أو صلاته (١) وقد يخصّ بفجر «عرفة» أو النّحر لقوله :

[٢] ـ (وَلَيالٍ عَشْرٍ) أي عشر ذي الحجة أو عشر رمضان الأخيرة ، ونكّرت تعظيما.

[٣] ـ (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) وكسر «حمزة» و «الكسائي» «الواو» لغتان (٢) أي الأشياء كلّها ، زوجها وفردها ، أو نفس العدد أو الخلق لقوله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) (٣) والخالق لأنّه فرد أو شفع الصّلوات ووترها ، أو يومي النّحر وعرفة ـ روي ذلك عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و «الصّادقين» عليهما‌السلام ـ (٤).

__________________

(١) في «ج» ضوءه.

(٢) حجة القراءات : ٧٦١.

(٣) سورة الذاريات ٥١ / ٤٩.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٨٥.

٤٥٩

[٤] ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) يمض ك «إذ أدبر» أو يسري فيه من مجاز الإسناد ، وحذف «الياء» اكتفاء بالكسرة ، وأثبتها «ابن كثير» مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (١).

[٥] ـ (هَلْ فِي ذلِكَ) القسم (قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) عقل سمّى به لأنّه يحجر عمّا لا يحسن كما انّه يعقل وجواب القسم مقدّر أي لتعذّبن بقرينة : [٦] ـ (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ).

[٧] ـ (إِرَمَ) عطف بيان ل «عاد» سمّيت القبيلة باسم جدّيها فإنّ عادا ابن عوض ابن ارم بن سام.

وقيل : هم عاد الاولى ، (٢) وقيل : اسم بلدهم (٣) فالتقدير أهل ارم ومنع صرفه للعلميّة والتّأنيث (ذاتِ الْعِمادِ) العمد أي كانوا بدويّين أو الأجسام الطّوال أو الشّرف والمنعة أو البناء الرّفيع.

قيل : كان لعاد ولدان شدّاد وشديد فملكا وقهرا ، فمات شديد فملك شدّاد وحده ودانت له الملوك ، فسمع وصف الجنّة فبنى (٤) على مثالها في ارض عدن سمّاها «ارم» فتمّت فسار إليها فلمّا قاربها مسيرة يوم بعث الله عليهم صيحة فهلكوا.

[٨] ـ (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) الضّمير ل «ارم» القبيلة أو المدينة.

[٩] ـ (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ) قطّعوه ونحتوه بيوتا ، جمع صخرة (بِالْوادِ) وادي القرى وأثبت «البزى» «الياء» مطلقا و «ورش» وصلا (٥).

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٦١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٨٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٨٦.

(٤) في «ج» فبنى له.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٧٤.

٤٦٠