الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي

الوجيز في تفسير القرآن العزيز - ج ٣

المؤلف:

الشيخ علي بن الحسين بن أبي جامع العاملي


المحقق: الشيخ مالك المحمودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: نگين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤

[١٠] ـ (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) الّتي يعذّب بها أو الجنود الكثيرة المثبتة لملكه.

[١١] ـ (الَّذِينَ طَغَوْا) تجبّروا يعني عادا وثمود وفرعون (فِي الْبِلادِ).

[١٢] ـ (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) القتل والظّلم.

[١٣] ـ (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) أي عذابا متواترا تواتر السّوط على المضروب ، أو استعير السّوط لعذاب الدّنيا اشعارا بأنّ نسبته الى عذاب الآخرة كنسبة السّوط الى السّيف.

[١٤] ـ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) المكان الّذي يرقب فيه الرّصد ، مثل لعدم الإهمال أي يرصد الأعمال فلا يفوته شيء منها ومقتضى ذلك انّه يريد العمل للآخرة والإنسان همّه الدّنيا كما قال :

[١٥] ـ (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) الجنس أو الكافر (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) اختبره بالغنى (فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ) بالمال وغيره (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) اعطاني لكرامتي عليه ، وهو خبر «الإنسان» و «الفاء» لمعنى الشّرط في «امّا» وإذا يقدّر مؤخّرا هكذا فأمّا الإنسان فيقول كذا وقت ابتلائه بالنّعمة وكذا قسيمه ، فيقدّر.

[١٦] ـ (وَأَمَّا) هو (إِذا مَا ابْتَلاهُ) بالفقر (فَقَدَرَ) ـ وشدّده «ابن عامر» ـ (١) ضيّق (عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) بالتّضييق عليّ ، فعنده انّ الغنى للكرامة والفقر للهوان ، فردع عن ذلك.

[١٧] ـ (كَلَّا) أي ليس الأمر كذلك ، وانّما الغنى والفقر اختبار للشّكر والصّبر وعدمهما.

والكرامة انّما هي بالطّاعة ، والهوان بالمعصية ، وسكّن «ابن عامر» و «الكوفيّون» «ياء» «ربّي» في الموضعين وأثبتها «البزّى» في «أكرمن» و «أهانن» مطلقا و «نافع»

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٦١.

٤٦١

وصلا ، وعن «ابي عمرو» التخيير (١) (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) اضراب الى ما هو شرّ من ذلك القول أي لا تحسنون إليه مع غناكم.

[١٨] ـ (وَلا تَحَاضُّونَ) (٢) ـ وقرأ «الكوفيّون» بالألف (٣) ـ لا تحثّون أنفسكم ولا غيركم (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي إطعامه.

[١٩] ـ (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) الميراث (أَكْلاً لَمًّا) ذا لمّ أي جمع لجمعهم نصيب النّساء والصّبيان مع نصيبهم ويأكلون الكلّ.

[٢٠] ـ (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) كثيرا شديدا ، وقرأ «أبو عمرو» بالياء في الأفعال الأربعة (٤).

[٢١] ـ (كَلَّا) ردع لهم عن ذلك يعقّبه تخويف (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ) بالزلزلة (دَكًّا دَكًّا) دكّا مكرّرا حتّى سقطت جبالها وبناؤها وعدمت.

[٢٢] ـ (وَجاءَ رَبُّكَ) أمره أو قهره أو آيات قدرته (وَالْمَلَكُ) الملائكة (صَفًّا صَفًّا) مصطفّين صفوفا مرتّبة.

[٢٣] ـ (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) تجرّ بسبعين ألف زمام ، كلّ زمام بأيدي سبعين ألف ملك ، لها تغيظ وزفير (يَوْمَئِذٍ) بدل من «إذا» وجوابها : (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) سيّئاته أو يتّعظ (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) أي منفعتها ، فلا ينافي «يتذكّر» استفهام معناه النّفي أي لا ينفعه تذكره وقتئذ.

[٢٤] ـ (يَقُولُ) ـ تحسّرا ـ : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ) خيرا (لِحَياتِي) هذه أو وقت حياتي في الدّنيا.

__________________

(١) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٧٤.

(٢) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «تحاضون» بالألف ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٣) الكشف عن وجوه القراءات ٢ : ٣٧٢.

(٤) حجة القراءات : ٧٦٢.

٤٦٢

[٢٥] ـ (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ) عذاب الله (أَحَدٌ) أي لا يتولاه غيره ، أو لا يعذّب احد في الدّنيا مثل عذاب الله للكافر وكذا :

[٢٦] ـ (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) وفتح «الكسائي» «الذّال» و «الثّاء» (١) فالهاء للكافر أي لا يعذب ولا يوثق احد مثل عذابه ووثاقه ، أو لا يحمل غيره عذابه ويقال للنّفس المؤمنة بشارة عند الموت :

[٢٧] ـ (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) بذكر الله أو بحصول العقائد الصّحيحة والأخلاق الفاضلة أو الآمنة ثقة بوعد الله.

[٢٨] ـ (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) الى أمره أو ثوابه (راضِيَةً) بما أعطاك (مَرْضِيَّةً) عنده.

[٢٩] ـ (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) الصّالحين أي في جملتهم. [٣٠] ـ (وَادْخُلِي جَنَّتِي) معهم.

__________________

(١) حجة القراءات : ٧٦٣.

٤٦٣
٤٦٤

سورة البلد

[٩٠]

عشرون آية مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (لا أُقْسِمُ) فسّر (بِهذَا الْبَلَدِ) مكّة.

[٢] ـ (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) حالّ به اعتراض بين القسمين لزيادة تعظيمه من جهة حلوله فيه ، أو حلال لك قتل من شئت فيه ، فهو وعد بما أحلّ له ساعة من نهار يوم الفتح أو مستحلّ منك فيه ما لا يستحلّ من غيرك.

[٣] ـ (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) آدم وذرّيّته من الأنبياء والأوصياء واتباعهم أو ابراهيم و «محمّد» صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أو أمير المؤمنين ومن ولد من الأئمة عليهم‌السلام ، ونكّر تعظيما ولذلك جيء بما دون «من».

[٤] ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي جنسه (فِي كَبَدٍ) تعب وشدّة ، إذ يكابد الشّدائد من وقت احتباسه في ضيق الرّحم الى الموت وما بعده.

٤٦٥

[٥] ـ (أَيَحْسَبُ) أي الإنسان ، أو يخصّ ب «أبي الأشد» (١) كان يجعل تحت قدميه اديما فيجذبه عشرة فينقطع ولم تزل قدماه (أَنْ) المخفّفة (لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) فيبطش به.

[٦] ـ (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) كثيرا بعضه على بعض يعنى ما أنفقه رئاء وسمعة ، أو في عداوة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

[٧] ـ (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) فيما أنفقه أي الله يراه ويعلم قصده فيجازيه عليه ، ثمّ دلّ على كمال قدرته بقوله : [٨] ـ (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يبصر بهما.

[٩] ـ (وَلِساناً) يعبّر به عن ضميره (وَشَفَتَيْنِ) يستعين بهما على النطق وغيره.

[١٠] ـ (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) بيّنّا له طريقي الخير والشّرّ.

[١١] ـ (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) أي فلم يطع من أولاه ذلك باقتحام العقبة أي بدخولها وعظّم شأنها بقوله :

[١٢] ـ (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) وهي الطّريق في الجبل ، استعيرت لما فسّرت به وهو :

[١٣ ـ ١٤] ـ (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) مجاعة ، لأنّ في العتق والإطعام مجاهدة النّفس كاقتحام العقبة واكتفى بتعدّد تفسيرها عن تكرير «لا» فكأنّه قيل فلا فكّ رقبة ولا اطعم ، سيّما في قراءة «ابن كثير» و «ابي عمرو» و «الكسائي» : «فكّ رقبة أو اطعم» (٢) على الإبدال من اقتحم وجعل ما بينهما اعتراضا.

[١٥] ـ (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) ذا قرابة في النّسب فإنّه مقدّم على الأجنبيّ.

[١٦] ـ (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) مصدر ترب إذا افتقر والتصق بالتّراب.

[١٧] ـ (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على «اقتحم» و «ثمّ» للتّراخي الذّكرى

__________________

(١) وهو ابو الأشد بن كلدة ـ كما في تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٦.

(٢) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٦.

٤٦٦

أو للبعد في الرّتبة لتقدّم الإيمان على سائر الطّاعات واشتراطها به (وَتَواصَوْا) اوصى بعضهم بعضا (بِالصَّبْرِ) على الطّاعة (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) بالرّحمة على الخلق.

[١٨] ـ (أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) اليمين أو اليمن.

[١٩] ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) الشّمال أو الشّؤم.

[٢٠] ـ (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) (١) مطبقة ، من أوصدت الباب : أطبقته ، وهمزه «حفص» و «أبو عمرو» من أصدقه ، وكذا «حمزة» في الوصل (٢).

__________________

(١) في المصحف الشريف بقراءة حفص : «مؤصدة» بالهمزة ـ كما سيشير اليه المؤلّف ـ.

(٢) حجة القراءات : ٧٦٦.

٤٦٧
٤٦٨

سورة الشّمس

[٩١]

خمس عشرة أو ستّ عشرة آية وهي مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ضوئها ، وأمال «حمزة» و «الكسائي» أواخر آيها إلّا «تلاها» و «طحاها» فتحهما «حمزة» (١).

[٢] ـ (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) تبعها طالعا عند غروبها ليلة البدر أو غاربا بعدها اوّل الشّهر.

[٣] ـ (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) فإنّه تبرز فيه فكانّه أبرزها.

[٤] ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) يغطّى ضوءها بظلامه و «إذا» في الثلاثة لمحض الظّرفيّة ، وعاملها فعل القسم.

[٥ ـ ٦] ـ (وَالسَّماءِ وَما بَناها وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) بسطها.

[٧ ـ ٨] ـ (وَنَفْسٍ) أي النّفوس أو نفس آدم ، فالتّنكير للتّكثير أو التّعظيم (وَما سَوَّاها) عدل خلقها و «ما» في الثّلاثة بمعنى «من» وأوثرت عليها لقصد معنى

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦١٢.

٤٦٩

الوصفيّة كأنّه قيل والقادر الّذي بناها وكذا الأخيرين أو مصدريّة ويقدّر اسم الله فاعلا للفعل فينتظم عطف : [٨] ـ (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) على «وما سوّاها» أي فعرّفها طريقي الخير والشّرّ وأخّر التّقوى للفاصلة وجواب القسم :

[٩] ـ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) طهّرها بالطّاعة ، أو أنماها بالعلم والعمل بتقدير اللّام.

وقيل : هو استطراد في احوال النّفس (١) والجواب مقدّر أي ليدمدم على مكذّبيك كما دمدم على مكذّبي صالح.

[١٠] ـ (وَقَدْ خابَ) خسر (مَنْ دَسَّاها) أخفاها بالمعصية ، أو بها وبالجهل وأصله دسسها مخفّف بقلب الأخيرة الفا.

[١١] ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) بسبب طغيانها.

[١٢] ـ (إِذِ انْبَعَثَ) حين انتدب ظرف «كذّبت» (أَشْقاها) أشقى ثمود وهو قذار بن سالف عاقر النّاقه.

وعن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه أشقى الأوّلين وضارب «عليّ» عليه‌السلام على قرنه أشقى الآخرين (٢).

[١٣] ـ (فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) ـ «صالح» ـ : (ناقَةَ اللهِ) احذروا عقرها (وَسُقْياها) وشربها فلا تزاحموها فيه.

[١٤] ـ (فَكَذَّبُوهُ) فيما أوعدهم به من نزول العذاب ان فعلوا (فَعَقَرُوها) أسند إليهم فعل بعضهم لرضاهم به (فَدَمْدَمَ) أطبق (عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) العذاب (بِذَنْبِهِمْ) بسببه (فَسَوَّاها) أي الدّمدمة عليهم أي عمّهم بها فلم يفلت منهم أحدا وثمود بالإهلاك.

[١٥] ـ (وَلا يَخافُ) تعالى (عُقْباها) تبعة الدّمدمة ، أو إهلاك ثمود فلا يستوفي العقوبة ، وقرأ «نافع» و «ابن عامر» «فلا» بالفاء (٣).

__________________

(١) تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٧.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٤٩٩.

(٣) حجة القراءات : ٧٦٦.

٤٧٠

سورة الليل

[٩٢]

احدى وعشرون آية وهي مكيّة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) بظلامه النّهار أو كلّ ما يواريه ، وامال «حمزة» و «الكسائي» أواخر آيها و «أبو عمرو» : ذا الرّاء (١).

[٢] ـ (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ظهر وانكشف بضوء الشّمس.

[٣] ـ (وَما خَلَقَ) «ما» بمعنى من أو مصدريّة كما مرّ (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أي صنفيهما من كلّ نوع أو آدم وحوّاء ، وجواب القسم : [٤] ـ (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) انّ أعمالكم المختلفة ، جمع شتيت ، ثمّ بيّن اختلافها فقال :

[٥] ـ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) حق الله (وَاتَّقى) المحارم.

[٦] ـ (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) بالمثوبة أو الكلمة الحسنى وهي كلمة الشّهادة.

[٧] ـ (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) للطّريقة اليسرى أي نلطف به فنسهّل عليه فعل الطّاعة ، أو نهيّئه للحالة اليسرى وهي دخول الجنّة.

__________________

(١) اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦١٤.

٤٧١

[٨] ـ (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بحقّ الله (وَاسْتَغْنى) عن ثوابه.

[٩] ـ [١٠] ـ (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) للطّريقة العسرى أي نخلّيه وما اختار ممّا يوجب العذاب أو نهيّئه بسوء فعله للحالة العسرى وهي دخول النّار.

[١٠] ـ (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) نفي أو استفهام بمعناه (إِذا تَرَدَّى) في النّار ، أو مات ، من الرّدى : الهلاك.

[١٢] ـ (إِنَّ عَلَيْنا) بمقتضى عدلنا (لَلْهُدى) الى الحقّ ببعث الرّسل ونصب الدّلائل ، وامّا الاهتداء فإليكم (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١).

[١٣] ـ (وَإِنَّ لَنا) خاصّة (لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) أي ملك الدّارين فلا تنفعنا طاعة مطيع ولا يضرّنا عصيان عاص.

[١٤] ـ (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) بحذف احدى التّائين ، تتلهّب.

[١٥] ـ (لا يَصْلاها) لا يدخلها مؤبّدا (إِلَّا الْأَشْقَى) أي الشّقيّ وهو الكافر ، فإنّ الفاسق المؤمن لا يخلّد إن دخلها بدليل :

[١٦ ـ ١٧] ـ (الَّذِي كَذَّبَ) بالحقّ (وَتَوَلَّى) عن الإيمان [١٧] ـ (وَسَيُجَنَّبُهَا) يبعّد عنها (الْأَتْقَى) أي التقيّ.

[١٨] ـ (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) ينفقه في وجوه البرّ (يَتَزَكَّى) يطلب أن يكون زاكيا عند الله بدل من «يؤتى» أو حال من فاعله.

[١٩] ـ (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى) فيجعل ما أنفق مجازاة لها.

[٢٠] ـ (إِلَّا) لكن أنفق (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) أي طلب رضاه وثوابه.

[٢١] ـ (وَلَسَوْفَ يَرْضى) بما يعطيه من الثواب.

روى انّ رجلا كانت له نخلة فرعها في دار فقير وربّما أخذ أولاده ممّا تساقط من

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٩.

٤٧٢

ثمرتها فينتزعه الرّجل ولو من أفواههم.

فشكاه الفقير الى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فقال له النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعطيني نخلتك الّتي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنّة؟ فقال : انّها اليّ أعجب من سائر نخلي ، ثم ذهب.

فقال أبو الدّحداح للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أتعطيني ما أعطيته ان أنا أخذتها؟ قال : نعم ، فلقى صاحبها واشتراها منه بأربعين نخلة ، فأتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : قد اشتريتها فهي لك ، فقال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفقير : النّخلة لك ولعيالك ، فنزلت السورة في ابي الدّحداح (١).

فجعل قوله : «وسيجنّبها» الى آخرها في «ابي بكر» فرية وعناد (٢).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠١.

(٢) هذا جواب عما في تفسير البيضاوي ٤ : ٢٥٨.

٤٧٣
٤٧٤

سورة الضّحى

[٩٣]

احدى عشرة آية مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالضُّحى) أي صدر النّهار ، أو كلّه ، وأمال «حمزة» و «الكسائي» أواخر آيها إلا : [٢] ـ (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) (١) ـ فتحه «حمزة» ـ أي سكن واستقر ظلامه أو أهله وجواب القسم : [٣] ـ (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ما تركك (وَما قَلى) ما أبغضك ، حذف مفعوله للعلم به وللفاصلة وكذا «آوى» و «اغنى» و «هدى».

وقيل : تأخّر الوحي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ايّاما لمصلحة علمها الله ، فقال الكفّار : انّ ربه ودّعه وقلاه ، فنزلت (٢).

[٤] ـ (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ) لدوام ما اعدّ لك فيها من الكرامات الجليلة (مِنَ الْأُولى) الدّنيا الفانية الحقيرة ، أو لآخر أمرك خير من اوّله فهو وعد بإتمام نوره.

[٥] ـ (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) حذف مفعوله الثاني للإبهام أي يعطيك من

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠٤.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠٥.

٤٧٥

الخير ما لا يعلم كنهه إلا هو ومنه الشّفاعة (فَتَرْضى) به.

عن «الصّادق» عليه‌السلام : رضى جدّى ان لا يبقى في النّار موحّد ، (١) والظّاهر انّه أراد بالموحّد الموالي لهم ، إذ ولايتهم من شروط التّوحيد و «اللام» ابتدائيّة والتّقدير ولأنت سوف يعطيك ، فحذف المبتدأ وادخلت الخبر وأفادت مع سوف انّ ما وعدك كائن لا محالة وان تأخّر لحكمة ، وقيل للقسم وحذفت نون التّوكيد لأنّها علامة كون اللام للقسم وإذا علم ذلك لم يحتج إليها.

[٦] ـ (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) فضمّك الى جدّك عبد المطّلب ثمّ الى عمّك ابي طالب وأنت ابن ثماني ، فعطفه عليك فكفلك الى أن بعثك بالرّسالة ، فقام بنصرك مطيعا لك ، مؤمنا بك حتّى مات على ذلك والاستفهام للتّقرير أي وجدك ولذلك عطف عليه :

[٧] ـ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عن احكام الشّريعة (فَهَدى) فعلّمك بالوحي أو ضالًّا في الطّريق حين أتت بك حليمة الى جدّك أو في شعاب مكّة أو في طريق الشّام مع عمّك ابي طالب فهداك الى جدّك أو عمّك.

[٨] ـ (وَوَجَدَكَ عائِلاً) فقيرا (فَأَغْنى) بتربية ابي طالب وربح التّجارة والغنائم.

[٩] ـ (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) فلا تغلبه على حقّه لضعفه. [١٠] ـ (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) فلا تزجره.

[١١] ـ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) وهو شامل لكلّ نعمة وللتّحدّث بلسان المقال ولسان الحال.

وقيل : أريد بها النّبوّة ، وبالتّحدّث بها التّبليغ (٢).

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠٥.

(٢) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥٠٧.

٤٧٦

سورة الم نشرح

[٩٤]

ثماني آيات مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ألم نفتحه بالنّبوّة والعلم حتّى قمت بأعباء الرّسالة وصبرت على الأذى.

أو بإزالة كلّ شاغل من الحقّ من علائق الدّنيا ، والاستفهام للتّقرير ، ولذلك عطف عليه : [٢] ـ (وَوَضَعْنا) حططنا (عَنْكَ وِزْرَكَ) حملك الثقيل.

[٣] ـ (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) أثقله حتّى سمع له نقيض أي صوت وهو أعباء النّبوّة ، خفّفها الله تعالى عنه بتسهيل القيام بها أو همّه من ضلال قومه أو من إيذائهم له ولأتباعه. أزال همّه بإعلاء أمره ، ولا ينافيه كون السّورة مكّيّة لتحقّق ازالة الهمّ ببشارته بوقوع ذلك في المستقبل وعبّر عنه بالماضي لتحقّقه.

[٤] ـ (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) بأن قرنت اسمك باسمي في الأذان والشّهادة والخطبة وفي القرآن ، وذكرت نعتك في الكتب المتقدمة واقحام لك للمبالغة بالبيان بعد الإبهام.

٤٧٧

[٥] ـ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) أي مع الفقر الّذي عيّروك به سعة أو مع الشّدّة الّتي أنت فيها من الكفّار سهولة بأن يظفرك (١) الله عليهم ، ونكّر تعظيما وللمبالغة في معاقبة اليسر للعسر جعله كالمتّصل المقارن له.

[٦] ـ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) تأكيد أو استئناف ، وعد بأنّ مع العسر يسرا أخّر في الآخرة وعليه يوجّه حديث : لن يغلب عسر يسرين (٢) بأنّ العسر معرّف فيتّحد سواء كان للجنس أو العهد واليسر منكّر فيتعدّد لرجحان تغايرهما نظرا الى : «سبقت رحمتي غضبي» (٣).

[٧] ـ (فَإِذا فَرَغْتَ) من الصلاة (فَانْصَبْ) فاتعب في الدّعاء أو «إذا فرغت» من الفرائض فانصب في أعمال الخير ، أو قيام الليل أو إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب في العبادة أو بجهاد نفسك.

[٨] ـ (وَإِلى رَبِّكَ) خاصّة (فَارْغَبْ) بطلب ما عنده من خير الدّارين.

__________________

(١) في «د» : يظهرك.

(٢) نقله البيضاوي في تفسيره ٤ : ٢٥٩.

(٣) حديث قدسي ، انظر الجواهر السنية في الأحاديث القدسية / ٣٣٥.

٤٧٨

سورة التّين

[٩٥]

ثماني آيات مختلف فيها (١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

[١] ـ (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) أي الثّمرتين ، خصّتا بالقسم لفضلهما بكثرة منافعهما وخواصّهما الغذائيّة والدّوائيّة.

أو جبلين بالشّام ينبتان الثّمرتين ، أو مسجدي دمشق وبيت المقدس.

[٢] ـ (وَطُورِ سِينِينَ) الجبل الّذي كلّم الله تعالى «موسى» عليه ، و «سينين» : الحسن أو المبارك ، أو اسم لمكان الطّور ك «سيناء».

[٣] ـ (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) مكّة ، ذي أمن أو مأمون فيه من دخله وجواب القسم :

[٤] ـ (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) الجنس (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) تعديل من انتصابه وحسن شكله وتمييزه بنطقه وعقله وايداعه ما في العالم الأكبر.

__________________

(١) في «ج» مكيّة او مدنية.

٤٧٩

[٥] ـ (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) الى أرذل العمرو الخرف ، أو الى النّار.

[٦] ـ (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) منقطع على الأوّل ومتّصل على الثاني (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) مقطوع أو منغّص بمنّ.

[٧] ـ (فَما يُكَذِّبُكَ) يحملك على الكذب ايّها الإنسان بأن تكذّب (بَعْدُ بِالدِّينِ) بعد هذه الحجج بالجزاء.

أو الخطاب للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي فأىّ شيء يكذّبك به بعد هذه الدّلائل وقيل : «ما» بمعنى «من» (١).

[٨] ـ (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) أي هو اقضى القاضين فيجب بمقتضى عدله البعث للجزاء.

__________________

(١) تفسير مجمع البيان ٥ : ٥١٢.

٤٨٠