الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

سورة العلق

[٩٦]

ثماني عشرة أو تسع عشرة أو عشرون آية وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (اقْرَأْ) القرآن متلبّسا أو مستعينا أو مفتتحا (بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الخلق.

[٢] ـ (خَلَقَ الْإِنْسانَ) الجنس عمّم اوّلا ثمّ خصّ الإنسان لشرفه أو لعجيب فطرته (مِنْ عَلَقٍ) جمع علقة وهي قطعة دم جامد.

[٣] ـ (اقْرَأْ) كرّر تأكيدا أو الأوّل لنفسه والثّاني للتّبليغ (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) الأعظم كرما من أن يوازيه كريم بل لا كريم بالذّات سواه.

[٤] ـ (الَّذِي عَلَّمَ) الخطّ (بِالْقَلَمِ) لبقاء العلوم واعلام الغائب.

[٥] ـ (عَلَّمَ الْإِنْسانَ) الجنس (ما لَمْ يَعْلَمْ) من العلوم والصّناعات وغيرها بالإلهام أو نصب الدّلائل العقلية والسّمعيّة.

[٦] ـ (كَلَّا) حقّا (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) وامال «حمزة» و «الكسائي» أواخر آيها من هنا الى «يرى» و «أبو عمرو» «يرى».

٤٨١

[٧] ـ (أَنْ رَآهُ) وقصّر «قنبل» الهمزة ، لأن رأى نفسه ، وجاز كون فاعله ومفعوله ضميري واحد لكونه بمعنى العلم ومفعوله الثّاني (اسْتَغْنى) بالمال والجاه.

[٨ ـ ١٠] ـ (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) الرّجوع خطاب وعيد للإنسان على الالتفات.

قيل : أريد به أبو جهل وقيل نزل فيه من قوله [٩] ـ [١٠] ـ (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) أي آخرها حين قال : لو رأيت «محمّدا» ساجدا لوطئت عنقه ، فأتاه ثم نكص عنه ، فقيل له ما لك؟ فقال انّ بيني وبينه خندقا من نار وهولا واجنحة (١).

والاستفهام للتّعجيب. ونكّر العبد تعظيما والمراد به «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنى اخبرني عمّن ينهى بعض عباد الله عن صلاته.

[١١] ـ (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ) العبد المنهي (عَلَى الْهُدى).

[١٢] ـ (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) «أو» لمنع الخلوّ ، أو بمعنى الواو.

[١٣] ـ (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) النّاهي بالحقّ (وَتَوَلَّى) عنه.

[١٤] ـ (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) يعلم ما فعل فيجازيه به أي اعجب ممّن ينهى عبدا عن صلاته والمنهي على هدى امر بالتّقوى.

والنّاهي مكذّب متولّ أو ضمير «كان» للنّاهي أي اخبرني عمّن ينهى عبدا عن صلاته ان كان ذلك النّاهي على هدى فيما ينهى عنه «أو أمر بالتّقوى» فيما يأمر به من عبادة للأصنام كما يعتقده ، او ان كان مكذّبا متولّيا عن الحقّ الم يعلم بأنّ الله يعلم حاله من هداه أو ضلاله.

وكرّر «أرأيت» تأكيدا ومفعوله الثاني الشّرطيّة وجواب الشّرط ما دلّ عليه جواب الشّرط الثاني هو «ألم يعلم».

[١٥] ـ (كَلَّا) ردع له (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) عن فعله (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) لنأخذنّ

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٦٠.

٤٨٢

بناصيته ونجرّ بها الى النار أو لنسوّدنّ وجهه بها ، أو أريد جرّه بناصيته ببدر.

والسّفع : الجذب بشدة والتّسويد ، وكتب «لنسفعا» بالألف بحكم الوقف ، واللام عوض الإضافة أي ناصية المعهود.

[١٦] ـ (ناصِيَةٍ) بدل منها وحسنه وصفها (كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) من مجاز الإسناد مبالغة في كذب صاحبها وخطاه.

[١٧] ـ (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أهل ناديه أي مجلسه لينصروه وذلك انّ أبا جهل قال للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتهدّدني وانا اكثر أهل الوادي ناديا؟.

[١٨] ـ (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) خزنة جهنّم ليأخذوه إليها جمع زبنى أو زبنيت كعفريت ، من الزّبن : الدّفع.

[١٩] ـ (كَلَّا) ردع له (لا تُطِعْهُ) في مراده (وَاسْجُدْ) ودم على سجودك أو صلّ لله (وَاقْتَرِبْ) وتقرّب إليه ، فإنّ اقرب ما يكون العبد الى ربّه وهو ساجد (١).

والسّجود فرض عندنا هنا وفي سجدة «الم» و «حم» و «النّجم» وفيما سواه سنّة.

__________________

(١) تفسير جوامع الجامع : ٥٤٧.

٤٨٣
٤٨٤

سورة القدر

[٩٧]

خمس أو ست آيات مكية أو مدنيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي القرآن ، أضمر ولم يسبق ذكره تعظيما له بأنّه لنباهته غنّي عن التّصريح كما عظّم بإسناد إنزاله إليه وبتعظيم وقته (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) بأن أنزله جملة من اللوح الى السّماء الدّنيا ، ثمّ نزّله نجوما الى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نحو ثلاث وعشرين سنة ، أو ابتدأ بإنزاله فيها أو أنزله في فضلها.

[٢] ـ (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) تعظيم لها وإبهام لفضلها ثمّ بيّنه بقوله :

[٣] ـ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ليس فيها ليلة القدر ، والعمل الصّالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليست فيها.

وسمّيت بذلك لتقدير الأمور فيها مثل : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، (١) أو لشرفها.

وذكر «الالف» لأنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى في منامه بني اميّة ينزون على

__________________

(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٤.

٤٨٥

منبره ، شقّ ذلك عليه فأنزل عليه السّورة واعطى ليلة هي خير من ألف شهر ـ مدّة ملك بنيّ اميّة ـ ، وهي في فرادى العشر الأخير من رمضان والظّاهر انّها أوليها أو ثالثتها.

والحكمة في اخفائها أن يعمل ما وصف لها في ليال كثيرة ، ثمّ بيّن ما به كانت خيرا من ألف شهر بقوله : [٤] ـ (تَنَزَّلُ) تتنزّل (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) جبرئيل أو خلق أعظم من الملائكة (فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره في كلّ (١) سنة الى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده الى اوصيائه المعصومين علىّ وبنيه الأحد عشر صلوات الله عليهم أجمعين (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) بكلّ أمر قدّر في تلك السّنة ، أو من أجله ليبلغوه ولأنهم المذكورين إذ ثبت بقاؤها الى يوم القيامة ولا يعقل تنزّلهم بكلّ امر بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا الى احد ولا احد يصلح لذلك إلّا من ينوبه وهم أهل بيته الأئمّة المحدّثون عليهم‌السلام.

[٥] ـ (سَلامٌ هِيَ) قدّم الخبر للحصر أي ما هي إلا سلامة وامّا غيرها ففيها سلامة وبلاء ، أو ما هي إلا سلام لكثرة سلام الملائكة فيها على ولىّ الأمر (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) الى وقت طلوعه ، مصدر بتقدير مضاف ، وكسره «الكسائي» اسم زمان أو مصدرا (٢).

__________________

(١) كلمة «كلّ» غير موجودة في «ج».

(٢) حجة القراءات : ٧٦٨.

٤٨٦

سورة البيّنة

[٩٨]

ثمان أو تسع آيات ، مدنيّة أو مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ) للبيان (أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنّصارى (وَالْمُشْرِكِينَ) عبدة الأصنام (مُنْفَكِّينَ) عن كفرهم أو وعدهم باتباع الرّسول إذا جاءهم (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) الحجّة الواضحة ، وهي «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٢] ـ (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) بدل من «البيّنة» (يَتْلُوا صُحُفاً) أي ما تتضمّنه لأنّه كان امّيّا (مُطَهَّرَةً) من الباطل لا يمسّها إلا المطهّرون (١).

[٣] ـ (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) مكتوبا مستقيمة بالحق.

[٤] ـ (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) عمّا اجتمعوا عليه من كفرهم ، بأن آمن بعضهم ، أو عن وعدهم باتّباع الرّسول بأن ثبتوا على الكفر (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) مثل : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٢).

__________________

(١) اقتباس من الآية (٧٩) سورة الواقعة.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٨٩.

٤٨٧

وخصّ أهل الكتاب بمزيد توبيخهم لعلمهم ويلزمه كون المشركين اولى بالتّفرق لجهلهم.

[٥] ـ (وَما أُمِرُوا) بما أمروا به في كتبهم (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) لأجل أن يعبدوه أو ما أمروا إلا بأن يعبدوه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشّرك ومنه الرّياء (حُنَفاءَ) مائلين عن الأديان الباطلة ، حال مرادفة أو مداخلة (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) دين الملّة المستقيمة ، واحتجّ بها لوجوب النّيّة في العبادات حتّى الطّهارة وفيه نظر ، نعم تفيد وجوب الإخلاص في العبادة.

[٦] ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) حال مقدّرة (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) الخليقة ، وهمزه «نافع» و «ابن ذكوان» في الموضعين (١).

[٧] ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) قدّم مدحهم مبالغة.

[٨] ـ (جَزاؤُهُمْ) الّذي استحقّوه بإيمانهم وعملهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) اضافة تشريف (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) جمعت مضافة وموصوفة بما به يتمّ نعيمها مبالغة (أَبَداً) تأكيد لخلودهم (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بطاعتهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بثوابه (ذلِكَ) المعدود من الجزاء والرّضوان (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) فأطاعه ولم يعصه.

عن «عليّ» عليه‌السلام : قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانا مسنده الى صدري فقال : يا عليّ ألم تسمع قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) هم شيعتك. الحديث (٢).

وقال ابن عبّاس : نزلت في «عليّ» وأهل بيته عليهم‌السلام.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٦٩.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٢٤.

٤٨٨

سورة إذا زلزلت

[٩٩]

ثمان آيات أو تسع ، مدنيّة أو مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) ارجفت لقيام السّاعة (زِلْزالَها) المستوجبة له ، أو المقدّر لها ، أو العام لجميعها.

[٢] ـ (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) ما في بطنها من الكنوز والموتى احياء على ظهرها.

[٣] ـ (وَقالَ الْإِنْسانُ) الجنس أو الكافر بالبعث لأنّ المؤمن به يعلمه (ما لَها) تعجّبا من حالها.

[٤] ـ (يَوْمَئِذٍ) بدل من «إذا» وناصبهما (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) تخبر بلسان حالها بقيام السّاعة أو ينطقها الله فتخبر بما عمل عليها.

[٥] ـ (بِأَنَ) أي تحدّث بسبب انّ (رَبَّكَ أَوْحى لَها) إليها أمرها بذلك ، أو هي بدل من «اخبارها» لمجيء حدّثه كذا وبكذا.

٤٨٩

[٦] ـ (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) من مخارجهم من قبورهم الى الموقف (أَشْتاتاً) متفرّقين في أحوالهم.

أو يصدرون من الموقف متفرّقين إلى منازلهم من جنّة أو نار (لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) جزائها.

[٧] ـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) زنة نملة صغيرة أو هباءة (خَيْراً يَرَهُ) يرثوا به ، هذا في المؤمن ، واما الكافر فقيل يرى جزاءه في الدّنيا أو يخفّف عنه في الآخرة.

[٨] ـ (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ير جزاءه أو يره مكتوبا في صحيفته وذلك في المؤمن إذا عفى الله عنه ، وسكّن هشام «الرّاء» فيهما (١).

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٦٣.

٤٩٠

سورة العاديات

[١٠٠]

احدى عشرة آية مدنيّة أو مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالْعادِياتِ) خيل الغزاة تعدو فتضبح (ضَبْحاً) وهو صوت أنفاسها إذا عدت أو ضابحة.

[٢] ـ (فَالْمُورِياتِ) الخيل توري النّار (قَدْحاً) بحوافرها إذا سارت في الحجارة أو يشبّ أهلها نار الحرب.

[٣] ـ (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصّبح ، وادغم «أبو عمرو» وخلاد «التّاء» في «الضّاد» و «الصّاد» (١).

[٤] ـ (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) هيّجن بعدوّهنّ أو بذلك الوقت غبارا.

[٥] ـ (فَوَسَطْنَ بِهِ) توسّطن بالعدوّ أو بذلك الوقت أو متلبّسات بالنّقع (جَمْعاً) من العدوّ عطف على الإسم لأنّه بمعنى الفعل أي اللاتي عدون فأورين فأغرن.

__________________

(١) راجع النشر في القراءات العشر ٢ : ٤٠٣.

٤٩١

قيل : بعث النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عليا» عليه‌السلام في غزاة فأوقع بهم بعد أن بعث غيره مرارا فلم يظفر فنزلت (١).

أو (الْعادِياتِ ضَبْحاً) إبل الحجيج تعدو من عرفة الى مزدلفة ومنها الى «منى» (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) باخفافها (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) تسرع السّير بركبانها يوم النّحر الى «منى» (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) غبارا (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) وهو المزدلفة ، وجواب القسم :

[٦] ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ) الجنس أو الكافر (لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) لكفور ، يجحد نعمة الله تعالى.

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه الكفور الّذي يمنع رفده ويأكل وحده ويضرب عبده (٢).

[٧] ـ (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ) على كنوده (لَشَهِيدٌ) على نفسه بصنعه أو «الهاء» لله.

[٨] ـ (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ) لأجل حبّ المال (لَشَدِيدٌ) لبخيل أو لقويّ ولطاعة ربّه ضعيف.

[٩] ـ (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ) بحث واخرج (ما فِي الْقُبُورِ) من الموتى احياء.

[١٠] ـ (وَحُصِّلَ) ميّز وبيّن (ما فِي الصُّدُورِ) من ايمان وكفر.

[١١] ـ (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) عليم بأحوالهم وأعمالهم ، فمجازيهم بها.

وقيّد ب «يومئذ» مع انّه عالم دائما لأنّه يوم المجازاة ، وجمع الضّمير نظرا الى معنى الإنسان ومفعول «يعلم» ما علم من الجملة ، أي : أنّا نجازيه يومئذ.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٢٨.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٣٠.

٤٩٢

سورة القارعة

[١٠١]

ثماني آيات أو احدى عشرة آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (الْقارِعَةُ) أي القيامة فإنّها تقرع القلوب بأهوالها.

[٢ ـ ٣] ـ (مَا الْقارِعَةُ وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ) بيّن في الحاقّة (١).

[٤] ـ (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) نصب بما دلّ عليه «القارعة» أي تقرع (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) كالجراد وما يتهافت في النّار المنتشر لكثرتهم وتفرّقهم وتموّجهم حيرة.

[٥] ـ (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) كالصّوف الملوّن المندوف ، لتفرّق اجزائها وخفّت سيرها.

[٦] ـ (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت حسناته.

[٧] ـ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) راض صاحبها ، من مجاز الإسناد أو ذات رضى.

[٨] ـ (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن رجحت سيئآته.

__________________

(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٤.

٤٩٣

[٩] ـ (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) فمأواه النّار ثمّ عظّم «هاوية» بقوله : [١٠] ـ (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ) وحذف «حمزة» «هاء» السّكت وصلا (١) ثم فسّرها بقوله :

[١١] ـ (نارٌ حامِيَةٌ) شديدة الحرّ.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٧٠.

٤٩٤

سورة التكاثر

[١٠٢]

ثماني آيات مدنية أو مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (أَلْهاكُمُ) شغلكم عن التّفكر في امر الآخرة (التَّكاثُرُ) التّفاخر بكثرة المال والرّجال.

[٢] ـ (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) بأن متّم فدفنتم فيها ، أو بأن عددتم الموتى تكاثرا بهم.

قيل : تفاخر بنو عبد مناف وبنو سهم بالكثرة ، فكثّرهم بنو عبد مناف فقال بنو سهم : عادّونا بالأحياء والأموات فزاد بنو سهم فنزلت (١).

[٣] ـ (كَلَّا) ردع لهم عمّا هم فيه (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) سوء عاقبة تكاثركم.

[٤] ـ (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) كرّر تأكيدا ، أو الأوّل عند النّزع أو في القبر والثّاني بعد البعث.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٣٤.

٤٩٥

[٥] ـ (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) علما يقينا عاقبة أمركم ، وجواب «لو» مقدّر نحو ما ألهاكم التّكاثر.

[٦] ـ (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) جواب قسم محذوف ، وضمّ «ابن عامر» و «الكسائي» تاءه دون رائه (١).

[٧] ـ (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) تأكيد ، أو الاولى من بعيد والثانية من قريب ، أو الاولى عند ورودها والثّانية عند دخولها (عَيْنَ الْيَقِينِ) مصدر لأنّ المعاينة بمعنى الرّؤية أو رؤية هي نفس اليقين.

[٨] ـ (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) الأمن والصّحّة ، وقيل : جميع الملاذّ (٢).

وعن أهل البيت عليهم‌السلام : هو النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وعترته الّذين أنعم الله بهم على عباده (٣).

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٧١.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٦٤.

(٣) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٣٥.

٤٩٦

سورة العصر

[١٠٣]

ثلاث آيات مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالْعَصْرِ) اقسم بالدّهر لما فيه من العبر ، وللإشعار بتنزيهه عمّا ينسب إليه من قبائح اهله ، فتنزيه مبدئه عن ذلك اولى ، أو بآخر النّهار كما اقسم بأوّله «الضّحى» أو بصلاة العصر لفضلها.

[٢] ـ (إِنَّ الْإِنْسانَ) الجنس (لَفِي خُسْرٍ) خسران في صفقته وبيعه الجليل الباقي بالقليل الفاني.

[٣] ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فليسوا في خسر بل في ربح ، إذ اشتروا الباقي بالفاني (وَتَواصَوْا) اوصى بعضهم بعضا (بِالْحَقِ) من اعتقاد وعمل (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) على الطّاعة وعن المعصية.

وفي إبهام سبب الخسر وتفصيل سبب الرّبح إشعار بأنّ ما عدا المذكور يوجب الخسر وبتناهي ستره وكرمه إذ اظهر الجميل وستر القبيح.

٤٩٧
٤٩٨

سورة الهمزة

[١٠٤]

تسع آيات مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) كثير الهمز أي : الكسر من أعراض النّاس و «اللمز» أي الطّعن فيهم ، وبناء فعله يفيد الاعتياد وهي عامّة وان نزلت في معيّن يغتاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالوليد بن المغيرة أو غيره.

[٢] ـ (الَّذِي جَمَعَ مالاً) بدل من «همزة» أو ذمّ منصوب أو مرفوع ، وشدّده «ابن عامر» و «حمزة» و «الكسائي» (١) (وَعَدَّدَهُ) عدّه مرارا أو جعله عدّة للنّوائب.

[٣] ـ (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) جعله خالدا في الدنيا فاشتدّ حرصه عليه ، أو طوّل المال أمله حتّى غفل عن الموت وحسب انّه مخلّد.

[٤] ـ (كَلَّا) ردع أي ليس المال مخلّدا بل المخلّد عمل الخير (لَيُنْبَذَنَ) ـ جواب قسم محذوف ـ ليطرحنّ (فِي الْحُطَمَةِ) النّار الّتي تحطّم كلّما ينبذ فيها.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٧٢.

٤٩٩

[٥] ـ (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تعظيم لها ، هي : [٦] ـ (نارُ اللهِ) اضافة تعظيم (الْمُوقَدَةُ) المؤجّجة.

[٧] ـ (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) تستولى على القلوب الّتي هي اشدّ تألّما من غيرها للطافتها.

[٨] ـ (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) مطبقة.

[٩] ـ (فِي عَمَدٍ) وقرأ «أبو بكر» و «حمزة» و «الكسائي». بضمّتين ، أي : موثقين في أعمدة (١) (مُمَدَّدَةٍ) عليهم أو مطبقة ابوابها في عمد ممدّدة عليها استيثاقا.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٧٣.

٥٠٠