الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

مصدر أو بنزع «الباء» أو لمصدر يجزي والجزاء بدله.

[٤٢] ـ (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) انتهاء الخلق ومصيرهم ، أو الكلام ، إذا بلغ الكلام الى الله فأمسكوا.

[٤٣] ـ (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) فعل سبب الضحك والبكاء أو أقدر عليهما.

[٤٤] ـ (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) بخلقه الموت والحياة ولا قدرة لغيره عليهما.

[٤٥] ـ (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى).

[٤٦] ـ (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) تصبّ في الرّحم.

[٤٧] ـ (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) الخلقة الثانية ، للبعث لعدله والوفاء بوعده ، ومدّ «النشأة» «ابن كثير» و «ابو عمرو» (١).

[٤٨] ـ (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) بالكفاية بالأموال (وَأَقْنى) أعطى القنية وهي المال المتأثّل.

[٤٩] ـ (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) أي العبور ، عبدها «خزاعة» و «أبو كبشة» احد أجداد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل امّهاته ، وكانت «قريش» يسمّون النّبيّ (ص) «ابن ابي كبشة» لمخالفته لهم في دينه كما خالفهم «أبو كبشة» في عبادة الأوثان.

[٥٠] ـ (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) هم قوم «هود» أبوهم «عاد بن عوض بن ارم بن سام» ، والاخرى عقبهم ، أو قوم «صالح» وعن «نافع» و «ابي عمرو» حذف همزة الاولى ونقل ضمّتها الى اللّام (٢) وعنهما أيضا ادغام التنوين باللام.

[٥١] ـ (وَثَمُودَ) (٣) وأهلك ثمودا ولم ينونّه «عاصم» و «حمزة» (٤) (فَما أَبْقى) الجمعين.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٦.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٧ ـ تفسير البيضاوي ٤ : ١٧٤.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «وثمود» بلا تنوين ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٤) تفسير البيضاوي ٤ : ١٧٤.

٢٦١

[٥٢] ـ (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) وأهلك قوم «نوح» من قبل «عاد» و «ثمود» (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) من «عاد» و «ثمود» لفرط عتوّهم عليه وافراطهم في إيذائه وضربه مدّة ألف سنة إلّا خمسين عاما.

[٥٣] ـ (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) المنقلبة ، وهي قرى قوم «لوط» (أَهْوى) أسقطها مقلوبة بعد رفعها بأمره جبرئيل بذلك.

[٥٤] ـ (فَغَشَّاها ما غَشَّى) من الحجارة ، وفيه احاطة وتهويل ، هذا كلّه ممّا في الصّحف إلّا فيمن كسر و (أَنَّ إِلى رَبِّكَ) وما بعده على الابتداء.

[٥٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) نعمه المعدودة الدّالّة على وحدانيته وقدرته ، وسمّى الكلّ «آلاء» وفيها نقم لأنّ نقمة عبر وانتقام لأوليائه (تَتَمارى) تتشكّك ايّها السّامع.

[٥٦] ـ (هذا) الرّسول أو القرآن (نَذِيرٌ) منذر أو إنذار (مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) من جنس المنذرين المتقدمين أو لانذارات المتقدمة.

[٥٧] ـ (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) قربت السّاعة الموصوفة بالقرب في مثل : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (١).

[٥٨] ـ (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) نفس تقدر على كشفها وردّها أو تكشف عن وقتها كقوله : (... لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) (٢) أو هي مصدر أي ليس لها من غير الله كشف واظهار.

[٥٩] ـ (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) أي القرآن (تَعْجَبُونَ) إنكارا.

[٦٠] ـ (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) انزجارا من وعيده.

[٦١] ـ (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) لاهون غافلون.

[٦٢] ـ (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) (٣) أي واعبدوه بإخلاص ، ما لكم من اله غيره.

__________________

(١) سورة القمر : ٥٤ / ١.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٨٧.

(٣) عند هذه الآية سجدة واجبة.

٢٦٢

سورة القمر

[٥٤]

خمس وخمسون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) قربت القيامة (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) شقّتين ، لمّا سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية وقرن انشقاقه باقترابها لأنّه من أشراطها.

[٢] ـ (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آياته المترادفة (يُعْرِضُوا) عن تأمّلها (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) دائم ، أو قوىّ محكم ، من المرّة : القوّة والاستحكام ، أو ذاهب لا يبقى.

[٣] ـ (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في تزيين الباطل ورفض الحقّ (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) ثابت بانتهائه الى غاية يعرف منها حقّيّته أو بطلانه.

[٤] ـ (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) اخبار الآخرة وإهلاك الأمم الخالية (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ازدجار ، افتعال من الزّجر ، قلبت التّاء دالّا و «ما» موصولة أو موصوفة.

[٥] ـ (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) كاملة بلغت غايتها ، خبر محذوف أو بدل من «ما» (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) نفي أو استفهام انكار أي فأيّ غناء تغني الإنذارات أو الرّسل.

٢٦٣

[٦] ـ (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) إذ لم يفد فيهم الإنذار وهنا وقف تام (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) اسرافيل ، وحذفت «الياء» اكتفاء بالكسرة ، وأثبتها «البزّي» مطلقا و «ورش» و «أبو عمرو» وصلا (١) و «يوم» ظرف «يخرجون» (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) بضمّ الكاف ، وسكّنه «ابن كثير» (٢) أي منكر للنفوس إذ لم تعهد مثله وهو هول المطّلع.

[٧] ـ (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) (٣) قرأه «أبو عمرو» و «الكسائي» (٤) أي ذليلا ، وأفرد لظهور فاعله وذكّر لعدم تأنيث حقيقي والباقون «خشّعا» وحسن لعدم مشابهة صيغته للفعل كما حسن مررت برجل قعود غلمانه دون قاعدين وهو حال من واو :

(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور وكذا (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) في الكثرة والتّموّج والتّفرّق في كل جهة.

[٨] ـ (مُهْطِعِينَ) مسرعين ، أو ناظرين بذلّ ، حال اخرى (إِلَى الدَّاعِ) واثبت «الياء» «ابن كثير» مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (٥) (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) صعب.

[٩] ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك (قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا ، تفصيل بعد إجمال ، أو تخصيص بعد تعميم أي كذّبوا الرّسل فكذّبوه (وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) وزجروه بالضّرب وغيره.

وقيل : هو من قولهم أي وقد ازدجرته الجنّ ومسّته (٦).

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٩٨.

(٢) حجة القراءات : ٦٨٨.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «خشّعا» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٨٨.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٩٨.

(٦) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٧٦.

٢٦٤

[١٠] ـ (فَدَعا رَبَّهُ) بعد يأسه منهم (أَنِّي) بأنّى (مَغْلُوبٌ) غلبني قومي (فَانْتَصِرْ) فانتقم لي منهم.

[١١] ـ (فَفَتَحْنا) وشدّده «ابن عامر» (١) (أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) منصبّ بشدّة وتتابع.

[١٢] ـ (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) جعلناها كلّها كعيون متفجّرة وهو أبلغ من وفجّرنا عيون الأرض (فَالْتَقَى الْماءُ) ماء السّماء والأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) على حال قدّرها الله تعالى كيف شاء ، أو قدّرت وسوّيت أي قدر ماء السّماء كقدر ماء الأرض أو امر قدّره الله وهو هلاكهم غرقا.

[١٣] ـ (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) ومسامير ، جمع دسار ، وهي صفة شارحة للسفينة : نائب منابها.

[١٤] ـ (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) برعايتنا وحفظنا (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) أي فعلنا ذلك جزاء ك «نوح» فإنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نعمة كفرانها تكذيبه.

[١٥] ـ (وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي الفعلة أو السفينة (آيَةً ـ) عبرة مستمرّ ، خبرها : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) معتبر ، بها واصله مذتكر قلبت «التاء» دالا وادغم فيها الذّال.

[١٦] ـ (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي انذاري ، استفهام توبيخ وتخويف ، واثبت «ورش» «الياء» في «نذر» وصلا في المواضع السّتّة (٢).

[١٧] ـ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) سهّلناه أو هيّأناه للادكار والاتعاظ ، أو للحفظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متّعظ به ، استفهام بمعنى الأمر وهو ابلغ من فادّكروا.

[١٨] ـ (كَذَّبَتْ عادٌ) رسولهم فاهلكوا (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي انذاري

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٩.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٩٨.

٢٦٥

لهم بالعذاب قبل وقوعه.

[١٩] ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) استئناف لبيان العذاب (صَرْصَراً) شديدة الصّوت أو باردة (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) شوم (مُسْتَمِرٍّ) استمرّ شؤمه أو استمر عليهم حتى اهلكهم ، وكان آخر أربعاء في الشهر.

[٢٠] ـ (تَنْزِعُ النَّاسَ) تقلعهم من حفر اندسّوا فيها وتصرعهم فتدق رقابهم وتطير رؤوسهم (كَأَنَّهُمْ) وحالهم ما ذكر (أَعْجازُ) اصول (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) منقطع ، وذكّر هنا وانّث في : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (١) للفظ والمعنى ورعاية الفواصل وفي التشبيه اشارة الى طولهم.

[٢١] ـ (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) كرر في قصّتهم تهويلا.

[٢٢] ـ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

[٢٣] ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) بالإنذار أو الرسل.

[٢٤] ـ (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا) من جنسنا أو من جملتنا لا يفضلنا بشيء ، صفة «بشرا» وكذا : (واحِداً) من الآحاد دون الأشراف أو منفردا (نَتَّبِعُهُ) مفسّر ناصبه والاستفهام للإنكار (إِنَّا إِذاً) ان اتّبعناه (لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) جمع سعير ، لا إذا لم نتّبعه كما يزعم.

وقيل : السّعر : الجنون (٢).

[٢٥] ـ (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) الوحي (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) وهو واحد منّا مثلنا (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) فيما يدّعى (أَشِرٌ) بطر ، يريد التكبر علينا بكذبه.

[٢٦] ـ (سَيَعْلَمُونَ غَداً) أي يوم القيامة (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) المتكبّر عن

__________________

(١) سورة الحاقة ٦٩ / ٧.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ١٩١.

٢٦٦

الحقّ ، أصالح أم هم ، وقرأ «ابن عامر» و «حمزة» ستعلمون ، التفاتا أو حكاية لما أجيبوا به (١).

[٢٧] ـ (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) فخرجوها من الصخرة كما اقترحوا (فِتْنَةً) امتحانا (لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ) انتظر صنعهم وصنعنا بهم (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم و «الطّاء» بدل عن «التّاء».

[٢٨] ـ (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ) مقسوم (بَيْنَهُمْ) يوم لها ويوم لهم ، وغلّب فيه العقلاء (كُلُّ شِرْبٍ) نصيب من الماء (مُحْتَضَرٌ) يحضره صاحبه يومه.

[٢٩] ـ (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) «قذار بن سالف» لما ملّوا ذلك وهمّوا بقتل الناقة (فَتَعاطى) فتناول السيف (فَعَقَرَ) فقتلها.

[٣٠] ـ (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ).

[٣١] ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) لجبرئيل (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) هو من يعمل الحظيرة من الشجر اليابس ، وما تكسر منه هو الهشيم.

[٣٢] ـ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ).

[٣٣] ـ (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ).

[٣٤] ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) ريحا تحصبهم بالحجارة أي ترميهم (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) في آخر الليل ، وصرف لتنكيره ، وإذا أريد سحر يوم معيّن لم يصرف لتعريفه وعدله عن السحر.

[٣٥] ـ (نِعْمَةً) علّة ل «نجّينا» أي انعاما (مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ) الجزاء (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) نعمتنا بالإيمان والطاعة.

[٣٦] ـ (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) لوط (بَطْشَتَنا) أخذتنا بالعذاب (فَتَمارَوْا) فتشاكّوا

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٨٩.

٢٦٧

وكذّبوا (بِالنُّذُرِ).

[٣٧] ـ (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) ليفجروا بهم (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) محوناها ومسحنا شقها بصفقة جبرئيل (فَذُوقُوا) فقلنا لهم : ذوقوا (عَذابِي وَنُذُرِ).

[٣٨] ـ (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً) اوّل صبح يوم غير معين : ولو أريد معيّن لم يصرف وقرئ به (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) عليهم متّصل بعذاب الآخرة.

[٣٩] ـ (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) كرّر لأنّ الأوّل للطمس والثاني للإهلاك ، وكرر ذكر «العذاب» و «النذر» في كل قصة معا.

[٤٠] ـ (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) تجديدا للتنبيه على تعذيب الأمم المكذبة ليعتبر بهم والحثّ على الادّكار والاتعاظ.

[٤١] ـ (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ) قومه معه (النُّذُرُ) الإنذارات.

[٤٢] ـ (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) أي التّسع (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) غالب لا يعجزه شيء.

[٤٣] ـ (أَكُفَّارُكُمْ) يا «قريش» (خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) المذكورين من الأمم قوّة وثروة ودنيا (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) الكتب المتقدمة انّ من كفر منكم أمن من سخط الله.

[٤٤] ـ (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ) أي جمع (مُنْتَصِرٌ) من عدوّنا ، وأفرد للفظ.

[٤٥] ـ (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أريد به الجنس أي الإدبار ، فهزموا ببدر (١) وهو من معجزاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٤٦] ـ (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) بالعذاب (وَالسَّاعَةُ) أي عذابها (أَدْهى) أفظع (وَأَمَرُّ) وأبشع من عذاب الدنيا.

__________________

(١) في «ج» اى الإدبار ببدر.

٢٦٨

[٤٧] ـ (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ) عن الحق في الدنيا (وَسُعُرٍ) ونيران في الآخرة.

[٤٨] ـ (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ويقال لهم : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) الم اصابة جهنّم.

[٤٩] ـ (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ) نصب بفعل يفسّره : (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) أي مقدّرا على وجه الحكمة أو في علمنا.

[٥٠] ـ (وَما أَمْرُنا) لمّا نريد كونه (إِلَّا) كلمة (واحِدَةٌ) هي كن فيكون (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) في السرعة ، وهذا تمثيل إذ تكوينه ارادته.

[٥١] ـ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) اشباهكم في الكفر من الأمم (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متّعظ.

[٥٢] ـ (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) مكتوب (فِي الزُّبُرِ) صحف الحفظة.

[٥٣] ـ (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الأعمال أو الكائنات (مُسْتَطَرٌ) مكتتب في اللوح.

[٥٤] ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) انهار ، واكتفى بالجنس للفاصلة.

[٥٥] ـ (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) مكان مرضىّ (عِنْدَ مَلِيكٍ) صيغة مبالغة أي عظيم الملك ، عزيز السلطان (مُقْتَدِرٍ) لا يعجزه شيء وهو الله تعالى ، وكفى بذلك إكراما وإجلالا للمتقين.

٢٦٩
٢٧٠

سورة الرّحمن

[٥٥]

ستّ أو سبع أو ثمان وسبعون آية مكية قيل إلا آية (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ ...) (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الرَّحْمنُ) صدّر به السورة لتضمنها تعديد نعم الدّارين.

وقدّم أجلّها قدرا فقال : [٢] ـ (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) المنطوي على علم اصول الدّين وفروعه ، وهذا وما بعده اخبار مترادفة ل «لرّحمان» قصد تعديدها فاخليت عن العاطف.

[٣] ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي جنسه.

[٤] ـ (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) هو افهام الغير ما في الضّمير بالنّطق.

[٥] ـ (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) حذف الرابط اكتفاء بالرّبط المعنويّ ، والتقدير بحسبانه أي يجريان في منازلهما بحساب مضبوط لا تفاوت فيه.

[٦] ـ (وَالنَّجْمُ) ما نجم أي طلع من النّبات بلا ساق (وَالشَّجَرُ) ما له ساق (يَسْجُدانِ) ينقادان لأمره وتدبيره ، وحذف الرّابط لما مرّ ، (٢) وتوسيط العاطف

__________________

(١) قاله عطاء وقتادة وعكرمة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ١٩٥.

(٢) في تفسير قوله تعالى : «بحسبان».

٢٧١

لاشتراك الجملتين في افادة أنّه المدبّر للعلويّات والسّفليّات.

[٧] ـ (وَالسَّماءَ) نصبت بفعل يفسّره : (رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) واثبت العدل الذي به قامت السّماوات والأرض ، أو آلة الوزن لتتناصفوا فيما بينكم.

[٨] ـ (أَلَّا تَطْغَوْا) لأن لا تجوروا (فِي الْمِيزانِ) آلة الوزن.

[٩] ـ (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) لا تنقصوه بالتّطفيف.

[١٠] ـ (وَالْأَرْضَ وَضَعَها) خفضها مبسوطة (لِلْأَنامِ) للخلق من كلّ ذي روح أو للثقلين.

[١١] ـ (فِيها فاكِهَةٌ) ما يتفكّه به (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أوعية ثمرها أو كلّ ما يغطّى من ليف ونحوه.

[١٢] ـ (وَالْحَبُ) كالحنطة والشعير (ذُو الْعَصْفِ) ورق الزّرع اليابس والتّبن (وَالرَّيْحانُ) الرّزق أو المشموم ونصب «ابن عامر» الثلاثة (١) أي وخلق الحبّ والرّيحان أو أخصّ وخفض «حمزة» و «الكسائي» «الرّيحان» ورفعا ما عداه (٢).

[١٣] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ) نعم (رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) خطاب للثقلين بدلالة «الأنام» و (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) (٣) عليهما وكررت تجديدا لتذكير النّاسي وتنبيه السّاهي.

[١٤] ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ) آدم (مِنْ صَلْصالٍ) طين يابس ، إذا نقر صلصل أي صوّت (كَالْفَخَّارِ) كالخزف.

[١٥] ـ (وَخَلَقَ الْجَانَ) أبا الجنّ ، قيل هو إبليس (٤) (مِنْ مارِجٍ) لهب صاف

__________________

(١) اي الحبّ ، ذو العصف والرّيحان ، ثلاثة في اللفظ واثنان في المعنى اي الحبّ والريحان لأنّ ذو العصف صفة للحبّ.

(٢) حجة القراءات : ٦٩٠.

(٣) الآية (٣١) من هذه السورة.

(٤) قاله الحسن ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٠١.

٢٧٢

من الدّخان (مِنْ نارٍ) بيان ل «مارج».

[١٦] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[١٧] ـ (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ) مشرقي الشتاء والصّيف (وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) كذلك.

[١٨] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[١٩] ـ (مَرَجَ) أرسل (الْبَحْرَيْنِ) العذب والملح (يَلْتَقِيانِ) متلاصقين.

[٢٠] ـ (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) حاجز من قدرته تعالى (لا يَبْغِيانِ) لا يبغي أحدهما على الآخر فيمازجه.

[٢١] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٢] ـ (يَخْرُجُ) وبناه «نافع» و «أبو عمرو» للمفعول (١) (مِنْهُمَا) من مجموعهما ، فالخارج من أحدهما وهو الملح كالخارج من الآخر (اللُّؤْلُؤُ) كبار الدّرّ (وَالْمَرْجانُ) صغاره ، أو الخرز الأحمر.

[٢٣] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٤] ـ (وَلَهُ الْجَوارِ) السفن (الْمُنْشَآتُ) المرفوعات الشرع أو المحدثات ، وكسر الشّين «حمزة» و «أبو بكر» (٢) أي الرافعات الشرع أو المحدثات الأمواج (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) كالجبال ارتفاعا.

[٢٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٢٦] ـ (كُلُّ مَنْ عَلَيْها) على الأرض من حيوان وغيره و «من» للتّغلب (فانٍ) هالك.

[٢٧] ـ (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) ذاته (ذُو الْجَلالِ) العظمة (وَالْإِكْرامِ) التعظيم أو التّفضّل.

[٢٨] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وكون الفناء نعمة لأنّه وصلة الى الحياة

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩١.

(٢) حجة القراءات : ٦٩١.

٢٧٣

الباقية والسعادة الدائمة ، ولما فيه من العبرة والتذكير.

[٢٩] ـ (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نطقا أو حالا ما يحتاجون إليه من مهامهم ومصالح دينهم ودنياهم وهو كناية عن غناه وافتقارهم (كُلَّ يَوْمٍ) وقت (هُوَ فِي شَأْنٍ) أمر يبديه على وفق ما قضاه في الأزل من إيجاد واعدام وبسط وقبض وغيرها.

[٣٠] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣١] ـ (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) سنقصد لحسابكم أو سنتجرد له ، مستعار من قولك ـ لمن تهدّده ـ : سأفرغ لك ، إذ المتجرد للشيء أقدر عليه ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» بالياء (١) (أَيُّهَ الثَّقَلانِ) الجنّ والإنس ، سمّيا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرجاحتهما عقلا ورأيا وخطرا.

ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّى تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٢)

وضمّ «ابن عامر» «الهاء» (٣).

[٣٢] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) وكون التهديد نعمة لكونه لطفا للمكلّف.

[٣٣] ـ (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا) تخرجوا (مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من نواحيهما هاربين من قضاء الله (فَانْفُذُوا) أمر تعجيز (لا تَنْفُذُونَ) لا تستطيعون النفوذ (إِلَّا بِسُلْطانٍ) بقوّة ولا قوّة ، لكم على ذلك والنعمة هنا الوعظ والتحذير والمساهلة فلذا قال :

[٣٤] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٢.

(٢) حديث مشهور متواتر ، نقله أكثر المحدثين والحفاظ ، انظر كتاب «العمدة لابن البطريق الفصل الحادي عشر».

(٣) حجة القراءات : ٦٩٢.

٢٧٤

[٣٥] ـ (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ) لهب ، لا دخان فيه ، وكسر «ابن كثير» شينه (١) (مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) دخان أو صفر مذاب ، وخفضه «ابن كثير» و «أبو عمر» عطفا على «نار» (٢) (فَلا تَنْتَصِرانِ) لا تمتنعان.

[٣٦] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٧] ـ (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) انصدعت (فَكانَتْ وَرْدَةً) أي حمراء كوردة (كَالدِّهانِ) في الذّوبان ، جمع دهن ، أو اسم لما يدهن به أو كالأديم الأحمر ، وجواب «إذا» محذوف كوقوع امر فظيع.

[٣٨] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٣٩] ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) ولا يسئل عن ذنبه جنّ ، ويسألون في وقت آخر : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣) وأفرد ضمير «انس» للفظ وتقدّم عليه لتقدّمه رتبة.

[٤٠] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤١] ـ (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) بعلامتهم من سواد الوجوه وزرقة العيون (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) مضمومة ناصية كلّ منهم الى قدميه ، أو يؤخذ بهذه مرّة وبهذه مرّة.

[٤٢] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ويقال لهم :

[٤٣] ـ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ).

[٤٤] ـ (يَطُوفُونَ بَيْنَها) فيصلونها (وَبَيْنَ حَمِيمٍ) ماء حارّ (آنٍ) متناه في الحرارة ، يتجرّعونه ويصبّ عليهم.

__________________

(١) النّشر في القراءات العشر ٣ : ٣٨١ ـ حجة القراءات : ٧٦٩٣.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٨٠.

(٣) سورة الحجر : ١٥ / ٩٢.

٢٧٥

[٤٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤٦] ـ (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) الّذي يقيم فيه العباد للحساب ، أو قيامه عليه رقيبا فيترك معاصيه (جَنَّتانِ) جنّة عدن وجنة النعيم ، أو جنّة يثاب بها وجنة يتفضّل عليه بها ، أو جسمانيّة وروحانيّة.

[٤٧] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٤٨] ـ (ذَواتا أَفْنانٍ) انواع من النّعيم ، أو الفواكه جمع «فنّ» أو أغصان جمع فنن وهو الغصن.

[٤٩] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٠] ـ (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ).

[٥١] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٢] ـ (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) صنفان رطب ويابس ، أو معروف وغريب.

[٥٣] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٤] ـ (مُتَّكِئِينَ) حال من الخائفين وعاملها مقدّر ك «ينعمون» (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) ديباج غليظ فتكون ظهائرها أعلى وأجلّ (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) ثمرهما (دانٍ) قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع.

[٥٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٥٦] ـ (فِيهِنَ) في الجنان لدلالة «الجنتين» عليهن ، أو فيما اشتملتا عليه من القصور والمجالس (قاصِراتُ الطَّرْفِ) البصر على أزواجهن (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) وضمّ «الكسائي» ميمه ، وقيل ميم الآتي أي لم يفتضّهنّ (١) (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) فهنّ أبكار من الحور ، أو نساء الدّنيا المنشئات خلقا آخر.

[٥٧] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٤.

٢٧٦

[٥٨] ـ (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) أي اللّؤلؤ صفاء وحمرة وبياضا.

[٥٩] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٠] ـ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) بالثّواب.

[٦١] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٢] ـ (وَمِنْ دُونِهِما) دون الجنتين المذكورتين للخائفين المقرّبين (جَنَّتانِ) لمن دونهم من اصحاب اليمين.

[٦٣] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٤] ـ (مُدْهامَّتانِ) من ادهامّ كاسوادّ لفظا ومعنى أي سوداوان من شدة الخضرة.

[٦٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٦] ـ (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) فوّارتان بالماء.

[٦٧] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٦٨] ـ (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) عطفا عليها لفضلهما.

[٦٩] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٠] ـ (فِيهِنَ) أي الجنتين وأماكنهما (خَيْراتٌ) أي خيّرات الأخلاق ، فخّفف (حِسانٌ) الصّور.

[٧١] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٢] ـ (حُورٌ) بيض ، أو شديدات سواد العيون وبياضها (مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) مخدّرات مصونات في خيام من درّ مجوّف.

[٧٣] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٤] ـ (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ) قبل أزواجهن (وَلا جَانٌ).

[٧٥] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

٢٧٧

[٧٦] ـ (مُتَّكِئِينَ) اعرابه كما مرّ (١) (عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) جمع رفرفة أي بسط أو وسائد أو رياض الجنة (وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) أي طنافس جمع عبقريّه ، أو جنس وصف بالجمع للمعنى ، ونسبته الى عبقر ، تزعم العرب انّه بلد الجن فينسبون إليه كلّ عجيب ، ووصف هاتين وما فيهما يؤذن بتفاوت ما بينهما وبين الأوليين.

[٧٧] ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

[٧٨] ـ (تَبارَكَ) تعالى (اسْمُ رَبِّكَ) لتعالى مسمّاه ، وقيل «الإسم» مقحم (ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) مرّ مثله (٢) ورفعه «ابن عامر» صفة ك «اسم» (٣).

__________________

(١) في الآية : ٥٥.

(٢) في الآية : ٢٧ من هذه السورة.

(٣) حجة القراءات : ٦٩٤.

٢٧٨

سورة الواقعة

[٥٦]

ستّ أو سبع أو تسع وتسعون آية مكية

وقيل إلا آية : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) قامت القيامة ، ونصب «إذا» بتقدير اذكر أو بمعنى.

[٢] ـ (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) أي لا يكون حين تقع نفس تكذب بها ، بأن تنفيها كما نفتها الآن ، واللام للوقت.

وقيل : «الكاذبة» مصدر أي لا يكون حينئذ كذب.

[٣] ـ (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) أي هي تخفض قوما بدخولهم النّار وترفع قوما بدخولهم الجنة.

أو تزيل الأشياء عن مقارّها فتنشر الكواكب وتسير الجبال في الجوّ.

[٤] ـ (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) حرّكت تحريكا عنيفا حتى يخرّ كلّ بناء عليها ، و «إذا» بدل من الاولى أو ظرف «خافضة».

__________________

(١) قاله ابن عباس وقتادة ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢١٢.

٢٧٩

[٥] ـ (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) فتّت أو سيّرت.

[٦] ـ (فَكانَتْ هَباءً) فصارت غبارا (مُنْبَثًّا) متفرقا.

[٧] ـ (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً) أصنافا (ثَلاثَةً) ثمّ فصّلهم

[٨] ـ (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) فأصحاب اليمين على أنفسهم بطاعتهم أو المنزلة الرفيعة ، أو الّذين يعطون كتبهم بأيمانهم ، مبتدأ خبره : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ربط بإعادة الظاهر ، وفيه تعجيب من حالهم

[٩] ـ (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) واصحاب الشّوم على أنفسهم بمعصيتهم ، أو المنزلة الدّنيّة ، أو الّذين يعطون كتبهم بشمائلهم (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) كسابقه.

[١٠] ـ (وَالسَّابِقُونَ) الى ما دعا الله إليه هم : (السَّابِقُونَ) الذين عرفت حالهم وبلغك نعمتهم ، أو الذين سبقوا الى الجنة ، وجاز كونه تأكيدا ، والخبر :

[١١] ـ (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) برفع الدرجات.

[١٢] ـ (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) متعلّق ب «المقربون» أو بمحذوف ، خبر محذوف أو حال.

[١٣] ـ (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) جماعة كثيرة من الأمم الماضية.

[١٤] ـ (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من امة «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقيل : أريد جماعة من اولى هذه الامّة ، (١) وقليل من اخراها ممّن هو على صفتهم.

[١٥] ـ (عَلى سُرُرٍ) خبر آخر للمحذوف (مَوْضُونَةٍ) منسوجة بالذّهب مشبّكة بالدّرّ والجوهر.

[١٦] ـ (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) حالان من الضمير في «على سرر».

[١٧] ـ (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) للخدمة (وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) مبقون على صفة الولدان لا يهرمون.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٢١٥.

٢٨٠