الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[٢٩] ـ (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) تسلّطى على النّاس أو حجّتى فيقول الله للزّبانية :

[٣٠] ـ (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) اجمعوا يديه أو رجليه الى عنقه.

[٣١] ـ (ثُمَّ الْجَحِيمَ) النّار العظمى (صَلُّوهُ) أدخلوه ، لتعظّمه على النّاس.

وقدّم «الجحيم» للحصر وكذا «السّلسلة» في : [٣٢] ـ (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) أي طويلة ، و «ثمّ» للتّفاوت بالشّدّة (فَاسْلُكُوهُ) أدخلوه ملتفّة عليه ، و «الفاء» لا تمنع وصله ب «في» المتقدّمة.

[٣٣] ـ (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) استئناف للتّعليل أي استحقّ ذلك بتعظّمه عن الإيمان بمن له العظمة والكبرياء.

[٣٤] ـ (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ولا يحثّ على إطعامه ، وفي عطفه على الكفر.

وفي ذكر الحضّ زيادة تغليظ لإيذانه بأنّ تارك الحضّ هذا حاله ، فكيف بتارك الفعل ، ويفيد انّ الكفرة مخاطبون بالفروع.

[٣٥] ـ (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) قريب ينفعه.

[٣٦] ـ (وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) صديد أهل النّار.

[٣٧] ـ (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) المتعمدون للخطايا.

[٣٨] ـ (فَلا أُقْسِمُ) «لا» زائدة أو لنفي الحاجة الى القسم لوضوح الأمر ، أو لردّ ما يخالف المقسم عليه (بِما تُبْصِرُونَ).

[٣٩] ـ (وَما لا تُبْصِرُونَ) بالمخلوقات كلّها أو بها وبخالقها.

[٤٠] ـ (إِنَّهُ) أي القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ) أرسله الله به ولم يتقوّله من نفسه (كَرِيمٍ) على الله وهو «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو جبرئيل.

[٤١] ـ (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) كما زعمتم (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ايمانا قليلا

٣٦١

تؤمنون.

[٤٢] ـ (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) كما قلتم أيضا (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) تذكّرا قليلا تذكّرون.

وقرن نفي الشّاعريّة بالإيمان لوضوح عدم مشابهة القرآن للشّعر لكلّ أحد ونفي الكاهنيّة بالتّذكر لتوقّفه على تأمّل ما ليظهر منافاة القرآن للكهانة ، وقرأ «ابن كثير» و «ابن عامر» بالياء فيهما ، (١) بل هو [٤٣] ـ (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) على لسان جبرئيل.

[٤٤] ـ (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) بأن نسب إلينا قولا لم نقله.

[٤٥] ـ (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) بيمينه.

[٤٦] ـ (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) أي عرق قلبه ، الّذي يموت بقطعه أي لقتلناه اشنع قتل ، بأن يؤخذ بيمينه ويضرب عنقه وهو ينظر.

وقيل : لأخذنا منه بالقوة (٢).

[٤٧] ـ (فَما مِنْكُمْ) ايّها النّاس (مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ) عن الرّسول أو القتل (حاجِزِينَ) مانعين وجمع لعموم «احد».

[٤٨] ـ (وَإِنَّهُ) أي القرآن (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) لعود نفعه إليهم.

[٤٩] ـ (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) وعيد لمن كذّب به.

[٥٠] ـ (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) إذا رأوا ثواب المتصدّقين به.

[٥١] ـ (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) للحقّ اليقين فأضيف تأكيدا.

[٥٢] ـ (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) صفة الإسم أو الرّبّ أي سبّحه بذكر اسمه تنزيها له عما لا يليق به وشكرا على ما خصّك به.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٢٠ ـ الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٣.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٥٠.

٣٦٢

سورة المعارج

[٧٠]

اربع وأربعون آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (سَأَلَ سائِلٌ) دعا داع (بِعَذابٍ واقِعٍ) وهو «النّضر بن الحارث» قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) الآية (١).

وعن «الصادق» عليه‌السلام : انّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نصب «عليّا» عليه‌السلام اماما بغدير خمّ ، قال النّعمان بن الحارث : امرتنا بالشّهادتين والجهاد والحجّ والصّوم والصّلاة والزّكاة ، فقبلنا ولم ترض حتّى نصبت هذا الغلام ، فقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، فهذا شيء منك أو من الله؟ فقال : والله انّه من الله ، فولّى وهو يقول : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) الآية ، فرماه الله بحجر فقتله فنزلت (٢).

وقرأ «نافع» و «ابن عامر» «سال» كباع ، (٣) مخفّف المهموز لغة قريش.

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٥٢ ـ شواهد التنزيل ٢ : ٢٨٦.

(٣) حجة القراءات : ٧٢٠.

٣٦٣

أو من السّيلان اي سال واد بعذاب ومضيّه لتحقّقه امّا عاجلا فقتل بدر ، أو آجلا فالنّار.

[٢] ـ (لِلْكافِرينَ) صفة ثانية ل «عذاب» أو صلة «واقع» (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) رادّ.

[٣] ـ (مِنَ اللهِ) متّصل ب «دافع» أو «واقع» (ذِي الْمَعارِجِ) المصاعد ، وهي السّماوات لعروج الملائكة فيها ، أو درجات الجنّة الّتي يرتقى فيها السّعداء أو الفواضل المفاضة بحسب مراتب الاستعداد.

[٤] ـ (تَعْرُجُ) وقرأه «الكسائي» : بالياء (١) (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) جبرئيل ، وأفرد لفضله أو خلق أعظم من الملائكة (إِلَيْهِ) الى عرشه أو مهبط أمره (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) صلة «تعرج» أي يقطعون فيه مسافة يقطعها الإنسان فرضا في خمسين ألف سنة وهي مسافة ما بين الأرض واعالى العرش وقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أريد به مدّة العروج من الأرض الى محدّب السّماء الدّنيا ، أو الى مقعرها وضمّ مدّة النّزول إليه أو صلة «واقع» ويراد به يوم القيامة أي العذاب واقع في يوم طويل على الكفّار لشدّته.

وعن «الصادق» عليه‌السلام : لو ولىّ الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة (٢).

[٥] ـ (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه ولا قلق.

[٦] ـ (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ) أي العذاب أو يوم القيامة (بَعِيداً) عن الإمكان.

[٧] ـ (وَنَراهُ قَرِيباً) من الوقوع.

[٨] ـ (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ) ظرف «قريبا» أي يقع يوم أو بدل من «في يوم» ان

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٢١.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٥٣.

٣٦٤

علّق به واقع (كَالْمُهْلِ) كالفلزّ (١) المذاب أو درديّ الزّيت.

[٩] ـ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) كالصّوف الملوّن المنفوش ، تطيره الرّيح.

[١٠] ـ (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) قريب قريبه عن حاله للدّهشة ، وعن «عاصم» ضمّ «الياء» (٢) أي لا يتعرّف منه حاله.

[١١] ـ (يُبَصَّرُونَهُمْ) استئناف لبيان انّ انتفاء السّؤال لتشاغلهم لا لعدم الأبصار والجمع للمعنى (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ) يتمنّى أن (يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) وفتح «نافع» و «الكسائي» الميم (٣) بناء (بِبَنِيهِ).

[١٢] ـ (وَصاحِبَتِهِ) زوجته (وَأَخِيهِ).

[١٣] ـ (وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته الّتي فصل منها (الَّتِي تُؤْوِيهِ) تضمّه في الشّدّة أو النّسب ، والجملة استئناف لبيان انّ المجرم لاشتغاله بنفسه يتمنّى أن يفتدى بأقرب النّاس إليه فضلا أن يسأل عن حاله.

[١٤] ـ (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الخلائق (ثُمَّ يُنْجِيهِ) الافتداء ، عطف على «يفتدى» و «ثمّ» لاستبعاد الإنجاء.

[١٥] ـ (كَلَّا) ردع له أن يودّ ذلك وتنبيه على عدم نفعه له (إِنَّها) أي النّار أو القصّة (لَظى) وهي اللهب أو علم لجهنّم خبر ، أو مبتدأ خبره : [١٦] ـ (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) هي الأطراف أو جمع شواة وهي جلدة الرّأس ، ونصب «حفص» «نزّاعة» (٤) على الإختصاص أو الحال لدلالة «لظى» على متلظّية.

[١٧] ـ (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) عن الإيمان أي تأخذه فلا يفوتها فكأنّها تدعوه أو ينطقها الله فتقول : إليّ إليّ.

__________________

(١) في «ج» كالقير.

(٢) حجة القراءات : ٧٢٢ ـ وفيه ... عن ابى بكر ...

(٣) حجة القراءات : ٧٢٣.

(٤) حجة القراءات : ٧٢٣.

٣٦٥

[١٨] ـ (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) فجعله في وعاء ومنع حقّ الله منه.

[١٩ ـ ٢٠] ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ) جنسه (خُلِقَ هَلُوعاً) أي مائلا طبعا الى الهلع وهو قلّة الصّبر وشدّة الحرص كما يفسّره : [٢٠] ـ (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) كالفقر (جَزُوعاً).

[٢١] ـ (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ) كالغنى (مَنُوعاً) ونصب الثّلاث أحوالا وكلمتا «إذا» ظرفا «جزوعا» و «منوعا».

[٢٢] ـ (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) استثناء للّذين جاهدوا أنفسهم وقمعوا شهواتها وهم أهل الأوصاف المذكورة.

[٢٣] ـ (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) مواظبون.

[٢٤] ـ (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) هو الزّكاة المفروضة.

وعن «الصادق» عليه‌السلام : انّه الصّدقة المندوبة (١).

[٢٥] ـ (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) من لا يسأل فيحسب غنيّا فيحرم.

[٢٦] ـ (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) الجزاء.

[٢٧] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) خائفون.

[٢٨] ـ (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أن ينزل.

[٢٩] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ).

[٣٠] ـ (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) (٢) (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).

[٣١] ـ (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ).

[٣٢] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) فسّر في «المؤمنين» (٣) وذكر قراءة «أمانتهم».

__________________

(١) نظيره في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٥٦.

(٢) ينظر تعليقنا على هذه الكلمة في سورة «المؤمنون».

(٣) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٨.

٣٦٦

[٣٣] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ) «بشهادتهم» (١) وجمعها «حفص» (٢) (قائِمُونَ) يقيمونها كما علموها ولا يكتمونها.

[٣٤] ـ (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) يؤدّونها لأوقاتها بحدودها ، والمضارع لتجدّدها وتكرّرها ، ولفضلها

افتتح بها وختم بها باعتبارين.

[٣٥] ـ (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) بنعيمها.

[٣٦] ـ (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ) نحوك (مُهْطِعِينَ) مسرعين.

[٣٧] ـ (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) فرقا متفرّقة ، جمع عزة ، وأصلها عزوة من عزاه : نسبه ، كانوا يحفّون بالرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويستهزئون به وبالمؤمنين.

[٣٨] ـ (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) انكار لقولهم لإن دخل هؤلاء الجنّة كما يزعمون لندخلنّها قبلهم.

[٣٩] ـ (كَلَّا) ردع لهم عن طمعهم فيها بلا ايمان بالمبدأ والمعاد (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) تعليل له بأنّ من علم انّه خلق من نطفة قذرة كسائر النّاس كيف ينكر الخالق وقدرته على إعادته ويدّعى الشّرف بنفسه ويطمع في محلّ قدسه ولم يستكمل بالإيمان والطّاعة.

[٤٠] ـ (فَلا أُقْسِمُ) مرّ مثله (٣) (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) للشّمس أو لكلّ نيّر (إِنَّا لَقادِرُونَ).

[٤١] ـ (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ) أي نهلكهم ونخلق بدلهم (خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين على ذلك.

[٤٢] ـ (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) في هواهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «بشهاداتهم» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٢٤.

(٣) في سورتي الواقعة : ٥٦ / ٧٥ الحاقة : ٦٩ / ٣٨.

٣٦٧

فيه الجزاء.

[٤٣] ـ (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) القبور (سِراعاً) سريعين (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ) (١) بفتح النّون واسكان الصّاد صنم ، أو علم نصب (٢) لهم وضمّهما «ابن عامر» و «حفص» (٣) (يُوفِضُونَ) يسرعون.

[٤٤] ـ (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) مرّ في «ن» (٤) (ذلِكَ) مبتدأ ، خبره (الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «نصب» بضم النون ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) ليس في «ج» : «نصب» وفي «ألف» : على نصب لهم.

(٣) حجة القراءات : ٧٢٤.

(٤) أي سورة القلم : ٦٨ / ٤٣.

٣٦٨

سورة نوح

[٧١]

ثمان أو تسع وعشرون أو ثلاثون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ) بأن أي لتضمّن الإرسال معنى القول (أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) عاجلا وآجلا.

[٢] ـ (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ).

[٣] ـ (أَنِ) بأن ، أو أي (اعْبُدُوا اللهَ) وحده (وَاتَّقُوهُ) بترك معاصيه (وَأَطِيعُونِ) فإنّ طاعتي طاعته.

[٤] ـ (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي بعضها ممّا سوى حقّ الناس أو ما سبق الإيمان (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) هو الأقصى المشروط بالإيمان ، فلم يخترمكم قبله بالاستئصال (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) المسمّى عنده (إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) فاغتنموا فرصة الإمهال (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ذلك ، لم تشغلكم الدّنيا عنه حتّى صرتم شاكّين فيه.

[٥] ـ (قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) أي دائما دائبا.

٣٦٩

[٦] ـ (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي) وسكّن «الكوفيّون» الياء (١) (إِلَّا فِراراً) عن الإيمان.

[٧] ـ (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إليه (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) بسببه (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) لئلا يسمعوا دعائي (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) تغطّوا بها كيلا يروني (وَأَصَرُّوا) على كفرهم (وَاسْتَكْبَرُوا) عن اجابتي (اسْتِكْباراً).

[٨] ـ (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) للتّغليظ مصدر لأنّه نوع من الدّعاء أو صفة دعاء محذوف ، أي : مجاهرا به أو حال أي مجاهرا.

[٩] ـ (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) الدّعوة (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) فجمعت بين الأمرين زيادة في التّغليظ و «ثمّ» للتّراخي في المراتب أو تفاوتها.

[١٠] ـ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) بالتّوبة من كفركم (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لمن استغفره.

[١١] ـ (يُرْسِلِ السَّماءَ) المطر ، وكان قد حبس عنهم واعقمت نساؤهم أربعين سنة (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) كثير الدّرور ، يستوي فيه المذكّر والمؤنث.

[١٢] ـ (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) جارية.

[١٣] ـ (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) لا تأملون له توقيرا أي تكونون بحيث تأملون تعظيمه ايّاكم ، أو لا تخافون عظمته فتوحّدوه ، أو لا تعتقدون له ثباتا فتخشوا عقوبته.

[١٤] ـ (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) تارات نطفة ثمّ علقة الى آخره أو أحوالا أي مختلفين أصنافا أو اوصافا.

وهذه دلالة الأنفس على وحدانيّته وكمال قدرته وتتبعها الدّلالة من الآفاق في :

[١٥] ـ (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) فسّر في «الملك» (٢).

[١٦] ـ (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَ) في مجموعهنّ لصدقه بالسّماء الدّنيا (نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً)

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٨.

(٢) سورة الملك : ٦٧ / ٣.

٣٧٠

شبّهت به لأنّ ضوءها ذاتيّ ، ولإذهابها ظلمة الليل.

[١٧] ـ (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ) أنشأكم (مِنَ الْأَرْضِ) إذ انشأ آبائكم أو اغذيتكم منها (نَباتاً) مصدر فعل محذوف أي أنبتكم فنبتّم نباتا.

[١٨] ـ (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) أمواتا (وَيُخْرِجُكُمْ) منها احياء للبعث (إِخْراجاً) أكّد به كالسابق إيذانا بتحقّق الإعادة كالبدء.

[١٩] ـ (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) مبسوطة.

[٢٠] ـ (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) واسعة.

[٢١] ـ (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) فيما أمرتهم به (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) واتّبعوا رؤساءهم الّذين بطروا النّعمة عليهم بالمال والولد حتّى صيّروها سببا لزيادة خسارتهم ، وقرأ «ابن كثير» و «أبو عمرو» و «حمزة» و «الكسائي» وولده بالضّمّ والسّكون (١).

[٢٢] ـ (وَمَكَرُوا) عطف على صلة «من» (مَكْراً كُبَّاراً) كبيرا جدّا ، وهو أبلغ من «كبارا» الأبلغ من كبير فإنّهم كذّبوا نوحا وحرّشوا سفلتهم على أذاه.

[٢٣] ـ (وَقالُوا) ـ لهم ـ : (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) ثمّ خصّوا منها خمسة فقالوا : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا) وضمّه «نافع» (٢) (وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) قيل : هي اسماء قوم صلحاء بين آدم ونوح ، فلمّا ماتوا صوّروا ليقتدي بهم ، ثمّ عبدوا ثمّ انتقلت الى العرب (٣).

[٢٤] ـ (وَقَدْ أَضَلُّوا) أي الرّؤساء أو الأصنام (كَثِيراً) نحو :

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٧.

(٢) حجة القراءات : ٧٢٦.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٦٤.

٣٧١

(إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) (١) (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) عن الجنّة أو إلّا خذلانا أو عذابا نحو : (لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢).

[٢٥] ـ (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) من أجلها و «ما» زيدت تأكيدا ، وقرأ «أبو عمرو» خطايا كقضايا (٣) (أُغْرِقُوا) بالطّوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) عذّبوا بها عقيب الإغراق تحت الماء ، عذاب القبر أو في الآخرة.

والتّعقيب لعدم الاعتداد بمدّة البرزخ ونكّرت تعظيما (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) يمنعونهم منها.

[٢٦] ـ (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) نازل دار ، أي أحدا ، دعا عليهم بعد أن عرف طباعهم بصحبتهم (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) (٤) واوحى الله إليه : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (٥).

[٢٧] ـ (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) من يفجر ويكفر ، علم ذلك بالوحي.

[٢٨] ـ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) ل «مك بن متوشلخ» و «سمحا بنت انوش» وكانا مؤمنين (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) منزلي أو مسجدي ، وفتح «الياء» «حفص» و «هشام» (٦) (مُؤْمِناً) حال (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) عامّة (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) عامّة أو قومه (إِلَّا تَباراً) هلاكا ، فاهلكوا.

__________________

(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٣٦.

(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٢٤.

(٣) حجة القراءات : ٧٢٦.

(٤) سورة العنكبوت : ٢٩ / ١٤.

(٥) سورة هود : ١١ / ٣٦.

(٦) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٨.

٣٧٢

سورة الجن

[٧٢]

ثماني وعشرون آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ) أي الشّأن (اسْتَمَعَ) بقراءتي (نَفَرٌ) هو دون العشرة (مِنَ الْجِنِ) جنّ نصيبين ، أو غيرهم وهم المذكورون في «الأحقاف» (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) (١) الآية.

ويفيد انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبعوث الى الثقلين وانّ الجنّ مكلّفون ويفهمون لغة العرب ويميّزون بين المعجز وغيره ، بدليل : (فَقالُوا) ـ لقومهم لمّا رجعوا إليهم ـ : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) مصدر وصف به مبالغة اي عجيبا مباينا لأشكاله في حسن مبانيه وصحّة معانيه.

[٢] ـ (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الصّواب والإيمان (فَآمَنَّا بِهِ) بالقرآن (وَلَنْ نُشْرِكَ) فيما بعد (بِرَبِّنا أَحَداً) لسطوع البرهان على وحدانيّته.

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٢٩.

٣٧٣

[٣] ـ (وَأَنَّهُ) (١) أي الشأن (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) تنزّه جلاله وعظمته ، أو ملكه وغناه عمّا نسب إليه من الصّاحبة والولد ، فتح «ابن عامر» و «حفص» و «حمزة» و «الكسائي» «انّه» و «انّا» و «انّهم» من هنا الى قوله (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) في ابتداء اثنتي عشرة آية على انّها من الموحى (٢) لكن يقدّر ما هو من قولهم نحو : وحكموا انّه تعالى. وكسرها الباقون على انّها من المقول أو استئناف (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) بيان لما قبله.

[٤] ـ (وَأَنَّهُ) أي الشّأن (كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) إبليس أو غيره (عَلَى اللهِ شَطَطاً) قولا ذا شطط أي بعد عن الحقّ بنسبة الصّاحبة والولد إليه أو وصف بالمصدر مبالغة.

[٥] ـ (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ) هي المخفّفة أي انّ الشّأن (لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) أي انّما قلّدنا السّفيه في ذلك لظنّنا انّ أحدا لا يكذب على الله حتّى تبيّنا كذبه بذلك.

[٦] ـ (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) كان الرّجل إذا امسى بقفر يقول : أعوذ بسيّد هذا الوادي من شرّ سفهائه (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) فزاد الإنس الجنّ بعوذهم بهم طغيانا فقالوا : سدنا الجنّ والإنس ، أو فزاد الجنّ الإنس إثما بإغوائهم وهو من كلام الجنّ بعضهم لبعض او استئناف من الله ، وعلى الفتح من الموحى وكذا الكلام في : [٧] ـ (وَأَنَّهُمْ) أي الإنس (ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ) ايّها الجنّ أو بالعكس (أَنْ) المخفّفة (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) بعد الموت ، وقال الجنّ :

[٨] ـ (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) مسسناها ، مستعار للطّلب أي طلبنا بلوغها لاستراق السّمع (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً) اسم جمع (شَدِيداً) من الملائكة (وَشُهُباً) جمع شهاب وهو كوكب الرّجم ، وهذا حين بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «أنّه» بفتح الهمزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) ينظر الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٣٩.

٣٧٤

[٩] ـ (وَأَنَّا) (١) (كُنَّا) قبل مبعثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ) خالية من الحرس والشّهب (لِلسَّمْعِ) صلة «نقعد» (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) قد رصد ليرجم به.

[١٠] ـ (وَأَنَّا) (٢) (لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) بمنع الاستراق (أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) خيرا.

[١١] ـ (وَأَنَّا) (٣) (مِنَّا الصَّالِحُونَ) عقيدة وعملا (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) أي قوم أدون حالا منهم في الصّلاح (كُنَّا طَرائِقَ) في طرائق أي مذاهب أو ذوي طرائق (قِدَداً) متفرّقة.

[١٢] ـ (وَأَنَّا) (٤) (ظَنَنَّا) تيقّنا (أَنْ) المخفّفة (لَنْ نُعْجِزَ اللهَ) كائنين (فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) هاربين أي لا نفوته حيث كنّا.

[١٣] ـ (وَأَنَّا) (٥) (لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى) القرآن (آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ) فهو لا يخاف (بَخْساً وَلا رَهَقاً) نقصا من أجر ولا غشيان ظلم بعقوبة ، أو جزاء بخس ولا رهق لأنّه لم يفعلهما كما هو شأن المؤمن.

[١٤] ـ (وَأَنَّا) (٦) (مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) الجائرون عن الحقّ بكفرهم (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) طلبوا صوابا موجبا للثواب.

[١٥] ـ (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) وقودا ككفرة الإنس.

[١٦] ـ (وَأَنْ) المخفّفة عطف على الموحي أي انّ الشّأن (لَوِ اسْتَقامُوا) أي الثّقلان أو أحدهما (عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي الإيمان (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) كثيرا ، أي لوسّعنا عليهم الرزق.

وخصّ الماء بالذّكر لأنّه أصل السّعة.

[١٧] ـ (لِنَفْتِنَهُمْ) لنختبرهم (فِيهِ) ليظهر كيف يشكرونه ، وقيل معناه

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

(٣) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

(٤) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

(٥) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

(٦) في المصحف الشريف بقراءة حفص بفتح الهمزة ـ كما أشار اليه المؤلّف ـ.

٣٧٥

لو استقاموا على طريقة الكفر لوسّعنا عليهم ، استدراجا لهم لنعذّبهم بكفرانهم (١) (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ) وعظه أو عبادته (يَسْلُكْهُ) (٢) ندخله ، وقرأ «الكوفيّون» بالياء (٣) (عَذاباً صَعَداً) شاقّا يتصعّد المعذّب ويعلوه ، مصدر وصف به.

[١٨] ـ (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) من الموحي أو بتقدير «لام» علّة لقوله : (فَلا تَدْعُوا) تعبدوا فيها (مَعَ اللهِ أَحَداً) بأن تشركوا كأهل الكتابين في بيعهم وكنائسهم.

وقيل : أريد بالمساجد الأرض كلّها ، لأنّها جعلت للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجدا (٤).

وقيل مواضع السّجود أي الأعضاء السّبعة أي لا تسجدوا بها لغير الله (٥).

وروي نحوه عن أهل البيت عليهم‌السلام.

[١٩] ـ (وَأَنَّهُ) أي الشّأن وهو من الموحي ، وكسرها «نافع» و «أبو بكر» استئنافا (٦) (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذكر «العبد» للتّواضع لأنّه كالمتكلّم عن نفسه (يَدْعُوهُ) يعبده (كادُوا) أي الجنّ (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) جمع لبدة ، وضمّ هشام لامه (٧) أي مزدحمين عليه يركب بعضهم بعضا تعجّبا من قراءته وحرصا على سماعها : أو كاد المشركون يتراكبون عليه لمنعه عمّا هو فيه ويعضده :

[٢٠ ـ ٢١] ـ (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) لأنّه ردّ عليهم ، وقرأ

__________________

(١) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٢٥.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «يسلكه» ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٢.

(٤) قاله الحسن ـ كما في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٢.

(٥) قاله الطبرسي في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٢.

(٦) النّشر في القراءات العشر ـ : ٣٩٢.

(٧) حجة القراءات : ٧٢٩.

٣٧٦

«عاصم» و «حمزة» قل (١) امرا له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيوافق : [٢١] ـ (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) ولا نفعا.

[٢٢] ـ (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ان أراد بي ضرّا (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) معدلا وملتجا.

[٢٣] ـ (إِلَّا بَلاغاً) استثناء من مفعول «أملك» وما بينهما اعتراض مؤكّد لنفي الاستطاعة إذ المعنى لا املك لكم شيئا إلا البلاغ إليكم (مِنَ اللهِ) أي عنه أو كائنا منه (وَرِسالاتِهِ) عطف على «بلاغا» (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في التّوحيد (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) جمع للمعنى.

[٢٤] ـ (حَتَّى إِذا رَأَوْا) ابتدائيّة فيها معنى الغاية لقوله : (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (٢) بالوجه الثّاني أو لمقدّر أي لا يزالون على ما هم عليه الى أن يروا (ما يُوعَدُونَ) من العذاب في بدر أو القيامة (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أعوانا ، هو أم هم ، وكأنّهم قالوا متى هذا الوعد ، فقيل :

[٢٥] ـ (قُلْ إِنْ) ما (أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) من العذاب (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي) وفتح «الياء» «الحرميّان» و «أبو عمرو» (٣) (أَمَداً) أجلا بعيدا أي هو كائن قطعا ولا يعلم وقته إلّا الله ، هو :

[٢٦] ـ (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ) يطّلع (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) من خلقه.

[٢٧] ـ (إِلَّا مَنِ ارْتَضى) للاطّلاع على بعضه لمصلحة (مِنْ رَسُولٍ) بيان ل «من» وامّا علم الأوصياء فبتوسّط الرّسول كعلمنا بأمور الآخرة بتوسّطهم وان اختلف طريق التّعلّم كما يشير إليه قول امير المؤمنين عليه‌السلام : علّمني الرّسول صلّى الله عليه

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٢ ـ حجة القراءات : ٧٢٩.

(٢) الآية / ١٩.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٤٣.

٣٧٧

وآله وسلّم ألف باب ، فانفتح لي من كلّ باب ألف باب (١) (فَإِنَّهُ) أي الله (يَسْلُكُ) من سلك بمعنى اسلك أي يدخل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) من امام المرتضى (وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ملائكة يحرسونه من تخاليط الشّياطين حتّى يبلغ ما يوحى إليه.

وقيل : التّقدير فإنّ المرتضى يسير امامه وخلفه الملائكة يحرسونه (٢).

[٢٨] ـ (لِيَعْلَمَ) الله علم ظهور (أَنْ) المخفّفة (قَدْ أَبْلَغُوا) أي الرّسل ، وجمع للمعنى أو ليعلم الرّسول أن قد ابلغ جبرئيل والملائكة (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) بلا تغيير (وَأَحاطَ) أي وقد أحاط الله قبل (بِما لَدَيْهِمْ) من العلم والحكمة (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) تمييز محوّل عن المفعول أي احصى عدد كلّ شيء.

__________________

(١) ينظر كتاب الخصال : ٦٤٧ وما بعده.

(٢) معناه في تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٤.

٣٧٨

سورة المزمّل

[٧٣]

تسع عشرة أو عشرون آية مكية أو مبعضة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) أي المتزمّل ، ادغم «التّاء» في «الزاي» من تزمّل :

تلفّف بثيابه.

وخوطب به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه ارتعد بدء مجيء جبرئيل فقال : زمّلوني ، أو كان يتزمّل بثيابه للنّوم أو للصّلاة أو من الحمل أي المتحمّل لأعباء النّبوّة.

[٢] ـ (قُمِ اللَّيْلَ) للصلاة (إِلَّا قَلِيلاً).

[٣] ـ (نِصْفَهُ) بدل من «قليلا» وقلّته بالنّسبة الى الكلّ (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ) من النّصف أو القليل (قَلِيلاً) الى الثّلث.

[٤] ـ (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) الى الثّلثين ، فالتّخيير بين قيام النّصف والزّائد عليه كالثلثين والنّاقص عنه كالثّلث ، لأنّ احد الثّلاثة هو الباقي من الليل بعد استثناء نصفه ، أو النّاقص عن نصفه أو النّاقص أو الزّائد على نصفه.

ويعضده قول «الصادق» عليه‌السلام : القليل : النّصف أو انقص من القليل

٣٧٩

أو زد على القليل (١).

وقيل «نصفه» بدل من «الليل» والاستثناء منه والضمير في «منه» و «عليه» للأقلّ من النّصف كالثّلث ، فالتّخيير بينه وبين الأقل منه كالرّبع والأكثر منه كالنّصف.

وفيه مع مخالفة الظّاهر تقديم المستثنى على المستثنى منه ، وفصله بين البدل ومبدله وعدم تعيّن الأقلّ حتّى يصل بالنّقص والزّيادة الى الرّبع والنّصف ، وكسر «عاصم» و «حمزة» واو «أو انقص» وضمّه غيرهما اتباعا (٢) (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) بيّن حروفه وحركاته ، أو ثبّت في قراءته أو احفظ نظمه.

ويجمعها قول «علي» عليه‌السلام : بيّنه بيانا ولا تهذّه هذّ الشّعر ولا تنثره نثر الرّمل ولكن اقرع به القلوب القاسية ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر السورة (٣).

[٥] ـ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً) قرآنا (ثَقِيلاً) لما فيه من التّكاليف الشّاقّة سيّما على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أو ثقيلا تلقّيه فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتغيّر حاله ويعرق عند نزوله أو ادراك معانيه او في الميزان أو على الكفّار أو رزينا له موقع لأنّه حكمة وبيان ، والجملة استئناف لتوطين النّفس على مشقّة قيام الليل وتلقّي القرآن.

[٦] ـ (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) القيام في آخره للصّلاة على انّها مصدر وهو المرويّ عن «الصّادقين» عليهما‌السلام (٤). أو النّفس الّتي تنشأ أي تنهض من منامها للعبادة ، أو العبادة الّتي تنشأ أي تحدث بالليل ، أو ساعات الليل لأنّها تحدث ساعة بعد ساعة (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) أي ثقلا أو ثبات قدم ، وقرأ «أبو عمرو» و «ابن عامر» بالكسر (٥)

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٧.

(٢) النّشر في القراءات العشر ٢ : ٢٢٥.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٨.

(٤) تفسير مجمع البيان ٥ : ٣٧٨.

(٥) حجة القراءات : ٧٣٠.

٣٨٠