الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[١٨] ـ (بِأَكْوابٍ) أقداح لا عرى لها ولا خراطيم (وَأَبارِيقَ) لها ذلك (وَكَأْسٍ) خمر أو اناء فيه خمر (مِنْ مَعِينٍ) من نهر ظاهر للعيون ، أو جار من العيون.

[١٩] ـ (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) لا يحصل لهم منها صداع (وَلا يُنْزِفُونَ) من نزف الشّارب بصيغة المجهول أي ذهب عقله ، وكسر «الكوفيون» الزّاي من انزف أي نفد عقله أو شرابه (١).

[٢٠] ـ (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ).

[٢١] ـ (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ).

[٢٢] ـ (وَحُورٌ) عطف على «ولدان» أو مبتدأ حذف خبره ، أي ولهم حور ، وخفضه «حمزة» و «الكسائي» (٢) عطفا على «جنات» بتقدير مضاف أي وفي مقارنة حور أو على أكواب بالمعنى أي يكرمون بأكواب وحور (عِينٌ) واسعات العيون.

[٢٣] ـ (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) المصون ، والكاف للمبالغة في التشبيه.

[٢٤] ـ (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي فعلنا ذلك بهم جزاء بأعمالهم.

[٢٥] ـ (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) ساقطا من القول (وَلا تَأْثِيماً) ولا يقال لأحد منهم أثمت.

[٢٦] ـ (إِلَّا) لكن (قِيلاً) قولا (سَلاماً سَلاماً) بدلا من «قيلا» أو نعته أو مفعوله أي إلا ان يقولوا سلاما ، أو مصدر والتكرير للتكثير.

[٢٧] ـ (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ).

[٢٨] ـ (فِي سِدْرٍ) شجر النّبق (مَخْضُودٍ) لا شوك له ، كأنّه خضد شوكه أي قطع.

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٤ ـ مع اختلاف.

(٢) حجة القراءات : ٦٩٥.

٢٨١

أو مثنّى الأغصان من ثقل حمله من خضد الغصن : ثنّاه رطبا.

[٢٩] ـ (وَطَلْحٍ) شجر الموز أو امّ غيلان ، كثير النّور ، طيّب الرائحة (مَنْضُودٍ) بالحمل من أسفله الى أعلاه.

[٣٠] ـ (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) منبسط أو دائم.

[٣١] ـ (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) جار ابدا.

[٣٢] ـ (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ).

[٣٣] ـ (لا مَقْطُوعَةٍ) في وقت (وَلا مَمْنُوعَةٍ) عن طالبها بوجه.

[٣٤] ـ (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) بنضدها أو على السّرر.

وقيل : هي النساء المرفوعة على الأرائك (١) لقوله :

[٣٥] ـ (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) ابتدأنا خلقهن من غير ولادة ابتداء جديدا ، أو ابتداء اعادة كما

روي : انّهنّ العجائز يجعلهنّ الله بعد الكبر أبكارا (٢).

[٣٦] ـ (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) كلّما أتاهنّ ازواجهنّ وجدوهنّ عذارى.

[٣٧] ـ (عُرُباً) متحبّبات الى ازواجهنّ ، جمع عروب وسكن راءه «ابو بكر» و «حمزة» (٣) (أَتْراباً) مستويات في السّنّ ، أو أمثال ازواجهنّ فيه.

[٣٨] ـ (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) متعلق ب «انشأنا» أو «جعلنا» أو خبر محذوف أي هنّ لهم ، وهم :

[٣٩] ـ (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) من الأمم الماضية.

[٤٠] ـ (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من هذه الامة ، وروي انّ الثّلّتين من هذه الامة (٤).

__________________

(١) قاله الجبائي ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢١٩.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ١٨٣.

(٣) حجة القراءات : ٦٩٦.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ٢١٩ رواه مرفوعا سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي (ص).

٢٨٢

[٤١] ـ (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ).

[٤٢] ـ (فِي سَمُومٍ) ريح حارة تنفذ في المسام من نار (وَحَمِيمٍ) ماء شديد الحرارة.

[٤٣] ـ (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) دخان أسود.

[٤٤] ـ (لا بارِدٍ) كسائر الظّلال (وَلا كَرِيمٍ) ولا نافع بوجه.

[٤٥] ـ (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) في الدنيا (مُتْرَفِينَ) منعمين ، لاهين عن الطّاعة.

[٤٦] ـ (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ) الذنب (الْعَظِيمِ) أي الشرك.

[٤٧] ـ (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) وقرأ «نافع» و «الكسائي» : الثاني بهمزة خبرا (١) والعامل في «إذا» ما دلّ عليه «مبعوثون» لا هو ، لمنع الهمزة ، وانّ واللام عن عمله فيما قبلها ، وكرّرت الهمزة مبالغة في انكارهم ولذلك ادخلت على الواو في :

[٤٨] ـ (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) عطف على المستكن في مبعوثون ، وساغ للفصل بالهمزة ، أو على محلّ اسم «انّ» وسكّن «الواو» «نافع» و «ابن كثير» و «ابن عامر» (٢).

[٤٩] ـ (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ)

[٥٠] ـ (لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ) لوقت (يَوْمٍ مَعْلُومٍ) عند الله هو يوم القيامة.

[٥١] ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) عن الحق (الْمُكَذِّبُونَ) بالبعث.

[٥٢] ـ (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) «من» الاولى ابتدائيّة والثّانية بيانيّة.

[٥٣] ـ (فَمالِؤُنَ مِنْهَا) من الشجر (الْبُطُونَ) لفرط الجوع.

[٥٤] ـ (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) على الزقوم (مِنَ الْحَمِيمِ) لشدة العطش.

[٥٥] ـ (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) الإبل العطاش ، جمع اهيم وهيماء كبيض ،

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٦.

(٢) النشر في القراءات العشر ١ : ٣٧٣ وليس فيه ابن كثير.

٢٨٣

وضمّ الشين «نافع» و «حمزة» و «عاصم» وفتحها غيرهم (١).

[٥٦] ـ (هذا نُزُلُهُمْ) ما هيّئ لهم (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء.

[٥٧] ـ (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا) فهلّا (تُصَدِّقُونَ) بالبعث بعد الخلق ، إذ من قدر على البدء قدر على الإعادة.

[٥٨] ـ (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) ما تقذفونه في الأرحام من النطف.

[٥٩] ـ (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) أي المنيّ بشرا (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ).

[٦٠] ـ (نَحْنُ قَدَّرْنا) وخففه «ابن كثير» (٢) (بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) لا يغلبنا احد.

[٦١] ـ (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) نجعل مكانكم خلقا اشباهكم ، أو نبدّل صفاتكم على انّ أمثالكم جمع مثل محرّكا (وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) من الصّور كالقردة والخنازير.

[٦٢] ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) ومدّ «ابن كثير» و «أبو عمرو» «النشأة» (٣) (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) انّ من قدر عليها قدر على النشأة الاخرى.

[٦٣] ـ (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) تبذرونه في الأرض وتثيرونها.

[٦٤] ـ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) المنبتون.

[٦٥] ـ (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) نباتا هشيما (فَظَلْتُمْ) أصله ظللتم بكسر اللّام ، فحذفت تخفيفا (تَفَكَّهُونَ) ـ أصله بتائين فحذفت إحداهما ـ : تعجبون أو تندمون على انفاقكم فيه.

والتّفكه : التّنقّل بالفواكه ، استعير للتّنقّل بالحديث وتقولون :

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٦.

(٢) حجة القراءات : ٦٩٦.

(٣) النشر في القراءات العشر ٢ : ٣٤٣.

٢٨٤

[٦٦] ـ (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) ملزمون غرامة ما أنفقنا ، وقرأ «أبو بكر» «ائنّا» بهمزتين (١).

[٦٧] ـ (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) ممنوعون رزقنا ، لا حظّ لنا.

[٦٨] ـ (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ).

[٦٩] ـ (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) من السّحاب ، جمع مزنة (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).

[٧٠] ـ (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) ملحا ، ولمّا لم تتمحض «لو» للشرط التزم في جوابها اللام للفرق بينها وبين ما تمحض للشرط ، وحذف هنا للعلم بمكانه ، أو اكتفاء بالأولى (فَلَوْ لا) فهلّا (تَشْكُرُونَ) هذه النعمة.

[٧١] ـ (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) تقدحون.

[٧٢] ـ (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها) الّتي تنقدح هي منها كالمرخ والعفار (٢) (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) لها.

[٧٣] ـ (نَحْنُ جَعَلْناها) أي النّار (تَذْكِرَةً) لنار جهنّم أو لصحّة البعث كما مرّ في «يس» (٣) (وَمَتاعاً) منفعة (لِلْمُقْوِينَ) لنازلي القواء وهو القفر.

أو للخالية بطونهم أو مزاودهم من الطعام من أقوى الرّبع : خلا من اهله.

[٧٤] ـ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) صفة الإسم أو الرّبّ أي أحدث التسبيح بذكر اسمه تنزيها له عمّا يقول الكافرون به وبقدرته ، وتعجّبا من تعرّضهم لنقمته ، وشكرا على ما عدّد من صنوف نعمته.

[٧٥] ـ (فَلا أُقْسِمُ) «لا» زائدة أو لنفي الحاجة الى القسم لوضوح الأمر ولردّ ما يخالف المقسم عليه ، أو أصله لأنا اقسم ، فحذف انا وأشبعت الفتحة (بِمَواقِعِ النُّجُومِ)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٧.

(٢) المرخ : شجر رقيق سريع الوري يقتدح به ـ والعفار : شجر يتخذ منه الزناد.

(٣) سورة يس : ٣٦ / ٨١.

٢٨٥

بمساقطها للغروب ، أو بمنازلها أو بأوقات نزول القرآن ، وقرأ «حمزة» و «الكسائي» «بموقع» (١).

[٧٦] ـ (وَإِنَّهُ) أي القسم بها (لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ) اعتراض بين الموصوف وصفته وهي : (عَظِيمٌ) أي لو كنتم من أهل العلم لعلمتم عظمه وانّ بما في خبرها اعتراض بين القسم وجوابه :

[٧٧] ـ (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) كثير الخير ، عام النفع.

[٧٨] ـ (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) مصون ، وهو اللّوح المحفوظ.

[٧٩] ـ (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) لا يطّلع على اللوح إلّا الملائكة المطهرون من الأدناس الجسمانيّة ، أو لا يمسّ القرآن إلّا المطهرون من الكفر والأحداث ، فالنّفي بمعنى النهي فيفيد تحريم مسّه على المحدث ، وعليه كثير منّا وكرهه آخرون (٢).

[٨٠] ـ (تَنْزِيلٌ) مصدر وصف به أي منزل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ).

[٨١] ـ (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) أي القرآن (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) متهاونون مكذّبون.

[٨٢] ـ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) من المطر أي شكره (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بكونه من الله وتنسبونه الى الأنواء.

[٨٣] ـ (فَلَوْ لا) فهلّا (إِذا بَلَغَتِ) أي الرّوح وقت النّزع (الْحُلْقُومَ) الحلق.

[٨٤] ـ (وَأَنْتُمْ) يا حاضري المحتضر (حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إليه.

[٨٥] ـ (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) بالعلم والقدرة (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) لا تدركون ذلك ببصر ولا بصيرة.

[٨٦] ـ (فَلَوْ لا) فهلّا (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) مجزيين أو مربوبين.

[٨٧] ـ (تَرْجِعُونَها) تردون الروح الى البدن بعد بلوغ الحلقوم ، وهو ناصب

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٧.

(٢) ينظر وسائل الشيعة ١ : ٢٦٩ وكتاب مدارك الأحكام ١ : ٤١.

٢٨٦

«إذا» والمحضّض عليه ب «لو لا» ، وكررت تأكيدا وهي بفعلها دليل جواب الشّرط وتقديره : ان كنتم غير مدينين كما تزعمون فهلّا ترجعونها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فيما زعمتم ، شرط على شرط وجوابه كما مرّ (١).

[٨٨] ـ (فَأَمَّا إِنْ كانَ) الميّت (مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) السّابقين.

[٨٩] ـ (فَرَوْحٌ) فله استراحة (وَرَيْحانٌ) ورزق طيّب (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) والجواب قيل ل «امّا» ، وقيل ل «ان» وقيل لهما.

[٩٠] ـ (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ).

[٩١] ـ (فَسَلامٌ لَكَ) يا صاحب اليمين (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أي من اخوانك تحية لك أو فسلامة لك من العذاب من جهة إنّك منهم.

[٩٢] ـ (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) أي أصحاب الشّمال.

[٩٣] ـ (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ).

[٩٤] ـ (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) وإدخال نار عظيمة.

[٩٥] ـ (إِنَّ هذا) المذكور في السورة (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) من اضافة الموصوف الى صفته.

[٩٦] ـ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) سبق (٢).

__________________

(١) آنفا في الشرط الأوّل.

(٢) في تفسير الآية (٤٦) من هذه السورة.

٢٨٧
٢٨٨

سورة الحديد

[٥٧]

ثمان أو تسع وعشرون آية مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نزّهه كلّ شيء نطقا أو حالا عمّا لا يليق بعظمة شأنه ، وزيدت اللّام اشعارا بوجوب اخلاص العمل لله ، وجيء بما تغليبا للأكثر (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) حال تؤذن بموجب التسبيح.

[٢] ـ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لانفراده بإنشائها وتدبيرها (يُحْيِي وَيُمِيتُ) خبر محذوف أو استئناف (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

[٣] ـ (هُوَ الْأَوَّلُ) السابق لكلّ الموجودات بلا ابتداء (وَالْآخِرُ) الباقي بعد فنائها بلا انتهاء (وَالظَّاهِرُ) بكثرة الدلائل على وجوده أو الغالب على كلّ شيء (وَالْباطِنُ) عن ادراك العقول حقيقة ذاته أو العالم بباطن كلّ شيء (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

[٤] ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) في قدرها (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) بالتدبير (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) كالموتى (وَما يَخْرُجُ مِنْها)

٢٨٩

كالنّبات (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) كالوحي (وَما يَعْرُجُ فِيها) كالعمل (وَهُوَ مَعَكُمْ) بالعلم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فيجازيكم به.

[٥] ـ (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).

[٦] ـ (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يدخل كلا منهما في الآخر (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) بسرائرها.

[٧] ـ (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا) في سبيله (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) من المال الّذي استخلفكم في التصرف فيه ، فإنّه ماله نقله إليكم من غيركم فأنفقوه قبل ان ينقله عنكم (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ثواب عظيم على ايمانهم وانفاقهم.

[٨] ـ (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) ما تصنعون غير مؤمنين به (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) حال من واو «تؤمنون» (وَقَدْ أَخَذَ) أي الله وبناه «أبو عمرو» للمفعول (١) (مِيثاقَكُمْ) بالإيمان بنصب الأدلة والتمكين من النظر ، والواو للحال من مفعول «يدعوكم» والمعنى أيّ عذر لكم في ترك الإيمان وقد لزمتكم الحجج السّمعية والعقلية (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) لداع ما فهذا ابلغ داع.

[٩] ـ (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ) أي الله أو عبده (مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر (إِلَى النُّورِ) الإيمان (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث بعث الرّسول ونصب الأدلة.

[١٠] ـ (وَما لَكُمْ أَلَّا) وايّ شيء لكم في أن لا (تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يرثهما وما فيهما ، وتصير إليه أموالكم فاستعيضوا منها ثوابا بالإنفاق قبل ذهابها بلا ثواب (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) لمكة (وَقاتَلَ) وقسيمه ، ومن أنفق بعده وحذف لظهوره ودلالة ما بعده عليه (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً)

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٧.

٢٩٠

لسبقهم عند مسّ الحاجة وقوّة يقينهم لضعف الإسلام حينئذ (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) أي من بعد الفتح (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أي كلّا من الصّنفين المثوبة الحسنى ، أي الجنّة ورفعه «ابن عامر» مبتدأ (١) أي كلّ وعده (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيجازيكم به.

[١١] ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) أي ينفق ماله في سبيله (قَرْضاً حَسَناً) إقراضا خالصا لوجهه أو مقرضا حلالا طيّبا (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) فيضاعفه جزائه من عشر الى اكثر من سبعمائة ، والمفاعلة للمبالغة ، ونصب «عاصم» جوابا لاستفهام ، (٢) كأنّه قيل أيقرض الله أحد؟ وشدّده «ابن كثير» بلا ألف رافعا و «ابن عامر» ناصبا (٣) (وَلَهُ) مع المضاعفة (أَجْرٌ كَرِيمٌ) كثير النّفع والخير.

[١٢] ـ (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ظرف «وله» أو «يضاعف» أو مقدّر باذكر (يَسْعى نُورُهُمْ) الذي به يهتدون الى الجنّة (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) إذ بها يعطون كتبهم وذلك امارة نجاتهم ويقال لهم : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) أي دخولها والمبشر به «جنّات» (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الظفر بالبغية.

[١٣] ـ (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ) بدل من «يوم ترى» (لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) انظروا إلينا فإنّهم إذا نظروا إليهم استضاءوا بنور قدّامهم.

أو انتظرونا لأنّهم يمضون الى الجنّة كالبرق الخاطف ، وفتح «حمزة» «الهمزة» وكسر «الظّاء» (٤) أي امهلونا (نَقْتَبِسْ) نأخذ قبسا (مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ) لهم تهكما بهم : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) الى المحشر حيث أعطينا النّور (فَالْتَمِسُوا نُوراً) أو الى الدّنيا ، فاطلبوه بالإيمان والطاعة (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) بين الفريقين (بِسُورٍ) بحائط

__________________

(١) حجة القراءات : ٦٩٨.

(٢) حجة القراءات : ٦٩٩.

(٣) حجة القراءات : ٦٩٩.

(٤) حجة القراءات : ٦٩٩.

٢٩١

(لَهُ بابٌ باطِنُهُ) باطن السور أو الباب (فِيهِ الرَّحْمَةُ) بالجنّة للمؤمنين (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ) من جهته (الْعَذابُ) بالنّار للمنافقين.

[١٤] ـ (يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي موافقين لكم ظاهرا (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) بالنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالمؤمنين الدّوائر (وَارْتَبْتُمْ) وشككتم في الدّين (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) الآمال الطّول (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) الموت (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) الشيطان أو الدنيا.

[١٥] ـ (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ) وقرأ «ابن عامر» بالتّاء (١) (مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) فداء (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) علانية (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) اولى بكم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي.

[١٦] ـ (أَلَمْ يَأْنِ) أما حان (لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ).

قيل : لمّا قدم الصّحابة المدينة ، أصابوا نعمة وريفا (٢) فتغيروا عمّا كانوا عليه فنزلت (٣) (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) (٤) عطف لأحد وصفي القرآن على الآخرة وخفّفه «نافع» و «حفص» (٥) (وَلا يَكُونُوا) عطف على «تخشع» أو نهي ويعضده قراءة «رويس» بالتاء (٦) (كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) المدّة بطول أعمارهم أو ما بينهم وبين أنبيائهم (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن دينهم.

[١٧] ـ (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) تذكير بالبعث ، حثّا على الخشوع وزجرا عن القسوة.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠٠.

(٢) الريف : أرض فيها زرع وخصب.

(٣) قاله محمّد بن كعب ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٣٨.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «نزل» بالتخفيف ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٥) حجة القراءات : ٧٠٠.

(٦) نقله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٣٨.

٢٩٢

أو تمثيل لإحياء الذّكر للقلوب الميّتة بالقسوة (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تتأمّلونها بعقولكم.

[١٨] ـ (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) المتصدقين والمتصدقات وخفّف «ابن كثير» «الصّاد» من التصديق (١) (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) عطف على صلة «ال» لأنّها بمعنى الفعل أي الّذين تصدّقوا أو صدّقوا ، وضمير المذكّر للتغليب (يُضاعَفُ) خبر «انّ» مسند الى (لَهُمْ) أو الى ضمير «القرض» والقراءة ما مرّ (٢) (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) سبق (٣).

[١٩] ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) المبالغون في الصّدق أو التصديق (وَالشُّهَداءُ) القائمون بالشهادة لله ، أو على الأمم أي هم بمنزلة الصنفين (عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقيل «والشّهداء» مبتدأ خبره «عند ربّهم».

وأريد بهم الأنبياء الشاهدون على أممهم ، أو من استشهدوا في سبيل الله (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) الموعودان لهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) الملازمون لها.

[٢٠] ـ (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ) وتزيّن (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) تزهيد في الدنيا وبيان حقارة أمورها وسرعة زوالها ثمّ زاد بيانا بقوله : (كَمَثَلِ) أي هي في الإعجاب بزهرتها وسرعة تقضّيها كمثل (غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) الحرّاث أو الكفرة بالله ، المعجبون بالدّنيا (نَباتُهُ) الّذي نشأ واستوى عنه (ثُمَّ يَهِيجُ) ييبس (فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) فتاتا (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لمن اشتغل عنها بالدّنيا ونكّر تعظيما وكذا (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) لمن

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠١.

(٢) ينظر آية هود : ٢٠ وآية ٦٩ من سورة الفرقان وآية ٣٠ من سورة الأحزاب.

(٣) في سورة يس / ١١.

٢٩٣

لم يشتغل عنها بالدّنيا.

وضمّ «أبو بكر» «الرّاء» (١) (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ما التّمتّع باعراضها (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) لمن لم يطلب بها الآخرة.

[٢١] ـ (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) الى ما يوجبها (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لو تواصلتا.

وذكر «العرض» مبالغة في وصفها بالسّعة لأنّه دون الطول (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) فهي الآن مخلوقة (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) سمّاه فضلا لتفضله بأسباب استحقاقه كالتكليف والتمكين ، أو لما فيه من الزّيادة على قدر المستحقّ بالعمل (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فيتفضل بأعظم من ذلك.

[٢٢] ـ (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) كجدب ووباء (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) كمرض وأذى (إِلَّا فِي كِتابٍ) إلّا مثبتة في اللوح أو في علمه تعالى (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) نخلقها أي المصيبة أو الأرض أو الأنفس (إِنَّ ذلِكَ) الإثبات (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ).

[٢٣] ـ (لِكَيْلا تَأْسَوْا) نصب ب «كي» بمعنى أن أي اثبت أو أخبر بذلك لأنّ لا تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) من حظوظ الدّنيا حزنا يبلغ الجزع (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أعطاكم الله منها فرح بطروّ اختيال ، فإنّ من علم انّ المقدّر كائن لم يتأثر لكونه ، وقصّر «أبو عمرو» «آتاكم» (٢) أي جاءكم ليعادل فاتكم ، والأوّل يشعر بانّ فوات الشيء طبيعي وامّا حصوله فبسبب (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) متكبّر على النّاس بما اوتى (فَخُورٍ) عليهم به.

[٢٤] ـ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بالحقوق الواجبة (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) وفتح باءه «حمزة» و «الكسائي» (٣) و «الّذين» بدل من «كلّ مختال» أو مبتدأ دلّ على خبره ما بعده

__________________

(١) حجة القراءات : ١٥٧.

(٢) حجة القراءات : ٧٠١ ، ٧٠٢.

(٣) حجة القراءات : ٧٠١ ، ٧٠٢.

٢٩٤

(وَمَنْ يَتَوَلَ) عمّا يجب عليه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ) ضمير فصل وحذفه «نافع» و «ابن عامر» (١) (الْغَنِيُ) عن خلقه (الْحَمِيدُ) في ذاته.

[٢٥] ـ (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) الملائكة الى الأنبياء ، أو الأنبياء الى أممهم (بِالْبَيِّناتِ) بالحجج الواضحة (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) جنسه أي الكتب لتقرير الشرائع (وَالْمِيزانَ) آلة الوزن أو صفتها أو العدل أي أمرنا به (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ليلزم العدل فيما بينهم فتنتظم به أمورهم (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أي أنشأناه (فِيهِ بَأْسٌ) يحارب به (شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لاحتياج كلّ صنعة إليه (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) علم ظهور ، عطف على محذوف دلّ عليه «فيه بأس» لتضمّنه تعليلا أو التقدير وأنزله ليعلم (مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) بالآلات الحرب وغيرها (بِالْغَيْبِ) حال من هاء «ينصره» أي غائبا عن أبصارهم (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على إهلاك أعدائه (عَزِيزٌ) لا يحتاج الى نصره لكنها تنفع الناصر.

[٢٦] ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) جنسه ، أي الكتب المنزلة (فَمِنْهُمْ) فمن الذّريّة أو المرسل إليهم بدليل «أرسلنا» (مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) خارجون عن نهج الحق.

[٢٧] ـ (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) آثار «نوح» و «ابراهيم» ورسل عصريهما (بِرُسُلِنا) رسولا بعد رسول (وَقَفَّيْنا) بعدهم (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) فتوادّوا وتعاطفوا (وَرَهْبانِيَّةً) وهي الرياضة والعزلة والاجتهاد في العبادة ، منسوبة الى الرّهبان وهو الخائف ، فعلان من رهب ، كخشيان من خشي ونصبها بفعل يفسّره : (ابْتَدَعُوها) من قبل أنفسهم (ما كَتَبْناها) ما فرضناها (عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) استثناء منقطع ، أي لكن فعلوها طلب رضاه.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠٢.

٢٩٥

وضمّ «أبو بكر» «الرّاء» (١) (فَما رَعَوْها) جميعا (حَقَّ رِعايَتِها) إذ تركها كثير منهم وكفروا بعيسى و «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهم من بقي على دينه وآمن «بمحمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) ب «عيسى» و «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).

[٢٨] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالرّسل الماضين أو ب «عيسى» (اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) «محمد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) نصيبين (مِنْ رَحْمَتِهِ) لإيمانكم بمن قبل «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وايمانكم به (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) في السّلوك الى الجنّة أو الى جناب الحقّ (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

[٢٩] ـ (لِئَلَّا يَعْلَمَ) «لا» زائدة أي ليعلم (أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا) هي المخففة أي أنّ الشأن (يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ممّا ذكر ولا ينالونه لأنّهم لم يؤمنوا ب «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لا يقدرون أن يخصّوا النبوة بمن أحبّوا (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فيتفضّل بما شاء على من شاء.

__________________

(١) حجة القراءات : ١٥٧.

٢٩٦

سورة المجادلة

[٥٨]

احدى أو اثنتان وعشرون آية مدنيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) تراجعك وهي خولة بنت ثعلبة (فِي زَوْجِها) «أوس بن الصامت» ظاهر منها فاستفتت النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما عندي في أمرك شيء ، فنزلت الآيات الأربع (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) شدة حالها (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) تراجعكما (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) للأقوال (بَصِيرٌ) بالأحوال.

[٢] ـ (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ) (١) أصله يتظهّرون ، وقرأ «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» : «يظّاهرون» (٢) وأصله يتظاهرون ، وقرأ «عاصم» يظاهرون» من ظاهر (٣) (مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) بأن يقول الرجل لزوجته : أنت عليّ كظهر أمّي (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) على الحقيقة (إِنْ) ما (أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) فلا يماثلهن في الحرمة إلّا من ألحقها الله بهنّ كالمرضعات وازواج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والقراءة

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يظاهرون» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٠٣.

(٣) حجة القراءات : ٧٠٣.

٢٩٧

في «اللائي» سبقت في «الأحزاب» (١) (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ) ينكره الشرع (وَزُوراً) وكذبا (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) لهم تفضلا أو إن تابوا.

[٣] ـ (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (٢) القراءة ما مرّ (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أي الى قولهم بتداركه ، إذ المتدارك لشيء عائد إليه ، وتداركه ان يصلحوه بالكفّارة.

أو يريدون العود الى ما قالوا فيه أي ما حرّموه على أنفسهم من الوطء (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي فعليهم اعتاق رقبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) بالوطي (ذلِكُمْ) التغليظ (تُوعَظُونَ بِهِ) حتّى لا تظاهروا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وعد ووعيد.

[٤] ـ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبة (فَصِيامُ) فعليه صيام (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ويتحقق التتابع بصوم شهر ويوم ، فلو فرق بعده لم يبطل ، والأظهر انّه لا يأثم ، ولو أفطر قبل ذلك لا لعذر استأنف ومع العذر يبني (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصّيام لمرض ونحوه (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد.

وقيل مدّان ، ولم يقيّده بقبل التّماسّ اكتفاء بما سبق ، فيحرم الوطء قبله أيضا (٣).

ومنّا من اجازه كبعض العامّة (٤) (ذلِكَ) أي فرض ذلك البيان أو التخفيف (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ) الأحكام (حُدُودُ اللهِ) فلا تعتدوها (وَلِلْكافِرِينَ) بها (عَذابٌ أَلِيمٌ).

[٥] ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يخالفونهما ، إذ كلّ من المتخالفين في حدّ غير حدّ الآخر (كُبِتُوا) اذلّوا وأخذوا (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في محادتهم رسلهم (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) دالّة على صدق الرّسل (وَلِلْكافِرِينَ) بالآيات

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٠.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يظاهرون» ـ كما سيشير اليه المؤلف ـ.

(٣) نقل معناه الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٤٨.

(٤) هو ابن جنيد قدس‌سره كما في المسالك باب الظهار ـ المسألة (٨٣).

٢٩٨

(عَذابٌ مُهِينٌ) لهم.

[٦] ـ (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) ظرف «مهين» (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) إخزاء لهم (أَحْصاهُ اللهُ) أحاط به كمّا وكيفا (وَنَسُوهُ) لكثرته أو لعدم اكتراثهم به (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

[٧] ـ (أَلَمْ تَرَ) تعلم (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) كلّ ما فيها (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى) نفر (ثَلاثَةٍ) أو هي صفة «نجوى» بمعنى متناجين ، أو بحذف مضاف اي : أهل نجوى (إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) بالعلم بنجواهم (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) عالم بأحوالهم (أَيْنَ ما كانُوا) لاستواء الأمكنة بالنسبة الى علمه (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء.

[٨] ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) هم اليهود والمنافقون ، كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون ، ناظرين الى المؤمنين ليغيظوهم فنهاهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ عادوا لمثل صنيعهم (وَيَتَناجَوْنَ) وقرأ «حمزة» «ويتنجّون» (١) يفتعلون من النجوى (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) للمؤمنين (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي وبتواصّ بمخالفته (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) فيقول : السّام عليك أي الموت (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) فيما بينهم (لَوْ لا) هلا (يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) لمحمد لو كان نبيا (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) عذابا (يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) هي

[٩] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ) بأفعال الخير (وَالتَّقْوى) والاتقاء عن معصية الرّسول (وَاتَّقُوا اللهَ) في أوامره ونواهيه (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) للجزاء ، وصف يؤذن بموجب التّقوى.

[١٠] ـ (إِنَّمَا النَّجْوى) بالإثم وشبهه (مِنَ الشَّيْطانِ) بتزيينها والدّعاء إليها

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠٤.

٢٩٩

(لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) إذ يتوهّمونها في سوء أصابهم (وَلَيْسَ) أي التناجي أو الشيطان (بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأمره (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في أمورهم دون غيره.

[١١] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا) توسّعوا (فِي الْمَجالِسِ) جنسه أي مجالس الذّكر ، ويعضده قراءة «عاصم» بالجمع (١).

أو مجلس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) في الجنّة (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) انهضوا للتّوسعة أو لعمل الخير كصلاة وجهاد (فَانْشُزُوا) وضمّ «نافع» و «ابن عامر» و «عاصم» شينهما (٢) (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بحسن الذّكر في الدّنيا والكرامة في الجنّة (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ويرفع العلماء منهم (دَرَجاتٍ) بفضل العلم المقرون بالعمل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فلا يضيعه.

[١٢] ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) نزلت في الأغنياء كانوا يكثرون مناجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمروا بتقديم الصّدقة قبلها تعظيما له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونفعا للفقراء وتمييزا للمخلص من المنافق ، فبخلوا ولم يناجه احد إلا «عليّ» عليه‌السلام.

وقال عليه‌السلام : في كتاب الله آية ما عمل بها غيري ، كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصدّقت.

وقال : بي خفّف الله عن هذه الامّة (٣).

قيل : هذا لا يقدح في غيره فلعلّه لم يتّفق لهم مناجاة ، إذ روى انّه لم يبق إلّا عشرا أو إلّا ساعة (٤) وفيه انّه لو لم يقدح فيهم لما توجّه التوبيخ في «ء أشفقتم»

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٠٤ ، ٧٠٥.

(٢) حجة القراءات : ٧٠٤ ، ٧٠٥.

(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٢٣١.

(٤) ينظر تفسير البيضاوي ٤ : ١٩٣.

٣٠٠