الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

سورة الفيل

[١٠٥]

خمس آيات وهي مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (أَلَمْ تَرَ) استفهام تقرير ، أي قد علمت بتواتر الأخبار (كَيْفَ) في محلّ المصدر أي (فَعَلَ رَبُّكَ) أيّ فعل ، بمعنى فعل فعلا ذا عبرة لأولى الأبصار (بِأَصْحابِ الْفِيلِ) واسمه محمود وأصحابه ابرهة وجيشه ، وهو ملك اليمن من قبل النّجاشي ، بنى بصنعاء كنيسة ليصرف الحاجّ (١) عن الكعبة إليها ، فتغوط فيها رجل من كنانة ليلا فأغضبه ذلك ، فحلف ليهدمنّ الكعبة ، فسار بجيشه والفيل وأفيال اخرى الى مكّة فحين عبّأ (٢) جيشه لدخولها وقدّم الفيل ، وكان كلّما وجّهوه إليها برك ، وإذا وجّهوه الى جهة اخرى هرول ، فانتقم الله منهم بما قصّه في قوله : [٢] ـ (أَلَمْ يَجْعَلْ) أي جعل (كَيْدَهُمْ) في هدم الكعبة (فِي تَضْلِيلٍ) تضييع بأن اهلكهم وعصمها.

[٣] ـ (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) جماعات لا واحد له ، أو جمع أبالة ، أو أبول

__________________

(١) في «ج» النّاس.

(٢) اي : جهّز وقصد.

٥٠١

كعجول ، أو إبّيل كسكّيت : القطعة من الطّير والتّنكير للتّعظيم أو التّحقير لصغر جثتها.

[٤] ـ (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) طين متحجّر معرّب «سنگ گل».

وقيل : من اسجله : أرسله ، كان في منقار كلّ طير حجر وفي رجليه حجران أكبر من العدسة وأصغر من الحمّصة ، فيرمى الرّجل بحجر في رأسه فيخرج من دبره.

[٥] ـ (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) كورق زرع أكلته الدوابّ وراثته أو وقع فيه أكّال من الدّود أي دمّرهم وكان ذلك عام مولد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو إرهاص (١) لنبوّته.

__________________

(١) الإرهاص : الإثبات بالدلائل.

٥٠٢

سورة قريش

[١٠٦]

أربع أو خمس آيات مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) مصدر آلفه بالمدّ يولفه ، واللام تتعلّق بمحذوف كأعجبوا لإيلافهم الّذي أنعم الله به عليهم ، وهم يزدادون كفرا ، أو بقوله «فليعبدوا» و «الفاء» لمعنى الشرط كانّه قيل ان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لإيلافهم ، أو بما قبله ويعضده ما روى انّهما سورة واحدة أي جعل كعصف لأجل [٢] ـ (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) بدل من الأوّل أي إيلافهم في رحلتهم في الشّتاء الى «اليمن».

ورحلتهم في الصّيف الى «الشّام» في كلّ سنة يمتارون ويتّجرون ، لم يتعرّضهم احد ولم يتخطّفوا كغيرهم احتراما لهم لكونهم أهل حرم الله وجيران بيته الحرام ، وهم ولد النّضر بن كنانة ، وقرأ «ابن عامر» لاف بغير ياء بعد الهمزة (١).

[٣] ـ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) لعلّ تخصيص هذه الإضافة إشارة الى انّ

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٨٩.

٥٠٣

ما أنعم به عليهم من الرّزق والأمن ببركة البيت.

[٤] ـ (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) من أجله بما رزقهم في رحلتيهم أو بعد قحط أكلوا فيه الجيف ، والتّنكير للتّعظيم وكذا : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) خوف جيش الفيل والتّعرّض لهم في بلدهم ومتاجرهم.

٥٠٤

سورة الماعون (١)

[١٠٧]

ست أو سبع آيات ، مختلف فيها (٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (أَرَأَيْتَ) استفهام تعجيب أي هل عرف (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) بالجزاء أو الإسلام.

[٢] ـ (فَذلِكَ) أي ان لم تعرفه ذلك (الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) يدفعه عن حقّه بعنف ، نزلت في «الوليد بن المغيرة» ، أو «ابي جهل» ، أو «ابي سفيان».

أو عامّ في كلّ مكذّب ، إذ منكر البعث يقدم على كلّ قبيح مال إليه هواه.

[٣] ـ (وَلا يَحُضُ) لا يحثّ نفسه ولا غيره (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي إطعامه لتكذيبه بالجزاء.

[٤] ـ [٥] ـ (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) غافلون ،

__________________

(١) في «ب» سورة أرأيت.

(٢) في «ج» مكيّة او مدنية.

٥٠٥

يؤخرونها عن وقتها ولا يبالون بها ، و «الفاء» للسّببيّة أي فويل لهم ، فوضع المصلّين موضع ضميرهم إيذانا بتقصيرهم مع الخالق والمخلوق أو جواب شرط مقدّر أي إذا أوجب دعّ اليتيم ومنع المسكين الذّمّ والتّوبيخ فالسّهو عن الصّلاة الّتي هي عمود الدّين اولى بإيجابه واستحقاق الويل.

[٦] ـ (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) الناس في أعمالهم ولم يخلصوها لله.

[٧] ـ (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) الزّكاة.

وعن «الصادق» عليه‌السلام : هو القرض والمعروف ومتاع البيت يعيره والزّكاة ، ولا جناح في منع المتاع ممّن يتلفه إذا استعاره (١).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٤٨.

٥٠٦

سورة الكوثر

[١٠٨]

ثلاث آيات مكية أو مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) الخير الكثير وهو يعمّ جميع ما فسّر به من العلم والنّبوّة والقرآن والشّفاعة وشرف الدّارين ونهر في الجنّة وهو حوضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذرّيّته.

إذ السّورة ردّ على من زعم انّه ابتر أي نعطيك نسلا في غاية الكثرة لا ينقطع الى يوم القيامة.

والتّعبير بالماضي لتحقّقه وقد وقع كلّ ذلك كما اخبر وكثر نسله من ولد فاطمة عليها‌السلام حتّى ملأ اقطار العالم وجعل فيهم الأئمة المعصومين الحجج على خلقه وذلك من المعجزات الّتي تضمّنتها هذه السّورة القصيرة.

[٢] ـ (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) دم على الصّلاة خالصا لوجهه ، لا ساهيا مرائيا ، شكرا لنعمه (وَانْحَرْ) البدن واطعم منها مقابلة للدّع والمنع ، أو استقبل القبلة بنحرك في الصّلاة.

٥٠٧

والأمر للوجوب أو ارفع يديك الى نحرك في تكبيرها ، فالأمر للنّدب كما هو الأقوى ، أو صلّ صلاة العيد وانحر أضحيتك.

[٣] ـ (إِنَّ شانِئَكَ) مبغضك الّذي سمّاك «ابتر» لموت ابنك وهو العاص بن وائل (هُوَ الْأَبْتَرُ) المنقطع العقب والذّكر ، لا أنت لبقاء عقبك وحسن ذكرك على مرّ الزّمان وتفضيلك بالمقام المحمود في الآخرة.

٥٠٨

سورة الكافرون

[١٠٩]

ستّ آيات مكية أو مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) خطاب لمعيّنين علم الله أنّهم لا يؤمنون ، قالوا يا «محمّد» تعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة ، فنزلت.

[٢] ـ (لا أَعْبُدُ) في المستقبل (ما تَعْبُدُونَ) من الأصنام.

[٣] ـ (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) في المستقبل (ما أَعْبُدُ) معبودي وهو الله وحده ، واوثرت «ما» على «من» لقصد الصّفة ، كأنّه قيل : لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحقّ أو للطّباق.

[٤] ـ (وَلا أَنا عابِدٌ) في الحال (ما عَبَدْتُّمْ).

[٥] ـ (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) في الحال (ما أَعْبُدُ) وقيل الأولان للحال والأخيران للاستقبال ، وقيل : «ما» مصدريّة في الكلّ أو في الأخيرين فقط.

[٦] ـ (لَكُمْ دِينُكُمْ) كفركم (وَلِيَ دِينِ) التّوحيد فإن أريد به المتاركة

٥٠٩

فهو منسوخ بآية السّيف ، وإن أريد به التّهديد ك (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (١) فليس منسوخا. وقيل : الدّين الجزاء ، وفتح ياء «لي» «نافع» و «حفص» و «هشام» (٢).

__________________

(١) سورة فصّلت : ٤١ / ٤٠.

(٢) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٩٠.

٥١٠

سورة النّصر

[١١٠]

ثلاث آيات مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) ايّاك على أعدائك (وَالْفَتْحُ) فتحه مكّة ، وهذه بشارة ومعجزة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّها اخبار بالغيب وقد وقع.

[٢] ـ (وَرَأَيْتَ) علمت أو أبصرت (النَّاسَ يَدْخُلُونَ) ثاني مفعولي «رأيت» أو حال (فِي دِينِ اللهِ) الإسلام (أَفْواجاً) جماعات وقبائل بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد.

[٣] ـ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فنزّه الله عمّا لا يليق به ، أو تعجّب لتيسيره هذا الفتح متلبّسا بحمده على نعمه (وَاسْتَغْفِرْهُ) انقطاعا إليه أو لما عساه فرط منك من خلاف الأولى ، أو للمؤمنين.

أو ليقتدي بك وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزولها يكثر من قول «سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه» (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) للمستغفرين ولم يزل كذلك.

٥١١

واشتهر انّها دلّت على نعيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّيت سورة «التّوديع» وذلك لدلالتها على كمال أمره وتمامه.

أو للأمر بالتّسبيح والاستغفار المؤذن بقرب الأجل وكان الفتح في شهر رمضان سنة ثمان ، وتوفّى في صفر سنة عشر.

٥١٢

سورة تبّت

[١١١]

خمس آيات مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (تَبَّتْ) خسرت وهلكت (يَدا أَبِي لَهَبٍ) أي جملته أو ذكرهما لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا امر بإنذار عشيرته فجمعهم وانذرهم فقال ابو لهب : تبّا لك ألهذا دعوتنا؟ وأخذ حجرا ليرميه به ، فنزلت.

وتكنيته ليست تعظيما له بل لغلبة كنيته وكراهة لاسمه (١) «عبد العزّى» واشارة الى انّه من أهل النّار كقولهم أبو الجود لمن يلازمه وسكّن «ابن كثير» «الهاء» (٢).

ولم تصدّر ب «قل» كسابقة والّلواحق لها لأنّها توبيخ لعمّه فلا يليق أن يكون منه ولأنّه انتقام منه لأجله ، فلم يكلّفه الله بالانتصار لنفسه بل تولّاه عنه إكراما ولأنّه اشدّ انتقاما (وَتَبَ) ليس تكريرا لأنّ الأوّل دعاء والثّاني اخبار ، أو الأوّل اخبار عن هلاك عمله والثّاني عن هلاك نفسه والتّعبير عنه بالماضي لتحقّقه وكذ [٢] ـ (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ)

__________________

(١) في «ج» كراهة الاسم عليه.

(٢) حجة القراءات : ٧٧٦.

٥١٣

من عذاب الله شيئا (وَما كَسَبَ) وكسبه أي عمله الخبيث.

أو ولده عتبة ، وقد دعا عليه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فافترسه أسد في طريق الشّام وهلك أبو لهب بالعدسة وبقي ثلاثا حتّى أنتن فدفن بآجرة ، ففيه تصديق للإخبار بالغيب.

[٣] ـ (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) تلهّب ، هي جهنّم ودلّ على انّه يموت كافرا وقد وقع ذلك ، فكان معجزا ولا يلزم تكليفه بالنّقيضين من تصديقه وعدمه لأنّه انّما كلّف بّتصديقه فقط بعد علامة انّه لا يؤمن ، وفائدته الزام الحجّة.

[٤] ـ (وَامْرَأَتُهُ) عطف على ضمير يصلى سوّغه الفصل أو مبتدأ ، وهي «امّ جميل» اخت ابي سفيان (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) الشّوك ، كانت تنثره بالليل في طريق النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أو حطب جهنّم وهو أوزارها بعداوة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو النّميمة الموقدة النار العداوة وهو صفة أو خبر ، ونصبه «عاصم» على الذّم (١).

[٥] ـ (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ممّا مسد أي فتل من ليف وغيره تحقير لها بتصويرها بصورة من يحمل الحطب ويربطه في جيده ، أو اعلام بأنّها تحمل في جهنّم حزمة من شوكها كهيئتها في الدّنيا أو في جيدها سلسلة من نار والظّرف حال أو خبر.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٧٦.

٥١٤

سورة الإخلاص

[١١٢]

اربع أو خمس آيات مكية أو مدنية

قيل : سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ربّه ، فنزلت (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) هو الشأن والجملة خبره أو للمسئول عنه ، و «الله» خبر «هو» ، أو خبر ثان يفيد نفي أنحاء التركيب والتعدد ، فدل على جميع صفات الجلال ككونه ليس بجوهر ولا عرض ولا متحيّز ولا شريك له في موجب الإلهية كما دل «الله» على جميع صفات الإكرام لأنه اسم للمعبود بالحق الجامع لكل كمال.

[٢] ـ (اللهُ الصَّمَدُ) السيد المصمود إليه ، أي المقصود في الحوائج وهو الصّمد المطلق لغناه عن غيره واحتياج غيره ، فيدل بالإجمال على نعوت الكمال والجلال.

[٣] ـ (لَمْ يَلِدْ) لامتناع مجانسته واحتياجه الى معين وفناه وتوريته ، وهو ردّ على من قال : عزير أو عيسى ابن الله ، والملائكة بناته ، ولعل صيغة المضيّ لذلك.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٦٩.

٥١٥

(وَلَمْ يُولَدْ) لامتناع الحدوث عليه.

[٤] ـ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً) (١) (أَحَدٌ) أصله : لم يكن احد مكافئا له أي : مماثلا ، ف «له» صلة «كفو» وقدم عليه لأهمّيّته ، إذ الغرض تنزيه ذاته عن المماثل ، ولذلك قدم الخبر على الإسم وللفاصلة ، وقرأ «حفص» بضمّ «الفاء» مع واو بلا همزة ، و «حمزة» بإسكان «الفاء» مع الهمزة ، والباقون بضمّ «الفاء» مع الهمزة (٢).

ولهذه السورة فضل عظيم قد نطقت به أخبار جمة (٣).

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «كفو» بضم الفاء مع واو بلا همزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٧٧ ـ تفسير البيضاوي ٤ : ٢٧٠.

(٣) ينظر تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٦١.

٥١٦

سورة الفلق

[١١٣]

خمس آيات مدنية أو مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) الصبح ، لأنه فلق عنه الظلام أي فرق ، وتخصيصه لفضله ، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (١) وتغير الحال فيه من ظلمة الى نور وتذكيره بصبح القيامة واشعاره بأن من قدر على كشف الظلمة قادر على دفع الشرّ.

وقيل : كلما يفلق عنه كالمطر والنبات والعيون والأولاد ، وذكر «الرّب» توسلا بتربيته السابقة في اللاحقة.

[٢] ـ (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) من ذي نفس وغيره ، جسما كان أو عرضا ، فيعمّ الثقلين والسّباع والهوام والسموم والأسقام والبلايا والآلام.

[٣] ـ (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ) ليل شديد الظلمة ، من غسقت العين : امتلأت ، أو سالت دمعا لامتلاء الآفاق بظلامه ، أو لسيلان ظلامه (إِذا وَقَبَ) دخل ظلامه ،

__________________

(١) سورة الإسراء : ١٧ / ٧٨.

٥١٧

وتخصيصه لهجوم البلاء غالبا.

وقيل : الغاسق : القمر يكسف فيقب أي يدخل في السواد (١).

[٤] ـ (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ) أي النساء أو النفوس السواحر اللواتي ينفثن أي :

ينفخن بريق أو بدونه (فِي الْعُقَدِ) التي يعقدنها في خيط برقيه يقلنها ، وعرّفت دون «غاسق» و «حاسد» لأن كل نفاثة شريرة بخلافهما.

[٥] ـ (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) أظهر حسده وفعل ما يظهره عليه.

وتخصيص الثلاثة بعد ما يعمها وهو «ما خلق» لشدة شرّها.

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٧٠.

٥١٨

سورة النّاس

[١١٤]

ستّ آيات مدنية أو مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) خصّوا بالذكر تشريفا لهم ولأن الاستعاذة من شرّ الموسوس إليهم تناسب أن تكون بربهم المدبر المعبود ، فهو المتصرف المالك لأمورهم.

[٢] ـ [٣] ـ (مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) عطف بيان إذ ليس كل ربّ ملكا وليس كل ملك اله.

وهذه الثلاثة تؤذن بكمال قدرته على الإعادة ، وتكرير «الناس» لزيادة التشريف والبيان.

[٤] ـ (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) اسم بمعنى الوسوسة ، أريد به الشيطان ، سمّي بفعله مبالغة والمصدر بالكسر ، كالزلزال.

(الْخَنَّاسِ) لأنّه يخنس أي يتأخر إذ ذكر العبد ربّه.

٥١٩

[٥] ـ (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) عند غفلتهم عن ذكر ربهم ، و «الذي» صفة أو ذم مرفوع أو منصوب.

[٦] ـ (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للوسواس أي الشيطان أو ل «الذي» إذ الشيطان الموسوس يكون جنيا أو إنسيا.

وقد ذكر في «الفلق» المستعاذ به بصفة واحدة ، والمستعاذ منه ثلاثة أنواع ، وذكر في هذه المستعاذ به بثلاث صفات والمستعاذ منه آفة واحدة إيذانا بعظمها لضررها بالنفس والدّين ، وضرر الثلاثة بالبدن غالبا فالتحرز من الضرر الاول أهم.

أعاذنا الله وإيّاكم من مضار الدّنيا والدّين ووفقنا لما يوصل الى سعادة الدارين بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين عليهم صلوات رب العالمين.

وهذا منتهى سعي القلم في تحرير ما قصدنا إحكام نظامه قد منّ الله بالتوفيق لإتمامه ، فما كان منه صوابا فمن فيض انعامه ، وما كان خطأ فمن فتور الذهن وخمود ضرامه.

اسأل الله سبحانه (١) عما وقع فيه من التقصير والعفو عن الزلل والذنوب من كبير وصغير وان يجعل اجتهادي في تأليفه خالصا لوجهه الكريم وموجبا لنيل ثوابه الجسيم انه بعباده رؤوف رحيم.

وقد منّ الله بلطفه وتوفيقه لنقله من السواد الى هذا البياض وتنميقه على يدي مؤلفه المفتقر الى عفو سيده ومولاه عما اقترفه من الذنوب وما جناه ، المعترف بالقصور والتقصير ، والمقرّ بالتفريط في جنب من إليه الأمور تصير ،

__________________

(١) بياض في النسخة «ألف» مقدار كلمة واحدة ولعلها العفو.

٥٢٠