الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[٤٣] ـ (أَمِ اتَّخَذُوا) بل اتّخذ المشركون (مِنْ دُونِ اللهِ) آلهة (شُفَعاءَ) عند الله (قُلْ أَوَلَوْ) أيشفعون ولو : (كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) كما ترونهم جمادات لا تقدر ولا تعقل.

[٤٤] ـ (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) أي هو مختص بها ، فلا يشفع أحد إلّا بإذنه ولعلّه ردّ لما قالوا : انّ الشّفعاء أشخاص مقرّبون ، هذه تماثيلهم (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة فلا ملك حينئذ إلّا له.

[٤٥] ـ (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) دون آلهتهم (اشْمَأَزَّتْ) نفرت وانقبضت (قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي الأصنام (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) تمتلئ قلوبهم سرورا حتى تنبسط له بشرتهم.

[٤٦] ـ (قُلِ اللهُمَ) بمعنى يا الله (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدّين ، فاحكم بيني وبينهم ، وفيه بشارة له بالنّصر لأنّه إنّما أمره للإجابة.

[٤٧] ـ (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا) ظهر (لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) وعيد بليغ ، ونظيره في الوعد : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ ...) (١)

[٤٨] ـ (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) في صحائفهم ، أو بدا جزاء سيئاتهم (وَحاقَ) وأحاط (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) اي العذاب.

[٤٩] ـ (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) جنسه (ضُرٌّ دَعانا) ملتجئا ، عكس ما كان عليه من اشمئزازه من التّوحيد واستبشاره بذكر الأصنام ، ولذلك عطف بالفاء على : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) (٢) وما بينهما اعتراض (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا) أعطيناه انعاما (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ)

__________________

(١) سورة السجدة : ٣٢ / ١٧.

(٢) مرّ آنفا في الآية ٤٥.

١٢١

من الله باستحقاقي له ، أو : منّي بوجوه جلبه ، و «الهاء» ل «النعمة» بمعنى : الأنعام ، او ل «ما» ان كانت موصوله (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) اختبار له ، أيشكر أم يكفر لا ما قاله ، وتأنيث الضمير للفظ النّعمة أو لتأنيث الخبر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ذلك.

[٥٠] ـ (قَدْ قالَهَا) أي تلك الكلمة أو المقالة : (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) «قارون» وقومه لرضاهم بها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المال.

[٥١] ـ (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) جزاؤها ، وسمّي «سيئة» لأنّه في مقابلتها (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي «قريش» و «من» بيانيّة أو تبعيضيّة (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين ، وقد أصابهم القحط سبع سنين والقتل ب «بدر».

[٥٢] ـ (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) يضيّقه كما ضيّقه عليهم سبعا ، ثمّ وسّعه لهم سبعا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بأنّه الباسط القابض.

[٥٣] ـ (قُلْ يا عِبادِيَ) سكّن «حمزة» : «الياء» وحذفها وصلا هو و «أبو عمرو» و «الكسائي» وفتحها الباقون (١) (الَّذِينَ أَسْرَفُوا) بالذّنوب والجنايات (عَلى أَنْفُسِهِمْ) وهو إمّا خاصّ بالمؤمنين أو عامّ مشروط بالتّوبة والإيمان (لا تَقْنَطُوا) ـ كسر «النون» «أبو عمرو» و «الكسائي» وفتحها الباقون ـ (٢) لا تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) من مغفرته وتفضّله (٣) (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) الشّرك مع التّوبة وغيره مطلقا لمن يشاء (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

والآية بالغة في اتّساع رحمته بوسم المذنبين بذلّ العبوديّة ، واضافتهم إليه

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤١.

(٢) النشر في القراءات ٢ : ٣٠٢.

(٣) في «ج» من رحمته وتفضله ومغفرته.

١٢٢

الموجبين للتّرحم وقصر إسرافهم على أنفسهم ونهيهم عن القنوط المتضمّن لتحقيق الرّجا ، واضافة الرّحمة الى اسمه دون ضميره وتكريره في «ان الله» والتّعليل بذلك مصدّرا ب «انّ» مع تأكيد الذنوب ب «جميعا» وتعليله بما يتضمّن الوعد بالمغفرة والرّحمة مؤكّدا بأنّ والفصل وتعريف الخبر.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما احبّ انّ لي الدّنيا وما فيها بها (١).

وعن عليّ عليه‌السلام : ما في القرآن آية أوسع منها

، (٢) ونزولها في وحشي أو غيره لا يخصّصها ، ثمّ اردف الترغيب بالتّرهيب ليقرن الرّجا بالخوف فقال :

[٥٤] ـ (وَأَنِيبُوا) ارجعوا (إِلى رَبِّكُمْ) بالتوبة (وَأَسْلِمُوا) أخلصوا العمل (لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) لا تمنعون منه.

[٥٥] ـ (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أي القرآن أو العزائم دون الرّخص (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) بإتيانه.

[٥٦] ـ (أَنْ) لأن أو كراهة أن : (تَقُولَ نَفْسٌ) ونكّرت لأنّ القائل بعض الأنفس (يا حَسْرَتى) أصله يا حسرتي اي ندامتي (عَلى ما فَرَّطْتُ) قصّرت (فِي جَنْبِ اللهِ) في حقّه أو طاعته ، او امره أو قربه ، ومنه : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : نحن جنب الله (٤) (وَإِنْ) هي المخففة أي وانّي : (كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) المستهزئين بالقرآن والرّسول والمؤمنين و «الواو» للحال أو العطف و «اللّام» فارقة.

[٥٧] ـ (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي) ارشدني الى دينه (لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) معاصيه.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٠٣.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٠٣.

(٣) سورة النساء : ٤ / ٣٦.

(٤) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٠٥.

١٢٣

[٥٨] ـ (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً) رجعة الى الدّنيا (فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) بالإيمان والعمل ، فردّ الله عليه ما نفاه ضمنا من هدايته فقال :

[٥٩] ـ (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي) وهي سبب الهداية (فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ).

[٦٠] ـ (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) بنسبة الشّريك والولد إليه (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مفعول ثان ل «ترى» ان كان قلبيّا ، وإلّا فحال كفاها الضّمير عن الواو (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) مقام (لِلْمُتَكَبِّرِينَ) عن الإيمان ، استفهام تقرير.

وسئل الباقر عليه‌السلام عن الآية ، فقال : كلّ منتحل إمامة ليست له من الله (١).

وعن الصّادق عليه‌السلام : ان من حدّث عنّا كاذبا فإنّما كذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

[٦١] ـ (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) مفعلة من الفوز أي بفلاحهم أو بنجاتهم ، وهي اخصّ من الفلاح أو بعملهم الصّالح وهو سببه ، وجمعها «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» (٣) لاختلاف أجناسها و «البا» للسّببيّة (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) حال أو استئناف يفسر «المفازة».

[٦٢] ـ (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) حفيظ يدبّره.

[٦٣] ـ (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مفاتيح خزائنهما من المطر والنّبات وجميع الخيرات لا يملك التصرف فيها سواه ، جمع مقليد أو مقلاد (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) بدلائل تفرّده بالملك والقدرة (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لا احد أخسر منهم.

[٦٤] ـ (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) «غير» مفعول «أعبد»

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٠٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٠٥.

(٣) حجة القراءات : ٦٢٥.

١٢٤

و «تأمرونّي» اعتراض أي : أفغير الله اعبد بعد هذا البيان بأمركم؟ فإنّهم قالوا له : استلم بعض آلهتنا نؤمن بك ، وقرأ «ابن عامر» «تأمرونني» بإظهار النّونين ، وحذف «نافع» الثّانية وادغم الباقون وفتح «الحرميّان» «الياء» (١).

[٦٥] ـ (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الرّسل أي والى كلّ واحد منهم (لَئِنْ أَشْرَكْتَ) فرضا وهو تهديد للامّة واللام موطئة للقسم (لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) اللام جواب القسم (وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) عطف عليه.

[٦٦] ـ (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) أي خصّه بالعبادة (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) انعامه عليك.

[٦٧] ـ (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) ما عرفوه حق معرفته ، أو ما عظّموه حقّ تعظيمه إذ أشركوا به غيره (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) الغرض تصوير عظمته واحاطة قدرته بلا نظر الى حقيقة ومجاز للقبضه.

واليمين والقبضة : المرّة من القبض ، وسمّى بها المقبوض بالكفّ وجميعا تأكيد انتصب حالا ليشمل السّبع.

ومطويّات : مجموعات أو مستول عليها استيلائك على الشيء المطوىّ (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) معه من الشّركاء.

[٦٨] ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) النفخة الاولى (فَصَعِقَ) مات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) تأخير موته كحملة العرش أو غيرهم (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) يقلبون عيونهم في الجهات كالمبهوت ، أو ينتظرون ما يفعل بهم.

[٦٩] ـ (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) بعدله المزين لها ، والمظهر للحقوق فيها (وَوُضِعَ الْكِتابُ) جنسه أي صحائف الأعمال في أيدي أهلها ، أو اللوح يقابل به الصّحائف (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) للأمم ، وعليهم من الملائكة وغيرهم أو من

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٢٥.

١٢٥

استشهدوا (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين الخلق (بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) شيئا.

[٧٠] ـ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) جزائه (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) فلا يحتاج الى شاهد ثمّ فصّل ما أجمل فقال :

[٧١] ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بعنف (إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) أفواجا متفرقة فوجا ، بعد فوج على تفاوتهم في الضّلال جمع «زمرة» وهي الجماعة (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) جواب «إذا» وخفّف «الكوفيّون» «التاء» في الموضعين (١) (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) ـ توبيخا ـ : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) وهي علمه تعالى بأنّا نكفر فنعذّب ، فعدل الى الظاهر للاشعار بسبب العذاب أو قوله : (... لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ ...) الآية (٢).

[٧٢] ـ (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ) مقدّرين الخلود (فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) جهنّم ، ويشعر بأنّ مثواهم فيها لتكبرهم عن الحق.

[٧٣] ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) بلطف ، اسراعا بهم الى دار الكرامة وسيق مراكبهم (إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً) بحسب مراتبهم في الرّفعة (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ) وقد فتحت (أَبْوابُها) فالواو للحال بتقدير «قد» للإشعار بأنّ ابوابها تفتح لهم قبل مجيئهم تكرمة لهم (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ) بشارة بالسلامة من المكاره (طِبْتُمْ) نفسا أو طهرتم من الذّنوب (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) وجواب «إذا» مقدّر أي كان ما كان من الكرامات لهم.

[٧٤] ـ (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) بالثّواب (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) أرض الجنّة أي ملكناها تمليك الوارث لما يرثه (نَتَبَوَّأُ) نتنزّل (مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤١.

(٢) سورة السجدة : ٣٢ / ١٣.

١٢٦

لأنّ لكلّ شخص جنّة واسعة كثيرة المنازل الحسنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) الجنّة.

[٧٥] ـ (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ) محدقين ، حال ، (مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) «من» زائدة أو ابتدائية (يُسَبِّحُونَ) حال مرادفة أو مداخلة (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) متلبّسين بحمده أي مستغرقين في ذكره بصفات جلاله وكماله ، التذاذا بذلك (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بين الخلق (بِالْحَقِ) بإدخال الكفرة النّار ، والمتّقين الجنّة (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) على إنزال كلّ منزلته.

والقائل الملائكة والمؤمنون من المقضيّ بينهم.

١٢٧
١٢٨

سورة المؤمن

[٤٠]

خمس وثمانون آية مكيّة إلّا (الَّذِينَ يُجادِلُونَ ...) الآيتين

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (حم) اماله «ابن عامر» و «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي» صريحا و «ورش» و «أبو عمرو» بين بين (١).

[٢] ـ (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) اعرابه كما في اوّل «الزّمر» مع احتمال كونه خبر «حم» (الْعَزِيزِ) في سلطانه (الْعَلِيمِ) بكل شيء ، ثمّ وصف نفسه بما يتضمّن الوعد والوعيد فقال :

[٣] ـ (غافِرِ الذَّنْبِ) للمؤمنين وهو للدّوام ، وإضافته حقيقية ، فصحّ وصف المعرفة به وكذا : (وَقابِلِ التَّوْبِ) مصدر كالتوبة و «الواو» تفيد الجمع بين الوصفين وانّ المغفرة تكون بدون توبة وإلا لزم التكرار (شَدِيدِ الْعِقابِ) أي مشددة أو الشديد عقابه ، فحذف اللام للازدواج وأمن اللبس ، ويجوز جعل الكلّ ابدالا لا هو وحده (ذِي الطَّوْلِ) الفضل والإنعام واكتناف صفات الرّحمة لصفة الغضب يفيد غلبتها

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٢٦.

١٢٩

عليه وسبقها إيّاه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا يستحق العبادة سواه (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) المرجع للجزاء.

[٤] ـ (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) القرآن بالطّعن فيه (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) عنادا منهم وبطرا (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) من الشّام واليمن للتجارة ، سالمين مترفين فإنّهم وان أمهلوا مأخوذون كأمثالهم المذكورين في :

[٥] ـ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ) المتحزّبون على الرّسل كعاد وثمود وغيرهم (مِنْ بَعْدِهِمْ) بعد قوم نوح (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) منهم (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) ليهلكوه (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) ليزيلوا (بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ) بالتّدمير ، عقوبة لهم (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) تقرير أي هو في موقعه.

[٦] ـ (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) وعيده بالعذاب ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» كلمات (١) (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بكفرهم (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) بدل من «كلمة» أو منصوب بنزع اللّام.

[٧] ـ (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) مبتدأ (وَمَنْ حَوْلَهُ) عطف عليه ، وهم «الكروبيون» اشرف طبقات الملائكة وأماكنه ، حملهم إيّاه وحفوفهم به فلا يعلمه إلّا الله ، ومن اعلمه به (يُسَبِّحُونَ) خبره (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) متلبسين بحمده أي يذكرونه بصفات جلاله وكماله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) لمّا كان الغرض تعظيم شأن الإيمان واهله ، اخبر عن ملائكة المقربين بالإيمان واعتنائهم بشأن أهله وسؤالهم المغفرة لهم ، يقولون : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) أي وسع رحمتك وعلمك كل شيء ، وقدّمت «الرّحمة» لأنّها الغرض الأصليّ هاهنا (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) عن الشرك (وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) دينك الحقّ (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) نجّهم منه ، صرّحوا بالمطلوب بعد الرّمز تأكيدا وبيانا لهول العذاب.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٢٧.

١٣٠

[٨] ـ (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ) إيّاها (وَمَنْ صَلَحَ) وادخل ، أو وعدت من صلح (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب على كلّ شيء (الْحَكِيمُ) في صنعه.

[٩] ـ (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) أي عقوباتها ، وتعمّ عذاب الجحيم وغيره والمعاصي في الدّنيا (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة أو في الدنيا (فَقَدْ رَحِمْتَهُ) في الآخرة (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي الرحمة.

[١٠] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) يوم القيامة ، وقد مقتوا أنفسهم حين رأوا وبال أعمالهم ، فيقال لهم : (لَمَقْتُ اللهِ) ايّاكم (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) الأمّارة (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) في الدّنيا ، ظرف لفعل دلّ عليه «مقت الله» لا له للفصل بخبره ، ولا لمقتكم لأنّه في الآخرة أو تعليل للنّداء ، والمقتان في الآخرة.

[١١] ـ (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) اماتتين ، الاولى خلقهم اوّلا أمواتا نطفا إذ الإماتة تكون ابتداء كما تكون نقلا كالتصغير والتكبير.

والثانية التي في الدّنيا (وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) الإحياء في الدّنيا والإحياء للبعث.

وقيل : في الدنيا (١) ثمّ اماتتهم في القبر بعد الإحياء للسؤال وهذا الإحياء ثم الإحياء للبعث ، إذ غرضهم ذكر أوقات بلائهم ، والحياة الدّنيا وقت تنعّمهم فلم يذكروها (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا) بإنكارنا البعث وما يتبعه (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ) نوع خروج من النّار (مِنْ سَبِيلٍ) نسلكه ، وجوابهم لا سبيل ، ودلّ عليه :

[١٢] ـ (ذلِكُمْ) الّذي أنتم فيه (بِأَنَّهُ) بسبب انّه (إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) متحدا (كَفَرْتُمْ) بتوحيده (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) بالإشراك (فَالْحُكْمُ) في تعذيبكم (لِلَّهِ الْعَلِيِ) شأنه (الْكَبِيرِ) العظيم في كبرياءه.

[١٣] ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) دلائل توحيده وقدرته (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً)

__________________

(١) قاله الجبائي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٥١٦ ـ.

١٣١

بالمطر (وَما يَتَذَكَّرُ) يتّعظ بالآيات (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) يرجع إليه معرضا عن الشّرك.

[١٤] ـ (فَادْعُوا اللهَ) اعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشرك (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) إخلاصكم.

[١٥] ـ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) ارتفعت درجات كماله وجلاله عن أن يشرك به ، أو رافع مراتب الأنبياء والأولياء في الجنّة ، أو مقامات الملائكة (ذُو الْعَرْشِ) خالقه المستولي عليه بما حوى من الجسمانيّات (يُلْقِي الرُّوحَ) الوحي (مِنْ أَمْرِهِ) من عالم امره أي بإرادته (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أن يخصّه بالرّسالة (لِيُنْذِرَ) الملقى إليه (يَوْمَ التَّلاقِ) يوم القيامة لتلاقي الأرواح والأجساد فيه ، وأهل السماء والأرض والعمّال وأعمالهم ونحو ذلك ، واثبت ، «ابن كثير» «الياء» مطلقا و «ورش» وصلا وكذا «التّناد» (١).

[١٦] ـ (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) بدل ممّا قبله أي خارجون من قبورهم أو ظاهرة سرائرهم وأكّد بقوله : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) من أعمالهم وغيرها (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) حكاية لما يسئل عنه في ذلك اليوم وما يجاب به ينادي به مناد ويجيبه أهل المحشر ، وخصّ ب «اليوم» لما مرّ في : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (٢).

[١٧] ـ (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) إن خيرا فخيرا ، وان شرّا فشرّا (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) بنقص ثواب أو زيادة عقاب (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) إذ لا يشغله شيء عن شيء.

[١٨] ـ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) الدّانية ، من أزف : قرب أي القيامة ، إذ كلّ آت قريب ، أو الموت (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) ترتفع فتلتصق بها من الخوف (كاظِمِينَ) ممتلئين غمّا ، حال من اصحاب القلوب بتقدير «إذ قلوبهم» أو عنها ،

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٢٧.

(٢) سورة الحمد : ١ / ٣.

١٣٢

وجمعت كالعقلاء لأنّ الكظم من أفعالهم (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب محبّ (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أي لا شفاعة ولا إجابة.

[١٩] ـ (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) خيانتها أو النظرة الخائنة ، أي : استراق النظر الى محرم (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) تضمر القلوب.

[٢٠] ـ (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) لعلمه به وقدرته عليه وغناه عن الظلم (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) لأنها جمادات ، وقرأ «نافع» و «هشام» بتاء الخطاب (١) (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْبَصِيرُ) بأفعالهم ، وعيد لهم وتقرير لعلمه وحقّيّة قضاءه وتعريض بأصنامهم.

[٢١] ـ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم المكذّبة لرسلهم (كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ) وقرأ «ابن عامر» «منكم» (٢) (قُوَّةً) في أنفسهم (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) من ابنية عجيبة (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أهلكهم (بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) عذابه.

[٢٢] ـ (ذلِكَ) الأخذ (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات الواضحات (فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌ) قادر على ما يريد (شَدِيدُ الْعِقابِ) إذا عاقب.

[٢٣] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) المعجزات (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) برهان بيّن.

[٢٤] ـ (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) أي موسى.

وفيه تسلية للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوبيخ لقومه بذكر عاقبة هؤلاء.

[٢٥] ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) كما كنتم تفعلون بهم أوّلا (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) ضياع ، وعدل الى الظّاهر للتّعميم والتعليل.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٢.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٢.

١٣٣

[٢٦] ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي) وفتح «ابن كثير» «الياء» (١) (أَقْتُلْ مُوسى) كانوا يمنعونه من قتله تجويزا لصدقه ، فيخافون الهلاك أو لكونه ساحرا أو قتله مظنّة للعجز عن جوابه.

وتأنّيه في قتله مع شدّة سفكه يؤذن بتيقّنه صدقه ، فيخاف أن يهلكه ربّه لقوله تجلّدا : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) وقيل هو استهزاء (إِنِّي أَخافُ) فتح «الياء» في الثلاثة «الحرميّان» و «أبو عمرو» (٢) (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) من عبادتكم ايّاى والأصنام (أَوْ أَنْ) وقرأ «الكوفيون» «أو أن» بالترديد (٣) (يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) من التنازع والتقاتل ، وفتح «اليا» و «الهاء» «ابن كثير» و «ابن عامر» و «الكوفيّون» غير «حفص» ورفعوا «الفساد» (٤).

[٢٧] ـ (وَقالَ مُوسى) ـ لقومه إذ سمع ذلك ـ : (إِنِّي عُذْتُ) وأدغمها «أبو عمرو» و «حمزة» و «الكسائي» (٥) (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) أكد ب «ان» اشعارا بأنّ عمدة ما يدفع به الشّر العياذ بالله.

وعبّر بالرّبّ لمناسبته لطلب الحفظ ، وفي : «وربكم» بعث لهم على موافقته لقوة تأثير الاجتماع (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) يعمّ «فرعون» وغيره ، وفيه رعاية لحقه إذ لم يسمّه واشارة الى موجب شرّه.

[٢٨] ـ (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ابن خاله ، وقيل : ابن عمّه (٦) (يَكْتُمُ إِيمانَهُ) تقيّة منهم (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ) لأن (يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ) المعجزات الواضحات على صدقه (مِنْ رَبِّكُمْ) اضافة إليهم استدراجا لهم الى

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٣.

(٤) معناه في الكشف عن وجوه القراءات ٢ / ٢٤٣.

(٥) تفسير البيضاوي ٤ : ١٠٨.

(٦) قاله السدي ومقاتل ـ كما في تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٢١ ـ.

١٣٤

الإقرار به ، ثمّ حاجّهم بتقسيم عقليّ فقال : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) لا يتعدّاه ضرره فلا حاجة الى قتله (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فلا أقل أن يصيبكم بعضه وفيه هلاككم وهو انصاف ، ولذلك قدّم كونه كاذبا ، أو يصيبكم عذاب الدّنيا فإنّه بعض ما يعدهم (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وقد هداه الله الى المعجزات فهو إذن ليس بمتعد حدّ العدل ، ولا كذّاب ، وفيه تعريض ب «فرعون» وقيل هو كلام مبتدأ من الله تعالى (١).

[٢٩] ـ (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين (فِي الْأَرْضِ) أرض «مصر» (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) من عذابه أن قتلتموه (إِنْ جاءَنا) أدرج نفسه معهم للقرابة واظهار مشاركته لهم في نصحه (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) أشير عليكم (إِلَّا ما أَرى) إلا بما أراه لنفسي من قتله (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) الصواب.

[٣٠] ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) مثل ايّامهم أي وقائعهم ، ولم يجمع «اليوم» اكتفاء بجمع «الأحزاب» والبيان بقوله :

[٣١] ـ (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ) مثل جزاء عادتهم في الكفر من إهلاكهم (وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) كقوم «لوط» (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) فضلا أن (٢) يظلمهم فهو أبلغ من (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٣) وقيل : معناه لا يريد لهم أن يظلموا (٤) وهو أصرح في نفي قول المجبرة.

[٣٢] ـ (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يوم القيامة ، ينادي فيه بعضهم بعضا بالويل والثبور ، أو يتنادى أهل الجنّة وأهل النّار ، أو ينادي كلّ ناس بإمامهم.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٤ : ٥٢١.

(٢) في «ج» فضلا من أن.

(٣) سورة فصلت : ٤١ / ٤٦.

(٤) تفسير الكشّاف ٤ : ١٦٥.

١٣٥

[٣٣] ـ (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) منصرفين عن الموقف الى النار ، أو فارّين عنها (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ) من عذابه (مِنْ عاصِمٍ) مانع (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يخلّيه وما اختار من الضّلال (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) عن ضلاله.

[٣٤] ـ (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) بن يعقوب ، أي جاء آبائكم أو على أنّ «فرعون» «موسى» فرعونه أو «يوسف بن ابراهيم بن يوسف» (مِنْ قَبْلُ) قبل موسى (بِالْبَيِّناتِ) المعجزات (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من الرسالة (حَتَّى إِذا هَلَكَ) مات (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) فضممتم الى تكذيب رسالته من بعده (كَذلِكَ) الإضلال (يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) بكفره (مُرْتابٌ) شاكّ فيما صدّقته البينات ، أي يخذله بسوء إختياره.

[٣٥] ـ (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) بدل من «من» على المعنى (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) برهان (أَتاهُمْ كَبُرَ) الضّمير ل «من» على اللّفظ «والّذين» مبتدأ وخبره «كبر» بتقدير مضاف ، أي : وجدال الّذين يجادلون كبر (مَقْتاً) تمييز (عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) قرنهم بنفسه تعظيما لشأنهم (كَذلِكَ) الطّبع (يَطْبَعُ اللهُ) يختم (عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) واسناده إليه تعالى كناية عن رسوخه في الكفر ، أو مجاز عن ترك قسره ، أو اسناد الى السّبب ، ونوّن «أبو عمرو» و «ابن عامر» و «ابن ذكوان» «قلب» على وصفه بالتّكبّر والتّجبّر لأنّه منبعهما (١).

[٣٦] ـ (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) بناء عاليا ظاهرا ، من صرح : ظهر (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) الطّرق ، وسكّن «الكوفيّون» «الياء» (٢).

[٣٧] ـ (أَسْبابَ السَّماواتِ) بيان لهما بعد إبهام لتشويق السّامع (فَأَطَّلِعَ) (٣)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٣٠ ـ الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٣.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٤.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «فاطلع» ، بالنصب الهمزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

١٣٦

عطف على «أبلغ» ونصبه «حفص» جوابا للترجي (١) (إِلى إِلهِ مُوسى) قاله توهّما أو إيهاما لقومه انّه لو وجد لكان في السما فيصعد إليه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) في انّ له إلها غيري أرسله (وَكَذلِكَ) التزيين لهؤلاء الكفرة (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) سبيل الهدى ، والفاعل الشّيطان.

وبنى «الحرميّان» و «أبو عمرو» و «الشاميّ» (٢) «وصدّ» للفاعل ، أي : صدّ فرعون النّاس عن الهدى (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) خسار.

[٣٨] ـ (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) أي مؤمن آل فرعون (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ) واثبت «الياء» «ابن كثير» مطلقا و «قالون» و «أبو عمرو» وصلا (٣) (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) سبيل الهدى لا ما عليه «فرعون».

[٣٩] ـ (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) تمتّع يزول (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) لدوامها.

[٤٠] ـ (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) يفيد اشتراط قبول العمل بالإيمان (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) بقراءتي البناء للفاعل والمفعول (يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) رزقا لا يحصر لكثرته

[٤١] ـ (وَيا قَوْمِ ما لِي) وسكّن «الكوفيّون» و «ابن ذكوان» : «الياء» (٤) (أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) فتقابلون النصح بالغش وبيانه :

[٤٢] ـ (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) مستند الى حجّة إذ ما لا حجّة له باطل ، والغرض نفي المعلوم (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) الغالب على كلّ شيء (الْغَفَّارِ) لمن تاب عن الشّرك.

[٤٣] ـ (لا جَرَمَ) لا ردّ لكلامهم و «جرم» بمعنى وجب وفاعله (أَنَّما تَدْعُونَنِي

__________________

(١) نظيره في الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٤.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٤) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

١٣٧

إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) أي وجب عدم دعوة آلهتكم الى عبادتها (فِي الدُّنْيا) لأنها جمادات (وَلا فِي الْآخِرَةِ) لأنها إذا أنطقها الله تبرأ من عبدتها ، وليس اوّله استجابة دعوة بتقدير مضاف (وَأَنَّ مَرَدَّنا) مرجعنا (إِلَى اللهِ) فيجازي كلا بعمله (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) بالشرك وسفك الدّماء (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ملازموها.

[٤٤] ـ (فَسَتَذْكُرُونَ) إذا عاينتهم العذاب (ما أَقُولُ لَكُمْ) من النصح (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ليقيني شرّكم ، وفتح «الياء» «نافع» و «أبو عمرو» (١) (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أظهر إيمانه ، وقال ذلك لمّا توّعدوه بالقتل.

[٤٥] ـ (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) به من قصد قتله (وَحاقَ) أحاط (بِآلِ فِرْعَوْنَ) قومه معه لأنّه اولى بذلك (سُوءُ الْعَذابِ) الغرق أو النار.

[٤٦] ـ (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) يحرقون بها ، يقال عرض الأسير على السّيف أي قتل به ، والجملة مستأنفة ، أو «النّار» بدل و «يعرضون» حال منها أو منهم ، هذا لأرواحهم في البرزخ يعذّبون به (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) أي دائما الى يوم القيامة أو في الوقتين ، وفيما بينهما بغير فترة ، ودلّ على عذاب القبر بشهادة : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أي هذا قبل قيامها فإذا قامت يقال لهم : (أَدْخِلُوا آلَ) (٢) يا آل (فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) جهنم ، وقرأ «نافع» و «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» «أدخلوا» امرا للزّبانية بإدخالهم (٣).

[٤٧] ـ (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ) واذكر وقت تخاصمهم (فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) جمع تابع ، كخدم لخادم ، أو مصدر بمعنى اتّباع مجازا أو بتقدير ذوي (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) دافعون أو حاملون عنّا

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ادخلوا» ، بفتح الهمزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٦٣٣.

١٣٨

قسطا منها.

[٤٨] ـ (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها) نحن وأنتم ، ولا نغني عن أنفسنا ، فكيف عنكم (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) فجازى كلا بما يستحقه.

[٤٩] ـ (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) ـ وضع موضع لخزنتها تهويلا وبيانا لمكانهم منها ، إذ قيل انّ جهنّم اسم لقعرها (١) ـ : (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً) قدر يوم (مِنَ الْعَذابِ) شيئا منه.

[٥٠] ـ (قالُوا) ـ توبيخا وإلزاما لهم الحجّة ـ : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى) أتتنا فكذّبناهم (قالُوا) ـ تهكّما بهم ـ : (فَادْعُوا) أنتم فإنّا لم يؤذن لنا في الدّعاء لكم (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) ضياع ، قال تعالى :

[٥١] ـ (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا) بالحجّة والغلبة غالبا وإهلاك عدوّهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) جمع شاهد ، وهم الملائكة والأنبياء والمؤمنون ، يشهدون للرّسل بالتبليغ وعلى الكفّار بالتكذيب.

[٥٢] ـ (يَوْمَ) لا تنفع (٢) وقرأ «الكوفيّون» بالياء (٣) (الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) اعتذارهم لو اعتذروا (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) البعد من الرّحمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) جهنّم.

[٥٣] ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) المعجزات والتوراة الهادية الى الدّين (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) من بعده (الْكِتابَ) التوراة.

[٥٤] ـ (هُدىً وَذِكْرى) هاديا ومذكّرا ، أو للهدى والتّذكير (لِأُولِي الْأَلْبابِ) العقول الواعية.

[٥٥] ـ (فَاصْبِرْ) على أذى قومك (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالنّصر (حَقٌ) كائن ، واعتبر

__________________

(١) تفسير الكشّاف ٤ : ١٧١.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ينفع» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٤.

١٣٩

بقصّة «موسى» (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) وان لم تكن مذنبا انقطاعا الى الله وليستنّ بك (وَسَبِّحْ) متلبسا (بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أي على الدوام ، أو صلّ العصر والفجر ، أو الصّلوات الخمس.

[٥٦] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) برهان (أَتاهُمْ) وهو عامّ وإن نزل في كفّار قريش واليهود ، إذ قالوا : لست صاحبنا بل هو غيرك (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) تكبّر عليك وحسد لك على النّبوّة وحبّ للرّئاسة (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) ببالغي مرادهم (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من شرّهم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْبَصِيرُ) بأحوالكم.

[٥٧] ـ (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ابتداء من غير اصل (أَكْبَرُ) في النّفوس (مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ثانيا من اصل ، ومن قدر على الأشدّ قدر على الأهون (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك لتركهم النّظر.

[٥٨] ـ (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) من لم ينظر ومن نظر (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي ولا يستوي المحسن (وَلَا الْمُسِيءُ) «لا» زائدة تؤكّد نفي مساواته له في الجزاء (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (١) أي تذكّرا قليلا يتذكرون ، وقرأ «الكوفيّون» بتاء الخطاب (٢).

[٥٩] ـ (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) في إتيانها (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) بها لتركهم النظر في دلائل جوازها وصدق المخبر بها.

[٦٠] ـ (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي) وفتح «ابن كثير» الياء (٣) (أَسْتَجِبْ لَكُمْ) عاجلا أو آجلا بما سألتم ، أو بما هو خير منه بحسب المصلحة ، إذا وقع الدّعاء بشروطه (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) عن دعائي.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تتذكرون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٤٦.

١٤٠