الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) منه (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بكفرهم.

[١٧] ـ (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ) جنسه ، أو القرآن (بِالْحَقِ) متلبّسا بالغرض الصحيح (وَالْمِيزانَ) وانزل العدل ، أو الشرع المنصف بين الناس أو ألهم اتخاذ آلة الوزن (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ) أي مجيئها (قَرِيبٌ) أو ذكّر بتأويل البعث فيجب على العاقل التّمسّك بالدّين ولزوم العدل قبل مفاجأة القيامة له.

[١٨] ـ (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) استهزاء (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) خائفون (مِنْها) خوفا مقرونا بالرّجاء (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) الواجب كونه (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) يخاصمون ، من المرية : الشّكّ (فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) عن الصّواب.

[١٩] ـ (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) يعمّهم ببرّه ولم يعاجل مسيئهم بالعقوبة (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) من كلّ منهم رزقا بمقتضى حكمته (وَهُوَ الْقَوِيُ) على ما يريد (الْعَزِيزُ) الغالب على كلّ شيء.

[٢٠] ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ) بعمله (حَرْثَ الْآخِرَةِ) ثوابها ، سمّى حرثا تشبيها لطالبه بمن يلقي البذر في الأرض طلبا للزيادة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) نضاعف له الواحد عشرة وأكثر (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها) ما قسمنا له ، لا ما أراد (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) إذ الأعمال بالنيّات.

[٢١] ـ (أَمْ) بل أ(لَهُمْ) والهمزة للتّوبيخ والتقرير (شُرَكاءُ) وهم شياطينهم (شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ) الباطل (ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) كالشرك ونفي البعث (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) الوعد بتأخير الفصل الى القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) وبين المؤمنين بإهلاكهم في الدّنيا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.

[٢٢] ـ (تَرَى الظَّالِمِينَ) يوم القيامة (مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) من الجرائم (وَهُوَ) أي وباله (واقِعٌ بِهِمْ) لا محالة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ)

١٦١

في متنزهاتها (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) يتمنونه (عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ) الثواب (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).

[٢٣] ـ (ذلِكَ) الثواب أو التبشير (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ) بالتخفيف وشدّده «نافع» و «عاصم» و «ابن عامر» (١) (عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي يبشرهم به ، حذف الجارّ ثم العائد أي يبشرهموه (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على تبليغ الرسالة (أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ) كائنة (فِي الْقُرْبى) مصدر بمعنى القرابة ، جعلوا مكانا للمودة مبالغة.

والاستثناء متصل ، أي : لا أسئلكم اجرا إلّا هذا ، وهو في الحقيقة ليس أجرا إذ نفعه عائد عليهم ، أو منقطع أي لا أسألكم أجرا قطّ ، لكن أسألكم أن تودوا قرابتي.

عن «سعيد بن جبير» : لما نزلت ، قيل : يا رسول الله من قرابتك؟ قال : «علي» و «فاطمة» وابناهما ، (٢) والاخبار الواردة في ذلك من طرق العامّة والخاصّة مستفيضة تبلغ التّواتر المعنويّ وهو المطابق للظّاهر بخلاف تفسيره ب «لا اسألكم إلا أن تودّوني لقرابتي منكم» أو «إلا أن تودّوا الله في تقرّبكم إليه بالطاعة» (٣) (وَمَنْ يَقْتَرِفْ) يكتسب (حَسَنَةً) ، عن «السّدي» هي مودة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن «الحسن بن عليّ» عليه‌السلام» : هي مودتنا أهل البيت اصحاب الكساء، (٤) وان عمّمت فمودتهم اصل كلّ حسنة وأساس كل طاعة (نَزِدْ لَهُ فِيها) في الحسنة (حُسْناً) بتضعيف ثوابها.

ودعوى نزولها في «ابي بكر» ومودته لهم ، يدفعها منع «فاطمة» عليها‌السلام نحلة

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٤١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٨ ـ وراجع الحديث بطوله في تفسير القمي ٢ : ٧٥ وكتاب العمدة لابن البطريق الفصل التاسع.

(٣) هذا ردّ لكلام البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٢٣.

(٤) ينظر تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٩.

١٦٢

أبيها وإرثه ، وموتها غضبى عليه ، وايصاؤها ان لا يصلّي عليها (١) (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للسّيئات (شَكُورٌ) للحسنات بتوفية ثوابها ومضاعفته.

[٢٤] ـ (أَمْ) بل أ(يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بالقرآن وبدعوى الرّسالة (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) ينسك القرآن فكيف تقدر ان تفتري عليه؟ أو يربط على قلبك بالصبر على أذاهم (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) استئناف أي من عادته محق الباطل ، فلو كان ذلك مفترى لمحقه ، وقد يحذف الواو خطا تبعا للفظ (وَيُحِقُّ الْحَقَ) يثبته (بِكَلِماتِهِ) بوحيه.

وقيل : يمحق باطلهم ويثبت حقك بالقرآن المعجز (٢) (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بضمائر القلوب.

[٢٥] ـ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) فلا يؤاخذهم بما تابوا عنه ، وعدّى ب «عن» لتضمّنه معنى الأخذ (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) المتاب عنها مطلقا وغيرها إلّا الشّرك لمن يشاء (وَيَعْلَمُ ما) «يفعلون» (٣) وقرأ «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» بتاء الخطاب (٤).

[٢٦] ـ (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي يستجيب الله لهم بإعطائهم ما سألوا واثابتهم على طاعتهم أو يستجيبون لله إذا دعاهم الى طاعته (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) على ما فعلوا واستحقوا بالطاعة أو بالاستجابة (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) استحقّوه بكفرهم.

[٢٧] ـ (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ) جميعهم (لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)

__________________

(١) هذا أيضا رد الكلام البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٢٣.

(٢) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٩.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تفعلون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٤١.

١٦٣

لبطروا (١) وتجبروا وظلم بعضهم بعضا (وَلكِنْ يُنَزِّلُ) وخففه «ابن كثير» و «أبو عمرو» (٢) (بِقَدَرٍ) بتقدير (ما يَشاءُ) بحسب مصالحهم ووفق حالهم (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).

[٢٨] ـ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ) (٣) (الْغَيْثَ) المطر النّافع ، وشدّده «نافع» و «عاصم» و «ابن عامر» (٤) (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) يئسوا منه (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) يعمّ بالمطر الأرض ، فيخرج به النبات والثّمار (وَهُوَ الْوَلِيُ) المتولي تدبير خلقه (الْحَمِيدُ) على أفعاله.

[٢٩] ـ (وَمِنْ آياتِهِ) على وجوده وقدرته وحكمته (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَ) وخلق ما نشر (فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) ممّا يدبّ على الأرض فإنّه فيهما في الجملة ، أو من حيّ من اطلاق المسبّب على السّبب (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) حشرهم ، وغلب العقلاء (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) في أيّ وقت شاء لا يتعذّر عليه.

[٣٠] ـ (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) بليّة (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) فبسبب ذنوبكم ، والفاء جزاء الشرط أو معناه ، وحذفها «نافع» و «ابن عامر» اكتفاء بسببية «الباء» (٥) (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) منها ، فلا يعجّل عقوبته رحمة أو استدراجا وما أصاب غير المذنبين فلتعريضهم للأجر.

[٣١] ـ (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) بفائتين الله هربا (فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يمنعكم من عذابه (وَلا نَصِيرٍ) يدفعه عنكم.

[٣٢] ـ (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ) السّفن الجارية (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) كالجبال ، وأثبت «ابن كثير» «الياء» مطلقا و «نافع» و «أبو عمرو» وصلا (٦).

__________________

(١) البطر : التجبر.

(٢) حجة القراءات : ١٠٦.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ينزّل» بتشديد الزّاي ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٤) حجة القراءات : ٦٤١.

(٥) حجة القراءات ٤٦٢.

(٦) حجة القراءات ٤٦٢.

١٦٤

[٣٣] ـ (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) وجمعها «نافع» (١) (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ) فيبقين واقفة (عَلى ظَهْرِهِ) ظهر البحر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) على البلاء (شَكُورٍ) على النعمة.

[٣٤] ـ (أَوْ يُوبِقْهُنَ) أو أن يشاء يهلكهنّ بأهلهنّ بعصوف الرّيح (بِما كَسَبُوا) من الذنوب (وَيَعْفُ) بالجزم (عَنْ كَثِيرٍ) منهم فينجيهم ، وقسيم «يسكن» ما حاصله : أو يرسلها فيهلك ناسا بذنوبهم وينج ناسا بعفوه عنهم.

[٣٥] ـ (وَيَعْلَمَ) عطف على علة مقدّرة أي لينتقم منهم ويعلم ، ورفعه «نافع» و «ابن عامر» استئنافا ، (٢) (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) مهرب من العذاب ، وجملة النفي معلّق عنها «يعلم» أو سادة مسدّ مفعوليه.

[٣٦] ـ (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) تمتّعون به زمن حياتكم ، و «الفاء» لتضمّن «ما» معنى الشرط بخلاف : (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثّواب (خَيْرٌ وَأَبْقى) إذ لا ينغص ولا ينقطع (لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في أمورهم.

[٣٧] ـ (وَالَّذِينَ) عطف على «الّذين آمنوا» أو مدح مرفوع أو منصوب (يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «كبير الإثم» (٣) (وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ) تأكيد للضّمير أو مبتدأ ، خبره : (يَغْفِرُونَ).

[٣٨] ـ (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أجابوه الى ما دعاهم إليه من الإيمان :

قيل : هم الأنصار (٤) (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى) مصدر بمعنى التشاور أي ذو تشاور (بَيْنَهُمْ) لا يقدمون عليه حتّى يتشاوروا فيه (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في طاعة الله.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ١ : ٢٧٠.

(٢) حجة القراءات ٦٦٣.

(٣) حجة القراءات ٦٦٣.

(٤) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٢٥.

١٦٥

[٣٩] ـ (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) بلا تعد لما حدّ الله لهم ولا ينافي وصفهم بالغفران لاختلاف المحلّ ، إذ العفو انّما يحسن عن العاجز لا الباغي المتغلّب والإنتصار بالعكس.

[٤٠] ـ (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) سمّى الجزاء «سيّئة» للازدواج (فَمَنْ عَفا) عن حقّه (وَأَصْلَحَ) بينه وبين خصمه (فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) وهو خير له من انتصاره (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) البادين بالظّلم والمتعدين في الإنتصار.

[٤١] ـ (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) بعد أن ظلم (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) مؤاخذة.

[٤٢] ـ (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بظلمهم وبغيهم.

[٤٣] ـ (وَلَمَنْ صَبَرَ) فلم ينتصر (وَغَفَرَ) وصفح (إِنَّ ذلِكَ) الصّبر والصّفح (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) معزوماتها المأمور بها.

[٤٤] ـ (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) يخلّيه وضلاله (فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍ) ناصر يتولّاه (مِنْ بَعْدِهِ) بعد خذلان الله إياه (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ) الى الدّنيا (مِنْ سَبِيلٍ).

[٤٥] ـ (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) على النّار المعلومة من العذاب (خاشِعِينَ) متواضعين (مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) يبتدئ نظرهم إليها من تحريك لأجفانهم ضعيف نظر مسارقة (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) لتخليدهم في النّار وعدم انتفاعهم بأهليهم (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) من كلامهم أو قول الله.

[٤٦] ـ (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)

١٦٦

يوصله الى الجنة.

[٤٧] ـ (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) صلة «مردّ» أي لا يردّه الله بعد إتيانه أو ليأتي أي قبل أن يأتي يوم من الله لا ردّ له (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ) معقل (يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) انكار لجرمكم.

[٤٨] ـ (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن إجابتك (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) رقيبا (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) وقد بلّغت (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) أريد جنس الإنسان بدليل : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) بليغ الكفران ، يجحد النعمة ويشكو المصيبة ، ووضع الإنسان موضع ضميره تسجيلا على جنسه بذلك.

[٤٩] ـ (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لا يشركه أحد فيه (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ويبدّل منه بدل البعض (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ) من الأولاد (إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).

[٥٠] ـ (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) أي يخصّ بعضا بالإناث وبعضا بالذّكور وبعضا بالصّنفين ويعقم بعضا على مقتضى مشيّته لا مشيّتهم.

وقدّم الإناث لذلك فإنهنّ ممّا لا يشاوونه ، أو لتطييب قلوب آبائهنّ بالتّوطين على قضاء الله أو للفاصلة كتعريف الذّكور (إِنَّهُ عَلِيمٌ) بما يخلق (قَدِيرٌ) على ما يشاء.

[٥١] ـ (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) وهو الإلهام والمنام كما وقع لأمّ «موسى» و «ابراهيم» عليه‌السلام في ذبح ولده (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) بأن يسمعه الصوت ولا يرى محلّه ، كما اسمع «موسى» في الطور و «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

١٦٧

المعر اج (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) ملكا كجبرائيل (فَيُوحِيَ) الرّسول الى النّبيّ (بِإِذْنِهِ) بأمر الله (ما يَشاءُ) الله.

وقيل : الوحي هو الإلقاء الى الرّسول بواسطة الملائكة (١).

وإرسال الرسل إرسال الأنبياء الى الأمم ، وانتصب «وحيا» وما عطف عليه مصادر أي إلا وحيا أو اسماعا أو إرسالا ، إذ كل منها نوع من الكلام أو أحوالا أي إلّا موحيا أو مسمعا أو مرسلا ، ورفع «نافع» «يرسل» وسكّن «ياء» «يوحي» (٢) (إِنَّهُ عَلِيٌ) عن رؤية الأبصار (حَكِيمٌ) في أفعاله.

[٥٢] ـ (وَكَذلِكَ) أي وكما أوحينا الى سائر الرّسل (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً) هو القرآن تحيي به القلوب.

وقيل جبرائيل (٣) أو خلق أعظم منه ، وبقي مع الأئمّة عليهم‌السلام (٤) أي أرسلناه إليك بالوحي (مِنْ أَمْرِنا) من عندنا أو بأمرنا (ما كُنْتَ تَدْرِي) قبل الوحي (مَا الْكِتابُ) القرآن (وَلَا الْإِيمانُ) أي شرائعه الّتي لا يستقلّ بمعرفتها العقل (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) أي الكتاب أو الإيمان (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) ممّن نعلمه أهلا للطف أي نوفّقه به لقبول الحقّ (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لتدعوا الى دين الإسلام ويفسّره :

[٥٣] ـ (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا (أَلا إِلَى اللهِ) الى حيث لا حكم لسواه (تَصِيرُ الْأُمُورُ) ترجع ، وفيه وعد ووعيد.

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ١٢٦.

(٢) حجة القراءات : ٦٤٣.

(٣) رواه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧ عن الصادقين (ع).

(٤) وقد مرّ معناه في سورة الإسراء ـ ٨٥.

١٦٨

سورة الزخرف

[٤٣]

تسع وثمانون آية مكية وقيل إلّا آية (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ [٢] ـ (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) والقرآن الموضح سبيل الحقّ وما يحتاج إليه في الدّين.

[٣] ـ (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) بلغة العرب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لكي تفهموا معانيه.

ومن لطيف البديع أن اقسم به على أنّه جعله كذلك لدلالة المقسم به على المقسم عليه.

[٤] ـ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) في أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ ، وكسر «حمزة» و «الكسائي» همزة «أم» (٢) (لَدَيْنا) بدل منه وهو حال من (لَعَلِيٌ) على سائر الكتب (حَكِيمٌ) ذو حكمة بالغة وهما خبران ل «انّ».

[٥] ـ (أَفَنَضْرِبُ) عطف على مقدّر أي نهملكم فنضرب اي نمسك (عَنْكُمُ الذِّكْرَ)

__________________

(١) قاله مقاتل كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٨.

(٢) النشر في القراءات العشر ٢ : ٢٤٨.

١٦٩

القرآن (صَفْحاً) مصدر من غير لفظه ، إذ إمساكه عنهم أعراض أو علّة أو حال أي صافحين فلا نعرفكم ما يجب عليكم (أَنْ) لأجل أن (كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) مشركين ، وكسر «نافع» و «حمزة» و «الكسائي» «إن» (١) بجعلها شرطيّة يعلم جوابها ممّا قبلها.

[٦] ـ (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ).

[٧] ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) تسلية له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٨] ـ (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي من قومك ، عدل من خطابهم الى خطابه عنهم (وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) سبق في القرآن خبرهم العجيب وإهلاكهم ، فليحذر هؤلاء مثله.

[٩] ـ (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) هذا جوابهم وما بعده استئناف ، أو الجميع لازم جوابهم وهو الله للزوم هذه الصّفات له فوضعت موضعه لتلزمهم الحجّة.

[١٠] ـ (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) «مهادا» (٢) فراشا ، وقرأ «الكوفيّون» «مهدا» (٣) مصدر سمّي به كالفرش (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً) تسلكونها (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى مقاصدكم في اسفاركم.

[١١] ـ (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) بمقدار نافع غير ضارّ (فَأَنْشَرْنا) فأحيينا (بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) ذكّر بتأويل المكان (كَذلِكَ) الإنشار (تُخْرَجُونَ) من قبوركم بالإنشار ، وبناه «حمزة» و «الكسائي» و «ابن ذكوان» للفاعل (٤).

[١٢] ـ (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) الأصناف (كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٤٤.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «مهدا» وسيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٦٤٥ ـ مع اختلاف يسير.

(٤) حجة القراءات : ٦٤٥ ـ مع اختلاف يسير.

١٧٠

حذف العائذ منصوبا أي تركبونه ، يقال ركب الأنعام وركب في الفلك فغلّب المتعدّي بنفسه على المتعدّي ب «في».

[١٣] ـ (لِتَسْتَوُوا) لتستقرّوا (عَلى ظُهُورِهِ) الهاء لما والجمع للمعنى (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) مقرّين بها شاكرين عليها (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) مطيقين ، مقاومين له في القوّة.

[١٤] ـ (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) راجعون ، كأن الرّكوب يذكر بالجنازة أو بإخطاره فينبغي أن يستعد الراكب للقاء ربّه ولا يركب لغير مباح.

[١٥] ـ (وَجَعَلُوا لَهُ) مع إقرارهم بأنّه خالق الخلق (مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) ولدا إذ قالوا : الملائكة بنات الله ، لأنّ الولد جزء الوالد.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما يؤذيها ، (١) وضمّ «أبو بكر» «الزاي» (٢) (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) ظاهر الكفر والكفران بنسبة الولد الى الله.

[١٦] ـ (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) «أم» بمعنى بل وهمزة الإنكار لحالهم ، إذ لم يكتفوا بجعلهم له ولدا حتّى جعلوا ذلك الولد اخسّ ممّا أصفاهم به واكره شيء إليهم بدليل :

[١٧] ـ (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) بالجنس الذي جعله له شبها ، إذ الولد يشبه الوالد أي إذا بشّر بالأنثى (ظَلَ) صار (وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) لما يلحقه من الغمّ (وَهُوَ كَظِيمٌ) ممتل كربا.

[١٨] ـ (أَوَمَنْ) انكار أي أو جعلوا له من (يُنَشَّؤُا) (٣) يتربى ، وضمّ «الياء»

__________________

(١) صحيح مسلم الجزء السابع : ١٤١ باب فضائل فاطمة عليها‌السلام.

(٢) حجة القراءات : ٦٤٥.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «ينشّؤا» بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

١٧١

«حفص» و «حمزة» و «الكسائي» مع فتح النون وتشديد الشّين أي يربي (١) (فِي الْحِلْيَةِ) الزّينة (وَهُوَ فِي الْخِصامِ) في المخاصمة (غَيْرُ مُبِينٍ) للحجّة لضعف عقله يعنى الإناث.

[١٩] ـ (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) بتسميتهم بنات الله ، وقرأ «الحرميّان» و «ابن عامر» «عبد الرّحمن» (٢) (أَشَهِدُوا) احضروا (خَلْقَهُمْ) فرأوهم إناثا ، وقرأ «نافع» بهمزتين ، الثانية مضمومة بين بين ، (٣) وقيل يدخل بينهما الفا (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) بأنّهم إناث (وَيُسْئَلُونَ) عنها يوم القيامة.

[٢٠] ـ (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ) أن لا نعبد الملائكة (ما عَبَدْناهُمْ) فإنّما عبدناهم بمشيّئته ، تعلّلوا بقول المجبرة ، فردّ الله عليهم بقوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ) المقول من مشيّته القبيح بالذّات (مِنْ عِلْمٍ) مستند الى حجّة (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) يكذبون فيه.

[٢١] ـ (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) قبل القرآن أو الرسول (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) أي ليس الأمر هكذا.

[٢٢] ـ (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) ملّة تأمّ أي تقصد (وَإِنَّا) سالكون (عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) بهم أي لا مستند لهم إلّا التقليد.

[٢٣] ـ (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) متنعموها الّذين أبطرهم الترفه عن النّظر ، مثل قول قومك : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) بهم ، فلا تغتم لضلال قومك في ذلك فإنّه دأب من تقدّمهم.

[٢٤] ـ (قالَ) (٤) أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو حكاية أمر النذير ، ويعضده

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٤٦.

(٢) حجة القراءات : ٤٦٧ مع اختلاف.

(٣) حجة القراءات : ٤٦٧ مع اختلاف.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «قال» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

١٧٢

قراءة «ابن عامر» و «حفص» «قال» وما بعده (١) (أَوَلَوْ) أي تتبعون آبائكم ولو : (جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) من الدّين (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) ولا ننظر فيه وان كان أهدى.

[٢٥] ـ (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بإهلاكهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ولا يهمّك تكذيبهم.

[٢٦] ـ (وَإِذْ) واذكر إذ (قالَ إِبْراهِيمُ) أشرف آبائهم وقد ترك التقليد لأجل الدليل فهو أحقّ بأن يتّبعوه في قوله : (لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ) مصدر ، وصف به ، يقال للواحد والأكثر والمذكر والمؤنث أي برىء (مِمَّا تَعْبُدُونَ) «ما» مصدرية أو موصولة.

[٢٧] ـ (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) منقطع أو متصل ان شملته «ما» وكانوا يعبدونه وغيره أو صفة بجعل «ما» موصوفة أي من آلهة تعبدونها غير خالقي (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) الى طريق الجنة أو يثبتني على دينه.

[٢٨] ـ (وَجَعَلَها) جعل الله أو ابراهيم كلمة التوحيد التي قالها ، إذ براءته من آلهتهم بمنزلة «لا إله» والاستثناء بمنزلة إلّا الله (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو الى توحيده (لَعَلَّهُمْ) أي من أشرك منهم (يَرْجِعُونَ) الى التوحيد بدعاء من وحّد.

[٢٩] ـ (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) المشركين بالنّعم والإمهال ، فتمادوا بكفرهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) القرآن (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) بيّن الرسالة بالحجّة أو موضح للمحجّة.

[٣٠] ـ (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) ازدادوا عنادا ، فجحدوا القرآن وكابروا الرّسول.

__________________

(١) حجة القراءات ٦٤٨.

١٧٣

[٣١] ـ (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) «مكّة» و «الطائف» أي من أحداهما (عَظِيمٍ) ذي جاه ومال ك «الوليد بن المغيرة» ب «مكة» و «عروة بن مسعود» ب «الطائف» فإنّه اولى بالنبوة ، فردّ الله عليهم بإنكار فقال : [٣٢] ـ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) أي النبوة فيضعونها حيث شاءوا (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ولم نفوّض تدبيرها إليهم مع حقارتها ، فكيف نفوّض أمر النّبوّة العظيمة الشأن إليهم.

ومنه يعلم إنكار تفويض أمر الإمامة الى الخلق كما لا يخفى ، ولا يلزم انّه قسم لهم الحرام لأنّ التعدي إليه فعلهم (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) في الرزق بمقتضى الحكمة والمصلحة (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) مسخرا يستخدمه في حوائجه فينتفع كلّ بالآخر فينتظم بذلك أمر العالم (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) أي الجنّة أو النّبوّة لك (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من عرض الدنيا.

[٣٣] ـ (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) مجتمعين على الكفر لحبّهم الدنيا (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) بدل من «لمن» (سُقُفاً) وفتح «ابن كثير» و «أبو عمرو» سينه وسكّنا قافه (١) (مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ) مصاعد ، جمع معرج (عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يعلون سطوحها.

[٣٤] ـ (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً) من فضّة (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ).

[٣٥] ـ (وَزُخْرُفاً) أى وجعلنا لهم زينة أو ذهبا ، فيجوز كونه عطفا على محلّ «فضّة». ويفيد وجوب اللطف ، به تعالى حيث منع الكافر ما ذكر مع حقارة الدنيا عنده لئلّا يكفروا جميعا إذا رأوه متنعما ، ولو لا ذلك لأعطاه ، وإذا لم يفعل ما يؤدي الى الكفر فإن لا يخلقه بدون اختيار العبد أولى (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) «ان» هي المخففة واللّام فارقة و «ما» زائدة ، وشدّدها «عاصم» و «حمزة»

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٤٩.

١٧٤

و «هشام» بخلاف عنه بمعنى إلّا وان نافية (١) (وَالْآخِرَةُ) الجنّة (عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) الكفر والمعاصي.

[٣٦] ـ (وَمَنْ يَعْشُ) يقال عشا كدعا تعامى وعشى كرضى : عمى أي ومن يتعامى ويعرض (عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي القرآن لإقباله على الدّنيا (نُقَيِّضْ) نهيّئ (لَهُ شَيْطاناً) أي نخلّي بينه وبينه لإعراضه عن الحق (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ملازم يغويه ، وقرأ «يعقوب» بالياء (٢).

[٣٧] ـ (وَإِنَّهُمْ) أي الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ) أي العاشين (عَنِ السَّبِيلِ) دين الله وجمع الضّميرين للمعنى (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) الضمائر للعاشين.

[٣٨] ـ (حَتَّى إِذا جاءَنا) أي العاشي يوم القيامة ، وقرأ «الحرميّان» و «ابن عامر» و «أبو بكر» : «جاءانا» أي العاشي وقرينه (٣) (قالَ) ـ لقرينة ـ : (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) بعد المشرق والمغرب ، غلّب المشرق فثنى (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) أنت.

[٣٩] ـ (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) تمنّيكم (إِذْ ظَلَمْتُمْ) إذ ظهر ظلمكم بكفركم في الدنيا بدل من «اليوم» (أَنَّكُمْ) لأنّكم مع قرنائكم (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) كما كنتم مشتركين في الكفر ، أو هو فاعل «ينفع» أي لن ينفعكم اشتراككم في العذاب وإن قيل : «المصيبة إذا عمّت طابت» لشغل كلّ منكم بنفسه عن غيره.

[٤٠] ـ (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) شبهوا في عدم انتفاعهم بما يسمعونه ويرونه بالصّم والعمي (وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) بيّن ، أي لا تقدر على جبرهم على الإيمان فلا تحزن لكفرهم.

[٤١] ـ (فَإِمَّا) «ان» الشرطيّة أدغمت في «ما» الزّائدة (نَذْهَبَنَّ بِكَ) نتوفينك قبل

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٤٩ وليس فيه هشام.

(٢) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٦٩.

(٣) حجة القراءات : ٦٥٠.

١٧٥

تعذيبهم (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) بعدك في الآخرة أو الدنيا.

عن «جابر» : لمّا نزلت قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلي بن أبي طالب (١).

[٤٢] ـ (أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ) به من العذاب (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) لا يعجزوننا.

[٤٣] ـ (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) من القرآن والدّين (إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) دين قيّم.

[٤٤] ـ (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ) لشرف (لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) عن القيام بحقّه.

[٤٥] ـ (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) وقد جمعوا له ليلة الإسراء أو اسأل أممهم (أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) هل حكمنا بعبادة غير الله في ملّة من مللهم.

والغرض بيان ان التوحيد دين أطبق عليه الرّسل ولم يبتدعه ، فكيف يكذب ويعادى لأجله.

[٤٦] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) تسلية للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وردّ لطعنهم فيه بفقره واستشهاد بدعوة «موسى» الى التّوحيد.

[٤٧] ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) فاجؤوا وقت ضحكهم منها استهزاء بها.

[٤٨] ـ (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) من آيات العذاب كالطوفان والجراد وغيرهما (إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) قرينتها ، فاللاحقة أكبر من سابقتها ، أو كل منها كبيرة بحيث يحكم من رآها بأنّها أكبر من سابقتها ، والمراد وصف الكلّ بالكبر (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) بتلك الآيات (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عن كفرهم.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٩.

١٧٦

[٤٩] ـ (وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) العالم الماهر ، كانوا يرون السّحر علما ويستعظمونه.

وقيل : سمّوه ساحرا لكفرهم وان وعدوه بالاهتداء ، (١) وضمّ «ابن عامر» «هاء» «ايّه» (٢) (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ) بعهده (عِنْدَكَ) من النبوّة أو كشف العذاب عمّن آمن (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) أي ان اكشف عنّا العذاب.

[٥٠] ـ (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) بدعاء «موسى» (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) عهدهم بالاهتداء.

[٥١] ـ (وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ) خداعا لهم بافتخاره (قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) من النيل (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) تحت قصوري أو أمري ، وفتح «الياء» «نافع» و «البزّي» و «أبو عمرو» ، (٣) والواو للحال أو العطف و «تجري» خبر أو حال (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ما أنا فيه.

[٥٢] ـ (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) ضعيف حقير و «أم» متصلة بتقدير أفلا تبصرون ، أم تبصرون فتعلمون انّي خير منه ، فأقيم المسبّب مقام سببه ، أو منقطعة ، والهمزة لتقرير فضله الّذي ذكر أسبابه (وَلا يَكادُ يُبِينُ) كلامه لأثر بقي من العقدة.

[٥٣] ـ (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ) (٤) (مِنْ ذَهَبٍ) جمع أسوار ، بمعنى : السوار ، والهاء عوض عن «ياء» اساوير ، وقرأ «حفص» : «اسورة» (٥) جمع سوار ، اي هلا فوّض

__________________

(١) معناه في تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠ والقائل هو الحسن.

(٢) حجة القراءات : ٦٥٠.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٣.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «أسورة» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٥٩.

١٧٧

إليه امر الملك ان كان صادقا ، وكانوا إذا سوّدوا أحدا سوّروه وطوّقوه بالذهب (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) به ، أو يقترنون بعضهم ببعض ، يعضدونه ويصدّقونه.

[٥٤] ـ (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) أمرهم ان يخفّوا في طاعته أو استجهلهم (فَأَطاعُوهُ) فيما طلب منهم (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) متمردين في الكفر.

[٥٥] ـ (فَلَمَّا آسَفُونا) أغضبونا (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ).

[٥٦] ـ (فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) متقدّمين الى النّار ، مصدر وصف به ، أو جمع سالف كخدم ، وضمّ «حمزة» و «الكسائي» السّين واللام جمع سليف (١) كرغيف (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) عبرة لهم يعتبرون بها فلا يقدمون على مثل أفعالهم.

[٥٧] ـ (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً) ضربه المشركون لما نزل (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٢) فقالوا : انّ النّصارى يعبدون «عيسى» وقد رضينا أن تكون آلهتنا معه ، وإذا جاز أن يعبد «عيسى» ، فالملائكة اولى بذلك.

أو أنّ «محمّدا» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد أن نعبده كما عبد «عيسى» (إِذا قَوْمُكَ) قريش (مِنْهُ) من المثل (يَصِدُّونَ) يضجّون فرحا لزعمهم انقطاع الرّسول به ، وضمّ «نافع» و «ابن عامر» و «الكسائي» الصّاد (٣).

[٥٨] ـ (وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) أي الأصنام خير أم «عيسى» فإن كان في النار فلتكن آلهتنا معه ، أو الملائكة خير أم «عيسى» ، فإذا جاز ان يعبد ، فهم اولى به ، أو آلهتنا خير أم «محمّد» أي هي خير منه ، وحقق «الكوفيّون» الهمزتين يتلوهما ألف (٤) (ما ضَرَبُوهُ) أي المثل (لَكَ إِلَّا جَدَلاً) خصومة لا بحثا عن الحق (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٥١.

(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.

(٣) حجة القراءات : ٦٥٢.

(٤) حجة القراءات : ٦٥٣.

١٧٨

شديد والخصومة.

[٥٩] ـ (إِنْ هُوَ) ما «عيسى» (إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) بالنّبوّة (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) كالمثل في الغرابة بخلقه من غير أب ، ليستدلوا به على قدرة الله على ما يشاء.

[٦٠] ـ (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ) بدلكم أو لولدنا منكم يا بشر (مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) يقومون مقامكم.

والغرض بيان كمال قدرته وكون الملائكة في السماء لا يوجب لهم الألوهيّة.

[٦١] ـ (وَإِنَّهُ) أي «عيسى» (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) يعلم قربها بنزوله لأنّه من أشراطها ، أو يعلم البعث من إحيائه الموتى.

وقيل الهاء للقرآن فإنّه يدل على قيام الساعة (١) (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) تشكّن فيها (وَاتَّبِعُونِ) اتبعوا ديني أو رسولي ، أو هو حكاية قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واثبت «أبو عمرو» «الياء» وصلا (٢) (هذا) الذي أمركم به (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) دين قيّم.

[٦٢] ـ (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ) عن دين الله (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) بيّن العداوة.

[٦٣] ـ (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات أو الشّرائع (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) بالنّبوّة والإنجيل (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أمر الدّين والدّنيا ، و «البعض» أمر الدين (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فيما أرسلني به.

[٦٤] ـ (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا) الدّين ، أي توحيده وعبادته (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) دين قيّم.

[٦٥] ـ (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) اليهود والنّصارى ، أو فرق النّصارى في

__________________

(١) قاله الحسن ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٤.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٣.

١٧٩

«عيسى» أهو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا بما قالوا في «عيسى» (مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) القيامة.

[٦٦] ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ) ما ينتظر كفّار مكّة (إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل من «الساعة» (بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بها قبل مجيئها لغفلتهم عنها.

[٦٧] ـ (الْأَخِلَّاءُ) المتحابّون في الدّنيا (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة ، ظرف ل «عدوّ» في : (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) لظهور انّ ما تحابّوا عليه سبب عذابهم (إِلَّا الْمُتَّقِينَ) المتحابين في الله على طاعة فإنّ خلّتهم باقية ، وينادون :

[٦٨] ـ (يا عِبادِ) فتح «ابو بكر» : «الياء» وصلا وسكّنها «نافع» و «أبو عمرو» و «ابن عامر» مطلقا ، وحذفها الباقون (١) (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).

[٦٩] ـ (الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا) صفة «عبادي» (وَكانُوا مُسْلِمِينَ) مخلصين.

[٧٠] ـ (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) المؤمنات (تُحْبَرُونَ) تسرّون سرورا ، يبدو في وجوهكم جباره أي أثره.

[٧١] ـ (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ) جمع صحفة أي قصعة (وَأَكْوابٍ) جمع كوب وهو كوز لا عروة له (وَفِيها ما) «تشتهي» (٢) (الْأَنْفُسُ) من النّعم ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» و «حفص» تشتهيه (٣) (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) من المناظر الحسنة أجمل بالصّنفين ما يعجز الخلق عن تفصيله (وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ) وبذلك يهنأ تنعمهم لعدم ما ينقّصه من خوف زواله (٤).

[٧٢] ـ (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بأعمالكم.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٢٦٣.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تشتهيه» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٣) حجة القراءات : ٦٥٤.

(٤) في «ج» لعدم ما يخوفهم وينغصهم من زواله.

١٨٠