الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

سورة الذّاريات

[٥١]

ستون آية وهي مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) الرّياح ، تذرو التراب وغيره ، وادغم «أبو عمرو» و «حمزة» «التاء» في «الذال» (١).

[٢] ـ (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) ثقلا ، السحب الحاملة للمطر.

[٣] ـ (فَالْجارِياتِ) السفن الجارية في البحر (يُسْراً) مصدر وقع حالا أي ميسرة ، أو صفة مصدر محذوف أي جريا ذا يسر وسهولة.

[٤] ـ (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الملائكة المقسّمة للأمطار والأرزاق وغيرها.

وقيل : الأربعة للرّياح فإنّها تذرو التراب وتحمل السحاب وتجري من المهابّ وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.

[٥] ـ (إِنَّما تُوعَدُونَ) من البعث وغيره ، و «ما» موصولة أو مصدرية (لَصادِقٌ) لا خلف فيه.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ١ : ١٤٩.

٢٤١

[٦] ـ (وَإِنَّ الدِّينَ) الجزاء (لَواقِعٌ) لكائن.

[٧] ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) ذات الطرق ، أو النجوم المزينة لها ، جمع حبيك أو حباك.

[٨] ـ (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) في الرّسول والقرآن ، إذ قلتم ساحر ، شاعر ، مجنون ، سحر ، شعر ، كهانة.

[٩ ـ ١٠] ـ (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) يصرف عن الرسول أو القرآن أي عن الإيمان به من صرف عن الخير كلّه بسوء اختياره ، أو الهاء لل «قول» أي يصدر صرف من صرف عن القول المختلف وبسببه : ـ [١٠] ـ (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) لعن الكذابون ، أهل القول المختلف أو ما يعمّهم وغيرهم.

[١١] ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) جهل يغمرهم (ساهُونَ) عمّا يجب عليهم.

[١٢ ـ ١٣] ـ (يَسْئَلُونَ) ـ استهزاء ـ : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) وقت الجزاء ، أي : متى وقوعه؟ وجوابهم يقع ذلك : [١٣] ـ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يعذّبون ، ويجوز كون «يوم» خبر محذوف وفتح لإضافته الى جملة مقولا لهم

[١٤] ـ (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) عذابكم (هذَا) العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) في الدنيا تكذيبا.

[١٥] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).

[١٦] ـ (آخِذِينَ) حال من الضمير في الخبر (١) (ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من الثواب (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) أي استحقوا ذلك بإحسانهم في الدنيا ويفسره :

[١٧] ـ (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) «ما» زائدة أي كانوا ينامون في قليل من الليل أو نوما قليلا ، أو مصدرية أو موصولة أي كانوا في قليل من اللّيل هجوعهم ، أو الذي يهجعون فيه ، وليست نافية لعمل ما بعدها فيما قبلها ، والمعنى انّهم يحيون

__________________

(١) اي جملة «في جنات وعيون».

٢٤٢

أكثر الليل متهجدين.

[١٨] ـ (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) مع ذلك ، كأنّهم باتوا في معصية.

[١٩] ـ (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) ألزموه أنفسهم ممّا فرضه الله وغيره شفقة على خلقه لوجهه (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) الذي يحسب غنيا فيحرم الصدقة لتعففه.

[٢٠] ـ (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) دلائل من بسطها وسكونها واختلاف بقاعها في الخواصّ ، وما فيها من المواليد الثلاثة وغيرها تدلّ على قدرة خالقها ووحدته وعلمه ورحمته (لِلْمُوقِنِينَ) فإنهم المنتفعون بذلك.

[٢١] ـ (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) آيات أيضا إذ في الإنسان ما في العالم مع ما خصّ به من الأمور العجيبة والتصرفات الغريبة ، والأحوال المختلفة من مبدأ خلقه الى منتهاه (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ذلك معتبرين به.

[٢٢] ـ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) تقدير رزقكم أو سببه وهو المطر (وَما تُوعَدُونَ) من الثواب والعقاب فإنّه مكتوب فيها ، أو من الجنّة فإنّها في السّماء.

[٢٣] ـ (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ) أي ما ذكر من امر الآيات والرزق والوعد (لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي مثل نطقكم عندكم ، في حقّيّة صدوره عنكم ونصب «مثل» حالا من الضمير في «لحقّ» أو صفة مصدر مقدّر أي انّه لحقّ حقّا مثل نطقكم ، أو بني على الفتح لإضافته الى مبنيّ وهو ما ان كانت موصوفة أو انّ بجملتها ان كانت زائدة ومحلّه الرفع بكونه صفة «حقّ» كقراءة «ابي بكر» و «حمزة» و «الكسائي» بالرّفع (١).

[٢٤] ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) الملائكة : جبرائيل وميكائيل واسرافيل.

وعن الصّادق عليه‌السلام : رابعهم كروبيل ، وقيل : اكثر ، والضّيف للواحد

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٧٩.

٢٤٣

والمتعدد وسمّوا ضيفا لدخولهم مدخل الضيف (الْمُكْرَمِينَ) عند الله أو بخدمة ابراهيم لهم بنفسه.

[٢٥] ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) ظرف ل «حديث» أو «ضيف» (فَقالُوا سَلاماً) سلّمنا سلاما (قالَ سَلامٌ) أي عليكم ، حيّاهم بالأحسن لاسميّة الجملة ، وفيه قراءات ذكرت في «هود» (١) (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي أنتم أو هؤلاء قوم لا نعرفهم ظنّهم انسا.

[٢٦] ـ (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) ذهب إليهم في خفيّة من ضيفه كيلا يمنعوه من الضيافة (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) وكان مشويا لقوله في «هود» : (حَنِيذٍ) (٢).

[٢٧] ـ (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) والهمزة للعرض أو الإنكار.

[٢٨] ـ (فَأَوْجَسَ) أضمر (مِنْهُمْ خِيفَةً) ان يريدوه بسوء لإعراضهم عن طعامه (قالُوا لا تَخَفْ) انّا رسل الله (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) إذا بلغ وهو «إسحاق».

[٢٩] ـ (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) سارة (فِي صَرَّةٍ) صيحة ، حال أي أقبلت صائحة (فَصَكَّتْ وَجْهَها) لطمته تعجّبا (وَقالَتْ عَجُوزٌ) أي أنا عجوز بنت تسع وتسعين (عَقِيمٌ) عاقر فكيف الد؟.

[٣٠] ـ (قالُوا كَذلِكَ) أي كما قلنا في البشارة (قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في صنعه (الْعَلِيمُ) بخلقه.

[٣١] ـ (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) شأنكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).

[٣٢] ـ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي قوم «لوط».

[٣٣] ـ (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) متحجّر وهو السّجيل.

[٣٤] ـ (مُسَوَّمَةً) معلمة للعذاب ، أو باسم من يرمي بها (عِنْدَ رَبِّكَ) في قدرته (لِلْمُسْرِفِينَ) المتعدّين حدود الله.

__________________

(١) سورة هود : ١١ / ٩٦.

(٢) سورة هود : ١١ / ٦٩.

٢٤٤

[٣٥] ـ (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) في قرى قوم «لوط» (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ليسلموا من العذاب.

[٣٦] ـ (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ) غير أهل بيت (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) وهم «لوط» وابنتاه ، ولا يدلّ على اتّحاد الإيمان والإسلام لصدق العامّ والخاصّ على ذات واحدة.

[٣٧] ـ (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) علامة ، هي الحجارة أو غيرها (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فيعتبرون بها.

[٣٨] ـ (وَفِي مُوسى) عطف على (وَفِي الْأَرْضِ) (١) أو «فيها» أي تركنا في قصّة موسى آية باقية (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ببرهان بيّن.

[٣٩] ـ (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أعرض بجانبه أو مع جنوده الذين هم كالركن له لتقوّيه بهم (وَقالَ ساحِرٌ) أي هو ساحر (أَوْ مَجْنُونٌ) جهلا أو تلبيسا.

[٤٠] ـ (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) فطرحناهم في البحر (وَهُوَ مُلِيمٌ) آت بما لام عليه من الكفر والعتوّ.

[٤١] ـ (وَفِي عادٍ) آية أيضا (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) هي ريح لا خير فيها من إنشاء مطر أو القاح شجر وهي الدّبور.

[٤٢] ـ (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ) مرّت (عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) كالبالي المتفتت.

[٤٣] ـ (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) تفسيره آية : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٢).

[٤٤] ـ (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) فثبتوا على تكبّرهم عن امتثاله (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)

__________________

(١) الآية (٢٠) من هذه السورة.

(٢) سورة هود : ١١ / ٦٥.

٢٤٥

الهلاك بعد الثلاثة ، وقرأ «الكسائي» الصّعقة (١) (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) يعاينونها نهارا.

[٤٥] ـ (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي جثموا فلم ينهضوا (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ممتنعين منها.

[٤٦] ـ (وَقَوْمَ نُوحٍ) مقدّر باذكر ، أو وأهلكنا بقرينة ما قبله ، وجرّه «أبو عمرو» و «حمزة» و «الكسائي» (٢) عطفا على «ثمود» (مِنْ قَبْلُ) قبل المذكورين (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) خارجين عن القصد بكفرهم.

[٤٧] ـ (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) بقوّة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) لقادرون ، [من] ـ أوسع الرّجل : صار ذا سعة وقوّة ، والموسعون : السماء أو الرزق.

[٤٨] ـ (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) مهدناها وبسطناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) نحن.

[٤٩] ـ (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) صنفين كالذّكر والأنثى ، والسماء والأرض ، والشمس والقمر وغيرها (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بحذف احدى التائين ، فتعلمون انّ خالق الأزواج فرد أحد لا يشبهه شيء.

[٥٠] ـ (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) التجأوا إليه من عقابه بالإيمان والطّاعة (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) للإنذار أو أبينه بالمعجزات.

[٥١] ـ (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) كرّر تأكيدا.

[٥٢] ـ (كَذلِكَ) أي الأمر مثل تكذيبهم للرّسول وقولهم له : (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٣) ويفسره : (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) فيه تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٠.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٠.

(٣) سورة الذاريات : ٥١ / ٣٩.

٢٤٦

[٥٣] ـ (أَتَواصَوْا بِهِ) بهذا القول استفهام بمعنى النفي (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) أي لم يجمعهم عليه التواصي لتباعد أزمنتهم بل جمعهم طغيانهم.

[٥٤] ـ (فَتَوَلَ) فأعرض (عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) على اعراضك بعد بذل الجهد في تبليغهم.

[٥٥] ـ (وَذَكِّرْ) وعظ مع ذلك (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) من علم الله أنّه يؤمن ، ومن آمن بزيادة إيمانه.

[٥٦] ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) صريح في انّه تعالى يفعل لغرض كما دلّ عليه العقل ، وانّه هنا العبادة فما ينافيه ظاهرا كآية : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) (١) أحقّ بالتّأويل.

[٥٧] ـ (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) أي ما أريد لأربح عليهم بل ليربحوا عليّ بخلاف السّادة مع عبيدهم فليشتغلوا بما خلقوا له.

[٥٨] ـ (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لخلقه ، الغنىّ عنهم (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الشديد.

[٥٩] ـ (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالكفر والمعاصي (ذَنُوباً) نصيبا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) مثل نصيب نظرائهم المهلكين ، أخذ من مقاسمة الماء بالذّنوب وهو الدّلو العظيمة (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بالعذاب فإنّهم لا يفوتون.

[٦٠] ـ (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٧٩.

٢٤٧
٢٤٨

سورة الطور

[٥٢]

ثمان أو تسع وأربعون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالطُّورِ) وهو الجبل الّذي كلّم الله عليه موسى عليه‌السلام.

[٢] ـ (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) مكتوب ، هو القرآن أو التوراة ، أو ما كتب في اللوح المحفوظ ، أو صحائف الأعمال.

[٣] ـ (فِي رَقٍ) هو ما يكتب فيه الكتاب ، وأصله الجلد الّذي يكتب فيه (مَنْشُورٍ).

[٤] ـ (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) هو الصّراح في السّماء الرّابعة ، عمّر بكثرة زوّاره من الملائكة وتعبدهم فيه.

أو الكعبة عمرت بالحجاج.

[٥] ـ (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) أي السماء.

[٦] ـ (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) المملوّ ، أو الموقد.

٢٤٩

روي (١) انّ البحار في القيامة تجعل نارا تسجر بها جهنّم كقوله (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (٢).

[٧ ـ ٨] ـ (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) لا محالة. (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) يدفعه.

[٩] ـ (يَوْمَ) ظرف «دافع» (تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) تتحرك وتضطرب.

[١٠] ـ (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) عن مقارها ، فتصير هباء.

[١١] ـ (فَوَيْلٌ) أي إذا كان ذلك فويل (يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) للرّسل.

[١٢] ـ (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) في شغل باطل يلهون.

[١٣] ـ (يَوْمَ) بدل من «يوم تمور» (يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) يدفعون إليها بعنف ، مغلولة أيديهم الى أعناقهم مجموعة نواصيهم الى اقدامهم ، ويقال لهم توبيخا : [١٤] ـ (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).

[١٥] ـ (أَفَسِحْرٌ هذا) الّذي تعاينونه ، كما كنتم تقولون للوحي المخبر به انّه سحر (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) هذا أيضا كما كنتم لا تبصرون دلائله في الدّنيا.

[١٦] ـ (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) صبركم وعدمه (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) في عدم النّفع (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي جزاؤه الواجب الوقوع ، فلا ينفعكم صبر ولا جزع.

[١٧] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) التّنكير للتّعظيم.

[١٨] ـ (فاكِهِينَ) متلذّذين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) عطف على متعلق في «جنات» أو حال من الضمير فيه ، أو في «فاكهين» أو عطف على «اتى» بجعل «ما» مصدرية ويقال لهم :

[١٩] ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) أي أكلا وشربا هنيئا ، أو طعاما وشرابا هنيئا غير

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ١٦٩.

(٢) سورة التكوير : ٨١ / ٦.

٢٥٠

منغّص (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بسببه أو مقابله.

[٢٠] ـ (مُتَّكِئِينَ) حال ك «فاكهين» (عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) مصطفّة (وَزَوَّجْناهُمْ) عطف على متعلّق «في جنّات» (بِحُورٍ عِينٍ) بأزواج بيض ، عظام العيون ، حسانها.

[٢١] ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا) مبتدأ خبره : (أَلْحَقْنا بِهِمْ) أو عطف على «حور» أي قرناهم بحور ورفقاء مؤمنين (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) بسبب ايمان عظيم وهو ايمان الآباء وكبار الذّريّة ، وقرأ «ابن عامر» «ذرّياتهم» و «أبو عمرو» «واتبعناهم ذرّيّاتهم» (١) أي جعلناهم تابعين لهم بسبب الإيمان (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) في درجاتهم في الجنّة وان كانوا دونهم كرامة للآباء باجتماع أولادهم بهم.

وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «أبو عمرو» ذرّيّاتهم (٢) (وَما أَلَتْناهُمْ) ـ وكسر «ابن كثير» اللام ـ (٣) ما نقصناهم (مِنْ عَمَلِهِمْ) من ثوابه (مِنْ شَيْءٍ) بإعطاء الأبناء بل أعطينا الأبناء تفضّلا منّا (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ) عمل (رَهِينٌ) مرهون ، فإن عمل خيرا فك نفسه وإلا أوبقها.

[٢٢] ـ (وَأَمْدَدْناهُمْ) زدناهم وقتا بعد وقت (بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) من أنواعهما.

[٢٣] ـ (يَتَنازَعُونَ) يتعاطون بينهم (فِيها) في الجنّة (كَأْساً) خمرا ، سميت باسم محلّها (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) لا يتحدّثون بباطل بسبب شربها ، ولا يفعلون ما يؤثمون بخلاف خمر الدّنيا ، وفتحهما «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٤).

[٢٤] ـ (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) للخدمة (غِلْمانٌ) مماليك (لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) في

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨١.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٢.

(٣) حجة القراءات : ٦٨٢.

(٤) حجة القراءات : ٦٨٣.

٢٥١

الحسن والصّفاء (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) مصون في الصّدف.

[٢٥] ـ (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) عن أحوالهم ، تحدّثا بنعمة ربّهم وتلذّذا بذكرها.

[٢٦] ـ (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا) في الدّنيا (مُشْفِقِينَ) خائفين من عذاب الله.

[٢٧] ـ (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي النّار النافذة في المسامّ.

[٢٨] ـ (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ) نعبده أو نسأله فضله (إِنَّهُ) وفتحها «نافع» و «الكسائي» (١) (هُوَ الْبَرُّ) المحسن الصّادق في وعده (الرَّحِيمُ) البليغ الرّحمة.

[٢٩] ـ (فَذَكِّرْ) فأثبت على التذكير ولا تبال بقولهم (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بسبب انعامه عليك (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) كما يزعمون.

[٣٠] ـ (أَمْ) بل أ(يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) ما يقلق من حوادث الدّهر ، فيهلك كما هلك الشعراء.

[٣١] ـ (قُلْ تَرَبَّصُوا) هلاكي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) هلاككم.

[٣٢] ـ (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) عقولهم (بِهذا) القول المتنافي ، إذ الكاهن ذو فطنة والمجنون مغطّى عقله ، والشّاعر ذو كلام موزون مخيّل ، وتنافيها ظاهر ، وفيه توبيخ وتهكّم (أَمْ) بل أ(هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) بعنادهم.

[٣٣] ـ (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) اختلق القرآن (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) عنادا.

[٣٤] ـ (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في قولهم «تقوّله».

[٣٥] ـ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) من غير خالق (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أنفسهم.

[٣٦] ـ (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) المخلوقين قبل خلقهم ولا يعقل اثر

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٣.

٢٥٢

بلا مؤثّر ولا تأثير معدوم في نفسه أو غيره مع اعترافهم بأنّ خالق الكل هو الله (بَلْ لا يُوقِنُونَ) بذلك وإلا لوحّدوه واطاعوا رسوله.

[٣٧] ـ (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) خزائن فضله وعلمه فيختارون للنّبوّة من شاؤوا (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) (١) المتسلطون على العالم ، يدبّرونه حسب مشيّتهم.

وقرأ «قنبل» و «حفص» في رواية و «هشام» بالسين.

وعن «حمزة» إشمام الزّاي (٢).

[٣٨] ـ (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) مرقى الى السّماء (يَسْتَمِعُونَ) الوحي (فِيهِ) أي عليه فيعلمون ما هو الحقّ (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) مدّعي الاستماع (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) بحجة بيّنة على دعواه.

[٣٩] ـ (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) بزعمكم انّ الملائكة بنات الله (وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وهذا تسفيه لهم إذ جعلوا له ولدا ، وخصوّه بأخسّ صنفيه ، وخصّوا أنفسهم بأشرفهما.

[٤٠] ـ (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على التبليغ (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) غرم لك (مُثْقَلُونَ) أثقلهم ذلك فلا يؤمنون.

[٤١] ـ (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي علمه المختص بالله (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) ذلك ، فيعلمون عواقب الأمور.

[٤٢] ـ (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) بك ، بتدبيرهم في دار الندوة (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) المغلوبون العائد عليهم وبال الكيد ، فقتلوا ببدر ، والموصول للعهد وضع موضع الضّمير تسجيلا بكفرهم أو للجنس فيشملهم.

[٤٣] ـ (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) يمنعهم منه (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) به من الآلهة والاستفهام ب «أم» في الكلّ للإنكار والتقريع.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «مسيطرون» بالسين ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٩٢.

٢٥٣

[٤٤] ـ (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) قطعة عذاب (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) عليهم كما قالوا :

(فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (١) (يَقُولُوا) ـ عنادا ـ : هذا (سَحابٌ مَرْكُومٌ) بعضه فوق بعض.

[٤٥] ـ (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) يموتون ، وهو عند النّفخة الاولى ، وبناه «عاصم» و «ابن عامر» للمفعول (٢).

[٤٦] ـ (يَوْمَ) بدل من «يومهم» (لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) من الغنى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يمنعون من العذاب.

[٤٧] ـ (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) للعهد أو للجنس (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) قبل عذاب القيامة في القبر أو الدنيا كقتل «بدر» والقحط (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) نزوله بهم.

[٤٨] ـ (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بإمهالهم واحتمل أذاهم (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) بمرأى منّا نراك ونكلؤك ، والجمع للمبالغة والتعظيم (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) من مجلسك أو منامك.

[٤٩] ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ) بعضه (فَسَبِّحْهُ) أيضا (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) حين تدبر أي تخفى بضوء الصّبح أو تقرب.

أو ومن الليل فصّل صلاته أو العشاءين وحين تدبر النجوم صلّ ركعتي الفجر أو الصبح.

__________________

(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١٨٧.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٤.

٢٥٤

سورة النجم

[٥٣]

اثنتان وستون آية مكية إلا آية (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ ...)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) الثّريّا ، أو جنس نجوم السّماء إذا غرب ، أو انتثر في القيامة ، أو انقضّ ، أو نجوم القرآن إذا نزل ، أو النّبات إذا سقط على الأرض ، وقرئ أواخر الآي بالامالة وبالفتح وبين بين (١).

[٢] ـ (ما ضَلَ) ما عدل (صاحِبُكُمْ) «محمّد» عن طريق الحق (وَما غَوى) ما خاب عن اصابة الرّشد.

[٣] ـ (وَما يَنْطِقُ) بما يؤدّيه إليكم (عَنِ الْهَوى) عن التشهّي.

[٤] ـ (إِنْ هُوَ) ما الّذي ينطق به (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) إليه من الله و «يوحى» لدفع التجوّز إذ يقال للصادق : وحي ، ويفيد نفي اجتهاده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٥] ـ (عَلَّمَهُ) ايّاه ملك (شَدِيدُ الْقُوى) جمع قوة وهو جبرائيل ، ومن قوّته انّه قلع قرى قوم لوط ورفعها وقلبها وصاح بثمود فماتوا.

__________________

(١) ينظر تفسير مجمع البيان ٥ : ١٧١.

٢٥٥

[٦] ـ (ذُو مِرَّةٍ) قوة عقليّة أو جسمية ، فيراد بالأولى العقليّة (فَاسْتَوى) استقام على صورته الحقيقية.

[٧] ـ (وَهُوَ) أي جبرئيل (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) الشرقيّ.

[٨] ـ (ثُمَّ دَنا) من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَتَدَلَّى) فنزل إليه.

وقيل فيه تقديم وتأخير أي تعلّق عليه ثم دنا منه.

[٩] ـ (فَكانَ) منه (قابَ) مقدار (قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) في تقديركم.

[١٠] ـ (فَأَوْحى) جبرائيل ، أو الله على لسانه (إِلى عَبْدِهِ) عبد الله «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ما أَوْحى) جبرئيل عليه‌السلام ، أو الله إليه أو الى جبرئيل ، وفيه تفخيم للموحى به.

[١١] ـ (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) أي فيما رأى ببصره من صورة جبرئيل بأن خيّل له ما لا حقيقة له ، أو ما أنكر فؤاده ما رآه ببصره لأنّه عرفه ، فلو أنكره لكذب ، وشدّده «هشام» أي صدّقه ولم يشكّ فيه (١).

[١٢] ـ (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) تجادلونه عليه ، من المراء : المجادلة ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» : «أفتمرونه» أي أفتجحدونه ، من مراه حقه : جحده (٢).

و «على» لتضمّن الجدال والجحود معنى الغلبة.

[١٣] ـ (وَلَقَدْ رَآهُ) رأى جبرئيل على صورته (نَزْلَةً أُخْرى) نصبت ظرفا لقيامها مقام المرّة ، وعبّر بها اشعارا بأنّ الرّؤية في هذه المرّة كانت أيضا بنزول.

أو مصدرا أي رآه نازلا نزلة اخرى ، ولمّا جادلوه في رؤيته وهو في الأرض أنكر عليهم وذكر انّه رآه أيضا في السّماء حين عرج فلا مجال للجدال.

[١٤] ـ (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) هي شجرة فوق السّماء السّابعة عن يمين العرش ، ينتهى إليها علم كل ملك أو ما ينزل من فوقها ويعرج من تحتها.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٥.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٥.

٢٥٦

[١٥] ـ (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) الجنة التي يأوي إليها المتّقون أو أرواح الشهداء.

[١٦] ـ (إِذْ) أي رآه حين (يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) من النّور والبهاء ، أو الملائكة يسبّحون الله عندها أو الإبهام للتّعظيم والتكثير.

[١٧] ـ (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) ما مال بصر النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المقصود وما جاوز الحدّ المحدود.

[١٨] ـ (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) أي بعض آياته العظام من عجائب الملكوت ، أو صورة جبرئيل عليه‌السلام أو رأى الآية الكبرى من آياته.

[١٩] ـ (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى).

[٢٠] ـ (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ) للمذكورتين قبلها (الْأُخْرى) صفة ذمّ أي المتأخّرة الوضعيّة وهي أصنام كانت لهم ، فاللات صنم ل «ثقيف» فعله من لوى إذ كانوا يلوون عليها أي يطوفون.

والعزّى سمرة ل «غطفان» كانوا يعبدونها ، تأنيث الأعزّ.

و «مناة» صخرة ل «هذيل» و «خزاعة» كانت دماء النّسائك تمنى عندها أي تراق.

ومدّها «ابن كثير» بهمز مفعلة (١) من النّوء كأنّهم يستمطرون الأنواء بها ، والمعنى اخبروني لهذه الأصنام قدرة ما؟ فتعبدونها من دون الله القادر على ما ذكر.

[٢١] ـ (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) انكار لزعمهم انّ الملائكة بنات الله وهذه الأصنام هياكل الملائكة.

[٢٢] ـ (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) جائرة ، إذ جعلتم له ما تكرهون ، من ضازه : جار عليه ، وأصلها بالضّمّ لعدم مجيء فعلي بالكسر وصفا لكنّها كسرت لتسلم الياء وهمزها «ابن كثير» (٢) من ضازه : ظلمه ، فهي مصدر وصف به.

[٢٣] ـ (إِنْ هِيَ) ما الأصنام باعتبار الألوهية ، أو ما الصّفة التي تصفونها بها من

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٥.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٥.

٢٥٧

كونها آلهة وشفعاء وبناتا ، أو ما اسماؤها المذكورة (إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) سميتم بها (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) تشهيا (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) برهان تتمسكون به (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) الناشئ من التقليد والتوهّم الباطل (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) وما تشتهيه أنفسهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) الرسول أو القرآن فرفضوه.

[٢٤] ـ (أَمْ لِلْإِنْسانِ) «أم» منقطعة تضمنت إنكارا أي ليس لكلّ انسان منهم (ما تَمَنَّى) من شفاعة الأصنام ، وانّ لهم الحسنى لو بعثوا ، وكون النبوة لأشرافهم دون «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢٥] ـ (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) فهو المعطي والمانع ، ولا حكم لأحد عليه.

[٢٦] ـ (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) وكثير من الملائكة مع شرفهم وسموّ (١) محلهم (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) لهم أن يشفعوا (لِمَنْ يَشاءُ) من عباده (وَيَرْضى) عنه لقوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢) فكيف تشفع الجمادات لعبدتها.

[٢٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ) أي كل فرد منهم (تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) أي بنتا لقولهم هم (٣) بنات الله.

[٢٨] ـ (وَما لَهُمْ بِهِ) بهذا القول (مِنْ عِلْمٍ إِنْ) ما (يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) فإنّ الحق كالمعارف الحقيقية انّما يحصل بالعلم دون الظّنّ والتّخمين.

[٢٩] ـ (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) أي لا تهتم بشأنه فإنّ من اعرض عن ذكر الله واقبل على حظوظ الدنيا حقيق بالإعراض عنه.

__________________

(١) في «ج» علوّ.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٨.

(٣) كلمة «هم» غير موجودة في «ج».

٢٥٨

[٣٠] ـ (ذلِكَ) أي طلب التمتع بالدنيا (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) منتهى علمهم ، فلا اهتمام لهم إلا بالدنيا (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) فيجازي كلا بما يستحقّه.

[٣١] ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) تعليل لما دلّ عليه ما قبله أي خلق الملكوت ليجزي المسيئين بجزاء عملهم السّيّئ أو بسببه (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) بالمثوبة الحسنى أي الجنّة ، أو بسبب أعمالهم الحسنى.

[٣٢] ـ (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) فسرت «الكبائر» في النساء (١) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «كبير الإثم» (٢) و «الّذين» منصوب صفة أو مدح أو مرفوع خبر محذوف (وَالْفَواحِشَ) ما تزايد قبحه من الكبائر (إِلَّا اللَّمَمَ) وهو الصّغائر ، والاستثناء منقطع أي لكنّ اللّمم يغفر لمجتنبي الكبائر (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) فيغفر ما دون الشرك لمن يشاء (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) بأحوالكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) حين ابتدأ خلقكم بخلق آدم (مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) جمع جنين (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) في الأرحام (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فلا تمدحوها إعجابا أو رئاء (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) بمن أطاع وأخلص العمل.

[٣٣] ـ (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) عن الحق.

[٣٤] ـ (وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) وقطع العطاء ، يقال أكدى حافر البئر : إذا بلغ الكدية وهي صخرة تمنعه عن الحفر.

نزلت في عثمان تولى وفرّ بأحد وكان ينفق ، فلامه أخوه لأمه عبد الله بن ابي سرح فقال : أرجو بذلك أن يغفر الله ذنوبي ، فقال اعطني ناقتك برحلها وانا اتحمّل

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٣١.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٦.

٢٥٩

ذنوبك ، فأعطاه وامسك عن النفقة (١).

وقيل : في الوليد بن المغيرة ، كان يتبع النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعيّره بعضهم ، فقال أخشى العذاب ، فضمن له ان يتحمله عنه ان أعطاه مالا ، فارتدّ وأعطاه بعضه ومنعه الباقي (٢).

[٣٥] ـ (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) يعلم انّ غيره يتحمل عنه.

[٣٦] ـ (أَمْ) بل أ(لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أسفار التوراة.

[٣٧] ـ (وَإِبْراهِيمَ) أي وصحف ابراهيم ، وقدّم «صحف موسى» لشهرتها أو ليرتّب على ابراهيم (الَّذِي وَفَّى) اتمّ ما امر به كقوله (فَأَتَمَّهُنَ) (٣) ومن ذلك صبره على ذبح ولده ونار نمرود حتى قال لجبرئيل ما قال حين القى فيها ، وطلبه للاضياف وخدمتهم بنفسه.

[٣٨] ـ (أَلَّا) هي المخفّفة وهي بجملتها بدل من «ما في صحف موسى» أو خبر محذوف كأنّه قيل ما في صحفهما ، فقيل أن (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي لا تحمل نفس ذنب غيرها ولا ينافيه انّ : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً) ... (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ) (٤) وسانّ السّيّئة عليه وزرها ووزر من عمل بها لأنّ ذلك لما فعل من التسبب.

[٣٩] ـ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) إلّا ثواب سعيه أي لا يثاب بفعل غيره وما ورد من نفع الميّت بعمل غيره له فلابتنائه على سعيه وهو إيمانه فالعامل له كالنّائب عنه.

[٤٠] ـ (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) في الآخرة ، والرّائي هو أو الأعمّ منه.

[٤١] ـ (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) التام ، والهاء ل «سعيه» ونصب «الجزاء»

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٤ : ٤٢٧.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ١٧٤.

(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٢٤.

(٤) سورة المائدة : ٥ / ٣٢.

٢٦٠